elbana بتاريخ: 7 يناير 2003 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 7 يناير 2003 حمل عم عبده قفة السمك التي ضمت حصاد يوم كامل من العمل وسار ، القفة معلقة من يديها على نبوت غليظ كان قد اقتطعه من إحدى الأشجار ، بينما عمد إلى تغطية القفة مستعيناً بشبكة الصيد ، كانت الشمس تعمل جاهدة على لملمة أشعتها من بين أسطح المنازل وذؤابات الأشجار وأعمدة الإنارة ، وهو بعد لم يذق للزاد طعماً ، إنه يقضي اليوم بطوله في فلوكته القديمة يلقي بالشبكة ثم يعود فيسحبها بعد قليل وعيناه تخترقان الماء في قلق، حصاد اليوم قليل ، وبيته خالٍ من الطعام ، ولده الأكبر طلب منه أن ينزل معه لمعاونته ولكنه رفض ، يجب أن يتعلم الولد ، يجب أن تختلف حياته عن حياتي ، هكذا كان يقول لنفسه دائماً . سار على مهل بعد أن خارت قواه من كثرة العمل وقلة الطعام ، كان الجو قارس البرودة ، مما يسر مهمة الريح البادرة في الوصول إلى جسده النحيل ، لقد بلغ من العمر 69 عاماً ، ولم يعد جسده يتحمل تلك المشقة ، أخيراً وصل إلى المنطقة السكنية التي تعود البيع لأهلها ، يحب أهل المنطقة لأنهم بسطاء (ومننا وعلينا). في شقته الشعبية الصغيرة التابعة لمصنع الحديد والصلب ، جلس شفيق أفندي سعيداً بأكلة المحشي التي وضعتها زوجته أمامه ، كان قد عاد لتوه من العمل ، قبل أن يأكل شرد بذهنه ، لم يتبق في جيبه سوى جنيهات قليلة وأيام الشهر لا تتزحزح ، ما العمل؟ قالت له زوجته وقد أدركت ما يفكر به : (قول ياباسط ياخويا ، وكل لحسن دول آخر شوية محشي قدرت أخليهم لك على جنب .. العيال كانوا ح يخلصوا ع الحلة) كان الجوع قد استبد به حين سمع صوت عم عبده في الشارع يعلن عن بضاعته كالمعتاد ، فنادى زوجته : شاوري له يطلع يا وجيدة . ففتحت وجيدة النافذة وأشارت لعم عبده بالصعود ، صعد عم عبده الدرج ، فتحت له وجيدة الباب فدخل إلى صالة المنزل الضيقة بخطوات بطيئة بعد أن ألقى السلام على شفيق أفندي الجالس إلى طاولة الطعام المتواضعة مرتدياً بيجامته المنزلية كالمعتاد ، اخترقت رائحة المحشي أنف عم عبده فأذابت شعوره وسبحت به في عالم سحري ،صاح شفيق أفندي : (تعالى كل يا عم عبده) ، أنزل الرجل العصا التي تحمل القفة كالمسحور ، خطا نحو الطاولة ، مد يده إلى طبق المحشي وأكل ، لاحظ شفيق أفندي وزوجته أن الرجل يبدو متهالكاً من شدة الجوع كما أن لونه مائل للاصفرار ، ولم يغب عن فطنتهما أن القفة شبه خاوية ، نظر الزوجان لبعضهما البعض سريعاً ،قال شفيق أفندي لزوجته : (هاتي جرنان يا وجيدة وافرشيه لنا على الأرض خلينا نأكل أحمدي النهارده) ونظر إلى عم عبده ضاحكاً (هو احنا يعني مولودين على ترابيزات) بسطت وجيدة جريدة ملئت بالعناوين الساخنة (20 ألف فرصة عمل للخريجين) (ارتفاع ملحوظ في عائدات البترول) وضعت وجيدة الأطباق القليلة فوق الجريدة ، هرعت إلى المطبخ وقد ذاب قلبها إشفاقاً على عم عبده (ده عشرة عمر) هكذا كانت تقول لزوجها دائماً ، وهي التي حرضت عم عبده على أن يدخل أولاده المدارس ، وضعت ما وصلت إليه يداها من خزين المنزل البسيط في كيس من البلاستيك ، ووضعته بجانب عم عبده وهو يأكل (خد ده للعيال وانت مروح يا عم عبده وأنا ح أفرز السمك اللي معاك على ما تاكلوا .. أنا بقى يا سيدي ح آخد كل اللي معاك النهارده وأنا وبختي) أفرغت وجيدة محتويات القفة ، وطفقت تصنف السمك بصوت مسموع (ده ينفع للشوي .. والصغير ده للبط والفراخ .. الشوية دول أعملهم ملوحة) . ثم دلفت إلى غرفة نومها بعد أن أخذت إذناً صامتاً من زوجها ، ومدت يدها في جيبه ، وأخرجت ما به من جنيهات قليلة ، استبقت نصفها وحملت الباقي لعم عبده ( خد يا عم عبده ربنا يعوض عليك) ، وضعت المبلغ في جيبه وهو يأكل في صمت ، (شغلي لنا التلفزيون ياوجيدة) قالها شفيق أفندي بفم ممتلئ بالطعام ونظر إلى عم عبده مبتسماً ، أشعلت وجيدة التلفزيون ، ارتفع صوت المذيعة مصحوباً بموسيقى خلفية كلها مرح وتفاؤل (أين تذهب هذا المساء) ، تبادل عم عبده وشفيق أفندي ووجيدة النظرات ، قال شفيق أفندي للعم عبده (صحيح يا عم عبده ، تحب نسهر فين النهارده) وانفجر الجميع في ضحك هستيري . رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان