اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

أنت تسير على حبال مشدودة.. ونحن أيضا!


any person

هل تري أن العلمانية تتعارض مع الإسلام ؟  

  1. 1. هل تري أن العلمانية تتعارض مع الإسلام ؟

    • لا
      5
    • نعم
      10
    • لا أعرف ما هي العلمانية
      0


Recommended Posts

قرأت هذا المقال في موقع إيلاف وفكرت ان اعرضه عليكم لتبادل الحوار حول نفس الموضوع .. رغم أني اكاد اعرف نوع الأراء التي ستسود الحوار مقدما .

أنت تسير على حبال مشدودة.. ونحن أيضا!

الأحد 12 يناير 2003 09:59

بقلم : نبيل عمر

بينما كان الحوار التليفزيوني ساخنا مثل كرة ملتهبة يتناقلها المتحاورون بانفعال وسرعة، إذا بوعاء من قطع الثلج يندلق عليه في هيئة سؤال من مشاهد عبر التليفون: أشكركم على هذا الجدل لكننا أصبحنا الآن أكثر حيرة، لا نعرف أين الطريق الصحيح أو كيف نمضي فيه..فماذا نفعل؟!!

لم أكن أمام الشاشة متلقيا، بل كنت داخلها في استديو قناة النيل الثقافية الواقع في مبنى شبه منعزل بجبل المقطم، طرفا فاعلا في الحوار حول قضية شديدة التعقيد والبساطة في نفس الوقت وهي: الإسلام والدولة..بمعنى هل الإسلام دين ودولة أم دين فحسب؟!

وهو سؤال حديث شق طريقه إلى أفئدة الناس قبل عقولهم، عقب انهيار نظام الخلافة الإسلامية في تركيا على يد كمال أتاتورك في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، وأثار حربا فكرية على كل الجبهات، ما تلبث أن تهدأ أوارها، حتى تشتعل من جديد مخلفة ورائها مئات الآلاف من الأفكار والآراء الملقاة في آلاف الكتب، وملايين من البشر الحائرين!

كنا طرفين نختلف، الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي وأنا في جانب نري فصل الدين عن الدولة، والشيخ يوسف البدري الداعية المعروف وعضو مجلس الشعب السابق، والدكتور سعيد زارع وكيل كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وهما يريان أن الإسلام دين ودولة، ولا يجوز هذا الفصل أبدا، وأن الداعين إليه لا يعملون بالقرآن والسنة النبوية ويسعيان إلى تعطيلهما!

بالرغم من أن الحوار تجاوز سؤال المشاهد ولم يلتفت إليه، إلا أن حيرة هذا المشاهد انتقلت إلى واستقرت في تلابيب عقلي، فوضعت نفسي مكانه، وأحسست بالمأزق الذي هو فيه، وقلت في نفسي: هذه أبسط مشكلات تسييس الدين!

لم يسبق للمسلمين أن وقعوا في هذه الحيرة أو اصطدموا بهذا السؤال الجوهري وهم يركبون الأيام ويمضون بها في دروب الأرض، لأنهم عاشوا قرونا طويلة في ظل دول ترفع لافتة "الخلافة الإسلامية" على عروشها، بدءا من الخلفاء الراشدين، ثم الدولة الأموية، فالدولة العباسية، فالدويلات الصغيرة التي تشكلت قبل قيام الدولة العثمانية!

قضي المسلمون ما يقرب من 1300 سنة، تحت تلك الراية ولم يتصوروا الحياة بعد زوالها في استنبول.. تعودوا أن يعيشوا في كنف خليفة مسئول عن الرعية ولو اسميا دون أن يسألوا: هل كانت هذه الدول إسلامية حقا أم استغلت الدين في توطيد أركان حكمها وتعظيم سلطة حكامها؟!

وفجأة اختفي الخليفة أو تلاشى أو خرج من قصره الفسيح المطل على خليج البسفور ومعه مئات الإماء والجواري والأغوات ولم يرجع إليه، وحاول بعض الحكام أن "يخطفوا" اللقب المرموق إلى عواصم بلادهم، الرياض أو القاهرة أو بغداد، فخرج عليهم الشيخ على عبد الرازق بكتاب "الإسلام وأصول الحكم" في عام 1925، لينأى بالإسلام بعيدا عن الصراع على الملك، ويبرهن بالأدلة المستقاة من القرآن والسنة أن الخلافة ليست من الإسلام في شئ!

كانت ملاحظتي الأولى على أنصار أن الإسلام دين ودولة، أنهم كما لو أنهم في حالة دفاع عن الدين الحنيف ويحاولون دوما درء أي ناقصة عنه، وأن نصوص القرآن الكريم وسيرة الرسول وأحاديثه بها من المنهج ما يفتح أبواب السعادة أمام الإنسان، وأن الإسلام ليس بأي حال من الأحوال ضد العلم والتقدم وحرية التفكير والحياة العصرية، وهو لا يتضمن على الإطلاق ما يعطلها، بدليل أن إسهامات الحضارة الإسلامية على مدى ما يقرب من ثمانية قرون في كل مناحي الحياة والمعارف لم تتوقف وتحفظها المراجع والموسوعات.!

وفي الحقيقة لم يكن هذا هو موضوع النقاش، ولم يقل أحد أن الدين سبب تخلف المسلمين، وأيضا لا نريد أن نعزل الدين عن الحياة كما وصف الشيخ يوسف البدري قولي إن الإسلام ليس نظاما سياسيا ولا اقتصاديا، وبالتالي ليس دولة، ولم يحدث أن كان لهذا النظام وجود، ولم تكن هناك دولة إسلامية وإنما مجتمع إسلامي، والفارق كبير بين الدولة والمجتمع..الدولة قواعد تفصيلية لنظام الحكم وعلاقة واضحة بين المؤسسات وبعضها، وبين السلطات والفرد، وكلها محكومة بقانون قابل للتغيير والتطور حسب الأحوال داخل حدود متعارف عليها ومعترف بها، أما المجتمع فتحكمه أعراف وقيم وتقاليد وعادات ونزعات وعلاقات خاصة وسلوكيات

وأرى أن الإسلام منهج حياة ولا يمكن حصره في نظام سياسي متغير أو في حدود دولة قابلة للتوسع والاضمحلال والتقدم والانهيار!!

الدين بطبعه مطلق فهو مكون من المقدس، والمقدس غير قابل للتغيير، والدولة حالة نسبية مكونة من عناصر غير مقدسة قابلة للتغيير!

ولا يعني أن الإسلام دين وليس دولة، هو عزل الدين عن حياة الناس، وإنما حفظ الدين عن الصراع السياسي، وألاعيبه ومؤامراته ودسائسه، واستغلاله في فرض الطاعة على الناس للحاكم، "وأطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم"، الدين هو النبراس الذي يضئ حياتنا، لكن ليس نظاما سياسيا ولم يكن في أي فترة علي امتداد أربعة عشر قرنا، هناك ملوك ورؤساء وأنظمة حاولت أن تلصق نفسها بالإسلام من باب فرض الوصاية علي الناس واللعب بعواطفهم الدينية المتأججة!

وتحدث الدكتور سعيد زارع عن الشورى في الإسلام وضرب مثلا باختيار الخليفة الراشد "أبي بكر الصديق"، بعد خلاف كبير نشب بين الأنصار والمهاجرين في "سقيفة بني سعد"، وكان كل طرف يري نفسه أحق بالخلافة، فالأنصار هم الذين عضدوا المهاجرين، ووفروا لهم المأوى والأمان بعد أن اضطهدتهم قريش، والمهاجرون يرون أنهم الأحق لأنهم هم الذين تركوا ديارهم وأموالهم وفروا بدينهم حتى ساد وانتشر، وظل الخلاف قائما حتى حسمه عمر بن الخطاب لمصلحة أبي بكر، فقبل به أهل الحل والعقد ورضي الجميع.!

قلت: ما علاقة هذا الصراع بالإسلام، أنه صراع دنيوي على السلطة، ولو كان الإسلام نظام يحدد تداول السلطة ما وقع أصلا واتبع المجتمعون في سقيفة بني سعد ما ينص عليه الدين دون أي خلاف، والأهم أن الصراع ولد صراعا أشد دام طويلا، لأن أنصار على بن أبي طالب لم يقبلوا، وأنقسم المسلمون بعدها إلى سنة وشيعة!

وتحدث الشيخ يوسف البدري عن المرونة الكامنة في النظام الإسلامي، فالقرآن يطالبنا بالشورى دون أن يحدد شكلها، قد تكون بين أهل الحل والعقد أو في استفتاء شعبي حسب الزمان والمكان وحالة التطور التي عليها الدولة!

وتدخل مشاهد منحازا إلى أن الإسلام دين ودولة ، قائلا إن دول الخلافة جربت على مدار تاريخها أنماطا كثيرة من اختيار الخليفة بحرية، وضرب مثلا بعملية الاختيار بين عثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب: حتى آخر لحظة لم يعرف المسلمون من هو الخليفة الجديد!

فقلت: طبعا لم يعرفوا لأنهم مستبعدون من الاختيار أصلا!

طبعا أعرف أن النظم التي سادت في تلك الحقبة من التاريخ الإنساني لم تعترف بحق المواطن في اختيار حكامه ، ولم يعرف هذا النظام إلا بعد الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر

وبالتالي لا يعد المثل دليلا علي وجود نظام سياسي نابع من الدين أو عدم وجوده.

ورفع الشيخ يوسف البدري المصحف الشريف قائلا: علينا أن نعمل بهذا الكتاب، ولا يمكن لمسلم صحيح الإسلام أن يطلب عزل الدين عن الحياة!

فقال الدكتور كمال مغيث: هذا ما صنعه كثيرون، كما حدث في معركة الجمل، وكما رفعته الجماعات الإسلامية التي أخذت العنف طريقا!

فرد الشيخ يوسف البدري: نحن نجادل بالحسنى ولا نعرف العنف.. وإذا اختلفنا نحتكم إلى القضاء.

قال كمال مغيث: نحن نتحدث عن إجراءات، ولكن إذا أخذنا بـ"نص ما" قد يقول البعض أنه منسوخ، وإذا قلنا عن نص أنه منسوخ يقول البعض فلنرجع إلي السنة النبوية، وإذا استشهدنا بحديث يقول آخرون أنه حديث أحاد..التفسيرات متعددة وفهمها أو العمل بها متفاوت!

فتدخل الدكتور سعيد زارع متحديا: اعطني مثلا.

فقلت: في معركة الجمل..كان على بن أب طالب في جانب، والسيدة عائشة في الجانب الآخر، أيهما كان على حق؟!.وهل هذا كان صراعا سياسيا لا علاقة له بالإسلام أم صراعا على السلطة حسب الشريعة الإسلامية؟!..وما حدث من الأمويين؟!..لماذا قتل الحسين بن على؟!..والدولة العباسية والدماء التي سالت وهي تتأسس ..هل تلك الدماء المسالة من الدين الذي هو دولة أم من السياسة التي لا علاقة لها بالدين؟!..لماذا نربط الدين بصراعات سياسية كان الأخ يقتل فيها أخاه، والحاكم أولاد العمومة، لقد اغتيل ثلاثة من الخلفاء الراشدين بكل ما كان يتمتعون به مكانة، والعشرات من آل النبي، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم..أن ربط الإسلام بهذه السلوكيات يضره ويسئ إليه ويسمح للمتربصين به أن يصفوه بالعنف!

فاحتد الشيخ يوسف البدري قائلا: لماذا تختار هذا الجانب من الخلافة الإسلامية؟!..لماذا هذا الحديث عن الاغتيالات وسفك الدماء، لقد كانت هذه الدول مشعل الحضارة للعالم كله وهو يغط في الجهل والخرافة والتخلف، مشاعل حضارية في المعارف الإنسانية والعلوم والكيمياء والفلك والطب.

وتطرق الدكتور سعيد زارع إلى دور الخليفة المسلم في حفظ الرعية

فاعترضت قائلا: المواطنون ليس رعايا مسئول عنهم الحاكم، وهو الذي يعمل على حفظ حياتهم وأموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم ومصالحهم، بل القانون والنظام العام هما المسئولان عن حماية حقوق المواطن، والحاكم مجرد ممثل عن الناس لإدارة الحياة العامة سياسيا والعلاقات الخارجية وفق برنامج معلن يحاسب في نهاية مدته عليه!

وقبل أن نكمل الحوار الساخن دق بندول الساعة، معلنا نهاية البرنامج، فتوقف الكلام، لكن حيرة المشاد ظلت تصاحبني، فمن المؤكد أنه ليس وحده الحائر، الذي يمشى على سلك مشدود، نحن أيضا حائرون، نخلط الأوراق، ونصدر الفتاوى، بل كلنا حائرون، فالبعض يحلل فوائد البنوك، والبعض يحرمها، البعض يخطف الطائرات وينتحر بها أو يستشهد، والأغلبية تجرمها وعشرات الأمور على هذا النحو، حالة من الارتباك والتراجع كما لو أننا سحره هنود نمشى على أسلاك رفيعة لا نريد أن نسقط على ارض الواقع أو نمشي عليها ونتعامل مع مشكلاتها دون فتوى من الماضي ترفع عن كاهلنا مسئولية التخلف الذي نسبح فيه.

____________________________

قد أختلف معك في الرأي

و لكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنالحقك في التعبير عن رأيك

رابط هذا التعليق
شارك

قبل كل شئ يجب ان نحدد ما هي الدولة وبعدها نرى هل هي مجال لتطبيق احكام الدين عليها ام لا

الدولة هي عبارة عن مساحة ارض لها حدود معينة معروفة ومعترف بها ويقيمون عليها مجموعة من البشر ولها اسم

فهل الدين انزل ليدار به الدولة ام انزل على مجتمعات الناس المقيمين في هذه الدولة

بالاطبع الدين يخص مجموعة من الناس المقيمين في هذه الدولة سواء كانو اغلبية او اقلية

لن ننكر ابدا ان الامبراطورية الاسلامية كانت سند وحفاظا لكرامتنا عن ما يحدث لنا اليوم

ولكن اليس داخل الامبراطورية الاسلامية كان يعيش فيها ملل اخرى غير المسلمين وما حكم الاسلام فيهم وفي حل مشاكلهم

انا اتمنى ان ترجع الامبراطورية الاسلامية حتى ولو على شكل الولايات الاسلامية المتحدة ويكون فيها الحكم ديمقراطي وبأنتخاب حر

ولنا بقية

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

فكرت في إضافة هذا المقال أيضا لعله يثري المناقشة حول حال الفصام التي نحياهاز وهو من موقع إيلاف أيضا.

فتاوى الاعتدال وفتاوى التطرف

الأحد 12 يناير 2003 08:30

د· رضوان السيد

إثر مقتل جار الله عمر، والأطباء الأميركيين في اليمن، أصدر علماء اليمن فتوى تدين عمليتي القتل: قتل جار الله عمر باعتباره مؤمناً يأثم قاتله، ويدخل النار، ويدخل هو الجنة باعتباره شهيداً مظلوماً، وقتل الأطباء الأميركيين باعتبارهم مستأمنين، لا يحلّ قتلهم، إذ أن من يجوز قتله هو الكافرالمحارب فقط·

والواقع أن هذه الفتوى تستحق الاهتمام، بسبب تصاعد أهمية الفتاوى في العقود الأخيرة، وبسبب تناقضها، واختلاف تأثيراتها وسياقاتها، والفئات الصادرة عنها، وأخيراً معناها ونتائجها في الظروف الراهنة، وفي السنوات القليلة المقبلة· فالواضح أن الذين أصدروا الفتوى اليمنية الأخيرة هم فئة من العلماء التقليديين القريبين من السلطة· وبقدر ما تبدو هذه الفتوى معتدلة، تحاول الحيلولة دون الانغلاق، والمواجهة مع العالم، وفرض تقسيمات داخلية (ديني/علماني)، فإنها تلتزم من جهة ثانية بالمنظومة التقليدية لرؤية العالم، أي دار الإسلام ودار الحرب· والمعروف أن المنظومة التقليدية تفترض انتظاماً كاملاً وشاملاً داخل دار الإسلام، كما تفترض مفارقة كاملة وشاملة لـدار الكفر تارة ودار الحرب تارة أخرى· ومعنى الانتظام في دار الإسلام أن المسلمين على الإسلام كلهم، وأنهم محرّمو الدم والمال ما داموا من أهل دار الإسلام، ويعلنون بالقول أو بالفعل التزامهم بأحكام تلك الدار· ومن هنا تأتي فظاعة الفعل الذي قام به الرجل الذي قتل جار الله عمر· ويلتحق بهذه الحرمة أهل الذمة وهم غير المسلمين من أهل دار الإسلام، والذين بينهم وبين المسلمين عقد صار لهم بمقتضاه ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، كما يلتحق بهم المستأمنون من التجار والفئات الأخرى التي تدخل دار الإسلام بأمان أو عهد· أما دار الكفر فتختلف في أحكامها الفقهية والقانونية عن دار الإسلام، ولا تنطبق عليها أحكام دار الإسلام حتى لو استطاع المسلمون ذلك· وهذا الأمر (الاختلاف القانوني = اختلاف الدارين) هو رأي جمهور الفقهاء وعلى رأسهم أبو حنيفة ومالك وابن حنبل والأوزاعي وأبو ثور والثوري باستثناء الشافعي الذي يرى أن كل دار للكفر هي دارُ حرب، وتسري أحكام الإسلام في سائر الديار ما استطاع المسلمون ذلك·وعلة الاختلاف بين الشافعي وجمهور الفقهاء، أن الفقهاء الأوائل يرون أن علة القتال العدوان، من جانب غير المسلمين، أو خوفه، في حين يرى الشافعي أن علة القتال هي الكفر· وفي الحالة التي بين أيدينا لا يختلف رأي الجمهور عن الشافعي أو أن هناك إجماعاً على أن الأطباء الأميركيين تنطبق عليهم حالة الاستئمان أو العهد· فقد دخلوا إلى اليمن بطريقة مشروعة، وهم يعملون فيها في العناية الصحية، بعلم الحكومة، وموافقة اليمنيين الذين يترددون للاستشفاء على مستشفاهم ومستوصفاتهم·

ويبدو هذا التصور في تفاصيله ملائماً لمواجهة الموقف· بيد أن رؤية العالم التي يتأسس عليها هذا التصور (دار الإسلام/دار الحرب) عرضة للاستغلال والتأويل والاستعمال من جانب الأصوليين المتشددين أيضاً والذين يتبنون شكلياً ورمزياً الرؤية نفسها· فكل تصريحات أسامة بن لادن والجهاديين الآخرين تفترض وجود دار الإسلام ودار الحرب· بل وتفترض استمرار الحرب من جانب الكفار المحاربين، والجهاد (الدفاعي والهجومي) من جانب المسلمين المجاهدين· ولكي يجيز أولئك لأنفسهم قتل المدنيين، يستشهدون بنص التترّس من كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، ويعنون بذلك أنه إذا اتخذ المحاربون من المدنيين والنساء والصبيان متاريس يختفون وراءها أو يتترسّون بها، فمن حق المجاهدين المسلمين تجاهل حرمة دم الصغار وغير المحاربين ورميهم بالمنجنيق رجاء إصابة المقاتلين من ورائهم! وبوسع التقليديين طبعاً القول هنا إن ذلك كان اجتهاداً من جانب الشيباني وهم لا يُقرونه· كما أن بوسعهم القول إن الحرب على الأمم الأخرى حالة تسيطر عليها الدولة، وهي التي تعلن الحرب· وليس من حق أحد أياً كانت حججه الدينية أن يعلن حرباً على الولايات المتحدة أو غيرها من عند نفسه، إذ أن ذلك يحمّل جماعة المسلمين مسؤوليات لا قبل لهم بحملها، وهو ما يبدو الآن في الحرب الأميركية على الإرهاب، وفي الحرب على العراق، وعجز الدول العربية والإسلامية عن مواجهة الخطر المحقق المستند إلى هجمات 11 سبتمبر التي كانت حرباً خاصة شنها أسامة بن لادن بقرار منفرد منه على الولايات المتحدة في عقر دارها، ويتحمل نتاجها الآن العرب والمسلمون في سائر أنحاء العالم، وفي أميركا بالذات، حيث يعيش ويعمل ويتوطن ملايين منهم·

مشكلة الفتاوى المستندة إلى الآليات التقليدية، وإلى التصور الوسيط لرؤية العالم، إذن أنه رغم تلاؤمها الظاهر مع الظروف المستجدة، فإنها -بسبب طابعها الإشكالي- قابلة للاستغلال من جانب الأصوليين والإحيائيين من خصوم التقليديين والأنظمة الحاكمة· ثم إنها وبسبب طابعها الإشكالي الناجم عن انقضاء الأساس الذي استندت إليه تلاؤمها ظاهري فقط· وتأتي ظاهريته من أن رؤية العالم التي يتضمنها هذا التصور تتناقض وواقع العالم المعاصر تناقضاً هائلاً، يضفي عليها الكثيرمن الاصطناع، ويحيل علاقة المسلمين بالعالم إلى بؤرية ضيقة تأباها النصوص القرآنية، والطبيعة العالمية لدين الإسلام· فأين هي دار الإسلام المتميزة وجوداً وسكاناً عن ديار الكفر ما دام المسلمون موجودين في سائر أنحاء العالم، وقد قتل منهم قرابة الخمسمائة في الهجوم على مركز التجارة العالمي؟ والطريف أن هذه الرؤية بالذات التي يتبناها الأصوليون والإحيائيون والسلفيون، يتبناها أيضاً خصوم الإسلام باعتبارها تمثل حقيقـــــة المســـلمين للعالم اليوم!

والتساؤل الأخير في هذا السياق هو في مدى شعبية أو صدقية هذه الفتاوى: الفتوى التي تستند إلى فكرة تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب لتقول إننا في حالة سلام مع النفس ومع العالم· والفتوى الأخرى التي تستند إلى الرؤية نفسها لتقول إننا في حالة حرب مع أنفسنا ومع العالم· الإسلاميون الجدد يقولون إن التقليديين مستسلمون للسلطات ولذلك لا يقرون النضال الداخلي، ويترددون أمام مخاطر النضال العالمي· والتقليديون يقولون إن النضال أو الاقتتال في دار الإسلام محرم وهو فتنة، ولا تتوافر الشروط التي تجعل من مقاتلة الخارج جهاداً· وهكذا فحتى التلاؤم الشكلي أو الظاهري غير متوافر، أولاً بسبب تكافؤ الأدلة، كما كان يقال قديماً· فليس عادياً ولا طبيعياً ولا مسوّغاً أن يستند فريقان إلى التصور نفسه، ويصلان إلى نتيجتين متناقضتين· ثم إن المنظومة القديمة التي طورها الفقهاء، وطورتها السلطات للعلاقات الدولية، ما بين القرنين الثاني والثالث للهجرة/الثامن والتاسع للميلاد، ما عادت صحيحة أو مقبولة، بل ومنذ أكثر من قرن· فالخارج ما عاد خارجاً، والداخل اختلف وتعدد، والمشروعيات والقانونيات قوامها الوحدات القومية والوطنية وليس الدينية أو الامبراطورية· والذي يدل على الارتباك الكبير لدى التقليديين والأصاليين أن الطرفين لا يستطيعان المضي بفتواهما إلى نهايتها· فالجماعات الإسلامية تمارس عنفاً داخل دار الإسلام، وليس ضد الأنظمة الحاكمة، بل ضد المدنيين من المواطنين والأجانب· ويعني ذلك أنها لا تعترف بالحرمة التي يحدثها القول بدار الإسلام· بينما يريد التقليديون حصر إعلان الحرب على المستعمرين أو غير دول دار الإسلام، بالإمام أو السلطة الحاكمة، في الوقت الذي لا يحددون لنا ماذا نعمل إن غُزِينا ولم تعلن السلطة (الشرعية) الحرب؟! لكن الأهم من ذلك أنهم يهتمون بما لا يصلح فعله، لكنهم لا يقولون لنا ما هي الحدود المشروعة للمعارضة داخل دار الإسلام أو الوحدة القومية؟!

انتهت دار الإسلام رسمياً، باعتبارها جزءاً من النظام الدولي في عام ،1924 عندما أعلن مصطفى كمال إلغاء الخلافة· أما اتجاهها للتراجع والتضاؤل فقد بدأ في معاهدة كوجك كينارجي عام 1774 مع الروس، حول التنازل عن شبه جزيرة القرم، عندما اعترف العثمانيون مرغمين بانفصال الخلافة عن السلطنة، أو الدين عن الدولة· فقد تنازلوا عن حقوقهم السياسية في شبه الجزيرة، وأبقوا على الامتيازات الدينية أي تعيين القضاة والأئمة، والإشراف على الأوقاف والمقابر· لكنهم كانوا بذلك لا يتخلون عن مسؤولية الخلافة والإشراف على سائر المسلمين (ضمن دار الإسلام) فحسب، بل ويسهلون على الروس أمر السيطرة على المسلمين بطمأنتهم (أي المسلمين) إلى استمرار انتظام شأنهم الديني في ظل ولاية غير المسلم· وقاوم الجزائريون والأفارقة الآخرون السيطرة الغربية خلال القرن التاسع عشر، وكذلك فعل الهنود المسلمون، وكل ذلك تحت شعار: لا ولاية لغير المسلم على المسلم، ودونما مساعدة من دولة الخلافة العثمانية· وفي الوقت الذي كانت فيه أقطار إسلامية تخرج من تحت مظلة الخلافة، أو تدخل في ظل أنظمة جديدة وإن لم تكن لها علاقة بالسلطنة العثمانية مثل آسيا الوسطى والقوقاز والهند والجزائر وتونس والمغرب ومصر، كان مفكرون أوروبيون يتحدثون عن التخلص من الرجل المريض، وعن نهاية عصر الامبراطوريات (النمساوية والعثمانية)، وعن نظام دولي جديد تسيطر عليه الدول الاستعمارية والقوتان الأعظم بالذات آنذاك: أنجلترا وفرنسا· وفيما بين عامي 1918 و1925 ظهر النظام الدولي الجديد إثر الانتصار في الحرب العالمية الأولى، وزوال الإمبراطوريتين النمساوية والعثمانية· على رغم المتغيرات الهائلة بالحرب العالمية الثانية وما بعدها، فإن العرب والمسلمين ما يزالون موضوعاً للنظام الدولي (نظام عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة)، وليسوا أطرافاً فاعلين ومؤثرين فيه· وقد دفعت هذه الهامشية، والوقائع الاستعمارية التي تسببت بها سياسات الهوية والخصوصية إلى الأمام في مجالنا الثقافي والسياسي، وصار نقد النظام الدولي القديم والجديد جزءاً من خطاب الممانعة في وجه الغرب، والعداء له·

أين مواقع الفتاوى من الوقائع الآن؟ وكيف التعامل مع التقليديين الجدد والسلفيين الجدد؟ الواقع أن الجمهور المسلم لا يتقبل فتاوى الحرب الدائمة في الداخل والخارج، وعلى الخارج بالذات، لكنه يتشفى بها ويستسلم لها· بينما لا يأبه كثيراً لفتاوى التقليديين، باعتبارها تمثل رأي السلطات وتأتي متأخرة دائماً· وفي القرن العشرين انقسم المفكرون بين قائل بالاعتراف بالمتغيرات، وابتداع أساليب وآليات جديدة للمشروعية، وقائل باستمرار الجهاد إلى يوم القيامة لا يضره جور جائر ولا عدل عادل· والرؤية التقليدية الإسلامية للعالم تساعد الجهاديين أكثر مما تساعد أهل المسالمة من التقليديين في ظل الظروف الراهنة· إذ أن الولايات المتحدة تظهر إصراراً على حل مشكلاتها مع العرب والمسلمين بالقوة· وهكذا فإن التغيير في رؤية العالم، وفي الإصغاء إلى المتغيرات يبدو الآن أكثر إلحاحاً· لأن الحل الجهادي المطلق حل انتحاري الآن وفي كل زمان· ويحتاج الأمر إلى نخبة دينية جديدة تستقل عن ضرورات الدولة والنظام كما يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وتصغي بمعرفة إلى مقتضيات التغيير، وتضع وعيها الجديد في خدمة الإصلاح، والتصدي لأطروحات الثورة الدائمة على طريقة تروتسكي:

فيا دارها بالخَيف إن مزارَها

قريبٌ ولكن دون ذلك أهوالُ·

أستاذ الدراسات الإسلامية - رئيس تحرير مجلة الاجتهاد

الأتحاد الأماراتية

_________________________

قد أختلف معك في الرأي

و لكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 1 شهر...

موقع ايلاف من اسوا المواقع التي تهاجم الاسلاميين لانهم اسلاميين فقط و التي تخلط بتعمد وو ضوح بين الاسلام المعتدل و غيرة و تتعمد اظهار الامثلة السيئة للاسلاميين فقط وقد دخلتة اكثر من مرة ولم ارى بة سوى ذلك ولذلك ليس من المستغرب ان ارى هذة المقالات تخرج منة .

ارائة ليس بها اي انواع الموضوعية كموقع اخباري .

رأيت اكثر هذة المقالات بالذات للكاتب نبيل شرف الدين في موقع قبطي متطرف لا يدعو الا للفتنة .

الله غايتنا....الرسول قدوتنا ......القرآن دستورنا ......الجهاد سبيلنا ............الموت في سبيل الله اسمى امانينا.

رابط هذا التعليق
شارك

القضية شائكة فعلا .. والعنوان مناسب لها .. فالفرق كالشعرة بين رفض إقصاء الدين عن السياسة ونظام الحكم وفى نفس الوقت رفض الحكومة الدينية .. والعلمانية ترفض الأولى لتؤيد الثانية .. بينما المطلوب هو الحفاظ على الاثنين معا .. المرجعية الدينية للعمل السياسى .. ليصنع الدين إطارا أخلاقيا للحركة السياسية ..

عزيمة فرد واحد يمكن أن تحدث فرقاً .. وتصنع التغيير

رابط هذا التعليق
شارك

و الله احنا هنا لنناقش أفكارنا الشخصية , و ليس لنقل أطروحات ايلاف الشاذة , و التي لا هم لها الا الصاق التهم , و الحجة دائما موجودة , يعني من هم الكتاب المرموقين الذين يكتبون في ايلاف ؟؟

العشماوي , حسن حنفي , النقيدان الذي يطالب باحياء الارجاء علنا , رموز العلمانية( التنوير ) في الوطن العربي , كل الثائرين على مبدأ الاسلام هو الحل , الغريب أن كلامهم يفتقد لكل الموضوعية , يعني العشماوي نشر مقال هناك امبارح , الكلام كان عن الوهابية , مع انه و أنا متأكد لم يقرأ كتب الامام ابن عبد الوهاب , و لكنه هاجم !!

ثم ربط بين الاخوان و الوهابية , بطريقة مضحكة , صحيح هناك ارتباط بل و تأثيرات مشتركة , و لكن تبريره كان من السطحية و العقم في التفكير حتى أن الطفل لا يستطيع أن يصدق هذا الكلام !!

و دائما الجماعات المسلحة هي الظاهرة , و مقتل فرج فودة و الجار الله عمر و غيرهم ( الشهداء الذين ضحوا بحياتهم فداءا لجماية الاسلام من تشويه الأعداء ) , أنا طبعا لا ادافع عن من يحمل السلاح , لأنه أسلوب همجي و غير مجدي , و لكن في نفس الوقت ايلاف المسكينة تحاول ايهام العالم أو القاريء بأن هؤلاء هم الإسلاميون متوحشون ارهابيون و قتلة !!

و تجاهل غريب للكثير من المفكرين الاسلاميين على مدار التاريخ , و التشبث بالآراء التي تبدو للوهلة الأولى أنه توافق آرائهم , قراءة غريبة للنصوص على طريقة لا تقربوا الصلاة فكلامهم مليء بأقوال الأئمة الأربعة .. و كلام لمتأخرين و متقدمين , بشرط يكون تنويري , يعني لو مش تنويري و حداثي يبقى رجعي و حجري و متخلف !!

و ليس هذا بغريب على هذا الموقع التافه , فصور التعري تملأ أركانه , و كل معتوه أطال شعره و امتنع عن الاستحمام و أصبح انسان مختل , يصبح مبدع و مثقف و تنويري و حداثي و ما بعد الحداثي ....الخ

و طبعا تصبح كل أقواله ابداعا و فنا , و رسوماتهم تعبير عن الجسد و الشهوة ..بصراحة كلامهم دائما يميل الى الاباحية و الابتذال !!

كلام الأستاذ مصري فيه الخلاصة .

بينما المطلوب هو الحفاظ على الاثنين معا .. المرجعية الدينية للعمل السياسى .. ليصنع الدين إطارا أخلاقيا للحركة السياسية ..

كلام جميل لا غبار عليه بصراحة .

و أقولها

لو كان التشدد يعني التمسك بالكتاب و السنة , فأقولها بأعلى صوتي أنا متشدد .. و الحمد لله على هذه النعمة .

و الله من وراء القصد .

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. واخو الجهالة في الشقاوة ينعم

هذه مدونتي:

Fathy

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...