الصاوى بتاريخ: 25 يناير 2003 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 25 يناير 2003 الحياء اعلم أن الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة كما قالت العرب في أمثالها : تخبر عن مجهوله مرآته وكما قال سلم بن عمرو الشاعر ، لا تسأل المرء عن خلائقه في وجهه شاهد من الخبر فسمة الخير الدعة والحياء ، وسمة الشر القحة والبذاء . وكفى بالحياء خيرا أن يكون على الخير دليلا ، وكفى بالقحة والبذاء شرا أن يكونا إلى الشر سبيلا . وقد روى حسان بن عطية عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الحياء والعي شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق } . ويشبه أن يكون العي في معنى الصمت ، والبيان في معنى التشادق ، كما جاء في الحديث الآخر : { إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون المتشدقون } . وروى أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار } . وقال بعض الحكماء : من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه . وقال بعض البلغاء : حياة الوجه بحيائه ، كما أن حياة الغرس بمائه . وقال بعض البلغاء العلماء : يا عجبا كيف لا تستحيي من كثرة ما لا تستحيي وتبقى من طول ما لا تبقى . وقال بعض الشعراء ، وهو صالح بن عبد القدوس : إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ولا خير في وجه إذا قل ماؤه حياؤك فاحفظه عليك وإنما يدل على فعل الكريم حياؤه وليس لمن سلب الحياء صاد عن قبيح ولا زاجر عن محظور ، فهو يقدم على ما يشاء ويأتي ما يهوى ، وبذلك جاء الخبر . روى شعبة عن منصور بن ربعي عن أبي منصور البدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : يا ابن آدم إذا لم تستح فاصنع ما شئت } . وليس هذا القول إغراء بفعل المعاصي عند قلة الحياء كما توهمه بعض من جهل معاني الكلام ومواضعات الخطاب ، وفي مثل هذا الخبر قول الشاعر : إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء واختلف أهل العلم في معنى هذا الخبر ، فقال أبو بكر بن محمد الشاشي في أصول الفقه : معنى هذا الحديث أن من لم يستح دعاه ترك الحياء إلى أن يعمل ما يشاء لا يردعه عنه رادع . فليستحي المرء فإن الحياء يردعه . وسمعت من يحكي عن أبي بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة أن المعنى فيه إذا عرضت عليك أفعالك التي هممت بفعلها فلم تستح منها لحسنها وجمالها فاصنع ما شئت منها . فجعل الحياء حكما على أفعاله وكلا القولين حسن . والأول أشبه ؛ لأن الكلام خرج من النبي صلى الله عليه وسلم مخرج الذم لا مخرج المدح . لكن قد جاء الحديث بما يضاهي القول الثاني وهو قوله صلى الله عليه وسلم : { ما أحببت أن تسمعه أذناك فأته ، وما كرهت أن تسمعه أذناك فاجتنبه } . ويجوز أن يحمل هذا الحديث على المعنى الصريح فيه ويكون التأويل الأول في الحديث المتقدم أصح إذ ليس يلزم أن تكون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها متفقة المعاني بل اختلاف معانيها أدخل في الحكمة وأبلغ في الفصاحة إذا لم يضاد بعضها بعضا . واعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه : أحدها : حياؤه من الله تعالى . والثاني : حياؤه من الناس . والثالث : حياؤه من نفسه . فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره . وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { استحيوا من الله عز وجل حق الحياء . فقيل : يا رسول الله فكيف نستحي من الله عز وجل حق الحياء ؟ قال : من حفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وترك زينة الدنيا ، وذكر الموت والبلى ، فقد استحى من الله عز وجل حق الحياء } . وهذا الحديث من أبلغ الوصايا . وقال أبو الحسن الماوردي ، مصنف الكتاب : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ذات ليلة فقلت : يا رسول الله أوصني : فقال : استح من الله عز وجل حق الحياء . ثم قال : تغير الناس . قلت : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : كنت أنظر إلى الصبي فأرى من وجهه البشر والحياء ، وأنا أنظر إليه اليوم فلا أرى ذلك في وجهه . ثم تكلم بعد ذلك بوصايا وعظات تصورتها ، وأذهلني السرور عن حفظها ووددت أني لو حفظتها . فلم يبدأ بشيء صلى الله عليه وسلم قبل الوصية بالحياء من الله عز وجل ، وجعل ما سلبه الصبي من البشر والحياء سببا لتغير الناس ، وخص الصبي ؛ لأن ما يأتيه بالطبع من غير تكلف . فصلى الله وسلم على من هدى أمته ، وتابع إنذارها ، وقطع أعذارها ، وأوصل تأديبها ، وحفظ تهذيبها ، وجعل لكل عصر حظا من زواجره ، ونصيبا من أوامره . أعاننا الله على قبولها بالعمل ، وعلى استدامتها بالتوفيق . وقد روي أن علقمة بن علاثة قال : يا رسول الله عظني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم { استح من الله تعالى استحياءك من ذوي الهيبة من قومك } . وهذا الحياء يكون من قوة الدين وصحة اليقين . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : { قلة الحياء كفر } . يعني من الله ؛ لما فيه من مخالفة أوامره . وقال صلى الله عليه وسلم : { الحياء نظام الإيمان فإذا انحل نظام الشيء تبدد ما فيه وتفرق } . وأما حياؤه من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من اتقى الله اتقى الناس } . وروي أن حذيفة بن اليمان أتى الجمعة فوجد الناس قد انصرفوا فتنكب الطريق عن الناس ، وقال : لا خير فيمن لا يستحي من الناس . وقال بشار بن برد : ولقد أصرف الفؤاد عن الشيء حياء وحبه في السواد أمسك النفس بالعفاف وأمسي ذاكرا في غد حديث الأعادي وهذا النوع من الحياء قد يكون من كمال المروءة وحب الثناء . ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : { من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له } . يعني - والله أعلم - لقلة مروءته ، وظهور شهوته . وروى الحسن عن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم : { إن مروءة الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه ومجلسه وإلفه وجليسه } . وقال بعض الشعراء : ورب قبيحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء إذا رزق الفتى وجها وقاحا تقلب في الأمور كما يشاء وقال آخر : إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع وأما حياؤه من نفسه فيكون بالعفة وصيانة الخلوات . وقال بعض الحكماء : ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك . وقال بعض الأدباء : من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر . ودعا قوم رجلا كان يألف عشرتهم ، فلم يجبهم ، وقال : إني دخلت البارحة في الأربعين وأنا أستحي من سني . وقال بعض الشعراء : فسري كإعلاني وتلك خليقتي وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري وهذا النوع من الحياء قد يكون من فضيلة النفس وحسن السريرة . فمتى كمل حياء الإنسان من وجوهه الثلاثة ، فقد كملت فيه أسباب الخير ، وانتفت عنه أسباب الشر ، وصار بالفضل مشهورا ، وبالجميل مذكورا . وقال بعض الشعراء : وإني ليثنيني عن الجهل والخنى وعن شتم ذي القربى خلائق أربع حياء وإسلام وتقوى وطاعة لربي ومثلي من يضر وينفع وإن أخل بأحد وجوه الحياء لحقه من النقص بإخلاله بقدر ما كان يلحقه من الفضل بكماله . وقد قال الرياشي : يقال أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يتمثل بهذا الشعر : وحاجة دون أخرى قد سخت لها جعلتها للتي أخفيت عنوانا إني كأني أرى من لا حياء له ولا أمانة وسط القوم عريانا جامع الفقه الإسلامى لا يمكن أن يحيا المجتمع المسلم إلا بالنصيحة والتواصي، المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، هذه رابطة المؤمنين ، نعمل فيما اتفقنا عليه، ولينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه، ولا نقر بدعة ولكننا ننصح إخواننا في أخطائهم وينصحوننا في أخطائنا حتى نكون مجتمعاً رائداً يحبه الله. انضم الى مجموعة وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان