محمد عبده العباسي بتاريخ: 30 نوفمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 30 نوفمبر 2007 جلدت الشمـــــس شوارع المدينة ، راحت تفح فحيح أفعى ، سكن الناس بيوتهم مرافئ يتقون بها من صولة الجحيم ، يتلهفون علي نسمة عابرة تخفف هذا السعير. كان جدي عائـــــداً من الميناء بعد إقلاع مركبه إلي عرض البحر .. أنتظر رجوعه بفارغ الصبر، حتماً سيأتي لي بمزيد من الحلوى التي أحبها .. أرقبه من خصـاص النافذة ، يمشي علي مهل ، أكاد أشير له أو أناديه لكن سدي ، أمـــــــــراض الشيخوخة تحول دون أن يراني أو يسمع .. منذ وعيت علي الدنيا وهو يعيش معنـــــا بعد رحيل جدتي قبيل ميــلادي ، يعيش كالنسمة ، لا مطالب له ، يذهب في الصباح إلي الميناء ويعود بعد العصر ماشياً علي قدميه : ــ المسافة بعيدة يا جدي .. ــ لكنني تعودت عليها .. ــ وأنت شيخ مسن .. قهقه وفرد ساعده الذي ضمر قليلاً : ــ أنا أقوي من أبيك ، وضرب علي صدره بقبضتـــــه فكاد أن يسعل .. لم أره البتة يخرج من معطفه الرمادي الذي تغيـــــر لـــــــونه إلا ساعة النوم ، ولا يستغني عن عصا يتكئ عليها ، ولم تتبدل ،في خنصره الخاتم الفضي ذا اللون الفيروزي .. ــ خاتم زواجك ؟ .. سألته . ــ لا .. لكنه هدية من جدتك .. رجوته أن يتوسط بيني وبين أمي : ــ دعها تسمح لي باللعب عند باب البيت .. ــ سأفعل .. حين يأزف وقت صـــــــلاة العصر، وتختبئ الشمس قرب الأصيل ، لبت صديقاتي دعوتي للعب ، اقترحت إحداهن أن نرسم علي الأرض لوحــــــــــات مثل التي ترسمها مدرسة الرسم .. قطع من الطباشير بين الأنامـــــــل الصغيرة تسابقت تطبع علي الأسفلت رســوماً جميلة ،حوض من أسماك ملونة رحت أرسمها ، صــــــــــديقاتي اندهشن ، خلتُ الأسماك تسبح في الماء ، تأكل من العشب المتناثر .. غصت في أعماق الماء ، حلمت بأنني سمكة ، أسبح في نعومة ، أدور في رقة ، أرقص في براعة ، أجوب البحار والمحيطات .. ــ آه ... صرخت ، إذ بي أري جدي يدوس بقدميـــــــــه علي الرسم دون أن يقصـــد ، كان عائداً مـن صلاته ، نسي نظارته الطبية .. ــ ماذا حدث ؟ بكيت وأنا بين أحضــــانه ، عرف الأمر ، كرر من اعتذاره ، وعدني : ــ في الغد ، سأعود إليك ومعي الأسماك الكثيرة .. أشرت بيدي : ــ الكبيرة يا جدي ، الكبيرة .. ***** في اليــــوم التالي عدت للرسم ، ملأت أرض الشارع بسمك كبير رسمته ، رحـــــت أعده ، ماء البحر ازداد عمقاً وزرقة ، الأسماك تكثر وتكثر، ثمة فرحة طاغية انتابتني وأنا أري لون الماء يتألق في لون زرقــة خاتم جدي .. ــ آه ، لابد أنه آت ، بعد قليل .. فجأة زاد صخب البــحر ، علا صوت هديره ، تبللت ملابسي ، فرت صديقاتي مثل صيصان مذعورة.. كانت ثمة سيارة عابـــــرة يقودها سائق أرعن ، أمي كادت تتدلى من شرفتها ، صرخت ونادت عليّ .. السيارة ولت هاربة ، انســـاب ماء الحديقة المجاورة التي داهمتها السيارة ، امتلأ الشــــارع بالماء ، راحت الأسماك التي نجت تبحث عن مـــلاذ ، تصرخ ، بينما التي ماتت تضرجت أرض الشارع بدمائها .. ساعتها فقط ، جــــاء الخبر بأن جدي مات بعد أن صدمته سيارة بالرغم من أنه لم ينس نظارته الطبية ، وكان يحمل سمكاً كثيراً .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد عبده العباسي بورسعيد / مصر . رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
shahd بتاريخ: 6 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 6 ديسمبر 2007 استاذ محمد كلما قرأت لك اكثر اشعر برغبة في المزيد.. اسلوب راق.. سلس.. رائع بكل ما تعنيه الكلمة..شكرا استاذي على الامتاع ....... طـــــــفولــــة شــــــهـــد رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان