محمد عبده العباسي بتاريخ: 30 نوفمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 30 نوفمبر 2007 في أحد أيام شهر أبريل من العام 1830م وفد إلي مصر رسول من قبل شارل العاشر ، خف والي مصر محمد علي باشا لاستقباله في حالة من الامتنان والسرور ، وفي الحال قرر أن يهدي فرنسا مسلتي الأقصر وثالثة من مسلتين بالأسكندرية .. اكتفي الفرنسيون بمسلة واحدة ، وظل أمر نقلها من مصر الشغل الشاغل لهم ، ظل السؤال الحائر هو : ـ كيف يتم نقل مسلة بكل هذه الضخامة ( تزن 230 طناً ويبلغ طولها 22متراً ) من الأقصر حتي باريس ؟ كان شامبليون هو الذي أشار عليها لأهميتها : ـ تلك التي علي اليمين عند دخول القصر .. لقد فضلها شامبليون لأن الأخري كانت في حالة من السوء كبيرة ، كانت المسلتان تغمرهما تلال من الرمال والأنقاض ، ولم يشد انتباه شامبليون ذلك الشق الموجود في المسلة التي اختارها ، ومن حسن الحظ أن الشق لم يكن يمثل أية خطورة تذكر .. لم تزل الحيرة تشغل البال ، استبعد الجميع فكرة تقطيعها إلي عدة إجزاء ليسهل نقلها ، قال شامبليون : ـ هذا تدنيس للمقدسات .. تذكر الحشد بأن الرومان سبق وأن قاموا في القرن الرابع بتنفيذ عملية نقل مماثلة عبر البحر المتوسط حيث قاموا بنقل بنقل مسلة عبروا بها البحر أخذوها من معبد الكرنك وأقاموها في ميان القديس بطرس . اقترح شامبليون تشييد عوامة خاصة ، سرعان ما وافقت اللجنة التي شكلها ملك فرنسا علي القرار بالتشييد وكانت العوامة عبارة عن سفينة ذات قاع مستوٍ تستطيع السفر في البحر المتوسط والصعود في نهر النيل والنزول في نهر السين ويمكنها تفادي النقل من ظهر سفينة لأخري .. بالفعل بدأ التنفيذ في ميناء " طولون " الفرنسي وأطلق عليها اسم " الأقصر "، وفي يوم 15 أبريل عام 1831 م غادرت السفينة " الأقصر " ميناء "طولون" وعلي متنها 150 شخصاً شكلوا فريقاً مختلفاً من كافة المهن والحرف " النجارة ـ الحدادة ـ النحت ـ الميكانيكا "وغيرهم من الضباط والجنود . كان قائد السفينة هو المهندس " أبوللينير لوبا " Apollinaire Lebes قصير القامة ، ولكن شكله لم يكن يوحي بالثقة كما وصفه من رآه .. ظلت السفينة " الأقصر" تمخر عباب البحر المتوسط حتي وصلت إلي الأقصر " المدينة " بعد صعودها النيل ، وظل فريق العمل يعيشون في بين ربوع طيبة وأطلالها مدة عام كامل ، حولوا جزءاً من المعبد إلي حي للبحارة ، بنوا مساكن للجنود ، وسكن الضباط شققاً علوية زودت بأثاثات بحرية ، إلي جانب ذلك أنشأوا مطبخاً وفرناً ومطحناً ومخبزاً ، وبنوا مخزناً للسلاح وآخر للبارود والمتفجرات ، ولم ينسوا أن ينشئوا مستشفي ضم 30 سريراً ، لقد أنشأوا مجتمعاً فرنسياً في أحضان معبد فرعوني .. وفجأة توقف العمل ، لقد تفشي وباء الكوليرا ، لذا لم يتم تحريك المسلة الفرعونية من مكانها قيد أنملة إلا في يوم 31 أغسطس من نفس العام .. في اليوم التالي كتب قبطان السفينة " فرنيناك سان ـ مور " Verninac Saint_Mour إلي شامبليون : ـ ابتهج سيدي المواطن العظيم ، غادرتنا الكوليرا وخضعت المسلة الغربية بالأقصر أمام أبسط الوسائل الميكانيكية الحديثة .. بالفعل بدأ نقل المسلة علي قضبان من الخشب وبمعاونة 400 عامل تم استئجارهم ولم تصل إلي ظهر السفينة إلا في نهاية ديسمبر من ذلك العام بسبب ارتفاع مستوي مياه النهر ، وكان لابد من قطع مقدمة السفينة لتسهيل عملية النقل وتتمكن من استقبال المسلة ـ حيث يصل طولها إلي 22 متراً كما أسلفنا ـ ولو بشكل مؤقت .. وبسبب الفيضان اضطرت السفينة للبقاء حتي 22 أغسطس عام 1832 م مما منح فريق العمل فرصة ذهبية لقضاء الوقت في الصيد أو التنزه وزيارة المناطق الأثرية .. في ذلك اليوم بدأت السفينة الأقصر رحلتها بالإنحدار في النيل علي عدة مراحل حتي وصلت إلي رشيد ولكنها اضطرت من جديد إلي مد إقامتها بسبب صعوبات استجدت وهي تواجه العبور من نهر النيل إلي البحر المتوسط . علي الفور تم استدعاء سفينة تجارية فرنسية تحمل اسم " أبو الهول " قامت علي جر وسحب السفينة الأقصر وسط بحر متلاطم الأمواج وعلي نحو خطير .. وظلت الأقصر في خط سيرها حتي بلغت ميناء "طولون" الفرنسي يوم العاشر من مايو 1833م بعد أن تم تحويل مسارها بعد جزيرة رودس وفوجئ طاقم السفينة باحتجازهم في الحجر الصحي وسط سيل من الاحتجاجات وفي يوم 20 من يونيه استأنفت رحلتها من جديد حتي مدينة " روان" الفرنسية عن طريق مضيق جبل طارق لتصل بعدها إلي مصب نهر السين في رحلة للصعود كي تصل إلي باربس . يوم الثالث والعشرين من ديسمبر وصلت السفينة الأقصر إلي باريس بعد رحلة استمرؤت علي مدي اثنين وثلاثين شهراً .. عملية نقل المسلة الفرعونية أثارت حفيظة رجل بقامة رفاعة رافع الطهطاوي العائد تواً من باريس والذي أعلن احتجاجه للباشا الجالس علي الأريكة المصرية مضطجعاً ولا يهمه من الأمر شيئاً ، أعلن رفاعة عن رفضه التفريط في أي شئ من الآثار المصرية ورأي في ذلك سفهاً وتبديداً ولكن محمد علي لم يأبه لذلك ولم يستمع للرأي فقد وصل بالوالي الأمر حد استعداده تفكيك أحد أهرامات الجيزة لبناء السدود ، فهي لا تشكل في نظره أي قيمة تاريخية ، فهي ليست أكثر من مواد أولية يستخدمها كما يشاء .. وفي يوم 22 من أكتوبر عام 1836م تجمع حشد هائل من الفرنسيين في ميدان الكونكورد بباريس ليشاهدوا احتفال نصب المسلة الفرعونية الشهيرة .. عند ناصية شارع "سان ـ فلور أنتن " المجاور للميدان كان أوركسترا مكون من مئة عازف يقومون بعزف مقطوعة " أسرار إيزيس الخفية " لموتسارت ، وكانت السماء ملبدة بالسحب والغيوم إلا أنها لم تمطر ، فقد تغطت واجهة وزارة البحرية الفرنسية بالضباط والموظفين ، وكان الوقت ظهراً .. هنا ظهر الملك " لوي فيليب الأول " وأسرته في الشرفة ، أعطي المهندس " لوبا " إشارة البدء ، بدأ جنود المدفعية الفرنسية مسيرتهم الموزونة علي أنغام الأبواق ، في الوقت الذي شرعت الروافع الرحوية في الدوران حول محورها ، انتصبت الحوامل لتجذب المسلة .. فجأة ترامي للآذان صوت " طقطقة" مما أثار القلق في النفوس ، وتوقف العمل للتشاور الذي قام به " لوبا" مع مساعديه ، لم يطرأ أي جديد علي الموقف ، واستمر العمل .. تم اجتياز مسافة ثلث الطريق في مدة ثلث الساعة ، المسلة ترتفع بطريقة غير محسوسة ، شيئاً فشيئاً بدأت المسلة في اتخاذ مكانها فوق القاعدة وسط هتاف مائتي ألف مواطن فرنسي ، ارتقي أربعة من الرجال المسلة ليضعوا الأعلام الفرنسية وأغصان الغار ، بينما وقف الملك لوي ـ فيليب الأول لتحية العلم ثلاثي الألوان .. ونقش علي قاعدة المسلة : " في حضرة لوي فيليب الأول ملك فرنسا تم نقل هذه المسلة من الأقصر إلي فرنسا ونصبت فوق هذه القاعدة بواسطة المهندس " لوبا " وسط تصفيق جمهور غفير " 25 أكتوبر 1836م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد عبده العباسي بورسعيد / مصر رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان