اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

سؤال عبثى


mohameddessouki

Recommended Posts

هذا مقال منقول

فهمي هويدي

الشرق الأوسط

11-4-2007

من مفارقات زماننا وعجائبه أننا أصبحنا نبذل جهدا لإثبات البديهيات والمسلمات. يشهد بذلك بعض الذي يحدث الآن، خصوصا ذلك الجدل الذي تردده دوائر بذاتها حول العدو والخطر الذي يهدد العالم العربي، وهل هو إسرائيل أم إيران. وهو ما قد أفهمه إذا كان السؤال مطروحا في الولايات المتحدة مثلا، حيث نجح الإعلام المضاد في إقناع كثيرين بأن الفلسطينيين يعتدون على الإسرائيليين أصحاب الأرض، وأنهم ـ أولئك الفلسطينيون الأشرار ـ يقومون بعملياتهم «الإرهابية» لكي يستولوا على الأرض الإسرائيلية ويحاولون إحتلالها. مثل هذا التدليس ليس مستغربا في بلد ومجتمع لا علاقة لهما بالموضوع، إلا في حدود المشاهدات التلفزيونية، أما حين يحدث في عالمنا العربي، الذي يعيش الجرائم الإسرائيلية ويعاني منها طيلة مائة عام، فأنه لا يبدو غريبا وشاذا فحسب، وإنما هو يعبر أيضا عن درجة عالية من الخلل في الرؤية، لا يطمأن الى دوافعه أو نتائجه.

أفهم أيضا أن يروج الإسرائيليون لهذا الكلام، وهم يحتلون الأرض العربية بفلسطين والجولان، ويواصلون غاراتهم وتصفياتهم، ويستمرون في توسيع مستوطناتهم، ولهم في ذلك مصلحة أكيدة، إذ من شأن ذلك أن يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد. فمن ناحية يصرفون الانتباه عن احتلالهم وتوسعاتهم بما يسمح لهم بتكثيف الضغوط على الفلسطينيين على الأقل. ومن ناحية ثانية يسهمون في عزل إيران والتحريض ضدها، على النحو الذي يسوغ توجيه ضربة عسكرية إليها، تدمر مشروعها النووي وتوقف نموها، الأمر الذي يعزز مكانة إسرائيل كقوة عظمى في المنطقة، ومن ناحية ثالثة فإن إيهام العرب بإن إيران هي الخطر الأكبر الذي يهددهم من شأنه أن يوفر أجواء مواتية للتقارب بينهم وبين إسرائيل، باعتبار أن الطرفين يواجهان «خطراً واحداً».

لا أستبعد كذلك أن يكون لهذا الكلام صداه في العراق، الذي تجمعت فيه ظروف أقنعت كثيرين من أهل السنة بوجه أخص بأن إيران أخطر على بلدهم من الأمريكان أو الإسرائيليين، ومن أسف أن الممارسات الحاصلة على الأرض أوصلت أغلب أهل السنة الى تلك النتيجة، التي لسنا بصدد تقييمها الآن، لكني فقط أقول أن ثمة مبررات في حالات استثنائية للغاية تسمح بترويج الإدعاء بتقديم الخطر الإيراني على الإسرائيلي، ولا أستطيع أن أتجاهل في تلك الحالات الاستثنائية موقف غلاة السلفيين، الذين لا يرون في العالم مصدرا للخطر والشرور غير الشيعة عموما وإيران خصوصا.

إذا فهمنا هذه الحالات وقدرنا ظروفها، فإنني لا أجد تفسيرا موضوعيا لمحاولة إشاعة ذلك الإنطباع المغلوط في بقية أنحاء العالم العربي، الذي يكمن الخطر الإسرائيلي على مرمى حجر من بعض دوله.

وقبل أن أشرح لماذا كان الإنطباع مغلوطا، فإنني أرجو أن نتفق على أمور ثلاثة أولها: إن المستفيد الحقيقي من الترويج له هم الإسرائيليون أولا والأمريكيون ثانيا، وقد شرحت قبل قليل جوانب المصلحة الإسرائيلية في ذلك، أما المصلحة الأمريكية، ففضلا عن تداخلها مع الإسرائيليين، فإن تمرد إيران على وصايتها يشكل سببا كافيا لمحاولة عزلها وحصارها وكسر إرادتها، ثم أن هذا الهدف يخدم التطلعات الأمريكية للهيمنة على منابع النفط الذي هو عصب العالم الصناعي.

الأمر الثاني: أن تفنيد وجه التغليط في التخويف من الخطر الإيراني ليس المراد به تبرئة ساحة إيران، بقدر ما أن المراد به هو التنبيه الى أهمية الوعي بأولويات المخاطر التي تهدد الأمة العربية. ذلك أنني لا أريد أن أنفي تماما أن ثمة تطلعات إيرانية في العالم العربي، هي في أحسن حالاتها قد تكون استراتيجيات لحماية أمنها القومي، تستفيد فيها من غياب المشروع العربي وتتمدد في الفراغ الناشئ عن ذلك الغياب. لكن الذي أعنيه هو أن التطلعات الإيرانية في أسوأ حالاتها، لا تشكل في الوقت الراهن على الأقل، الخطر الأول الذي يتعين على الأمة العربية أن تتحسب له.

الأمر الثالث: أن إيران دولة مسلمة، وجارة مهمة لها وزنها المعتبر، وبكل المعايير والحسابات الاستراتيجية، فإنه لا بديل عن التوصل الى صيغة للتعايش الآمن معها، تكفل الإحترام المتبادل بين الطرفين العربي والإيراني، بما يعزز الثقة ويشيع الإطمئنان بينهما. وحتى إذا تخللت صفحات التاريخ أية حسابات أو ضغائن بينهما، فإن التعايش مطلوب بأمر الجغرافيا، ذلك أن إيران ليست كيانا وافدا مثل إسرائيل، ولا هي زائر عارض مثل الولايات المتحدة في العراق، وإنما هي تتمدد على التخوم العربية منذ آلاف السنين، وإذا لم تكن عونا للعرب في تصديهم للغارات الإسرائيلية والأمريكية، فهي تشكل عند الحد الأدنى عمقا استراتيجيا لهم، يستقوون بها وتستقوي بهم.

لقد أقلقني كثيرا التصريح الذي أدلى به في الأسبوع الماضي رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت للصحف الرئيسية الثلاث في بلده، «هآرتس» و«معاريف» و«يديعوت أحرونوت»، وفيه امتدح أجواء قمة الرياض الأخيرة، قائلا إنها عبرت عن «تغير ثوري» في مواقف الدول العربية ـ لماذا؟ ـ لإدراك كثير من القيادات العربية ـ والكلام له ـ أن المنطقة تواجه أخطارا كثيرة، وأن إسرائيل ليست الخطر الأكبر.

اعتبر هذا الكلام من دسائس المكر الإسرائيلي الذي أراد به أولمرت أن يوصل للجميع رسالة مفادها أن إيران هي الخطر الأكبر في نظر أغلب القادة العرب، من ثم فإن ترتيب الأولويات يقتضي التوجه صوب ذلك الخطر لإزالته، الأمر الذي يجعل من توجيه الضربة العسكرية الأمريكية لإيران عملا مبررا يخدم مصالح الأمة العربية، ويبعد عنها شبح الخطر الذي جسدته.

يوفر مناخا مواتيا لإشاعة تلك الدسائس ضعف الدبلوماسية الإيرانية في العالم العربي، وعجز الإعلام الإيراني أيضا، فلا الدبلوماسية نجحت في مد جسور التفاهم مع العالم العربي، وإنما وجهت كل اهتمامها الى الساحتين العراقية واللبنانية، ولم تهتم بغيرهما في الساحات، ولا الإعلام الإيراني استطاع أن يكون موصلا جيدا لمساعي التعارف والتواصل بين الشعبين الإيراني والعربي، والى حد كبير فإن الإعلام العربي لم يقم بما عليه في هذا الصدد، وكان معبرا عن مؤشرات السياسة بأكثر من تعبيره عن متطلبات ومسؤوليات تلك المساعي المنشودة. وإذا جاز لنا ان نتصارح أكثر فأنني لا أتردد في القول بأن بعض الأقلام في الإعلام العربي روجت للتخويف المستمر من إيران، كما أن هناك أقلاما عربية أخرى عبرت عما قاله إيهود أولمرت، حين قدمت الخطر الإيراني على الخطر الإسرائيلي، ودعت ضمنا الى الاحتشاد لمواجهة الأول دون الثاني.

الخلاصة أن ثمة هواجس بحاجة الى تبديد بين العرب وإيران، وهو ما يحتاج إرادة صادقة وشجاعة في التناول والمصارحة، الى جانب الوعي بالأهمية الإستراتيجية الكبرى لإرساء التفاهم بين الطرفين على أسس متينة وراسخة، ذلك أنني أزعم أن مجرد طرح السؤال عمن يكون الخطر الحقيقي الذي يهدد العرب، وهل هو إيران أم إسرائيل، يمثل خطأ جسيما ويجسد الخلل في الرؤية الإستراتيجية، لأن كل الشواهد تدل على أن إسرائيل هي الخطر الذي يهدد الإثنين، العرب وإيران وأنها إذا نجحت في تحريضها على ضرب إيران وكسر إرادتها، فإن تركيع العالم العربي واستتباعه للهيمنة الإسرائيلية والأمريكية سيكون الخطوة التالية مباشرة، بل أنني اذهب الى ما هو أبعد، مدعيا أن إيران بوضعها الراهن، حتى في ظل التوتر المفتعل بينها وبين بعض العرب، تمثل كابحا يحول دون تغول إسرائيل في المنطقة، الأمر الذي يفيد العرب في نهاية المطاف.

ولا ينبغي أن ننسى أن تأييد إيران لحزب الله ومساندتها له، كانت من العوامل الأساسية التي أفشلت الإجتياح الإسرائيلي للبنان، ووجهت ضربة موجعة لمزاعم القوة الإسرائيلية التي لا تقهر.

إنه كان لا بد لنا أن نقارن بين إيران وإسرائيل من زاوية حسابات المصالح العربية، فقد نقول أن إيران في أسوأ فروضها تشكل خطرا محتملا على منطقة الخليج العربي، أما إسرائيل في أحسن فروضها فهي دولة مغتصبة لفلسطين، ومهددة للأمن القومي العربي، باعتبارها جزءا من مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة. من ناحية أخرى فإن المشترك بين العرب وإيران يتوزع على التاريخ والجغرافيا، في حين أنه لا يوجد مشترك مع إسرائيل، التي زرعت في المنطقة وفرضت على المنطقة غصبا عن الجغرافيا.

أخيرا أكرر أن الذين يريدون تحييد العرب أو تحريضهم على إيران لا يبتغون إسداء أي خدمة لهم، وإنما هم يعتبرون ضرب إيران مقدمة ضرورية لتركيع العرب وافتراسهم.

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }آل عمران173MOHAMEDDESSOUKI

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...