الجنسيه المصريه

[KWA]

حمي التنازل عن الجنسية المصرية‏!‏

تحقيق‏:‏ أشرف صادق

‏750‏ شابا مصريا تنازلوا عن جنسيتهم المصرية خلال‏9‏ أشهر فقط من العام الماضي‏,‏ هذا الرقم الصادر عن مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية‏,‏ استوقف نائب مجلس الشعب محمد خليل قويطة ممثل المستقلين في اللجنة العليا للمجلس‏,‏ فأعد طلبا لمناقشة هذا الموضوع تحت قبة البرلمان المصري بحضور رئيس الوزراء والوزراء المعنيين‏.‏

سجل قويطة في طلب المناقشة المدرج في جدول أعمال المجلس والمقرر النظر فيه خلال الأيام القليلة المقبلة‏,‏ بعد أن تضامن معه في طلب مناقشة هذه الظاهرة‏22‏ نائبا من نواب المعارضة والمستقلين‏,‏ أن تحول المواطن المصري المعروف بارتباطه الشديد بوطنه إلي البحث عن جنسية أخري يجعل هذه القضية خطيرة‏,‏ وربط قويطة بين ظاهرة الهروب من الجنسية المصرية وبين هموم الشباب في الداخل‏,‏ مشيرا إلي إعلان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن وجود‏%50‏ من المصريين الذين هم في سن الزواج حتي أقل من‏35‏ سنة دون زواج‏,‏ وتزيد معاناتهم بارتفاع معدلات البطالة والتفاوت في توزيع الثروات‏,‏ وانتشار الفساد‏,‏ وغياب العدل الاجتماعي‏.‏

أوضح قويطة لـ الأهرام العربي أن ظاهرة الهروب من الجنسية المصرية والجنسيات العربية عموما يجب أن يأخذ حقه في المناقشة والدراسة‏,‏ فمن يبحثون عن جنسية أخري هم الشباب الذين يمثلون مستقبل الأمة‏,‏ هؤلاء جميعا تخنقهم هموم الوطن‏,‏ ويداعبهم بريق الحياة الأفضل في الغرب‏,‏ وإذا لم ننتبه إلي هذه الظاهرة مبكرا فإن خسائر كثيرة سيتكبدها العالم العربي‏.‏

ويفسر لنا ظاهرة الهروب من الجنسية العربية الدكتور إسماعيل صبري عبدالله وزير التخطيط الأسبق بقوله‏:‏ إن حركة السكان بشكل عام يحكمها عنصران هما الطرد والجذب‏,‏ ففي داخل القطر المصري يهاجر الفلاح من القرية إلي المدينة‏,‏ لأن الأرض في القرية ضاقت عليه‏,‏ ويجذبه بريق المدينة وفرص الثراء‏,‏ وما ينطبق علي القطر ينطبق علي العالم‏,‏ فالشباب الحاصل علي مؤهل جامعي ولا يجد فرصة عمل مناسبة وحياة جيدة‏,‏ يجد نفسه محاطا بعناصر طرد‏,‏ فيبحث عن الأفضل وما يمثل له عنصر جذب‏,‏ وبالتالي يجد في الغرب هدفه‏,‏ فيتعامل مع الأمر بالمقولة العامية بلاد الله واسعة‏,‏ وطموح الشباب لا يعطله أمر الجنسية‏,‏ فلماذا يتمسك بجنسية لا توفر له حياة رغدة‏,‏ وإذا وضعنا في الاعتبار أن هناك مليون شاب جامعي في مصر يقفون في طابور البطالة‏,‏ ويضاف إليهم مليون آخر من حملة المؤهلات المتوسطة‏,‏ فلن نستغرب تنازل‏750‏ شابا عن جنسيتهم المصرية في تسعة أشهر فقط‏.‏ وإذا كان هناك في السنوات الماضية ترحيب من الغرب بالقادمين من البلاد العربية‏,‏ فإن الأمر أصبح مختلفا بعد‏11‏ سبتمبر‏,‏ لدرجة أن مقاومة الهجرة أصبحت علي رأس أهداف الاتحاد الأوروبي‏,‏ ومن أجل تحقيق هذا الهدف تم اتخاذ مجموعة إجراءات من بينها إنشاء الجامعات الأجنبية في بلدان العالم النامي لوقف الهجرة من هذه البلدان من المنبع حتي يتوقف أحد عناصر الجذب التاريخية وهي الدراسة في الجامعات الأهلية في الخارج‏,‏ وما ينطبق علي الجامعات ينطبق علي الصناعة وأشياء أخري كثيرة‏.‏ ولضمان وقف الهجرة من الدول النامية‏,‏ تم تشديد الإجراءات الأمنية علي الوافدين‏,‏ وأصبحت أخبار غرق مراكب المهاجرين غير الشرعيين متكررة يوما بعد آخر‏,‏ وبدلا من الصراخ من ظاهرة الهروب من الجنسيات العربية‏.‏ علينا أن نسأل وبصراحة ماذا وراء هذا الهروب حتي ولو كانت فيه مخاطرة الموت؟ وهل توافر كل شيء للشباب العربي حتي لا يهربوا من الجنسية العربية؟ الواقع يقول إن الشباب لا يعرفون ملامح المستقبل ويجدون حالهم صعبا داخل أوطانهم العربية‏,‏ فلماذا لا يهربون إلي جنسيات أخري‏,‏ أنا شخصيا‏-‏ والكلام لا يزال للدكتور إسماعيل صبري عبدالله‏-‏ كنت أعرف وأنا ألتحق بكلية الحقوق ملامح مستقبلي بعد التخرج‏,‏ وتحقق ما كنت أطمح إليه‏,‏ لكن في هذا الجيل لا أظن أن هناك شابا يعرف ملامح مستقبله وهو يلتحق بالجامعة‏,‏ والهروب إلي جنسية أخري بحثا عن حياة أفضل حل جيد لأزمة الشباب‏,‏ الدكتورة عائشة راتب‏-‏ وزيرة الشئون الاجتماعية السابقة ورئيس اللجنة التشريعية في مجلس الشعب في السبعينيات‏,‏ التي أقرت قانون الجنسية عام‏1975-‏ تري أن ظاهرة الهروب إلي جنسيات أخري ليست ظاهرة مزعجة‏,‏ وأوضحت وجهة نظرها قائلة‏:‏ إن تعداد سكان مصر‏67‏ مليون مواطن‏,‏ ومن يتنازلون عن الجنسية المصرية عدة مئات أو آلاف علي أقصي تقدير‏,‏ وهؤلاء بموجب قانون الجنسية والهجرة يستطيعون الجمع بين جنسية الدولة الأجنبية والجنسية المصرية‏,‏ وقد حرصنا علي ذلك في وضع القانون لربط المصريين بوطنهم الأم‏,‏ والمصري في أي دولة حتي لو حصل علي جنسية أخري يظل مصريا‏,‏ ويعطي صورة جيدة لمصر بنجاحه‏,‏ وأموال المصريين في الخارج أحد أهم عناصر الدخل القومي‏,‏ والأهم من مناقشة ظاهرة الهروب من الجنسية العربية‏,‏ البحث عن كيفية ربط الوطن الأم بالمهاجرين‏,‏ ولا أعرف لماذا ألغيت وزارة الهجرة وترك المصريين في الخارج للتعامل مع جهات مختلفة‏.‏

ويتفق ميلاد حنا المفكر المعروف مع رؤية عائشة راتب‏,‏ موضحا أن الهجرة إلي جنسيات أخري والهروب من الجنسية العربية جزء طبيعي وصحي لظاهرة العولمة التي تقوم علي أساس أن الحدود بين الدول تسقط‏,‏ وأن انتماء الإنسان إلي الدين والحضارة أو اللغة أو الوطن لم يعد حكرا علي الوضع الذي فرض علي الإنسان مع ولادته‏,‏ ولم يعد التغيير في أي منها عارا أو فضيحة‏,‏ وصار ذلك أمرا متاحا مع العولمة‏,‏ وسوف تزداد فرص الإتاحة مع الزمن‏,‏ وهي ظاهرة صحية في مضمونها‏,‏ وتعبر عن واقع العولمة‏,‏ وإذا كانت اتفاقيات الجات قد أسقطت الحدود التجارية‏,‏ فإن صدام الحضارات وقبول الآخر سوف يسقط تدريجيا الحدود الثقافية والدينية والعرقية‏,‏ وهذا ليس فقط علي العالم الأول‏,‏ لكنه شديد الخطورة علي الدول الأقل نموا‏,‏ ففي ظل إلغاء الحدود والفواصل سيحدث استقطاب بحيث يوجد أثرياء وأذكياء العالم في منطقة ويترك الباقي للفقراء‏,‏ والأقل ذكاء‏.‏

فهمي هويدي الكاتب الصحفي أرجع أسباب هروب الشباب العربي من جنسياتهم إلي هموم أوطانهم الداخلية‏,‏ وقال‏:‏ إن الاختناقات الاقتصادية في مصر كمثال‏,‏ واقتناع البعض بأن الأمل في المستقبل خارج مصر وليس داخلها‏,‏ كان وراء تراجع الشعور بالانتماء‏,‏ وزاد هذا التراجع لدي الشبان لأسباب كثيرة‏,‏ من بينها أن الشباب مهمش ولا يشارك في شيء‏,‏ ولا يوجد ما يعطيه أمل في الأفق العام تحت ضغوط وطأة الفساد وشعوره بأن الدولة ليست في خدمته‏,‏ لكن في خدمة أصحاب النفوذ‏,‏ وخطورة هذا الشعور هو إشاعة حالة من اليأس والإحباط‏,‏ واللجوء إلي الهجرة كحل والهجرة متنوعة‏,‏ إما بالهروب من الجنسية إلي جنسية أخري‏,‏ أو هجرة في الداخل باعتزال العمل العام‏,‏ والانفصال عن المجتمع‏,‏ والحل أن نعيد الأمل إلي الشباب‏,‏ ونعيد الثقة في الدولة باتخاذ ما يجعل الشباب لا يشعر بأن السلطة محتكرة والثروة منهوبة‏,‏ والفساد شائع‏,‏ فإذا شعر كل مواطن بأنه شريك في هذا الوطن‏,‏ وليس عالة أو عبئا فلن يهرب إلي جنسيات أخري‏*‏

http://arabi.ahram.org.eg/arabi/ahram/2003...3/2/1/HYAH9.HTM