اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

اكتئاب المصريين (1): العين الزجاجية


essamalshaaer

Recommended Posts

اكتئاب المصريين (1): العين الزجاجية

الخوف مولودٌ شرعي للقلق، وأبٌ أصيلٌ للأوهام

وفي مصر الآن حالة فوبيا تدعو إلى القلق، فليس معقولاً أن يختزن المصريون هذه الشحنة الهائلة من التوتر والخوف من أي شيء وكل شيء

صحيحٌ أن الكوارث المفزعة هزت الثقة وأصابت كثيرين بحالةٍ من الإحساس بعدم الأمان، غير أن الشيء المؤكد هو أن الخوف يبدو مثل طوفانٍ يجتاح في طريقه كيان الفرد ويجعله مسكوناً بالهواجس والفزع، وقابلاً لتصديق الشائعات..ولو بالإيحاء

لقد زادت مساحة الخوف في حياتنا، وبدأ المصريون يشعرون بالقلق إزاء احتمال وقوع الكوارث الطبيعية..وغير الطبيعية. وفي مارس آذار عام 2002 سيطر الهلع على ركاب مترو الأنفاق بعد أن سرت شائعةٌ عن حريقٍ نشب في إحدى عربات المترو، فخرج الركاب مذعورين يلوذون بالفرار من وهمٍ كبير

وقبل ذلك نام كثيرون في الشارع وفي العراء بعد أن سرت شائعةٌ عن أن شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية بثت خبراً مفاده أن زلزالاً سيهز مصر في العاشرة من مساء ذلك اليوم. صدق عشرات الآلاف وربما أكثر هذه الشائعة، ولم يسألوا أنفسهم عن مدى صحتها وهل سمعها أحدٌ فعلاً، وهل يمكن أن تعرف أن زلزالاً سيقع في غضون ساعاتٍ أم لا.. نسي هؤلاء الناس التساؤلات الطبيعية المفترض طرحها في مثل تلك الظروف، وغرقوا في دوامة الخشية والفزع

رحلة الخوف التي تسيطر على المصريين وتهددهم شعورهم بالأمن والأمان لها أيضاً ما يبررها، فالمصريون لا يعرفون كيف تقع عليهم الكوارث، ولا كيف يستطيعون مواجهتها، وليسوا واثقين في أن هناك من يحمي أمنهم وأرواحهم وممتلكاتهم، ولا يصدقون أن هناك إعلاماً قادراً على التوعية أو المصارحة بشفافية ووضوح، مثلما أنهم لا يجدون من يوفر لهم ضماناتٍ أو يشرح لهم إلى من يلجأون إذا أصابهم مكروه أو تعرضوا لما لا يحمد عقباه

إنهم ببساطة يسيرون في نفقٍ مظلم مكتوب عليه بحروف بارزة: المجهول

فقد بات مستقبل مصر القريب، وما يمكن أن يشهده من تغيراتٍ كبرى هو الموضوع الأثير في أحاديث وجلسات المصريين، الذين راحوا يضربون أخماساً في أسداس، ويضعون سيناريوهات مرتبكة وتخمينات لا حصر لها، وسط حالةٍ من التوجس والترقب لأحداثٍ مجهولة لا يعرف إلا الله موعدها وعواقبها

ولعل خطورة امتداد حالة الجهل بالمستقبل القريب لدى كل المصريين إلى مصير منصب رئيس البلاد، بما له من مكانةٍ مركزية في نظامها السياسي، وصلاحياتٍ وسلطاتٍ هائلة، توضح حقيقة الوضع الخطير الذي تمر به مصر، حيث يعم الجهل بعد ذلك، بكل ما يتعلق بمستقبلها القريب في جميع القطاعات والمستويات، التي هي بطبيعتها أقل خطورة وأهمية من هذا المنصب الرفيع

واللافت للانتباه في هذا الوضع القلق الملتبس الذي تمر به مصر، هو أن جميع المصريين، حاكمين بمختلف شللهم وزمرهم، ومحكومين على تنوع أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، يشتركون معاً في افتقاد أي يقين أو حتى معرفةٍ قريبة منه بما يمكن أن تشهده بلادهم خلال الشهور والسنوات القليلة المقبلة

هذه الحالة من الجهل وغياب اليقين، أو حتى المعرفة القريبة منه بما يمكن أن يحدث غداً في البلاد، يتحمل مسؤوليتها النظام السياسي، وفي قلبه الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم صاحب الأغلبية الدائمة والقسرية منذ قيامه في أغسطس آب عام 1978، فهو الذي أوصل المصريين جميعاً، بمن فيهم قيادات هذا الحزب العليا ومستوياته الوسطى والقاعدية وكبار مسؤولي الدولة، ومختلف أبناء النخبة بشقيها الحاكم والمعارض، ومعهم جميع المصريين البسطاء المحكومين، إلى هذه الحالة المزرية

وضعٌ يعد تربة مثالية لحالة من الفزع، في ظل غياب أي قدرٍ من المعلومات أو الحقائق الشفافة الصريحة

هذه الفوبيا التي زادت في السنوات الأخيرة كشفت جانباً خفياً يسكن داخل المواطن المصري، فأصبح يخاف أكثر. وإذا كان العالم قد عرف أنواعاً مختلفة من الفوبيا أو المخاوف المرضية، مثل الخشية من الأماكن المغلقة أو المرتفعة أو المساحات الضيقة، ومن ركوب المصاعد، والخشية من السفر بالطائرات، ومن الجراثيم، والحشرات، والموت، إلى غير ذلك..فإننا أصبحنا خائفين من المصير المجهول

ومخاوف المصريين لا تجسد سوى التجارب القاسية، والآلام التي عاشوها، والحوادث المأساوية التي هزت نفوسهم، والصدمات التي ضعضعت توازنهم في أي فترة من فترات حياتهم، فجعلتهم يفقدون فيه الثقة ويستسلمون للقلق واليأس والإحباط

إن المصري يخشى حتى يومنا هذا دخول قسم الشرطة لأي سببٍ كان، حتى إذا كان شاهداً أو شاكياً وليس متهماً..لأنه يعلم أنه ما إن يرتدي المسؤول زيه الرسمي يصبح "حكومة" ويصبح الآخرون في نظره مجرد "أهالي"

وكلما كان النظام شمولياً ومستبداً والدولة بوليسية، تزايدت أمراض الشك وحالات "البارانويا"، بحيث يشك الفرد أن أجهزة الأمن والمخابرات تلاحقه وتقتفي آثره

وبطبيعة الحال، فإنه لا يمكن أن تتحقق الرفاهية والتقدم في غياب الثقة والأمان، وغيابهما يجعل العالم ضائعاً.. والشاهد أن عدم الثقة في النظام الأمني وفي قدرته على فرض الأمن والاحترام، تتزايد في مصر خاصة مع تزايد ممارساته القمعية

وليت دولنا وأنظمتنا تعلم أن العنف لا يولد إلا العنف ولم يستطع إنسان أو نظام على مدى التاريخ كله أن يمحو فكرة أو مبدأ أو عقيدة بسجن أو اعتقال أو تعذيب أصحابها.. بل بالعكس، كلما عذبت الإنسان كان أكثر إخلاصاً لفكره وتصوراته

يطارد الرعب المصريين في حياتهم اليومية ويحولهم إلى شعب خائفٍ، مريض بكل أنواع الفوبيا التي وردت في القواميس والكتب المتخصصة في علم النفس

إن المرض النفسي هو اضطرابٌ في التفكير والعواطف والسلوك، مما يعمل على إحداث تغييرٍ في الشخصية بحيث يكون الإنسان غير قادر على الحب والعمل كما كان من قبل

ولعله من المهم القول إن العالم به ٤٥٠ مليون مريض نفسي وعصبي بوجهٍ عام، حصة مصر من هؤلاء المرضى 5.4 مليون مريض، وتأتي أمراض القلق في المقدمة وبعدها الهلع والخوف والإرهاب من الأمراض والجنون

وحسب الإحصائيات العالمية فإن ٤% من المصريين لديهم اكتئابٌ جسيم، مع ملاحظة أن العالم به ١٦٠ مليون مكتئب من النوع الجسيم وليس البسيط. وتشير دراسةٌ علمية أجريت في مصر عام 1999، إلى أن الاكتئاب يزيد في الريف على الحضر، وأن ٣٦% من سكان القرى مكتئبون، أما سكان المدن فبينهم ٢٨% مكتئبون أيضاً

إن الإشاعة تزدهر كلما كان هناك جو من الغموض، وطالما أن المنبهات الإعلامية والسياسية يشوبها الغموض والكذب فإن الإشاعة ستنتشر وتنتعش..هذه معادلة نفسية واضحة؛ لأن الجو المحيط بالحدث هو الذي يحدد مدى انتشاره، فإذا زاد الوضوح اختفت الإشاعة

وإذا نظرنا في السنوات الأخيرة، فإننا سنجد أن صانعي القرار السياسي أعطوا منبهات وقدموا وعوداً كثيرة لم تتحقق، ليشوب الأرقام والألفاظ والكلمات عدم الصدق، مما يشجع على انتشار الإشاعات وبث المخاوف

ويزداد الموقف تعقيداً في ظل الغموض الذي يحيط بالقرارات والمواقف، وتعيين أو إقالة الوزراء المسؤولين. وبما أن هناك غموضاً فإن المواطن سيسمع مئة سبب وتفسير..وألف هاجس

هذا الغموض يغذي المخاوف وينشيء الهواجس، ويصبح الناس أكثر قابليةً واستعداداً للخوف والقلق. ومن الواضح أن المخاوف تزداد كلما اتصل الأمر بمسؤولية الدولة. إن الحديث والتصريح الرسمي على سبيل المثال بأن الخدمات والمرافق العامة جيدة في حين أنها متهالكة، وأن هذا المستشفى يوفر خدماتٍ طبية راقية في حين أن الحقيقة عكس ذلك، وأن وسائل النقل العامة توفر راحة تامة، في حين أن الواقع يفند هذا الكلام.. يجعل المواطن يشك في كل شيء وأي شيء، فأي أمرٍ متعلق بمسؤولية أجهزة ومؤسسات الدولة أصبح في رأي المواطن محاطاً ومغلفاً بالكذب، أو عدم الدقة في أحسن الأحوال

وفي لقاءٍ لي مع د. أحمد عكاشة رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي في منتصف مارس آذار عام 2002، تحدث عن تجربةٍ نفسية، قائلاً: أحضرنا ذات مرةٍ فأراً وأدخلناه قفصاً، ثم سلطنا عليه تياراً كهربائياً مؤلماً فأخذ يصيح ويصرخ ويجري هنا وهناك، قبل أن نوقف التيار الكهربائي بعدها بساعتين. كررنا المحاولة مرة تلو الأخرى طوال بضعة أيام تالية، والفأر يصرخ ويجري مذعوراً، دون أن يتمكن من فعل شيء لإنقاذ نفسه من هذا الألم وتلك المعاناة. بعد تلك التجارب المؤلمة والمتكررة أصيب الفأر بحالةٍ من العجز واليأس، حتى إننا عندما سلطنا عليه التيار الكهربائي أخذ ينظر إلى أعلى دون أن يصيح أو يجري

تلك الحالة من العجز واليأس - والكلام ما زال للدكتور عكاشة- هي الأقرب إلى توصيف حال المصريين الآن، لأن كثيراً من المصريين أصبحوا من فرط ما أصابهم من الإحباطات والوعود الكاذبة والتوقعات المستقبلية غير الصحيحة، وغياب الأمل وعدم الاهتمام بآدميتهم، وتغييبهم عن مراحل صنع القرار السياسي.. أصبحوا أشبه بحالة اليأس التي أصابت الفأر. لقد أصيب المصريون بحالة عدم مبالاة يختلط بها القلق والعدوانية السلبية

والمقصود هو أن الخوف جزءٌ من اضطراب القلق. هناك مرضٌ اسمه القلق النفسي العام، وأحد مكوناته هو القلق..والخوف لدى مرضى القلق قد يكون خوفاً من المرض أو الموت أو الجنون.. إلخ، ولكن عندما نتحدث عن مخاوف شعبٍ فإننا نكون بصدد الحديث عن خوفٍ من المستقبل، وخوف من أي فاجعةٍ قد تقع، خاصةً أنه لا توجد مكونات تمنح الأمن للمواطن في مصر

إن الأمن مفقود في جميع الخدمات، لأن أسلوب تعاملنا مع تلك الخدمات وما يطرأ عليها قائمٌ على رد الفعل وليس الفعل، فإذا تعرض قطارٌ لحريقٍ مروع أو غرقت عَبارةٌ بركابها أو تحطمت طائرةٌ وابتلعتها مياه المحيط او انهارت عقارات سكنية مثل قطعٍ كرتونية، نتحدث بأسلوبٍ مرتبكٍ وانفعالي عن التحقيقات والإصلاح والاعتمادات المالية وما إلى ذلك، دون أن نملك استرتيجيةً محددة وواضحة للإصلاح والتجديد واتخاذ قراراتٍ وتنفيذ خطط مدروسة

رد الفعل هذا يؤكد غياب الاستراتيجية في خدمة المواطن، وهنا يبدي المواطن شعوراً بالرعب والقلق من سوء هذه الخدمات واحتمال وقوع كوارث أثناء استخدامه لها أو تعامله معها، خاصةً الخدمات الأساسية من تعليمٍ وصحةٍ ومواصلات... إلخ

ويضطر المواطن في هذه الحالة إلى الاعتماد على الإمكانات الذاتية، ويوجد حلولاً بديلة قدر الاستطاعة الشخصية أو المادية. وهذا المناخ السائد يغذي الذعر ويثير القلق، بل إنه يدفع المواطنين من حافة القلق إلى السقوط في دائرة الإحباط وعدم المبالاة وسهولة الشعور بالإثارة العصبية. هذه العصبية الزائدة والأعصاب التالفة دليلٌ على القلق والذعر، والرغبة في مواجهة الخطر بالتوتر والانفعال، حتى إن البعض كما يُقال "يخانق نفسه" لأنه لا يجد من يحميه ويضمن له حقوقه، فيحاول أن يأخذ حقه بيديه، في حين أن مشاعر القلق والخوف تتملكه

إن تعبير الصحة النفسية تحدده منظمة الصحة العالمية، وفقاً لأربعة معايير هي: القدرة على التكيف مع كروب الحياة ، التوازن بين القدرات والتطلعات، الإحساس بالعدل والمساواة، المساهمة من الفرد تجاه المجتمع. أي أن الصحة النفسية هي القدرة على التمركز حول الآخر والاهتمام بالمشكلات العامة، وصنع التوازن بين القدرات والتطلعات وحب العطاء والعمل، والإحساس بحرية التعبير والآدمية

أما الاضطراب النفسي في المقابل، فتحدده عدة معايير أهمها: التمركز حول الذات، والتقوقع حول النفس والأسرة الضيقة، بغض النظر عن القيم والعادات

والسؤال هو: هل يستطيع المواطن المصري التكيف مع كروب الحياة؟

لقد وصلت هذه الدرجة من التكيف إلى أقل تقدير حيث الكروب المتزايدة والتي تتلخص في الغلاء، البطالة، الازدحام، عدم وجود رعاية صحية مناسبة، تدني جودة التعليم، الانتماء الخاطئ للدين، والاهتمام بالطقوس دون الاهتمام بالجوهر

وتزداد حدة الضغوط على المصري مع تعاظم غول الفقر. ففي 17 أكتوبر تشرين أول عام 2007، تحدث منسق الأمم المتحدة في مصر جيمس راولي عن ارتفاع عدد المصريين الذين يعيشون في فقرٍ مدقع. وأضاف في افتتاح "حملة قف وعبّر ضد الفقر": إن معدل الفقر المدقع في الفترة من عام ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٥ زاد من ١٦.٧% إلى ١٩.٦% من عدد السكان، وإن واحداً من كل خمسة مصريين لا يستطيع تلبية احتياجاته الأساسية، حسب دراسة أنجزتها الأمم المتحدة في يونيو 2007

وربما يجوز القول إن المصري عاجزٌ حالياً عن التكيف مع كروب الحياة حتى بالنسبة للذين يتمتعون بالكفاءة والدرجات العلمية الرفيعة، حيث إنه بات من الصعب الوصول إلى مركزٍ وظيفي محترم إلا بالمحسوبية.. فالإنسان الكفء لا يستطيع بالعمل الجاد أن يصل إلى مبتغاه، وبالتالي تهتز صحته النفسية

إن صحة المصريين النفسية ترتبط بشكلٍ أو بآخر بمدى الإحساس بالعدل ودوره في تنمية مظاهر الحب والانتماء. فالعدل منقوصٌ في بلدنا، والمواطنون يعلمون أن أصواتهم لا تعني شيئاً وهم توصلوا إلى هذه القناعة من خلال تعامل الرؤساء مع مرؤوسيهم، وفي تجاهل استجوابات الفساد وأسلوب تمرير القوانين برفع الأيدي الجاهزة تحت قبة مجلس الشعب

وطالما أن هناك إعلاماً يميل إلى التسلية والطرب ويغفل الثقافة الفكرية والعلمية، والتوعية، فإن الخرافات والصرعات الغريبة تزداد وتنتشر في خطين متوازيين، فكل منهما يعمل في خدمة سيدٍ واحد: التفاهة

أضف إلى ذلك تدهور نظام التعليم في بلادنا، فقد ارتضى القائمون عليه أن يكون نظاماً يشجع التلقين والسلبية ويمنع الطالب من الحوار والنقاش البناء مع الأستاذ، مما يدرب المصري منذ نعومة أظفاره على الخضوع والاستكانة، ولا يجد أمامه طريقةً للتعبير عن عدوانيته أو البخار المكتوم في صدره إلا بالأسلوب السلبي، كالتنكيت، فالنكتة قد تكون في جوهرها ظاهرة عدوانية لكنها سلبية

والإعلام في المقابل تخلى عن دوره الأساسي فلم يعد يهتم بتوضيح الحقائق وإزالة الغموض، وإقامة قنوات اتصالٍ فعالة بين مطالب واحتياجات الموطنين وبين مؤسسات وأجهزة الدولة..وبالتالي بقيت المخاوف ومشاعر القلق على حالها. والتوعية تسهم في التخفيف من حدة التوتر والقلق وبالتالي تسيطر على مشاعر الخوف، لكن مصر تفتقد وجود أي جهاز للتوعية بأي شيء

إن المواطن العادي لا يدري ماذا يتعين عليه فعله إذا وقعت له كارثةٌ أو نزلت به مصيبةٌ أو تعرض لجريمةٍ كالسطو أو النصب أو الاغتصاب أو التحرش. إنه لا يعرف على سبيل المثال إلى أين يتجه بالضبط، وما هو الرقم الذي يدير به قرص الهاتف طالباً النجدة أو العون، لتنقذه قبل فوات الأوان أو تنتشله من محنته وآلامه. لا بد إذاً من تعريف المواطن وتوعيته بكل شيء حتى يزول الخوف من نفسه، ويعرف طعم الطمأنينة

الطمأنينة!

كلمةٌ يتوق إليها المصري، بغض النظر عن مستواه المادي والاجتماعي أو موقعه الوظيفي.. فالكل يشعر بالقلق وعدم الأمان، سواء من يقيم في قصرٍ على طريق الإسكندرية الصحرواي، أو يسكن في عشةٍ في الوراق أو الدويقة

ويمكن القول إن المصريين ينقسمون الآن إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول يتألف من أشخاصٍ لا يبالون ولا توجد لديهم انفعالات ويتسمون بالسلبية الشديدة، والقسم الثاني يعاني قلقاً وخوفاً مستمراً من المجهول ولذا فإنه مصابٌ دوماً بحالة "خضة" ويخشى حتى من رنين الهاتف أو جرس الباب ويكرر أقوالاً وعباراتٍ من عينة "اللهم اجعله خيراً" حتى إذا ضحك، بما يجسد مخاوفه وتوتره. لقد أصبح هؤلاء الناس – والأرجح أنهم قسمٌ لا يستهان به من المجتمع- يعانون حالة ترقبٍ غير مريح، وهذا هو أحد أعراض القلق النفسي. ويبقى قسمٌ ثالث طبيعي يتعامل مع المواقف كما هي دون استهانةٍ أو مبالغة

وأي شعبٍ تضعه في الظروف التي يعيشها المصريون من عدم وجود حمايةٍ لآدميته أو لممتلكاته أو لجسده أو لنفسه من الخدمات المتاحة له، لا بد أن يكون في حالة خوفٍ أو هلع. أنت في مصر لا تعرف أي شيء عما يدور في بلدك، ولا تدري لماذا اختير فلان لهذا المنصب أو أقيل آخر أو حتى تعرض للمهانة. وفي ظل هذا الغموض السائد تزداد الإشاعة ويكون المواطن قابلاً للإيحاء وتصديق الأوهام

إن القلق والخوف والغموض هي الطينة التي تنبت وتنمو فيها الإشاعة، ثم إن عدم قدرة المصري على تصديق ما يقال له من وعود وما يصرح له به من أرقامٍ، سببٌ في شعوره بالخشية والقلق. فإذا سمع المصري أن الأرقام الرسمية تشير على سبيل المثال إلى أن نسبة البطالة لا تتعدى 8 % فإنه لن يصدق هذا، لأنه يشعر ويرى أن الرقم أكبر من ذلك بكثير. والمواطن إذا مرض أو أصيب أو مات فإن أحداً لا يسأل عنه، اللهم إلا دائرة المقربين منه

إن أحدث تقارير التنمية البشرية تشير إلى أن ما بين ٧٦ و٨٠% من المصريين يدفعون تكاليف علاجهم من جيوبهم، وهم يتساوون في ذلك مع مواطني جيبوتي والسودان والصومال، في حين أن مواطني دول الخليج مثل السعودية والبحرين والإمارات لا تزيد مساهماتهم في تكاليف علاجهم على ١٠%، أي أن هذه الدول تدفع نفقات علاج مواطنيها الأغنياء.. أما مصر فقد تخلت عن علاج فقرائها

وفي الدول الصناعية يتم تخصيص ما بين ١٠ و١٣% من ميزانية الدولة لقطاع الصحة، أما في مصر فإن هذه الميزانية في حدود ٣% فقط، وذلك وفق تأكيد تقرير التنمية البشرية. أمرٌ يدعو إلى الحزن والأسى أن تكون مخصصات التعليم والصحة هي الأقل في ميزانية الدولة

لقد اعتاد المصري على مر تاريخه أن يلقي همومه على عتبة الجماعة التي ينتمي إليها، أما الآن فقد تُرِكَ لذاته وأصبح أسيراً لها، ولم يعد أمامه إلا أن يأكل بعضه بعضاً، في حين اكتفت الحكومة بالجلوس في مقاعد المتفرجين

إلى أين يقودنا هذا الخوف؟

إنه يقودنا إلى حالةٍ من الجمود العاطفي وعدم المبالاة، تماماً مثل الفأر الذي تحدثنا عنه من قبل.. إن قطاعاً من المصريين أصبح يقرأ أو يشاهد ما يحدث في بر مصر من كوارث أو عن معاناة شعوبٍ عربية أخرى، فلا يبدي انفعالاً يذكر أو ينسى الأمر بالكامل بعد لحظاتٍ من التعرض له

إنها حالةٌ يمكن أن نسميها: العين الزجاجية

عينٌ نظن أنها ترى، لكن المؤكد أنها لا تحس بما يدور أمامها

وتابعوني في الجزء الثاني ...... أبوعلي الرياض

منقـــــــــــــــــــول

تم تعديل بواسطة Folana
رابط هذا التعليق
شارك

يية ياعم انت عايز ايية انتا بتستفذنا ولا انت يعنى واكل وشبعان وفاكر اننا جعانين التزم بالادب فى التشبية احن لا فران ولا قطط احنا مهربناش من الواقع ولا القدر انت بس عند حضرتك عنيين من زجاج مش احنا ولوسمحت متتكلمش عن المصريين وخليك فى مكانك زى منتا وقبل ما توصفنا اوصف نفسك يعنى بص فى المراية وانتا تعرف ان المصريين محترمين وخلقتهم من صنع ربهم وشكلهم جميل وليس قبيح

لا تقلق من تدابير البشر، فأقصى ما يستطيعون فعله معك هو تنفيذ إرادة الله .

رابط هذا التعليق
شارك

انا كل ماقرى الموضوع افكر طيب هو الاكتئاب فى مصر بس؟

انا قريت الموضوع كله طويل جدا وكله نسب ياترى النسب دى صحيحه وعلى اى مبدأ بنيت؟

بمعنى اصح هم عرفوا منين ؟ وكمان تحصيح لسيادتكم الكريم اللى اشاع نبأ الزلزال كان اليابان وليس امريكا حتى امريكا لو كانو قالو فيها زلزال كله هيهرب

هو مفيش دراسه للمغتبرين المتأبين نسيونا حتى فى دى :wub: زيدوهم واحد بس الفار حصله ايه؟ مش معناه انه مصر كلها زى الفار اللى عذبوه ده اه وللعلم احنا كلنا ذهبنا الى القسم علشان البطاقة والباسبورد مبيعضوش هناك هم بس لا بيهشوا ولا ينشوا

تحياتى

عمرو

الدنيا يومان

يوم لك ويوم علبك

فافعل ماشئت

لكن تذكر

كما تدين تدان

رابط هذا التعليق
شارك

أولا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....

معلش ممكن أكون حبيت أبدأ مشاركاتي معاكم في المحاورات

كعضو مشاغب ..... بس مش معتاه الأساءة ...أنا مصري زيكم بالزبط

لا ينقصني أي شيء من مشاكلنا ولا يعيوبنا .... معلش انا صريح شوية

غريب بره بلدي زي زيكم ..... منةعنوان موقعكم ....محاورات .... يعتي حوارات بين المصريين

يعني حوار هاديء .... نتكلم فيه ..... مش نغلط فيه على بعض مش مشكلة

لأن الموضوع ممكن يكون صعب على بعض الناس شوية

وصرييح شويتين ..... بس بصراحة هل الكلام ده مش موجود فينا

وصدقوني أنا صدري رحب للنقد بكافة صوره ..... لأني فعلا انا محتار في الشخصية المصرية زيكم

حبيت نفكر بصوت عالي ..... بس تفكير مش صوت كلام ...... أخواني .... في انتظار المزيد من التعليقات

لأن على اساسها أحدد أنزل الجزء الثاني أم لا ..... وإلي ممكن يتوقف عليها كمان عضويتي بمنتداكم

أخوكم/ أبوعلي من الرياض

:wub:

رابط هذا التعليق
شارك

عزيزى ابو على

كيف حالك عساك بخير؟من العايدين انشا الله

اخى المحترم ليس المصريين الشعب الوحيد الذى يشعر باكتأب هناك ملايين البشر فى كل مكان . ان كانوا اجروا دراستهم فدى اسمحلى اقولك من خيبيتهم.

احنا عمرنا ماكنا شعب جبان زى بس سيدى الفاضل تخيل الموقف عام 1992 لما حصل زلزال توفى الوف البشر مننا وحدثت كوارث فاعتقد لو ذكر انه فى زلزال او بركان زى ما قالوا فى الفيوم انه هناك بخار يعلو من منطقة معينه وهناك بركان وطلع فى الاخر ماسورة مجارى ضاربه لا اجد اى تعليق غير ذلك

بالنسبه لتجربة الفأر مش محتاجين دراسات من اناس لا يعلمون معنى الدمار او انهدام مجرد دكتور حب يعمل ذوبعه كى يذكروه فى مقال صحفي وقام بدراسه ولكن على اى اساس وبأى حق قد توصل الى هذه النتائج .

تريد التناقش اطرح موضوعك دع احساسك بما يحدث حولك هو المتكلم لا تسمع ماقيل وقال انت مصرى وانا مصرى والاعضاء مصريين كلنا قدمنا من ارض واحده باختلاف المستويات والثقافات كلا منا يحمل مايحمله من سلبيات وايجابيات كلا منا يطرح ويناقش

لكن اتناقش على بحث قام به شخص ما لا اعلم حتى مصدر هذا البحث . طب فى دكتور بيقولك ان مصر فيها قوه بشرية تدير العالم كله ونسبة التثقف بينهم 99% والحكومه تمثل 1% والمتفائلون نسبتهم 66% والغير محتاجين 34% دى دراسة اجراها الباحث حورس الكبير الله يعطيه الصحه بس مين حورس وكيف حصل على هذه النسب . رد عليا وقالى ان ده موضوع الدكتوراه بتاعته .

الله عليك ياعم حورس بس مجرد اوراق وارقام وحروف من اجل الحصول على درجه علميه او الوصول الى هدف معين. لا يعنى ذلك اننى اقلل من شأن كاتب الموضوع او الدكتور صاحب البحث او او او لكننى اقول كل واحد يفضل فى حاله احنا فعلا غير قابلين للدراسه لاننا اكثر من يعرف بعضنا البعض يمكن الاكتئاب ده لواحد فقد شخص عزيز عليه او سقط نتيجه لفشله العلمى او او او .

دع ابو على هو من يتكلم ولا تدع الاخرون يتكلمون بالنيابه عنك. ارجو ان تتقبل مداخلتى بصدر رحب ولا تشعر انها من باب النقد او فرض العضلات وانما هى وجهة نظر فقط لا غير واترك الحكم للجميع ان كنت على صواب او خطأ .

شكرا تحياتى

عمرو حورس :wub:

الدنيا يومان

يوم لك ويوم علبك

فافعل ماشئت

لكن تذكر

كما تدين تدان

رابط هذا التعليق
شارك

السيد الفاضل أبو علي

أولا التمس في كلامك ان حضرتك من اصحاب التعليم العالي والثقافة والتمكن من اللغة

ثانيا احييك لانك اول من اقرأ له ويكون كلامه مدعم بالحقائق والمصادر والكلام العلمي المدروس

ثالثا اتفق معك ان معظم المصريين مصابون بالفوبيا من كل شيء أنا كمثال عندما اركب الطائرة اخشى ان تقع عندما اشرب المياه أشك في انها ملوثة عندما اركب مع سائق التاكسي ربما افكر انه سيخطتفني والكثير من هذه الامثلة

ولكن هذا الحال يسري في جميع أنحاء العالم ليس في مصر فقط في أمريكا البلد العظمى تحصل 87 حالة اغتصاب كل ساعة لا يوجد سيدة تمشي دون الخوف والرعب من المجهول الذي سيحصل لها

أما ما يميزنا حقا عن أمريكا اننا لا نعرف ماذا نفعل عندما تقع الكارثة, عندما قرات موضوعك فكرت لما لا نضع سلسلة من المواضيع ونسميها ماذا نفعل عندما تقع كارثة سواء كانت زلزال او تسونامي او غرق عبارة او سقوط طائرة او ما الى ذلك

اتمنى حقا ان نتعاون في تحقيق هذه المواضيع

رابعا بالنسبة للمحسوبية والواسطة وغيرها فهي منتشرة في جميع انحاء العالم تخيل أنه في السعودية لا يدخل طالب حاصل على 99% كلية الطب الا اذا كان معه واسطة ويدخل غيره الحاصل على اقل من 80% اذا كان معه واسطة

الواسطة ظارهة عالمية ليست في مصر فقط حتى في الدول الكبرى يوجد ثقافة المحسوبية بنسبة اكبر من مصر

خامسا بالنسبة لموضوع اننا نسمع عن الكوراث ولا نهتم بها او لا نعيرها ادنى اهتمام نفسي بالعكس نحن شعب يتاثر جدا بما يحصل لغيره ولكن همومنا فاقت تحمل وطاقات البشر ولم نعد نريد ان نساعد احد سوى انفسنا لأننا في امس الحاجة الى الاهتمام بما يحصل في الداخل حاليا

سادسا قال تعالى ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ) حتى نتقدم الى مصاف الدول المتقدمة يجب على كل فرد ان يراجع نفسه ويراجع تصرفاته ويراجع افكاره ويغير ما يعيق تقدم البلاد وتطورها ويجب ان نعي ان تصرف الفرد الواحد يؤثر في حياة الثمانين مليون الاخرين

سابعا تقبل تحياتي

مرمر

تم تعديل بواسطة miramar

عندما نتكلم بصدق.....

ونستمع بهدوء....

وننقد بإخلاص......

نحصل على حوار هادف.....

لست مجبرة أن يفهم الآخرين من أنا؟ فمن يمتلك القلب والروح أنا له كتاب مفتوح

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وأسعد الله أوقاتكم جميعا ..... بداية أشكر كل من الأعضاء amrhoras و miramar

على ردودهم مع اني كنت متوقع هيعلق عدد أكبر من الأعضاء يمكن الموضوع طويل شوية

عن مواضيع المنتدى, مش مهم ....... المهم من قراءتنا للمقال

هل فعلا قدرنا نغوص جوه الشخصية المصرية الحالية مش الشخصية إلي كلنا بنسمع عنها

خلينا مع الجزء الثاني ونشوف ..يمكن نطلع بحاجة منطقية وواقعية ..... خليكم معايا

---

رابط هذا التعليق
شارك

اكتئاب المصريين (2): إغماء جماعي

إن عدم المبالاة هو أخطر وأسوأ مواليد الإحباط. وهذه الحالة تقلل ثلاثة أشياء: الانتماء للوطن، الانتماء للدين، والانتماء لمنظومة الأخلاق والقيم

والثابت أن العمل والعطاء بحبٍ وإخلاص يكون سلوكاً صعباً للغاية دون إحساسٍ بالانتماء إلى الوطن. والآن لدينا حالة من اللامبالاة - وربما عدم الثقة- يعاني منها المواطن المصري، وهي تتضح في قراءة نسبة الذاهبين إلى أي انتخاب أو استفتاء، وبينها الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي أجري في 26 مارس آذار عام 2007. وعدم المبالاة يظهر أيضاً في الشارع المصري بمثالبه وسلبياته، بدءاً من رمي القاذورات، وكتابة الشتائم البذيئة على الأسوار والجدران وأبواب دورات المياه العامة، وإتلاف الأشجار، والفوضى المرورية، وغيرها

وحين تفقد منظومة القيم والأخلاق، تطل المظاهر الزائفة برأسها لتصبح محاكاة ملامح الثراء سبيل من لا يملكون قوت يومهم أو لا يستطيعون تحقيق أحلامهم الاجتماعية والاقتصادية. وفي يوليو تموز 2007 قالت دراسة أعدها المركز القومي للاتصالات في مصر إن المصريين ينفقون نحو 186 مليون جنيه (قرابة 33 مليون دولار) سنوياً على نغمات ورسائل الهاتف المحمول. وتتنوع هذه الرسائل بين الصور الفاضحة ومقاطع من الفيديو كليب الجنسي يتناقلها الشباب فيما بينهم

ومع ذلك حين تسأل المصري بشكل عام عن حالته المزاجية ستجده دائم الشكوى من كل شيء حوله، ومن أن "الآخرين" أصيبوا بالبلادة، وقد يختم حواره بالقول إنه يشعر بالاكتئاب مما يجري حوله، أو يتحدث عن حلمه أو تفكيره في السفر أو الهجرة و"الخروج من هذا البلد على خير"

إن الاكتئاب ثمنٌ يدفعه عادة من يعيشون حياتهم بسلبية مطلقة وحالة عدم مبالاة وينخرطون بالتواطؤ أو التورط في عالم الفساد والتفاهة.. ثم يكتشفون في لحظةٍ ما أن طبقة البلادة على أحاسيسهم تذوب لتبدأ رحلة المعاناة..والاكتئاب

لقد سكت وسكن المصريون طويلاً، واكتفوا بالتذمر والغمغمة، ظناً منهم أن التغيير سيحدث لهم وهم قاعدون، مع "إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم"

وقد يقول قائلٌ إن الوضع في مصر مستحيل، لكن الصحيح أنه وضعٌ صعب مثل بكرة صوفٍ يتلاعب بها قط. علينا أن نؤمن بأن الحل ممكن، وأن نثق في قدراتنا، وأن نعمل بجدية وانضباط للخروج من هذا المأزق الخطير، وأن نمارس الالتزام والانضباط الذي نتقيد به حين نكون خارج مصر. بل إنه يصح القول إن التزام وانضباط المصريين في تجربة مترو الأنفاق، يجعلنا نستغرب كيف يلتزمون تحت الأرض ولا يفعلون ذلك فوقها. فهل المسألة تتعلق بالنظام أو فرضه بقوة الأمن أو تنمية الشعور بالمسؤولية؟!

ولنا في انضباط الشارع المصري في عهد وزير الداخلية أحمد رشدي أسوة حسنة، فقد أثبت هذا الرجل أنه يمكن ببعض الجدية والحزم القضاء على كثيرٍ من مظاهر الفوضى المؤذية في شوارعنا وأحيائنا، إلى أن استقال أحمد رشدي بعد معارك مع تجار المخدرات ورؤوس الفساد، وعقب أحداث الأمن المركزي التي وقعت في فبراير شباط عام 1986، لتعود الفوضى إلى حكم البلاد والعباد

والمشهد الحالي يعطي انطباعاً بأن المصريين أصبحوا جماعة غير منتظمة، تفتقد الأمل والهدف والرؤية. والجماعة غير المنتظمة، غير المنظمة، انفعالية للغاية، مندفعة، عنيفة أحياناً، متقلبة المشاعر، متضاربة، متناقضة الهوى والهوية، مترددة، متحيرة، تظهر انفعالات خشنة، قاسية فظة، لا تبدو عليها أية مشاعر حساسة أو رقيقة، قابليتها للإيحاء عالية جداً، مهملة عمداً، لا تراعي الآخر، في أعضائها الذين لا يعرفون بعضهم البعض، أنانية، جوفاء، شديدة التأثر

ويبدو أن المصريين عواطفهم فوّارة، مثل القرص الفوار، تفور وسرعان ما تهدأ.. نتحمس للشيء، ثم تخمد حماستنا وتفتر همتنا وعزيمتنا.. إننا نغضب ونولول ونصرخ، لكننا نهدأ بالسرعة نفسها. هذه الشخصية غير المتزنة عاطفياً سمة كثيرٍ من المصريين، ممن قد يغالون في الوصف والتعبير بكلمات وعباراتٍ مطاطة بها قدرٌ كبير من توابل المبالغة والتهويل والإكثار من استخدام أفعال التفضيل

إن المبالغة في العواطف لا تعني عادةً صدق العواطف. والشعور بالإحباط والإحساس بأن توقعاتك محبطة يدفعانك إلى اليأس، وهنا فإنك قد تهرب من الواقع بالتطرف والزهد، أو الإدمان لتنسى الواقع

ومما يسترعي الانتباه أن نسبةً كبيرة من المصابين بالاكتئاب في مصر تنتمي إلى الطبقة الوسطى من الموظفين والضباط وأساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والتجار وأصحاب المصانع الصغيرة. وكما هو معلومٌ، فإن أي اختلالٍ يصيب هذه الطبقة يوازيه ـ بداهة ـ اختلال على مستوى جميع الطبقات الأخرى، فهي الوعاء الحافظ لقيم المجتمع وتقاليده ومعالم ثقافته

المشكلة أن الطبقة الوسطى – تحت وطأة ضغوطٍ اقتصادية واجتماعية وسياسية متشابكة- تآكلت الكثير من تقاليدها وقيمها ومحرماتها، وهو أمرٌ يهدد البنيان الاجتماعي بشكلٍ عام ويثير الخوف والفزع من انهيارٍ أكبر، مما يزرع الهلع في النفوس. علاوةً على ذلك، فإن تهديد الحياة أو الممتلكات أو الحقوق يجعل الفرد غير آمن، خاصة في ظل بطء التقاضي، وعدم تنفيذ البعض لأحكام القضاء التي تحكم بإعادة الحقوق إلى أصحابها، مما يغلق نافذة الأمل الوحيدة لنيل وضمان الحقوق

هذا الخوف ليس مقصوراً على المواطن العادي، وإنما يفرد مظلته أيضاً على الكبار والمسؤولين، فالوزير أو المسؤول في مصر عنده من عدم الأمن وعدم الاستقرار والخوف ما هو أكثر مما لدى المواطن العادي الذي لن يخسر في العادة شيئاً، أما الوزير أو المسؤول فهو مهددٌ بأن يخسر كل شيء في لحظة، لأنه لا يعرف لماذا جاء إلى المنصب وأحياناً لا يدري لماذا يتركه. إن المصريين، وفي مقدمتهم النخبة الضيقة من الحاكمين في الحزب والدولة والنخبة المحيطة بهما، يسقطون في فخ التخمينات حول المرشحين لتولي مختلف المناصب الوزارية، وبينهم رئيس الحكومة نفسه، وينتهي الأمر غالباً إلى اختيار أشخاصٍ لا يعلم أحدٌ عنهم شيئاً يذكر، فالذي يختارهم هو رئيس الجمهورية وحده ومعه دائرة معاونيه شديدة الضيق

وما دامت المعايير غائبةً والمعلومات محجوبة، وما دامت الكفاءة والنزاهة ليستا أساس البقاء في المنصب، فكيف يطمئن الوزير أو صاحب المنصب على مصيره؟!

إن خوف الوزراء وكبار المسؤولين أكبر بكثيرٍ مما قد يتصور البعض، فهم قد يدخلون من باب السلطة ثم ينتهي بهم الأمر داخل زنزانة، مثل وزير المالية محي الدين الغريب ووزير السياحة توفيق عبده إسماعيل، وأي وزير يكون ولاؤه عادةً لمن أوصله إلى المنصب وليس للشعب، ولذا فإن ولاءه يكون لصانع القرار السياسي. وفي ظل هذه المعادلة يشعر الوزير بالقلق والذعر باستمرار، ولذا يتندر البعض قائلين إنه مع كل تعديل او تغيير وزاري فإن أول دواءٍ يختفي من الصيدليات هو أدوية الإسهال!

والكبار هنا قد يتسمون بالاستكانة والخنوع والخضوع أكثر من المواطنين العاديين، بما يجسد مخاوفهم الزائدة. وحين كتب الكاتب الساخر أحمد رجب في زاويته "نصف كلمة" في جريدة "الأخبار" قائلاً: إن اثنين من الوزراء دخلا مصحة نفسية وعولجا، حادثه د. أحمد عكاشة هاتفياً وقال له إنه لا عيب في في دخول الوزير كإنسان مصحة نفسية، لأنه يكون في هذا الأمر شأنه شأن أي مريضٍ يعالج من مرضٍ ما كالزائدة الدودية أو الفتق أو أمراض القلب الشائعة، ولكن ماذا عن الوزراء الذين دخلوا الوزارة ولم يُعالَجوا نفسياً. في اليوم التالي للمحادثة الهاتفية، كتب أحمد رجب في "نصف كلمة" قائلاً: "كلمني الدكتور أحمد عكاشة وقال لي إنني حزين لأنك تتحدث عن وزيرين عولجا في مصحة نفسية. والدكتور عكاشة يأسف لأن باقي الوزراء لم يدخلوا مصحات نفسية للعلاج بما يحسن الأداء الحكومي"

الخوف- الذي هو جزءٌ من القلق- ليس له علاج إلا بتوفير الأمن والأمان واحترام آدمية المواطن ومنح الحقوق والخدمات. وفي حالة القلق والخوف فإنك تكون قابلاً للإيحاء وتصدق أي شيء، خاصةً أنه لا توجد جهة ذات مصداقية تمنحك معلومات تفند الإشاعة وتكذبها وتوضح الحقائق دون مواربة

وبدءاً من 31 مارس آذار عام 1993 لم يكن من حديثٍ على ألسنة العامة سوى حوادث الإغماء الجماعي التي أصيبت بها أكثر من 500 من طالبات محافظة البحيرة، وامتدت لتصيب مئات الطالبات في 15 محافظة مصرية بينها القاهرة. وبدأت الإشاعات تتحدث عن وجود غازات تبثها إسرائيل في الجو وما إلى ذلك من ترهات، في حين أن ما حدث لم تصب به سوى طالبات المرحلة الإعدادية اللاتي أجمعن على أن الأعراض تمثلت في الإحساس بالدوار وفقدان القدرة على التركيز، والرغبة في السقوط والارتماء على الأرض

وبعد أن هدأ الغبار قال عددٌ من الأطباء النفسيين إن ما جرى ليس سوى هيستيريا جماعية، غير أن عدداً من النواب المصريين ثاروا على التفسير الذي قاله أمامهم وزير الصحة الدكتور راغب دويدار في 5 أبريل نيسان عام 1993، بالرغم من أن الوزير دعم كلامه بالبيانات والإحصاءات عن عدد المصابات وحالاتهن والتفسير الطبي لهذه الحالات والنتائج المخبرية والعينات التي أخذت منهن. رفض النواب بيان الوزير المسؤول، ولم يقبلوا فكرة الإيحاء التي تسببت في هذه الموجة من الإغماء لدى الطالبات، وأثاروا المخاوف حول وجود غازٍ غامض استخدم عمداً للتأثير في هرمون الأنوثة

ووسط صراخ وزعيق عددٍ من غير المتخصصين، أُهمِلَ الطب النفسي في فحص الحالات، ووجهت الجهود واتجهت التفسيرات إلى البحث عن مصدرٍ للتلوث البيئي. ويمكن أن نقرأ عن هذا الموضوع وغيره من الأزمات التي تبين مدى هشاشة المجتمع وإخفاق الدولة في إدارة الأزمات في كتب ودراسات لا تحصى، بينها كتاب "التخطيط لمواجهة الأزمات: عشر كوارث هزت مصر" للدكتور محمد رشاد الحملاوي (مكتبة عين شمس، 1995)

ثم نعود ونتساءل عن سبب خوفنا الدائم، وسر اكتئابنا المزمن!

الوجه الآخر من عملة الخوف هو التسلط، فلا يظهر دكتاتور إلا إذا كان الشعب خائفاً ومستكيناً. والفرد في هذه الحالة يمحو ذاته في سبيل السلطة. والخوف من السلطة أو التسلط أو حتى البلطجة على المستوى الفردي، يشجع على ظهور شتى أنواع الرذائل

تنتشر في مناطق من عالمنا اليوم - انطلاقاً من جنوب شرق آسيا- ظاهرة تتجلى بالعنف اسمها Amok أو سعار القتل الجماعي. وكلمة أموك مستقاة من لغة المالاي، وتعني جنون الغضب أو الغضب الذي يخرج عن نطاق السيطرة. وتقدم بعض التفسيرات النفسية لظاهرة الأموك على أنها انفجار مفاجيء في التوتر الداخلي ناجم عن الحياة في مجتمع شديد الهرمية، وأغلب التفسيرات تربطه بمسألة شعور الرجل تحديداً - يصيب واحداً في المليون من الرجال مقابل واحدة من عشرين مليوناً بين النساء، ولذا كان 95 % ممن يصابون به من الرجال- بالخزي لعدم تمكنه من العيش بكرامةٍ وشرف في مجتمعه.

وتقول بعض الدراسات إنه يصيب ثلاثة أصنافٍ من الناس: جماعة الشيزوفرنيا (الفصام)، والمصابون بـ (الاكتئاب) وأخيراً (ذوو الشخصيات المضطربة). يمتاز مريض القتل الجماعي الآموك بعدة صفات: إنه في المتوسط رجل في حدود 35 عاماً، والأقرب أن يكون متعلماً وبقدر ثقافته يكون بطشه. وعادة يقع في ظروف الحادثة تحت انهيار نفسي من البطالة بالرغم من كفاءته المهنية. ويمتاز بأنه خامل جنسياً أو خجول لا يعرف الحب أو الجنس. وهو مستعدٌ للقتل بسرعةٍ وأعصابٍ باردة، وفي النهاية ينتحر أو يقتله شخصٌ آخر لمنعه من مواصلة جرائمه

ولكن ما علاقة المصريين بما نقول؟

إن العائدين من سيناء مشياً على الأقدام بعد حرب يونيو حزيران عام 1967 كانوا في حالة من عدم المبالاة، ولكن إذا سمعوا صوت المترو أو صفير القطار فإنهم كانوا ينبطحون ويختفون تحت السرير ويأخذون في الصراخ، لأنهم مروا بتجربة قاسية ساروا فيها على أقدامهم دون طعامٍ أو شراب لمسافات طويلة، خائفين من القصف الجوي الإسرائيلي وأن تحصد أرواحهم تلك الطائرات الحربية التي تحلق فوقهم

هؤلاء المذعورون من صوت المترو أو القطار كانوا يخرجون بعد مروره بفترةٍ من تحت السرير في حالةٍ مشدودة، فإذا حدثت أحدهم وجدته في حالة عدم تركيز أو إعياء تام نتيجة الفزع. وقد تبدو هذه الحالة مشابهة لحالة "أموك" بدرجةٍ ما؛ لأن الخوف والفزع يجعلان الشخص غير مبالٍ، وقد يؤدي عدم المبالاة إلى إيذاء الغير

إن استمرار الخوف والقلق يؤدي إلى الاكتئاب ويقود إلى تشخيص جديد هو الإنسان المستهلك Burned out وهو الشخص الذي يفقد التركيز ويصاب بالبلادة ويصبح عصبياً لأقل منبه أو مثير، وقد يصاب بالصداع ويعاني الأرق، ويسيطر عليه إحساس بالعجز واليأس

وفي ظل الزحام الخانق وصعوبة ضمان الرزق الذي يوفر سبل العيش الكريمة، ومتاعب السياسة وهموم الظروف المعيشية، والإحساس بعدم الأمان، فإن المصري مرشحٌ قوي لأن يستقبل ضيوفاًً ثقيلي الظل تحت مسمى الخوف والاكتئاب..وربما أموك.

------

وأنا في انتظار تعليقات الأعضاء ....بس بشرط أقرأ الموضوع مرة وإثنين وثلاثة متستعجلوش .....

أخوكم/ أبوعلي من الرياض.

منقــــــــــــــــول

تم تعديل بواسطة Folana
رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله....

أخى الكريم essamalshaaer اسمحى لى ارحب بحضرتك اخ عزيز بينا..واتمنى لك الافادة والاستفادة من المحاورات....

ولان حضرتك عضو جديد معنا وددنا أن نشير الى شىء هام يعتبر من قواعد و تقاليد محاورات المصريين ...الا وهو الامانة العلمية ونسب الموضوعات الى اصحابها ..اتقاءا لوجه الله تعالى اولا...ثم احقاقا للحق واعطاء كل مجتهد قدره .. ثانيا..

كاتب هذا الموضوع الاصلى هو الكاتب الصحفى الاستاذ ياسر ثابت

- اكتئاب المصريين - العين الزجاجية فى هذا الرابط

http://yasser-best.blogspot.com/2007/11/1.html

-اكئتاب المصريين - اغماء جماعى ...فى هذا الرابط

http://yasser-best.blogspot.com/2007/11/2.html

هذا وتتمنى ادارة المحاورات وجميع اعضائها ان تستمر فى نشاطك معنا وتمتعنا بالموضوعات المختلفة....

الادارة

{ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 أسابيع...

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...