إبن مصر بتاريخ: 27 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 27 ديسمبر 2007 نشرت صحيفه المصرى اليوم مقالا ل د.جمال مغيث عن المراجعات التى قامت بها جماعه الجهاد على خلفيه الوثيقه التى نشرها الشيخ سيد امام فقيه الجهاد وهذا هو نص المقال . وبعد قرائته اجدنى فعلا متعجبا ن لغه التصريحات التى قام بها الشيخ سيد امام .. ليس تأثرا بالمقال ولكن لحقيقه اللفظ الرمادى .. فجمله مثل تلك : قد تخلت - مؤقتا لغياب التمكن - عن قتل المصريين، وترك السياح يأتون إلي بلادنا، وترك الأقباط يعيشون بيننا، وعدم الانقلاب علي الدولة «المدنية». ماذا يعنى مؤقتا ؟ وهل اذا حصل التمكن عدنا الى نفس الموقف؟ لا اجد اى خلاف فى انه فى حاله المراجعات الحقيقيه عن الموقف لابد من السماح لمن عاد الى رشده بالانخراط فى المجتمع مره اخرى ولكنى ارى لونا رماديا فى هذه المراجعه؟ ما هو المقصود بكلمه مؤقتا ؟ ان المراقب لموقف الجماعه فى اوج المواجهات والصدام ليعلم جيد ماذا ينتظر الوطن فى حاله التمكين ؟ هل تسرعت الحكومه فى الموافقه على هذه المراجعات ام ان الامن قبل بها وهو يعلم ماذا يفعل؟ أم ان هناك صفقه ما فى الموضوع؟ فعلا موقف يحتاج الى توضيح . إن ربا كفاك بالأمس ما كان.... يكفيك فى الغد ما سوف يكون رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 28 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 28 ديسمبر 2007 نشرت صحيفه المصرى اليوم مقالا ل د.جمال مغيث عن المراجعات التى قامت بها جماعه الجهاد على خلفيه الوثيقه التى نشرها الشيخ سيد امام فقيه الجهادوبعد قرائته اجدنى فعلا متعجبا ن لغه التصريحات التى قام بها الشيخ سيد امام .. ليس تأثرا بالمقال ولكن لحقيقه اللفظ الرمادى .. فجمله مثل تلك : قد تخلت - مؤقتا لغياب التمكن - عن قتل المصريين، وترك السياح يأتون إلي بلادنا، وترك الأقباط يعيشون بيننا، وعدم الانقلاب علي الدولة «المدنية». ماذا يعنى مؤقتا ؟ وهل اذا حصل التمكن عدنا الى نفس الموقف؟ لا اجد اى خلاف فى انه فى حاله المراجعات الحقيقيه عن الموقف لابد من السماح لمن عاد الى رشده بالانخراط فى المجتمع مره اخرى ولكنى ارى لونا رماديا فى هذه المراجعه؟ ما هو المقصود بكلمه مؤقتا ؟ ان المراقب لموقف الجماعه فى اوج المواجهات والصدام ليعلم جيد ماذا ينتظر الوطن فى حاله التمكين ؟ هل تسرعت الحكومه فى الموافقه على هذه المراجعات ام ان الامن قبل بها وهو يعلم ماذا يفعل؟ أم ان هناك صفقه ما فى الموضوع؟ فعلا موقف يحتاج الى توضيح . يعنى يعقد هدنة ، لكن بين من ومن؟ هل هى هدنة بين الدولة والشعب المصرى من جهة وبين تنظيم الجهاد من ناحية أخرى؟ وهل له من السلطة فعلا وهو خلف القضبان مايلزم المنتمين لتنظيم الجهاد والقاعدة أن يأخذوا برأيه؟ وهل هو قام بالتوبة عن فكره القديم؟ وهو الذى طلب عدم نشر مراجعته الجهادية الاخيرة الا كملحق لفتاواه فى مؤلفه " العمدة " وانه سيتراجع عن اى شيئ فى وثيقته الجديدة اذا ثبت انه يخالف رأيا شرعيا ، وما أكثر الاراء الشرعية التى فسروها ووظفوها للقتل والارهاب سواءا ضد المصريين او الاجانب او الاقباط . الحقيقة ان الموضوع من أوله لآخره ماهو الا هدنة او بيات شتوى ، من ناحية تنظيم الجهاد ، ومن ناحية أخرى فتهليل النظام لذلك ماهو الا محاولة منه لتفريق صفوفهم ، واهتمام الاخوان بذلك - فى رأيى - ماهو الا ركوبا للموجة ، لاستقطاب من يتركون التنظيم ، حيث ان الاخوان لم تستنكر ابدا ولم تتصدى لفكر تنظيم الجهاد ، مما اوحى احيانا بأنهم يستفيدون من القلاقل التى سببتها الاعمال الارهابية التى نفذها افراد تابعين لتنظيم الجهاد. -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Sherief AbdelWahab بتاريخ: 28 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 28 ديسمبر 2007 نفكر بصوت عالي.. الجهاد بتفكر في دور جديد تلعبه على الساحة السياسية ، زيها حتى زي التيارات الدينية التي "لا" تدعم الإسلام السياسي..ومن المستحيل -من وجهة نظري على الأقل - إننا نلاقي أي تيار ديني ولو كان غير سياسي في ظاهره بعيد عن السياسة .. لكل دور سواء مع الوطني أو التيارات المعارضة حسب اللي يحقق مصلحته .. ودة ينسف من الأساس ما يؤمن بيه التيار السلفي والصوفي ، أو ما يعلنه التياران المذكوران بأنه "من السياسة ترك السياسة".. ربما رأى الجهاد إن الدور الجديد يتطلب تقديم "بعض التنازلات" الفكرية ولو على سبيل التقية السياسية ، أما غيره فيرى أنه أكثر فائدة لمن حوله وأكثر ربحاً في الصفقات إذا بقي على رجعيته ، طالما أن تصنيف الحزبوطني لـ"الاعتدال" و"التطرف" معياره الوحيد هو الموقف من الحزبوطني ، فلا مانع لدى الأخير من التحالف مع أي اتجاه سياسي ديني ، أو ديني بس ، مهما كانت رجعية أفكاره ، وحتى ولو كان من الـ pro-Iranians ، طالما أن ولاءه للحزبوطني.. والله أعلم.. خلص الكلام Sherief El Ghandour<br /><br />a furious Egyptian رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
فولان بن علان بتاريخ: 28 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 28 ديسمبر 2007 قد تخلت - مؤقتا لغياب التمكن - عن قتل المصريين، وترك السياح يأتون إلي بلادنا، وترك الأقباط يعيشون بيننا، وعدم الانقلاب علي الدولة «المدنية». ماذا يعنى مؤقتا ؟ وهل اذا حصل التمكن عدنا الى نفس الموقف؟ لا اجد اى خلاف فى انه فى حاله المراجعات الحقيقيه عن الموقف لابد من السماح لمن عاد الى رشده بالانخراط فى المجتمع مره اخرى ولكنى ارى لونا رماديا فى هذه المراجعه؟ ما هو المقصود بكلمه مؤقتا ؟ ان المراقب لموقف الجماعه فى اوج المواجهات والصدام ليعلم جيد ماذا ينتظر الوطن فى حاله التمكين ؟ هل تسرعت الحكومه فى الموافقه على هذه المراجعات ام ان الامن قبل بها وهو يعلم ماذا يفعل؟ أم ان هناك صفقه ما فى الموضوع؟ فعلا موقف يحتاج الى توضيح . أشك كثيرا في أن تكون الفقرة المقتبسة هي من النص الحرفي للمراجعات رجاء أستاذ أحمد إن كان لديك النص الأصلي أن تنزله أنا قرأت بعض العناوين التي نشرت في النسخة الالكترونية للجريدة لم ألحظ شئ مثل هذه الفقرة أو قريب منه التشكيك الدائم في نوايا المراجعين ديدن الكثير ممن لديه موقف ثابت لن يغيره مهما ثبت صدقهم المراجعات في مصلحة الوطن في مصلحة الأجيال القادمة في مصلحة حقن الدماء ولن نخسر شيئا إذا شجعناها واحتفينا بها أما إن خوناهم وجرمناهم وحاسبناهم على ما فعلوا بعد أن حوكموا ونفذوا الأحكام فربما يعني ذلك دعوة مفتوحة للاستمرار في العنف وإراقة الدماء وقولوا للناس حسنا رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
عادل أبوزيد بتاريخ: 28 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 28 ديسمبر 2007 أشك كثيرا في أن تكون الفقرة المقتبسة هي من النص الحرفي للمراجعاترجاء أستاذ أحمد إن كان لديك النص الأصلي أن تنزله أنا قرأت بعض العناوين التي نشرت في النسخة الالكترونية للجريدة لم ألحظ شئ مثل هذه الفقرة أو قريب منه ....... ....... ولن نخسر شيئا إذا شجعناها واحتفينا بها أما إن خوناهم وجرمناهم وحاسبناهم على ما فعلوا بعد أن حوكموا ونفذوا الأحكام فربما يعني ذلك دعوة مفتوحة للاستمرار في العنف وإراقة الدماء قرأت بنفسى مراجعات الدكتور سيد إمام و وجدت فيها فعلا هذا المعنى أقصد أنه توقف أو تفكيره لأنه لم يتمكن أو مستضعف .. فعلا هناك معضلة ماذا نفعل بهؤلاء ؟ هؤلاء ببساطة خميرة إرهاب يمكن أن تستيقظ فى أى وقت و تعيد أنهار الدم .. هل "نعمل نفسنا مش فاهمين ... و عفا الله عما سلف" ؟ مواطنين لا متفرجين رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
abaomar بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 السلام عليكم لا يا اخ عادل افضل حل نجيبهم فى ميدان عام و نعدمهم رميا بالرصاص علشان نستريح منهم و نحل المشكله و اهو فرصه نفضى المعتقلات لغيرهم . الله جل جلاله يتوب و يقبل التوبه و هو الوحيد الذى يحاسب على النوايا و السرائر فما لكم ايها البشر ؟ <strong class='bbc'><strong class='bbc'>وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا</strong></strong><br /><br /><strong class='bbc'><span style='font-family: arial'>يَعْمَلُ </span></strong><br /><br /><strong class='bbc'><span style='font-family: arial'><strong class='bbc'>الظَّالِمُونَ</strong></span></strong><br /><br /><strong class='bbc'><span style='font-family: arial'>إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ</span></strong><br /><br /><br /><br /><br /><br /><p class='bbc_center'><span style='font-size: 18px;'><strong class='bbc'>(24) إبراهيم </strong></span></p> رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 (معدل) أشك كثيرا في أن تكون الفقرة المقتبسة هي من النص الحرفي للمراجعاترجاء أستاذ أحمد إن كان لديك النص الأصلي أن تنزله أنا قرأت بعض العناوين التي نشرت في النسخة الالكترونية للجريدة لم ألحظ شئ مثل هذه الفقرة أو قريب منه التشكيك الدائم في نوايا المراجعين ديدن الكثير ممن لديه موقف ثابت لن يغيره مهما ثبت صدقهم المراجعات في مصلحة الوطن في مصلحة الأجيال القادمة في مصلحة حقن الدماء ولن نخسر شيئا إذا شجعناها واحتفينا بها أما إن خوناهم وجرمناهم وحاسبناهم على ما فعلوا بعد أن حوكموا ونفذوا الأحكام فربما يعني ذلك دعوة مفتوحة للاستمرار في العنف وإراقة الدماء بالطبع ماكتبه الكاتب ليس اقتباسا حرفيا ، بل المفهوم العام لفكرة التمكن والتى يمكنك ان تستشفها مما كتبه سيد أمام ثانيا يا أخى الفاضل انا لا أرى أن مثل هؤلاء يستحقون ان يجدوا من يدافع عنهم ، فكم من الشباب غرر بهم وكم من الابرياء راحوا ضحايا لافكارهم وفتاواهم التى تراجعوا عنها الآن ، وكم من خسائر مادية وقلاقل وسرقات ارتكبت بفضل فتاواهم التى يتنصلون منها الآن. لا أملك الا ان أقول " حسبى الله ونعم الوكيل " وسأنقل لسيادتك ماكتبه سيد أمام كما نشره موقع الجماعة الاسلامية بدون تنسيق لعلك تجد فيه ماتبحث عنه. ولعل فيه ايضا توضيح لوجهة نظر مؤيدى فكرة الدولة المدنية التى لايحكمها رجال دين. تم تعديل 29 ديسمبر 2007 بواسطة Mohammad -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 ترشيد الجهاد في مصر والعالم التنبيه الأول من الدكتور فضل .. قد كتبت كتبًا إسلامية من قبل وهي: كتاب (العمدة في إعداد العدة) عام 1408هـ/1988م. كتاب (الجامع في طلب العلم الشريف) عام 1413هـ/1993م. كتاب (النصيحة في التقرب إلى الله تعالى) عام 1427هـ/2006م. وهذه بعض التنبيهات على كل ما كتبت: 1ـ انني لست عالما ولا مفتيا ولا مجتهدًا في الشريعة، وما في كتبي ليس من باب الفتوى وإنما هو مجرد نقل العلم إلى الناس وهذا لا يشترط له بلوغ مرتبة الاجتهاد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليبلغ الشاهد الغائب» متفق عليه، وفي الصحيح أيضًا قال صلى الله عليه وسلم : «بلغوا عني ولو آية» رواه البخاري، ومعلوم أن من علم آية واحدة لا يكون من العلماء ومع ذلك فهو مأمور بتبليغها، وأوضح من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : «نضر الله امُرءوًا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعي من سامع، ورب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» رواه الترمذي وحسنه، فدل هذا الحديث على أنه قد يحمل إنسان شيئًا من الفقه وهو غير فقيه، وهو مع ذلك مأمور بتبليغه، وما ذلك إلا لتوسيع دائرة نشر علوم الشريعة في الناس. 2ـ فأنا لست عالمًا ولا مفتيًا وكل ما في كتبي هو نقل للعلم إلى الناس، وليس من باب الفتوى، والفرق بينهما أن العلم يُكتب لكل الناس في كل زمان ومكان كما كتب أسلافنا العظام رحمهم الله ومازلنا نتتلمذ على كتبهم، أما الفتوى فهي اختيار ما يناسب من هذا العلم العام لواقع معين أي لأناس معينين في مكان معين وزمان معين، فالفتوى هي معرفة الواجب في الواقع، وما يظهر في كتبي أنه من باب الفتوى فهو من آرائي الخاصة التي لا ألزم بها أحدًا، وهي ما رأيته الحق إلى وقت كتابتها، فإذا وجدت خيرًا منها بالدليل الشرعي الصحيح السالم من المعارض تركت رأيي لما هو أحسن منه امتثالاً لقـول الله تعالى: (... فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (الزمر:17، 18)، جعلنا الله وإياكم منهم. 3ـ كل ما في كتبي من أحكام شرعية هي من باب الحكم المطلق وليست من باب الحكم على المعينين، والفرق بينهما: أن الحكم المطلق هو حكم على الفعل الذي هو سبب الحكم، أما الحكم على المعين فهو حكم على الفاعل أي تنزيل الحكم المطلق على فرد أو أفراد معينين وهذا يحتاج بعد معرفة الحكم المطلق (على الفعل أي السبب) إلى النظر في شروط الحكم وموانعه في حق المعينين، بحسب قاعدة (يترتب الحكم على السبب إذا توفر الشرط وانتفى المانع)، وهذا في الأغلب الأعم فلا يجوز تنزيل ما في كتبي من أحكام على المعينين بدون مراعاة هذه القاعدة من المؤهلين للنظر في ذلك. 4ـ لم أكتب كتبي لأجل جماعة معينة وإنما لكل الناس من المسلمين وغيرهم وهم (أمة الدعوة) دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرته في البند الأول، وكذلك لم أكتب هذه الوثيقة لنقد جماعة أو أفراد معينين وإنما هي مسائل فقهية عامة بأدلتها الشرعية للتنبيه على مخالفات جسيمة ترتكب بدعوى الجهاد في سبيل الله. ولا يجوز الاحتجاج بشيء من كتاباتي لارتكاب مخالفات شرعية فأنا لا أقول بذلك، وأي شيء في كتاباتي يخالف الشريعة فأنا راجع عنه. 5ـ نظرًا لما تعرضت له كتاباتي السابقة من أعمال لا أخلاقية من التحريف والتغيير والسطو والاختصار المخل، فلا يجوز لأحد أن ينشر شيئًا من كتاباتي إلا بإذني، وحسبنا الله هو نعم الوكيل. وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالـم فإن الله سبحانه قد أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراطه المستقيم، وأيده بنصره المبين وبصحابته المؤمنين أجمعين، فأظهر الله به صلى الله عليه وسلم دينه وأتم له الفتح رغم كثرة أعدائه المعاندين، فأنشأ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه دولة الإسلام من العدم حتى صارت دولة فتية شاسعة ضمت العرب والعجم والترك والبربر والكرد والفرنجة بعد ذلك في ظل دولة خلافة إسلامية عظمى امتدت من بنجلاديش شرقًا إلى مراكش والأندلس غربًا، ومن طشقند وأذربيجان والقوقاز شمالاً إلى اليمن وبحر العرب جنوبًا، في دولة واحدة عاشت ألف وثلاثمائة سنة مرهوبة الجانب حتى سقوط الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) حين انفرط عقد المسلمين وضعفوا وتفرقوا شذر مذر. ومع ضعف دولة الخلافة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي استولت الدول الأوروبية على معظم بلاد العالم الإسلامي فقاموا بتقسيمه وإضعافه ونهب ثرواته وحرمانه من التقدم الصناعي وإبقاء أهله في حالة من التفرق والفقر والتخلف، وفرضت ثقافتها وقوانينها على بلاد المسلمين بقوة الاحتلال العسكري؛ ثم قامت هذه الدول الأوروبية بإنشاء دولة لليهود (إسرائيل) في قلب العالم الإسلامي لإنهاكه وإذلاله، ولا شك في أن هذا كله إنما وقع على المسلمين بذنوبهم كما قال تعالى: (وما أصبكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم..) (الشورى:30)، ومازال هذا التحالف المعادي يفرض وصايته على بلاد المسلمين ويطلب منهم المزيد من التنازلات مصدقًا لقوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) (البقرة:120). وقد أدى انتشار الثقافة الأوروبية والعمل بقوانينهم إلى شيوع الفساد وانحلال الأخلاق في بلاد المسلمين، وتنبه أفاضل المسلمين لهذا الخطر، ودعوا إلى تداركه قبل نزول النقمة الإلهية وحلول الهلاك العام، ورأوا أن عودة بلاد المسلمين إلى تحكيم شريعة ربهم هو أساس كل صلاح للبلاد والعباد؛ فضلاً عن أن تحكيم الشريعة هو واجب على كل مسلم بمقتضـى إيمــانه بربـه، يأثم ويختل إيمانه بتركه لقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء:65)، وقوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللاً مبيناً) (الأحزاب:36)، فالإعراض عن شريعة الله هو أصل خراب الدنيا والآخرة، كما أن تحكيم شريعته يجمع للمسلمين خيري الدنيا والآخرة كما قال تعالى: ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (الأعراف:96)، وتاريخ المسلمين خير شاهد على عزهم وانتصارهم وغناهم حين تمسكوا بشريعتهم وهذا التاريخ الإسلامي المشرق هو الشيء الوحيد الذي يمكن للمسلمين أن يفخروا به في العصر الحاضر. وتعددت مسالك المسلمين في السعي نحو تحكيم شريعة الإسلام في عصرنا الحاضر، وفي التصدي للدول العظمى التي لا ترضى إلا بإذلال المسلمين وإضعافهم، ولجأت بعض الجماعات الإسلامية إلى الصدام مع السلطات الحاكمة في بلادها أو مع الدول العظمى ورعاياها باسم الجهاد في سبيل الله تعالى من أجل رفعة شأن الإسلام، وانتشرت الصدامات في مختلف البلدان من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وقد خالطت هذه الصدامات كثير من المخالفات الشرعية مثل القتل على الجنسية والقتل بسبب لون البشرة أو الشعر والقتل على المذهب، وقتل من لا يجوز قتله من المسلمين ومن غير المسلمين، والإسراف في الاحتجاج بمسألة التترس لتوسيع دائرة القتل، واستحلال أموال المعصومين وتخريب الممتلكات، ولا شيء يجلب سخط الرب ونقمته كسفك الدماء وإتلاف الأموال بغير حق، وهذا من موجبات الخذلان في الدنيا والحرج والمؤاخذة في الآخرة، قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (النور:63). والموقعون على هذه الوثيقة إذ يعلنون عدم رضاهم عن هذه المخالفات الشرعية وما أدت إليه من مفاسد، فإنهم يذكرون أنفسهم وعموم المسلمين ببعض الضوابط الشرعية المتصلة بفقه الجهاد، ويعلنون التزامهم بهذه الضوابط الواردة بهذه الوثيقة، ويدعون غيرهم من المسلمين وبصفة خاصة الأجيال الناشئة من شباب الإسلام إلى الالتزام بها وألا يقعوا فيما وقع فيه من سبقهم من مخالفات شرعية عن جهل بالدين أو عن تعمد، فلا هم أقاموا الدين ولا أبقوا على الدنيا خاصة وأن الجهاد فريضة ماضية في أمة المسلمين منذ أن شرعه الله تعالى وإلى أن يقاتل أخرهم الدجال مع السيد المسيح في آخر الزمان كما أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وصف الجهاد بأنه (ذروة سنام الإسلام) إذ به يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم وبه عزتهم وكرامتهم في الدنيا والآخرة، ومن هنا لزم ترشيد فهم فريضة الجهاد. ونصوغ هذه الضوابط الشرعية لترشيد العمل الجهادي في بنود نعلن التزامنا بها وندعو عموم المسلمين وبخاصة الجماعات الجهادية في مختلف أنحاء العالم إلى الالتزام بها، قيامًا بواجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله (ص) ولعموم المسلمين، وهذا كله مع تقديرنا وإقرارنا بأن الإخوة المجاهدين في كل مكان هم في الجملة أصحاب قضية نبيلة وحملة رسالة سامية، وليس صحيحًا أنهم طلاب منافع دنيوية بل أن كثيرًا منهم يضحون بالنفس والنفيس من أجل إعزاز الإسلام والمسلمين. فنقول وبالله تعالى التوفيق،،،،، بنود وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالـم أولاً: دين الإسلام دين الإسلام هو الدين الخاتم الذي ختم الله سبحانه به جميع الرسالات السماوية المنزلة منه سبحانه لهداية خلقه، أنزله على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. والإسلام مُلزم لجميع المكلفين من الإنس والجن من وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يوم القيامـة. قال تعـالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) (سبأ:28)، وقال تعالى: (قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) (الأعـــراف:158)، وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» متفق عليه، والبشر جميعهم منذ البعثة النبوية وإلى يوم القيامــة هــم (أمة الدعوة) المدعوون لاعتناق دين الإسلام، وهم المخاطبون بقوله تعالى: (يأيها الناس) في القرآن، فمن استجاب منهم لذلك فهم (أمة الإجابة) المسلمون المخاطبون بقوله تعالى في القرآن: (يأيها الذين ءامنوا). هذا من جهة الإنس (البشر) وأما بعثته صلى الله عليه وسلم إلى الجن فثابتة في آخر سورة الأحقاف وأول سورة الجن. ومعنى إلزام دين الإسلام: أن الله سبحانه لن يحاسب جميع خلقه المكلفين منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يوم القيامة إلا على أساس دين الإسلام، ابتداء من رؤية ملك الموت إلى رقدة القبر ثم البعث والحساب إلى المستقر النهائي في جنة عالية أو نار حامية، فمن لم يعتنق دين الإسلام أو اعتنقه ثم خرج عن شريعته بناقض من نواقض الإسلام فهو هالك لا محالة إن مات على ذلك قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين) (آل عمران:85) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام وباتفاق جميع المسلمين أن من سّوغ إتباع غير دين الإسلام أو إتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر) من (مجموع الفتاوى) ج28. ومعنى دين الإسلام: هو الاستسلام أي الانقياد الكامل لشرع الله سبحانه، وهذه حقيقة العبودية لله وحده لا شريك له كما قال سبحانه: (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) (البقرة:131)، وإنما يتحقق هذا الاستسلام والانقياد والعبودية بأن نعبد الله كما يريد سبحانه لا كما نريد نحن، وذلك بإتباع شرعه سبحانه في كل كبير وصغير من شئون الحياة ، كما فصله سبحانه في قوله تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (الأنعام:162، 163)، فكما أن رسالة الإسلام ملزمة لجميع البشر (وهذا هو عمومها الزماني والمكاني) فهي أيضًا ملزمة لهم في جميع شئون حياتهم (وهذا هو عمومها الموضوعي) وهي وافية بجميع ذلك وإلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الإسلام يتحقق بتقديم مراد الرب على مراد النفس، فإنه ينقص أو ينتقض بمخالفة ذلك، والمخالفة درجات: - فمن قدم مُراد نفسه على مراد ربه في أشياء يسيرة، فهذا مرتكب الصغائر (وهي العصيان). - ومن قدم مُراد نفسه على مراد ربه في أشياء كبيرة، فهذا مرتكب الكبائر (وهي الفسوق). - ومن قدم مُراد نفسه على مراد ربه في أشياء عظيمة، فهذا قد وقع في (الكفر) وذلك لأن الله سبحانه قد وصف الكفر بأنه (الحنث العظيم) (الواقعة:46)، و(الحنث) هو الذنب.. وكذلك وصف الكفر بالذنب العظيم في قوله تعالى: (ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً) (النساء:48). وقد نهى الله سبحانه عن كل هذه المخالفات بمراتبها، فقال جل شأنه: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) (الحجرات:7)، وكل هذه المخالفات قابلة للتوبة والمغفرة حال الحياة، أما من مات على شيء منها ففيه تفصيل معروف بكتب الاعتقاد والفقه، أشار إلى ذلك البيهقي في كتابه (شُعب الإيمان) تبعًا للحُليمي رحمهما الله. وفي كتابه (الموافقات في أصول الشريعة/ج1) ذكر الإمام الشاطبي رحمه الله: (أن الله قد وضع الشريعة على أن تكون أهواء النفوس تابعة لمقصود الشارع) أ.هـ.، وهذا مقتضى التكليف، فلا ينبغي أن يسلك المسلم عكس ذلك فيطوع نصوص الشريعة لتوافق هواه فإن هذا خلاف ما يريده الله سبحانه منه. وفي مقام الجهاد في سبيل الله تعالى وهو شعبة من شعب الإيمان وهو (ذروة سنام الإسلام) كما صحَ عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا المقام الجليل مقام الجهاد إنما تتحقق عبودية المسلم لربه سبحانه بتقديم مراد ربه منه على مراد نفسه، وذلك بأن يعرف المسلم ما أوجبه الله عليه في وقته هذا وبحسب استطاعته، وله ثواب ما قام به ويسقط عنه إثم ما عجز عنه،.. أما أن يضع المسلم لنفسه هدفًا وإن كان في أصله مشروعًا ولكن فوق طاقته ولا يناسب حاله ثم يسلك أي وسيلة لتحقيق هدفه غير متقيد بضوابط الشريعة فهذا قد قدم مراد نفسه على مراد ربه، وليست هذه طريقة المسلمين وإنما هي طريقة الثوريين العلمانيين وليس في الإسلام أن (الغاية تبرر الوسيلة) وإن كانت الغاية نبيلة ومشروعة في أصلها، بل المسلم يتعبد لله بالوسائل كما يتعبد بالغايات، فإن مات قبل إدراك الغاية يكون له ثواب ما سعى فيه ويسقط عنه إثم ما عجز عنه كما قال سبحانه: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً) (النساء:100)،وكل من سلك مسلكًا غير شرعي فعمله باطل مردود لا يقبله الله منه كما قال الحق سبحانه: (إنما يتقبل الله من المتقين) (المائدة:27)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» رواه مسلم، ومعنى (رد) أي مردود لا يقبله الله . والمسلم مطالب بالعمل وفق الشريعة وله أجره عند الله بقدر سعيه حسب طاقته، ولن يحاسبه الله على ما عجز عنه كما لن يحاسبه على عدم إدراك الغاية، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أمم الأنبياء وأتباعهم يوم القيامة: «ويأتي النبي ومعه الرجلان، ويأتي النبي ومعه الرجل، ويأتي النبي وليس معه أحد» الحديث متفق عليه عن ابن عباس «رضى الله عنهما»، وهو حديث التوكل الذي فيه (سبقك بها عكاشة)، فعلى المسلم أن يعمل وفق الشريعة وليس عليه إدراك الغايات فهذه ترجع إلى قدر الله ومشيئته سبحانه، والأخذ بالأسباب الصحيحة ينفع ما لم يعارضها القدر، وبهذا تعلم أنه ليس صحيحًا أن (كل عمل تقاصر عن تحقيق مقصودة فهو باطل)، فهذا نبي من الأنبياء عليهم السلام قد أدى ما عليه من الدعوة ولم يتبعه أحد فلم يتحقق مقصوده أو بعضه، فهل كان عمله باطلاً؟ وذلك لأن الله تعالى قد قال: (وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن الله) (النساء:64)، وهذا نبي لم يطعه أحد فهل كان عمله باطلاً لما تقاصر عن تحقيق مقصوده؟. وبهذا تعلم أنه لا يجوز إطلاق العبارة السابقة على كل عمل تقاصر عن تحقيق مقصوده وبالتالي يحكم ببطلانه، هذا غير صحيح، وما دام العمل موافقًا للشريعة فللمسلم أجره بقدر سعيه وإن لم يصل إلى مقصوده كما دلت عليه الأدلة السابقة، وقال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) (الزلزلة:7، 8). ثانيًا: التكليف منوط بالعقل والعلم والقدرة فلا تكليف على زائل العقل للحديث (رفع القلم عن ثلاث)، ولا تكليف قبل العلم وبلوغ الخطاب لقوله تعالى: «...وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً»، ومنه القاعدة الفقهية «لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورود النص»، ولا تكليف عند العجز وعدم القدرة لقوله تعالى «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» 1ـ أما العلم بالشرع: فهو الطريق إلى معرفة ما يريده الله منا، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتعلم علم الشريعة كما قال تعالى «وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا» (الشورى:52)، والإنسـان وإن كان الأصل فيه الجهل كما قال سبحانه «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا» (النحل:78)، إلا أنه مأمور بالتعلم وطلب العلم، فلا يجوز أن يفعل شيئا حتى يعلم حكمه في شرع الله كما قال سبحانه «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم» صححه السيوطي، وقد أمد الله سبحانه الإنسان بوسائل التعلم ليستعملها في طاعة الله ومنها طلب العلم وجعل هذا شكرها، فقال سبحانه «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون» (النحل:78)، راجع موانع الأهلية المكتسبة في «شرح التلويح على التوضيح» لسعد الدين التفتازاني وأبي مسعود البخاري. وإذا كان طلب العلم واجبًا على المسلم ليعلم ما فرضه الله عليه من الواجب والحلال والحرام، فإن طريق التعلم هو سؤال الأمناء من أهل العلم، فلا يسأل غير أمين لأن خبره لا يوثق به كما قال تعالى «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا» (الحجرات:6)، ولا يسأل الجاهل وإن كان يلبس ثياب العلماء لأن سؤاله سبيل الضلالة والهلاك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»، وقال البخاري، رحمه الله، في صحيحه «وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم» في كتاب الاعتصام بالبخاري. وهناك طرق أخرى للتعلم، منها قراءة كتب العلماء الثقات (وهو ما يعرف بالتحمل بالوجادة)، على أن المبتدئ قد يخطئ في فهم كلام العلماء في كتبهم، وقد يوجد لنفس العالم كلام في موضع يقيد كلامه في موضع آخر، فينبغي على المبتدئ أن يستوثق من فهمه، وذلك بسؤال من هو أعلم منه. ويترتب على وجوب طلب العلم في مقام الجهاد الذي هو موضوع هذه الوثيقة أمور منها: * أنه لا يجوز لغير المؤهلين شرعيا من أفراد الجماعات الجهادية تنزيل ما في بطون كتب السلف من أحكام مطلقة على واقعنا الحاضر، فالنصوص الشرعية (الكتاب والسنة) وإن كانت ثابتة لا تتغير، إلا أن فيها خيارات تناسب كل واقع وحال، وهذا لا يدركه إلا خبير بالشرع، وقد كتب علماء السلف كتبهم لزمان غير زماننا: كان للمسلمين فيه دار إسلام وخلافة وخليفة وتميز بين الصفوف وبين الناس بعضهم بعضا، المسلمون في دار الإسلام والكفار في دار الحرب، وفي دار الإسلام يتميز الذمي عن المسلم في المظهر، كل هذا لا وجود له الآن واختلط الناس، وهذا من الواقع المتغير المختلف الذي يوجب الاحتياط عند الاطلاع على كتب السلف وعند الحكم على الناس. * ولما كانت الفتوى (هي معرفة الواجب في الواقع) فلا يجوز العمل بما في كتب العلم إلا بفتوى من مؤهل لذلك، بصير بالشرع وبحقيقة الواقع، وإلا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «اتخذ الناس رؤسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» الحديث متفق عليه، والفقيه من يفتي بالواجب المناسب للواقع، ذكره ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين). * ومثل كتب العلم ما ينشر في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) لا يجوز قبول كل ما ينشر فيها من دون تدبر ومن دون دراية بالأهلية الشرعية للناشر فيها وبعدالته، وخصوصا ما ينشر فيها من تحريض للمسلمين على الصدام مع غيرهم. * ولا يجوز لغير المؤهل أن يقود مثله في عدم الأهلية لخوض صدامات باسم الجهاد، فإن الاحتياط في أمور الدماء والأموال في غاية الوجوب، وقد قال تعالى «يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا» وقد تورع النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل تمرة خشية أن تكون من الصدقة وهي لا تحل له (الحديث متفق عليه عن أنس رضي الله عنه). فكيف لا يتورع المسلم في الدماء والأموال والأعراض ونبيه يتورع في تمرة واحدة؟ وإذا دخلت الشبهة فالكف واجب للحديث الصحيح «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» متفق عليه عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ ولقد رأيت بعض من لا يحسن الإجابة عن سؤال في فقه الصلاة أو الطهارة في حين أنه يفتى ويأمر بإهدار الدماء والأموال بالجملة. فهل يسوغ هذا في دين الإسلام؟ * لا تقبل قولاً أو فتوى من أحد خاصة في هذه المسائل الحرجة كالدماء والأموال إلا بحجة، والحجة هي الدليل الشرعي من كتاب الله تعالى أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم الإجماع المعتبر والقياس الصحيح. أما أقوال العلماء وفتاواهم فليست حجة في دين الله وليست من أدلة الأحكام الشرعية المذكورة في كتب أصول الفقه. ومن هنا قالوا «إن كلام العلماء يُحتج له ولا يُحتج به»، ومعنى (يُحتج له) أي أنه مفتقر إلى الأدلة التي تثبت صحته. وإنما يستفاد من كلام العلماء إبراز حكم الله تعالى بالإرشاد إلى دليل المسألة وفهم معاني نصوص الشريعة وتوضيح غوامضها وجمع ما تفرق منها. * وليس أحد معصومًا في هذه الأمة بعد النبي، كما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله «كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر» وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن ابن القيم رحمه الله قد ذكر في (إعلام الموقعين ج4) أن أبا بكر لا تعرف له مخالفة للسنة، أما مخالفات عمر بن الخطاب فقليلة، وأما مخالفات علي ابن أبي طالب فأكثر رضي الله عنه أ.هـ، وإذا كان هذا في أقوال الخلفاء الراشدين فكيف في أقوال بقية الصحابة رضي الله عنهم وهم سادة المسلمين؟ وكيف فيمن جاء بعدهم من العلماء؟ وقد عقد كلّ من أبي عمر بن عبد البر في (جامع بيان العلم) وابن حزم في (الإحكام في أصول الأحكام) بابًا في أقوال الصحابة المخالفة للسنة وما رد به بعضهم على بعض، ولولا ضيق المقام هنا لذكرت أمثلة منها. أما من جاء بعد الصحابة ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة، فكما قال ابن تيمية رحمه الله «وأما أقوال بعض الأئمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم فليس حجة لازمة ولا إجماع باتفاق المسلمين، بل قد ثبت عنهم -رضي الله عنهم- أنهم نهوا الناس عن تقليدهم، وأمروا إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوى من قولهم أن يأخذوا بما دل عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم». وقال ابن تيمية أيضًا «أما التقليد الباطل المذموم فهو قبول قول الغير بلا حجة»، قال تعالى «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أو لو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون» (البقرة:170) أ.هـ. * التحذير من فقه التبرير، وقد كثر في هذا الزمان أن يستحسن إنسان أمرًا ما أو يرتكب حماقة ثم يبحث لها بعد ذلك عن دليل من كتاب أو سنة يبرر به حماقته ويدفع به اللوم عن نفسه، وهذا موجود في الأفراد والجماعات، ولن يعدم أحدهم أن يجـد شـبهة مـن دليـل، ولكنه فهمه وحمله على غير مراد الشارع كما قال تعالى «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا» وقد كان هذا هو مسلك أهل البدع منذ القدم الذين وصفهم السلف بأنهم (أهل البدعة يعتقدون ثم يستدلون، وأهل السنة يستدلون ثم يعتقدون). وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في أبواب الحيل من كتابه (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) أمثلة لما استدل به الناس من القرآن على البدع بل على الفجور والمعاصي. وإنما يظهر زيغ الزائغين بجمع أدلة المسألة الواحدة وبهذا يدرك معنى كل دليل وتنزيله في موضعه الصحيح من الاستدلال. فليحذر كل مسلم من هذا المسلك التبريري المعوج. * التنبيه الرابع من الدكتور فضل * الرد على رفض البعض لما في هذه الوثيقة بدعوى أنه «لا ولاية لأسير» بداية أقول إن عبارة (لا ولاية لأسير) ليست على إطلاقها، فقد ذكر أصحاب كتابَي (الأحكام السلطانية) الماوردي وأبو يعلي رحمهما الله أن إمام المسلمين إذا وقع في أسر العدو باق على إمامته لا ينخلع منها ما دام غير ميؤوس من خلاصه. ولكن من رفعوا هذه العبارة لهم شبهة في أن إقرار المكره والمضطهد غير صحيح ولا يترتب عليه أثر، ذكر هذا ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين ج4)، والمكره: هو من يفعل ما يطلبه منه غيره ليدفع الضرر عن نفسه، أما المضطهد: فهو من يقر بما طلبه منه غيره ممن يمنعه حقه ليصل إلى حقه، والإكراه ورد في الكتاب والسنة، والاضطهاد ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والأسير أمره متردد بين الإكراه والاضطهاد. والرد على هذه الشبهة من وجوه ثلاثة: أولاً: انني لم أدع الولاية على أحد، ولا ألزم أحدًا بقولي باسم السمع والطاعة للقيادة، فهذا شيء لا وجود له، وإنما أنا مجرد ناصح وناقل علم وأطالب المسلمين بطاعة الدليل الشرعي لا بطاعتي؛ لأنه وإن لم يكن بيني وبين من أخاطبهم في هذه الوثيقة إلزام بالولاية والقيادة، فإن بين المسلمين جميعهم إلزاما أعظم من ذلك وهو النزول على ما دل عليه الدليل الشـرعي الذي هو قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا بمقتضى إيمان المسلم كما قال الحق تعالى «إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون» وقال تعالى «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناًط (الأحزاب:36). وأنا لا أذكر قولاً في شيء من كتاباتي إلا بدليله من كلام الله وكلام رسوله، وما يجب بالشرع مقدم على ما يجب بالعقد لأن طاعة الله ورسوله مقدمة على طاعة القيادات لقوله تعالى «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر» (النساء:59). ثانيًا: إن القول بأن إقرار المكره أو المضطهد -ومنه الأسير- لا أثر له، إنما هذا في الأمور التي لا تثبت إلا بإقراره، كأن يقر بارتكاب جريمة أو يقر بمال عليه أو يطلق زوجته، أما الأمور التي تثبت بغير إقراره بل بالبيانات والشهود العدول فإن آثارها معتبرة ومعتد بها شرعًا. ومن هذا الباب ما أذكره في هذه الوثيقة فإنه ثابت بالدليل الشرعي لا بمجرد قولي. ولهذا فإن العبرة بدليل الكتابة لا بمكانها من سجن أو حرية. ثالثًا: انه ليس صحيحا أن كل ما يخرج من السجن فهو باطل، بل يجب النظر في دليل الكلام قبل النظر في مكانه، وقد وعظ نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ وهو في السجن، فهل كان سجنه حجة لرفض ما قاله من الحق؟ لا يقول بهذا مسلم ولا عاقل. قال تعالى -عن يوسف ـ عليه السلام «ياصاحبي السجن أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون» كما أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد كتب كثيرًا من مؤلفاته وهو مسجون في قلعة دمشق، وشمس الأئمة السرخسي كتب كتابه (المبسوط) في فقه الأحناف وهو مسجون في (أوز جند)، فهل كان السجن مدعاة لرفض ما كتبوه رحمهم الله؟ لا يقول مسلم بذلك، والأمثلة كثيرة، وأكرر فأقول «إن العبرة بدليل الكتابة لا بمكانها». وأي شيء في كتاباتي يخالف الدليل الشرعي الصحيح السالم من المعارض فأنا راجع عنه وأقول بما دل عليه الدليل . وأما القدرة (أي الاستطاعة) فهي مناط التكليف بواجبات الشريعة بعد العقل والعلم، فالعاقل العالم بالحكم الشرعي لا يجب عليه إلا إذا كان مستطيعا قادرا عليه كقوله تعالى «...ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا...» (آل عمران:97)، فليس كل عالم بفريضة الحج يجب عليه أداؤه إلا المستطيع. وكذلك بقية واجبات الدين ومنها الجهاد، ومن الأدلة العامة في ذلك قوله تعالى «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها...» (البقرة:286)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه، فإن لم يستطع المسلم سقط عنه الواجب، ومنه قاعدة «لا واجب مع العجز» ذكرها ابن القيم في «أعلام الموقعين ج2». -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 القدرة في الجهاد لا تنحصر في ذات المسلم كا«البدنية» وأوضح ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى بقوله «وإذا تبين هذا فمن ترك بعض الإيمان الواجب لعجزه عنه أو لعدم تمكنه من العلم مثل ألا تبلغه الرسالة، أو لعدم تمكنه من العمل، لم يكن مأمورا بما يعجز عنه، ولم يكن ذلك من الإيمان والدين الواجب في حقه، وإن كان من الدين والإيمان الواجب في الأصل بمنزلة صلاة المريض والخائف والمستحاضة وسائر أهل الأعذار الذين يعجزون عن إتمام الصلاة، فإن صـلاتهم صــحيحة بحسب ما قدروا عليه وبه أمروا إذ ذاك» من «مجموع الفتاوى/ج12». وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم «يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون» متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها، فهناك فرق بين الوجوب الشرعي المطلق والوجوب على المعين، فالوجوب المطلق هو كون الشيء واجبًا بالشرع أوجبه الله في نصوص الشريعة (الكتاب والسنة)، أما الوجوب على المعين فهو وجوب هذا الشيء على فلان أو فلان من الناس وهذا يشترط له العلم به والقدرة على القيام به (الاستطاعة)، وهذا يختلف من شخص لآخر، وهذا الفرق يسري على كل واجبات الدين. وفي مقام الجهاد وهو موضوع هذه الوثيقة، فهو كغيره من أمور الدين القدرة عليه من شروط وجوبه، إلا أن القدرة في الجهاد لا تنحصر في ذات المسلم كالقدرة البدنية والمالية وإنما تتعداه إلى واقع الظروف المحيطة به من الموافقين والمخالفين، ولهذا فقد أثنى الله سبحانه على المجاهدين في سبيله، كما أثنى على أصحاب الكهف لما اعتزلوا قومهم، وكذلك أثنى على مؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه، وبالرغم من أن هؤلاء الثلاثة قد واجهوا نفس الواقع (وهو حشد من المخالفين في الدين) فإن ردود أفعالهم التي واجهوا بها هذا الواقع قد اختلفت: فهذا جاهد وهذا اعتزل وهذا تخفى بدينه، ومع ذلك فالكل محمود، لأن كلاً منهم قد عمل بما وجب عليه شرعًا في وقته ومكانه وفي حدود استطاعته، وهكذا يجب على كل مسلم أن يتفقه في دينه كي يختار الواجب الشرعي المناسب لواقعه وقدرته. رسالة الاسلام الخاتمة اشتملت على كل الخيارات الشرعية وقد اشتملت الرسالة الخاتمة رسالة الإسلام على كل الخيارات الشرعية الواجبة على المسلمين نحو المخالفين في الدين، وقام بمعظمها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم في عصر النبوة، وعصر الخلافة الراشدة: من التخفي وكتمان الإيمان، إلى الاعتزال والهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، إلى العفو والصفح والإعراض عن المشركين، إلى احتمال أذى المشركين بالقول والفعل والصبر على ذلك، إلى جهاد الكفار من المشركين والمرتدين وأهل الكتاب بالنفس والمال واللسان، إلى عقد الصلح والمعاهدات، وهذا كله ثابت بالكتاب والسنة، وقد تدرج الله سبحانه بهم في التشريع بحسب التدرج في قدرتهم من غاية الاستضعاف إلى غاية التمكن، كما أشار إلى ذلك ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» ولا نسخ في شيء من هذه الخيارات بل الكل مشروع بحسب الاستطاعة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه «الصارم المسلول» ما حاصله «فمن كان متمكنًا في أرض أو وقت عمل بآيات قتال المشركين وأئمة الكفر، ومن كان مستضعفًا عمل بآيات العفو والصفح والإعراض عن المشركين» ولابن القيم رحمه الله كلام مثله في كتابه «أحكام أهل الذمة». فالذي يجب على المتمكن لا يجب على المستضعف، وقد ذكر الله التمكين في قوله تعالى «... وليمكنن لهم دينهم...» (النور:55)، وفي قوله تعالى «الذين إن مكناهم في الأرض...» (الحج:41)، والتمكين هو أن تكون للمسلمين دار لهم الكلمة العليا فيها ويتمكنون من حمايتها والاحتفاظ بها كما كانوا في المدينة بعد الهجرة، وكل من لم تكن له منعة تحميه فهو مستضعف لا يجب عليه تغيير المنكر باليد (إلا لدفع الصائل جوازًا لا وجوبًا، كما رجحه أحمد بن حنبل رحمه الله لأحاديث كف اليد في الفتن كحديث «فكن كخير ابني آدم» ونحوه) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله بمكة لا قبل الهجرة ولا بعدها (في عمرة القضاء عام 7هـ، طاف والأصنام حول الكعبة) حتى فتح مكة عام 8هـ، فأزال الأصنام من حول الكعبة بعد التمكين ومن هنا كانت درجات تغيير المنكر معلقة على الاستطاعة في قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه» الحديث رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. الخيارات أمام المستضعفين وكذلك المستضعف والعاجز لا يجب عليهما الجهاد، ولم يفرضه الله على المسلمين وهم مستضعفون بمكة قبل الهجرة، وإنما فرضه بعد ما تهيأت لهم أسباب الجهاد بوجود دار الهجرة والنصرة في المدينة، وهذا الحكم غير منسوخ وإنما هو من الخيارات أمام المستضعفين، ودليل بقاء هذا الحكم (وهو سقوط وجوب الجهاد عن المستضعف والعاجز) أنه وبعد تشريع الجهاد بعد الهجرة لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم من بقي بمكة من المستضعفين عاجزًا عن الهجرة ولم يوجبه الله عليهم بل عذرهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله لهم في قنوته... وهذا الحكم باق إلى آخر الزمان لأن الله سبحانه سوف ينهى المسيح عليه السلام بعد نزوله من السماء عن قتال يأجوج ومأجوج بسبب العجز عن القدرة، بالرغم من أن المسيح سيكون معه في ذلك الوقت خيرة المؤمنين في الدنيا وقد انتصروا على الدجال من قبل، ورد هذا في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضى الله عنه مرفوعًا، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم «فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مئة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة» الحديث، و«لا يدان» لا طاقة، و«النغف» دود، و«فرسى» قتلى. وبالنظر إلى الواقع فإن أحوال الجماعات الإسلامية الساعية إلى تطبيق الشريعة والنهي عن المنكر في معظم بلدان المسلمين أحوالها تتراوح بين العجز والاستضعاف، والسوابق والتجارب المريرة التي خاضتها هذه الجماعات خير شاهد على ذلك، ومن الغرور أن يرى الإنسان في نفسه ما ليس فيها فيكون «كلابس ثوبي زور» ومن الغرور أن يلتزم المسلم بدينه اليوم ويصير في بضع سنين مفتيًا لإخوانه وخبيرًا عسكريًا يقودهم من مهلكة إلى مهلكة. وبناء على ما سبق في هذا البند نرى عدم جواز تغيير المنكرات باليد إلا لذي سلطان في سلطانه كالأب في أهل بيته أو لإنقاذ مسلم من مهلكة لا تتدارك، كما نرى عدم جواز الصدام مع السلطات الحاكمة في بلدان المسلمين من أجل تطبيق الشريعة باسم الجهاد. فالتغيير باليد والصدام كلاهما ليسا من الخيارات الشرعية الميسورة فلا تجب، وإنما تجب الدعوة بالحسنى، فإن عجز عنها المسلم ففي الصبر خيار وأجر، وفي حديث النهي عن قتال يأجوج ومأجوج دليل على أن سقوط واجب الجهاد عند العجز حكم باق إلى آخر الزمان حتى لا يتأثم مسلم من ترك الجهاد عند العجز، أو يقول إن هذا حكم منسوخ كان خاصًا بالعهد المكي، بل هو خيار باق إلى آخر الزمان كما ثبت الدليل بذلك، وليس أحد الآن خيرًا من عيسى بن مريم عليه السلام ومن معه وقد اختار الله لهم كف اليد عن الجهاد عند العجز وعدم الجدوى. ولا يجوز النظر في دليل واحد وترك ما يقيده في موضوعه بل يجب الجمع بين الأدلة ووضع كل منها في موضعه الصحيح، وبهذا تأتلف نصوص الشريعة، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في كتابه «منهاج السنة النبوية» قاعدة جامعة قال فيها «لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم»أ.هـ. الجهاد لا يجوز على فاقد النفقة ثالثًا: فاقد النفقة لا يجب عليه الجهاد وإن كان فرض عين وجود النفقة اللازمة للجهاد (إذا وجب) شرط من شروط وجوبه، وداخلة في القدرة والاستطاعة المذكورة في البند السابق... فمن فقد النفقة فهو غير مستطيع وبالتالي يسقط عنه وجوب الجهاد لعدم استكمال القدرة على القيام به. ودليل ذلك أن الجهاد كان فرض عين في غزوة تبوك لأن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر الصحابة رضي الله عنهم للخـروج في هـذه الغـزوة ولـم يرخـص لأحد في التخلف عنها، وفي هذا نزل قوله تعالى «انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله...» (التوبة:41)، فاستنفر الله بذلك الجميع، ومع ذلك فقد عذر الله سبحانه أصنافًا في التخلف ومنهم فاقد النفقة وأسقط عنهم الحرج والإثم بما يعني سقوط واجب الجهاد عنهم رغم أنه كان فرض عين حينئذ فقال تعالى «ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون» (التوبة:91،92)، ولم يعذرهم الله فحسب بل وكتب لهم ثواب المشاركة في هذه الغزوة بمجرد صدق نيتهم على الجهاد رغم عجزهم عنه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لأصحابه في غزوة تبوك «إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر» بالصحيحين عن جابر وأنس رضي الله عنهما. وهذا من كرم الله سبحانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَن هَمَّ بحسنة فلم يفعلها كتبها الله له حسنة واحدة» متفق عليه. والنفقة اللازمة للجهاد ليست مجرد ما يحتاجه المجاهد لنفسه وجهاده بل ويدخل فيها نفقة أسرته ومن يعولهم طول غيابه، وفي الحديث «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» حديث صحيح رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما... فمن فقد هذا أو ذاك أو كليهما لم يجب عليه الجهاد وإن كان فرض عين، كأصحاب الأعذار في غزوة تبوك وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام المتوكلين يعزل لأهله نفقة السنة من فيء بني النضير (متفق عليه). ومما يؤسف له أن نرى بعض هؤلاء (أي من لا يجب عليه الجهاد لفقدانه النفقة) يوجب على نفسه ما أسقط الله وجوبه عنه، ثم يسلك للقيام بذلك مسالك محرمة لتحصيل الأموال بحجة التجهز للجهاد... فيخطف الرهائن الأبرياء لطلب الفدية، أو يسطو على أموال المعصومين وقد يقتل في السطو من لا يجوز قتله، والاعتداء على أموال المعصومين ودمائهم من كبائر الذنوب، فيكون من قام بذلك قد ارتكب ما لا يحل له (من العدوان على أموال المعصومين ودمائهم) ليؤدي ما لا يجب عليه شرعًا (من الجهاد الذي لا يجب عليه لفقدان النفقة أو لغير ذلك من الأعذار) فأي فقه هذا؟ بل أي عقل هذا؟ وهل هذا إلا من عواقب رئاسة الجهال واستفتائهم في أمور الجهاد؟ وأصبحنا في هذا الزمان نسمع عن القيام بعمليات من أجل تمويل الجهاد، وعمليات من أجل الدعاية وجمع التبرعات للجهاد. والجهاد يسقط وجوبه عند عدم المال كما تقرر. وقد سبق في البند الأول أن الإسلام هو أن نعبد الله كما يريد لا كما نريد، وأنه ليس في الإسلام أن الغاية تبرر الوسيلة، فليحذر كل مسلم من هذه المهالك، ونحن لا نرضى بهذه المسالك وننهى جميع المسلمين عنها فلا تجوز أعمال السطو والخطف الحرام ونحوها من المحرمات بحجة تمويل الجهاد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. ولا اعتبار لحسن النية في ذلك، فقد قال ابن قدامة رحمه الله في «مختصر منهاج القاصدين»: «اتفقوا على عدم اعتبار النية والقصد في المعاصي»، وقال أيضًا «المعاصي لا تتغير عن موضعها بالنية مثل من بنى مسجدًا بمال حرام يقصد بذلك الخير، فإن النية لا تؤثر فيه، فإن قصد الخير بالشر شر آخر، فإن الخيرات إنما تعرف كونها خيرات بالشرع، فكيف يمكن أن يكون الشر خيرًا... هيهات» أ.هـ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال «إنما الأعمال بالنيات» متفق عليه، فإن النية إنما تؤثر في الطاعات والمباحات لا المعاصي التي لا تنقلب طاعة بالنية فلا يجوز فعل ما لا يحل لأداء ما لا يجب. «المبني على الفاسد فاسد» وبهذا تعلم أن من استولى على مال حرام ليؤدي طاعة، أن استيلاءه حرام وأن طاعته فاسـدة غـير مقبولة عند الله لقوله تعالى «...إنما يتقبل الله من المتقين» (المائدة:27)، وهذا لم يتق الله لا أولاً ولا ثانيًا، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم، ومن هنا كانت القاعدة الفقهية «المبني على الفاسد فاسد» ذكرها ابن نجيم الحنفي في «الأشباه والنظائر»، ولا يحل لمسلم أن يرتكب ما حرم الله عليه ليؤدي ما لم يوجبه الله عليه، وله ثواب الجهاد إذا صدق النية وعجز عن العمل للحديث السابق «إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر». والله سبحانه «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور» (غافر:19)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات» رواه البخاري، والموبقات أي المهلكات. رابعًا: ومن شروط وجوب الجهاد إذن الوالدين، وإذن الدائن بذلك وهذا من باب تقديم الأهم عند تزاحم الواجبات فلا يجوز أن يخرج المسلم للجهاد إلا بإذن والديه، كما لا يجوز أن يخرج المسلم المدين للجهاد إلا بإذن الدائن، إلا أن يترك وفاءً أو كفيلاً بدينه، والشهادة في سبيل الله وإن كانت تكفر جميع الذنوب إلا أنها لا تكفر الدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «يغفر الله للشهيد كل شيء إلا الدين» رواه مسلم، «إلا شهيد البحر» والله أعلم بالشهيد في سبيله، وأراد رجل أن يخرج في الجهاد فسأله النبي صلى الله عليه وسلم «أحي والداك؟» قال الرجل: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ففيهما فجاهد» متفق عليه، أي في خدمتهما وبرهما، وفي الديون قال النبي صلى الله عليه وسلم «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه» رواه الترمذي وقال حديث حسن، ومات رجل وعليه دين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأخيه «إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه» حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجة. ومما يؤسف له أن نرى في هذا الزمان بعض المسلمين يخرج للجهاد ويسافر من بلده إلى غيره للمشاركة في الجهاد أو القيام بعملية استشهادية بدون إذن والديه وبدون علمهما، وأحيانًا بدون إذن دائنيه، وأحيانًا بدون أن يترك نفقة لمن يعولهم وكل هذه ذنوب يجب أن يتنزه المسلم عنها، وقد يموت أو يقتل في جهاده هذا فيموت بذنوب لا يدري أيغفرها الله له أم لا؟ فقد علق الله مغفرته على مشيئته «...ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء...» (النساء:48)، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله «إنما الأعمال بالخواتيم» ونحن لا نرضى بهذه المخالفات الشرعية وننهى عنها جميع المسلمين. والفقهاء رحمهم الله وإن كانوا قد اتفقوا على أن إذن الوالدين إنما يشترط في الجهاد الكفائي، إلا أن بعض الفقهاء قد قال إن كان خروج المسلم لفرض العين من الجهاد فيه تضييع للوالدين أو أحدهما، لا يخرج لأن غيره يمكن أن يسد محله في الجهاد، وفي خروجه ضياع لوالديه أو هلاكهما، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان في التخلف عن بدر ليمرض زوجته رضى الله عنهما، والوالد أولى. وقد ذكر الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: «لا يجوز أن يخرج الرجل للجهاد وهو يخاف على أهله من العدو إذا خرج وتركهم» أ.هـ، وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم النساء في حصن بالمدينة في غزوة الأحزاب خوفًا عليهم من العدو المحاصر للمدينة، فكيف بمن يجاهد ولا يقوم بتأمين أهله وذريته، بل يتركهم عرضة لإيذاء الأعداء؟ ولا يعترض على هذا القول بحديث «إن الشيطان قد قعد لابن آدم بأطرقه» وهو حديث صحيح رواه أحمد والنسائي، وفيه أنه إذا أراد المسلم الجهاد وسوس له الشيطان ليثبطه بقوله «تقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال» الحديث، فإن هذا استدلال بدليل في غير موضعه، والفرق ظاهر. وذات مرة انتدب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس للخروج إلى الجهاد فرأى منهم تأخرًا، فقال لهم «اخرجوا وأنا أبو العيال» فخرجوا. فيا أيها المسلم لا تسمح لأحد من الجُهال ومدمني الشعارات أن يستفزك للدخول في صدام أنت غير مؤهل له وغير قادر عليه باسم الجهاد ويتلو عليك نصوص الوعيد لمن ترك الجهاد، فإن هذا شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم عند عدم القدرة. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قبل الهجرة وفي وقت الاستضعاف يطلب النصرة ويقول «من ينصرني حتى أبلغ عن ربي»، وذلك عملاً بما أرشده الله إليه في قوله تعالى «وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا» (الإسراء:80)، هذا مع كونه صلى الله عليه وسلم مؤيدًا بالوحي عليه السلام. وكذلك الصحابة رضي الله عنهم من عجز منهم عن التجهز للجهاد ما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال لهم -كما قال تعالى- «وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ» (التوبة:92). واعلم أن الله سبحانه قد رتب نظام هذه الدنيا على الأخذ بالأسباب لا على خوارق العادات والتي قد تقع ولكنها ليست هي الأصل، والأخذ بالأسباب ينفع ما لم يعارضها القدر. خامسًا: المحافظة على ذات المسلمين وقوتهم من مقاصد الشريعة المقصود من الجهاد إظهار الدين والتمكين لأهله كما قال تعالى «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (الأنفال:39)، ومن أجل هذا يبذل المسلمون أنفسهم، وكان حفظ الدين مقدمًا على حفظ النفس في الضرورات الشرعية الخمس، وإنما تبذل النفوس في الجهاد حين يغلب على الظن النصر وإظهار الدين، أما إذا غلب على الظن هلاك النفوس والإضرار بالمسلمين في ما لا يعود بإظهار الدين من مواجهات مع أعدائه فيجب والحال كذلك المحافظة على المسلمين ولا يجوز تعريضهم هم أو ذراريهم لمهالك يمكن اجتنابها، والأدلة على ذلك كثيرة منها: المحافظة على نفوس المؤمنين 1ـ جواز كتمان الإيمان مثل «مؤمن آل فرعون» وجواز اعتزال الكفار كـ«أصحاب الكهف» في حالة الاستضعاف الشديد، وهذان الخياران ليس فيهما شيء من إظهار الدين للعجز عن ذلك، فكان الأولى المحافظة على نفوس المؤمنين، فأجاز الله كتمان الإيمان والتخفي به والعزلة قال الله تعالى «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ...» (غافر:28)، فشهد الله له بأنه مؤمن بالرغم من كتمانه إيمانه. وقال تعالى «وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ...» (الكهف:16)، وبالرغم من أن هؤلاء اختاروا العزلة إذ لم يمكنهم مواجهة قومهم المخالفين لهم فقد أثنى الله عليهم ووصفهم بأنهم «... فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى» (الكهف:13). فالخيار المناسب هو بحسب الاستطاعة ولا إثم في ذلك. 2ـ إن الله سبحانه لم يوجب الجهاد ولا الولاء والبراء ولا تغيير المنكر باليد على المسلمين حال ضعفهم بمكة قبل الهجرة، لأن هذه الواجبات الثلاثة وإن كان فيها إظهار للدين فإنها كانت مضرة بهم ويمكن أن تزيد من إيذاء الكفار لهم، وكان المسلمون مستضعفين بمكة وفي حاجة إلى معونة أهاليهم المشركين في المعيشة والدفع عنهم، وحتى تحريم النكاح بين المسلمين والمشركين لم يشرع إلا بعد الهجرة وبعد صلح الحديبية كما في سورة الممتحنة في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ...» (الممتحنة:10)، فحرم الزواج من المشركين. فلا يجوز القيام بهذه الواجبات الشرعية إذا عادت على المسلمين بالضرر، خاصة إذا كان لا يرجى منها إظهار الدين، وما غلب ضرره على نفعه فالصحيح منعه، والقاعدة «أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح». أما تحريم نكاح المشركين فثابت على كل حال إلا نكاح المسلم للكتابية. 3ـ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الجهاد -بعد تشريعه- على من عجز عن الهجرة من المستضعفين بمكة إبقاءً على نفوسهم، ولم يوجبه كذلك على المهاجرين بالحبشة ولم يعودوا منها إلا عام فتح خبير (عام 7هـ) ولم يكن في جهاد هذين الفريقين مصلحة بل كان يضرهم فسقط عنهم، بل قد حض الله المسلمين على الجهاد لإنقاذ إخوانهم المستضعفين بمكة فقال تعالى «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا» (النساء:75)، فالمستضعف يحتاج إلى من يجاهد لإنقاذه ونصرته لا أن يؤمر هو بالجهاد، وقد عذر الله هؤلاء في قوله تعالى «إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا» (النساء:98، 99). 4ـ عدم جواز الدفع بالمسلمين إلى مواجهة غير متكافئة مع أعدائهم إبقاء على المسلمين: • ومن أجل هذا ورد التخفيف من وجوب ثبات المسلم لعشرة من الكفار إلى وجوب ثباته لاثنين كما في قوله تعالى «الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا...» (الأنفال:66)، وإذا كان مقصود الجهاد مجرد الصدام مع الأعداء لما شرع هذا التخفيف، ولهذا قال ابن عباس رضى الله عنهما «من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر» وعمم بعض العلماء العلة في التخفيف (وهي الضعف) من العدد إلى العدة فقالوا بجواز فرار المسلم من الكافر إذا كان سلاح المسلم أضعف. • وأجاز الله للمسلمين الفرار (الانحياز) من مواجهة أعدائهم لأجل التحرف للقتال (تغـيير الخطط) أو التحيز إلى فئة (الاستعانة بغيرهم من المسلمين) في قوله تعالى «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (الأنفال:16)، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من شفقته على المسلمين يقول «أنا فئة لكل مسلم» وكانت جيوشه تقاتل في بلاد فارس والروم وهو بالمدينة، لينحاز إليه من شاء، وحتى لا يتأثم مسلم من الفرار من مواجهة غير متكافئة مع العدو، وكان عمر رضي الله عنه من حرصه على المسلمين ينهى قادة جيوشه عن التسرع إلى القتال ويقول لهم «مسلم واحد أحب إلي من فتح مدينة من مدائن المشركين»، وقال عمر رضي الله عنه «وما يمنعني أن أؤمر سليطًا بن قيس إلا سرعته إلى القتال، فإن الحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث»، و(المكيث) هو المتأني، وكان «سليط» من أهل الخبرة بالحروب إلا أنه كانت فيه عجلة. نقلاً عن «العقد الفريد» لابن عبد ربه الأندلسي. • ومن تجنب المواجهة غير المتكافئة مع العدو انحياز خالد بن الوليد رضي الله عنه بالجيش في غزوة «مؤت») وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه هذا فتحًا، وقال ابن حجر إن شراح الحديث استشكلوا كيف يكون الانسحاب فتحًا؟ وأن أفضل ما وقف عليه في ذلك هو ما ذكره ابن كثير في شرحه للبخاري رحمهم الله «إن الفتح كان إنقاذ جيش المسلمين من المهلكة أمام الروم» هذا حاصل كلامه من شرح كتاب المغازي بالبخاري، فكما أن النصر على العدو يسمى فتحًا، فكذلك عدم تعريض المسلمين للهلاك يسمى فتحًا أيضًا. فليس الصدام مع العدو هدفًا في ذاته بدون النظر في عواقبه، والانحياز هو الانسحاب في المصطلح المعاصر. وفي غزوة مؤتة (عام 8هـ) بين المسلمين والروم كان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف والروم مئتي ألف، ونصب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمراء على التوالي على المسلمين وهم زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة، فقتل الثلاثة جميعا، فاختار المسلمون خالدًا أميرًا عليهم فقرر الانحياز (الانسحاب) واحتال في ذلك لينسحب بأقل الخسائر الممكنة. قال أنس بن مالك رضي الله عنه «نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراء مؤتة وعيناه تذرفان فقال «أخذ الراية زيد فقتل، ثم أخذها جعفر فقتل، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقتل، ثم أخذها سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليه» الحديث متفق عليه، فسمى خالدًا سيف الله، وسمى صنيعه فتحًا. جهاديون يخوضون مواجهات لا جدوى منها فالمحافظة على المسلمين وعدم الدفع بهم إلى خوض ما لا يعود على الدين بنفع أو ظهور من المواجهات المهلكة واجب، وهو الصواب، وهذا حكم باق إلى آخر الزمان بدليل نهي الله للمسيح عليه السلام ومن معه عن قتال يأجوج ومأجوج، وإذا تأملت في هذا المعنى ونظرت في ما تخوضه الجماعات الجهادية في بعض البلدان من مواجهات لا جدوى منها بل المفسدة فيها غالبة محققة، أدركت خطأ ما هم عليه. وفي حديث غزوة «مؤتة» دليل على أن اختيار المسلم للخيار الشرعي والقرار المناسب لواقعه وظروفه يسمى فتحًا، وإن كان هذا الخيار هو الانحياز وترك مواجهة العدو كما فعل خالد رضي الله عنه، وإن كان هذا الخيار هو الصلح مع العدو فقد سمى الله صلح الحديبية فتحًا في قوله تعالى «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا» (الفتح:1)، وقوله تعالى «... لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ...» (الحديد:10)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه «إنكم تعدون الفتح فتح مكة وإنما الفتح هو الحديبية». وإذا كان الله سبحانه قد شرع الجهاد وأوجبه على المسلمين بعد الهجرة وتوفر شروط نجاح الجهاد، فإن الله سبحانه قد أباح للمسلمين أيضًا عقد الصلح والمعاهدات عند الحاجة إليها. وقام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كله فحارب وعاهد وصالح وسكت عن قوم بلا صلح ولا عهد كل هذا لتحقيق مصلحة الإسلام والمسلمين. وقد قال تعالى «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (الأنفال:61)، فشرع الله ذلك للحاجة، أما النهي عن مسالمة الأعداء كالوارد في قوله تعالى «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ...» (محمد:35)، فهذا النهي مقيد بصفة «وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» أي في حال علو المسلمين وتمكنهم وقدرتهم على الحرب وغلبة الظن بالظفر لا يجوز مسالمة الأعداء لئلاً يفضي هذا إلى ترك الجهاد واستفحال خطر العدو، وهذا كله -وكما سبق- مع العلو والتمكين لا مع العجز والاستضعاف. وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة في الحديبية وتنازل للكفار في أمور لم يتحملها بعض الصحابة حتى قال عمر رضي الله عنه «ألسنا على الحق؟... أليسوا على الباطل؟... فلم نعطي الدنية في ديننا)؟ الحديث متفق عليه، وتنازل النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من أنه كانت له دولة مستقلة ومنعة ومعه جيش وبيعة على الموت (بيعة الرضوان) ومع كونه مؤيدًا بالوحي والملائكة عليهم السلام، ومع قوله صلى الله عليه وسلم -قبل ذلك عقب غزوة الأحزاب عام 4هـ- «لا تغزوكم قريش بعد اليوم ولكن تغزوهم». فكان النبي صلى الله عليه وسلم موفقًا في الحرب والسلم يضع كل منهما في موضعه تشريعًا منه للمسلمين. وهذا الصلح الذي ضاق به بعض الصحابة رضي الله عنهم سماه الله فتحًا -كما سبق- لما ترتب عليه من شيوع الأمن وانتشار دعوة الإسلام. وعلى العكس من ذلك هناك من تراهم فاشلين في الحرب وفي السلم على السواء. جهاد المرتدين وحتى مع المرتدين يتصرف المسلمون معهم بحسب قدرتهم ومصلحتهم، فقد خرج مسيلمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم أرسل رسوله (ابن النواحة) إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عنهم، ولم يقاتلهم المسلمون إلا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وإن كان قد قال «إن كفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي» في «مجموع الفتاوى ج28»، وقال أيضًا «إن المرتد لا يهادن ولا يقر على الردة بالجزية كالكافر الأصلي»، إلا أن هذا كله عند قدرة المسلمين وعلوهم وتمكنهم من جهاد المرتدين. أما مع ضعف حال المسلمين فقد قال محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله وذلك من قبل ابن تيمية بخمسمئة سنة في كتابه «السير الكبير»: «يجوز أن يدفع المسلمون للمرتدين مالاً ليكفوا أذاهم عنهم في حال ضعف المسلمين»، وهذه هي الجزية المنعكسة. وقد عاش ابن تيمية في القرن السابع الهجري وتوفي عام 728هـ، والشيباني في القرن الثاني الهجري وتوفي عام 189هـ رحمهما الله. فالمحافظة على ذات المسلمين وقوتهم وعدم تعريضهم للمهالك من غير طائل مقصد شرعي معتبر ينبغي مراعاته في كل من الحرب أو السلم على السواء وقد تعاضدت على ذلك الأدلة الصحيحة. تطلق كلمة الحاكم في نصوص الكتاب والسنة على القاضي، كما في قوله تعالى «...وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ...» (البقرة:188)، وكما في الصحيح «إذا حكم الحاكم فاجتهد...»، وكما في كتاب «الطرق الحكمية» لابن القيم، وكتاب «تبصرة الحكام» لابن فرحون. ولكن شاع استخدام هذه الكلمة «الحاكم» في هذا الزمان كمرادف لكلمة «السلطان» وهو الرئيس أو الملك أو الأمير ونحوه. وقد وقعت في صدر الإسلام حوادث خروج على السلطان بسبب المظالم، وقد نجم عن الخروج مفاسد كثيرة، والذين خرجوا كأهل المدينة في الحرة (61هـ) والحسين بن علي رضي الله عنهما (64هـ) وابن الأشعث (81هـ) وغيرهم أخذوا بعموم أحاديث تغيير المنكر باليد كحديث أبي سعيد مرفوعًا «من رأى منكم منكرًا فليغيره...» وحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن...»، وهذا خطأ لأنه إذا جاز تغيير المنكر باليد عند القدرة بين الرعية فإنه لا يجوز مع السلطان للنهي الخاص الوارد في ذلك وهو مقدم على الأمر العام الوارد في الأحاديث السابقة، ومن النهي الخاص الوارد في المنع من الخروج على السلطان قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية» متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما. ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج إلا إذا كفر السلطان لحديث عبادة بن الصامت مرفوعًا، وفيه «وأن لا ننازع الأمر أهله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان») متفق عليه. وقد جمع البخاري هذا كله في الباب الثاني من كتاب الفتن في صحيحه. وفي كلامه عما حدث في صدر الإسلام من حوادث الخروج على أئمة الجور قال ابن تيمية في كتابه «منهاج السنة النبوية»: «إن الخروج على أئمة الجور كان مذهبًا قديمًا لأهل السنة ثم استقر الإجماع على المنع منه»أ.هـ، رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين. كفر السلطان والخروج عليه فإذا كفر السلطان «إلا أن تروا كفرا بواحا» فقد نقل ابن حجر في هذه المسألة (في شرحه لكتابي الفتن والأحكام بالبخاري) عن شراحه السابقين رحمهم الله قولهم: «إنما تجب مجاهدته على من قدر، ومن تحقق العجز لم يجب عليه القيام في ذلك» أ.هـ، فهناك فرق بين العلم بكفر السلطان وبين وجوب الخروج عليه، فلا يجب عند العجز أو إذا غلبت المفسدة في الخروج. خصوصا إذا كانت المفاسد جسيمة أعظم وخارجة عن المألوف في الجهاد. وقد تكررت حوادث الخروج على الحكام في بلاد المسلمين خلال العقود الماضية باسم الجهاد في سبيل الله من أجل تحكيم شريعة الإسلام في تلك البلاد، وقد أدت هذه الحوادث إلى مفاسد عظيمة على مستوى الجماعات الإسلامية وعلى مستوى البلاد التي وقعت بها هذه الأحداث والقاعدة الفقهية أن «الضرر لا يُزال بمثله» ومن باب أولى «لا يُزال بأشد منه». والجهاد ليس هو الخيار الشرعي الوحيد لمواجهة الواقع غير الشرعي وإنما هناك خيارات أخرى كالدعوة والهجرة والعزلة والعفو والصفح والإعراض والصبر على الأذى وكتمان الإيمان، والفقيه هو من يختار الخيار المناسب من هذه لواقع معين، وقد عمل بها كلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثير من أصحابه رضي الله عنهم بحسب الاستطاعة وظروف الواقع وبما ينفع الدين وأهله ولا يعود عليهما بالضرر أو المفسدة، وقد سبق بيان ذلك، وقد قيل: ليس الفقيه من يميز بين الخير والشر فهذا يدركه كثير من الناس، وإنما الفقيه من يختار أهون الشرين وأخف الضررين. وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله قاعدة في الموازنة بين المصلحة والمفسدة فقال «فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها. والحسنة تترك في موضعين: إذا كانت مفوتة لما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة، هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية»أ.هـ. وفي خرق الخضر عليه السلام للسفينة دليل على احتمال أخف الضررين. للجهاد مقدمات ومقومات وسواء كان ترك الحكم بالشريعة كفرًا أو كفرًا دون كفر أو معصية،.. فإننا لا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين باسم الجهاد هو الخيار المناسب للسعي لتطبيق الشريعة، فالجهاد لا بد له من مقدمات ومقومات تعتبر من شروط وجوبه فإذا انعدمت سقط الوجوب، ومنها دار الهجرة والنصرة (كالمدينة) أو دار الأمن (كالحبشة بالنسبة للصحابة) أو القاعدة الآمنة (كأبي بصير)، والنفقة اللازمة للجهاد، وتأمين ذراري المسلمين (نسائهم وعيالهم) والتكافؤ في العدد والعدة بين طرفي الصدام، والفئة التي يمكن التحيز إليها، وتميز الصفوف حتى لا تنتهك دماء المعصومين وحرمتهم، كل هذه المقومات مفقودة بما يجعل الجهاد لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة من إظهار الدين وتحكيم الشريعة، وهذا هو الواقع فعلاً في معظم البلدان، فلم تفلح في ذلك معظم الجماعات الإسلامية رغم التضحيات الجسيمة التي قدمتها، ولهذا لم يفرض الله سبحانه الجهاد على المسلمين وهم مستضعفون بمكة قبل الهجرة لعدم توفر مقومات نجاحه، وبعض الذين حاولوا الالتفاف على نقص المقومات في عصرنا الحاضر وقعوا في محظورات شرعية، منها: • قتل معصومين بدعوى التترس في غير موضعه، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله. • استحلال أموال لا تحل بالسطو والخطف بدعوى تمويل الجهاد، وقد سبق بيان فساد ذلك. • الغدر ونقض العهد ممن دخل بلاد الكفار بإذنهم فخانهم، وسيأتي بيانه إن شاء الله. • العجز عن تأمين ذراري المسلمين وقت الصدام بما يعرضهم للتلف والفتن. • تلقي أموال والاستعانة بأنظمة حكم في دول أخرى ليست بأفضل من بلدانهم لقتال أهل بلدهم بما أوقعهم في فخ العمالة وحروب الوكالة، فيبدأ شأنه مجاهدًا ويصير عميلاً مرتزقًا، ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. • اضطرار البعض إلى عمل لجوء سياسي لدى الدول الأجنبية (بلاد الكفار الأصليين) فيكون بذلك قد دخل تحت حكم الكفار وقوانينهم باختياره، في حين أن القوانين المخالفة للشريعة تجري عليه في بلده بغير اختياره، وقد حذر فقهاء السلف من ذلك وقالوا إن من دخل من المسلمين دار الحرب (دار الكفر) لحاجة لا يجوز له أن يعزم على الإقامة بها لأنه يكون بذلك قد رضي بجريان أحكام الكفار عليه طواعية، وبذلك يرتد عن الإسلام، ذكره ابن قدامة وغيره. وليس اللجوء السياسي اليوم كالدخول قديمًا في جوار ذي منعة كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي، وكما دخل أبو بكر رضي الله عنه في جوار ابن الدغنة، إذ لم يترتب على الجوار جريان أحكام الكفار عليهم بل مجرد الحماية، ولما أراد ابن الدغنة أن يشترط على أبي بكر رضي الله عنه شروطًا رد عليه جواره، وحديثه بالصحيح. ومع ذلك فإنني لا أرى أن طالبي اللجوء السياسي بالبلاد الأجنبية اليوم مرتدون، ولا أقول بذلك للفارق بين الحال الآن وما كانت عليه قديمًا من وجود دار الإسلام التي تقبل بهجرة أي مسلم إليها وتؤمنه فهذا متعذر الآن. ولهذا فإن اللجوء السياسي اليوم يشبه الهجرة إلى دار الأمن(كالحبشة في أول الإسلام) أو هو من باب «اختيار أخف الضررين». وقد صرح ابن حزم رحمه الله في «المحلي ج11» أن الإقامة بدار الحرب للمضطر جائزة وليست ردة بشرط ألا يشاركهم في محاربتهم للمسلمين، وذكر في ذلك خبرًا نسبه للزهري (محمد بن شهاب) رحمه الله. هذا حاصل كلامه أ.هـ. -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 معاندة السنن وقد كانت هذه أمثلة لبعض المحظورات التي ارتكبوها، وبهذا يفعل المسلم ما لا يحل له شرعًا (كهذه المحظورات) للقيام بما لا يجب عليه شرعًا (من الجهاد العاجز عنه)، وإنما ألجأهم إلى هذا معاندة السنن وتكليفهم أنفسهم بما يعجزون عنه، والتكليف بما لا يطاق لا يجوز شرعًا بإجماع أهل العلم، كما هو موضح في كتب «أصول الفقه». ولهذا فإننا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين لأجل تحكيم الشريعة في مصر وما يشبهها من البلاد لا يجب في ضوء الظروف السابقة سواء كان هذا باسم الجهاد أو باسم تغيير المنكرات باليد، كل هذا لا يجوز ولا يجب، ولا يجوز التعرض لقوات هذه الحكومات (من الجيش والشرطة وقوات الأمن) بالأذى لما في ذلك من المفاسد الكثيرة، وننصح بذلك جميع المسلمين، ونرى أن الاشتغال بالدعوة الإسلامية وتقريب المسلمين من دينهم بما يؤدي إلى تقليل المفاسد الشائعة أجدى نفعًا للإسلام وللمسلمين والذين خالفوا في ذلك ولجأوا إلى الصدام لا هم أقاموا الدين ولا أبقوا على أنفسهم وأهاليهم ولا حافظوا على بلادهم من المفاسد والخراب، وفي القاعدة الفقهية «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه» أو «التعجل علة الحرمان» ومن عجز عن الدعوة والتغيير باللسان أنكر بقلبه، وقال تعالى « لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا...» (البقرة:286)، وسيأتي كلام آخر في هذا الموضوع بالتنبيه الثاني بآخر هذه الوثيقة إن شاء الله. وبعض من رأى أن يصطدم بالسلطات في بلاد المسلمين وعجز عن ذلك لجأ إلى مسالك جانبية لإزعاج السلطات وذلك بضرب المدنيين أو الأجانب والسياح ببلاد المسلمين، وكل هذا غير جائز شرعا كما سنذكره في البنود التالية إن شاء الله وإنما ألجأهم إلى ذلك تكليفهم أنفسهم بما لم يوجبه الله عليهم فعالجوا الخطأ بخطأ ثان. وأنبّه هنا على أن تقسيم الناس إلى مدنيين وعسكريين هو تقسيم مُحدث، ولكنا سوف نستعمله لشيوعه لتقريب الفهم في البنود التالية، والمقصود بالمدنيين في بلاد الكفار: غير المقاتلة منهم، والمقصود بالمدنيين في بلاد المسلمين: عامة الناس. سابعًا: النهي عن التعرض بالأذى للأجانب والسياح في بلاد المسلمين نرى أن الأجانب القادمين والمقيمين في بلاد المسلمين لا يجوز التعرض لهم بقتل أو نهب أو إيذاء سواء قدموا للسياحة أو العمل أو التجارة ونحوها، وذلك لأسباب كثيرة تمنع إيذاءهم،منها: *المانع الأول: أنهم قد يكون فيهم مسلمون وقتل المسلم عمدًا بغير حق من كبائر الذنوب ومن السبع الموبقات، وقد قال الله تعالى «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (النساء:93)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم، وفي الحديث الصحيح أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا» رواه البخاري، وقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا...» (النساء:94) فإذا كان تبين أحوال الناس واجبًا وقت القتال حتى لا يقع المسلم في خطيئة قتل مسلم، فكيف يكون الحال مع الأجانب والسياح في غير وقت القتال، وهم ما جاءوا لقتال؟ دار الاسلام ودار الحرب وقديمًا كان الناس متميزين: المسلمون في دار الإسلام، والكفار في دار الحرب ومن أسلم منهم هاجر إلى دار الإسلام، وأهل الذمة في دار الإسلام يتميزون في المظهر عن المسلمين، وكل هذا لا وجود له اليوم والغالب على الناس اليوم هو جهالة الحال وخصوصا مع عدم وجود دار إسلام تقبل بهجرة من أسلم في بلاد الكفار، ومع العجز عن إلزام الكفار بلبس الغيار (التميز في المظهر) بسبب العجز أصلاً عن إقامة الحكم الإسلامي، فأصبح المسلمون منتشرين في معظم بلدان العالم لا يتميزون في المظهر عن غيرهم، مما يدل على أنه من الخطأ اعتبار جنسية الإنسان (انتسابه لبلد ما) أو لغته أو لون بشرته أو مظهر ثيابه دليلاً على إسلامه أو كفره، أو دليلاً على جواز قتله، فالتميز متعذر عليهم، والتمييز متعسر علينا، والتبين واجب علينا، والمسلم معصوم بإسلامه أينما كان، والشبهة قائمة، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» فإذا تعذر التبين وجب الكف عن الجميع للشبهة، ومن هنا توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل تمرة وجدها ملقاة في بعض طرق المدينة للشبهة وهي احتمال أن تكون من تمر الصدقة وهي لا تحل له، فكيف بدماء الناس وأموالهم؟ وفيهم مسلمون مختلطون بغيرهم لا يتميزون، والمسلم محرم الدم والمال على المسلم أينما كان. والقاعدة الفقهية تنص على أنه «إذا اختلط الحلال أو المباح مع الحرام ولم يتميزا غلب جانب الحرام ويجب تغليب حكمه في المنع». وردت هذه القاعدة بمعناها في «الأشباه والنظائر» للسيوطي، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم، و«المجموع» للنووي وغيرها، والأدلة على صحة هذه القاعدة كثيرة منها: حديث تمرة الصدقة السابق وهو متفق عليه عن أنس، وحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وحديث النعمان السابق «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» متفق عليه، وحديث عدي بن حاتم «أنه إذا اختلط الكلب المعلم بغيره من الكلاب ولم يتميزوا يحرم أكل الصيد» متفق عليه، لأن صيد الأول حلال وصيد غيره حرام. كل هذه أدلة على تغليب حكم الحرام في المنع عند اختلاطه بالمباح من دون تميز. ولأن الحرام مفسدة والمباح مصلحة و«درء المفاسد مقدم على جلب المصالح». أمان شرعي *المانع الثاني: أن هؤلاء الأجانب قد يقدمون إلى بلاد المسلمين بدعوة أو بعقد عمل من مسلم صاحب عمل أو صاحب شركة سياحة، وهذا أمان شرعي صحيح لا شك فيه، أما تأشيرة السلطات بعد ذلك فلا تغير شيئًا من حكم أمان المسلم لهم، ونقض أمان المسلم بالتعرض لمن دعاهم من الأجانب بالأذى من كبائر الذنوب المفسقة لأن فيه وعيدًا باللعن كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» متفق عليه، ومعنى «ذمة» العهد والعقد ومنه الأمان، ومعنى «أخفر مسلمًا» أي نقض عهده بإيذائه لمن عاهده من غير المسلمين، وفي الصحيح أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا» رواه البخاري، ومع جهالة حال هؤلاء الأجانب من جهة ديانتهم ومن جهة الأمان، فالشبهة قائمة والكف عنهم واجب. قتل «الكفار» *المانع الثالث: أنه لو فرض أن الأجانب ببلادنا كفار لا عهد لهم، فإن معظمهم ممن لا يجوز للمسلم أن يتعمد قتلهم حتى حين التحام القتال مع الكفار إذا كانوا في معسكر الكفار، فكيف يحل تعمد قتلهم ابتداء وهم منفردون؟ مثل النساء والأطفال والشيوخ والعمال والرهبان، وقد ورد النهي عن قتل هؤلاء في الأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وأنس وبريدة بن الحصيب وغيرهم من الصحابة، كما ورد النهي عن ذلك في وصايا الخلفاء الراشدين كأبي بكر وعمر لقادة جيوش المسلمين رضي الله عنهما، فتعمد قتلهم فيه مجافاة صريحة لصحيح الشرع، ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان» متفق عليه، وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم «لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا» حديث حسن رواه أحمد وأبو داود، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً صغيرًا ولا امرأة» رواه أبو داود، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تغدروا، ولا تغلّوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع» رواه أحمد. * وعن الأسود بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتلوا الذرية في الحرب» فقالوا: يا رسول الله أو ليس هم أولاد المشركين؟ قال: «أو ليس خياركم أولاد المشركين» رواه أحمد. والذرية والوليد هم الأطفال، والعسيف هم العمال والأجراء، وأصحاب الصوامع هم الرهبان غير المقاتلين، فهذه أحاديث صريحة في النهي عن قتل كل هؤلاء عمدًا حتى حال الحرب، وفيها أيضًا النهي عن الغدر بنقض العهود، والنهي عن المثلة (وهي تشويه جثث القتلى) فكيف بالتفجير؟ وهذا كله يجري على موضوع البند التالي (الثامن) إن شاء الله. المعاملة بالمثل *المانع الرابع: أن الأصل في التعامل مع الكفار هو المعاملة بالمثل إلا فيما لا يجوز شرعًا، والتعامل بالمثل مبني على قوله تعالى «... َمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» (التوبة:7)، وجعل سبحانه ذلك من خصال التقوى، ولما استشار عمال الثغور عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقدار ما يفرضونه من العشور (الجمارك) على تجار أهل الحرب إذا قدموا دار الإسلام قال لهم عمر رضي الله عنه «خذوا منهم مثل ما يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم» فبني ذلك على قاعدة «المعاملة بالمثل» من كتب «الخراج» لأبي يوسف ويحيى بن آدم و«الأموال» لأبي عبيد بن سلام، واليوم يوجد في بلاد الكفار الأصليين ملايين المسلمين يقيمون ويعملون بأمان، وإن حدثت خروقات في هذا فليست هي الأصل، وكذلك إذا دخل المسلم بلادهم بأمانهم (تأشيرة) فإنهم يحترمون دمه وماله وإذا اعتدى عليه أحد اهتموا بالأمر فليس هو مهدر الدم والمال عندهم، وهذا هو صلب عقد الأمان وحقيقته «سواء كان اسمه تأشيرة أو فيزا» فيجب معاملتهم بالمثل إذا قدموا إلى بلاد المسلمين بما يعتبرونه موافقة على قدومهم أيا ما كانت الجهة التي سمحت لهم بالقدوم. ثارات الجاهلية *المانع الخامس: أنه إذا كانت للمسلم خصومة مع حكومة بلده أو مع حكومة بلد الأجانب وهو عاجز عن النيل من خصمه فلماذا يدفع هؤلاء الثمن ومعظمهم ممن لا يجوز للمسلم أن يتعمد قتلهم ابتداءً وإن تيقن كفرهم كما سبق بيانه؟ وهل هذا المسلك إلا ثارات الجاهلية؟ التي نهى الله عنها في قوله تعالى «...وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى...» (الأنعام:164)، وقال تعالى «...وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...» (المائدة:8)، وكان الصحابي خبيب بن عدي رضي الله عنه أسيرًا عند كفار مكة (بعد حادث بعث الرجيع) وهو متيقن أنهم سيقتلونه، وجاءه صبي منهم يزحف ومع خبيب الموسي وبوسعه أن يقتل الصبي انتقامًا منهم أو يأخذه رهينة، ومع ذلك لم يؤذ الصبي لأنه لا يجوز له أن يقتله، ولما رأى خبيب الفزع لدى أم الصبي قال لها «أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك» فقالت أم الصبي بعد ذلك «والله ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب» والحديث بطوله رواه البخاري، ولم يرد خبيب أن يختم حياته بذنب، فكيف بمن يقتل وينسف بلا حساب من لا يجوز قتله من الكفار، ومن لا يعلم ديانتهم من الأجانب؟ وكيف بمن يقتل الأجانب ويقتل معهم أهل بلده من المسلمين أو مجهولي الحال بالجملة؟ وقد أمره ربه بالتبين على كل حال. المعاملة بالحسنى *المانع السادس: أن هؤلاء الأجانب والسياح في جملتهم ما جاءوا بلاد المسلمين لحرب أو لقتال ، فتجري عليهم المعاملة بالحسنى الواردة في قوله تعالى «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الممتحنة:8)، هذا هو ما شرعه الله معهم ومع أمثالهم «أن تبروهم» من البر وهو المعاملة الحسنة وفعل الخير معهم، و«تقسطوا إليهم» أي تعدلوا معهم ولا تظلموهم، لا أن تقتلوهم على حين غرة. وبعد: فهذه ستة موانع يكفي كل منها بمفرده للكف عن الأجانب والسياح وعدم التعرض لهم بسوء أو أذى، فكيف إذا اجتمعت كل هذه الموانع أو بعضها في حقهم؟ وأنا لم أذكر ضمن هذه الموانع تأشيرة السلطات في بلدان المسلمين والتي قد لا يعتبرها البعض مانعًا، وإنما ذكرت غيرها من الموانع. هذا مع العلم بأن أبا عمر بن عبد البر رحمه الله قد ذكر في كتابه «الاستذكار في ذكر مذاهب علماء الأمصار ج5» أن عامة أهل العلم على أن كل ما فهمه الكافر أنه أمان له من جانب المسلمين فهو أمان معتبر.أ.هـ. والسياحة مشروعة في الجملة ومن المباحات، وكذلك معاملة الكفار والمشركين بالبيع والشراء والإجارة والهدية ونحوها كل هذا جائز وبوب عليه البخاري رحمه الله في كتب البيوع والهبة والمزارعة والإجارة من صحيحه. أما ما يرتكبه بعض الأجانب أو السياح من المنكرات في بلدان المسلمين فليست عقوبتها القتل وما هم عليه من الكفر أعظم، والكفار يقرون على الكفر والمنكرات (كالخمر والخنزير) في دار الإسلام بعقد الذمة، كما أن المستضعف لا يجب عليه تغيير المنكر باليد كما سبق في البنود السابقة، فكيف بالقتل؟ وقد كان الكفار يرتكبون أفحش المنكرات ويطوفون بالكعبة وهم عرايا تمامًا حتى عام 9هـ ولم يتعرض لهم أحد من المسلمين حتى نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قبل وفاته بسنة واحدة، وأرسل عليًا رضي الله عنه ينادي فيهم «لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. الالتزام بالحكم الشرعي والخلاصة: أننا نرى أنه لا يجوز التعرض بالأذى من قتل أو نهب أو غيره للأجانب والسياح القادمين والمقيمين في بلاد المسلمين، وندعو جميع المسلمين إلى الالتزام بهذا الحكم الشرعي وعدم مخالفته، كما نرى أنه لا يجوز بحال استحلال قتل إنسان لمجرد انتسابه إلى بلد من البلدان (أي القتل على الجنسية) هذه بدعة لا سابقة لها في سلف الأمة، وليس انتساب إنسان إلى بلد ما دليلاً على إسلامه أو كفره، وإنما المراد من الانتساب إلى البلدان ونحوها مجرد التعريف كما قال تعالى «...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات:13)، فجعل الله الانتساب إلى شعب أو قبيلة مجرد وسيلة للتعريف بالشخص، ثم أتبعه بما يؤكد أن الانتساب ليس معيار تفضيل، وإنما هذا بالتقوى والدين، وقد جمع الإسلام بين سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وبين أبي بكر العربي رضي الله عنه، فالقتل على الجنسية بدعة منكرة لا سابقة لها في سلف الأمة. وكذلك أيضًا لا يجوز بحال الحكم بإسلام إنسان أو كفره أو استحلال قتله بناءً على لون بشرته أو شعره أو لأنه يتكلم لغة أجنبية أو لأنه يلبس ثيابًا إفرنجية، ليس شيء من هذا دليل كفر أو إسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم. وفي عصر الصحابة رضي الله عنهم تم فتح معظم بلدان فارس والروم، ولم يقوموا في فتوحاتهم بقتل كل الناس سكان بلاد المشركين، ولم يقاتلوا أو يقتلوا إلا من انتصب لقتالهم منهم، فليس كل كافر يجب أو يجوز قتله، والكفر عقوبته في الآخرة، أما عقوبات الدنيا فهي لدفع العدوان والفساد كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى ج12» قال «ومما ينبغي أن يعلم في هذا الموضع أن الشريعة قد تأمرنا بإقامة الحد على شخص في الدنيا إما بقتل أو جلد أو غير ذلك، ويكون في الآخرة غير معذب» إلى قوله «وكذلك نعلم أن خلقًا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة المقرين بالجزية على كفرهم ومثل المنافقين المظهرين الإسلام فإنهم تجري عليهم أحكام الإسلام وهم في الآخرة كافرون كما دل عليه القرآن في آيات متعددة» إلى قوله «وهذا لأن الجزاء في الحقيقة إنما هو في الدار الآخرة التي هي دار الثواب والعقاب، وأما الدنيا فإنما يشرع فيها من العقاب ما يدفع به الظلم والعدوان» أ.هـ. وقوله «ويكون في الآخرة غير معذب» لأن إقامة الحد الشرعي على مرتكب الكبائر الحدية تكفر ذنبه وتسقط عنه التبعة في الآخرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم «فمن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارة له» الحديث متفق عليه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وطواف المشركين بالكعبة وهم عرايا يتعبدون بذلك تجده في تفسير ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى «وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا...» (الأعراف:28)، وفي تفسيره لأول سورة التوبة. ثامنا: نهي من دخل بلاد الأجانب بإذنهم عن الغدر بهم «وهي مسألة العمليات الجهادية من داخل دار الحرب» كان جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم للكفار غزوا من الخارج عند الاستطاعة، بمواجهة جيش المسلمين لجيش الكفار، ولم يرسلوا أحدًا من المسلمين للقيام بعمليات جهادية داخل بلاد فارس أو الروم أو مكة قبل فتحها فيما نعلمه، وما يفعله بعض المسلمين اليوم من القيام بهذه العمليات داخل بلاد الكفار نرى أنه لا يجوز شرعا لسببين: - وجود المسلمين بين الكفار جائز. • السبب الأول: انتشار المسلمين في معظم بلدان العالم في هذا الزمان (كما سبق في البند السابع) يجعل من المحتمل إصابة مسلمين بما يعم إتلافه كالتفجيرات، وقتل المسلم كبيرة من الموبقات والتبين واجب، والشبهة قائمة، فالكف عن ذلك واجب، وقد سبق هذا في البند السابع، وليست دار الحرب اليوم مختصة بالكفار كما كانت الحال قديما، بل المسلمون اليوم في كل هذه البلدان سواء من سكانها الأصليين أو مـن الوافـدين إليـها. ووجــود المسلمين بين الكفار أمر جائز كما قال تعالى: « فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ...» (النساء:92)، وقال تعالى: «إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْولْدَان لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً» (النساء:98)، وقد يكون المسلمون بين الكفار مجهولين لنا غير متميزين كما قال تعالى: «... وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً» (الفتح:25).. ولا يجوز قتل المسلمين المختلطين بالكفار بدعوى «التترس» لأن قتل الترس المسلم ليس في إجازته نص وإنما هو اجتهاد ولا يجوز إلا للضرورة ضمن القاعدة العامة: « وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُررْتُمْ إِلَيْهِ...» (الأنعام:119)، ولا ضرورة لذلك في هذه العمليات الحربية داخل بلاد الكفار، لأنها من العمليات الهجومية (جهاد الطلب) الذي لا ضرر على المسلمين من تركه أو تأجيله، ومن أجاز قتل الترس المسلم من الفقهاء إنما أجازه في جهاد الدفع وللضرورة عند الخوف على المسلمين إذا توقفوا عن قتل الترس المسلم قتلهم الكفار وقتلوه ولا يمكن للمسلمين قتال الكفار المهاجمين إلا بقتل من يحتمون به من المسلمين (الترس المسلم) جاز قتله في هذه الحال عملاً بقاعدة «يرتكب أخف الضررين» وليست هذا هي الحال في العمليات داخل بلاد الكفار، فلا يجوز الإقدام عليها لاحتمال سقوط قتلى من المسلمين المخالطين لهم.. وهناك فرق مهم بين هذه العمليات اليوم وبين ما أجازه بعض الفقهاء من قتل الترس المسلم، وهو أن الصورة التي أجازها الفقهاء هي صورة جيش للكفار وضع في مقدمته أسرى من المسلمين ليتحرج جيش المسلمين من قتلهم فيحتمي الكفار بهم كدروع بشرية لأن «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم، أما ما يحدث اليوم فهو أن المسلمين المختلطين بالكفار في بلادهم ليسوا أسرى لديهم بل مواطنون مثلهم أو مقيمون لديهم، وليسوا مع جيش في حرب ليحتاطوا لأنفسهم بالفرار من ميدان القتال، بل إنهم يقتلون على حين غرة ومن دون سابق إنذار من جهة المهاجمين. فليست هذه هي الصورة التي أجاز فيها بعض الفقهاء قتل الترس المسلم، ومن أجازه منهم قيد ذلك بأن تكون هناك (ضرورة قطعية كلية) لأنه اجتهاد بإباحة دماء معصومة في مقابلة النص الشرعي المحرم لها، ولا بد لتجاوز النص من تحقق الضرورة والاضطرار المذكور في قوله تعالى « وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ...» (الأنعام:119) ومعنى «ضرورة» أي عند خوف الهلاك على جيش المسلمين أو دار الإسلام، ومعنى «قطعية» أي مؤكدة ليست مظنونة أو متوهمة، ومعنى «كلية» أي ليست خاصة بفرد أو طائفة من المسلمين بل بمجموعهم، يراجع في هذا كتاب «المستصفى ج1» لأبي حامد الغزالي، وكتاب «الإحكام في أصول الأحكام ج3» للآمدي، وهذا ليس هو الحال في تفجير الطائرات والقطارات المدنية والعمارات في بلاد الكفار والتي يخالط فيها المسلمون غيرهم، والتي لا ضرورة تلجئ إلى القيام بها. ومن أجل تعظيم دم المسلم وحرمته على المسلم. قال الإمام القرطبي رحمه الله: «أجمع العلماء على أن الإكراه لا يبيح لمسلم أن يقتل مسلمًا ولا أن يؤذيه بقطع أو ضرب، فكلاهما مسلم ولا يحل له أن يفدي نفسه بأذى أخيه المسلم وليصبر على ما نزل به» هذا حاصل كلامه في تفسيره لآية الإكراه رقم 106 من سورة النحل، وانظر كيف أباح الإكراه الكفر الظاهر ولم يبح قتل المسلم, كلاهما بإجماع العلماء، لأجل تعظيم حرمة المسلم، ومن هنا منع كثير من أهل العلم قتل الترس المسلم في صف الكفار إلا عند الضرورة التي قيدوها بالخوف المحقق على مجموع المسلمين من الاستئصال، وليس لمجرد الحاجة أو المصلحة، ومن العلماء من تشدد في ذلك كالإمام مالك رحمه الله. - حقيقة عقد الأمان عصمة الدم والمال. • السبب الثاني: أن من دخل بلاد الكفار بأمانهم لا يحل له أن يخونهم في شيء، والتأشيرة اليوم هي إذن دخول وهي بلا شك عقد أمان منهم لمن أذنوا له بدخول بلادهم لعمل أو تجارة أو دراسة أو سياحة ونحوها، لأن حقيقة عقد الأمان عصمة الدم والمال، والمسلم إذا دخل بلاد الكفار اليوم فإنهم يحترمون دمه وماله وإذا اعتدى عليه أحد يهتمون بذلك ويحاكمون من اعتدى عليه ويعوضونه، فليس هو مهدرًا عندهم، فيجب على هذا المسلم الوفاء لهم لقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...» (المائدة:1)، حتى قال محمد بن الحسن الشيباني في كتابه «السير الكبير» «إن المسلم إذا زور خطهم ودخل به بلاد الكفار وصدقوه، وجب عليه الوفاء لهم» هذا حاصل كلامه، (وتزوير خطهم) هو ما يسمى اليوم بالتأشيرة المزورة، ومحمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة ومن تلاميذ الإمام مالك رحمهم الله، والكفار ما أعطوه الأمان وسمحوا له بدخول بلادهم لكي يخونهم بل على أن يؤمنهم فيجب عليه ذلك وإن لم يشترطوه عليه صراحة لأنه مفهوم، وتنص القاعدة الفقهية على أن «المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا» فإن خانهم فقد ارتكب كبيرة يفسق بها للوعيد الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ظلم معاهدًا أو ذميًا لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان» متفق عليه. ومن خيانتهم والغدر بهم الاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وتفجير طائراتهم وقطاراتهم وعمائرهم وفنادقهم ونحو ذلك، ولا يدخل هذا في حديث (الحرب خدعة) متفق عليه، لأن خداع العدو لا يحل إن كان غدرًا، وهذا غدر ونقض لعقد الأمان (التأشيرة) فلا يجوز، وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» الحديث متفق عليه. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من علامات المنافق أنه «إذا عاهد غدر» متفق عليه، وأنه «إذا اؤتمن خان» متفق عليه. وفي هذا قال ابن قدامة رحمه الله في أبواب الجهاد من كتابه «المغني ج9» «لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب إذا دخل ديارهم بأمان منهم لأن خيانتهم محرمة، ولا يصلح في دين الله الغدر» وقال في موضع آخر «الأمان إذا أعطي أهل الحرب حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم» أ.هـ. وكلامه هذا لا نعلم فيه خلافًا بين العلماء. - الغدر نفاق ومن الكبائر. وبهذا تعلم أن ما يقوم به بعض المسلمين في البلاد الأجنبية اليوم من التفجيرات والقتل وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، والاحتيال للاستيلاء على أموالهم، والاحتيال على شركات التأمين، والهروب من المساكن قبل دفع الإيجارات وتسديد فواتير التلفون وغيره، بحجة أنهم كفار، تعلم أن هذا كله حرام ولا يجوز شرعًا وهو غدر، والغدر نفاق ومن الكبائر ومرتكب الكبيرة إن مات بلا توبة يخشى عليه من عذاب النار يوم القيامة إلا إن شاء الله تعالى أن يغفر له، وهذا من علم الغيب قال تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ..» (النساء:116). ونحن نرى أن هذا كله حرام وننهى جميع المسلمين عنه، ويجب أن يتنزه المسلم عن هذه المحرمات من الغدر والفتك والخيانة.. وقديمًا أسلم كثير من الكفار بعدما خالطوا المسلمين ورأوا ما هم عليه من مكارم الأخلاق من العدل والإنصاف والوفاء وعفة اليد واللسان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» حديث صحيح رواه أحمد وابن حبان عن أنس رضي الله عنه. - «نهانا الله عن العدوان في كل شؤوننا»: وإذا كانت بعض الدول الكافرة تعتدي على بعض بلاد المسلمين وتقتل بلا تمييز، فإن هذا لا يبيح لنا الرد بالمثل، لأن الله سبحانه قد أخبرنا بأن الكفار دأبهم العدوان في قوله تعالى: «لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ » (التوبة:10)، ومـع ذلـك نهانـا سبحانه عن العدوان في كل شؤوننا ومنها حال الجهاد والقتال فقال تعالى: «وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ » (البقرة:190)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» رواه الترمذي وأبو دواد وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه. فالعدوان والخيانة ليسا من الأمور التي تجوز المعاملة فيها بالمثل، بل إن هذه النصوص الصريحة تمنع من ذلك, ومن العدوان المنهي عنه مع الأعداء: قتل من لا يجوز قتله منهم والغدر ونقض العهود وتخريب العمران لغير ضرورة الجهاد، ولهذا فقد سبق القول: إن القاعدة في معاملة أهل الحرب هي المعاملة بالمثل إلا في ما لا يجوز شرعًا، فالمعاملة بالمثل ليست على إطلاقها بلا ضوابط. وقد حذرنا الله من متابعة سبيلهم في العدوان وغيره فقال سبحانه: «وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ» (الأنعام:55)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم» قالوا: اليهود والنصارى؟ قال صلى الله عليه وسلم: «فمن؟» متفق عليه عن أبي سعيد رضي الله عنه، يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من متابعتهم في المعاصي مع إخباره لنا أن هذا كائن في هذه الأمة، ويجب أن يتنزه المسلمون عن الحرب اللاأخلاقية وإن فعلها العدو. وإنما نهى الله عن العدوان حتى في حال الجهاد والقتال (مع ما فيه من إتلاف النفوس والأموال) وذلك من أجل إخراج حظ النفس من العمل ليكون خالصًا لوجه الله تعالى: فيكون جهاده لله لا للانتقام الشخصي ولا للسلب والنهب والتفاخر وغيرها من حظوظ النفس المذكورة في حديث أبي موسى رضي الله عنه: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل للمغنم وليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العـليا فهو في سبيل الله» الحديث متفق عليه. وقيد الله هذا كله بعدم العدوان بقوله تعالى: «وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ..» (البقرة:190). - قتل المدنيين في بلاد الكفار: ويرى البعض جواز قتل المدنيين (غير المقاتلين من الكفار) في بلاد الكفار لجواز قتل الترس الكافـر (الدروع البشرية) إذا دعت الحاجة إلى ذلك مستدلاً بحديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه وفيه سأل أنهم يُبيتون (أي يقاتلون في الليل) المشركين فيصيبون من ذراريهم (نسائهم وعيالهم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هم منهم» الحديث متفق عليه، وهذا فهم خطأ، فمن دخل بلادهم بأمانهم لا يجوز له الغدر ولا يجوز له قتل العسكريين ولا المدنيين منهم، وهو لا يمكنه القطع بكفر هؤلاء المدنيين كلهم، ولو فرضنا أن المسلم ليس بينه وبينهم عهد ولا أمان، ولو فرضنا أنه يقطع بكفر المدنيين منهم، فقتل هؤلاء المدنيين في الطائرات والقطارات المدنية وفي العمائر والفنادق ليست هي الصورة المشروعة لجواز قتل الترس الكافر، لأن هذه الأماكن ليست منشآت عسكرية يقتل فيها المدنيون الكفار بالتبعية كما يبيحه التترس، وإنما هذه منشآت مدنية تفجيرها يعني تعمد قتل المدنيين مباشرة، وليس هذا من التترس في شيء، فلا يجوز تعمد قتل هؤلاء، ويكفيك قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ..» (المائدة:1)، ويكفيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» فمن دخل بلاد الكفار بإذنهم (تأشيرتهم ولو من المطار) لا يحل له أبدا أن يغدر بهم ولا أن يعتدي عليهم بأي شكل فإن خالف في هذا فقد ارتكب كبيرة يفسق بها. ولا يجوز الاحتجاج في هذا المقام بقوله تعالى: «... وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ..» (التوبة:120)، لأن إغاظة الأعداء وإن كانت مطلوبة إلا أنها مقيدة بعدم الغدر والإثم والعدوان، وقد سبق أن النهي الخاص مقدم على الإذن العام في البند السادس. ويستوي في ذلك حالتا الحرب والسلم، فالمسلم منهي عن الغدر والإثم والعدوان في كل أحواله، بل ينبغي أن يكون المجاهد في سبيل الله من أحرص الناس على البعد عن هذه المعاصي لأن اقترافها من أسباب الخذلان والهزيمة. وقد روى البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد من صحيحه عن أبي الدرداء قوله «أيها الناس عمل «صالح» قبل الغزوة، فإنما تقاتلون بأعمالكم» أ.هـ. وعند خروج سعد بن أبي وقاص لغزو بلاد فارس أوصاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (أما بعد، فإني أوصيك ومن معك بتقوى الله - إلى أن قال - ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يُسلط علينا، فرب قوم قد سُلط عليهم من هم شر منهم، كما سلط الله كفار المجوس على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله «فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولاً») أورده ابن عبد ربه الأندلسي في كتاب الحروب في كتابه (العقد الفريد). وفي آخر هذا البند يلزم التنبيه على أن القول «بأن من دخل بلاد الكفار بإذنهم ولو بتأشيرة مزورة هو عقد أمان شرعي صحيح يجب على المسلم احترامه كما فصلته» ليس هذا قولا جديدا لي، وإنما قد ذكرته من قبل منذ نحو أربعة عشر عامًا في كتابي (الجامع في طلب العلم الشريف) الذي كتبته عام 1413هـ/1993م. بقيت كلمة أخرى وهي أن أهل الدين الذين يبتغون وجه الله لا يغدرون، وأن الغدر من العلامات الفارقة بين أهل الإيمان وبين أهل النفاق «وإذا عاهد غدر». كما أن الغدر من العلامات الفارقة بين طلاب الدين وبين طلاب الدنيا. وعن هذه الخصلة سأل هرقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية أرسل إلى ملوك الآفاق يدعوهم إلى الإسلام ولما بلغت رسالته على هرقل عظيم الروم -وكان أيضًا من علماء النصارى- طلب من جنوده أن يبحثوا بالشام عن أناس من قوم النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءوه بأبي سفيان ولم يكن قد أسلم بعد وكان في تجارة بالشام. فسأله هرقل عن النبي صلى الله عليه وسلم «هل يغدر» قال أبو سفيان «لا» فقال هرقل «وكذلك الرسل لا تغدر» ضمن أسئلة أخرى حتى قال هرقل «ولقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أعلم أنه منكم» الحديث بطوله متفق عليه. فلا ينبغي لمسلم أن يفرح بأعمال الغدر لأنها من المعايب وليست من المفاخر. عمليات حربية وبقيت كلمة أخيرة في هذا البند، وهي للمسلمين المقيمين بالبلاد الأجنبية والذين يُقدم بعضهم على إلحاق الأذى بهذه البلاد وبأهلها. فبالإضافة إلى ما ذكرته في هذا البند من الموانع التي تحول دون تنفيذ عمليات حربية بهذه البلاد، فإنني أقول: إنه ليس من المروءة أن تنزل بقومٍ ولو كانوا كافرين غير معاهدين يأذنون لك في دخول دارهم والإقامة بها ويؤمنونك على نفسك ومالك ويمنحونك فرصة العمل أو التعليم لديهم أو يمنحونك حق اللجوء السياسي مع الحياة الكريمة لديهم ونحو ذلك من أعمال المعروف ثم تغدر بهم تقتيلاً وتخريبًا. لم يكن هذا من خُلق النبي صلى الله عليه وسلم ولا من سيرته، وقد قال الله تعالى «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...» (الأحزاب:21)، لقد كان خُلق النبي صلى الله عليه وسلم شكر الناس وَرَدّ الجميل لكل من أسدى إليه معروفًا، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في فِكاك أسرى بدر من المشركين «لو كان المُطعم بن عدي حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» رواه البخاري، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه قد خرج إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام وإلى نصرته فامتنعوا، فلما قفل راجعًا خشي على نفسه من أهل مكة وطلب من المُطعم أن يدخلها في جواره فأجاره، فحفظ له النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعروف، ثم مات المُطعـم كافـرًا قبل غزوة بدر. وبعد الهجرة وتشريع الجهاد خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في سفر، وفقدوا الماء، فاستوقفوا امرأة مشركة وأخذوا ماء من مزادتها (القربة الكبيرة) وجرى حينئذ من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في فيضان الماء ما جرى، ثم جمعوا لها من التمر والسويق، وكانوا بعد ذلك يقاتلون القبائل حول قبيلتها ويتركون قبيلتها حفظًا لمعروفها معهم، حتى أسلم قومها طواعية، والحديث بطوله رواه البخاري. تحريف الكلم هكذا كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع من أسدى إليه معروفًا من المشركين. فلا تصدق الذين يحرضونك على خلاف ذلك فإنهم ليسوا من أهل الفقه في الدين، ولا تغتر في استدلالهم بآية أو حديث فإنهم «يحرفون الكلم عن مواضعه» ويستدلون بها على غير وجهها الصحيح، وإنما هم يدعُون إلى الباطل بأدلة من الحق، وقد قال شيخ الإسلام: إن الباطل لا يروج على الناس إلا بخلطه بشيء من الحق، ومن هنا سُميت الشبهة شبهة لأنها باطل يشبه الحق بما داخلها من الحق، هذا حاصل كلامه، وهذا مثل حديث الكهان الذين يخلطون كلمة صادقة بمئة كذبة. فأقول للمقيمين بالبلاد الأجنبية ولجميع المسلمين احذروا هؤلاء الجهَّال واحترسوا من أبطال الإنترنت وزعماء الميكروفونات الذين أدمنوا إصدار البيانات والذين يُلقون بكم إلى المحرقة ثم يهربون حتى عن نسائهم وعيالهم، فقد ألقوا من قبلكم بالكثيرين إلى المحارق والقبور والسجون وبأموال أجهزة مخابرات، والأسماء موجودة وكذلك المبالغ , وأقول لكل مخدوع بهؤلاء: ستعلمُ حين ينجلي الغُبار... أَفَرسٌ تحت رِجلك أم حمار هؤلاء الجهلة الجبناء الذين يُشعلون الحرائق ثم يهربون ويتركون غيرهم يحترق بها. أما جهاد الكفار وَرَدّ عدوانهم فطرقه معروفة في علم الفقه، وليس منها الغدر ونقض العهود، ويكفيك قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة «إنا لا يصلح في ديننا الغدر»، ولم يقبل منه مال غدرته، والحديث بطوله في البخاري وهو حديث الحديبية. تاسعًا: النهي عن قتل المدنيين في بلاد المسلمين الصدام مع السلطات سبق في البند السادس من هذه الوثيقة أننا نرى أنه لا يجوز الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين من أجل تحكيم الشريعة، ولا يجوز التعرض لقوات هذه الحكومات بالأذى للأسباب المذكورة في البند السادس. وقد عجز البعض عن الصدام مع هذه السلطات فلجأ إلى إزعاجها بارتكاب ما لا يحل له من قتل عامة الناس (المدنيين) لأنهم أهداف سهلة لا حراسة لهم ولا هم مسلحون، وأحيانا يبتلي الله سبحانه عباده بتسهيل المعصية ليختبر صدق إيمانهم وخشيتهم له، كابتلائه المحرم بالحج أو العمرة بتسهيل الصيد وهو منهي عنه كما قال سبحانه «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ...» (المائدة:94، 95)، وكما ابتلى يوسف عليه السلام بتسهيل فعل الفاحشة، وكما ابتلى أصحاب القرية التي كانت حاضرة البحر من اليهود بتسهيل الصيد يوم السبت وقد نهاهم عنه حسب ما ورد بسورة الأعراف، ومن هذا يدرك المسلم أن سهولة فعل شيء ما لا تجيز فعله حتى يعلم حكم الله فيه. ومن هذا الباب قتل المدنيين لأنهم أهداف سهلة. والذي يمنع نفسه من المعصية مع سهولتها وقدرته على ارتكابها هو كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الذين قال الله فيهم «... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» (الحجرات:3)، ذكره ابن كثير في تفسيره. الفسق والمعاصي ولا شك في أن الفسق والمعاصي لا تخرج فاعلها من الإسلام، كما أن السكوت عن المنكرات أو الكفر ليس دليل الرضا ويبني على ذلك «أن الرضا بالكفر كفر» أو أنه «من لم يكفَّر الكافر فهو كافر» فيكفر جمهور الناس، وهذا غير صحيح لجواز الإنكار بالقلب، ولأن المستضعف لا يجب عليه الإنكار باليد ولا باللسان إن خشي على نفسه، بل له رخصة في التقية عند الخوف، ومن هنا كانت القاعدة الفقهية «لا ينسب إلى ساكت قول» إلا ما استثنى الشارع مثل سكوت الفتاة البكر دليل موافقتها على الزواج، فلا يجوز الحكم على الناس بناءً على سكوتهم ولا على اقترافهم بعض المنكرات. وقد أثبت الله الإيمان لمن يكتم إيمانه ويتخفى بدينه واعتقاده فكيف ينسب للساكت قول أو حكـم؟ قال تعالى «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ...» (غافر:28)، كما حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان لمن أنكر المنكر بقلبه وإن لم ينكره بلسانه ولا بيده أي أنه ساكت لم ينطق بشيء ولم يُكفِّر الكافر ولا أنكر المنكر فكيف يُسلب عن هذا حكم الإيمان بعدما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال النبي صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يســتطع فبـلسانه، فـإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه ، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا قال النبي صلى الله عليه وسلم «ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن» رواه مسلم أيضًا، وليس لمسلم قول بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنكار القلب يكون بكراهيته للمنكر وباجتنابه كما في الحديث «فمن كره فقد برئ» رواه مسلم. «مستور الحال» والناس فيهم «مستور الحال» وهو من كان ظاهره الإسلام ولم يظهر منه ما ينقض إسلامه، فهذا معصوم الدم والمال قطعًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم، وتعمد قتله من أعظم الكبائر كما سبق، وقتله فيه حقوق دنيوية وعقوبات أخروية. وتصح الصلاة خلف مستور الحال وتؤكل ذبيحته من دون اشتراط تبين حاله أو اختبار عقيدته. فكل من ظهرت منه شعائر الإسلام ولم يظهر منه ما ينقض إسلامه لا يجوز التوقف في إثبات حكم الإسلام له لقوله تعالى «... وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً...» (النساء:94)، ولحديث أسامة بن زيد في ذلك، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم» رواه البخاري، فالتوقف في إثبات الإسلام لمن أظهر شعائره فيه مخالفة صريحة لنصوص الكتاب والسنة. وقد قال الله تعالى «..خُذِ الْعَفْوَ ...» (الأعراف:199)، و«العفو» هو ما ظهر من أمور الناس ولا يفتش عن بواطنهم، ولهذا ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس» متفق عليه. وإجراء أحكام الناس على ما ظهر منهم من قواعد هذا الدين المتينة كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «إن ناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة» رواه البخاري. وإنما يجوز التبين أو يجب في مستور الحال في مواضع منها قوله تعالى «... إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ...» (الممتحنة:10)، ومنها الأمور التي يشترط لها مرتبة أعلى من الإسلام الظاهر وهي مرتبة العدالة في ما يشترط له العدالة: كالشهود وتقليد الولايات والمناصب وفي الزواج لقوله تعالى «...وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ...» (الطلاق:2)، وقوله تعالى «... يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ...» (المائدة:95)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم «من زوّج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه» حديث حسن رواه الترمذي، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشاهد «إني لا أعرفك، فأتني بمن يعرفك» ذكره ابن ضويان في «منار السبيل»، ـ العدالة هي «المحافظة على الفرائض والمداومة عليها مع اجتناب الكبائر وترك ما يخل بالمروءة»، ولها تعريفات أخرى تجدها بأبواب الشهادات بكتب الفقه وجمع بعضها الشوكاني رحمه الله في كتابه «إرشاد الفحول». وتعرف عدالة المسلم بمراقبة أحواله وبسؤال المسلمين العدول عنه كما في قول عمر السابق (فأتني بمن يعرفك) لقوله تعالى «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ...» (البقرة:143)، ولما أثنى المسلمون على ميت قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم «وجبت.. أنتم شهداء الله في الأرض» الحديث متفق عليه. هذا بعض ما يتعلق بمستور الحال. -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 «مجهول الحال» والناس فيهم «مجهول الحال» وهو من لم يظهر منه ما يدل على إسلامه أو كفره، وهذا حال كثير من الناس، وهذا من مواضع التبين الواجب، فيجب الكف عنه ولا يتعرض له المسلم بأذى، ولا يجب تبين حاله إلا في المعاملات التي يشترط فيها معرفة الديانة أو العدالة كما سبق في مستور الحال.. وقديمًا كان يحكم لمجهول الحال في دار الإسلام بالإسلام ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم «تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» رواه البخاري، لأنه لا يجوز ابتداء غير المسلم بالسلام، وإنما كان يحكم لمجهول الحال بالإسلام لأسباب منها: 1ـ التميز في الهدى الظاهر (المظهر) بين المسلمين وبين غيرهم، إذ كان يجري إلزام أهل الذمة بلبس الغيار (الثياب المغايرة للبس المسلمين). 2ـ إقامة حد الردة على من ينقض إسلامه من المسلمين. ومع غياب هذين الأمرين لا يمكن القطع بالإسلام لمجهول الحال الذي لم يظهر منه شيء من علامات الإسلام أو الكفر. وذهب البعض إلى إجراء حكم الدار على ساكنيها، ورتب على هذا أن مجهول الحال بدار الكفر كافر، وهذا خطأ إذ قد أجاز الله كتمان الإيمان للمستضعف بدار الكفر، وأكد سبحانه ذلك بقوله تعالى «... وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ...» (الفتح:25). وقد كانت مكة دار كفر حتى فتحها عام 8هـ، وكان يسكنها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل الهجرة وبقى فيها المستضعفون بعد الهجرة، وهم مؤمنون ولم يجر على أحد منهم حكم الدار. وكذلك قال ابن تيمية رحمه الله في بلدة «ماردين» أنه يعامل فيها المسلم بما يستحقه والكافر بما يستحقه. ولم يقل أحد من العلماء أن حكم الدار يلحق ساكنيها إلا في مسائل محدودة يتعذر فيها تبين حال الإنسان مثل اللقيط والميت المجهول، وحتى هؤلاء فيهما خلاف، أشار إلى ذلك ابن قدامة في «المغني» وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» وابن رجب الحنبلي في «القواعد»، والصحيح أن مجهول الحال لا يقطع له بحكم حتى يتبين حـاله لقـوله تعالى «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...» (الإسراء:36)، وقال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ...» (النساء:94). التبين درجتان 1ـ تبين الإسلام: في ما يشترط فيه الإسلام من المعاملات. 2ـ تبين العدالة: في المعاملات التي تشترط لها العدالة. وقد سبق هذا في «مستور الحال»، وأعود فأقول إن المدنيين في بلدان المسلمين اليوم هم خليط من أصناف شتى وقد سبق في البند السابع بيان أنه «إذا اختلط المباح بالحرام غلب حكم الحرام». فكيف يجوز مهاجمة هؤلاء بما يعم إتلافه (التفجيرات) وما الداعي لذلك شرعًا؟ ولو افترضـنا وجـود الداعـي فكـيف يجوز مهاجمة مجهولي الحال بدون تبين وقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً» (النساء:94)، وقد ذكر الله سبحانه هذه الآية بعدما ذكر الوعيد لمن قتل مؤمنًا متعمدًا في الآية السابقة عليها، وكرر في هذه الآية الأمر بالتبين لتأكيد وجوبه، وحذر من الإقدام على قتل مجهولي الحال لتحصيل الأغراض الدنيوية، ونبه عباده أنهم كانوا على هذه الصفة من قبل (كذلك كنتم من قبل) ليكون هذا زاجرًا لهم عن التسرع في التعرض للناس وسفك دمائهم. ولا أظن أن التعرض لعامة الناس في بلدان المسلمين اليوم من الجهاد في سبيل الله في شيء مثل ما حدث من تفجير الفنادق والعمارات ووسائل النقل، هذا كله لا يجوز ولو بدعوى جواز قتل الترس المسلم أو الكافر، وقد سبق بحث مسألة التترس في البند الثامن من هذه الوثيقة. فلا يجوز قتل المدنيين في بلاد المسلمين وفيهم المسلم وغير المسلم وفيهم مستور الحال ومجهول الحال، وقتلهم بالجملة في التفجيرات ونحوها متردد بين الحرام القطعي وبين الشبهة وفي الحديث الصحيح «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» وإذا اختلط الحرام بالحلال يحرم الكل، ولا يوجد أي مبرر شرعي للتعرض لهم أصلاً وننهي عن ذلك أنفسنا وجميع المسلمين أشد النهي، والمنكرات التي يرتكبها بعض الناس ليست عقوبتها الشرعية القتل والتفجير، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعرض للناس بلا تمييز، وتوعد فاعل ذلك بأنه ليس من النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الصيغة من علامات الكبائر، فقال صلى الله عليه وسلم «من خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها، لا يتحاشى مؤمنها، ولا يفي بذي عهدها فليس مني» رواه أحمد ومسلم، وهذه هي العشوائية في أذية الناس. اختلاف المذهب أما يكفي للمسلم زاجرا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» رواه البخاري. وأما يكفي للمسلم زاجرا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وقذف هذا وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات - وذكر منها - قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق» الحديث متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم «أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء» متفق عليه. ولا يجوز التعرض للمنتسبين إلى الإسلام بسبب اختلاف المذهب، فقد ظهرت في زماننا هذا كثير من البدع مثل: القتل على الجنسية، والقتل على المظهر، والقتل على الهوية، والقتل على الأسماء، والقتل على المذهب، ومنه قتل الشيعة، وهم فرقة من المسلمين منذ القرن الأول الهجري، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه «منهاج السنة النبوية» أنه لم يقل أحد من علماء السلف بتكفير الشيعة في الجملة، هذا حاصل كلامه، والمسلم معصوم الدم والمال ,إن خالف في المذهب. ولا يجوز لمسلم أن يعين على شيء من العدوان، فمن أعان فهو شريك في الإثم قال الله تعالى «... وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ...» (المائدة:2). عدم جواز الفرح أو التفاخر بالمعاصي: قد تبين من البنود السابقة أن ضرب الأجانب والسياح في بلادنا وأن العمليات القتالية داخل دار الحرب (بلاد الأجانب)، وكذلك قتل المدنيين بالصور التي شاعت في السنوات الأخيرة، من المعاصي المحرمة التي اشتملت على سفك الدماء وإتلاف الأموال المحرمة كما اشتملت على الغدر والعدوان، وكل هذه من كبائر الذنوب التي لا يجوز لمسلم أن يفرح أو يفتخر بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» حديث صحيح رواه الطبراني في الكبير عن أبي موسى رضي الله عنه. وقد حملت الرغبة في التشفي من أعداء الإسلام بعض المسلمين على الفرح والسرور بهذه المعاصي المذكورة، وهذا من الجهل بالدين ومن نقص الإيمان، لأن من سرته السيئة فليس بمؤمن. ليس هذا فحسب بل ان من رضي بهذه المعاصي كان عليه مثل ذنب فاعلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها» حديث حسن رواه أبو داود. التفاخر بالمعاصي كما لا ينبغي التفاخر بهذه المعاصي وأعمال الغدر لأن هذا من المجاهرة بالمعاصي التي تبعد فاعلها عن دائرة عفو الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» متفق عليه، فهذه المعاصي ينبغي الاستغفار منها ولأهلها، لا الفرح أو التفاخر بها فلا فخر بأعمال الغدر ولا فخر بغزوات الغدر وإن ظنها الجُهال بطولات. عاشراً: من ضوابط التكفير في الشريعة من المناسب التنبيه على هذه المسألة بعد الكلام في مستور الحال ومجهول الحال في البند السابق، خصوصا قد كثر الاتهام بالتكفير في هذا الزمان. فأقول وبالله تعالى التوفيق: التكفير، بضوابطه الشرعية، حكم شرعي ليس بدعة ولا فكراً ولا تهمة، ورد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي الاستخفاف به لأن الاستخفاف بالأحكام الشرعية كفر، كما قال تعالى «... قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ...» (التوبة: 65، 66). وبعيدا عن التقسيمات البشرية على أساس البلدان أو الأجناس أو الألوان أو اللغات، فإن الله سبحانه لم يقسم خلقه إلا إلى قسمين كما قال تعالى «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (التغابن:2). وكثير من الأحكام الشرعية في الدنيا كما أن جميع أحكام الآخرة من الوعد والوعيد مبنية على هذا التقسيم الإلهي للخلق إلى مؤمن وكافر، والكفار قسمان: 1) الكافر الأصلي: وهـو من لم يكن مسـلماً من قبل، كالمذكورين في قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ» (البينة:6). 2) المرتد: وهو من ثبت له حكم الإسلام من قبل فنقض إسلامه بكفر، ويسمى كفره بالكفر الطارئ. وهذا جائز الحدوث كما قال تعالى «لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ...» (التوبة:66)، وقال تعالى «يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ...» (التوبة: 74)، وقال تعالى «...وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة:217). أحكام الكفار والمرتدين وأحكام الكفار الأصليين مذكورة في أبواب الجهاد من كتب الفقه، كما أن أحكام المرتدين مذكورة في أبواب الردة من كتب الفقه، ولا يخلو كتاب من كتب الفقه من ذلك مهما كان مختصرا، والردة ليست تاريخا مضى وانتهى بمقتل مسيلمة وتوبة سجاح، وإنما هي جائزة الوقوع في أي زمان حتى ان العلماء قد ذكروها ضمن نواقض الوضوء والصلاة والصيام وغيرها من الأعمال، فيجب على كل مسلم أن يتعلم ما نواقض الإسلام؟ إذ إن الكفر والردة يفسدان دين المسلم وكل عباداته وإن كان يؤديها كما قال تعالى «... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (الزمر:65). والتوبة واجبة وجائزة من هذا كله كما قال تعالى «قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ...» (الأنفال:38)، أما قول الله تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ...» (النساء:116)، فهذا فيمن مات كافرا بلا توبة صحيحة في الدنيا. فالإسلام والإيمان ليس من الصفات الثابتة الأبدية للإنسان كلون بشرته، وإنما هي من المتغيرات إن لم يحافظ المسلم عليها ذهبت كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الإيمان كثوب أحدكم يلبسه تارة وينزعه تارة) رواه ابن أبي شيبة في كتابه (الإيمان)، وكذلك شبه الله الدين بالثوب في قوله تعالى «... وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ...» (الأعراف:26)، وكذلك أيضا شبهه رسول الله في قوله صلى الله عليه وسلم «رأيت الناس وعليهم قمص- إلى أن قالوا- فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين» الحديث في البخاري... ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم «بادروا بالأعمال الصالحة، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا» رواه مسلم. ضوابط التكفير وإذا كان التكفير حكما شرعيا فإن له ضوابط يجب الالتزام بها حتى لا يتهم أحد بالكفر بغير حق، وحتى لا يتصدى لذلك من ليست لديه الأهلية الشرعية، ومما أذكره في ذلك بإيجاز: 1) النظر في فعل المكلف: والمكلف هو البالغ العاقل، فلا اعتبار لما يصدر عن الصبي، ومنه القاعدة الفقهية (عمد الصبي خطأ) ولا اعتبار لما يصدر عن المجنون أو المعتوه، ولحديث (رفع القلم عن ثلاث)، وفعل المكلف (من قول أو عمل) الذي يوقعه في الكفر قد يكون صريح الدلالة على الكفر (وهو ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً) أو محتمل الدلالة على الكفر، ولا تكفير بمحتمل الدلالة إلا بعد تبين قصد فاعله، وهذا كالصريح والكناية من ألفاظ الطلاق والقذف وغيرها. وقد بوب البخاري رحمه الله لهذه المسألة في كتاب الصلاة من صحيحه في باب (من صلى إلى قبر أو تنور أو شيء مما عبد من دون الله فأراد الله)، كما بوب لها القاضي عياض رحمه الله في كتابه (الشفا في بيان حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم) في باب (ما جاء في إكفار المتأولين)، فلا يجوز إلزام أحد بلوازم عمله (قوله أو فعله) لأن لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب إلا أن يلتزمه صراحة كما حققه ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ج 20). 2) النظر في النص القاضي بكفر من فعل هذا الفعل: هل النص صريح في الكفر الأكبر أم محتمل؟. وذلك لأن نصوص الشريعة ذكرت نوعين من الكفر: كفر أكبر يخرج فاعله من الإسلام، وكفر أصغر لا يخرج فاعله من الإسلام، وإنما هي معاصي من كبائر الذنوب سُميت بالكفر من باب التغليظ والزجر عنها. الكفر الأكبر ومن ذلك نصوص في نفي الإيمان ليست قطعية في الكفر، فقد يراد بها الكفر الأكبر كما في قوله تعالى في سورة الشعراء «... وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ(8)»، وقد يراد بها الكبائر غير المكفرة كما في أحاديث (والله لا يؤمن...) و(ولا يؤمن أحدكم...) و(ليس منا...) و(ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...) و(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر...) ونحوها. فكلمة (لا يؤمن) لا تساوي (يكفر) بالضرورة. ومنها نصوص الوعيد بالنار والعذاب لمن ارتكب أفعالاً معينة لا تعني الكفر بالضرورة، بل قد تعنيه وتعني الكبائر، فقد ذكر الله الشرك والقتل العمد والزنا في سورة الفرقان ثم قال «... وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَن تَابَ...» (الفرقان:68-70)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار» متفق عليه. فالوعيد بعذاب النار ليس مرادفا للكفر، بل سيدخل النار أقوام مسلمون بذنوب كبيرة ثم يخرجون منها ويأذن الله لهم بدخول الجنة بما معهم من إيمان صحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم «ليصيبن أقواما من أمتي سفع من جهنم بذنوب أصابوها» رواه البخاري، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان» الحديث رواه البخاري. وهؤلاء هم عصاة المؤمنين الفساق أصحاب الكبائر الذين ماتوا بلا توبة وليست لهم حسنات موازنة ولم يشأ الله أن يغفر لهم يوم القيامة كما قال تعالى «... وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ...» (النساء:116). أما الكفار فلن يخرجوا من النار أبدا إن ماتوا على الكفر قال الله تعالى «وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ» (غافر:6)، وقد استدل الخوارج بهذه الآية ونحوها على أن كل من دخل النار فهو كافر، ولهذا كفّروا أصحاب الكبائر المتوعدين بالنار، وليس هذا بصحيح كما سبق بيانه، وفي الأحاديث السابقة رد عليهم، وكذلك الآية الأخيرة، فإن صاحب الشيء يلازمه ولا ينفك عنه وكذلك الكفار هم (أصحاب النار) أما عصاة المؤمنين فدخولهم النار مؤقت ثم يخرجون منها بفضل الله فليسوا هم من (أصحاب النار) وللخوارج استدلالات أخرى فاسدة مذكورة بكتب العقائد بسبب فساد فهمهم للنصوص فصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم «حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين» والأحاديث فيهم متفق عليها بل متواترة، ومعنى (حدثاء الأسنان) أي صغار السن، و(سفهاء الأحلام) أي ضعاف العقول، و(لا يجاوز حناجرهم) أي يقرؤون القرآن بغير فهم ولا تدبر يرددونه بحناجرهم ولا يتجاوزها إلى القلوب التي هي محل الفهم، ومن هنا أساءوا الاستدلال بالقرآن والسنة، وهذا مع شدة اجتهادهم في العبادة كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكما وصفهم ابن عباس رضي الله عنهما لما ناظرهم، وخبره معهم ذكره الشاطبي رحمه الله في كتابه (الاعتصام). التفريق بين الكفر والكبائر هذا والذنوب التي ورد فيها نفي الإيمان أو وعيد، يتم التفريق بين الكفر وبين الكبائر منها بجمعها مع النصوص الأخرى الواردة في نفس الذنب، هل سلبت فاعله الإيمان بالكلية أم لا؟ ومنها النصوص التي وصفت بعض الأعمال بالكفر، لا تقتضي بالضرورة أنه كفر أكبر مناقص للإسلام. لأن هناك فرقا بين ورود الكفر بصيغة الاسم وبين وروده بصيغة الفعل (وهذا معروف في علم المعاني من علوم البلاغة). كما أن هناك فرقا بين ورود الكفر بصيغة الاسم النكرة وبين وروده بصيغة الاسم المعرفة (وهذا أيضا معروف في علم المعاني، وأشار إليه ابن تيمية في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم»). وهناك فرق بين نصوص الكفر الواردة في القرآن وبين تلك الواردة في السنة (أشار إليه ابن القيم في كتابه «عدة الصابرين»). 3) النظر في حال المكلف: إذا فعل المكلف فعلاً صريح الدلالة على الكفر فإن هناك شروطا وموانع يجب النظر فيها قبل القطع بكفره، فقد لا يكفر بسبب الخطأ أو النسيان أو الإكراه أو الجهل المعتبر ونحوها، وقد يكفر الشخص وتثبت ردته ثم يقوم مانع يحول دون معاقبته، كأن يكون رسولاً من المرتدين، كاللذين أرسلهما مسيلمة الكذاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما «لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» رواه أبو داود، ومنه قال ابن القيم في (زاد المعاد) (ومضت السنة أن الرسول لا يقتل ولو كان مرتدا) أ.هـ، وذلك حتى لا تنقطع فرصة المراسلة وما فيها من المصالح. 4) النظر في الاستتابة: بعد القطع بكفر هذا المكلف وانتفاء الأعذار في حقه، فإن له حقا في الاستتابة أي عرض التوبة عليه وكشف أي شبهة لديه والقاعدة (ادرأوا الحدود بالشبهات)، قال النبي صلى الله عليه وسلم «ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» رواه الترمذي بإسناد فيه ضعف، وذكر الشوكاني في (نيل الأوطار) أنه قد صح موقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال (ادرأوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم) ولأبي داود بإسناد صحيح مرفوعا (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب). 5) النظر في القدرة على معاقبته: وهذه لا تكون إلا مع التمكين لقوله تعالى «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ...» (الحج:41)، أما المستضعفون فلا يجب عليهم شيء من ذلك. فهناك فرق بين التكفير وبين إنزال العقوبة. 6) النظر في المصلحة والمفسدة المترتبة على معاقبته بعد تحقق القدرة على ذلك: فقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن معاقبة عبد الله بن أُبَيّ للمفسدة المترتبة على ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» متفق عليه، خصوصا مع إظهاره الإسلام وخفاء كفره، ورغم علم النبي صلى الله عليه وسلم بكفره فإنه لم يقتله بعلمه فقط من دون إقامة البينة الشرعية كمـا ذكره ابن حزم في (المحلي ج11)، وقد وفد مسليمة الكذاب على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأعرض عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تقطع الأيدي في الغزو» نظرا إلى المفسدة المحتملة بأن يهرب السارق ويلحق بدار الحرب فلا بد من النظر في العواقب حتى مع القدرة. تنبيهات على ما سبق 1) التكفير المطلق وتكفير المعين: التكفير المطلق هو الحكم على الفعل هل هو صريح أم محتمل؟ وكذلك النص المؤثم له هل هو صريح أو محتمل؟ أما تكفير المعين فهو الحكم على الفاعل بعد النظر في حاله وتبين الشروط والموانع، وقد كرر ابن تيمية - رحمه الله - التنبيه على وجوب التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين وسمى هذا (قاعدة التكفير). فلا بد من تبين الشروط والموانع في حق المعينين وهذه مسألة موكولة إلى القاضـي، ولا يستثنى من ذلك إلا الممتنع عن القدرة إذا إستفحل خطره، كما أراده النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وخبره بطوله في كتاب (الصارم المسلول) لابن تيمية. 2) يتضح مما سبق أن موضوع التكفير لا يدرس من كتب العقائد والتوحيد وحدها، بل من كتب الفقه أيضا، خاصة أبواب القضاء والشهادات والردة وطرق الثبوت الشرعية وعوارض الأهلية. 3) لم تبح الشريعة لأحد الرعية معاقبة عامة الناس أو إقامة الحدود عليهم ولا يستثنى من ذلك إلا إقامة المسلم الحدود على عبيده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» رواه أبو داود، ورواه مسلم عن علي موقوفا، وقال صلى الله عليه وسلم «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها» الحديث متفق عليه. 4) يتضح مما سبق في هذا البند أن الكلام في موضوع التكفير ليس سهلاً ويحتاج إلى قسط من الأهلية الفقهية والدراسة الشرعية التفصيلية الطويلة، إن لم يكن التمرس في الفتوى والقضاء الشرعي. 5) ليكن قصد المبتدئ في دراسة هذا الموضوع أن ينقذ نفسه ومن يستطيع من الناس من المكفرات لا تكفير الآخرين، وليتعلم الحق في ذلك من دون إفراط الخوارج ولا تفريط المرجئة. 6) إقامة الحدود لا تجب إلا بعد التمكين، وليس على المستضعف شيء من ذلك ولا يأثم بتركه. 7) مما سبق في هذا البند، تعلم أن القول بتكفير عامة الناس بلا تمييز في بلاد المسلمين اليوم بمن فيهم مستور الحال ومجهولة - كما نقلته في البند التاسع - هو قول غير سديد لا يرتكن إلى دليل معتبر، والأحكام الشرعية لا تبنى على الاحتمالات والأوهام. ضوابط التكفير هذا، وقد تكلمت في (ضوابط التكفير وقاعدة التكفير) في مبحث الاعتقاد بالباب السابع من كتابي (الجامع في طلب العلم الشريف). وأعود فأكرر أن التكفير حكم شرعي لا ينبغي الغمز واللمز فيه، ولا الاستخفاف به لتنفير الناس منه، هل كان الله تكفيريًا عندما قال: «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ»؟ وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تكفيريًا عندما قال: «كفر بعد إيمان»؟ ولأن التكفير من أحكام الشريعة ولا يخلو منه كتاب من كتب الفقه، فإن السلف رضي الله عنهم لم يطلقوا اسم (التكفيريين أو جماعة التكفير) على الخوارج (الذين يكفرون المسلمين بالذنوب الكبائر غير المكفرة بذاتها كالخمر والزنا)، وذلك لأن التكفير حكم شرعي وكلمة معتبرة ومحترمة شرعًا فلا ينبغي إلصاقها بأهل البدع. كما أنه من الجهل وصف كل من يتكلم في أحكام التكفير بأنه من الخوارج. ثم إن من تلبس بشيء من نواقض الإسلام المكفرة من مصلحته أن يجد من ينبهه على ذلك، ليتوب ويتدارك أمره قبل الموت وفوات الفرصة، خاصة في الأماكن والأزمنة التي لا يقام فيها حد الردة. أما أن يُترك مثل هذا في عماه فهذا ليس من النصيحة للمسلمين في شيء بل هو غش لهم. وبهذا تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته رحمة للعالمين لأن الكافر إذ رأى ملك الموت فلن يخرج من جهنم أبدا، والتوبة معروضة حال الحياة، والكافر إذا بقي على كفره حتى يرى ملك الموت، وذلك حين ينقطع به خط الرجعة إلى الدنيا فسوف يكتشف حينئذ أنه قد كان هو أكبر مغفل في هذه الدنيا، لأن سيعذب منذ تلك اللحظة وإلى الأبد، وإذا أردت أن تعرف كيف أن الإيمان شيء نفيس لا يقدر بثمن فتدبر قول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ» (أل عمران:91). فإيمان المسلم أغلى من ملء الأرض ذهباً، فالحمد لله على نعمة الإسلام. التغرير بالناس ومن هذا تدرك أن الإعراض عن تعلم ما المكفرات؟ وأن التنفير من حكم التكفير مع الإسراف في العذر بالجهل هو تغرير بالناس وغش لهم، والذين يفعلون ذلك هم شر من تجار المخدرات واللصوص الذين يفسدون على الناس دنياهم، أما هؤلاء فيفسدون على الناس آخرتهم ويسوقونهم إلى جهنم بدعوى سماحة الإسلام. حادي عشر: في معاملة أهل الكتاب المقيمين ببلاد المسلمين أهل الكتاب المقيمون في بلاد المسلمين مثل النصارى في مصر ليسوا أهل ذمة، كان هذا قديما وقت الحكم بالشريعة، ومع نشوء الدولة المدنية بتحكيم القوانين البشرية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، سقطت عن أهل الكتاب بمصر ونحوها من البلدان هذه الصفة، والدستور (وهو أبو القوانين) في هذه البلاد لا ينص على مصطلح (أهل الذمة وإنما ينص على مبدأ المواطنة) فهم بالنسبة للمسلمين (أهل كتاب غير معاهدين). وقال البعض (إن النصارى ما زالوا أهل ذمة)، والقول بأنهم أهل ذمة يتعارض تماما مع مبدأ المواطنة المعمول به في هذه الدول، وذلك لأن المواطنة تساوي بين المواطنين سكان البلد الواحد في الحقوق والواجبات، وهذا بخلاف عقد الذمة الذي يلزم أهل الكتاب المقيمين في دار الإسلام بشروط تميزهم عن المسلمين وتفرق بينهم وبين المسلمين. ومن أراد معرفة شروط الذمة فليطّلع عليها في آخر أبواب الجهاد بكتاب (المغني) لابن قدامة الحنبلي، أو في كتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم، أو في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لابن تيمية رحمهم الله. وشروط الذمة ليست من الاجتهادات المتغيرة بمرور الزمان، بل إنها ملزمة لجميع المسلمين عند القدرة على العمل بها، لأنها سنة خليفة راشد وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال النبي صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ثم أجمع الصحابة في عصر عمر ومن بعده على شروط الذمة ولم يخالفه أحد ممن يعتد بقوله، وإجماع الصحابة حجة قطعية ملزمة لجميع المسلمين باتفاق أهل العلم، حتى الذين يشكون في إمكان انعقاد الإجماع كأحمد بن حنبل وابن حزم - رحمهما الله - لا يشكك أحد منهما في إجماع الصحابة وإنما شككا فيما بعد عصر الصحابة، واختارا كلمة (لا نعلم فيه خلافًا) بدل الإجماع. التمييز في شروط الذمة والتمييز الوارد في شروط الذمة هو في الأصل مستفاد مما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم - تواتراً معنوياً - من الأمر بمخالفة اليهود والنصارى، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه» رواه الطبراني، فالقول بأن النصارى مازالوا أهل ذمة قول غير صحيح وغير سديد ومخالف للشرع وللواقع معا، وقد قال الإمام مالك رحمه الله: (أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم لقوله). ومع ذلك، فنحن نرى وجوب معاملتهم بالحسنى وعدم التعرض لهم بأذى، وننصح جميع المسلمين بذلك لأسباب منها: 1) أنهم ليسوا هم الذين أسقطوا عن أنفسهم عقد الذمة، وإنما ترتب ذلك على تحكيم القوانين الحديثة التي تجري على الجميع مسلمين وغير مسلمين. 2) أن الغالب عليهم معاملتهم للمسلمين بالحسنى، فيجب معاملتهم كذلك بحسب (قاعدة المعاملة بالمثل إلا فيما لا يجوز شرعا) وقد سبقت هذه القاعدة في البنود السابقة، وأيضًا لقوله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الممتحنة:8)، ومعنى (تبروهم) من البر وهو الإحسان، و(تقسطوا) من القسط وهو العدل، فكل من لم يؤذ المسلمين تجب معاملته بالعدل والإحسان. 3) إنهم جيران المسلمين في السكن والعمل والدراسة، والإحسان إلى الجار (من مسلم وغير مسلم) واجب شرعا وليس مجرد استحباب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» متفق عليه، وفي رواية (فلا يؤذ جاره)، ولم يقصر ذلك على الجار المسلم وإنما أطلق اللفظ ليشمل عموم الجار أي كل جار (مسلم وغير مسلم)، وجعل صلى الله عليه وسلم إكرام الجار من شروط الإيمان (من كان يؤمن) بما يعني أن تركه من الكبائر والفسق، ويتأكد ذلك بنفي الإيمان الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه، فمن آذى جاره بأي شكل من أشكال الإيذاء فهو فاسق مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، فإن الشارع لا ينفي الإيمان عمن ترك شيئا من المندوبات والمستحبات، وإنما ينفيه عمن ترك شيئا من أصل الإيمان أو من واجباته، كما نبه على ذلك كثيرا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الإيمان) والنصوص في وجوب الإحسان إلى الجار وتحريم إيذائه كثيرة معروفة. وفي نفس الوقت، فإننا ننصح النصارى بمعاملة المسلمين بالحسنى وعدم استفزاز مشاعرهم بأي أعمال عدوانية، وذلك للمحافظة على أدب حسن الجوار من الطرفين سكان البلد الواحد. وبالنسبة لنصارى مصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بهم وصية خاصة في الإحسان إليهم (لأن لهم رحما وصهرا) الحديث برواياته رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أما (الرحم) فإن السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام مصرية وهي جدة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما (الصهر) فإن السيدة مارية القبطية وهي مصرية هي سُرية النبي صلى الله عليه وسلم وأم ابنه إبراهيم رضي الله عنه. قتل كل اليهود وأعلم أيها المسلم أنه لا يوجد شيء في الشريعة اسمه قتل كل اليهود والنصارى الذين يسميهم البعض بالصليبيين، ولو كان هذا صحيحا ما بقى على وجه الأرض الآن من اليهود والنصارى إلا القليل، وما بقى منهم أحد في بلاد المسلمين فقد عاش هؤلاء رعايا لهم حقوقهم في ديار الإسلام قديما. ويجوز للمسلم أن يعاملهم بالمعاملات التجارية وغير التجارية المختلفة وأن ينكح نساءهم، وقد جمع هذه الأحكام ابن القيم رحمه الله في كتابه (أحكام أهل الذمة). أما قتالهم فالصحيح أنه يقاتل المعتدي منهم في جهاد الدفع، ويقاتل من انتصب منهم لقتال المسلمين في جهاد الطلب، هذا ما استقر عليه فقه المسلمين قبل غلبة الأهواء على الناس. فليحذر المسلم من إطلاقات الجهال في هذا الشأن، فالأمر له ضوابط وفيه تفصيل، وليس كل يهودي أو نصراني يجب أو يجوز قتله. ثاني عشر: مسألة جهاد المنفرد استدل البعض بقول الله تعالى: «فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ... » (النساء:84)، وبما فعله الصحابي أبو بصير - رضي الله عنه - بعد الحديبية على وجوب الجهاد على المسلم ولو كان وحده، وهذا الإطلاق غير صحيح، فليس في هذه الأدلة دليل على وجوب الجهاد على المسلم المنفرد. أما الآية فإنها مدنية نزلت بعد الشروع في التمكين وحصول المسلمين على دار للهجرة والإيواء والنصرة بالمدينة، كما امتن الله عليهم بذلك في قوله تعالى: «وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (الأنفال:26)، ولم يفرض الله عليهم الجهاد وهم (قليل مستضعفون) بمكة قبل الهجرة، ولو كان جهاد المنفرد واجبا لفرضه الله عليهم بمكة، ولما شرع الله للمستضعف العزلة والتخفي وكتمان الإيمان، ولأوجب الجهاد على كل من دخل في الإسلام من دون النظر إلى حاله من حيث التمكن والاستضعاف، وهذا كله يبين أن من استدل بهذه الآية على وجوب جهاد المنفرد لم يحسن الاستدلال، واستدل بآية وترك غيرها، ولم يعرف الواجب المناسب لكل واقع، ويؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وبعد الهجرة وبعد تشريع الجهاد لم يخرج إلى قتال وحده، ومما يؤكد عدم وجوب جهاد المنفرد أن موسى وهارون - عليهما السلام - وهما نبيان لم يقاتلا وحدهما لما قعد بنو إسرائيل عن الجهاد الذي أوجبه الله عليهم، قال تعالى: «قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ(25) “(المائدة:25،24)، وذلك لأن مقصود الجهاد هو إظهار الدين، وقتال الرجل أو الرجلين - ولو كانا نبيين - لا يحقق هذا المقصد، ولهذا لم يفعله الأنبياء عليهم السـلام، فكـيف يفـعله آحاد المسلمين، وبهذا يعلم أن الأمر الوارد في قوله تعالى: «فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ». (النساء:84)، إنما هو للحض، وغاية ما يقال فيه أنه لبيان جواز ذلك لكنه ليس للوجوب، ولو كان قتال المنفرد واجبًا لأوجبه الله على المستضعفين، ولما شرع الله لهم جواز العزلة وكتمان الإيمان والتقية، ولما أمرهم بالعفو والصفح والصبر وقت الاستضعاف، ولما أجاز الصلح. جهاد المنفرد إذا قلنا إن جهاد المنفرد جائز وليس واجبا فإن جوازه مقيد بشروط... منها: ـ أن من له إمام أو أمير لا يجوز أن يفعل شيئا من ذلك إلا بإذنه لقوله تعالى «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ...» (النور:62). وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني» متفق عليه، ولهذا قال الفقهاء (وأمر الجهاد موكول إلى الإمام) ذكره ابن قدامة الحنبلي رحمه الله في كتابه (المغني)، وقد يرى الإمام أو الأمير تكليف فرد وحده بمهمة فهذا جائز، كما روى البخاري رحمه الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الزبير طليعة وحده)، وفي غزوة الأحزاب أمر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان أن يأتيه بخبر المشركين، فاندس بينهم لذلك رضي الله عنهم. أما أن يكون الرجل له أمير وقد بايعه بالإمارة، ثم يقوم بدون إذن أميره وبدون إعلامه بأعمال من جنس الجهاد تعود بتدمير الإمارة كلها وزوال الدولة على يد من استفزهم من أعداء الإسلام، فهذا الرجل يكون بذلك قد نكث بيعته مع أميره وخان وغدر وجلب الدمار على المسلمين وخالف أحكام الدين المستقرة القاضية بأن (أمر الجهاد موكول إلى الإمام)، وهذه كلها من كبائر الذنوب المهلكات، ينكث ويغدر ويهرب ثم يترك آلاف المسلمين الأبرياء يدفعون ثمن نكثه وغدرِهِ، ولو شئت أن اقول منهم فلان وفلان لقلت. ـ أن يغلب على ظن المنفرد أن قتاله سيعود بنفع على الدين وأهله، لأن هذا هو مقصود الجهاد. «لا ضرر ولا ضرار» * أن لا يعود قتال المنفرد بضرر على الدين وأهله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» وكل ما غلب ضرره وفساده على منفعته فهو حرام ولا يجوز للقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) ولأن (الفساد علة التحريم) ولا يجوز للمسلم أن يقدم على أمر له فيه منفعة ولو كانت طلب الشهادة إذا كان سيعود بالضرر على غيره من المسلمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «المؤمنون كرجل واحد» وفي رواية في الصحيح أيضا: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد» الحديث متفق عليه، فلا بد للمسلم من مراعاة أحوال بقية المسلمين، وإلا فليس هو من هذا الجسد الواحد أي ليس منهم. فليس من المسلمين من لا يبالي بما يجري على الإسلام وأهله ولا يهتم بهم. ومن هؤلاء من يضرب ثم يهرب ليختبئ ويترك أهل بيته وأتباعه وغيرهم من المسلمين يتحملون عواقب ضربته فيجري عليهم من التقتيل والسجن والتشريد والتجويع والانتقام بصوره على يد أعداء الإسلام ما تنوء الجبال بحمله، فليس هذا من الدين والجهاد في شيء ولا هو من شهامة الرجال، وقد كان أهل الجاهلية يستحيون من ذلك، فكان الفارس منهم يزُود عن أهله وعشيرته وإن قُتل، أما في زماننا هذا فتجد من يَفرّ عن أهله وأتباعه ويتركهم نهبا للقتل والسجن والتشريد ثم تجده لا يستحي ويتاجر بالقضية الفلسطينية التي هي بضاعة المفلسين أصحاب البطولات والزعامات الميكروفونية، فالأمر هو كما قال الشاعر: لكل داءٍ دواءٌ يُستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها ومنهم من هرب وأرسل نساءه وأولاده إلى الملاذ الآمن ثم ترك إخوانه وغيرهم من المسلمين ونساءهم وعيالهم فريسة مكشوفة لبطش الأعداء وانتقامهم. ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. الجهاد على عدوان غير جائز * أن لا يشتمل جهاده على عدوان منهي عنه شرعا، كالعدوان على دماء وأموال من لا يجوز له التعرض لهم من المسلمين وغيرهم، كالمذكورين في كل البنود السابقة. * أن لا يكون قتاله غدرا ولا ينقض بقتاله عهدا بينه وبين من يقاتلهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» متفق عليه من حديث الحديبية، وقد سبق ذلك. وإذا نظرت في هذه الشروط تجدها كلها قد توافرت فيما قام به أبو بصير - رضي الله عنه - فلا إشكال في ذلك، فقد كانت له قاعدة آمنة مستقلة، ولم يكن تحت سلطان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضر المسلمين بما فعل، ولم يعاهد أحدا فينقض عهدا أو يغدر بفعله، ومع ذلك فإن أبا بصير لم يكن وحده منفردا إلا في أول الأمر وإنما اجتمع إليه كل من هرب من مكة من المسلمين المستضعفين بعد الحديبية حتى كثر عددهم، ولم يحاربوا جيشا يفوقهم عددا وعدة بآلاف الأضعاف، وإنما كانوا يهاجمون بعض المحاربين من مشركي أهل مكة، ولم يكن لدى أهل مكة طيران يقصفونهم به كما هو ممكن اليوم، ولم يتسللوا لعمل عمليات قتالية داخل مكة وبمجرد أن سمح كفار مكة لأبي بصير ومن معه بالالتحاق بالمسلمين في المدينة (بخلاف ما اشترطوه في صلح الحديبية) ترك أبو بصير وأصحابه مناوشتهم لأنها لا تفيد في إظهار الدين وهو مقصود الجهاد، وقد تضرهم. تنبيهات واحتج بعض من يرى جواز قتال المسلم المنفرد بأدلة بالإضافة إلى ما سبق منها قول الله تعالى «...كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ...» (البقرة:249)، وقوله تعالى: «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...» (الأنفال:60)، ونحو ذلك من الأدلة التي قد يفهم منها البعض جواز تصدي مسلم يحمل سكينا لرتل من دبابات العدو أو لجيش عرمرم، وهذا فهم غير سديد. وهنا عدة تنبيهات على هذه الأدلة وعلى هذا الفهم: منها أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من آية واحدة أو حديث بدون جمعها مع ما يقيدها أو يخصصها من بقية الأدلة الواردة في نفس المسألة والتي قد تخفي على العامة، ولهذا أوجب الله سؤال أهل العلم بقوله تعالى:»... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»(النحل:43)، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فتوى الجهال هي سبيل الضلالة في قوله: «اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» الحديث متفق عليه، فلا يجوز النظر في دليل وترك غيره في موضوعه، فمن أفتى بأن عدة المطلقة ثلاثة قروء معتمدًا على قوله تعالى «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ...»(البقرة:228)، بدون أن يستفصل من السائل عن حال المطلقة فقد أساء وضل وأضل وإن كان قد أجاب بآية من كتاب الله لأنها ليست عامة في جميع المطلقات، وكان الواجب عليه أن يستفصل لأن هناك أصنافا من المطلقات لعدتهن أحكام في نصوص أخرى، فالمطلقة غير المدخول بها لا عدة عليها البتة لآية سورة الأحزاب رقم 49، والصغيرة والآيسة عدتهن ثلاثة أشهر والحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل لآية سورة الطلاق رقم 4 ولحديث سبيعة رضي الله عنها، والمسلمة المهاجرة إذا تركت زوجًا كافرًا بدار الكفر عدتها حيضة واحدة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، والزوجة الأمة عدتها حيضتان للحديث، والأمة الرقيق تستبرأ بحيضة واحدة للحديث، فلا يجوز النظر في دليل وترك غيره في موضوعه، ويدخل في هذا الاستدلال الخاطئ بما سبق على جهاد المنفرد. التكافؤ ومنها أن هناك حدا أدنى مطلوبا من التكافؤ في العدد والعدة بين المسلمين وأعدائهم، إذا اختل هذا الحد لم يجب على المسلمين الثبات في الحرب، وهي الآيات بآخر سورة الأنفال، وفيها قال ابن عباس رضي الله عنهما: (من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر) ولم يحصر كثير من العلماء التكافؤ في العدد فقط، وإنما عداه إلى العدة لعموم العلة وهي أن علة التخفيف هي الضعف «الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ...» (الأنفال:66)، ولو لم يكن التكافؤ في القوة معتبرا كشرط للثبات في الجهاد لما قال الله تعالى: «الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ...»، وذلك لأن الله سبحانه قد رتب أمور الدنيا على نظام الأخذ بالأسباب لا على خوارق العادات والمعجزات والتي قد تحدث، لكنها ليست هي الأصل والعادة وإن كان زمن المعجزات قد انقضى، وإنما الأصل الأخذ بالأسباب لتحقيق نتائج معينة، وذلك حتى يثق الناس في أعمالهم لعمران الدنيا والآخرة، فمن جد وجد ومن زرع حصد. وقد نبه ابن القيم رحمه الله على ذلك وكيف أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأسباب في كل شأنه في هجرته وفي غزواته وكيف ظاهر بين درعين في غزوة أحد وغير ذلك وهو مؤيد بالوحي. فليس من الأخذ بالأسباب ولا من التكافؤ تصدي مجموعة من المجاهدين لجيش من الأعداء. -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 أحكام فقهية ومنها أن قرار الحرب والجهاد لا يعتمد على الأحكام الفقهية وحدها وإنما مع الخبرة العسكرية، وبهذا أفتى أحمد بن حنبل رضي الله عنه بأن الغزو مع الأمير الفاجر القوي أفضل من الغزو مع الأمير الضعيف التقي، والقوة والضعف هنا هما بالنظر إلى خبرته بالحروب، وقال أحمد: (إنما فجوره على نفسه وقوته للمسلمين) وذلك لأن مقصود الجهاد إظهار الدين، نقل هذا كله شيخ الإسلام رحمه الله. واعتبار الخبرة الحربية هو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يُؤمّر أهل الخبرة مثل عمرو بن العاص وخالد بن الوليد على من هم خير منهم في الديانة والسبق إلى الإسلام من أكابر الصحابة رضي الله عنهم لما في ذلك من منفعة للمسلمين، وقد فصلت ذلك في كتابي (العمدة في إعداد العدة) 1988م. والنظر إلى التكافؤ (في العدد والعدة بين المسلمين وبين عدوهم) مع الخبرة العسكرية هو ما جعل خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يتأثم من الانحياز (الانسحاب) بجيش المسلمين في غزوة مؤتة بعد مقتل الأمراء الثلاثة الذين نصبهم النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش في هذه الغزوة، التي كان يواجه فيها ثلاثة آلاف من المسلمين مئتي ألف من الروم، أي بنسبة (ثلاثة إلى مئتين) وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم صنيع خالد في هذه الغزوة فتحا، إذ أنقذ جيش المسلمين من المهلكة، وقد نزلت آية: «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...» (الأنفال:60) قبل غزوة مؤتة ولم يفهم خالد منها ما فهمه بعض المعاصرين. ومنها أن الجهاد لو كان واجبا بدون اعتبار التكافؤ في القوة عددا وعدة، وأنه يكفي إعداد ما يستطاع من أي قوة، لو كان هذا الفهم صحيحا لأوجب الله الجهاد على المسلمين وهم مستضعفون بمكة قبل الهجرة وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم. وقد سبق التنبيه على أنه لا يعقل أن يلتزم شاب بدينه اليوم ثم في سنوات معدودة يصير مفتيا وجنرالا في وقت واحد، ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه (ولا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ويتعرض من البلاء لما لا يطيق) ولا يجوز التضحية بالمسلم فيما لا يفيد ولا ينفع ولا يجوز التكليف بما لا يطاق باتفاق أهل العلم، ومن لم يكن لديه علم بالشرع يرشده فليكن له عقل يعقله ويحجره. يأمرون غيرهم بما لم يفعلوه وليعلم المسلم أنه في زماننا هذا قد انسحب قوم وهربوا من أمام العدو بسبب عدم التكافؤ في القوة، حتى فرّوا عن نسائهم وعيالهم وتركوهم فريسة لقصف العدو، وهم في الوقت نفسه يحرضون غيرهم من المسلمين - ممن لا حيلة لهم ولا استطاعة - على التصدي والصمود للأعداء على الرغم من تيقنهم من عدم التكافؤ في القوة، فيأمرون غيرهم بما لم يفعلوه، وقد ذمّ الله فاعل ذلك في قوله تعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»(البقرة:44)، وفي قوله تعالى: «كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ» (الصف:3). وليس هذا فحسب بل تجدهم في نفس الوقت الذي يسعون فيه إلى التفاوض مع الأعداء يدفعون غيرهم إلى الصدام مع العدو ويضحون بهم ليستخدموهم كورقة سياسية عند التفاوض مع العدو. وهناك من يريد مسالمة عدوه ولكن بعيدا عن وسائل الإعلام حتى لا تضيع وجاهته عند المعجبين به. فلا تنخدعوا يا معشر الشباب بأبطال الإنترنت وزعماء الميكروفونات وتجار الشعارات الذين هم من كبار المورّدين للقبور والسجون، ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. وتعلموا دينكم يا معشر الشباب حتى لا تغتروا بهؤلاء وحتى لا تكونوا ضحايا لشعاراتهم وجعجعتهم. بقيت كلمة أخيرة في هذه المسألة (جهاد المنفرد): وهي أنه قبل الإقدام على عمل يجب النظر في آثاره وعواقبه، فإن النظر في مآلات الأفعال معتبر شرعا، فما أدى إلى فاسد فهو فاسد، والفساد ممنوع، فما يؤدي إليه ممنوع حتى ولو كان القصد حسنا والنية صالحة، هذا ما ذكره الشاطبي رحمه الله في (الموافقات ج2،ج4)، وكل من عمل عملا أضر بغيره من المعصومين يجب عليه أن يعوضه، ولو فعل ما فعله وهو مضطر أو مكره، عملاً بقاعدة (الاضطرار لا يبطل حق الغير) ذكرها عز الدين بن عبد السلام في (قواعد الأحكام) والقرافي في (الفروق) والسيوطي في (الأشباه والنظائر) وابن رجب الحنبلي في (القواعد)، فمن سبب عمله ضررا لمعصوم في نفسه أو ماله يجب عليه تعويضه بديات النفوس والأعضاء والمنافع فما دون ذلك من الأروش والحكومات بقدر الضرر، ومن أتلف أملاك غيره عليه أن يعوضه بالمثل في المثلى أو بالقيمة في المتقوم، فإن لم يفعل في الدنيا بقيت عليه التبعة والمؤاخذة يوم القيامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة» رواه مسلم، ولحديث المفلس الذي رواه مسلم أيضا، ولكن أداء الحقوق يوم القيامة سيكون بتبادل الحسنات والسيئات. وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم دية الرجل الذي أخطأ أسامة بن زيد في قتله، كما دفع صلى الله عليه وسلم ديات بني جذيمة الذين أخطأ خالد بن الوليد في قتلهم، وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» رواه البخاري رضي الله عنه، فالخطأ والتأول لا يسقط حق الغير، وحتى الذين أجازوا قتل الترس المسلم لضرورة قطعية كلية - كما سبق - لم يتفقوا على إهدار دمه بل منهم من قال بضمان ديته. ودية النفس للرجل المسلم الحر (ولو طفل أو شيخ خرف) هي أربعة وربع كيلو غرام ذهب خالص (عيار 24) أو ثمنها بسعر يومه (الدية الشرعية ألف دينار ذهب، ووزن الدينار أربعة غرامات وربع غرام)، ودية المرأة المسلمة الحرة نصف ذلك (صح الحديث في ذلك، وهو إجماع). دفع الديات ولا يعترض على وجوب الضمان بأنه لا يجب دفع ديات من قتل من المسلمين في القتال المشروع، مستدلاً بالمحاورة التي دارت بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في شأن وفد البزاخة، أو مستدلاً باتفاق الصحابة على عدم ضمان ما استهلك في نائرة الحرب في قتال البغاة، كما ذكره أصحاب كتب (الأحكام السلطانية) الماوردي وأبو يعلي، رحمهما الله. فالاستدلال بذلك في غير موضعه لاختلاف المناط، فإن عدم الضمان يكون حين يقع القتال من الطرفين، أما حين يقع القتل والقتال من طرف واحد فيقدم مسلم على قتل وتفجير يسقط فيه قتلى مسلمون من المدنيين غير المقاتلين على حين غرة، ولم ينذروا ليفروا، وحين يؤدي ذلك إلى الإضرار بالآخرين وتخريب الممتلكات فكل هذا يجب فيه الضمان، إذ لا قتال من الطرفين كما كانت الحال مع وفد البزاخة أو في قتال البغاة. وأما كون القتلى (يبعثون على نياتهم) متفق عليه، فهذا حق ولكنه في أحكام الآخرة وهو لا يسقط حقهم أو حق أوليائهم في الضمان في أحكام الدنيا. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمن ديات قتلى الكفار الذين أعلنوا إسلامهم وكفوا عن القتال حال الحرب (كمن قتلهم خالد وأسامة رضي الله عنهما) فكيف بمن لم ينتصب للقتال أصلاً ولم يعلم به من المسلمين ومن مجهولي الحال الذين يجب تبين حالهم كما سبق، فلا شك في وجوب الضمان في هذه الحالات، ويكفيك حديث (المفلس). ولا يدخل أحد الجنة وعليه تبعات لأحد كما في حديث (القنطرة)... وقد سبق القول أن الصحابي خبيبا رضي الله عنه لم يرد أن يختم حياته بقتل صبي لا يحل له قتله، لأنه (إنما الأعمال بالخواتيم)، فكيف بمن يلقي الله تعالى بأضعاف ذلك من الدماء والأموال المحرمة يحملها على ظهره يوم القيامة كما قال تعالى:«... وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ» (الأنعام:31)؟.. وقُتل رجل في الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال الصحابة (فلان شهيد) فقال صلى الله عليه وسلم): «كلا، إنه في النار في عباءة غلها» رواه مسلم.. فهذا دخل النار في ثوب سرقه من الغنائم قبل تقسيمها، فكيف بالدماء والأموال المحرمة بالجملة؟ لقد ضعف إحساس الناس بالذنوب كما قال أنس رضي الله عنه: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) رواه البخاري. وهذا بسبب الجهل والغفلة وقسوة القلوب. ثالث عشر: نصيحة لأتباع الجماعات الإسلامية ولعموم المسلمين 1ـ تعلم دينك: فـ (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صححه السيوطي، وهناك أمور في الدين يجب على كل مسلم أن يتعلمها قبل البلوغ الذي هو وقت جريان قلم التكليف عليه، وهذا ما يسمى بـ (فرض العين من العلم الشرعي)، ومنه معرفة أركان الإسلام ونواقضه والحلال والحرام، وتعليم الصبي واجب على ولي أمره للحديث الصحيح «كلكم راع ٍوكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه، وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...» (التحريم:6)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «علموا أولادكم الصلاة لسبع سنين» الحديث رواه الترمذي وحسنه، ومن لم يتعلم دينه في صغره وجب عليه تدارك ذلك على الفور لقوله تعالى: «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ...»(آل عمران:133)، وقال تعالى:«... فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ...» (البقرة:148). الأحكام التكليفية وضابط ما يجب على المسلم تعلمه من دينه بعد فرض العين هو: ألا يقدم على فعل شيء إلا بعد معرفة حكمه الشرعي من جهة الأحكام التكليفية الخمسة (الواجب والمندوب والمباح والحرام والمكروه)، ويدخل في ذلك مهنة المسلم التي يرتزق منها، وأي قول أو عمل يريد أن يفعله أو يشارك فيه... قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ...»(الحجرات:1)، أي لا تتقدموا بقول أو فعل حتى تعلموا حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . وقال تعالى: «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...» (الإسراء:36)، فلا يجوز لمسلم أن يفعل شيئًا حتى يعلم حكم الله تعالى فيه.ومن شرف العلم أن الله عز وجل لم يرشد نبينا صلى الله عليه وسلم إلى طلب الاستزادة من شيء في الدنيا إلا العلم فقال جل شأنه: «...وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً»(طه:114)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه،. فإذا شرح الله صدرك للتفقه في الدين فعليك بالقراءة في كتب السلف فإن العلم فيها غزير والخطأ فيها عزيز قليل، وبخاصة كتابات ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن قدامة وابن رجب وابن حجر والنووي والسيوطي والشاطبي والمنذري والشوكاني، وقد جمع هؤلاء علوم سلف الأمة، وعنهم أخذ كل من جاء بعدهم من الراسخين في العلم، وقبل هؤلاء جميعهم الإمام البخاري رضي الله عنه، وهو في نظري أعلم المسلمين بعد الخلفاء الراشدين الأربعة حتى قال عنه شيخه قتيبة بن سعيد: (لو كان البخاري في الصحابة لكان آية) ذكره ابن حجر في (هدى الساري) يعني فكيف إذا قورن البخاري بمن هم دون الصحابة وبعدهم؟ ولا يعني هذا أن البخاري أفضل من الصحابة، فهم لهم الأفضلية العامة وهو له المزية الخاصة في العلم، وقد ذكر أبو العباس القرافي في كتابه (الفروق) الفرق بين الأفضلية والمزية. - وأفضل كتاب في الاعتقاد هو (معارج القبول) لحافظ حكمي. - وأساس دراسة الفقه كتابان: (بداية المجتهد) لابن رشد، و(نيل الأوطار) للشوكاني. - وأفضل التفاسير (ابن كثير). - ولا يرسخ أحد في علم الحديث إلا بدراسة (فتح الباري) وهو يغني عن غيره من الشروح. - وأفضل كتب اللغة: كتب ابن هشام الأنصاري بشروح محمد محيي الدين عبدالحميد. - أما علوم الوسائل وهي: (علوم القرآن وعلوم الحديث وأصول الفقه وعلوم اللغة العربية)، فلا يحتاج إليها العامي ولا المبتدئ في دراسة الدين، لأنها من وسائل الاجتهاد والاستنباط، ولم تكن هذه العلوم موجودة في عصر الصحابة، وإنما وضعها العلماء بعد ذلك لنفهم نصوص القرآن والحديث كما فهمها الصحابة وكانوا هم أهل اللسان العربي الصحيح، رضي الله عنهم. العلم لأجل العمل 2ـ وما تعلمته من دينك اعمل بما تستطيعه منه: فإنما يراد العلم لأجل العمل ولا تكلف نفسك ما لم يوجبه الله عليك من الواجبات في حدود قدرتك واستطاعتك، فقد قال تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ...» البقرة:286، وقال سبحانه: «...لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ...» الطلاق:7، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه، ولا تتأثم ولا تشعر بالحرج في ترك ما عجزت عنه من واجبات الدين فإنه (لا واجب مع العجز)، وقال تعالى: «...يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...» البقرة:185، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سددوا وقاربوا وأبشروا» رواه البخاري، ومعنى (سددوا) أي الزموا السداد وهو الكمال، فإن لم تستطيعوا (قاربوا) أي اقتربوا منه، ومع ذلك (أبشروا). وإذا سمعت بنافلة من النوافل أو دعاء أو طاعة من الطاعات فاعمل بها ولو مرة في العمر لتكون من أهلها يوم القيامة، ولتدعى مع أهلها يوم القيامة، ذكر هذا النووي رحمه الله في مقدمة كتابه (المجموع). ونحن في زمان طاعاتنا فيه قليلة ولا ندري أيقبلها الله أم لا؟ وذنوبنا كثيرة ولا ندري أيغفرها الله أم لا؟، فلا تكثر من الذنوب وداوم على الاستغفار، ولا بد للمسلم من أن يجاهد نفسه ويغيرها وفق مراد الرب سبحانه: «... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ... الرعد:11، فإن قام بذلك أفلح وإلا كان علمه وبالاً عليه كما في الحـديث الصـحيح: «والقـرآن حجـة لك أو عـليك» رواه مسـلم. وقـد قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ...» العنكبوت:9، وفي شرحه لكتاب الرقاق بالبخاري نقل ابن حجر عن الإمام القشيري عن شيخه أبي علي الدقاق قوله: (من لم يكن في أوله صاحب مجاهدة لن يجد من هذا الطريق شمة) من (فتح الباري ج11) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «أجرك على قدر نصبك» الحديث متفق عليه. المبني على الفاسد فاسد 3ـ لا تفعل ما لا يحل لك لتؤدي ما لا يجب عليك: كالذي يسرق ليتصدق، أو كالذي يسطو على أموال الآخرين لتمويل الجهاد، فالكل غير مقبول عند الله، وقال تعالى: «... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»المائدة:27، وفي الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم، وقال تعالى: «... وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ...» البقرة:189. والقاعدة الفقهية أن (المبني على الفاسد فاسد). 4ـ اعلم أن الحكم الشرعي لا يترتب على السبب وحده: بل لا بد من النظر في الشرط والمانع بحسب قاعدة (يترتب الحكم على السبب إذا توافر الشرط وانتفى المانع)، كامتلاك النصاب (سبب لحكم) وجوب الزكاة فيه، إذا (توافر الشرط) ومنه حَوَلان الحول في النقدين وعروض التجارة والأنعام (وانتفى المانع) كالدين المستغرق للنصاب، وهذه القاعدة عامة في معظم أحكام الشريعة ومنها الجهاد قد يوجد سبب وجوبه ولا يجب على فرد معين للعجز أو لعدم النفقة ونحو ذلك، فلا يجوز ترتيب الأحكام بمجرد أسبابها، إلا بعد النظر في الشروط والموانع وقد سبق في البند الثاني بيان الفرق بين الوجوب المطلق وبين الوجوب على المعين. فلا تتعجل في إصدار الأحكام على الناس فهذا من علامات الجهل. 5ـ لا تكتفِ برأيك في أمورك: وما أنت مقدم عليه، واستشر من هم أعلم منك وأكثر منك خبرة وأكبر منك سنا من الأمناء، وفي الصحيح لما أشكل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه هل يدخل الشام أم لا في عام الطاعون (18هـ)؟ لم يشر عليه بالرأي السديد من كل من استشارهم إلا أهل الخبرة من كبار السن (وهم مَشيخة قريش من مُسلمة الفتح) وذلك قبل أن يبلغهم الخبر المرفوع من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، والحديث بطوله متفق عليه. السمع والطاعة 6ـ لا تسلم عقلك لغيرك بدعوى السمع والطاعة: فإنك إن أخطأت لن يحمل أحد وزرك يوم القيامة فقد قال الله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «(المدثر:38)، وقال تعالى: «ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)» (الانفطار:18، 19)، عقلك هو جنتك ونارك قال تعالى: «وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) «(الملك:10، 11)، وما فضل الله الإنسان على الحيوان إلا بالعقل لينظر به في العواقب الدنيوية والأخروية، لا ليدبر به أموره الحاضرة فقط، فإن الحيوان يدرك ذلك ويعرف ما يضره وما ينفعه في الحالة الحاضرة... فلا تلغ عقلك بدعوى السمع والطاعة إن كنت في جماعة إسلامية، وإذا أمرك مسئولك بشيء لا تراه خيرا فلا تطعه، فقد قال محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله ما حاصله: (إن من أطاع أميره فيما مضرته ظاهرة كان فاسقًا، لأن أميره إنما يستخف عقول أتباعه)، واستدل لذلك بقوله تعالى: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) «(الزخرف:54)، من كتابه (السير الكبير)، وفي المسألة حديث سرية عبد الله بن حذافة رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف» رواه البخاري، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا «فيما استطعتم») متفق عليه، ولا تقبل فتوى بعمل إلا من مؤهل للفتوى كما ذكرته. واعلم أن السمع والطاعة هما في الأصل لله وللرسول صلى الله عليه وسلم أي للدليل الشرعي من الكتاب والسنة لا لشخص الأمير، ولهذا أمر الله بالرجوع إلى الدليل عند التنازع مع ولاة الأمور وغيرهم قال تعالى: «... فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ...» (النساء:59).. فلا تقبل أمرًا يخالف الشريعة، وإن كان أميرك أو مسؤولك فقيرًا في العلم الشرعي فلا تقبل منه شيئًا تستريب فيه إلا بفتوى من مؤهل لذلك.. وفي الحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» حديث صحيح. لأن مثل هذا الأمير حكمه كالعامي يجب عليه أن يستفتى أهل العلم ويسألهم لا أن يفتى غيره. فلا تَلْغِ عقلك، ولا تتبع زعماء الميكروفونات وأبطال الإنترنت الذين يُطيّرون البيانات المحرضة للشباب في الوقت الذي يعيشون فيه في حماية أجهزة مخابرات أو في حماية قبيلة أو في مغارة نائية أو في لجوء سياسي لدى دولة كافرة، وهم يُجعجعون في الميكروفونات وعلى الإنترنت ويقودون الناس بالجملة إلى القبور وإلى السجون وهم في مأمن، بخلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من قيادة جيش المسلمين بنفسه في أغلب الأحوال حتى كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون: (كنا إذا اشتد البأس وحَمى الوطيس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم أما هؤلاء فإنهم إذا اشتد البأس يفرون عن نسائهم وعيالهم وأتباعهم ويتركونهم فريسة لبطش الكافرين وانتقامهم، وهم مع ذلك لا يستحيون ومازالوا يجعجعون. فليكن قولك أيها المسلم لزعماء الميكروفونات الجاهلين بالشريعة إذا حرّضوك أن تقول لهم: (إذا كنت إمامي فكُن أمامي)، فهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم. وأحذر من هؤلاء الحمقى الذين دمّروا إمارة إسلامية كانت قائمة ومن وراء ظهر أميرها ثم يتاجرون بعد ذلك بالقضية الفلسطينية والتي صارت - ومنذ زمن - ورقة توت يستر بها المفلسون عوراتهم وورقة (يانصيب) في يد الانتهازيين والأفاكين يجنون من ورائها المكاسب والبطولات لدى المغفلين. فهل يفعل هذا إلا الحمقى يُضيعون إمارة إسلامية ويبحثون بعد ذلك عن فلسطين، وقد قال شيخ الإسلام: إن حفظ رأس المال مقدم على طلب الربح باتفاق العقلاء، هذا حاصل كلامه، وكذلك القاعدة الفقهية تنص على أنه (لا يُترك معلومٌ لمجهول)، أما هؤلاء الحمقى فأضاعوا رأس المال المعلوم وهي الإمارة الإسلامية التي كانت قائمة ثم يطلبون فلسطين بالجعجعة والبيانات. واحذر أيها المسلم من الجهلاء الجبناء الذي يُشعلون الحرائق في كل مكان، ثم يهربون ويتركون غيرهم من آلاف البشر يحترقون بها. 7ـ الوفاء بالعهد واجب: قال تعالى:» وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34)» (الإسراء:34)، وقال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...» (المائدة:1)، وهذا واجب مع جميع الناس حتى مع الكفار والمشركين، فقد استوقف كفار قريش عند خروجهم إلى بدر حذيفة بن اليمان وأباه رضي الله عنهما ولم يخلوا سبيلهما إلا بعدما تعهدا لقريش أن لا يقاتلوهما، ثم لقيا النبي بعد ذلك عند بدر فأجاز ذلك وأمرهما بالوفاء، ولم يشاركا في غزوة بدر (الحديث رواه مسلم) وفي معناه ما قاله الحصكفي في (الدر المختار) من أنه يجوز الصلح مع العدو على ترك الجهاد، وقال شارحه ابن عابدين في (حاشيته ج4) (إن هذا بحسب مصلحة المسلمين وحاجتهم لذلك) أ.هـ، ونقض العهد من الكبائر ومن خصال النفاق «وإذا عاهد غدر» كما في الحديث الصحيح، والعهود يجب الوفاء بها إذا كانت على ما يجوز شرعًا لا على ما يحرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم» رواه الترمذي وصححه ولما ورد في الحديث الصحيح: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط» متفق عليه، ومما يجوز شرعًا أن من التزم وتعهد بعدم الصدام مع السلطات الحاكمة وقواتها في بلده وجب عليه الوفاء بذلك. ولا ينبغي أن يعتبر تعهده من باب: «الحرب خدعة» متفق عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» متفق عليه. العهود والمواثيق والعهود والمواثيق والشروط بين الناس جائزة في الجملة إذا كانت على ما يجوز شرعًا قال تعالى: «وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ...» (النحل:91)، وقال تعالى - عن يعقوب عليه السلام -: «قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)» – إلى قوله تعالى – « قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)» (يوسف: 66-80). يستكمل الدكتور فضل اليوم نصائحه للإسلاميين التي بدأها في الحلقة السابقة، فيطالبهم أولاً بأن يحرص كل منهم على أن يمارس عملاً لكسب الرزق بدلاً من الاشتغال بنوافل العلم والعبادة، في انتقاد واضح لظاهرة «الكادر السياسي المتفرغ» التي عرفتها التنظيمات اليسارية وانتقلت منها إلى الجماعات الإسلامية. ويهوِّن الدكتور فضل على الإسلاميين الجهاديين إحساسهم بالإخفاق في حال استجابوا لمراجعاته الفكرية وما تتضمنه من وقف استخدام السلاح وتغيير المنهج الفكري، إذ يؤكد لهم أن أجر الجهاد قد ثبت رغم عدم تحقيق الهدف الذي أضاعوا من أجله سنوات طويلة من أعمارهم. وينتقد المؤلف بشدة بعض الجماعات الإسلامية التي تطالب بتطبيق أحكام الإسلام في مجتمعاتها دون أن تعنى بتطبيق هذه الأحكام على نفسها وأعضائها أولاً، مؤكداً أن هذا التباين بين الشعارات المرفوعة والواقع هو من أسباب خذلان الله لهم. وفي ما يلي نص الحلقة الثالثة عشرة من الكتاب: 8) طلب ما يجب من الرزق أفضل من الاشتغال بنوافل العلم والعبادة: ذكره ابن الجوزي رحمه الله في «صيد الخاطر» لأن المسلم يأثم بتضييع من يعول ولا يأثم بترك نوافل العلم والعبادة، و«اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول»، الحديث متفق عليه، وسؤال الناس يأتي خدوشًا في وجه صاحبه يوم القيامة، «ولا تزال المسألة بالرجل حتى يلقى الله عز وجل يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم»، الحديث متفق عليه، «وقد بلغ التعفف عن السؤال ببعض أهل الجاهلية قبل الإسلام أن الرجل منهم كان إذا أعوز ولم يجد شيئًا دخل مغارة في الجبل وبقي فيها حتى يموت ولا يسأل الناس»، ذكره ابن مفلح الحنبلي في «الآداب الشرعية»، ولابد للإنسان في هذه الدنيا من أمرين: دين يصلح به آخرته ومصدر رزق يصلح به دنياه، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم بيان ذلك في قوله «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر»، حديث حسن رواه أحمد وأبو داود، لأن الكفر خراب الآخرة والفقر خراب الدنيا، كما أن أكل الحرام خراب الدنيا والآخرة، وفي الصحيح «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» رواه البخاري. 9) لا تستهن بالذنوب والمعاصي: فقد اخرج آدم عليه السلام من الجنة بسبب معصية واحدة بالرغم من توبته وقبول الله لها، ودخل رجل النار وهو يجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بسبب عباءة سرقها من الغنيمة قبل قسمتها (غلها) الحديث رواه مسلم، وإذا بلغك حكم شرعي صحيح فلا تعرض عنه متعمدًا ولو بشبهة تدرأ بها عن نفسك فإن هذا المسلك يورث زيغ القلب كما قال تعالى «... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ...» (الصف:5)، وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله «مهما تلاعبت به من شيء فلا تلاعبن بأمر دينك» وإذا لم تستطع أن تزيل المنكر فزل عنه واعتزله، فهذا مقتضى إنكار القلب... وقد سبق أنه لا يجوز الفرح بشيء من المعاصي وأعمال الغدر ولا المجاهرة بها والمفاخرة، بل تجب التوبة والاستغفار من هذا كله، ولا تنزه نفسك عما فعلته من ذنوب وتلقي باللوم على غيرك، فإن الله سبحانه إنما غفر لآدم عليه السلام لأنه اعترف بذنبه «قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)» (الأعراف:23)، في حـين لم يغفر الله لإبليس لأنه نزه نفسه عن ذنبه ونسب ذلك إلى الله «قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) «(الحجر:39). واعلم أن أصول الشر ثلاثة: الكبر وبه كفر إبليس، والحرص وبه خرج آدم عليه السلام من الجنة، والحسد وبه قتل ابن آدم الأول أخاه. واعلم أن الورع إنما يعرف في الخلوة لا عند مخالطة الناس، فلا تكن وليًا لله في العلانية وعدوّه في السر. وقال بعض المتصوفة «آخر ما يخرج من الشهوات من قلوب الصالحين: حب الرياسة. ويشهد لذلك قوله تعالى «هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ» (الحاقة:29)، وفي الآية أن السلطان والرياسة آخر ما يتعلق به الإنسان من علائق الدنيا. 10) الجنة ليس لها ثمن إلا الصبر: قال الله تعالى «وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12)» (الإنسان:12)، وقال تعالى في أصحاب الجنة «... وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)» (الرعد:23، 24)، والصبر هو «حبس النفس على المكاره» وهو أشق شيء على النفس لأنه حمل النفس على خلاف هواها، ومن هنا كان هو ثمن الجنة لما ثبت في الصحيح من أنه «حُفت الجنة بالمكاره» رواه البخاري، فلن يخلص أحد إلى الجنة إلا باحتمال تلك المكاره وهذا هو الصبر، وهو ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» رواه الترمذي وحسنه، والثمن هو الصبر، والصبر على مكاره تنقطع عما قريب بالخروج من هذه الدنيا أهون وأيسر من الصبر على المكاره العظمى التي لا تنقطع إلى الأبد في جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر، للعامل فيهم أجر خمسين» قال الصحابة: يا رسول الله خمسين منا أم منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم «بل منكم» وهو حديث صحيح رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه وذكره ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى ج18» وقال إن سبب زيادة أجر العاملين بدينهم في آخر الزمان جاء مفسرًا في رواية أخرى لنفس الحديث وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة «إنكم تجدون على الحق أعوانًا وهم لا يجدون». 11) الرجوع إلى الحق واجب وخير من التمادي في الباطل: قال تعالى « إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201)» (الأعراف:201)، وقال تعالى «... وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24)» (ص:24)، وقال بعض الصالحين «لأن أكون ذنبًا في الحق خير من أن أكون رأسًا في الباطل» والذنب هو آخر الذيل. ولقد رأيت في زماننا المعاصر بعض من ينادى بالحكم بالشريعة الإسلامية ويرفع راية الجهاد من أجل ذلك لا يطبق الشريعة في خاصة نفسه ولا في جماعته الإسلامية إذا جاءت خلاف هواه، وكنت أقول إذا كان هؤلاء المطالبون بتطبيق الشريعة لا يطبقونها على أنفسهم وهم مستضعفون فكيف سيفعلون إذا تمكنوا وحكموا البلاد؟ وقد أشرت إليهم في كتابي «الجامع في طلب العلم الشريف» منذ عام 1993م، وقد كان هذا دأب اليهود كما وصفهم الله في قوله تعالى «... يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً...» (المائدة:41)، كما أن هذا هو دأب المنافقين الذين وصفهم الله بقوله تعالى «وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)» (النور:48-50) ولا خير في هؤلاء وأمثالهم مع عصيانهم للشريعة كما قال الحق سبحانه «وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23)» (الأنفال:23). وما ينكره هؤلاء على الحكام من عدم تطبيق الشريعة يفعلونه وهم مستضعفون، وفي رسالته إلى سعد بن أبي وقاص -وذكرت بعضها من قبل- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «فإذا استوينا وعدونا في المعصية كانت لهم الغلبة علينا في العدد والعدة» أ.هـ، من «العقد الفريد» لابن عبد ربه الأندلسي، وهذا أحد أسباب خذلان الله لبعض الجماعات الإسلامية، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي، وأصبحت المرجعية العليا لديهم للرأي والهوى لا للشرع. ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. 12) كل من سعى في حق ولـم يدركه أو لـم ينتفع به أو أضير بسببه في دنياه تم له أجره عند الله تعالى: وذلك لأن كل ما يحصل عليه المسلم في هذه الدنيا (لقمة خبز فما فوقها) ولو من حلال تنقص من أجره يوم القيامة وتنقص من منزلته في الجنة ونعيمه فيها وإن دخلها ابتداء بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب، وهذا هو أصل «الزهد في الدنيا» عند الصالحين من أمم جميع الأنبياء عليهم السلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس وكذلك كان عيسى بن مريم عليه السلام أزهد الناس، ذكر أخباره أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه «الزهد». وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة وهم أصحاب الصُفّة، حتى يقول الأعراب «هؤلاء مجانين»، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم فقال «لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة» رواه الترمذي وصححه، و«الخصاصة» الجوع الشديد، و«الفاقة» الفقر. وكذلك في الجهاد: من سعى في ذلك بلا إثم ولا عدوان ففشل ولم يدرك نصرًا أو أصـيب فقـد تم له أجـر جهاده عند الله تعالى بخلاف من انتصر وغنم، كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تغزو فتخفق وتصاب إلا تم لهم أجورهم» رواه مسلم. وهذا الحديث وما فيه من تمام الأجر رغم الإخفاق الظاهر في الدنيا فيه أيضًا رد على مقولة «كل عمل تقاصر عن تحقيق مقصوده فهو باطل» وقد سبق التنبيه على ما في هذه العبارة من خطأ في آخر البند الأول. وكذلك فهم الصحابة رضي الله عنهم من نصوص الشريعة أن كل من حصل على شيء من متاع الدنيا ولو من حلال ينقص من أجر عمله في الآخرة، وبذلك وصف خباب بن الأرت حال مصعب بن عمير الذي قُتل يوم أحد فلم يدرك الفتوحات العظيمة والغنائم الجزيلة التي أصابها المسلمون بعد ذلك فتم لمصعب أجره في الآخرة رضي الله عنه، قال خباب «هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله تعالى فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها» متفق عليه، و«نمرة» قطعة قماش، و«الإذخر» نبات طيب الرائحة، و«أينعت» نضجت، و«ثمرته» زهرة الدنيا ونعيمها، و«يهدبها» يقطفها. وروى البخاري رحمه الله حديثًا مثل هذا عن عبد الرحمن بن عوف في شأن مصعب بن عمير وفيه قال عبد الرحمن «ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا» رضي الله عنهما. 13) حسن الخلق واجب مع جميع الناس مسلمهم وكافرهم: لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم «وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي وحسنه، ولم يقصر أمره على المسلمين، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن أكثر ما يدخل الناس الجنة «تقوى الله وحسن الخلق» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وهو من أثقل الأشياء في ميزان العبد يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقد قال الله تعالى «... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً...» (البقرة:83)، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم «أكثر ما يدخل الناس النار: اللسان». وبرّ الوالدين واجب ولو كانا كافرين. واعلم أن حسن الخلق مظنة توفيق الله للعبد، وهذا أمر يعرفه العقلاء في كل أمة بالاستقراء، ومن هنا لما جاء الوحي جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة قال صلى الله عليه وسلم وهو يحكي الخبر لخديجة رضي الله عنها «لقد خشيت على نفسي» فقالت له «كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق» الحديث متفق عليه، فاستدلت رضي الله عنها على أن من كان على مكارم الأخلاق هذه لا يخزيه الله في شيء بل يوفقه. وفي المقابل فإن كثيرًا من الإخفاقات سببها سوء الأخلاق. 14) جواز الأخذ بالأيسر وبالرخصة الشرعية لرفع الحرج ودفع المشقة: قال الله تعالى: «... يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...» (البقرة:185)، وقال تعالى: «يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ...» (النساء:28)، وقال سبحانه: «...وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ...» (الحج:78)، ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: «إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع» من (الموافقات ج1). المتنطعون وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما خُيّر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا) رواه البخاري، وقال (صلى الله عليه وسلم): «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً... رواه مسلم، ومن التنطع وهو التعمق: التشدد في غير موضع التشدد. ولما أمـر النـبي (صلى الله عليه وسلم) الصحابة بالرخصة وقت الشدة فلم يفعل بعضهم وصفهم بقوله: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» رواه مسلم، وقال أنس رضي الله عنه «كنا نسافر مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» متفق عليه. ولما وجد من أخذوا برخصة الفطر في السفر من القوة ما مكنهم من خدمة الباقين قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» متفق عليه. فلا يجوز الإنكار على من أخذ بالرخصة الشرعية بعد ورود الشرع بجوازها، ويتدرج ذلك حتى تجوز التقية عند الخوف، ويجوز إظهار الكفر مع طمأنينة القلب عند الإكراه الملجئ كما صنع عمار بن ياسر رضي الله عنهما مع كفار مكة حتى قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن عادوا فعد» رواه عبد الرزاق والبيهقي وأبو نعيم وغيرهم وجمع رواياته الزيلعي رحمهم الله في (نصب الراية ج4). وأجاز النبي (صلى الله عليه وسلم) لمحمد بن مسلمة أن يتكلم في حق النبي (صلى الله عليه وسلم) لأجل مصلحة عامة للمسلمين (في حادثة كعب بن الأشرف). كما أجاز ذلك أيضاً للحجاج بن علاط من أجل مصلحته الخاصة بمكة بعد غزوة خيبر رضي الله عنه. على أنه يجدر التنبيه هنا على أنه لا تقية ولا خداع في العهود كما سبق بيانه، وكما دل عليه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما. النسيان وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما، والحديث حسنه النووي في «الأربعين النووية» رحمهم الله، والرخصة في إظهار الكفر عند الإكراه رخصة خاصة بهذه الأمة الإسلامية يدل عليه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث السابق «وضع عن أمتي» ولم يكن مرخصاً بذلك في الأمم السابقة... ذكره القرطبي في تفسيره، ويدل عليه أيضًا حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود فلم يترخصوا في إظهار الكفر رغم إحراقهم، ويدل عليه حديث خباب «إن من كان قبلكم كانوا ينشرون بالمناشير»، والحديثان في الصحيحين، رضي الله عنهم أجمعين. الإنكار فلا يجوز الإنكار على من أخذ بما يجوز من الرخصة الشرعية خصوصا في الشدائد، كما لا يجوز للمسئولين في الجماعات الإسلامية أن يلزموا أتباعهم بالعزيمة إذا أرادوا الأخذ بالرخصة، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه» رواه مسلم، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن شر الرعاء الحطمة» رواه مسلم، و«الرعاء» جمع راع، وهو كل من يدبر أمور غيره، و«الحطمة» الذي يشق على رعيته فيحطمهم. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» متفق عليه، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة لأمته في ذلك، فعندما اعترض مسيلمة رجلين من المسلمين أقر له أحدهما بالنبوة فخلى سبيله، وأبى الآخر فقتله، عذر النبي (صلى الله عليه وسلم) الأول وأثنى على الثاني، وكذلك عندما خرج الأسود العنسي، باليمن وادَّعى النبوة وغلب على صنعاء انقسم الصحابة ثلاثة أقسام، منهم من قفل راجعًا إلى المدينة كالمهاجر بن أبي أمية، ومنهم من تخفى باليمن كمعاذ بن جبل، ومنهم من احتال على الأسود حتى قتله وهو فيروز الديلمي، فلم يعاتب النبي (صلى الله عليه وسلم) من رجع ومن تخفى وأثنى على فيروز كما رواه البخاري، والخبر بطوله في «تاريخ الرسل والملوك» لابن جرير الطبري، رضي الله عنهم أجمعين. خطأ وهناك أمور لا يقال فيها عزيمة ورخصة، وإنما يقال فيها صواب وخطأ أو حق وباطل، ومنها الخيارات الشرعية الواجبة على المسلمين نحو مخالفيهم والتي سبق الكلام فيها في البندين الثاني والخامس، فمن وضع الحرب موضع السلم إذا وجب، أو عكس ذلك، ومن أقدم حين يجب الانسحاب، أو عكس ذلك، فقد أخطأ وزل، ولا يقال هنا رخصة وعزيمة، ولهذا سمى النبي (صلى الله عليه وسلم) انحياز خالد رضي الله عنه في مؤتة «فتحاً» ولم يسمه رخصة، كما تأسف عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صنيع أحد قادة جيوشه، وهو أبو عبيد بن مسعود الثقفي حين اقتحم الجسر ليصل إلى عدوه فهلك ومن معه من المسلمين، فقال عمر «رحم الله أبا عبيد لو كان تحيز لي لكنت له فئة». -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 15) محاسبة النفس والتناهي عن المنكر داخل الجماعات الإسلامية: قال الله تعالى «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)» (المائدة: 78، 79). وكان من أسباب لعن الله لليهود أنهم تركوا التناهي عن المنكر في ما بينهم، ومع ذلك فقد رأيناهم يحاسبون -في هذا العصر- موشى ديان وغولدا مائير بعد حرب 1973م حتى استقالا، واليوم يحاسبون رئيس إسرائيل (موشى كتساف) ورئيس وزرائهم (أولمرت). هذا في حين نرى كثيرًا من الجماعات الإسلامية لا تحاسب أنفسها على الخطأ، وبالتالي تتكرر الأخطاء وتتضاعف، وهذا كله من أسباب الخذلان والفشل كما أنه خلاف الواجب. المهالك ولقد رأيت في زماننا هذا أمثلة للمفتي الجنرال الذي يقود إخوانه وأتباعه إلى المهالك والمقابر والسجون بدون أهلية شرعية ولا عسكرية، وهو مازال بعد سجنه يدعي الزعامة كأنه ما اقترف هفوة من الهفوات، ولا يحاسب نفسه ولا يحاسبه أتباعه، فأي خير يُرجى من هؤلاء؟، وهل هم إلا كما قال الشاعر: لكل داءٍ دواءٌ يُستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. وقد سبق ذكر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أنكر على خالد وعلى أسامة رضي الله عنهما، ودفع ديات من قتلوا في ذلك، وأنكر على عبد الله بن حذافة رضي الله عنه. وقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ...»(النساء:135). لو حاسب أعضاء الجماعات الإسلامية أنفسهم وقادتهم على الأخطاء، لكان في ذلك خير كثير في الدنيا والآخرة. وقال عمر رضي الله عنه «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا». وفي قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...»(الحشر:18)، قال العلماء هذه الآية أصل في محاسبة النفس. أسرى 16) السعي في فك أسرى المسلمين واجب: وهو فرض كفاية على أمة المسلمين إذا تركوه أثموا جميعهم، وإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين. وقال ابن عابدين في (حاشيته ج4) «انقاذ الأسير وجوبه على الكل من المشرق والمغرب ممن علم» ويجب السعي في ذلك بكل وسيلة ممكنة كما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه «الأموال»، وإذا تعين فداؤهم بالمال وجب ذلك وإن أتى على جميع أموال بيت المال وأموال المسلمين... ذكره القرطبي في (تفسيره ج5) وابن قدامة في (المغني ج9) رحمهم الله أجمعين، والأصل في ذلك هو قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «فكوا العاني» رواه البخاري، وما ورد في حديث صحيفة علي رضي الله عنه وفيها «فكاك الأسير» رواه البخاري... و«العاني» هو الأسير مشتق من المعاناة أو من الحاجة إلى العون، فدل الحديث على الأمر بوجوب السعي في فكاكه وإنقاذه، وفي شرح هذا الحديث نقل ابن حجر عن ابن بطال قوله «فكاك الأسير واجب على الكفاية، وعلى هذا جميع العلماء» في «فتح الباري ج6» رحمهم الله. ومع أن الأصل في فك الأسرى أنه فرض كفاية فإنه قد يصير فرض عين إن تعين وانحصر في بعض القادرين على ذلك، ومثال ذلك: تعينه على عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه عندما طلب منه ملك الروم أن يقِّبل رأسه كي يطلقه هو وأسرى المسلمين من عنده ففعل ذلك ابن حذافة، فأطلقهم. وكان هذا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وربما لو رأى بعض الحمقى ابن حذافة وهو يقبل رأس ملك الروم لقالوا إن ابن حذافة سوف يتنصر أو إنه قد تنصر ودخل في النصرانية، أما الراسخون في العلم فدأبهم ما فعله عمر لما رجع ابن حذافة إلى المدينة وأخبره بما حدث، فقال عمر: «حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة» وقام عمر فقبل رأسه رضي الله عنه. وكذلك الحال في كل من تعين عليه السعي في فكاك الأسرى، فإن سعى فله الثواب الجزيل بالتخفيف عن الأسرى وبرفع الحرج والمؤاخذة الشرعية عن غيره من عموم المسلمين، وإن قعد من تعين عليه ذلك فهو آثم مأزور كالقاعد عن غيره من فروض العين. وفي هذا الزمان هناك من تسببوا في سجن المئات بل الآلاف من المسلمين بحماقاتهم، والسجن بلاء كما قال تعالى -حكاية عن يوسف عليه السلام- «... وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ...» (يوسف:100)، ومن هنا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسعي في فك الأسرى، فإذا قام من يسعى في ذلك الذي هو واجب عليهم، أنكر عليه هؤلاء الحمقى وطلبوا منه السكوت، فهل هذا إلا من الجهل بالدين ومن قسوة القلوب؟! نصيحة 17) نصيحة لولاة الأمور في بلاد المسلمين: 1) تحكيم الشريعة الإسلامية: من واجبات الدين العظمى، يختل الإيمان بتركها أو بجحودها أو بتفضيل غيرها عليها، قال الله عز وجل: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (65)» (النساء:65)، وقال تعالى: «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)» (النور:51). وما تفرق المسلمون وما ذلوا ولا هانوا على الأمم إلا بتركهم تحكيم شريعة ربهم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «إنا قوم قد أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله»، وهذا مفهوم من قوله تعالى: «... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)» (النور:63)، وقال سبحانه: «وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)» (المائدة:49، 50). 2) تقليل المفاسد الظاهرة فيه خير للبلاد والعباد: فإن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أعلن بها أضرت الجميع، ولهذا فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» الحديث متفق عليه، وهم المظهرون للمعاصي، وأنتم ترون الآن الدول تدمر دولة تلو أخرى، وما ذاك إلا بسبب الظلم والذنوب والفساد فقد قال الحق عز وجل «...وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) « (القصص:59)، وقال تعالى «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)» (الإسراء:16)، ومعنى «أمرنا مترفيها» أي أمرناهم بالشرع بدلالة الآية قبلها «... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)» (الإسراء:15) «ففسقوا فيها» أي لم يلتزموا بالشرع. فدمرهم الله تدميرًا، فليحذر العقلاء والله يمهل ولا يهمل، وإذا كثرت المفاسد فإن الله يدمر البلاد، وإن وجـد فيـها الصالحون، كما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «أنهلك وفينا الصالحون؟» فقال (صلى الله عليه وسلم) «نعم، إذا كثر الخبث» متفق عليه، والمفاسد الظاهرة هي أكثر ما يستفز الشباب المتدين إلى الصدام مع السلطات في بلاد المسلمين إذ تؤدي إلى ردود أفعال عنيفة من جانب الشباب بما يضر السلام الاجتماعي. فتقليل الفساد الظاهر في وسائل الإعلام والأماكن العامة خير للبلاد والعباد، والله سبحانه حليم صبور، ولكنه سبحانه إذا أسف وأنزل نقمته طاشت لها العقول، قال تعالى «فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56) «(الزخرف:55، 56)، ولا يثبت للأعداء إلا الجندي ذو العقيدة، أما من نشأ على الخلاعة فإنه يفر من أول مواجهة. 3) تشجيع دعاة الإسلام وتيسير عملهم فيه خير كبير للبلاد والعباد. أما البلاد: فإن الله سبحانه قد قضى ألا يهلك البلاد وإن وجد فيها بعض المفاسد إذا وجد بها الدعاة المصلحون، كما قال سبحانه «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)» (هود:117)، فهؤلاء المصلحون يدفع الله بهم البلاء عن البلاد بدعوتهم ودعائهم، ويحفظ غيرهم بهم. وأما العباد: فإن عمل الدعاة إلى الله من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى تقليل معدلات الجرائم والانحرافات بأنواعها في البلاد، وهذا يخفف العبء الأمني من جانب، ويجلب الرزق الإلهي والبركة من جانب آخر حسب قوله تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ...» (الأعراف:96). وقـال تعالى: «وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً (16)» (الجن:16). 4) تقوية مناهج تدريس الدين الإسلامي. ورفع مستواها وبصفة خاصة في المعاهد والكليات الإسلامية (كالأزهر) لرفع المستوى الشرعي للخريجين والدعاة، مع رفع مرتباتهم وامتيازاتهم (بخلاف سياسة اللورد كرومر) لتعود إليهم ريادة الشباب والأمة، بما يحصن الشباب من الغلو والأمة من الانحرافات. 5) التخلص من البطالة. التي تدفع إلى اليأس والإحباط، وذلك باتخاذ كل التدابير الكفيلة بتنشيط الاقتصاد وزيادة فرص العمل لاستيعاب الشباب ويتبع ذلك تخفيف معدلات الفقر والجريمة والعنوسة والانحرافات الأخلاقية. 6) تولية الأكفاء الأمناء للمناصب أساس كل خير وصلاح وإصلاح. ولهذا كانت العدالة مشترطة فيمن يتولى الولايات على المسلمين -كما ذكرته في البند التاسع- كي يقدم مصالح الناس على مصلحته الخاصة. وجمع الله هذه الصفات في قوله تعالى: «...إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)» (القصص:26)، وقوله تعالى: «... لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)» (البقرة:124)، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قالوا: كيف إضاعتها؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «إذا وسد الأمر إلى غير أهله». الحديث متفق عليه. وفي قصة يوسف عليه السلام وما فعله من حسن التدبير لإنقاذ مصر من القحط والمجاعة الطويلة دليل على أهمية الإدارة الرشيدة في صلاح أحوال البلاد والعباد... وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» متفق عليه. 7) الوحدة العربية ضرب من الأوهام. لأنها لم تقم من قبل أبدًا، والتاريخ شاهد، «والعادة مُحكّمة»، وبالتالي فإنها لن تقوم، وعندما اجتمع العرب من قبل لم تكن تلك وحدة عربية ولا دولة عربية كبرى، وإنما اجتمعوا في دولة الخلافة الإسلامية هم والترك والعجم والكرد والبربر وغيرهم. وقد قال أبو عبد الرحمن بن خلدون في «مقدمته» «العرب شعب لا يجمعهم إلا دين» أ.هـ. ومن قبل هذا كله فقد قال الله عز وجل «...وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ...» (آل عمران:103)، وقال تعالى -ممتنا على نبيه (صلى الله عليه وسلم)- «...هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «(الأنفال: 62، 63). ولم يرفع هذه الشعارات إلا الاستعمار وأشياعه فرفعوا شعار «القومية العربية» منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي للوقيعة بين العرب والأتراك لتفتيت الدولة العثمانية، ونجحوا في ذلك في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، ثم رفعت بريطانيا ممثلة في وزير خارجيتها «إيدن» شعار «الوحدة العربية» عام 1941م لإجهاض أي محاولة لإحياء الخلافة الإسلامية بعد زوال الخلافة العثمانية، فرفعوا شعار «الوحدة العربية» لقطع الصلة بين العرب والعجم خصوصا أن مسلمي الهند كانوا من أشد المتحمسين لإحياء الخلافة، فجاء شعار الوحدة العربية بديلاً عن الخلافة وكان نواة ذلك تأسيس «جامعة الدول العربية» عام 1945م. هذه هي حقيقة الأمور وحقيقة الوحدة العربية التي لن تتحقق أبدًا إلا إذا عاد الناس إلى تحكيم شريعة ربهم فيؤلف بين قلوبهم كما فعل بأسلافهم. وإلا فإن البديل هو ما عليه الحال الآن من التفرق والتناحر واستعلاء الأعداء والتخلف، وقد قال الله عز وجل «...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد:11) خامس عشر: البشارة بانتصار الإسلام وظهوره وبقائه وبقاء أهله إلى آخر الزمان * قال الله عز وجل «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)» (التوبة:32، 33). وقد كان من ذلك ما شاء الله سبحانه فأكمل للمسلمين دينهم «... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً» (المائـدة:3)، وأيد رسوله صلى الله عليه وسلم ونصره على المخالفين، وأظهر دينه وأقام للمسلمين دولتهم وأمَّنهم بعد خوف وأغناهم بعد فقر، ثم جرى على المسلمين بعد ذلك من النكبات ما لا يخفى على ناقد بصير لمّا كثرت فيهم الذنوب والمعاصي كما قال الحق سبحانه «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» (الإسراء:7)، وقال تعالى «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» (الشورى:30)، ولما أصيب المسلمون في غزوة أُحد قال الله تعالى لهم «قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ» (آل عمران:165)، بيد أن الهزيمة في «أُحد» لم تكن نهاية المطاف، وامتن الله عليهم بعد ذلك بالنصر والظهور، وكذلك ما عليه المسلمون اليوم من الضعف والتفرق والخذلان ليس هو نهاية المطاف، فالخير باقٍ في هذه الأمة والنصر قادم بإذن الله تعالى كما بشرنا بذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم. التاريخ السياسي للإسلام 1ـ وقد أوجز النبي صلى الله عليه وسلم التاريخ السياسي لأمة الإسلام في حديث صحيح ذكر فيه تسلسل مراحله؛ من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض إلى الملك الجبري إلى خلافة على منهاج النبوة (هذا الحديث رواه أحمد في المسند بإسناد حسن)، وعصرنا الحاضر هو عصر الملك الجبري في معظم بلدان المسلمين، فلابد أن تعقبه خلافة على منهاج النبوة لا شك في قدومها طال الزمان أم قصر، وهذه الخلافة المرتقبة ليست هي خلافة خليفة الله المهدي رضي الله عنه، وإنما هي قبله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «يظهر المهدي عند موت خليفة» (أورده ابن كثير رحمه الله في كتابه: النهاية، وقال: إسناده جيد قوي) وسوف تمتلئ الأرض عدلاً ورخاءً بعدما ملئت ظلمًا وجورًا، بشرنا بذلك كله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال «يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان يحثو المال ولا يعده» رواه مسلم. و«الحثوة» هي الحفنة. 2ـ وفي السنة التقريرية: إن الخلافة قد تنقطع من الدنيا في بعض الأزمنة، كما في الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال «فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟» الحديث متفق عليه، بيد أنه ومع انقطاع الخلافة أحيانا لا ينقطع الإيمان والمؤمنون من الدنيا أبدًا وإلى قرب قيام الساعة حين تهب الريح الطيبة التي تقبض أرواح جميع المؤمنين في الدنيا وذلك بعد التميز الكامل للناس إلى مؤمن وكافر بطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ولا يبقى على الأرض إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة، صح الحديث بذلك عند مسلم رحمه الله، فلا تقوم القيامة وعلى الأرض مؤمن، أما قبل ذلك فلابد من وجود الإيمان والمؤمنين في الدنيا. أهل العلم 3ـ وكذلك أهل العلم بالدين باقون لا ينقطعون من الدنيا: كما ورد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله» قال البخاري: «وهم أهل العلم»، وهذه رواية من روايات حديث الطائفة المنصورة. 4ـ وكذلك حجة الله تعالى على خلقه باقية إلى آخر الزمان حتى لا يسقط التكليف الشرعي بذهاب الحجة، وتبقى حجة الله تعالى قائمة بحفظه سبحانه لكتابه كما قال جل شأنه «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)» (الحجر:9)، وببقاء العلماء في الدنيا كما في الحديث السابق «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله» واستنباطًا منه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة» وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله «يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (رواه الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه: شرف أصحاب الحديث)، فالقرآن والعلم والعلماء باقون إلى آخر الزمان بفضل الله تعالى. 5ـ وكذلك الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد في سبيل الله تعالى ماض لا ينقطع من الدنيا بالكلية إلى آخر الزمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم» وقد أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد من صحيحه في باب «الجهاد ماض مع البر والفاجر»، وهذه العبارة من اعتقاد أهل السنة والجماعة، وفي رواية لحديث الطائفة المنصورة في سنن أبي داود رحمه الله بيّن النبي صلى الله عليه وسلم استمرار الجهاد في هذه الأمة حتى قتال الدجال بعد خروجه فقال صلى الله عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال» وسوف يكون هذا بإذن الله بعد نزول المسيح عليه السلام من السماء وفي زمنه، وهو الذي سيقتل الدجال بيده الكريمة وهذا نهاية الجهاد في سبيل الله في الدنيا، وبعده سيخرج يأجوج ومأجوج وسيهلكهم الله بالأسباب السماوية من دون قتال كما سبق القول، وعند نزول المسيح عليه السلام من السماء ستكون الإمارة الإسلامية قائمة، وفي الصحيح أن المسلمين يقدمون المسيح عليه السلام ليصلي بهم إمامًا فيأبى ويقول لهم «بل بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة» رواه البخاري، فيصلي المسيح عليه السلام خلف إمام المسلمين حتى لا يتوهم أنه قد جاء مبتدئًا شرعًا جديدًا بل ينزل متبعاً لشريعة محمد، إذ لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم. القرآن باقٍ فالخير لن ينقطع من الدنيا، والقرآن باق ومحفوظ من التبديل، والعلم والعلماء باقون وحجة الله على خلقه لا تنقطع، والجهاد ماض، والخلافة قادمة بإذن الله، وأمة الإسلام باقية ولا ينقطع الإيمان وأهله من الدنيا، وكل هذا إلى آخر الزمان حين تهب الريح الطيبة، وفي زماننا هذا بالرغم من الضعف الذي أصاب المسلمين فلن نكون بإذن الله أقل ثقة بالله من عبد المطلب لما قال لأبرهة الحبشي «إن للبيت رباً وسيمنعه» فنحن أيضًا نقول «إن للإسلام ربًا وسينصره»، فالنصر قادم للإسلام والخلافة قادمة بإذن الله، والله سبحانه ينصر دينه بمن يشاء وقتما يشاء وأينما يشاء «ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة» حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجة. ولا ينبغي أن يدفع الاستعجال أو الرغبة في الانتقام من أعداء الله بالمسلمين إلى سلوك وسائل غير شرعية أو الوقوع في العدوان المنهي عنه أو تكليف أنفسهم أو غيرهم بما لا يطاق. وما لم يدركه المسلم من أحداث آخر الزمان المذكورة في هذا البند لا يجب عليه منها شيء إلا الإيمان الخبري الاعتقادي بما صح منها، أما ما يجب على المسلم والذي سيحاسبه الله عليه وهو ما ينبغي أن يشغل نفسه به فهو معرفة واجب وقته، فيتعلم ما أوجبه الله عليه في وقته ويعمل بما يستطيعه منه في حدود قدرته وطاقته قال تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (التغابن:16)، وقال سبحانه «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (الملك:2). اتقاء الله مع الأعداء ومع نصيحتنا للمسلمين بعدم الوقوع في العدوان المنهي عنه، وأن يتقوا الله حتى مع أعدائهم، فإننا ننصح أيضًا الدول غير الإسلامية بعدم العدوان على المسلمين وعدم ترويعهم في بلادهم وعدم قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال وعدم تخريب بلاد المسلمين وممتلكاتهم، لأن بعض المسلمين يعتقد أن الرد بالمثل جائز في هذه الحال ويستدلون بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» (البقرة:194)، وإن كان هذا لا يجوز على إطلاقه في شريعة الإسلام لأن تكملة الآية السابقة هي: «وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ » (البقرة:194)، والعدوان ليس من التقوى.. كما نقول لرعايا الدول غير الإسلامية... لا تنتخبوا المتطرفين لزعامة بلادكم لأنكم قد تدفعون ثمن ذلك إذا هاجم زعماؤكم المتطرفون بلاد المسلمين فإن بعض المسلمين يعتقدون أنكم مسئولون عن أعمال زعمائكم لأنكم انتخبتموهم وتدفعون لهم الضرائب، فأقول لرعايا الدول غير الإسلامية لا تستفزوا المسلمين ولا تسيئوا إلى دين الإسلام ولا إلى نبي المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم ولا تنتخبوا المتطرفين لقيادتكم، لأنه إذا كان لديكم مجانين فإن المسلمين لديهم مجانين أكثر، وإذا كانت لديكم أسلحة متطورة فإن الضعفاء والمسلمين لديهم أسلحة فتاكة ومنها حب الموت والعمليات الفدائية، فليحذر عقلاء كل قوم...ومع ذلك فإننا ننهى المسلمين عن أي تجاوز للشرع، وإن كان أعداؤهم يفعلون ذلك، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المعاملة بالمثل والجزاء من جنس العمل ليس مطلقًا، وليست عقوبة من سرقك أن تسرقه، وضرب أمثلة أخرى، فالوقوف عند حدود الله واجب على كل حال، قال الله تعالى «وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ » (النساء:14). ومن حق كل أمة أن تدافع عن كيانها ضد المعتدين، وإذا كان هذا حقًا طبيعيًا اتفق عليه الناس فإنه يرتقي عند المسلمين إلى مرتبة الواجب الشرعي، وقد قال الله تعالى «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ» (الأنفال:60)، فإرهاب الأعداء واجب شرعي، وهو ما يعرف في المصطلح المعاصر بالردع العسكري، فإرهاب الأعداء من الدين بنص قوله تعالى: «تُرْهِبُونَ بِهِ» (الأنفال:60) ومن أنكره فقد كذب بالقرآن وخرج من ملة الإسلام كافرًا بدليل قوله تعالى: «وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ » (العنكبوت:47)، ونحن لن نبدل ديننا لترضية الأعداء الذين لا يرضون إلا بإذلال المسلمين، ولكن الإرهاب الشرعي له ضوابط فلا يحل فيه الغدر ولا العدوان كما سبق بيانه. الجهاد في فلسطين وقد قال الله تعالى «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ » (البقرة:251)، فلولا الجهاد في فلسطين لزحف اليهود منذ زمن على الدول المجاورة، ولولا الجهاد في العراق لزحفت أميركا على سورية منذ زمن ولاستعبدت شعوب المنطقة، فلا يحل لمسلم أن يطعن في فرائض الشريعة كالجهاد وإرهاب الأعداء إذ بذلك يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة توليه الخلافة «ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا». وبهذا تكون قد انتهت بنود هذه الوثيقة (وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم)، وبقيت بعض التنبيهات من كاتبها. التنبيه الثالث من الدكتور فضل في الرد على التخوف من أن هذه الوثيقة قد تثبط المجاهدين عند كتابتي لهذه الوثيقة لترشيد العمل الجهادي قابلت بعض المنتسبين إلى الحركة الجهادية بمصر في السجون واستطلعت آراء الموافقين والمتخوفين من تبني الفصائل الجهادية بمصر للتوجه السلمي نحو الحكومة المصرية، ولم أجد لدى المتخوفين حجة شرعية تمنع هذا التوجه إلا شبهة واحدة لهم وهي «سد الذريعة»، وقالوا إن المسائل التي ستشتمل عليها هذه الوثيقة قد تؤدي إلى تثبيط المجاهدين، فلا داعي لكتابتها سدًا لتلك الذريعة، والجواب عن هذه الشبهة من وجوه ثلاثة: أولاً: لو افترضنا صحة قولهم وتخوفهم فإن القاعدة الفقهية تنص على أن «ما يحرم سدًا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة» ذكرها ابن القيم في «إعلام الموقعين ج2»، ومثال ذلك: النظر إلى المرأة الأجنبية يحرم سدًا لذريعة الزنا «أي أنه محرم لغيره لا لذاته» ولكن يباح منه نظر الخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر الحرام نظرًا إلى المصلحة الراجحة في ذلك، ولا شك في أن ما تشمل عليه هذه الوثيقة من ترشيد مصلحته أرجح بإذن الله من التثبيط المتوهم. ثانيًا: إنه قد تقرر في نصوص الشريعة أن منع المخطئ وزجره عن الخطأ هو نصرة له لا تثبيط كما يظنه هؤلاء. وذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» فقالوا: كيف أنصره ظالمًا؟ قال صلى الله عليه وسلم «تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره» رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، فإرشاد المخطئ إلى خطئه نصرة له لا تثبيط. ألم ترَ كيف أن خبيبا رضي الله عنه أبى أن يقتل صبيًا من أبناء المشركين كما ذكرته من قبل، والآن يوجد من يقتل المئات بمن فيهم النساء والأطفال والمسلم وغير المسلم بدعوى الجهاد! ثالثًا: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثبطًا للمجاهدين والجهاد عندما أنكر على أسامة وقال له «فكيف تصنع بلا إله إلا الله»، وعندما قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»؟ فما رد أصحاب هذه الشبهة على هذه الأحاديث الصحيحة؟ فائدة في الفرق بين المؤمن والكافر في البراءة: لا يحـل لمسلم أن يتبرأ من مسلم وإنما يتبرأ من معصيته إن عصى، يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» فلم يتبرأ من خالد نفسه وإنما من عمله عملاً بقول الله تعالى: «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (*) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ » (الشعراء:216،215)، أما الكافر فإن المسلم يتبرأ منه ومن عمله كما قال تعالى «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» (الممتحنة:4)، وكما قال تعالى -عن امرأة فرعون-: «وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ» (التحريم:11). وهناك من قال لي لماذا لا يكون نصح المخطئين في السر لا بالكتابة المعلنة؟، وجوابه من وجهين: أولاً: أنه إنما يُنصح في السر من أذنب في السر، أما المجاهر أو المفاخر بذنبه فيجب نصحه والإنكار عليه علناً كي لا يقلده غيره، كما ذكره النووي في ما يجوز من الغيبة في «رياض الصالحين» وقد نقله عما ذكره أبو حامد الغزالي في «إحياء علوم الدين»، هذا عند تعيين شخص المخطئ، أما مع عدم التعيين فلا يرد الخلاف في الإسرار والإعلان، وهل تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) في أخطاء أسامة بن زيد وخالد رضي الله عنهما سرًا أم أنكرها علانية رغم تعيينهما من أجل المصلحة العامة ليُحذر غيرهما؟. ولكن قومًا يخافون على وجاهتهم أكثر من حرصهم على نصح المسلمين. ثانيًا: أنه لا سر في نقل العلم الشرعي إلى الناس حتى لا يندرس العلم ويُنسى، كما نقل البخاري في صحيحه عن عمر بن عبد العزيز رحمهم الله قوله «ولتُفشوا العلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا» أ.هـ. وكيف يعلم بقية الناس بل الأجيال القادمة الصواب من الخطأ إذا كان كل النصح والإنكار في السر؟ وهل يُثمر هذا إلا تكرار الأخطاء في كل جيل؟. والأحكام الشرعية لا تبني على الحماسة والأوهام وإنما على الأدلة الشرعية وإن جاءت على خلاف مراد النفس وهواها، فهذا هو مقتضى التكليف وحقيقة العبودية لله وحده لا شريك له. وكما ذكرت في أول هذا التنبيه فقد قابلت المتخوفين والمترددين في تبني التوجه السلمي، وذكرت لهم الأدلة على ذلك بحسب ما أوردته في هذه الوثيقة، ولم أجد لديهم لا علمًا شرعيًا ولا حجة يعتمدون عليها، ومازلت أقول لهـم ولكل مخالف قول الله تعالى «قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ » (البقــرة:111)، وقول الله تعالى: «قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ» (الأنعام:148). وقد تقرر في الشريعة أن كل من بلغه الحق بالدليل الشرعي فأعرض عنه بغير حجة شرعية فإنما هو متبع لهواه، وهو من الظالمين الضالين، كما قال الله عز وجل «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » (القصص:50)، وقال الله سبحانه «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (الروم:29). خاتمة وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم قال الله عز وجل «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)» (الصف:10-13). ولما كان الجهاد فريضة ماضية في أمة المسلمين حتى آخر الزمان، وقد شابته مخالفات شرعية جسيمة في السنوات الأخيرة، فقد وجب التنبيه عليها والتحذير منها، وقد كان هذا هو الباعث على كتابة هذه الوثيقة التي أرجو أن ينفع الله بها الإسلام والمسلمين، إنه قريب مجيب. وقد كتبت كل هذه الوثيقة من الذاكرة بحسب ما تيسر وذلك لعدم وجود مراجع شرعية وقت كتابتها نظرًا لظروف السجن، وبالتالي فإن ما في هذه الوثيقة من أحاديث نبوية أو نقول عن العلماء أكثرها بالمعنى لا باللفظ وذلك بما لا يخل بمضمونها إن شاء الله، نظراً إلى عدم توافر المراجع، وقد توخيت فيها الاختصار غايتي، فجاء كلامي في مواضع كثيرة على سبيل الإشارة فقط، كما لم أذكر كثيرًا مما أتذكره من أقوال علماء السلف خشية الإطالة واعتمدت أساسًا على ما يُحتج به وهو الكتاب والسنة، أما أقوال أهل العلم فلا حجة فيها وإنما هي للاستئناس وللتفهيم. وما لم أتذكر تخريجه من الأحاديث في هذه الوثيقة هو في معظمه من الحديث المقبول، وأحيانًا أذكر جزءًا من الحديث وهو موضع الاستدلال منه من أجل الاختصار عملاً بمذهب من أجاز ذلك كالإمام البخاري رحمه الله. هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وعلمه تعالى أتم وأحكم، وبالله تعالى التوفيق. «رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ »، «وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة:128،127) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. كتبها: الدكتور فضل وهو: السيد إمام بن عبد العزيز الشريف المعروف بعبد القادر بن عبد العزيز في يوم الخميس 18من صفر 1428هـ الموافق 8 مارس2007م الموقعون على هذه الوثيقة نوافق على بنود هذه الوثيقة ونعلن التزامنا بها، وندعو جميع المهتمين بالجهاد وعموم المسلمين في مصر والعالم إلى الالتزام بما ورد فيها من ضوابط شرعية لترشيد الجهاد. وقد قام بالتوقيع بالموافقة على ما ورد في هذه الوثيقة المئات من الأفراد المنتسبين إلى الفصائل الجهادية المختلفة بمصر، وأسماؤهم وتوقيعاتهم مودعة لدى الجهات المختصة بمصر. -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Alshiekh بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 وهذا هو رد هانى السباعى المناضل الجهادى الآخر والذى لم يعجبه مراجعات سيد أمام ، فيكشف مانود ان نكشفه ولكنها هنا " شهد شاهد من أهلها " هاني السباعي يرد على سيد إمام حوار «الحياة» مع سيد إمام (من 7/12 الى 13/12/2007) تمحور حول المعترضين على وثيقة «ترشيد العمل الجهادي» التي كتبها أخيراً، ولاحظنا أن رده كان بمنتهى العنف والقسوة والتجريح والطعن برافضي تراجعاته! فلم نجد دليلاً شرعياً معتبراً استدل به، إذ يكرر الشبهات التي قالها في الوثيقة. ولم يأت بجديد إلا الطعن في دين المعترضين وأخلاقهم ولم يجد نقيصة في قاموسه إلا اتهمهم بها، مما يوجب محاكمته شرعياً. لنفترض أن جماعة الجهاد أخطأت، لأنها حذفت بعض العبارات من كتابه ارتأت أن لا توافق عليها كجماعة لها اعتبارها، إضافة إلى أن هذا الكتاب «الهادي إلى سبيل الرشاد» لم يطبع منه إلا 50 نسخة تقريباً! ولا يوجد له أثر الآن! والمشهور هو كتاب «الجامع» المطبوع من دون حذف والموجود على شبكات النت. فلمَ هذه الحرب الضروس! ولمَ لا تتأسى يا سيد إمام بشيخ الإسلام ابن تيمية الذي زور عليه خصومه من العلماء والقضاة فتاوى هو براء منها! وحاكموه عليها وزجوا به في سجون مصر والشام! وعلى رغم ذلك عفا عنهم وقال لست أحمل في صدري ضغينة عليكم ودعا لهم بخير! فأين أنت يا فضل من أخلاق العلماء وفضائلهم؟ وللتعليق على ما ورد في الحوار مع الدكتور سيد إمام أقول: أولاً: إثبات أن نصوص كتابيه «العمدة» و «الجامع» فيها تناقض وتحتاج إلى جواب: أكد د. فضل في الحلقة الثانية من الحوار «التنبيه الأول، على مؤلفاتي الإسلامية، وأنها مجرد نقل علم إلى الناس لا فتاوى، وما فيها من أحكام فهي مطلقة لا تنزل على المعيّنين إلا من عالم مؤهل ولست منهم، وأن أي شيء من مؤلفاتي يخالف الدليل الشرعي الصحيح السالم من المعارض فأنا راجع عنه». وهذه عينة أتركها لفطنة القارئ: (أ) الانتفاع بالمال الحرام في الجهاد: قال سيد إمام في العمدة: «مسألة: هذا، وكان أحد الأخوة قد سألني عن رجل أصاب مالاً حراماً، أو يغلب على كسبه الحرام، هل يقبل منه تبرعات للجهاد مع العلم بهذا؟ أنه يجوز أن يقبل المال الحرام للنفقة في سبيل الله» («العمدة»: ص44). (ب) الاستيلاء على أموال الكفار: قال د. فضل في العمدة: «كما يجب على المسلمين السعي في الاستيلاء على أموال الكافرين بالقهر (وهي الغنيمة) وبالحيلة ونحوها (وهي الفيء)، وقد خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) للاستيلاء على أموال قريش ليستعين بها المسلمون فكانت وقعة بدر» («العمدة»: ص280). (ج) التحريض على عدم دفع الضرائب والجمارك: قال في العمدة: «ويحرم على كل مسلم دفع الأموال لهؤلاء الطواغيت في أي صورة من جمارك وضرائب ونحوها إلا مضطراً أو مكرها» («العمدة»: ص280). (د) وجوب إذن الوالدين: يقول د. فضل في حواره في «الحياة» - الحلقة الثانية: «لا يجوز الخروج إلى الجهاد إلا بإذن الوالدين وإذن الدائن، لأن بر الوالدين فرض عين ولهما حق في ابنهما فلا يخرج إلى الجهاد إلا بإذنهما». لكن إذا رجعنا إلى كتابه «العمدة» نراه يقول: «قلت: هذا إذا كان الجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد تسقط أربعة شروط من هذه التسعة وهي: الحرية والذكورية وإذن الوالدين وإذن الدائن، وتكون شروط وجوب الجهاد العيني خمسة فقط وهي: الإسلام والبلوغ والعقل والسلامة من الضرر ووجود النفقة، ويسقط كذلك شرط وجود النفقة وتصير الشروط أربعة فقط إذا دهم العدو بلاد المسلمين ولم يكن هناك خروج إليه، وهذا أحد مواضع الجهاد العيني». وقوله في حوار «الحياة» مخالف لرأي جمهور العلماء الذين قالوا إن اشتراط إذن الوالدين في الجهاد الكفائي وليس في جهاد الدفع! يعني: هل يجب أن تستأذن والديك إذا أردت الصلاة؟ بالطبع لا، وإن رفض أبوك ذلك لأن الصلاة فرض عين. وهكذا الجهاد إذا تعين، أي صار فرض عين! ولعل سائلاً يسأل سيد إمام: عندما كنت أميراً لجماعة الجهاد هل كان الشباب الذين يذهبون إلى أفغانستان يستأذنون آباءهم وأمهاتهم أم لا؟ الحقيقة المرة أن معظم هؤلاء الشباب المصريين إن لم يكن كلهم لم يستأذنوا ذويهم، لأنهم يعلمون أن أهلهم سيرفضون ذهابهم إلى أفغانستان. وبعض هؤلاء الشباب استشهد في معارك جلال آباد وخوست وقندهار، فهل أخطأوا وخالفوا الشرع لأنهم لم يستأذنوا آباءهم، أم أنهم شهداء أتقياء بررة؟ لأن الدكتور فضل اشترط إذن الوالدين في جهاد الدفع! فإذا قال الدكتور فضل إن الجهاد في أفغانستان كان جهاداً كفائياً فجمهور العلماء متفقون على اشتراط إذن الوالدين! وفي هذه الحالة يعتبر الدكتور سيد إمام مغرراً بالشباب عندما كان أميراً وحرضهم على الذهاب إلى أفغانستان من دون إذن ذويهم. وأما إذا قال إن الجهاد في أفغانستان عندما كان أميراً لجماعة الجهاد كان جهاداً عينياً، أي فرض عين! فقد وقع أيضاً في خطأ جسيم، لأنه الآن اشترط إذن الوالدين وهو ما لم يقل به جمهور العلماء؟! إذاً فدم هؤلاء الشباب مرهون في عنقه لأنه غرر بهم، ومن حق ذويهم أن يحاكموه على تغريره بأبنائهم! (هـ) القوة هي السلاح وليست التربية: في رده على الشيخ الألباني الذي كان يشترط العلم والتربية قبل الإعداد والجهاد، يقول د. فضل في «العمدة»: «فطريق الخلاص من كفر الحكام هو الخروج عليهم بالسلاح، وهذا واجب إجماعاً عند القدرة وليس طريق الخلاص مجرد التربية». («العمدة»: ص294). (و) أنصار الطواغيت كفار: غلاف كتاب الجامع قال سيد إمام في كتابه «الجامع»: «وخلاصة القول في هذه المسألة (حكم أنصار الطواغيت) وهم هنا أنصار الحكام المرتدين: إن كل من نَصَر الحكام المرتدين وأعانهم على محاربة الإسلام والمسلمين بالقول أو بالفعل فهو كافر في الحكم الظاهر» («الجامع لطلب العلم الشريف»: ج2 - ص625). ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتابيه «العمدة» و «الجامع»، سيجد أحكاماً لم يتكلم عنها وتعمد إغفالها في وثيقته وحواره مع «الحياة»! واهتم فقط بسب المعترضين على وثيقته وطعنهم! ثانياً اللجوء السياسي: قال إمام في حواره في الحلقة 3: «أما الذين هربوا لعمل لجوء سياسي في بلاد الكفار لتأمين المم (وهو الطعام بلغة الأطفال في مصر) لأولادهم من دون وجود أي خطر عليهم أو عند بوادر الخطر، لا يكون مثل هؤلاء قيادة». فهل هذا الكلام (المم)! يليق بمن يزعم أنه ناقل علم؟ ويقول: «والذين لجأوا إلى بلاد الكفر ورضوا بجريان قوانين الكفار عليهم طواعية لا يكونون قادة». بصريح العبارة الدكتور سيد إمام يكفر العبد الفقير! وقد كرر هذا الموضوع مرات عدة في حواره، ولإيضاح الحقيقة أقول: (أ) كنت تكلمت مع إمام في موضوع اللجوء وقلت له إن أيمن (الظواهري) ينصح بعدم اللجوء إلى الدول الأوروبية لأنه يخشى على أولادنا في المستقبل! فقال والله شهيد على ما أقول: بالعكس هذه الدول الأوروبية لها قوانين تحترمها ولا تعيد من لجأ إليها إلى بلادهم، عكس الدول العربية التي لا تحترم قوانين اللجوء، ولكن أرى أن تكون نية الإقامة في أوروبا موقتة وليست مؤبدة، بحيث إذا فتح الله على المسلمين في أي بلد وصار هناك أمان وعدم خوف فيجب الهجرة إلى هذا البلد! هذا قريب مما قاله لي شخصياً الدكتور إمام في تلك الفترة! ثم نجده الآن يحرف ويفتي ويكفر لمجرد أن كتبت تعليقاً أولياً على وثيقته التي استقبلت بزفة مريبة على رغم أنني لم أتعرض بجرح لشخصه ولم أتبن رأياً بعينه، بل كنت مجرد معلق على الحلقة الأولى فقط، فإذا به يتميز غيظاً في حواره مع «الحياة» عبر ست حلقات لم يقدم شيئاً إلا السباب والتخوين والعمالة لمخالفيه! مما يجعل القارئ المحايد يدهش لو كان هذا الرجل زعيماً لعصابة «الكلوكوكس كلان» التي نشرت الذعر لدى السود الأميركيين في القرن المنصرم لما تفوه بهذا الطعن في خيار من نصّبوه يوماً زعيماً عليهم!. (ب) أرسل إليّ رسالة بخط يده بعد مشكلته مع الجماعة في كتاب «الجامع» مؤرخة في المحرم من 1416 هـ يمدح عقلي مع فاصل من الشتائم والتخوين للجماعة ثم سلام على الأهل وطلب أن أراسله، وهنا مقتطفات من هذه الرسالة: «أخي الكريم حفظه الله ورعاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة إليكم وأسأل الله أن تصلك رسالتي هذه وأنت في خير حال، كما أسأله سبحانه أن يشملك بحفظه وعنايته وأن يتم عليك عافيته في الدنيا والآخرة وأن يقيك من مضلات الفتن». وفي فقرة أخرى من الرسالة: «وما زلت أخي الكريم أرى لك عقلاً وأتوسم فيك خيراً، لأجل هذا كتبت إليك». وفي ختام الرسالة يقول: «وأسأل الله أن يحفظك وأهلك وأولادك في تلك البلاد التي أنت فيها وأن يقيكم من فتنها ومن كل فتن. وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوكم أبو يوسف المحرم 1416هـ». وكتب في هامش الرسالة: «أرجو المراسلة على العنوان التالي: اليمن ـ صنعاء ـ ص ب (13054) خاص بالدكتور أبو يوسف». انتهت فقرات من الرسالة. مع ملاحظة أن يوسف هو ابن د. سيد إمام الذي كان يكنى به. (ج) اتصل ابنه إسماعيل بي من اليمن منذ أشهر هذا العام 2007 قبل نشر «وثيقة الترشيد»، وقال إن والده يسلم علي ويخبرني ألا أصدق ما تنشر الصحف عن سير أبيه في مراجعات على غرار مراجعات الجماعة الإسلامية! فقلت له كيف اتصل بك والدك: قال من السجن! قلت له سلّم عليه وقل له: هل تبرأت من كتابيك «العمدة» و «الجامع»؟ قال لا. هو يريد فقط وقف العمل المسلح. قلت له هذا ليس بجديد، فقد أعلن أيمن (الظواهري) عام 1995 وقف العمل المسلح في مصر لعدم القدرة! لكنني أطلب منك أن تسأله بصراحة هل تبرأ من كتابيه أم لا؟. ثم اتصل بي في غضون أسبوع من هذه المكالمة وأكد لي أنه سأل أباه فقال له: لا لم أتبرأ من كتبي! الشاهد هنا أن آخر اتصال كان في تموز (يوليو) الماضي 2007، فإذا كنت بهذه الصفات التي وصمني بها، فلماذا يكلف ابنه الاتصال بي بل يطلب مني طلباً قلت له أنا مجمد مالياً بموجب قرار من مجلس الأمن. وهكذا كاد الأمر يسير هادئاً لولا أن كتبت تعليقي الأولى على «وثيقة الترشيد» في 18/11/2007، فإذا بالدكتور فضل يتخذني غرضاً لسبابه في حواره مع «الحياة». (د) العجيب أن د. فضل لم يوجه لإسلامي مقيم في أوروبا كلاجئ سياسي أي لوم أو عتاب وكأنه لاجئ في مكة المكرمة، لأن هذا الأخ من (بلدياته) وعلى نفس الهوى! سيد إمام ثالثاًَ: استقالة أمير لم يتبعه أحد: لقد كانت استقالة د. فضل سنة 1993 بعد تذمر مجموعة من الشباب من طريقة إدارته وعدم الاستجابة لطلباتهم، وملخص هذه القضية على النحو الآتي: كان الشيخ أبو عبيدة البنشيري رحمه الله، عقد مجلس صلح بين الطرفين لتهدئة الأمور. طلب الشباب أن ينزل فضل من باكستان لأنه هو الأمير ليحسم الأمور، وينتقل إلى السودان، لكنه رفض أن يأتي لتسوية المشكلة. وكان فريق المتذمرين طالبوا أن يقدّم فضل استقالته. ولما اتصل به أبو عبيدة بأن يجب أن ينزل ليحل هذه المشكلة قال: افصلوهم! ثم لما ألحوا عليه قال: أنا مستقيل، واختاروا أميراً فيما بينكم. قال لهم هذا الكلام عبر الهاتف، وأبلغهم إياه الشيخ أبو عبيدة! لقد أثرت هذه الاستقالة في نفسية فضل لأن لم يتبعه أحد لا من المؤيدين ولا من المعترضين! بل العكس، رجع معظمهم وبايعوا أيمن الظواهري! كان الآخر الذي يتهمه بالخيانة، أي أيمن، يشارك الشباب أفراحهم وأحزانهم، يسافر معهم كمرافق ومترجم للجرحى الذين كانوا يعالجون في أوروبا أثناء الجهاد الأفغاني! كان يخاطر بنفسه في الجبهات الأفغانية ويشرف على المعسكرات ويقيم العلاقات مع التيارات الإسلامية المختلفة لمصلحة الجماعة! وفي المقابل كان د. فضل يجلس مرتاحاً في بيته الفسيح في باكستان مع تعيين خدمة خاصة له ولأهله! كان أيمن قدم نفسه وماله وأولاده لله محتسباً راضياً وهو ابن الأكارم ربيب بيوتات العز والأصالة! تعيش زوجته الشهيدة، نحسبها كذلك، على صفيحة جبن لمدة شهرين وفي شظف عيش لا يطاق! وفي المقابل كان فضل تخصص له سيارة خاصة لشراء ما يلزم من حاجيات وخيرات! كان أيمن ابتلي وسجن في أحداث 1981، وفي المقابل كان د. فضل قد هرب من جميع الساحات التي عاصرها. هرب من مصر عام 1982، ولم يذكر شاهد معتبر أنه شارك في معارك العرب الشهيرة في جلال آباد وخوست وغيرها! وذكر ابنه في حوار له أخيراً أنه عرض عليه أن يلحق بهم في أفغانستان وأرسلوا له شريط فيديو مصوراً.. لكنه آثر القعود! يعيب د. فضل على الذين يفندون أباطيله في أوروبا وغيرها ويقول لماذا لا تنزلون إلى مصر ونرى جهادكم! سبحان الله! ولماذا لم تنزل طواعية وأنت لم تكن محكوماً عليك إلا في قضية «العائدون من أفغانستان» عام 1999 يوم كنا في أوروبا وراء القضبان؟ ولماذا لم تنزل طواعية إلى مصر قبل أن يرحلوك من اليمن قسراً عام 2004 وتنكص على عقبيك؟ رابعاً: اتهامه الأخيار بالعمالة والخيانة: كان إمام أميراً للجهاد من عام 1987 إلى منتصف عام 1993، وفي تلك الفترة كان حليفاً للشيخ أسامة بن لادن الذي دعمه مالياً، ثم نراه يتهمه ويتهم معه أيمن بالعمالة للاستخبارات الباكستانية والسودانية! لكن، لماذا سكت كل هذه المدة ولماذا لم ترجع إلى بلدك، ولماذا لم تستقل من الإمارة، إلا بعد أن طالبك المتذمرون من الشباب بالاستقالة؟! خامساً: أين اختفى عبد العليم؟ لعل د. فضل يعلم من هو «عبد العليم»، ذلك الشاب المصري الذي كان يعمل تحت إمرته في باكستان وأثيرت إشاعات بأنه عميل للاستخبارات المصرية! ثم فجأة اختفى نهائياً، وقيل إن جماعة الجهاد التي كنت أنت أميرها وذلك عام 1991 صفّته جسدياً! وقصة عبد العليم يعرفها معظم الشباب الذين كانوا في باكستان في تلك الفترة! فأين ذهب عبد العليم؟ وهل أخبرت أهله بما حدث له؟ ومن المسؤول عن دمه أيها الأمير السابق؟! سادساً: الشماتة بمقتل الدويدار: هل وصل بك الأمر أن تشمت في مقتل مسلم برئ كان يرعى أولادك ويدافع عنك في غيابك! ثم تتهمه بأنه نشر مقالك عن «الإرهاب من الإسلام»! الذي تكفر فيه من يرى خلاف ذلك وتشيد بأحداث أيلول (سبتمبر) 2001؟ وقد نشر هذا المقال عقب اعتقال فضل مباشرة سنة 2004، والذي نشره هو الشخص المفضل للدكتور سيد إمام الذي نشر له كتاب «الجامع» وليس الشهيد، نحسبه كذلك، المظلوم أحمد بسيوني الدويدار الذي قتلته قوات الأمن اليمنية في 4/7/2007. انظروا ماذا يقول في حواره في «الحياة» - الحلقة الخامسة: «كما أنني دعوت الله على الذين خانوا الأمانة ونشروا مسودات ناقصة لي بغير إذني مكراً منهم منتصف عام 2007، دعوت الله أن يكفينهم بما شاء، فما أمهلهم الله شهراً حتى سقط أحدهم قتيلاً، وشرد الله بقية الخائنين». ما شاء الله على البركات والدعاء المستجاب! بركاتك يا شيخ فضل! لكن هل لك أن تخلص نفسك من السجن وتدعو على الذين سجنوك؟ هل لك في تخليص الأمة في مشارق الأرض ومغاربها بالدعاء على المحتلين لفلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان؟ مجرد دعاء أرض - جو عابر للقارات، وإن مرة واحدة لكي تتحرر بلاد المسلمين من المحتلين والمستبدين وكفى الله المؤمنين القتال!! سابعا: غمزه ولمزه للمعارضين على وثيقة العار في دينهم وأخلاقهم: انظروا ماذا يقول في حوار «الحياة» - الحلقة الثانية: «ومنهم من لا يريد أن يخرج من السجن لأنه لا عمل له ولا وظيفة خارج السجن، في حين أن السجن يضمن له السكن والطعام كما تأتيه بعض التبرعات من المحسنين». هل يقول هذا الكلام شخص انتسب يوماً إلى أخلاق أهل العلم؟ ثم اتهامه القيادي أحمد سلامة مبروك الذي اعترض على وثيقته المشؤومة، بأنه تسبب في القبض على ألف شخص! وقد برئ أحمد سلامة مبروك من التهمة بتحقيق موسع عام 1993، ومشهور بين الثقات! اتهامه المهندس محمد الظواهري بأنه كان يحب الراحة والإقامة في الإمارات، وهو يعلم قصة المهندس محمد الظواهري وكيف وصل إلى اليمن ثم إلى السودان وتم اختياره بالإجماع نائباً للأمير! فقط لأنه رفض وثيقة العار... يسلقه سيد إمام بألسنة حداد! وهبك تقول هذا الصبحُ ليلٌ، أيعمى العالمون عن الضياء؟ لذلك أخشى أن يقدم النظام فينفذ حكم الإعدام على المهندس محمد الظواهري، فيكون دمه في عنق الدكتور فضل لأنه يحرض النظام بطريق غير مباشر على الفتك بكل من يعترض على وثيقته! ثامنا: من المسؤول عن سجن ألف شاب؟ كان الدكتور سيد إمام أميراً لجماعة الجهاد حين بدأ الأمن يقبض على هؤلاء الشباب منذ سنة 1991 إلى شهر كانون الثاني (يناير) 1993! وقد استقال بعد هذا التاريخ بأشهر! فإن تبعة سجن هؤلاء الشباب الذين حرموا من ذويهم وأطفالهم تقع على عاتق الدكتور فضل ويجب أن يقدم إلى محاكمة شرعية! -- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11) ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم***************مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)***************A nation that keeps one eye on the past is wise!AA nation that keeps two eyes on the past is blind!A***************رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة***************رابط سلسلة كتب عالم المعرفة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
فولان بن علان بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 ديسمبر 2007 بالطبع ماكتبه الكاتب ليس اقتباسا حرفيا ، بل المفهوم العام لفكرة التمكن والتى يمكنك ان تستشفها مما كتبه سيد أمامثانيا يا أخى الفاضل انا لا أرى أن مثل هؤلاء يستحقون ان يجدوا من يدافع عنهم ، فكم من الشباب غرر بهم وكم من الابرياء راحوا ضحايا لافكارهم وفتاواهم التى تراجعوا عنها الآن ، وكم من خسائر مادية وقلاقل وسرقات ارتكبت بفضل فتاواهم التى يتنصلون منها الآن. ما دام ليس الاقتباس من نص كلام الرجل فالبناء عليه غير منطقي أما موضوع المعنى فهذا يخضع للأفكار المسبقة للقارئ والتي لا تخلو من انحياز في الغالب يا سيدي العزيز ليس الدفاع عنهم بأشخاصهم ولكن الدفاع عن الوطن ..عن الأجيال القادمة عن حقنا في العيش بأمان.. الدفاع عن قطع الطريق عن تكرار المآسي التي حدثت وإن كانوا يستحقون التحية على الشجاعة في الاعتراف بالخطأ ويبقى الدور على غيرهم ممن يصرون على الأخطاء لي تعليق آخر لمناقشة المراجعات بعد الفراغ من قراءتها إن شاء الله الشكر لك أستاذ محمد وقولوا للناس حسنا رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان