اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

صدفة


Recommended Posts

بحثت في إعلانات السياحة عن مكان مميز يصلح لمساء يوم مميز في حياتي، كنا في أثينا ..

تجولنا كثيرا في المدينة العريقة .. أمضينا ليلة في الصوت والضوء أمام الأكروبوليس ..

عبق التاريخ دفعنا في اليوم التالي إلى المتحف .. لم أكن من عشاق المتاحف .. نادرا ما زرت متحفا في حياتي ..

المتحف كان غاصا بالزوار من مختلف الأمم والأعمار .. كنت أظن أننا سنصطدم بقوافل من السياح العواجيز .. ما أدهشني أن فتية من الجنسين كانوا هم الغلب هناك ..

شرقيون نحن .. في متحف الآثار الإغريقية القديمة !!

تجسيد الرجولة في آثارهم جعل الدم يتفق في عروقي .. شعرت بأن كل من حولي لاحظ احمرار وجهينا مع أول تمثال ارتطمت به عيوننا ..

تلفتت حولي لأجد أننا الوحيدين المندهشان لما يريا!! قررنا أن نكون سياحا كالآخرين .. فأكملنا التجربة .. وخرجنا متحفان بتاريخ الإغريق .. وتأريخ لتجربة لن تتكرر ..

اليوم لا يحتمل التجارب .. لم لا أسأل موظف الاستقبال في الفندق فهو بالتأكيد يعرف مكانا يليق بأمسية خاصة ..

- هل جربت التلفريك؟ إنه شئ خاص جدا في أثينا .. سيحملكما إلى أعلى قمة في أثينا حيث تشاهدا إنزال العلم اليوناني الرسمي .. هناك مكان جيد لتمضية سهرة هادئة .. ومطعم أيضا ..

هذا كل ما اريد .. تجهزنا بعيد العصر بقليل كي نكون هناك قبل الغروب .. أحب الشمس في غروبها .. تلك الألوان الزاهية التي تلف الكون مودعة الشمس في انسحابها الانسيابي بعد نهار مفعم بالنور ..

حملت الكاميرا التي لم تكن تفارق كتفي طوال رحلتي .. كنت أحب تسجيل كل لحظة تمر بنا في رحلاتنا منذ أن كنا مخطوبين .. لازمتني عادة التسجيل الفوتوغرافي هذه طويلا .. وما زالت الكاميرا ترافقنا حتى يومنا هذا ..

ولجنا إلى التلفريك .. عربة أشبه بالترام !! ليس كذلك الذي نراه في الأفلام .. هي عربة كبيرة نسبيا .. تقف على خط حديدي .. ليست معلقة!! ربما تكون هكذا في المحطة .. لنرى ما يجري بعد الإقلاع!!

تحركت العربة بعد إنذار بغلق الباب .. انطلقت لثوان ببطء ثم اندفعت مصعدة إلى الأعلى بسرعة فائقة .. لحظات مرت وأنا اتلفت حولي فلا أرى إلا نفق غريب تندفع خلاله العربة ..

وصلنا!! اهبطوا بسلام!! هذا هو التلفريك ..

بداية غير عادية أوجس منها قلبي خيفة!! أخشى أن تكون بقية الرحلة على غير ما نتوقع ..

نزلنا من العربة لتاعب وجوهنا نسمة صيف عليلة على هذا العلو .. ما أجمل المنظر من هنا .. كيف تبدو أثينا وقد غلف بناياتها ضباب كثيف!!

نبهني أحد السياح إلى واقع مرير .. كل هذا الذي تراه نستنشقه عندما نكون هناك في الأسفل .. هو ليس بضباب .. ذكرتني كلماته بنفس المنظر للقاهرة من فوق جبل المقطم!!

دقائق وتبدأ مراسم إنزال الراية .. لنأخذ مواقعنا هناك .. تأبطت ذراعي وسرنا وسط حشد من من السياح الذين حضروا مثلنا لمشاهدة الحدث اليومي هذا .

على سفح الجبل مان هناك فصيل من الجند يصعد على طريق ملتوية بمشية عسكرية تدل على تمرسهم في صعود الجبال ..

لم يستغرقهم كثير من الوقت ليصلوا إلى حيث كنا بانتظارهم نحن والراية التي هي مبتغاهم .. اصطف الجنود الخمسة ووقف بجوارهم قائدهم يلقي عليهم تعليماته بلغتهم التي لا أفقه منها إلا بضع كلمات مجاملة ..

همست في أذن زوجي أت تذهب لتقف بجوار الجند قبل الشروع في إنزال العلم لألتقط لها صورة تذكارية معهم ..

لا أدري كيف تجرأت وهي الخجولة بطبعها فانطلقت بخطوات ثابتة ووقفت منتصبة بجوار أقرب جندي .. وقفت بانتباه شديد يداها متدليتان بجوار خصرها ورأسها مرفوع إلى الأعلى .. وبدأت في التقاط الصور .. ما الذي حدث!! بدأت بابتسامة ثم افتر ثغرها عن ضحكة مكبوتة جاهدت نفسها ألا تفضحها .. الجندي الذي تقف إلى جواره بعد محاولات مستميتة للسيطرة على نفسه وجدته يرتج من الضحك .. في لحظات كوميض البرق انتقلت العدوى إلى رفاقه .. الكل بدأ يقهقه .. الشاويش الذي حاول في البداية السيطرة على الفصيل فصاح فيهم أن انتباه (هكذا فهمت من رد فعل الجنود) .. وقف الجند في انتباه ولكن أسنانهم لم تكن لتتطابق .. وأخيرا انفجر الشاويش بالضحك .. والعلم يرفرف وقد بدأت الشمس في المغيب ..

بهدوء وقد شعرت بالحرج لما سببناه من فوضى تقدمت لأسحبها من جوار الجند .. مع تمتمة بألفاظ تنم عن اعتذار رقيق إلى الجند الذين أومأوا بروح عذبة بألا بأس علينا ..

وتم إنزال العلم .. وصفق الجميع مع البروجي في نوبة خاصة بالإنزال .. ووضع العلم في صندوق حديدي يحمله جنديان ويهبط معهم في الحفظ والصون حتى صباح الغد مع شروق الشمس ..

انتحيت بها جانبا وجلسنا على طرف سور يحيط بساحة شاسعة بدأ يتمشى فيها السياح مستمتعين بنسمات المساء العليلة ..

وسط ذكريات عن أمسيات سابقة في نفس التاريخ درنا بخيالاتنا نتذكر .. طال بنا الحديث فلم نشعر بالليل يتسلل وبالأنوار قد بدأت تتلألأ في البعيد هناك .. صفوف من النوار ترسم طرقا تتقاطع بشكل منتظم ..

كان حديثنا هامسا .. تتخلله لحيظات صمت مفعمة بحديث العيون .. ويتحول الصمت إلى لغة عذبة تلامس شغاف قلبينا لنعيش حالات من الانتشاء يقطعها رنين ضحكات جذلاء .. فالسعادة تطوقنا فيرفرف قلبينا ويخفقا خفقانا أسمع نغمات نبضهما تحف بأذناي كأعذب الألحان ..

من بعيد اقترب جمع من الناس نحونا .. لم أتبينهم في الظلام اول الأمر .. اقتربوا بتؤدة قاصدينا .. رجلان وامرأتان .. قبل أن أبحث في مخيلتي عن سؤال أبتدرهما به فاجأني أحد الرجلين بسؤال غاية في الغرابة:

- الأخ صيني (قالها بالعربية)

- لأ فلسطيني (أجبت مرحا)

- وفلسطيني كمان ؟!!!

تعارفنا .. زوجان من الأزواج قادمان في مجموعة ساحية من الأردن لقضاء أسبوع في أثينا ..

هم لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض من قبل .. تعارفوا في الرحلة ..

المفاجأة ..

قلت متندرا بأن البحث عن هذا المكان بالذات لكي نلتقي استغرقني بعض الوقت .. وأن الغرض منه مناسبة خاصة أحرص على تمضيتها مع زوجي كل عام ..

- لا تقل لي أنه عيد زواجكما

- بلى

- ونحن أيضا ..

- بل ونحن أيضا (قالها الآخران باستغراب)

ثلاث أزواج يلتقون في مكان واحد بدون سابق موعد ليحتفلوا بنفس المناسبة .. أغرب من الخيال ..

كنا نحن الأقدم منهم بيننا وبين الأقرب لنا سنتان .. ثم العام الذي يليه للأخيران ..

فكان أن توجهنا سويا إلى المطعم ليكون احتفالا ثلاثيا ..

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...