اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الحرب بين الخمر والأمر !!


Ahmed Haridy

Recommended Posts

الحرب بين الخمر والأمر !!

بقلم : أحمد هريدي محمد *

خرج خليل من مكتبه وطلب من صديقه أن يصحبه في سهرة العوامة مع الليل وآخره قبل السفر والغياب عن البلاد ، ودار الكأس ودار الحديث حول مشاكل المؤسسة فمازحه صديقه قائلا : هل سنرى اليوم الذي يصدر فيه المدعي العام قرار بإحالتك إلى المحاكمة بتهم مماثلة للتهم المنسوبة لأصحابنا ...؟!!

- قاطعه خليل غاضبا ً : اخرس يا وقح .. ألا تعرف مع من تجلس ؟!!

- قال صديقه : أعرف يا أخي ولكن أخشى عليك بعد أن تترك مناصبك !!

- قال خليل : أترك المناصب ؟!! .. قلت لك : ألا تعرف مع من تجلس ؟!!

- أجاب صديقه بسؤال آخر : هل أفهم من ذلك أنك ستبقى في مناصبك هذه حتى سن الثمانين أو التسعين .. ربنا يطول عمرك ؟!!

- قال خليل : هات الثلج واسمعني ، ولا تقاطعني ، وكفاية إن الليلة ماشية من غير الوجه الحسن ياصاحب الوجه العكر...

بالنسبة لموضوع السن: غيري عنده ثمانين سنة وباق .. باق حتى آخر نفس، وهذه أصول اللعب ياحبيبي، وكلنا في الهوى سوى ، ولن أترك منصبي إلا في حالة الموت فقط، أموت أنا أو يموت الأمير ...

في الحالة الأولى سيكون تركي للمنصب حتمياً لأني سأترك لكم الدنيا بما فيها .. أما في الحالة الثانية من الممكن أن يموت الأمير وأظل أنا في منصبي إذا جاء النظام الحاكم بمعرفتنا ...

- قاطعه صديقه مندهشا : بمعرفتكم .. بمعرفة من ؟!...

الظاهر إن الويسكي أثر فيك بسرعة ؟!

- صرخ خليل في صديقه ليسكته وواصل حديثه : ألم أقل لا تقاطعني ...

نعم النظام يأتي بمعرفتنا .. وأنا رايح جاي لترتيب الأوضاع الجديدة وتلميع ولي العهد في الخارج والداخل، إلا إذا أفلت الزمام وحدث كما يحدث في بعض الدول أو استحكم منطق المؤامرات .. عندها سيكون الخبر عندي قبل حدوثه وسأذهب لأنام بجوار خزائني في أوربا !!

- ترك صديقه الكأس وهز رأسه : كفى بنا ما فعله الكأس بك هذه الليلة ، ويجب أن يظل أحدنا في وعيه حتى نعود لبيوتنا بسلام !!

- نظر خليل إلى صديقه مندهشا ً وقال : ألم أقل لك لا تقاطعني أيها الجبان ؟!!

- غضب صديقه ومد يده إلى جهاز الهاتف الخلوي لصديقه وأغلقه وسحب البطارية منه وفعل نفس الشيء بجهازه ، وقفز إلى الوصلات السلكية لخطوط الهواتف الأخرى وسحبها من أجهزتها وقال : إذا كنت ستسير في حديثك هذا لا بد أن نغلق الخلوي ونفصل جميع الوصلات الهاتفية قبل أن يتم اغتيالنا في أماكننا أو يخرجونا من هنا إلى محاكمة عاجلة في قضية من إياهم!!

- بادله خليل غضبا ً بغضب وقال : ألم أقل لك إنك جبان ؟!!

يا حبيبي أنا في حماية خارجية وحماية داخلية ، ودعني استكمل حديثي ...

الحماية الخارجية تكمن في أن قرار تعييني يبدأ أول سطر فيه من مكاتب أصحاب القرار في اختيار الأمراء والحكام .. وكذلك قرار إقالتي !!

أما عن الحماية الداخلية فأنا أعرف جيدا ً من أين تؤكل الكتف والرأس أيضا !!

أنا ألعب مع الذين يتحكمون في كل الألعاب في هذا البلد .. أفضالي عليهم كثيرة ، أنا قدمت للبلد خدمات كثيرة ، أخبار وأسرار وملفات ، وكفاية البعثات الصحفية والمهمات التي يتم تكليف بعض الصحفيين بها شرقا ً وغربا ً وشمالا ً وجنوبا ً، الأجهزة إياها تطلب من كل صحفي إعداد تقرير خاص عن زيارته وما يتم فيها من مقابلات بالحرف الواحد ، وأحيانا يطلبون من بعضهم طرح أسئلة محددة وتسجيل إجاباتها ، واستدراج بعض المسئولين في مناقشات تستنطقهم برأيهم في الأمير والنظام الحاكم والسياسات الحالية والمستقبلية ، وأنت تعلم أن هناك نوع من الصحفيين عقولهم ضاربة ويكرهون التعامل مع هذه الأجهزة ، لكن رجالي أنا في هذه العمليات والموضوعات أساتذة وفي كل بلد يخدمون النظام كما أطلب منهم ، وكله لمصلحة البلد ، وعندنا ناس تقدم أحسن أخبار للنشر وأحسن أخبار للعلم !

ومن مكتبي تخرج مكافآت ورواتب تغطي كل هذه الأعمال .. هذا غير المواد الصحفية التي تخرج من قصر الأمير والأجهزة وأتنازل وأتواضع وأضع اسمي عليها حتى يكون لها صدى وانتشار في الفضائيات ووكالات الأنباء التي تنقل دائما كل ما أكتبه !!

.. ألم أقل لك أنا ألعب مع الذين يتحكمون في كل الألعاب في هذا البلد ، والذين يتحكمون في كل الألعاب يتحكمون في كل المسئولين وفي كل الكراسي أيضا .. لأنه لولاهم لأصبح أي مسئول في خبر كان وأصبح وإن وأخواتهم !!

- انتفض صديقه من مكانه وسحب هاتفة الخلوي من على المنضدة وهم بمغادرة المكان .. لكن خليل لحق بطرف بدلته وجذبه إلى أريكته ، و دون أن يأبه بمحاولة صديقه واصل حديثه قائلا : وبعد كل هذا تقول تحقيقات ومحاكمات .. تحقيقات إيه يا حبيبي وقضايا إيه .. نحن هنا نحدد الأحكام التي تصدر في هذه القضايا ، المحكمة محكمتنا والقانون صناعتنا ، ولا يجرؤ أحد على فحص أوراق إدارتي إلا بموافقتي .. من حوالي 13 سنة حاول بعض ضباط الجهاز إياه دخول إدارة الإعلانات لضبط أوراق مخالفات وكلام فارغ ؟ ساعتها أنا أصدرت أوامري لمدير الإعلانات بمنعهم بالقوة من لمس أي ورقة وتلقينهم درسا لم ولن ينساه هذا الجهاز حتى الآن !!

ومن يومها والكل عرف مقامه !!

وحكاية فلوس المخالفات والتجاوزات الأمير فاهم إنها راحت في موضوع حق السعي والمصاريف التي ذهبت إلى أصحاب السمو، وبعدين الكلام كله على كام مليون دينار ، ألا تعلم إن هدايانا السنوية الرسمية كانت بخمسة مليون !!

وتقول تحقيقات .. تحقيقات إيه وقضايا إيه؟! .. أنا هنا بفلوسي والمناصب كلفتني الكثير!!

اغتاظ صاحبه منه وقذفه بقوله : تقصد فلوس الجرنال !!

كاد خليل أن يقذفه بالكأس وصرخ فيه : الجرنال من غيري ما كان في هذا الوضع ولولا اتصالاتي ما دخلت خزائن الجريدة ملايين الدينارات والدولارات ، ودعني استكمل الحوار ولاتقاطعني مرة أخرى وإلا لن تسهر معي ثانية ...

لم يأبه صديقه بتهديده وقال : لكن خزائن الجرنال خربانة ومن الممكن أن يكون هذا الخراب السبب في وصولك لآخر أيامك !!

استشاط خليل غضبا ً: بالعكس يا غبي كلما زادت المشاكل واشتعلت كلما احتاجوا لوجودي لإطفائها والسيطرة على الوضع ، وكشوف توقيعات الصحفيين جاهزة ، كلها صفحة على الكمبيوتر تطالب الأمير باستمراري ونلصق بها التوقيعات ، ويلحق بهم كام تقرير يؤكد أن الجورنال من غيري ظلام في ظلام ، وأن هذا يضر بالصالح العام ... إلخ !!

وحبايبنا حافظين السيناريو .. فاكر حكاية رئيس التحرير المضروب الذي استمر في منصبه بثلاثين أو أربعين توقيعا ً فقط من الصحفيين في جورناله الميت !!

أنا عارف من أين تؤكل الكتف، والمناصب كلفتني الكثير .. من أول أفخر أنواع القمصان وحتى المرسيدس أحدث موديل ، وغيره وغيره لهذا وذاك وتلك !!

حتى المنصب إياه ، دفعت ثمنه شمالا وجنوبا ، هل تعرف أن الجنوبي الأسود أعطاني صوت بلده بألفين دولار ، والألفين يجبوا له فيللا في بلده الجوعان !!

والظاهر إنك نسيت شرائط الفيديو مع أصحابنا إياهم !!

زاد الغيظ بالصديق وطفح الكيل وفكر في طريقة لإخراج خليل من هذا الحديث فسأله :

- لماذا أمرت بهدم حمام السباحة الجميل في الفيللا الثلاثينية بعد الانتهاء منه ؟!

- قال خليل : كان لازم لأن زاوية فيه كانت غير مضبوطة، ومنظرها سيئ أمام ضيوفي ، وبعدين لازم يكون قصري أحسن من قصور الأمير وولي العهد ..

- لم يجد صديقه فائدة واستشعر أن الحديث سيعود مرة أخرى إلى طريق المخاطر فعاجله بسؤال آخر عن الحرب لعل وعسى يخرج خليل من حديثه عن الكبار في البلد !!

- اعتدل خليل في جلسته وأعجبه دور العالم ببواطن الأمور وقال :

ألم أقل لك الليلة الماضية إن الأمير قال إن الموقف صعب وإن المطلوب منا السكوت وعدم الاعتراض ،وأنه بنفسه أحيانا يضطر لمراجعة أي كلام حول هذا الموضوع مرة أو اثنين قبل التصريح به ، وبعدين كلها ساعات وأسافر لأصحاب الأخبار ، لنأتي بالأخبار والفلوس ونرضيهم ونتراضى بعد مجهودنا في ترتيب جولة أمريكا .. ألا ترى المنشور في الصحف .. التعليمات واضحة عندنا ، علينا أن نهاجم صدام ونظامه وأفعاله التي تحتم ضرورة التخلص منه ، ويجب أن تنحصر كل التصريحات والتعليقات والتحليلات في مجموعة الجمل الآتية :" يجب على العراق الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ونزع أسلحة الدمار الشامل ، على العراق التعاون مع المفتشين الدوليين ، نحن نرفض الحرب .. لكن على العراق الالتزام بقرارات مجلس الأمن حتى يجنب شعبه حربا محتملة ، صدام تلقى عدة رسائل وتحذيرات لكنه لم يستجب لصوت العقل ...." وكل هذا يعني أن العراق غير ملتزم وغير متعاون .. وكله تمهيد في تمهيد !!

والشوارع شوارعنا والمظاهرات على مزاجنا ، ومن يخرج على المرسوم اتهاماته جاهزة عن التمويل الخارجي والأموال التي جاءت من العراق ، والمحاضر في دقائق تكتب التحريات عن مخططات التخريب والشغب وإثارة الجماهير والإضرار بمصالح البلاد ، والحرب حرب ، المهم العرش فين والفلوس والتركة لمين؟!

والحرب يا عم فيها سبع فوائد لنا ولأصحابنا التجار إياهم ...

- وقبل أن يستكمل خليل كلامه انتفض صديقه من مكانه وصرخ فيه : خليل .. كفاية الليلة أنت مسطول أكثر من اللازم، يمين طلاق بالثلاثة من أم العيال لازم تنهي القعدة فورا !!

(صورة طبق الأصل !!)

8 فبراير 2003م

--------------------------------------------------------------------------------

كاتب المقال عضو نقابة الصحفيين بالقاهرة

البريد الإلكتروني للكاتب ahmedharidy2@hotmail.com

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...