اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

القاسي (قصتي القصيرة الوحيدة)


Ahmad Farahat

Recommended Posts

كان يحمل نفس الوجه الذي اعتاد معارفه أن يروه على صفحة رأسه البغيض. نفس الوجه الذي تتجلى فيه آيات القسوة ككتابة حفرتها أسنة حادة على صخور صلبة فبدت وكأنه لا مناص من محوها ولو بذل البشر مجتمعين جل جهودهم من أجل هذا الغرض وحده لا غير.

كان جالسا بنفس الوجه في حجرة مكتبه وأمام مكتب أنيق يتصدرها في غطرسة واضحة للعيان، يكتب تقريرا في أحد مرؤوسيه ليرفعه إلى رؤسائه.

ولا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يتخيل مدى الأذى الذي سوف يلحق بمن تطاله تلك التقارير الحقيرة التي يقوم بكتابتها كلما تحدث معه مرؤوس مسكين تحت يده بلهجة لا تعجبه حتى وإن كان العشم فيها يحمل مقدارا بأكثر من الوقاحة كما يتصور هو في المعتاد.

فهو يعمل مهندسا مرموقا في شركة حكومية كبيرة اعتادت على الروتين من ناحية والوشاية في نواح أخرى وذلك القاسي يفعل ما هو أكثر سوءا من الوشاية فهو يدمر بوجه لا ينافق أو يداهن أو حتى يستجدي الآخرين ليفعلوا بمن يكره ما يريده، إنه يدمر بوجه جاد ودم بارد وخطو واثق يدرك جيدا ما يفعله.

فلقد وعي الدرس منذ الصغر....

منذ أن ضربه ذلك الفتى البدين في ساحة المدرسة وعلى رؤوس الأشهاد....

كان يتلقى الضربات المذلة وفي كل ضربة يزداد عزما على الإنتقام.....

ولكن كيف لهذا الجسد الضئيل الضعيف (آنذاك) أن يصنع بفتى كهذا أي شيء، لذلك فإنه صبر مدة طويلة خضع فيها لتدريبات صعبة في رياضات قتالية مختلفة حتى أصبح ذا جسد ممشوق قوي ولم يسترح إلا بعد أن أذل ذلك الفتى وقد كان قاسيا عليه بشكل لا مثيل له.

بل إنه كان قاسيا على زملائه أيضا الذين كان يفوقونه دراسيا.....

فكرامته تأبى عليه أن يرى متفوقا دراسيا عليه بل تأبى أن يرى متفوقا عليه في أي شيء اللهم إلا الخير فهو قانع بالمرتبة الأخيرة في سلم المحسنين.

ولا يزال في أذهان زملائه إلى اليوم نظراته الحادة النارية المسددة إلى وجوههم والتي كانت تحمل علامات الإحتقار والإهانة فكم دمرت أعصابهم وكم حطمت كيانهم.

بل إنه جعلهم يتهاوون بها أمامه حتى صاروا بعيدين عنه بمقدار غير يسير.....

فإنه شخص بلا أصدقاء وحيد في هذه الدنيا وإن كان لديه...آآآآآآآآ

((أخي))

رفع رأسه البارد إلى صاحب الصوت......

كان شقيقه الصغير الذي حلت عليه لعنة الإقامة في كنفه السام.........

((ماذا تريد؟؟))

سأله في برود شديد وكأنه يسبه لا يسأله عن رغبة إرادته في ذلك التوقيت فلم ير الفتى بدا من التراجع والإنكسار قائلا:

- هل تسمح لي بالضحك؟؟!!!

ابتسم القاسي في مرة نادرة وإن كانت ابتسامة قبيحة شفت عن نفس سوداوية الأعماق قائلا في صلف: تضحك؟!!

ثم اعتدل في مجلسه وقد انقلبت سحنته مرة واحدة وهو يسأل:

- لماذا؟

أجابه الفتى في توتر:-

- لقد سمحت لي بأن أشاهد فيلما اليوم وذلك عقب استئذانك منذ عدة أيام ولقد رأيت مشهدا كوميديا فيه وأردت الضحك منه فجئت أستأذنك فهلا أذنت لي؟

صمت مسددا إليه نظرة نارية وكأنه سيقتله حرقا بها وقال:

- كيف سولت لك نفسك أن تضحك بل أن تفكر حتى في مجرد الإستئذان في هذا؟؟...عليك أن تحمل في أعصابك نفسا باردة لا تضحك ولا تبدي أي سعادة ما.

واستطرد في بشاعة قائلا:

- الحياة غضب ... وجد ...لم تخلق للهو ... شاهد الفيلم ولكن لا تنس أن تتجرد من تلك الأفعال الغبية كالضحك والإبتسام ولتعتبر تلك المشاهدة تدريبا لك على مواجهة الحياة.

ثم نظر إليه نظرة نارية أخرى لا تقل في ضراوتها عن الأولى وقال:

- هيا اذهب ولا تعطلني.

خرج أخوه ومن أمامه وكأنه يفر من مسخ بشع ثم عاد إلى كتابة تقريره الأسود.

ربما بنظرة سريعة إليه نراه شخصا متكاملا في كل شيء فهو ذو جسد ممشوق القوام وعقل ذكي للغاية.....

يكفي أنه كان من خريجي كلية الهندسة المتوفقين ورياضي يشار إليه بالبنان، إلا أن نفسه مريضة مليئة بأوساخ الحقد والكراهية وحب التملك.

ورغم وسامته الشديدة لم تحبه امرأة..............

ورغم فوار جسده وانطلاقه إلا أنه لا يجد ثمة متعة في قبلة أو عناق قدر ما يجده في التملك والسيطرة فاي شيء لا يعدل لديه امتلاك أحد سواء أكان رجلا أم امرأة.

إن الإذلال لديه أحب عنده من قبلة أو عناق أو حتى ذلك الرباط المقدس الذي يجمع بين امرأة ورجل فيتيح لهما معا ما يحرم على غيرهما من لذة يضطرب لها البدن في نشوة لا مثيل لها.

إنه يريد أن يمتلك امرأة كما سبق وامتلك زملاءه قديما في صباه وكما امتلك عماله وحتى هذا الأخ أو أي شيء امتلكه من قبل فشهوة التملك أثقل على نفسه من شهوة الجسد.

لذلك فكثيرون لا يرونه من البشر أو يمت بصلة قرابة إلى الآدمية وكذلك لا يملك شخص الشجاعة الكافية ليسال نوعا ما من الحيوانات ضمه إلى قطيعها.

فقد كان شخصا فظيعا بحق............

كان نفسا مريضة حملت من الشر ما طاب أن يتواجد فيها متربعا على عرش من اللون الأسود القاتم.

فلقد عذب في صغره فتى بضربه وأجبره في نفس الوقت على الإبتسام والضحك، فقد كانت الصرخة مسوغا لديه لتماديه في الضرب فإذا أراد الفكاك فعليه أن يضحك وبلا حدود.

ولقد اشبع المسكين في نفسه الكثير.

أشبعه حتى أنه تركه لحاله دون أن يرثي لإهانته، ولقد رضي المسكين أنه تركه.

تركه دون أن يماطل في تعذيبه كما فعل بآخرين.

كان يملك عقلا ذكيا واعيا ويدا باطشة لا ترحم.

وكما تجنبته الفتيات كما تجنبهن.

لم يعبأ بهن.........

بل لم يعبأ بإشباع رغبة هي أبسط ما يتكون في أي مخلوق طبيعي عند البلوغ رغم أنه أذى بعضهمن وإن كان بالكلام فقط ليس أكثر لكن هذا لم يكن يكفيه فلم يستطع الوصول إلى جسد واحدة منهن ضاربا.

لم يستطع أن يكسر ذراعا أو يحطم أنفا أو حتى يدمر مشاعرا نبيلة كانت أو خبيثة في نفس أي أنثى....و...

((أخي))

كانت نفس الصيحة والقائل والمخاطب.

- ماذا تريد؟

- أريد أن أبتسم.

- لماذا؟

- لقد التقى البطل والبطلة في قبلة حملت ولها كبيرا وأريد أن أبتسم سعادة لهما.

رمقه القاسي بوجه بارد قائلا:

- يا إلهي ....كيف تسعد بذلك الفساد؟

إرتد الفتى مصعوقا وهو يتسائل:

- أي فساد؟

قال في جدية:

- أتحب أن ترى قبلة بين رجل وامرأة هل تحب تلك المشاهد الخارجة؟!

- أنا؟!!!!!!

قاطعه قائلا:

- ويل لك لو رأيتك تبتسم على هذا سأضربك كما لم أضربك من قبل.

ثم نظر إليه كالشيطان لو أن الشيطان ينظر قائلا:

- وأنت تعرف.

اتسعت عينا الفتى هلعا ثم جرى من أمامه كما يهرب معدوم من مقصلته فعاد إلى مكتبه والتفت إلى تقريره بكيانه كاملا وقد امتلأت نفسه بالسعادة من أخيه إن لم يكن الإحترام.

نعم...فقد كان يحترم الضعفاء أكثر من ألأقوياء فلولاهم لما ظهر بينهم وكأنه الفارس الذي لا يأتي الباطل من بين يديه ولا من خلفه...

فأمثاله يدركون جيدا قيمة الضعف....

فما فائدة القوة بغير الضعفاء الذين يتعلقون بالقوي كسور يحتمون به ويبدون دائما بحاجة للقوي الذي يتيح لهم الحماة والولاية عليهم يفعل بهم ما يشاء؟

وما فائدة البطش بغير فرصة يمنحها الضعيف للقوي وذلك كي يظهر أمامهم بجبروته وقوته مهددا إياهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.

أما الأقوياء فإنهم لا يمنحونه نفس الشعور فهم إما سحاب يغطي على قوته أو أقمار تبدو من حولها ضآلة نجمه.

كلا...لابد وأن يكون هو النجم والقمر والشمس بل لابد وأن يكون مركز الكون الذي تدور من حوله جرائم الكون السماوية ولابد من تقويض حركة الآخرين وإذلالهم ليبدو من بينهم أسدا على قطيع من القرود.

بعد تدميرهم .....سيحترمهم.

بل إنه سيجعلهم قريبين من مجلسه.

فسعادته بذلك ألخ المأفون الذي يشعر بالهلع لمرآه أكثر من خطيبته السابقة ثريا والتي تركته بسبب عقده النفسية.

إنه سعيد بعماله الضعفاء الذي يرأسهم والمهندسين الصغار الذين يعملون تحت إمرته بأكثر من رؤسائه الذين لا يزيدون عنه في شيء إلا اليوم...((أما غدا فلنا حساب آخر)).

عندما يفوقهم مركزا وصفة سيريهم.....

فهو لا يضيع فرصة في الترقي وسيصل إلى ما هو فوق رؤوسهم وعند ذلك فقط سيريهم.....

((لقد انتهى التقرير))

لقد تحطم ذلك المهندس الشاب تحطيما وهو يستحق هذا.....

لقد أخطأ في حقه.....

كان يشرح له فكرة ما في العمل وقد قال له بين طيات الكلام ((إفهم))

يا للحقير

كيف يتفوه بلفظ كهذا في حضرته؟؟

إنه فاهم كل شيء.

سوف يريه ويري العمال وجميع الناس..............

انطلق فمه في تثاؤب طويل ثم خرج ليشرب كوبا من الماء...وفي الطريق وقعت عيناه على أخيه وهو يبكي بكاءا حارا....فذهب إليه في خطوات بطيئة متأنية واقترب منه محاولا - غير قادر - أن يظهر إشفاقا في صوته قائلا:

- ماذا هناك؟

قال الفتى من بين دموعه الغزيرة:

- ماتت البطلة في الفيلم وظل البطل يبكي عليها.

قال القاسي ببرود غريب:

- ألهذا تبكي؟

أجابه الفتى:

- كلا.

- علام البكاء إذن؟!

قال الفتى بعد أن بدا في العودة إلى الرشد:

- أبكي لأنني فكرت أن اسألك السماح لي بالبكاء على ذلك المشهد فبكيت لأن مصيبة البطل أقل عندي بكثير من مصيبة سؤالك.

تمت

105724557.jpg

ألام على هواك وليس عدلا ................ إذا أحببت مثلك أن ألاما

رابط هذا التعليق
شارك

قال الفتى بعد أن بدا في العودة إلى الرشد:

- أبكي لأنني فكرت أن اسألك السماح لي بالبكاء على ذلك المشهد فبكيت لأن مصيبة البطل أقل عندي بكثير من مصيبة سؤالك.

جميلة والله بس ما اعتقدش ان في واحد حاليا بالشكل دا

والاجمل والجمل الاقتباس دا تسلم اديك اهوة بترجع تانى

-----

بس ليا عتب عليك tot::

سلام

سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم

اللهم وفقنا لما تحبة وترضاة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...