اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

بريد الجمعة - كنز التجارب الإنسانية ~ (محاولة للأرشفة )


KANE

Recommended Posts

السلام عليكم

أظن أن اغلبنا إن لم يكن جميعنا قد تعلق بباب بريد الجمعة

ذلك الباب الذي كان يحوي خبرة وعصارة تجارب الحياة

انا من اشد المعجبين بهذا الباب

والحقيقة لي سنة تقريبا لم أقراه بانتظام

النهم انني وجدت بعض الارشيفات المتناثرة

لأن جرية الأهرام تمنع الدخول للإعداد السابقة إلا بطريقة سخيفة لا تنفع إلا من مصر

اسمحوا لي ولتسمح لي الإدارة بأن يكون هذا الموضوع ارشيف لهذا الباب

وإذن الإدارة هنا لأنها لا تسمح بمواضيع القص واللصق ولكن أظن هذا الموضع استثناء :rolleyes:

أيضا اتمنى وآمل من الإخوة الزملاء ان يكون هذا الموضوع مستقلاً فقط للأرشيف والعرض بدون تعليقات

وإن اردتم تعليقات فليكن في موضوع منفصل

ومن يريد المساهمة معي فله جزيل الشكر

أريد أن أوضح نقطة أخيرة ان بعض المقالات غير مترخة ولا استطيع ايضا ان الالتزام بالترتيب الزمني لهذا السبب

ومن

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 42
  • البداية
  • اخر رد

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

الأيام الأكثر مشاركة

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

السنة 131-العدد 2006 نوفمبر 17 ‏25 من شوال 1427 هـ الجمعة

الانتقـــام

سيدي أكتب لك من داخل القطار‏,‏ لذا اغفر لي ارتعاشة الكلمات وسوء الخط‏,‏ واستميح القراء عذرا في قسوة بعض التعبيرات وفجاجتها‏,‏ ولكني لم استطع التعبير عن نفسي إلا بما حدث مجردا من أي تنميق أو تجميل‏.‏

وأناشدك ألا تقسو علينا‏,‏ فنحن بنات قسا الزمن علينا طويلا‏,‏ وأرواحنا ـ كما أجسادنا ـ كلها ندبات وجروح‏.‏

نحن ست بنات‏,‏ خمس شقيقات‏,‏ والصغيرة من أم أخري‏..‏ عشنا أيام طفولتنا وصبانا في عذاب لا يمكن وصفه أو تخيله بسبب قسوة أب تجرد من كل مشاعر الإنسانية‏,‏ ولم نهنأ‏,‏ أو نغمض عيوننا إلا بعد موته الغريب والمفاجئ‏,‏ موته استمر‏5‏ سنوات‏,‏ واعتقدنا أن الحياة السعيدة بدأت‏,‏ وأن السماء تعوضنا عما عانيناه‏,‏ ويبدو أنها كانت أضغاث أحلام‏,‏ فها هو الفزع يعود من جديد‏,‏ والنوم يستعد لهجرة عيوننا التي أدماها البكاء‏.‏

دعني استرجع معك ذكرياتنا التي لا تفارقنا لحظة‏,‏ فكل ألم عليه شاهد في الروح والبدن‏.‏ استيقظت عيوننا منذ الميلاد‏,‏ علي أم كسيرة‏,‏ باكية دائما‏,‏ وأب لم نره في البيت إلا في يده سلك كهرباء عار‏,‏ تنهال سياطه علي أجسادنا‏,‏ إذا بدر منا أي صوت‏..‏ هل يمكن تخيل طفل لا يبكي؟‏..‏ نعم‏,‏ نحن‏,‏ كنا نعي أن البكاء حتي في الأشهر الأولي يعني ألما غير مفهوم من يد شبح‏,‏ لم نكن نعرف ماذا يمكننا أن نناديه‏.‏

أتذكر الآن‏,‏ عندما كان عمري‏5‏ سنوات‏,‏ أمي حامل في شهورها الأولي‏,‏ كانت تستحم‏,‏ سقطت في الحمام‏,‏ فأخذت تستغيث بصوت منخفض حتي لا توقظ أبي النائم‏,‏ ولكنه للأسف مع بكائها‏,‏ هل يمكن أن تتوقع ماذا فعل؟ لا أنسي ملامح وجهه في ذلك اليوم‏,‏ ملامح شيطانية مفزعة‏,‏ لم يثنه دمها المراق علي الأرض‏,‏ لم يفزعه‏,‏ إنهال عليها ضربا ورفسا في بطنها وشدها من شعرها خارج الحمام‏,‏ ونحن نبكي ونصرخ رعبا‏,‏ حتي تجمع الجيران‏,‏ وأخذها أحدهم فاقدة الوعي إلي المستشفي‏,‏ بينما توجه هو إلي غرفة نومه‏.‏ يومها أصبت أنا الأخري بانهيار عصبي وظللت مريضة فترة طويلة‏.‏

سيدي‏..‏ هل لك أن تتخيل ماهو جزاء أي واحدة فينا‏,‏ لو لم تتفوق في المدرسة؟‏..‏ يحلق شعرها‏,‏ ويغرس وجهها في صفيحة الزبالة ثم ينهال عليها ضربا بالسلك العاري حتي تفقد وعيها من شدة الألم‏.‏

لم يكن أبي ينفق علينا‏,‏ ولا تظن أنه كان فقيرا‏,‏ بل كان كما يقولون يلعب بالفلوس لعب‏,‏ معه أموال كثيرة من تجارة الغلال‏,‏ ولكنه كان يأمرنا بالعمل ونحن أطفال لنشتري ملابس المدرسة‏,‏ وننفق علي أنفسنا‏.‏ كنا نمسح سلالم أقاربنا والجيران مقابل أجر‏..‏ أما أمي فقد اشتري لها إخوالي ماكينة خياطة‏,‏ إضافة إلي عملها في مصنع مجاور لمنزلنا حتي تنفق علينا‏.‏

ذات يوم جاءت أختي متأخرة قليلا من المدرسة‏,‏ فانهال عليها ضربا‏,‏ حتي هربت من البيت‏,‏ غابت أسبوعا ثم عادت‏,‏ وبعد العلقة المعتادة اصطحبها عند طبيبة نساء للتأكد من عذريتها‏,‏ ثم قرر تزويجها فورا‏,‏ أراد تزويجها من شيال في مقلاة لب‏,‏ وأمام قراره‏,‏ لم تجد أختي إلا الانتحار حلا‏,‏ أحرقت نفسها‏,‏ تركتنا للعذاب ورحلت‏.‏ هل تعرف ماذا فعل هذا الرجل الذي يطلق عليه أبا قال بأعلي صوته‏:‏الحمد لله ارتحت من واحدة‏,‏ عقبال الباقي‏.‏

اقترح اخوالي علي والدتي أن تترك له البنات الكبار‏,‏ وتذهب معهم بالبنات الصغار‏,‏ ولكن أمي رفضت خوفا علي الكبار والصغار من بطشه وجبروته‏,‏ فقد كانت تري في وجودها بعض الحماية لنا‏.‏

سيدي‏..‏ لايمكن لأحد تخيل معني الذل والحرمان مثل الذي يعانيهما‏..‏ لن يستوعب أحد معني استحالة أن تتحرك من موقعك في البيت أو تمشي حافيا لأن والدك نائم‏.‏ لن يفهم أحد معني أن ترتدي طوال العام ـ صيفا وشتاء ـ فستانا ممزقا‏,‏ وتأكل رغيفا واحدا‏,‏ وتنام الليل خائفا‏,‏ وتصحو النهار مذعورا‏.‏

لك أن تتخيل كل شيء‏,‏ كل أنواع العذاب والقهر والألم‏,‏ فليست أزمتنا الآن فيما فات‏,‏ ولكن دعني أكمل لك‏:‏

منذ‏14‏ عاما‏,‏ أصيبت أمي بنزيف حاد‏,‏ مما أغضب أبي‏,‏ فانهال عليها ضربا‏,‏ واستنجدنا بأخوالي‏,‏ نقلناها إلي المستشفي‏,‏ ولكن قضاء الله كان أسرع‏..‏ ماتت أمي‏..‏ كلمة الحنان في الحياة‏,‏ ورفض القاسي تسلم جثتها حتي دفنها أخوالي‏.‏ وفي الأربعين دخل أبي علينا البيت وفي يده مطلقة عمرها‏20‏ عاما قال إنها زوجته‏..‏ وقتها كنت أعيش معه أنا وشقيقتي الصغري‏,‏ بعد زواج شقيقاتي‏.‏ جمعنا أبي وقال لنا‏:‏ لو شكت لي منكم كلمة‏,‏ فسأضع سلك الكهرباء في عيونكما‏,‏ وفرغ شقيقتي من عملها في مقلاة اللب لتخدم زوجته الجديدة‏,‏ أما أنا فكنت أسارع بالعودة من عملي‏,‏ حتي أنظف البيت وأطهو لهما الطعام‏.‏

المهم التفاصيل متعددة‏,‏ ولكن الأهم أن أبي تزوج ثلاث مرات بعد أمي‏,‏ وآخر واحدة حملت رغما عنه فطلقها‏,‏ وعاش بدون زواج حتي حدث ما حدث‏!.‏

سيدي‏..‏ منذ‏8‏ سنوات‏,‏ ذهب والدي لأداء العمرة ولم يعد‏..‏ انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره‏..‏ توجه أعمامي عدة مرات إلي السفارة السعودية يسألون عنه بلا جدوي‏..‏ لا يعرف أحد له طريقا‏.‏ هل تدري كيف كان إحساسنا مع كل يوم نتأكد من غيابه؟‏..‏أصابتنا كريزة ضحك‏,‏ صرخنا زمن العذاب انتهي‏,‏ روحة بلا رجعة‏..5‏ سنوات عشناها علي أعصابنا حتي أقمنا دعوي أمام المحكمة لاعتباره مفقودا وعملنا إعلام وراثة‏.‏ بعدها فقط بدأنا نشعر أننا آدميون‏..‏ انطلقنا في الشقة‏,‏ مزقنا صوره‏,‏ ألقينا بملابسه في صناديق القمامة‏,‏ حتي الملاية التي كان ينام عليها والبطاطين التي استخدمها‏,‏ شبشبه‏,‏ الأكواب التي كان يشرب فيها‏,‏ الكرسي الذي جلس عليه‏,‏ كله حطمناه‏,‏ تخلصنا منه‏,‏ أتعرف ما الذي كان يؤلمنا ويعذبنا؟ أنه مات بدون عذاب‏,‏ لم يعش أمامنا ذل المرض‏.‏

حصلنا علي أمواله التي حرمنا منها واكتنزها في البنك‏,‏ كل واحدة فينا بدأت تتحدث عن أحلامها‏,‏ واحدة ستشتري ذهبا‏,‏ والأخري تشتري محلات ملابس‏,‏ والثالثة تشتري سوق الخضار واللحوم‏,‏ وهكذا بدأنا في تنفيذ أحلامنا‏,‏ لا يعكر صفو حياتنا سوي منازعات أعمامنا فيما هو حق لنا‏.‏

سيدي‏..‏ كان كل شيء يسير طبيعيا حتي جاء هذا اليوم‏..‏ في شهر رمضان الماضي دعتني زميلتي إلي عقد قرانها في أحد المساجد‏,‏ صليت ركعتين تحية للمسجد‏,‏ وفيما أنا خارجة في طريقي إلي القاعة‏,‏ لا أدري ما الذي دفعني للنظر خلفي‏,‏ هل يمكن تصور من كان يجلس علي الأرض؟‏..‏ إنه أبي‏,‏ رجل عجوز ممزق الملابس‏,‏ لا يمكن‏,‏ هل عاد أبي‏,‏ أصابني الفزع واستعدت كل تاريخي‏,‏ اختبأت‏,‏ خشيت أن يراني‏,‏ ثم توجهت إليه وأنا ارتجف‏,‏ نظرت إليه فلم يعرني اهتماما‏,‏ استيقظت علي نداء صديقاتي‏,‏ فحضرت عقد القران‏,‏ ثم توجهت إلي إمام المسجد وسألته‏:‏ هل تعرف هذا الرجل‏,‏ فقال لي إن أحد أقاربه أتي به منذ فترة من القاهرة وأخبرنا أنه كان يعالج في المستشفي‏,‏ ويخدم في المسجد‏,‏ ويغسل السلالم في العمارات المجاورة‏.‏

هل يمكن تخيل ذلك‏,‏ والدي الذي كان يصحو العصر من نومه‏,‏ ويرتدي أفخر الثياب‏,‏ يمسح السلالم ويجلس علي الأرض‏.‏ طلبت من الإمام أن يدعوه‏,‏ وسألته إيه حكايتك فقال لي‏,‏ إنه كان في مستشفي في السعودية‏,‏ والسفارة هناك أخبرته أنه مجهول الاسم‏,‏ وهو لا يتذكر أي شيء عن شخصيته‏,‏ وعملوا له وثيقة سفر ورحلوه لمصر‏..‏ هو يحكي وأنا أستعيد كل المشاهد القديمة تفصيليا‏..‏ بكيت وبكيت‏,‏ لم أعرف لماذا أبكي‏,‏ هل هذا الرجل المنكسر الذي ينظر لي بمحبة وحزن هو أبي الظالم‏..‏

يمد يده ليأخذ مني بعض النقود‏,‏ أتذكره وهو يقذف في وجهي صينية الطعام لأني نسيت شيئا‏,‏ يعيدني صوته وهو يدعو لي‏:‏ربنا يطعمك ما يحرمك‏.‏ سألته‏:‏مش فاكر أنت كنت إيه زمان؟ وأرد في نفسي‏:‏ كنت شريرا‏,‏ قاسيا‏,‏ بتضرب بسلك الكهرباء والشلوت ومسمينا الحلاليف‏.‏ نظر إلي طويلا وقال‏:‏ أنا حاسس إن ربنا بيعاقبني علي شيء عملته وغضبان علي‏.‏ لا أعرف من أين أتيت بهذه الدموع‏,‏ هل كنت أبكي عليه أم لأنني تذكرته وهو يجر أمي من شعرها وهي تنزف‏..‏ أتذكره وهو يرفض الذهاب إلي المستشفي لدفنها‏.‏

عدت إلي البيت‏,‏ دعوت شقيقاتي وحكيت لهن ما حدث‏,‏ لم يصدقن ما سمعنه‏,‏ فقررنا استدعاء محامينا‏,‏ واتفقنا علي الذهاب إليه لرؤيته‏..‏ إندفعنا نحوه‏,‏ كادت واحدة تناديه بابا منعناها‏..‏ جلسنا معه وبدأ المحامي يحكي لي حكايتنا مع أبينا ـ الذي هو الجالس أمامنا ـ تعمدنا ذكر بعض كلماته مثل الحلاليف حتي نتأكد من ذاكرته‏,‏ فوجئنا به يبكي ويقول‏:‏كيف لأب يفعل ذلك في بناته‏,‏ أنا كان نفسي يكون لي بنات مثلكم‏..‏ قالت له أختي‏:‏مش يمكن ولادك لو عرفوا إنك عايش يتبروا منك‏,‏ نظر إليها باندهاش قائلا‏:‏ليه يابنتي إنت قاسية قوي كده‏.‏

المهم سيدي‏..‏ عدنا إلي البيت أكثر حيرة‏,‏ جاء خالي لنا وأخبرناه‏,‏ فقال إنه لابد أن يعود إلي بيته‏,‏ فهذا حقه‏..‏ وقال المحامي‏:‏ إنه لو عاد سيستعيد أمواله منكن‏,‏ أعمامكم سيرفضون‏,‏ وسيقدر عليكن‏,‏ ولو عالجناه‏,‏ قد يعود إلي ما كان عليه وينتقم منكن‏.‏ قلنا مرة ثانية عذاب وذل وبهدلة‏.‏

اتفقنا أن نذهب له كل شهر‏,‏ نمنحه صدقة تكفيه وطعاما وملابس‏..‏ فكرنا في إدخاله مستشفي والانفاق عليه ولكن خشينا أن يشفي ويفهم ما فعلناه به فينتقم منا‏.‏

سيدي‏..‏ عقولنا ترفض عودته‏,‏ ولكن ضميري يؤلمني‏,‏ صوت في داخلي يقول لي‏:‏إرحمي عزيزا ذل‏,‏ إرحمي آباك في شيخوخته‏,‏ يكفي ما يراه من عذاب‏,‏ يغسل سلالم العمارات في عز الشتاء‏,‏ ألا يكفي انتقام الله‏.‏

منذ أيام ذهبنا إليه وجدناه مريضا في حجرة متواضعة بجوار المسجد‏,‏ وقال لنا إمام المسجد‏:‏ إن الطبيب أخبرهم بمرضه بالسكر والضغط وماء علي الرئة‏..‏ أهل الخير أحضروا له الدواء‏..‏ وجدت بجواره كيسا فتحته وجدت به خبزا عفنا‏..‏ أتألم له ومنه‏..‏ أتذكر ذات صباح عندما استيقظ من النوم فلم يجد خبزا طازجا‏,‏ ففتح رأس أمي بغطاء ماكينة الخياطة‏..‏ وها هو اليوم يأكل خبزا عفنا‏..‏ يا الله‏!.‏

سيدي‏..‏ نعيش في أزمة بين ضمائرنا وبين ذكرياتنا المؤلمة‏..‏ نعجز عن الاتفاق علي قرار‏..‏ فقررنا الاحتكام إليك‏,‏ لعلك تساعدنا علي اتخاذ القرار السليم بدون أن تظلمنا‏!.‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سيدتي

ألتمس الأعذار لمن يري الظلم ويعاني منه‏,‏ وتغيب أو تتأخر عدالة الله سبحانه وتعالي ـ لحكمة يعرفها ـ عن أنظار العباد‏..‏ ولكن عندما يأتي عقاب الله وإنتقامه من الظالم أمام عيني المظلوم وفي حياته‏,‏ أتساءل كيف لهذا المظلوم أن ينقلب إلي ظالم غافلا عن عدالة الخالق العظيم الذي يمهل ولا يهمل‏.‏

سيدتي‏..‏ من يقرأ الجزء الأكبر من رسالتك‏,‏ لابد أن يغضب ويتألم ويطالب بالقصاص من مثل هذا الأب‏,‏ ومن يقرأ الجزء الأخير‏,‏ لابد أن يتمهل ويعيد النظر إلي الصورة مكتملة قبل أن يصدر حكمه بدون قسوة أو اندفاع عاطفي‏.‏

أعتقد أنك لست في حاجة الآن للتعبير عن الرفض الكامل لسلوكيات والدك قبل فقدانه لذاكرته‏..‏فمهما كانت الكلمات فلن تعبر عن الألم والمهانة التي تعرضتم لها جميعا من سلوكيات هذا الأب‏,‏ والذي لولا نهايته‏,‏ لكان الكلام فيها لا ينتهي‏,‏ فما فعله بعيد عن الإنسانية كل البعد‏,‏ وليس فقط بعيدا عن الأبوة‏.‏

ستقولين إنه الماضي الذي يعيش فيكن حتي الآن‏,‏ ولكن الآن ليس أمامك إلا التعامل مع الحاضر من أجل المستقبل‏,‏ فالعيش في الماضي لن يزيدكن إلا ألما‏.‏

فعندما تصلني رسالة غاضبة من ابن لسوء سلوك أو رعاية أحد والديه‏,‏ تطل أمام عيني الآية الكريمة‏:‏ وإن جاهداك علي أن تشرك بي ماليس لك به علم‏,‏ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا‏..‏ الخالق‏,‏ الجابر‏,‏ المنتقم‏,‏ عندما يصل الأمر إلي الدعوة للشرك به من أحد الأبوين‏,‏ يأمرنا بعدم طاعتهما في هذا فقط‏,‏ بينما يطالبنا سبحانه وتعالي بمصاحبتهما في الدنيا معروفا‏,‏ هذا في حقه‏,‏ فما بالنا لو الأمر يتعلق بنا نحن الأبناء البشر‏,‏ ألا ترين أن في هذه المصاحبة والتكريم أمرا إلهيا يجب الامتثال إليه‏,‏ فإذا سلمنا بذلك‏,‏ واستندنا إلي أمر الإحسان ـ المتكرر في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ـ إلي الوالدين‏,‏ وقررنا أن يكون القرار ابتغاء لمرضاة الله‏,‏ فإن قراركن سيكون واحدا ومحددا‏.‏

سيدتي‏..‏ إن لذة الانتقام لا تدوم سوي لحظة‏,‏ أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلي الأبد‏,‏ واستمعي إلي قوله سبحانه وتعالي وليعفوا وليصفحوا‏,‏ ألا تحبون أن يغفر الله لكم‏....‏ ألا تحبون أن يغفر لكم الله‏,‏ كم هو مقابل زهيد‏,‏ مهما تكن قسوة الأيام‏,‏ فالتسامح يا عزيزتي جزء من العدالة‏.‏

لا أريد أن أدخل معكم في فرضيات‏,‏ لأن إذا قلت أنكن لو عالجتوه وأحسنتم إليه قد يعود إلي سيرته الأولي‏,‏ سأقول لكم ومن أدراكن أن الله قد يعيد إليه ذاكرته الآن ويزداد انتقامه منكن لأنكن تركتموه‏.‏

إن ما أنتن فيه من حقه‏,‏ إنه ماله حتي ولو كان ظالما لكن‏,‏ وعودته وهو فاقد الذاكرة ـ علي قدر ما أعرفه ـ لا يعطيه الحق القانوني في التصرف فيما يملك لأنه ليس أهلا لذلك‏,‏ ولكن نصيحتي لك ولشقيقاتك أن تكون قبلة قراركن خالصة لوجه الله سبحانه وتعالي‏,‏ وأن تذهبن إليه فورا وتعدنه إلي بيته وتحرصن علي علاجه‏,‏ وثقي بأن الهناء والاستقرار والسعادة لن يعرفوا طريقهم إليكن إذا ظل أبوكن ملقي في الطريق‏.‏ إن المنتقم يرتكب نفس الخطيئة التي ينتقم لأجلها‏,‏ فلا تواصلن حياتكن وأنتن ترتكبن نفس الخطيئة‏,‏ والأولي أن يبكي الابن من أن يبكي الأب‏,‏ كما قال المفكر بترارك‏.‏

وخذي وعد الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم‏:‏عفا الله عما سلف‏,‏ ومن عاد فينتقم الله منه‏,‏ والله عزيز ذو انتقام‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

بريد الجمعة يكتبه - خيري رمضان

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

الخطة الجهنمية‏!‏

أنا شاب في الثامنة والعشرين من عمري‏..‏ أتابع باهتمام ‏««‏بريد الجمعة‏»»‏ واستطيع ان اقول ان ما يقرب من‏80%‏ من خبرتي بالحياة قد اكتسبتها منه‏,‏ ولهذا فإني ألجأ إليك لألتمس منك الرأي والمشورة في مشكلتي التي أقف أمامها حائرا الآن‏.‏ فلقد بدأت القصة منذ أكثر من عام حين تعرفت بسيدة متزوجة تكبرني بثماني سنوات ولها ابنة عمرها‏17‏ عاما‏,‏ ثم توثقت صلتي بها سريعا لظروف غياب زوجها المتكررحيث يضطره عمله للسفر لفترات طويلة‏,‏ فأصبحنا نتحدث في التليفون لساعات طويلة ونلتقي في الأماكن العامة ونتبادل أحاديث الحب والهيام‏,‏ كما بدأت أزورها في بيتها عند سفر زوجها‏,‏ وتكررت هذه الزيارات الي ان تخطينا كل الخطوط الحمراء وأصبحت علاقتي بها كاملة‏..‏ واستمر الحال علي هذا النحو بضعة شهور‏..‏ لم يعد لكل منا خلالها شاغل سوي الآخر‏,‏ وأصبحت ازورها في بيتها كلما سافر زوجها وخلا البيت عليها في غياب ابنائها في مدارسهم وتزورني هي من حين لآخر في بيتي الذي أقيم فيه وحيدا بعد زواج كل إخوتي ورحيل أبي وأمي منذ سنوات‏.‏

إلي أن جاء يوم وفوجئت بها تعرض علي خطة جهنمية‏,‏ تضمن لنا كما قالت استمرار علاقتنا بلا متاعب إلي أبعد مدي‏,‏ وتجنبنا شكوك الآخرين في أسباب زياراتي المتكررة لها في بيتها أو زياراتها لي‏..‏ أما هذه الخطة فهي أن ارتبط بابنتها ظاهريا‏..‏ وأن تشجعها هي علي قبول الخطبة من ناحية المبدأ فتتسع أمامنا الفرصة للاستمرار في علاقتنا الخاصة بلا مشاكل لعدة سنوات لأنها مازالت طالبة بالمرحلة الثانوية‏..‏ وقد تنضج الفتاة خلال هذه السنوات وتتجه مشاعرها لزميل لها في الجامعة مثلا أو تكتشف انني لست فتي أحلامها لتعتذر عن عدم إتمام الخطبة والزواج فأتحلل من مشروع الارتباط بها ونفوز نحن وأنا وأمها ببضع سنوات من العلاقة الحميمة بلا متاعب أو ظنون‏..‏ فإذا حدث العكس وتعلقت بي الفتاة ورغبت في استكمال المشوار معي الي نهايته فليس ثمة ما يمنع من ذلك‏,‏ علي أن تتوقف علاقتي بوالدتها عند هذا الحد وتقوم بيننا علاقة المصاهرة‏!‏ انني اعرف انك تريد الآن ان تمزق هذه الرسالة وتلقي بها في سلة المهملات وانت تلعنني لكني اناشدك ان تستمر في قراءتها حتي النهاية لعلك تجد في خاتمتها ما يخفف بعض غضبك عني‏..‏

لقد ألحت علي شريكتي بهذه الخطة‏..‏ وفكرت فيها بعض الوقت فلم ار مانعا من تنفيذها‏,‏ وكلفتها بأن تمهد لي الطريق ففعلت‏,‏ وحدثت ابنتها عني‏,‏ وشجعتها علي الترحيب بي‏,‏ وانتظرنا مجئ أبيها من رحلة عمل له‏..‏ وتقدمت اليه طالبا يد ابنته‏..‏ فتردد في البداية في القبول بسبب صغر سن ابنته‏..‏ لكن شريكتي نجحت في ازالة تردده‏,‏ وأيدت فكرة الارتباط المبكر لابنتها بشاب ممتاز مثلي لكي يحميها هذا الارتباط من الإغراءات الكثيرة التي تحيط بها نظرا لجمالها الملحوظ وغياب الأب معظم الأوقات‏..‏ وذكرت زوجها بأنه قد خطبها وعمرها‏17‏ عاما مثل ابنتها وتزوجها وعمرها‏18‏ عاما‏..‏ فاقتنع الرجل بذلك وأعلن موافقته بعد أن لمس من ابنته ترحيبها بهذا الارتباط‏.‏

وبالفعل تمت قراءة الفاتحة ثم الخطبة وأصبحت اتردد علي بيت شريكتي بلا حرج‏,‏ وازدادت فرص اللقاء بيننا كثيرا وأصبح اتصالنا التليفوني بالساعات أمرا علنيا أبدؤه بالحديث مع الفتاة لبعض الوقت ثم تأخذ الأم السماعة وتتحدث معي بحريتها وتدعوني للحضور أو تطلب مني مقابلتها لشراء شئ في وسط المدينة إلخ‏..‏ ولم ألحظ أي شك من الفتاة في طبيعة علاقتي بأمها‏..‏ ولاحظت علي العكس من ذلك انها سعيدة بي وبالمودة التي تجمع بيني وبين امها وإخوتها وسعدت بذلك في البداية وشعرت بأن كل شئ يمضي كما هو مخطط له تماما‏,‏ لكني بدأت اشعر فجأة بالذنب تجاه هذه الفتاة البريئة التي اشترك أنا وأمها في خداعها وبالندم علي ما تورطت فيه معها‏..‏ ومع امها علي السواء وبدلا من ان يستمر ابتهاجي بنجاح الخطة وجدت نفسي أشعر بالخوف الشديد مما سيحيق بي من غضب ربي لما فعلت وتدهورت اليه من علاقة آثمة مع شريكتي‏..‏ وبدأت الهواجس تلاحقني وتفسد علي أوقاتي واعتراني الضيق والاكتئاب ولاحظت انني لم أعد اشعر بالمتعةالتي كنت اشعر بها مع والدتها من قبل‏..‏ وانما بالألم والضيق والذنب‏,‏ كما لاحظت ايضا انها قد اصبحت مهمومة معظم اوقاتها ولم تعد سعيدة ومبتهجة دائما معي كما كانت من قبل ونهضت من نومي ذات ليلة مفزوعا وأنا أشعر كأن أحدا يخنقني‏,‏ فاستقر عزمي بعد تفكير طويل علي أمر‏..‏ وتوجهت للقاء شريكتي وصارحتها بندمي علي ما وصلنا اليه معا ففوجئت بها تقول لي انها تشعر هي الأخري بنفس هذا الندم وتريد ان تفاتحني في ضرورة التوقف عن الاستمرار في الخطأ لأنها لم تعد قادرة علي مواصلته ولا سعيدة به‏..‏ واسترحت كثيرا حين سمعت منها ذلك واتفقنا علي وقف اللقاءات الخاصة بيننا‏,‏ والاستمرار في العلاقة العائلية التي تجمعنا بصفتي خطيبا لابنتها وبصفتها أما لخطيبتي والتزمنا بهذا القرار وبدأ كل منا يصلي ويستغفر الله كثيرا ويندم علي ما بدر منه‏,‏ واستمرت صلتي العلنية بأسرة خطيبتي كما كانت من قبل وأصبحت ادخل بيت الأسرة وقد تحررت لأول مرة من الإحساس بالإثم والخداع‏,‏ وأصبحت شريكتي السابقة تقابلني بود واحترام ولا تتطرق الي أي احاديث خاصة بنا لكن هاجسا جديدا بدأ يؤرقني وهو هل يحل لي الزواج من هذه الفتاة بعد خطئي مع أمها أم لا‏..‏ وتحرجت من أن أسأل احدا في ذلك خوفا من ان يكتشف الحقيقة‏..‏ وتوجهت الي دار الإفتاء بسؤال مكتوب عن جواز ارتباط شاب بفتاة سبق له ان أخطأ مع امها وتوقف عن الخطأ فجاءني الجواب بأن الإمام احمد بن حنبل قد حرم مثل هذا الزواج في حين أباحه الأئمة الثلاثة الآخرون واخذت بالرأي الأخير ومضيت في مشروع الزواج‏..‏ وبدأنا نتحدث عن تحديد موعد قريب لعقد القران‏..‏ لكني وجدتني بالرغم من ذلك حائرا ومترددا ولا اعرف ماذا ينبغي لي ان افعل‏..‏ وهل ارتبط بهذه الفتاة للنهاية واتزوجها‏..‏ أم ابتعد عن هذه الأسرة كلها خاصة ان امها كانت قد عرضت علي حتي بعد توقف العلاقة الخاصة بيننا ان تحصل من زوجها علي الطلاق وتتزوجني اذا رغبت انا في ذلك‏,‏ لكني رفضت هذا الاقتراح بشدة لكيلا اصدم اسرتها وافرق ابناءها الذين ينعمون بحياة عائلية طبيعية بالرغم من كل ما حدث‏.‏

انني اعرف انني لست موضع احترامك الآن بالمرة لكني اثق انك لن تبخل علي بالرغم من ذلك بالرأي السديد والمشورة ولعله يخفف من حنقك علي ان تعلم ان ما وصلت اليه من تقويم هذه السيدة يستحق الاحترام بالفعل فلقد اصبحت تصلي وترتدي الملابس الطويلة والمحتشمة وتغطي شعرها ولا تتحدث مع احد اطلاقا‏,‏ ونفس الشئ حدث ايضا للفتاة التي كانت علي وشك ان تتخذ نفس اتجاه الأم قبل ارتباطي بها فعدلت مسار تفكيرها وأصبحت ملتزمة ومحتشمة تماما‏.‏

والآن بماذا تنصحني ان افعل‏..‏ يا سيدي؟

: ولكاتب هذه الرسالة اقول‏

لست اريد ان اخوض في نهر الفقه العميق لكي اناقش صحة ما اوردته في رسالتك من موقف الأئمة الأربعة الأجلاء من مثل هذا الزواج المحاط بالشكوك والريب‏..‏ لكني اقول لك فقط انك قد أخطأت في النقل عن فتوي دار الإفتاء فيما قلته عن مواقفهم منه فلقد رجعت الي الفتوي رقم‏1164‏ من فتاوي دار الإفتاء المصرية والصادرة في عهد الإمام الراحل الشيخ جاد الحق علي جاد الحق يرحمه الله حين كان مفتيا للجمهورية‏,‏ فوجدت الفتوي في مسألة مشابهة تشير الي انه ليس ابن حنبل وحده رضي الله عنه هو الذي يحرم مثل هذا الزواج‏..‏ وإنما يحرمه ايضا فقهاء المذهب الحنفي والثوري والأوزاعي‏,‏ حيث يثبتون لارتكاب الخطيئة مع الأم ما يحرم بالمصاهرة ويقولون ان من ارتكبها مع امرأة فقد حرمت عليه أمها وابنتها وجدتها وحرمت هي علي ابيه واجداده وان علوا وعلي ابنائه وان نزلوا‏,‏ في حين اجازه فقهاء الشافعية والمالكية علي كراهته اعتمادا علي انه لا يعتبر في التحريم بالمصاهرة الا النكاح الحلال الذي لا شبهة فيه‏,‏ فإذا لم يكن كذلك لم تقع به حرمة المصاهرة ولكن يكره مثل هذا النكاح ولا يندب اليه أي لا يكون مفضلا‏,‏ وبغض النظر عن اختلاف الأئمة الأجلاء في هذا الأمر وكل مصيب كما يقولون فإني أسألك عما يغريك بفتاة صغيرة لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها لكي تسعي للارتباط بها وقد اخطأت من قبل مع أمها‏..‏ ولم تكن خطبتك لها من البداية سوي جزء من خطة جهنمية شائنة للتعمية علي علاقتك الآثمة بوالدتها؟

ولماذا تصر علي مخالفة احكام العقل والأخلاق باستمرار وجودك في حياة هذه الفتاة الضحية والظروف المعقدة المحيطة بها قد تنذر باحتمال تجدد العلاقة بينك وبين أمها في أي مرحلة من العمر‏,‏ بدليل عرضها عليك حتي بعد خطبتك لابنتها وتوقف العلاقة الآثمة بينكما ان تحصل علي الطلاق من زوجها وتتزوجك؟

الا يعني ذلك ان القصة المؤسفة لم تنته كل فصولها بعد‏..‏ وان استمرار وجودك بالقرب من هذه السيدة قد يحمل لك نذر تجددها في أي لحظة؟‏.‏

إن الإنسان ضعيف بطبعه أمام الإغراءات‏..‏ والمثيرات ونداءات الغريزة والمغامرة‏..‏ وسوابقك الأخلاقية لا توحي بأن استشعارك للندم او استشعار شريكتك له قد يكون كافيا الآن أو في المستقبل القريبلحماية كل منكما من ضعفه تجاه الآخر الي ما لا نهاية‏..‏

فلماذا اذن تضع نفسك وتضع هذه السيدة موضع اختبار قد يدوم طوال ارتباطك بابنتها؟ ولماذا لا تنجو بنفسك من حقل الألغام الذي دخلته بقدميك فتحمي هذه الفتاة الصغيرة مما ترشحها له انت وامها من عذاب كعذاب الأساطير الإغريقية حين تكتشف ذات يوم ما كان من امركما معا‏..‏ او ما سوف يستجد منه في قادم الأيام؟

ولماذا ايضا لا تعين هذه السيدة علي نفسها بالخروج نهائيا من حياتها‏,‏ وكفاك وكفاها اثما ما كان من امركما معا‏..‏ وما كان من امركما مع هذه الفتاة التي ارتضت لها امها لا سامحها الله أن تتخذها ستارا خادعا لعلاقتها بك‏,‏ حتي لو أدي ذلك الي استغلالها هذا الاستغلال الدنئ واللعب بعواطفها الغضة بغير شفقة لحساب اهوائها ونزواتها؟ يا إلهي؟ ان من الحيوانات الثديية من قد لا ترضي لفلذات اكبادها بهذا الاستغلال الدنئ‏,‏ فكيف يرضي به بعض البشر لثمرات قلوبهم؟ إنني لن احدثك عن الحلال والحرام لأنك تعرف جيدا كل ما يمكن ان يقال في ذلك ولكني سأقول لك فقط انه حتي في الخطأ‏,‏ من الأخطاء ما قد يخفف من بعض وزره انه قد يراعي بعض القوانين الأخلاقية دون بعضها فلا يضاعف مرتكبه من جرمه باستغلال الآخرين أسوأ استغلال ولا يقترب في خطئه بالأذي ممن يأمنون اليه ويعتمدون عليه ويثقون في اخلاص نياته تجاههم‏,‏ ومن الخطأ كذلك مالا يراعي فيه مرتكبه اي قانون اخلاقي أو حرمة لشئ او شفاعة لصلة رحم او قرابة‏,‏ فكأنما لا يري فيما يفعل الا نفسه ورغباته وأهواءه مهما ترتب عليها من إيلام وإيذاء للآخرين‏.‏ وخطأ هذه السيدة في حق ابنتها بوضعك في طريقها لكي تكون ستارا شائنا لعلاقتها الآثمة بك هو من هذا النوع الأخير الذي يضيف الي جرم الخطيئة‏,‏ خسة خداع اقرب الناس اليها وأحقهم عليها بالحماية من مثل هذا الخداع ولو ضحت هي في سبيل ذلك بكل اهداف الحياة‏.‏

ولقد قلت مرارا ان الضمير الأخلاقي قد لا يمنعنا في بعض الأحيان من ارتكاب الخطايا‏..‏ لكنه يحرمنا بكل تأكيد من الاستمتاع بها‏,‏ وما حدث لك ولهذه السيدة بعد تورطكما في خداع هذه الابنة‏..‏ ونجاح خطتكما الجهنمية في إضفاء الصيغة الملائمة علي وجودك في حياة هذه الأسرة يؤكد ذلك‏,‏ غير أنني أصارحك بأنني لا أطمئن كثيرا الي الاعتماد علي هذا الوازع الأخلاقي في علاقتك بهذه السيدة‏..‏ اذا استمرت صلتك بابنتها وتطورت الي الزواج‏..‏ كما انني لا ارشح مثل هذا الزواج الذي لا احسب الا انك تتلمس الآن الذرائع للنكوص عنه‏,‏ للنجاح والاستمرار بلا مشاكل محزنة‏..‏ وأسبابي لذلك هي انك حتي ولو نجحت في الاستمرار في مقاومة نداء تجدد العلاقة بينك وبين هذه السيدة‏,‏ فإنك لن تنجو غالبا من مؤثرات هذه العلاقة السابقة عليك ورواسبها الأخلاقية في اعماقك في علاقتك بهذه الفتاة في المستقبل‏..‏

فلاشك انك رغم اعتزازك بما تقول انك قد نجحت فيه من تقويم هذه السيدة‏.,‏ وتعديل مسار تفكير ابنتها التي كادت تمضي علي درب امها لولا جهدك المشكور في تقويمها‏!‏ اقول انك لاشك لا تخلو في اعماقك من بعض عدم الاطمئنان الي نوعية القيم الأخلاقية السائدة في الوسط العائلي لهذه السيدة وابنتها‏,‏ وانك لن تخلو فيما اتصور من بعض الهواجس والظنون في ان تكون لهذه القيم المتساهلة بعض الأثر علي التزامها وسلوكها في المستقبل‏..‏ وحتي ولو كانت فتاة طيبة ولا غبار علي أخلاقياتها فإنك قد تظلمها بهواجسك وشكوكك ورواسب علاقتك السابقة بأمها‏..‏ وتساؤلاتك عما اذا كان لسوابق امها معك من اثر علي نظرتها للحياة واخلاقياتها في المستقبل‏..‏ فلماذا لا تحميها من كل ذلك‏..‏ وتدعها لشأنها‏..‏ ولها من جمالها وصغر سنها ما قد يرشحها للارتباط بمن لا ينطوي لها علي شئ من مثل هذه الهواجس والظنون‏!‏ ولماذا لا تبتعد انت عن البوتقة التي تضطرم فيها نيران الشكوك؟‏..‏ واحتمالات تجدد العلاقة الآثمة مع الأم‏..‏ واحتمال اطلاع الابنة علي علاقتك بأمها‏..‏ واحتمال انفجار الموقف كله بفضيحة مدوية وانهيار أسرة بأكملها وتبدأ حياة جديدة ونظيفة وخالية من كل الشوائب مع فتاة لا تربطك بأسرتها مثل هذه الروابط المركبة والمعقدة‏.‏

انني لا أظن ان هذه الفتاة سوف تخسر الشئ الكثير بفقدها لك‏..‏ بل لعلي اقول انها ستربح نفسها وسعادتها في المستقبل اذا نجت من الارتباط بك ومن هذا الزواج الذي يحمل في ثناياه من عوامل الفشل والقلاقل والاضطراب أكثر مما يحمل من عوامل النجاح والاستقرار والأمان‏.‏

ولقد ركزت حديثي كله علي هذه الفتاة باعتبارها الضحية الأولي للخداع البشع والخطط الجهنمية الآثمة من جانب أمها‏..‏ وجانبك‏,‏ اما الضحية الأخري لهذه القصة وهي والدها فحسابكما‏,‏ مع خالقكما‏,‏ لكن أبسط ما تستطيع ان تقدمه له الآن اذا كان مازال لصوت الضمير من أثر عليك هو ان تختفي من حياة ابنته وأسرته وعائلته‏..‏ عسي أن يرشحك ذلك مع صدق الندم وصحة العزم للتطهر مما جنيته عليه من قبل‏..‏ والسلام‏..

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

44286‏السنة 132-العدد2008مارس7‏29 من صفر 1429 هـالجمعة

<h3 dir="rtl">الدمـوع السـاخنة</h3>

44286_15m.jpg

أكتب إليك قصتي‏,‏ بل حيرتي التي تلازمني منذ طفولتي‏,‏ بعد أن ملأ الحقد قلبي‏,‏ وأغلقه في وجه أبواب الرحمة والسماح والنسيان‏.‏ فأنا في موقف‏,‏ عقلي يؤكد لي أني علي صواب‏,‏ وقلبي أو بمعني أدق مشاعري التي لاأملك السيطرة عليها‏,‏ تعاتبني وتحرضني علي العفو‏,‏ ولكن شيئا مايمنعني‏.‏

أنا شاب في الثلاثين من عمري‏,‏ لي شقيق يصغرني‏..‏ نشأنا في بيت كبير دافئ‏,‏ في ظل أبوين حنونين‏,‏ تزوجا بعد قصة حب كبيرة‏,‏ جعلتني في سني عمري الأولي أعيش بهجة لاتفارق مخيلتي‏,‏ لأنها كانت قصيرة‏,‏ وسرقت مني في غفلة‏,‏ لتتركني أواجه ذكري من المرارة لاتفارقني‏.‏

بدأت المأساة ـ سيدي ـ عندما سافر والدي‏,‏ مثل غيره‏,‏ إلي الخليج‏,‏ بعد أن جاءته فرصة جيدة سترفع مستوي معيشتنا‏,‏ وقد رحبت والدتي بذلك‏,‏ مؤكدة أنها ستتحمل تلك الفترة التي تمنينا ألا تطول‏.‏

كان سفر والدي‏,‏ هو بداية تغيير غريب طرأ علي سلوك أمي‏,‏ تغير لم أفهمه بتفكيري المحدود‏,‏ وإن تبينت مبرراته فيما بعد‏.‏ أهملتنا أمي‏,‏ وانشغلت عنا بصورة غريبة‏..‏ لم تعد تهتم بدروسنا واحتياجاتنا‏,‏ وأصبحت تتغيب كثيرا عن البيت وتتركنا وحدنا‏,‏ نواجه احتياجاتنا أنا وشقيقي‏,‏ ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلا‏.‏

عاد والدي فجأة من عمله بالخليج‏..‏ عاد كما لم يكن عند سفره‏,‏ عاد مريضا بالسرطان‏,‏ وفي حال سئ‏,‏ استدعي دخوله المستشفي‏,‏ علي أمل انقاذه‏,‏ وإن كان هذا الأمل ضعيفا‏,‏ إلا أن ارادة الله ورحمته كانتا أرحم وأوسع‏.‏

مكث أبي في المستشفي طويلا‏,‏ وكنا نتردد عليه لزيارته‏,‏ فكان يفرح كثيرا بوجودنا‏,‏ فتزداد رغبته في الحياة‏,‏ وبالتالي قدرته علي مواجهة هذا المرض الشرس‏.‏ لكن الغريب في الأمر‏,‏ أن أمي بدأت تتململ من زيارتها لأبي‏,‏ وتختلق الحجج حتي تهرب من هذه الزيارة التي أصبحت ثقيلة علي قلبها‏,‏ حتي أنها بدأت تفتعل المشكلات مع أسرة أبي حتي تجد لنفسها مايبرر هذا الغياب غير المبرر تحت أي ظروف‏..‏ وأصبح أهل أبي يكذبون عليه‏,‏ ويبررون غيابها عن الزيارة بالمرض مرة‏,‏ وبالانشغال بنا وبدروسنا مرات‏,‏ مع اخفاء كل مايحدث بينهم حتي لايؤثروا علي حالته النفسية‏.‏

وذات مساء أسود‏,‏ لايبرح ذاكرتي‏,‏ يؤلم نفسي حتي هذه اللحظة‏,‏ استيقظت من النوم‏,‏ لأفاجأ برجل غريب مكان أبي مع أمي‏..‏ انفجرت في البكاء‏,‏ لم أفهم شيئا‏,‏ ولم أع بعقلي الصغير معني لوجود هذا الرجل في حجرة نوم أمي‏,‏ ولكني حزنت لوجود رجل آخر‏,‏ غريب مكان أبي‏..‏ فوجئت أمي بي‏,‏ وقالت كلمات لاأتذكر منها شيئا‏,‏ سوي رجائها لي بعدم إخبار أبي أو أي أحد آخر بما شاهدته‏..‏ قالت لي ذلك بلهجة فيها توسل وتهديد في آن واحد‏.‏

في أول زيارة لي لأبي‏,‏ لاحظ أني لست طبيعيا‏,‏ فسألني‏,‏ عن سر حزني وصمتي‏,‏ فوجدت نفسي أحكي له ماشاهدته وماقالته لي أمي وليتني مافعلت‏!‏

لن أنسي ماحييت تلك اللحظات التعيسة‏,‏ وأنا أري وألمس دموع أبي الساخنة المنهمرة علي وجهه‏,‏ وجسده وهو ينتفض‏,‏ وكأن سكينا مغروس في قلبه‏,‏ وأنا أبكي في حضنه ولا أعرف ماذا أفعل كي أخفف عنه هذه الآلام‏.‏

تدهورت حالة أبي الصحية ووصلت الي أسوأ أوضاعها‏,‏ مما استدعي اجراء خمس عمليات دقيقة في الأمعاء‏,‏ الغريب والذي لايصدقه أحد‏,‏ أن والدتي في تلك الفترة الحرجة أصرت علي الطلاق وبعنف‏,‏ علي الرغم من محاولات الأهل والأصدقاء لإثنائها عن هذا القرار لحين شفاء أبي‏,‏ والذي لم يتخذ هذا القرار ولم يسئ اليها علي الرغم مما عرفه عن تصرفها المشين‏.‏

أمي رفضت كل الوساطات بقلب متحجر‏,‏ وقالت إنها شابة وجميلة‏.‏

ولن تدفن نفسها وشبابها مع رجل يجلس ملك الموت بجواره‏.‏

أتذكر جيدا أن الطبيب المعالج ذهب لأمي وناشدها أن تأتي لزيارته قبل أن يحل القضاء‏,‏ لأنه مازال يحبها‏,‏ وزيارته سترفع كثيرا من معنوياته‏,‏ ولكنها وبكل أسف أصرت علي الطلاق عن طريق المحكمة التي قضت لها أيضا بحضانتنا أنا وشقيقي‏.‏

أخذتنا أمي لنعيش اسوأ أيامنا مع أسرتها‏,‏ وكانت تخصني أكثر بكل صنوف العذاب والاهانات‏..‏ أيام مؤلمة عشناها مع أم عابثة مستهترة‏,‏ لم تراع الله في أولادها‏,‏ ولم تلتفت إلي كلام الناس عن ماتفعله بنا‏,‏ فقد كانت ترفض أن نستحم حتي تفوح رائحتنا‏,‏ فتضطر آسفة إلي الموافقة علي الاستحمام‏,‏ هذا عدا منعها لنا من زيارة أبي في المستشفي‏.‏

لكن الله كان رحيما بنا‏,‏ حدثت المعجزة‏,‏ ومن عليه بالشفاء وخرج من المستشفي وهو شبه إنسان‏,‏ وبدأ يتعافي ببطء حتي استعاد عافيته‏,‏ فأقام دعوي ضم لنا‏,‏ فحكمت له المحكمة بذلك وعدنا مرة أخري إلي الحضن الدافيء‏,‏ وعدنا مرة أخري إلي آدميتنا وإحساسنا بمعني الابوة‏,‏ فقد كان يغدق علينا بحنان غامر حتي يعوضنا مما عانيناه‏.‏

بعد أن تخلصت أمي منا‏,‏ تزوجت مباشرة‏,‏ ثم أنجبت من زواجها الجديد ولم تفكر يوما في السؤال عنا أو طلب رؤيتنا‏,‏ ولكن الغريب أن والدي كان يصر علي ذهابنا إليها كل أسبوع رغما عنا‏,‏ مبررا ذلك بأنها أمنا وعلينا رؤيتها ومن حقها رؤيتنا‏..‏ كان هذا الأب العظيم حريصا علي عدم تشويه صورتها أمامنا ـ أكثر ما هي مشوهة ـ بل كان يلتمس لها الأعذار التي لم تكن تقنعنا ولكننا كنا نقبلها ونوحي له بأننا نصدقها حتي لا نؤلمه‏.‏

سيدي‏..‏ لا أريد أن أطيل عليك‏,‏ مرت بنا السنون‏,‏ وأنا أحارب صورة أمي المشينة التي لا تفارق ذاكرتي‏,‏ ولولا وجود أبي بحنانه وحكمته لكنت إنسانا مريضا يعالج عند طبيب نفسي‏.‏ تخرجت أنا وشقيقي في الجامعة‏,‏ وعند أول فرصة‏,‏ فررت من مصر‏,‏ هربت من صورة أمي التي تطاردني‏,‏ ومن كل الذين يعرفون حكايتها‏,‏ وهربت إلي أوروبا‏,‏ وتزوجت من نفس البلد الذي أعمل به‏,‏ واستمرت علاقتي الدافئة بأبي وأخي‏..‏ أما أمي فقد قطعت صلتي بها نهائيا‏,‏ لا أسأل عنها ولا أحادثها‏.‏ سيدي‏..‏ تسألني أين المشكلة‏..‏ والدي وأخي‏,‏ يلحان علي‏,‏ خاصة في الفترة الأخيرة‏,‏ أن أتصل بأمي‏.‏

أسأل عنها وأبرها كما أمر الله ـ سبحانه وتعالي ـ خاصة أنها مريضة وتمر بظروف سيئة ومؤلمة‏..‏ حاولت كثيرا‏,‏ ولكن قلبي موصد‏..‏ أفكر أحيانا في أن أفعل ذلك إرضاء لربي ولوالدي‏,‏ ولكني أستعيد كل ما حدث‏,‏ فأهرب من الفكرة‏,‏ حتي يعود أبي من جديد ليرجوني أن أفعل ذلك‏,‏ حتي ازداد شعوري بالذنب‏,‏ وصرت أعاني من صراع داخلي‏,‏ لا أعرف كيف أواجهه أو أتجاوزه‏..‏ فبماذا تنصحني؟

*‏سيدي‏..‏ كم هو موقف صعب الذي تقف فيه‏..‏ فمن يقرأ سطور رسالتك بكل ما فيها من معاناة وقسوة‏,‏ لن يفكر طويلا‏,‏ وسيقول لك إن مثل هذه الأم لاتستحق أي مودة أو رحمة أو بر‏.‏ فما فعلته يفوق بكثير وصف القسوة أو الخسة‏,‏ فهي صورة لأم يندر وجودها‏,‏ نموذج شاذ وغريب علي مشاعر الأمومة الفطرية‏.‏

فعلي الرغم من أن الخطيئة غير مقبولة ومرفوضة عند كل بني البشر‏,‏ إلا أنها تحدث وتتكرر‏,‏ فإذا تاب المخطيء إلي ربه وحاول التكفير عن ذنبه‏,‏ وأبدي ندمه علي ما ارتكب في حق الله وفي حق الآخرين يمكن للانسان أن يبدأ من جديد‏,‏ متلمسا أبواب التوبة والمغفرة وهي متعددة‏.‏ ولكن ما فعلته والدتك‏,‏ ينم عن قلب مغلق‏,‏ وأنانية مرضية‏,‏ فلم تفكر في زوجها الذي كان أقرب إلي لقاء ربه وهو غاضب عليها لأنها خائنة‏,‏ ولم تستغل فرصة سماحته وصفاء قلبه ومقدرته الفائقة علي العفو‏,‏ والتي تتجاوز حدود النفس البشرية‏,‏ لتذهب إليه وتقبل قدميه وتعيش خادمة له ولكما‏,‏ سكن قلبها الشيطان وأغرتها الدنيا بشبابها وجمالها‏,‏ معتقدة أنها قادرة علي اقتناص السعادة‏,‏ فيما هي سائرة في طريق الألم والعذاب‏,‏ جاهلة بقصاص الله وانتقامه وعدله الذي لايغيب‏.‏

سيدي‏..‏ علي الرغم من أنك لم تحدثني كثيرا عن وضع والدتك الآن وموطن آلامها وعذابها‏,‏ إلا أني أثق في أنها تعيش أياما أسود مما أذاقته لكم وإن لم يحدث حتي الآن‏,‏ فسوف يحدث‏,‏ إلا إذا تابت إلي الله وقبل توبتها‏,‏ وإن كنت أشك في أن هذا حدث حتي الآن‏,‏ وإلا كانت بادرت بمحاولة استجداء عفوكم عنها‏,‏ وهذا يعني أنها مازالت مغمضة القلب والأحساس‏,‏ وأن الله غاضب عليها لم يرد لها الهداية ولم يرفع غضبه ـ سبحانه وتعالي ـ عنها‏.‏

ومع كل هذا‏,‏ أراني منضما إلي صوت والدك الرائع وشقيقك‏,‏ فأدعوك إلي مزيد من التسامح تلبية للأمر الإلهي‏,‏ بمصاحبتها في الدنيا معروفا‏,‏ مبتغيا وجه الله الكريم وإرضاء لوالدك‏..‏ فلاتدع الكراهية تسكن قلبك الطاهر‏,‏ ولا الانتقام يحاصر عقلك‏,‏ وثق بأنك باتصالك بها ستتخفف كثيرا من عبء الشبح الذي يطاردك‏,‏ وستسمو نفسك بسمو تصرفك الانساني‏,‏ متخذا من سبيل والدك‏,‏ الذي أكرمه الله وعافاه وهو من الصابرين الراضين بابتلائه‏,‏ فنحن لانفعل الاحسان إرضاء للآخرين‏,‏ ولكن نفعله تدريبا للنفس علي الطاعة وعدم الاستسلام للهوي وفي ذلك متعة وسعادة بلا حدود‏.‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 40947‏1999يناير 15‏27 من رمضان 1419 هـالجمعة

النظرة الأخري‏!‏

أنا سيدة في الثامنة والثلاثين من العمر زوجة لرجل محترم في مركز مرموق طيب القلب وعلي خلق كريم‏,‏ وقد أنجبنا ثلاثة أبناء أكبرهم الآن في المرحلة الثانوية‏,‏ وقد أحببت زوجي منذ عرفته ومازلت أشعر تجاهه بالحب العميق وأحسن معاشرته وأستريح إليه ولا أشعر بوجود أي نقص في حياتي وأنا معه‏,‏ وقد مضت رحلتنا في الحياة سعيدة وهانئة وخالية من المنغصات ولم يحدث بيننا طوال حياتنا معا أية خلافات جادة‏,‏ واذا اختلفنا حول أمر من الأمور الهينة فما أسرع ماينتهي‏,‏ وما أسرع ما أصفح وأنسي لأنني أحب زوجي‏..‏ وأقدر له عشرته الجميلة وحنو قلبه ورقته‏,‏ غير أنه قد جد جديد كدر علي صفو حياتي‏,‏ وجعلني أنطوي علي نفسي وأبكي كثيرا ولا أجرؤ علي أن أشكو لأحد منه‏..‏ فنحن نقيم في عمارة بأحد أحياء القاهرة ويقيم بالقرب منا أحد أقارب زوجي‏,‏ وهو رجل يقترب من الستين ويعتبر في منزلة عم زوجي‏,‏ وزوجته سيدة محترمة وفاضلة تعاملني بكل الحب والاحترام وتوجهني لما فيه خيري وخير أسرتي وأبنائي‏,‏ ولا تبخل علي بالمشورة والنصيحة‏,‏ وأعتبرها بمثابة أم لي‏,‏ أما زوجها فقد كان دائما ينظر إلي باعتباري ابنة له وأنظر إليه باعتباره أبا لي‏,‏ لكنه ومنذ فترة غير قصيرة تغيرت نظراته لي فجأة وأصبح ينظر أنا إلي نظرة أخري ويفرض نفسه علي ويتعامل معي بأسلوب رخيص لا أقبله لنفسي‏,‏ كما بدأ يقول لي كلاما عجيبا بدعوي المزاح والتهريج عن أنني جميلة‏..‏ وجسمي كقطعة من الشيكولاتة وكيف أنني خسارة في زوجي وانه يحبني إلي آخر هذا الكلام الرخيص العجيب‏..‏ وقد اندهشت لهذا الكلام في البداية واعتبرته نوعا من المجاملة الزائدة لكني انزعجت له بعد قليل وشعرت بالخوف الشديد من هذا الرجل‏,‏ ورفضت أن أتجاوب معه في هذا التهريج السخيف وبعد أن كنت أثق فيه وأرحب بوجوده في بيتي في أي وقت‏,‏ أصبحت أخاف منه وأخشي أن يدخل بيتي في غياب زوجي‏,‏ ولقد أجبت علي كلامه الغريب لي بأنني أحب زوجي وانه هو وأبنائي هم أغلي ما في الوجود بالنسبة لي‏,‏ لكنه لم يكف بالرغم من ذلك عن هذا التهريج وواصل محاولاته السمجة معي وتحيرت طويلا ماذا أفعل معه‏..‏ وكيف أعيده إلي الطريق السليم‏..‏ وشعرت بضيق شديد ولم أستطع تحمل هذا البلاء طويلا وتشجعت قليلا فألمحت لزوجي بأن عمه يضايقني ويغازلني‏,‏ فلم يصدق ذلك في البداية ودهش له كثيرا‏,‏ وفسره بأنه مجرد مزاح وتهريج من رجل كبير يعتبرني في منزلة ابنته ورجاني ألا أردد هذا الكلام لأي إنسان آخر سواه حتي لا أتسبب في فضيحة كبيرة للأسرة كلها‏..‏ وشعرت بالعجز والقهر ازاء ذلك لأنني خجلت من أن أصارح زوجي بأكثر مما قلت له مما لايمكن أن يكون مجالا لأي تفسير بريء لما يفعله عمه‏,‏ وكتمت ضيقي في نفسي وواصلت حياتي علي أمل أن يكف الرجل عما يفعل ويرجع إلي سابق عهده معي‏,‏ لكنه لم يكف ولم يتوقف وانما تمادي فيه وبدأ يحاول أن يلمسني بحركات تبدو في الظاهر بريئة‏,‏ كأن يفتعل الاصطدام بي عفوا إلي آخر هذه الألاعيب الرخيصة ولم أطق صبرا علي ذلك وألمحت لزوجي مرة أخري بأن قريبه لم يتوقف عن مضايقتي وانما تجرأ أكثر علي فطالبني بالتحفظ ازاءه وتجنب فرص اللقاء معه ومع زوجته‏,‏ ففعلت‏,‏ وأصبحت لا أكاد أغادر غرفتي ومع ذلك لم يرحمني هذا الرجل‏,‏ ولم يكف عما يفعل فأصبحت لا أطيق مرآه وأخشاه‏,‏ وأصبح أبنائي يضيقون بتصرفاته المراهقة‏,‏ وزوجي لايدرك عمق المشكلة لأنني لم أصارحه بكل شيء حرجا منه‏,‏ ولكيلا تحدث كارثة أو فضيحة عائلية بسببي‏,‏ كما أنني لم أرد أن أهين هذا الرجل أو أن أحرجه مراعاة لزوجته‏..‏ فماذا أفعل حتي أتخلص من هذا البلاء؟‏..‏ علي أصارح زوجته وأولاده بما يفعل معي؟‏..‏ وكيف يكون الحال لو ظنت زوجته أنني أشجعه علي مايفعل؟‏..‏ انني أرجوك أن توجه إليه كلمة‏,‏ أن يتقي الله في حرمة البيوت‏..‏ وأن يمتنع من تلقاء نفسه عن دخول بيتي في غيبة زوجي‏..‏ وأن يعلم جيدا أنني أحب زوجي وأحترمه‏..‏ وأرفض هذا الانحدار وشكرا لك‏..‏

: ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏

هناك حقيقة نفسية نحتاج لأن نعرفها ونحسن التصرف ازاءها علي ضوء ادراكها وفهمها وليس عن جهل بها‏..‏ أما هذه هي الحقيقة فهي أن الرجل اذا استجاب لبعض عوارض مايسمي بأزمة منتصف العمر وتملكته الرغبة في أن يثبت لنفسه انه مازال الرجل القادر علي التأثير في الجنس الآخر‏,‏ فإنه قد يتوجه بمحاولاته هذه إلي من يحطن به من النساء في دائرته العائلية القريبة بنفس القدر الذي قد يتوجه به ـ اذا أتيحت له الفرصـ لمن يعرفهن في دائرة العمل والصداقات‏,‏ لهذا فإن تعامل المرأة المتزوجة مع الرجال من دائرة الأهل المقربين علي أساس أنهم أقرباء مبرؤون من رغبات الرجال الغرباء وبعيدون عن التأثر بنزواتهم وأهوائهم‏,‏ خطأ مبدئي ينبغي الاحتراس منه‏..‏ لأن تغير نظرة الرجال لمن حولهم من نساء الأسرة أمر وارد من الناحية النفسية في أي مرحلة من العمر‏,‏ ومن واجب الزوجة المحصنة ألا تنسي في تعاملها معهم أنهم وان كانوا من الأهل المقربين‏,‏ إلا أنهم في البداية وفي النهاية رجال لهم بدواتهم ونزواتهم وأهواؤهم الجامحة في بعض الأحيان‏,‏ ويقتضي ذلك منها ألا تركن إلي الثقة في عدم احتمال تغير نظرتهم إليها ذات يوم‏,‏ وأن تلتزم في التعامل معهم بما تلتزم به من التحفظ الحكيم في التعامل مع غيرهم من الرجال‏,‏ وأن تحذر التمادي معهم فيما يغريهم بها وبالاجتراء عليها بالمغازلة‏,‏ ذلك أن بداية الخطأ في العلاقة بين المرأة المتزوجة والطامع فيها هو تقبلها ولو من باب الحرج لاعجابه بجمالها الجسدي‏,‏ أو تجاوزها عنه بغير لفت نظره بالنظرة الصامتة‏..‏ وبملامح الوجه المتحفظة والمتجهمة إلي أنه قد طرق بابا لايحق له مهما كانت قرابته أو صلته بها‏,‏ أن يطرقه ويكفي ذلك في بعض الأحيان وحده لأن يردع ذوي الحياء عن تكرار المحاولة‏,‏ بغير الحاجة إلي صدام علني معهم أو اثارة زوابع عائلية غير مأمونة العواقب‏.‏ أما السكوت علي كلمات الاعجاب بجمال المرأة المتزوجة من رجل أجنبي عنها اما تحرجا من احراج قائلها أو طربا لها فإنه يمثل بالنسبة له دعوة ضمنية للاستمرار في المحاولة ومواصلة اطلاق السهام المسمومة إلي أن تصيب الهدف‏,‏ لا فرق في ذلك بين قريب وغريب ولا بين شاب ورجل في الستين‏,‏ وبعض الرجال يتعاملون مع المرأة بمنطق الروائي الفرنسي جي‏*‏دي‏.‏موباسان الذي كان يقول ان المرأة قد تغفر للرجل مغازلته لها واعتراضه لطريقها‏,‏ لكنها لاتغفر له أبدا اهماله لها أو عدم تأثره بجمالها‏!!‏

وهو منطق فاسد بغير شك‏..‏ يقابله المنطق الآخر الذي تؤمن به الفضليات من النساء والذي تعتبر معه المرأة المتزوجة محاولة أي رجل آخر لمغازلتها مع علمه المسبق بأنها زوجة لغيره إهانة صريحة لأخلاقياتها واتهاما معيبا لعفتها واخلاصها‏..‏ وشهادة علنية من جانبه بسوء ظنه في سلوكها ومبادئها‏,‏ اذ لو كان ينطوي لها بالفعل علي ماتستحقه من احترام لأخلاقياتها ووضعها كزوجة وأم‏..‏ لما تصور إمكان تساهلها في هذه المباديء أو استعدادها للتجاوب مع غزله لها‏..‏ ومن هذا المنطلق يكون رد فعلها علي من يتهمها بسوء الخلق صاعقا ومكافئا لسوء ظنه بها‏,‏ ويكون استياؤها منه بالغا وحاسما ولا يعطيه أية بارقة أمل في إمكان تكرار المحاولة‏..‏ ولايعني ذلك أبدا أن يكون رد الفعل هذا صاخبا أو ملحوظا من الآخرين‏,‏ أو سببا في اثارة فضيحة عائلية‏..‏ وانما يعني فقط أن يكون صارما ومزيلا لكل شبهة في نفس المجتريء عليها بغزله ودعوته لها إلي الخطأ‏..‏

والمرأة قادرة دائما علي أن تصعق كل من يجتريء عليها ولو بنظرة واحدة منها توقفه عند حده‏..‏ وبتعبير الاستياء الصارم علي وجهها الذي ينبئه بأنه قد أخطأ الطريق من البداية‏.‏

أما التحاور معه ومحاولة اقناعه بأنها تحب زوجها وأولادها ولا تعول بغيرهم أحدا‏,‏ فإنه لايمثل بالنسبة للمجتريء عليها سوي بداية طيبة للحوار حول الموضوع‏..‏ واشارة خاطئة إلي أنه موضوع قابل أصلا للمناقشة فيأمل أن تستمر المناقشة حوله وأن ينجح مع اطراد الحوار في أن يثقب جدار الرفض ذات يوم‏..‏ والنسمة الخفيفة التي تطفيء الشمعة هي نفسها التي تذكي النار كما يقول لنا الحكيم الفرنسي لاروشفوكو‏,‏ ولهذا فإن مجرد تبادل مثل هذا الحوار بين زوجة محصنة ورجل أجنبي عنها انما يعني من حيث قد لاتشعر هي أنها قد رفعت بالفعل درجة العلاقة بينهما إلي مستوي الخصوصية الذي يسمح لهما بتبادل هذا الحوار السري الذي لايسعدهما أن يطلع عليه غيرهما‏..‏ حتي ولو كانت نية الزوجة صادقة بالفعل علي النتمسك باخلاصها والتزاماتها الأخلاقية‏,‏ والإمام الشافعي كان يقول لأصحابه‏:‏ نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به‏,‏ فإن المستمع شريك القائل‏..‏

لهذا فأنت ياسيدتي لست في حاجة لأن أناشد هذا الرجل العابث أن يكف أذاه عنك وان يرعي حرمة البيت الذي ائتمنه صاحبه علي دخوله‏,‏ لأن كل ذلك لن يجدي معه فتيلا‏..‏ وانما أنت تحتاجين فقط إلي أن توقفي هذا الحوار الذي لاطائل تحته معه‏..‏ وان تصعقيه بنظراتك الغاضبة‏,‏ وازدرائك له وتجنبك لرؤيته والترحيب به في بيتك سواء في حضور زوجك أو غيبته‏,‏ وتفاديك أية فرصة يمكن أن يتحدث إليك خلالها حديثه المسموم هذا أو يقترب منك‏..‏ وسيكون ذلك أبلغ تأثير فيه من أي مناشدة من جانبي أو حوار آخر من جانبك عن حبك لزوجك واخلاصك له‏,‏ فإن لم يرتدع عن غيه بعد كل ذلك فلا مفر من مصارحة زوجك بالحقيقة الكاملة‏..‏ ليري رأيه فيما يفعل قريبه‏..‏ ويتخذ من الاجراءات مايحفظ عليك كرامتك ويحميك من اجتراء هذا السفيه عليك‏.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 40954‏1999يناير 22‏5 من شوال 1419 هـالجمعة

الشاهد‏!‏

أنا شاب عمري‏31‏ عاما اعمل في وظيفة مناسبة بشركة محترمة وبمرتب معقول‏,‏ وقد تزوجت منذ‏5‏ سنوات من فتاة احببتها‏..‏ وتمنيت أن أسعد بحياتي معها وان أسعدها‏..‏ وفقني الله في اعداد مسكن مجهز بالتليفزيون والثلاجة والغسالة الاتوماتيك‏,‏ وأصبح بيتا جميلا في عين كل يدخله‏,‏ ويلمس بساطته وتناسقه والذوق السائد فيه‏.‏

وحين انتهيت من اعداد هذا المسكن الصغير قلت لنفسي اننا قد جهزنا المكان ولم يبق إلا أن نبعث فيه دفء السعادة والود المتبادل والعشرة الحلوة‏,‏ واقبلت علي حياتي الجديدة مفعما بالآمال والرغبة القوية في السعادة‏,‏ لكنني لم احظ بشيء من ذلك للأسف‏,‏ لأن زوجتي غير راضية عما اتيح لنا من أسباب‏,‏ واعيش في نكد مستمر منها‏,‏ ومن أهلها الذين يناصرونها علي طول الخط ظالمة ومظلومة‏,‏ وكذلك بسبب نصائح أمها لها بأن كل ما عليها أن تفعله حين نتشاجر هو أن تضع ماكياجا كاملا علي وجهها‏,‏ وترتدي أحسن قميص لديها‏..‏ وتفتح جهاز التسجيل علي أعلي صوت له وكأنها تقول للجميع انه لا يهمها زوجها في شيء‏!‏

اما في مناقشاتنا فهي لا تلتزم الأدب معي ويرتفع صوتها علي‏,‏ وتنطق بالفاظ غير محترمة مما يجبرني وانا الرجل الهاديء المصلمي الذي يشهد له الآخرون بحسن خلقه علي الرد علي اهاناتها‏.‏

وحتي بعد ان انعم الله علينا بالولد استمرت والدتها تؤلبها علي وعلي اخوتي الذين يكنون لزوجتي الحب وذلك لكي تقطع علاقاتها بهم بالرغم من انهم يقيمون في اطراف المدينة ولا يزورننا كثيرا‏.‏

وحين بلغ ابني من العمر عامين ونصف العام اصبح للمشاكل بيننا شكل آخر وعند حدوث خلاف بيني وبينها خلال الليل فانها بدلا من أن تحتوي المشكلة لكيلا يصحو الطفل من نومه‏,‏ فأنها توقظه لكي يشهد الخناقة بيني وبينها ويكون شاهدا علي ما يجري بيننا فلا يملك الطفل الصغير إلا أن يبكي ويرتجف من الخوف والفزع‏,‏ وفي بعض الأحيان قد لا تكتفي بايقاظه فقط‏,‏ وإنما تضربه ايضا لكي ينشأ معقدا مثلها كما تقول لي‏:‏

ومنذ بضعة اسابيع طلبت مني ان تذهب الي بيت اهلها لحضور حفل عيد ميلاد احد اخوتها‏..‏ واعترضت علي ذلك لمرضها بسبب الحمل‏,‏ فذهبت الي اهلها غاضبة‏..‏ واستبقاها الاهل لديهم بغير أن يرشدها أحد منهم الي الصواب وايدوها علي طول الخط كعادتهم معها‏,‏ وكان شرطهم لعودتها للبيت ان يتنازل اهلي عن دين لهم اقترضته منهم لعلاجها عقب الولادة من مرضها‏..,‏ وألا التزم بدفع اقساطه‏,‏ لأن ذلك كما يقولون يؤثر علي حياة ابنتهم‏.‏

انني اكتب اليك الآن لكي أقول لك إنه لا أحد يطلب التعاسة لنفسه أو يتمني الفشل في الزواج‏,‏ لكن ظروف الحياة قد تضطرنا في بعض الأحيان الي ان نفعل مالا نتمناه لانفسنا‏..‏ فأنا مثلا لم أكن اتصور ان يجيء اليوم الذي أفكر فيه جديا في الطلاق‏,‏ وهدم بيتي وتمزيق طفلي الصغير بيني وبين أمه‏..‏ ويكدر علي حياتي الآن التفكير الدائم في مصير هذا الطفل البريء‏.‏ ومصير الجنين الذي لم يأت الي الحياة بعد‏..‏ فماذا افعل ياسيدي‏..‏ وماذا تقول لهذه الزوجة ولأهلها الذين يناصرونها دائما ضدي‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة اقول

نعم ياصديقي لا أحد يطلب التعاسة لنفسه أو يرغب بصدق في حرمان اطفاله من سعادتهم‏,‏ وامانهم بين أيديهم‏,‏ لكن السعادة لا تتحقق بالتمني وحده ولا بالرغبة السلبية فيها‏,‏ وانما تتحقق كذلك بالعناء‏..‏ وبالصبر علي بعض المكاره‏..‏ والتعالي علي الصغائر‏,‏ والتحلي بالمرونة الضرورية في بعض الأوقات‏,‏ وإلا تحولت العلاقة بين كل زوجين الي علاقة صراع لا علاقة تفاعل وتحاور وتنازلات متبادلة وحرص مشترك علي حماية الحياة الزوجية من الانهيار‏.‏

بل إننا نحتاج في بعض الأوقات لكي نحافظ علي سفينة الحياة طافيه فوق سطح الماء إلي أن نستفيد من العلوم السياسية بعض قواعد فن ادارة الأزمات ونطبقها بحكمة علي حياتنا الخاصة‏,‏ ومنها ان نعرف متي نتراجع عن ارادة أو رغبه لا يؤوي التمسك المتحجر بها للنهاية إلا إلي انفجار الموقف وتقطع الخيوط بيننا وبين الآخرين‏..,‏ وأن نكون مستعدين في بعض الأحيان للقبول بالحلول الوسط بديلا عن الحلول المثلي الملبيه لكل رغباتنا وشروطنا‏,‏ وان نتجنب في بعض الأحيان الاستجابة لاستفزازات الآخرين‏,‏ ونفوت عليهم الفرصة لدفع الأمور بيننا وبينهم الي الطريق المسدود‏..‏

وما تشكو منه من مشاحنات بينك وبين زوجتك ومناصرة أهلها لها ضدك‏..‏ وما تتصوره من تحريض امها لها عليك‏,‏ ونصائحها غير الحكيمة لها بشأن التعامل معك في وقت الخلاف‏,‏ كل ذلك مما يمكن احتواؤه واصلاحه

وتخفيف آثاره السلبية‏..‏ والصبر علي مكارهه‏..‏ اذا انعقدت ارادتك وإرادة زوجتك علي إنقاذ سفينتكما من الغرق‏,‏ وإنقاذ طفلكما الصغير من الشقاء وطفلكما المقبل من المصير المجهول‏..‏ وتحديد الهدف الذي يستحق ان يسعي إليه الانسان بكل ما يملك من جهد وطاقه يؤدي به بالضرورة الي استبعاد الوسائل التي لا تعينه علي بلوغ الهدف‏..‏ وإنما في كل الوسائل التي تقربه منه‏..‏ فاذا اتفقنا علي ان الهدف الأساسي لك ولزوجتك ينبغي ان يكون هو انقاذ حياتكما الزوجية من الانهيار وطفلكما والجنين القادم من عالم الغيب مما يتهددهما من تمزق وحيرة وضياع إذا حدث الانفصال بينكما‏,‏ فان ذلك يفرض علي كل منكما أن يتنازل عن كل الاهداف الصغيرة الأخري له كهدف الانتصار الرخيص في معركة قهر ارادة الطرف الآخر واملاء الرغبات وفرض الشروط وان يركز جهده علي كل ما يقرب وليس ما يفرق بينكما‏.‏

وقديما قال الأديب الانجليزي لورد جون أوبك أفبي‏,‏ ان الفشل الشريف خير من الفوز الرخيص

وتطلع كل منكما الآن في هذا الموقف المتأزم لفرض ارادته علي الآخر دون أي تنازل من جانبه وإلا وقع الانفصال ولن يكون اذا تحقق علي حساب مصير طفلكما وجنينكما

سوي فوز رخيص‏,‏ الفشل في تحقيقه أشرف كثيرا من النجاح فيه‏.‏

وفشل كل منكما الآن في املاء رغباته علي الآخر اذا كانت نتيجته الحتمية هي توصلكما معا لحل وسط واستعادة الوفاق بينكما وعودة طفلكما للحياة بينكما بلا قلاقل ولا اضطرابات هو عين الفشل الشريف الذي يحق لكل ذي قلب حكيم منكما ان يفتخر به ويحتسبه من فضائله وليس من مواقف ضعفه أو هزائمه‏.‏

ولهذا كله فاني ادعوك أنت وزوجتك وأهلها الي كلمة سواء تتوصلون معها باذن الله الي تبديد غيوم الخلاف والشقاق بينك وبين زوجتك واعادة الأمان والاطمئنان لحياتكما وطفلكما وجنينكما المقبل مع رجائي الحار لزوجتك إذا ما نشب بينكما في المستقبل اي خلاف ــ أن تعفي طفلكما البريء من الشهادة عليه‏..‏ وأن تؤمن مع العقلاء والرحماء من الآباء والأمهات بأن أثمن ما يقدمه أب وأم لأطفلهما ومهما يكن نوع العلاقة بينهما‏,‏ هو طفولة سعيدة خالية من الآلام‏..‏ والأحزان‏..‏ والمؤثرات السلبية الكريهة‏,‏ وليست طفولة معذبة شقية حافلة بمثل هذه الشهادات اللا انسانية‏!‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 40961‏1999يناير 29‏12 من شوال 1419 هـالجمعة

النوافذ المغلقة

ليست رسالتي هذه عن مشكلة شخصية لي وانما عن قصة إنسانية مؤلمة لم أعاصر بداياتها‏..‏ ولكني شهدت اثارها البشعة وتألمت لها‏..‏ فأنا طالب بإحدي الكليات العملية‏,‏ وأمر كل يوم في طريقي من بيتي لركوب وسيلة المواصلات التي تحملني إلي كليتي علي منزل صغير قديم بحي عين شمس له حديقة ذات باب حديدي صديء تظهر من خلال فتحاته اطلال حديقة تمتليء بالأشجار وأصص الزهور والتكعيبات الخشبية التي تتسلق عليها النباتات المختلفة‏,‏ ولقد لفت نظري من خلال مروري بهذا البيت يوما بعد يوم أن الحديقة رغم أشجارها وزهورها وتكعيباتها ميتة وأن أوراق الشجر والزهور قد جفت بسبب نقص الماء فيما تصورت‏,‏ ثم شاهدت صاحبة هذا البيت أو المقيمة فيه فرأيتها سيدة نحيلة وهزيلة الجسم للغاية وشاحبة الوجه وتعبر قسماتها بغير كلام عن كل ماتعاني منه‏..‏

وأثارت هذه السيدة النحيلة وحديقتها الميتة فضولي فسألت عن قصتها وعرفت أنها تعيش في هذا المنزل وحيدة‏,‏ وانها أرملة لمهندس زراعي كان يعاني من مشكلة في الإنجاب‏,‏ فلم يرزقا بأطفال‏,‏ وعوض هو افتقاد الأطفال في حياته بتركيز كل اهتمامه ووقته للعناية بهذا البيت وتجميله ورعاية الحديقة وزراعتها وتنسيقها‏,‏ وكان بالرغم من ذلك بخيلا ومقترا علي زوجته فلا يعطيها أية نقود بالمرة‏,‏ وانما يأتي هو بمتطلبات البيت أولا بأول ويحاسبها ويدقق معها بشدة في نفقات المعيشة‏,‏ واستمرت حياتها معه علي هذا النحو لمدة‏12‏ عاما‏,‏ ثم حدث أن صدمته سيارة مسرعة وهو يعبر الطريق فتوفي علي الفور‏,‏ وشيع إلي مثواه الأخير وبكته أرملته كثيرا‏..‏ وفقدت بفقده ـ رغم كل شيءـ الرفيق والشريك والسند الوحيد في الحياة‏,‏ فلم تكد تمضي بضعة أيام علي وحدتها في هذا البيت‏,‏ حتي كشف لها أخوة زوجها عن حقيقة مذهلة‏..‏ هي أنها ليست أرملة شقيقهم الراحل‏,‏ وانما هي مطلقته‏..‏ وبالتالي فلا حق لها في شيء من ميراثه أو معاشه‏,‏ أو في البقاء في البيت الخالي بعد وفاته‏!!‏ وقدم لها الأخوة وثيقة طلاق تثبت طلاقه لها بالفعل قبل ثلاث سنوات من رحيله عن الحياة‏..‏ وصدمت السيدة صدمة مزلزلة‏..‏ وتساءلت مع أي رجل كانت تعيش وقد كان حتي وفاته يحيا معها حياة زوجية كاملة؟‏!‏

وبعد الصدمة المروعة والجرح النفسي الغائر‏,‏ بدأت رحلة المعاناة للمطالبة بحقوقها عن طريق القضاء وطعنت بالتزوير في وثيقة الطلاق‏,‏ فإذا بتقرير الخبير يثبت صحتها‏,‏ وأسقط في يد الأرملة الحائرة‏..‏ ونتج عن إثبات صحة وثيقة الطلاق حرمانها من أية حقوق لها في الميراث عن زوجها وفي المعاش كذلك‏..‏ وأخذت المحكمة ـ تقديرا لظروفهاـ بشهادة جيرانها الذين تطوعوا للشهادة لصالحها وأكدوا جميعا أنها كانت حتي اليوم الأخير من حياة زوجها تعيش معه في بيته حياة زوجية طبيعية بلا مشاكل ولا أزمات‏,‏ وانها لم تعرف أبدا ولم يعرف أحد من الجيران انه قد طلقها‏..‏ ولم يشر حالهما اطلاقا إلي أنهما مطلقان أو منفصلان‏,‏ فقضت لها المحكمة رأفة بحالها بالبقاء في منزل الزوجية‏,‏ وكفت أيدي أخوة الزوج عن التصرف في البيت طوال حياتها‏,‏ ورفضت الدعوي التي أقامها عليها الأخوة لطردها منه‏.‏

وهكذا واجهت هذه السيدة الحياة بعد رحيل زوجها‏..‏ وهي تقيم في بيت لاتملك طوبة واحدة منه ولا حق لها عليه‏..‏ وبلا أي ميراث أو معاش وبلا مدخرات ولا أقارب يتكفلون بها‏..‏ وعلي عكس مايفعله الزوج الطيب الذي يرحل عن الحياة فيترك لزوجته الذكريات الجميلة وما يقيم أودها ويقيها شر الحاجة‏,‏ فلقد رحل هذا الزوج عن الحياة تاركا لها الإحساس المر بالدنس والعار‏,‏ والحاجة‏,‏ مما يجعلها كما علمت تلعنه في كل صلاة ومع كل أذان بدلا من أن تترحم عليه‏!‏

وشيئا فشيئا نفد كل ماكانت تملكه من مصاغ قليل باعته لكي تسد بثمنه رمقها‏,‏ وانعكس حالها المؤلم علي حال الحديقة التي كانت زاهرة‏..‏ فتماثل الإثنان في المحنة وغدر الأيام بهما فهزل جسم السيدة‏,‏ وجفت دماء الحياة فيها تدريجيا من أثر سوء التغذية‏,‏ وذبلت أشجار الحديقة وجفت أوراق أصص الزهور وماتت النباتات المتسلقة لقلة الماء ونقص الرعاية‏,‏ فلقد تراكمت علي هذه السيدة فواتير الماء والكهرباء‏,‏ حتي انتهي الأمر بقطعهما عنها نهائيا منذ عدة سنوات‏,‏ ومنذ ذلك الحين والسيدة تعيش في ظلام دامس وبدون قطرة ماء‏..‏ ووهنت قواها حتي لم تعد تقوي علي فتح نوافذ البيت كل فترة لتهويته‏,‏ فيظل مغلق الأبواب والنوافذ دائما وكأنه مقبرة‏,‏ وشكت السيدة من آلام مبرحة في قدميها حتي كادت تعجزها عن الحركة‏,‏ ولقد يمر عليها اليوم واليومان والأيام الثلاثة دون أن تقوي علي فتح نوافذ بيتها‏,‏ ناهيك عن أن تجد مايقيم أودها‏..‏ ولك أن تتخيل ياسيدي أن هذه السيدة رغم كل ماتعانيه‏,‏ فإن ما أعطيه لها من ماء قليل كل فترة أو يعطيه لها جيرانها‏..‏ فإنها تستخدمه في النظافة والوضوء‏,‏ ولا تشكو حالها لأحد سوي لربها‏,‏ وفي كل مرة أذهب فيها إليها حاملا إليها بعض الماء أتعجب لاحتمالها لكل هذه الأهوال وبصبرها العظيم علي هذا الابتلاء حتي لأدير وجهي عنها لكيلا تري دمعي‏..‏ وأدعو الله العلي العظيم أن يرفع عنها هذا البلاء‏..‏ لقد كتبت إليك هذه الكلمات لعجزي عن أن أفعل لهذه السيدة المزيد وأرجو أن تصل هذه الكلمات إلي من بيده أن يرفع عنها بعض هذه المعاناة‏..‏ مع رجاء العلم بأن هذه السيدة تحتاج إلي من ينتقل إليها لبحث حالتها‏..‏ لأنها لاتقوي علي الخروج من شدة الهزال وضعف الصحة وانعدام العناية الطبية‏.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏..‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول

‏ قد وصلت الرسالة بالفعل إلي مالك الملك ومن بيده ملكوت كل شيء سبحانه فجرت مشيئته عز شأنه بأن ترجع الكهرباء إلي المنزل المظلم المقبور‏..‏ والماء المقطوع إلي الحديقة العطشي والأشجار الجافة والأصص الخابية‏,‏ وتنفتح نوافذ هذا البيت المغلقة ويتجدد هواؤه‏,‏ وتسترد سيدته دماء الصحة والعافية بأمر ربها ومشيئته وهو الرحيم العليم‏,‏ فلقد سمع الله جل في علاه نجوي هذه السيدة لربها وهيأك لنقل الرسالة إلي وأكرمنا بتسخير بريد الجمعة لإنفاذ مشيئته برعاية هذه السيدة الوحيدة والتكفل بأمرها‏,‏ وتوفير الحياة الكريمة والرعاية الصحية اللازمة لها‏,‏ ولسوف تزورك خلال ساعات الاخصائية الاجتماعية لبريد الجمعة لتصطحبها لزيارة هذه السيدة في بيتها وحل مشكلتها بما يحفظ عليها كرامتها ويقيها شر الحاجة ومذلة السؤال باذن الله‏..‏ فهي ممن عناهم الحق سبحانه وتعالي بقوله يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس إلحافا‏273‏ البقرة‏.‏

وهؤلاء هم الأحق بالرعاية والعطاء‏,‏ لأنهم عاجزون نفسيا عن سؤال الغير ولو كانت بهم خصاصة‏,‏ ولقد تعتصر الحاجة أحدهم فلا يطيعه لسانه في الطلب‏,‏ أو الشكوي لغير ربه‏,‏ ولهذا أمرنا بأن نتحري هؤلاء في مواقعهم وخلف أستارهم التي يستترون وراءها بعوزهم عن الغير وبأن نبادرهم بالعطاء بغير طلب ونترفق بهم ونشعرهم بحقهم علينا‏..‏ ونكفيهم مئونة السؤال‏,‏ ونتحري حفظ كرامتهم والستر عليهم بما نقدمه لهم‏,‏ ولولا أني قد أردت أن يشاركني قراء هذا الباب في قصة هذه السيدة ليستفيدوا بدروسها المؤلمة ويطلعوا علي وجه آخر من وجوه النفس البشرية الملغزة‏,‏ لما نشرت رسالتك هذه ولبادرت بإرسال الاخصائية الاجتماعية إليك علي الفور بغير نشرها‏,‏ لكن كيف كان لنا أن نعلم عن النفس البشرية وشحها وبخلها وحساباتها الدنيوية الحقيرة في بعض الأحيان ما علمناه من هذه القصة المحزنة لو كنت قد عزفت عن نشرها‏..‏

لقد تحيرت طويلا في فهم الأسباب التي تدعو رجلا يشارك زوجته الحياة تحت سقف واحد وترضي هي بحياتها معه رغم حرمانها من الانجاب‏,‏ وبخله معها وتقتيره إليها‏,‏ لأن يطلقها سرا ويتكتم عنها أمر هذا الطلاق فلا تعلم به في حينه‏,‏ ثم يواصل حياته معها كزوجين يجمعهما فراش واحد‏,‏ وحياة مشتركة‏,‏ ويرضي هو لنفسه بهذا الوضع الآثم ويقبل بهذا الخفا علي زوجته متحملا عنها وزره الكامل لأنها لاتعرف به ويعلم به أيضا اخوته فلا ينهونه عنه‏,‏ ولا يحثونه علي تصحيح وضعه الشائن ووضع هذه السيدة الضحية‏,‏ ولا يبرئون ذمتهم من اثم المشاركة بالصمت في خداع هذه السيدة والقبول بالخنا لها ولأخيهم‏,‏ ثم يرحل عن الحياة فجأة فاذا بهؤلاء الاخوة يشهرون في وجه أرملته وثيقة طلاق عمرها ثلاث سنوات ويسعون لطردها من بيت أخيهم وحرمانها من ميراثه ومعاشه‏,‏ بغير أن يتوقف أحدهم ويسائل نفسه‏:‏ كيف رضي بأن يعلم عن أخيه انه يعاشر من تحرم عليه معاشرتها بغير أن يبرئ ذمته من اثمه بنصحه أو علي الأقل بإعلام هذه السيدة بما علم به لتري رأيها في حياتها معه‏,‏ ويبرأ هو من حقها عليه؟‏..‏ وأي شيء من متاع الحياة يستحق أن يشارك إنسان أخاه بالصمت الشائن علي مثل هذا الدنس الذي ينكره الشرع والدين والقانون؟‏..‏ لقد فكرت طويلا في دوافع هذا الرجل لما فعل‏,‏ فلم أجد له تفسيرا سوي بخله الذي تمكن منه حتي صبغ نظرته إلي كل شيء في الحياة بالصبغة المادية الكريهة حتي ولو كان ذلك ـ غفر الله لهـ علي حساب الحق والعدل والفضائل الدينية والأخلاقية‏.‏

فلقد كره الرجل أن تشاركه السيدة التي تقاسمه حياته في شيء من أملاكه أو معاشه أو ماله وهو علي قيد الحياة وبعد رحيله عنها‏,‏ وكره أن تنازع اخوته بعد وفاته في ملكية البيت الذي يملكه ويبدو أن لإخوته نصيبا منه بالميراث عن الأب‏,‏ فطلق زوجته وتحايل علي عدم ابلاغها بذلك‏,‏ وتستر عليه في هذا الاثم الشائن اخوته طلبا لمتاع الدنيا الرخيص‏,‏ وواصل حياته معها في الدنس والاثم مقدرا فيما يبدو أنه سيطول به العمر وقد يأتي الوقت الذي يراه هو مناسبا لإخراج هذه الزوجة من حياته بغير أن يتكبد دفع أية حقوق مادية لها لفوات المواعيد القانونية للمطالبة بنفقة المتعة والنفقة الشرعية ومؤخر الصداق‏,‏ فيكتفي بوحدته في المنزل والحديقة اللذين يكرس فيهما كل اهتمامه‏..‏ أو لعله يستبدل بزوجته أخري أقل نفقة من سابقتها اذا رغب في ذلك‏,‏ فاذا بمكره يخيب واذا بأقداره تسبق كل مكره وتدبيره ويرحل عن الحياة تاركا وراءه كل شيء للآخرين ومخلفا الزوجة التي عاشرها سنوات طوالا لاتدري أكانت أرملته أم مطلقته ولا تجد ماتواجه به الحياة‏,‏ وتعاني مما تشعر به من احساس غائر بالاثم لغدره بها ومعاشرته لها بغير زواج لثلاث سنوات قبل الوفاة‏..‏ وكل ذلك لكي لاتنازع اخوته في حصة محدودة من بيت صغير وحصة بائسة من معاش هزيل مهما بلغ قدره فأي اثم‏..‏ وأي مكر حقير؟‏!‏

يا إلهي‏..‏ انني لم أستطع حتي الآن برغم خبرة السنين أن أفهم هذا التناقض الغريب بين ضن رجل كهذا الرجل علي زوجته بأن ترث حقها المشروع في حاله بعد الرحيل مما يقطع بشحه وبخله الفاضح وعدم عدالته‏,‏ وبين هذا الاحساس العائلي المفترض فيه أن يكون من الفضائل بشرط العدل والذي يدفع مثل هذا الرجل لإيثار اخوته بميراثه دون زوجته فهل يستطيع أحد أن يفسر لي هذا التناقض الغريب بين المنع للزوجة والإيثار للاخوة‏,‏ وهما نقيضان تناقض المنع والعطاء ولا يجتمعان في النفس الشحيحة إلا نادرا؟‏..‏ أم تري أن هذا الرجل لم يكن يضع حتي اخوته في حساباته‏,‏ وكان مطمئنا إلي الدنيا وإلي أنه سوف يعمر طويلا فينفرد فيها دون زوجته والجميع بماله وأملاكه إلي ما لانهاية؟‏!‏

فلندع اذن أمره لخالقه‏,‏ ولنفكر معا في كيفية تعويض هذه السيدة المتعففة عما تعرضت له من عناء كاد يقضي عليها في وحدتها‏..‏ كما قضي من قبل علي أشجار حديقتها وزهورها ونباتاتها‏..‏ وشكرا علي رسالتك الكريمة هذه‏..‏ وأرجو الله أن يجزيك عنها خيرا كثيرا في حياتك ومستقبلك بإذن الله والسلام‏..

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 40968‏1999فبراير 5‏19 من شوال 1419 هـالجمعة

حق الاختيار‏!‏

ليست هذه هي المرة الأولي التي أحاول الكتابة إليك فيها‏..‏ لكني أكتب إليك الآن لأن ذلك قد يكون آخر محاولة لانقاذ ما تبقي من عمري‏..‏ فأنا سيدة عمري ثلاثون عاما حاصلة علي شهادة جامعية وعلي قدر من الجمال وقد نشأت في أسرة كريمة ولي اخوة أصغر مني‏,‏ ولقد نشأني أبي علي الأخلاقيات والطباع التي نشأ هو عليها‏,‏ وربي في الاحساس الشديد بالخطأ والصواب فلم أحاول خلال صباي مجرد الحديث العابر مع أي شاب ليس بضغط من والدي‏,‏ وانما عن اقتناع داخلي بذلك‏,‏ ثم جاءت المرحلة الجامعية‏,‏ وفي اليوم السابق لدخولي الجامعة لأول مرة‏,‏ نبهني أبي إلي أنني سأذهب إلي مجتمع جديد علي‏,‏ وانه يطلب مني أن أدع قلبي لديه هو ليحفظه لي حتي يهديه فيما بعد لمن يشعر بأنه يستحقه‏,‏ لأن الهدف من الجامعة هو الحصول فقط علي الشهادة وليس أي شيء آخر‏..‏ ولم أغضب لما قاله أبي‏,‏ لاقتناعي بأنه ليس من حقي أن أهب مشاعري وعواطفي إلا لمن سوف أتزوجه وحده‏,‏

وبدأت مرحلة الدراسة الجامعية‏,‏ فلم أقترب من أحد ولم أسمح لأحد من الزملاء بالاقتراب مني‏,‏ إلي أن اقتربت بداية العام الجامعي الثالث وذهبت مع والدتي إلي أحد المحلات التجارية بمصر الجديدة لشراء ملابس للجامعة فالتقينا بقريبة لوالدتي لم أرها ولم ألتق بها من قبل‏..‏ ولم يستغرق اللقاء بيننا أكثر من ربع ساعة‏..‏ لكنه غير مجري حياتي بشدة بالرغم من ذلك‏,‏ فبعد يومين من هذا اللقاء العابر زارتنا شقيقة هذه القريبة في بيتنا مع زوجها وابنها‏,‏ وبعد يوم آخر اتصلت بنا الشقيقة وطلبت مقابلة أبي لخطبتي منه‏,‏ وجاءوا لزيارتنا وطلبت مني والدتي تحيتهم فدخلت الصالون وجلست بينهم بعض الوقت والخجل يسيطر علي فلا تواتيني الجرأة علي التحقق من ملامح الشاب المرشح للارتباط بي‏,‏ وفي هذه الجلسة تمت قراءة الفاتحة والاتفاق علي موعد الخطبة ثم القران والزفاف علي أن أقيم مع زوج المستقبل في مسكن والدته حيث إنه أصغر الأبناء‏,‏ ولم أعترض علي ذلك‏..‏ بل كنت راضية تماما وعلي ثقة كاملة بحسن اختيار أبي لي‏.‏

وتحدد موعد قريب للخطبة وقبل حلوله بيومين أخبرني أبي بأنه قد قرر أن تكون الخطبة قرانا وأن يتم الزفاف عقب حصولي علي الشهادة‏..‏ ولم أعترض علي ذلك‏,‏ بل لقد فرحت بالفستان الأبيض والعريس والشبكة مثلي في ذلك مثل أية فتاة أخري‏..‏ وتمت الخطبة وعقد القران خلال بضعة أيام من رؤيتي لخطيبي لأول مرة في الصالون‏,‏ وزارنا بعدها مرتين ثم بدأ فترة الخدمة العسكرية‏.‏

وبعد شهر آخر اتصلت بنا شقيقته لتبلغنا بأن خطيبي في الرعاية المركزة بمستشفي المعادي العسكري‏..‏ وهرولت إلي هناك مع والدتي فوجدناه في حالة سيئة للغاية ولا يكاد يشعر بما حوله بعد اصابته بنزيف في المخ‏,‏ وتأثرنا جميعا بما أصابه‏,‏ ولم يتردد أبي في أن يؤكد لوالده أننا لن نتخلي عنه مهما حدث له لأنه زوج ابنته‏,‏ وبعد فترة ليست قصيرة غادر خطيبي المستشفي علي أن يرجع إليه للمتابعة الصحية كل أسبوع لمدة ستة أشهر‏,‏ وشعرت بالحزن والأسي لخطيبي وأنا أراه يتكلم دون تركيز أو بلا توقف ولا يحب أن يقاطعه أحد‏..‏ علاوة علي عصبيته الشديدة‏,‏ ومرت هذه الفترة العصيبة من حياتي بصعوبة شديدة ودفنت كل أحلامي القديمة في السعادة والحب والتفاهم مع من أحب ولن يلمس يدي سواه‏,‏ وتحطم كل شيء في داخلي‏..‏ ولم يبق إلا الحزن والصمت وأنا أري خطيبي عصبيا بدرجة لايمكن تصورها ولا يعرف معني كلامي ولا أتفاهم معه علي أي شيء‏..‏ وأنهيت دراستي الجامعية وسط هذه الظروف العصيبة‏,‏ وطلب أهل خطيبي بالحاح اتمام الزواج علي أساس أنه الحل الوحيد لتهدئة أعصابه‏,‏ حيث إنه يشعر بالغيرة علي من كل شيء‏,‏ ووافق أبي علي ذلك‏,‏ لكنه وبسبب ما لاحظه من عصبيته الشديدة توجه إلي الطبيب الذي أجري له الجراحة في مستشفي المعادي ليستفسر منه عن حالته‏,‏ وأبلغه الطبيب أنه قد أجري له عملية استئصال جزئي لفص التفكير الأيمن في المخ وان من النتائج المتوقعة لمثل هذه الجراحة العصبية الشديدة‏,‏ ولهذا فقد طلب من والده عقب الجراحة أن يعرضه علي أحد أساتذة الطب النفسي لتخفيف آثار الصدمة ونتائج الجراحة عنه‏,‏ لكن الأهل لم يفعلوا ذلك حرصا علي سمعته‏!‏

ومضي والدي بالرغم مما عرفه في اتمام اجراءات الزفاف وشراء الأثاث والجهاز‏,‏ وفوجئنا بخطيبي يأتي إلينا ليبلغنا بأنه استأجر شقة لتكون عشا للزوجية بدلا من الاقامة مع والدته كما كان الاتفاق السابق‏..‏ ورحبنا بذلك وذهبت مع والدي ووالدتي لرؤية الشقة فلم نسترح إليها وحدثت مشكلة عائلية كبيرة لأن أسرة خطيبي كانت قد وقعت العقد ودفعت المقدم وصدرت عن خطيبي خلال ذلك تصرفات وألفاظ أزعجت أبي بشدة حتي إنه قرر لأول مرة عدم اتمام الزواج‏,‏ إلا أن الأهل تدخلوا وضغطوا عليه وأقنعوه بأن كل ما صدر عنه خارج عن ارادته‏,‏ وانه ليس من المصلحة أن تصبح ابنته مطلقة بعد عامين من الارتباط خوفا من كلام الناس‏..‏الخ‏.‏ ورضخ أبي في النهاية بعد اعتذار خطيبي وأهله عما حدث‏..‏ وفي حفل عائلي تم الزفاف وبدأت المأساة الكبري في حياتي التي مازلت أعانيها حتي الآن‏..‏ وبغير الدخول في تفاصيل مخجلة فلسوف أقول لك فقط ان أبي قد رحل عن الحياة بعد زفافي بيومين بأزمة مفاجئة‏,‏ وان زوجي بدأ يستسلم لنوبات العصبية الشديدة من الأيام الأولي لزفافي الذي لم يتم في الحقيقة حتي إنه قد ضربني بعد‏15‏ يوما فقط من الزواج وسالت الدماء الغزيرة‏,‏ حين ضرب كوب الماء بيده فتناثرت أجزاؤه وتطايرت الدماء علي الجدران والسقف كأنني في أحد مشاهد أفلام الرعب المخيفة‏..‏ ثم بعد قليل راح يعتذر لي ويعدني بعدم تكرار مافعل ويطلب تكتم كل شيء‏.‏ ولقد تكتمت بالفعل ما أعانيه وصبرت عليه غير أن والدتي رأت بالمصادفة علامات الضرب علي جسدي وسألتني عنها فانهرت واعترفت لها بكل شيء‏,‏ واصطحبتني أمي إلي طبيبة اخصائية لعلاجي‏..‏ ووقف أعمامي بجواري وطلبوا من أسرة زوجي الطلاق خاصة بعد أن استفسروا عن حالة زوجي لدي الطبيب الجراح‏,‏ لكن والدتي خشيت من كلام الناس عن الفتاة التي تزوجت فمات أبوها بعد زفافها بيومين فجأة‏,‏ وطلقت بعد رحيله عن الحياة بأقل من شهر‏,‏ واتفقت مع والدة زوجي علي عودتي له بشرط أن تستمر هي في علاجه‏,‏ وأن تتعهد لها اذا لم ينجح العلاج بأن تعيدني إليها كما أخذتني منها عذراء لم يمسسها بشر لكي أستطيع بدء حياة جديدة في مكان آخر‏.‏

وتعهدت والدة زوجي لأمي بذلك‏,‏ غير أن الأمور تطورت للأسف في اتجاه مختلف‏,‏ فلقد اصطحبتني حماتي بعد أيام من عودتي إلي طبيبة تعرفها لأمراض النساء والولادة للاطمئنان علي كما قالت لي‏,‏ وذهبت معها بحسن نية فما إن رقدت علي سرير الفحص‏,‏ حتي فوجئت بحماتي تجثم فوق صدري لتمنعني من الحركة‏,‏ واذا بالطبيبة ـ سامحها اللهـ تقضي علي مستقبلي باتفاق مسبق مع والدة زوجي‏..‏ وفي نفس الليلة حملت في طفلي الوحيد وأنجبته بعد تسعة أشهر‏,‏ وفرحت به رغم الأحزان المحيطة‏,‏ وخيبة الأمل في كل شيء‏,‏ ومضت الأيام حافلة بكل ما لا ترغبه عروس شابة لنفسها‏,‏ حتي اكتملت سبع سنوات تجرعت خلالها كل أنواع الاهانة من زوجي ومن أهله الذين عاملوني أسوأ معاملة هم أيضا لضيقهم بحالة ابنهم علاوة علي عصبيته التي زادت علي كل حد والضرب‏,‏ ولم أكن أفعل شيئا لدفع هذا الظلم عني سوي اللجوء إلي بيت أمي غاضبة من حين لآخر حتي أمضيت نصف فترة زواجي تقريبا في بيتها‏,‏ ثم انهارت أعصابي تماما في النهاية وتعرضت لمحاولات مقززة من بعض الأشخاص القريبين من زوجي وأسرته لدفعي للخطأ غير أن الله سبحانه وتعالي قد حماني منه ومنهم‏.‏

وزادت الاهانات من جانبه ومن جانب أهله وتضاعفت المعاناة‏,‏ وذهبت معه إلي عدد كبير من أطباء الأمراض العضوية والنفسية الذين كانوا يطلبون بعد عدة جلسات مع زوجي رؤيتي والحديث معي عن حالته‏,‏ فكان بعضهم يفعل ذلك باخلاص وأمانة‏..‏ وكان البعض الآخر للأسف يغازلني اعتمادا علي مايعلمه عن حالة زوجي‏..‏ وتداخلت عوامل كثيرة نفسية وصحية لاتفي الكلمات مهما حاولت وصفها‏,‏ وفقدت مابقي من قدرتي علي الاحتمال فانفصلت عن زوجي وتنازلت له عن كل حقوقي وعن الشقة بالرغم من أني حاضنة لطفلي وتحملت مسئولية الطفل وحدي‏.‏ ومضي عام وبعض عام استرددت خلالها بعض صحتي المتدهورة‏,‏ وبعض معنوياتي المنهارة‏,‏ ثم بدأ زوجي السابق يطالبني بالعودة إليه مرة أخري مؤكدا لي أنه قد تغير وانه لن يهدر كرامتي مرة أخري وانه‏..‏ وانه‏..‏الخ‏.‏ ومن جانبها راحت والدتي تضغط علي للعودة إليه والرجوع إلي شقتي الجميلة حفاظا علي ابني‏..‏الخ‏.‏ وأنا تائهة وحائرة ولا أستطيع اتخاذ القرار السليم‏..‏ انني لا أنكر علي زوجي السابق أنه طيب وان تصرفاته التي أشكو منها ترجع إلي عصبيته الشديدة وحالته الصحية‏,‏ كما أنه ميسور إلي حد ما‏,‏ لكني لا أعرف ما أفعل‏..‏ ولست علي ثقة بأن كل ما عانيته طوال سبع سنوات سوف يختفي بجرة قلم اذا رجعت إليه‏,‏ ولقد رحل أبي عني وعجزت عن التفكير واتخاذ القرار الصحيح‏..‏ وأرجو أن تعتبرني ابنتك وأن تشير علي بما يشير به الأب علي ابنته في مثل هذه الظروف الدقيقة‏..‏ وشكرا لك‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

لك بعض العذر يا ابنتي في عجزك عن التفكير واتخاذ القرار السليم في الاختيار الذي يواجهك الآن‏..‏ ليس لأن الاختيار صعب ومحير وتتشابه فيه البدائل علي نحو يصعب معه اختيار الأصلح منها‏,‏ وانما لأن والدك قد عودك أن يتولي هو التفكير بالنيابة عنك واتخاذ القرارات المصيرية لك بغير أن يكون لك شأن كبير أو صغير في اختيارها‏..‏ فاذا كان قد أحسن إليك بتنشئتك علي القيم الدينية والفضائل والنفور من الخطأ والخطيئة‏,‏ فلقد أضر بك للأسف من حيث لم يرغب بحنوه الزائد عليك وحرصه الشديد علي أن يجنبك مئونة الاختيار لنفسك وليس أسوأ من تخلي الآباء والأمهات عن مسئولياتهم المادية والمعنوية عن أبنائهم وتركهم للغرق في دوامة الحياة إلا مصادرة الآباء والأمهات لحق هؤلاء الأبناء في التفكير والاختيار واتخاذ القرارات المصيرية في حياتهم بالاستعانة بحكمة الأهل‏..‏ فكلا الأمرين شطط يخرج عن جادة الاعتدال ويعرض الأبناء للضياع في معركة الحياة‏.‏ وليست مهمتنا كآباء وأمهات أن نفكر نحن بالنيابة عن أبنائنا في حياتهم‏,‏ وأن نتخذ لهم قراراتهم المصيرية دون مشاركة منهم فيها‏,‏ وانما أن نغرس فيهم إلي جانب الفضائل والقيم الدينية القدرة علي التمييز بين الخير والشر‏,‏ وبين الصواب والخطأ‏..‏ والقدرة علي التفكير في شئون حياتهم واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها فيما يواجهونه من اختيارات واختبارات خلال رحلة العمر‏,‏ فالعضو الذي لايستخدمه صاحبه من أعضاء الجسم يضعف ويتدهور بأسرع من العضو الذي يتكرر استخدامه والاعتماد عليه‏,‏ وكذلك ارادة الإنسان وقدرته علي ممارسة المسئولية عن نفسه وعن الآخرين وممارسة حق الاختيار والتفكير‏..‏ غير أن هذا العامل السلبي ليس وحده المسئول عن حيرتك الآن‏..‏ فلقد تداخل معه عامل آخر في صنع مأساتك‏,‏ هو التحرز المغالي فيه ضد كلام الناس والخوف الزائد من ألسنة السوء‏..‏ وبسبب ذلك تراجع والدك عن الالتزام بقراره بعدم اتمام زواجك قبل الزفاف‏,‏ بعدما لمسه عن قرب من تصرفات خطيبك وعصبيته الشديدة وتجاوزاته الصارخة خلال أزمة شقة الزواج‏..‏ واذا كان موقفه في المستشفي حين أكد لوالده أنه لن يتخلي عنه مهما حدث له من عوارض الحياة‏,‏ مما يحسب له ولشهامته وأصالته وإيمانه الصحيح بأنه لا ذنب لمثل هذا الشاب في أقداره المؤلمة‏,‏ فإن موقفه حين تراجع عن قرار عدم اتمام الزواج بدعوي الخوف من كلام الناس‏,‏ لهو مما يحسب عليه وليس له أو لحكمته وبعد نظره‏,‏ ذلك أنه لو كان قد تمسك به وقد لمس بنفسه تجاوزات الشاب واجتراءه علي الغير حتي ولو كان لحالته الصحية أثر في ذلك‏,‏ لأعفاك من كل هذا العذاب الذي تجرعته علي مدي سبع سنوات عجاف في حياتك‏,‏ وأثمر هذا الطفل الحائر المحروم من نشأته الطبيعية بين أبويه‏..‏ كما أن والدتك ـ لو لم تكن قد تأثرت بهذا العامل السلبي نفسه وهو المغالاة في التحسب لما سوف يظنه بنا الآخرونـ لتمسكت بانفصالك عن زوجك بعد اكتشافها ضربه وإيذاءه لك في الأيام الأولي من الزواج‏,‏ حتي ولو كان الأمر قد تطلب منها أن تستضيفك لديها بضعة أسابيع بدعوي تهدئة الحال‏..‏ لتطيل أمد الزواج نسبيا قبل الانفصال ونحن مطالبون بالفعل بالحرص علي سمعتنا‏..‏ وبأن نتجنب الشبهات ونكف ألسنة الغير عنا بالالتزام بالطريق القويم في الحياة‏,‏ لكن هذا الحرص الحميد لاينبغي له أن يتجاوز الحدود الآمنة‏..‏ لكيلا نعلق سعادتنا وحياتنا علي أطراف ألسنة الغير‏,‏ وندعهم يقودون حياتنا ونعجز نحن عن اتخاذ القرار السليم الذي تفرضه الظروف القاهرة علينا‏,‏ حين تدعو الحاجة إلي ذلك‏.‏ والطريق إلي جهنم قد يكون مفروشا في بعض الأحيان كما يقول المثل الانجليزي بالنيات الطيبة‏,‏ وليس أدل علي ذلك من أن والدتك بدلا من أن تعينك علي القرار الصحيح قد وثقت بحسن نية في تعهد والدة زوجك لها بأن تعيدك إليها سالمة اذا لم ينجح العلاج مع ابنها المحكوم بأقداره‏,‏ كما أنك أنت أيضا قد ذهبت بحسن نية معها إلي الطبيبة بدعوي الاطمئنان عليك فاذا بها تدخر لك أمرا آخر أسهم للأسف في تعقيد المشكلة وإطالة سنوات العذاب‏..‏ والآن فإن والدتك تضغط عليك من جديد للعودة إلي زوجك السابق من أجل شقتك الجميلة‏,‏ ومن أجل ابنك‏..‏ إلخ وأخشي أن يكون قد أضيف إلي العوامل السابقة التي شاركت في صنع تعاستك عامل آخر لايخلو من شبهة الاعتبار المادي والرغبة في التخفف من بعض الضغوط المادية بالنظر لمسئوليتك عن طفلك الوحيد‏..‏ ومن خبر طريقا فلم يؤد به من قبل إلي الغاية التي ينشد بلوغها ليس من انصافه لنفسه أن يحاول اختباره مرة أخري مؤملا أن يؤدي إلي غاية أدرك بالتجربة أنه لايقود إليها‏.‏ ولهذا فإني أدعوك إلي اسقاط كل هذه العوامل السابقة من اعتبارك وأنت تفكرين في الاختيار لحياتك مرة أخري بعد كل ما جري وكان‏,‏ وأطالبك انصافا لنفسك بأن يكون العامل المؤثر الحقيقي في قرارك بالعودة أو رفضها هو هل حدث بالفعل أي تغير إيجابي حقيقي في شخصية زوجك السابق وحالته العصبية وظروفه الصحية‏..‏ أم لا؟‏..‏ وهل انتظم في العلاج النفسي والعصبي والعضوي خلال الفترة الماضية وحقق العلاج نتائج إيجابية طيبة أم لا؟‏..‏ وهل أصبح أكثر قدرة علي تمالك نفسه وأعصابه وكف لسانه عن الأذي والاهانات‏,‏ وتعلم من تجربته أن يحسن عشرة من تتحمل ظروفه أم لا؟‏..‏ ثم هل هو بعد كل ذلك‏,‏ علي استعداد لأن يطمئنك علي تحسنه باصطحابك مع والدتك إلي الأطباء المعالجين له لتسمعا منهم شهادة محايدة عن حالته العصبية والعضوية؟‏..‏ هذه هي العوامل الأولي بالاعتبار في قرار العودة‏..‏ إلي جانب العامل الآخر المحوري وهو مصلحة هذا الطفل الحائر بالطبع‏..‏ أما الوعود والكلمات التي لايصدقها العمل فإنه لايمكن الاعتماد عليها في مثل هذه الظروف‏,‏ بل ان الله سبحانه وتعالي قد يحاسبنا علي الانخداع بما سبق لنا أن انخدعنا به من قبل بغير أن نتعلم من تجربتنا معه‏,‏ ونحترس له‏..‏ والحق أن هناك ما يثير الريبة لدي في أن بعض تصرفات زوجك معك واهاناته لك لايمكن ارجاعها كلها إلي حالته العصبية والصحية‏,‏ ذلك أن العصبية المرضية اذا كانت تتمثل في سرعة الاستثارة والانفعال والغضب‏,‏ فإنها لاتعني بالضرورة إيذاء الغير واهانتهم‏..‏ وإلا فلماذا لاتتوجه هذه العصبية المرضية إلي الغرباء الذين يتحسب العصبيون لردود فعلهم تجاهـهم‏,‏ فلا تتجاوز عصبيتهم معهم أبدا الخطوط الحمراء إلي الضرب والعدوان والاهانات الجارحة؟‏!.‏

إن المؤسف هو أن مثل هذه العصبية‏,‏ حتي ولو كانت لأسباب مرضية‏,‏ تتوجه في الأغلب الأعم لمن يعرف أصحابها انه لن يرد عليهم العدوان بالعدوان‏,‏ ويشجع الضعف والاستكانة وقلة الحيلة أصحابها علي التمادي‏,‏ مما يدفعني لأن أشك في أن بعض مظاهر عصبية زوجك السابق معك واهاناته لك انما تتداخل فيها أسباب أخري تتعلق بسوء الطبع والاستضعاف‏,‏ وشيء من الاحساس بالتمايز الطبقي أو المادي عليك مع تقدير الاعتبارات الأخري المتعلقة بظروفه الصحية أعانه الله عليها ولهذا فهو يحتاج إلي أن يراغم نفسه علي أن يصلح من أمره‏..‏ ويحسن عشرتك ويعينك بذلك علي التجاوز عن الانفلاتات العصبية الراجعة لحالته المرضية‏..‏

ففكري يا ابنتي في أمرك بنفسك‏.‏ ولا تدعي أحدا غيرك يفكر لك‏,‏ ولا تغامري بالاستجابة للضغوط قبل أن تتيقني من أن تغيرا إيجابيا حقيقيا قد حدث في شخصية زوجك السابق وحالته الصحية والعصبية وطباعه‏..‏ ونظرته لك وللحياة‏..‏ فإن لم تطمئني لذلك‏..‏ فلا داعي لتكرار التجربة‏..‏ وتكبد العناء عامين أو ثلاثة أعوام أخري ترجعين بعدها إلي بيتك وعلي ذراعك طفل محروم آخر‏..‏ والسلام‏!!

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 40975‏1999فبراير 12‏26 من شوال 1419 هـالجمعة

سر التحول‏!‏

أنا رجل في الرابعة والأربعين من عمري‏..‏ تزوجت منذ ستة عشرة عاما من انسانة طيبة‏,‏ كانت أختا لصديق لي‏,‏ وكان والدي يحب صديقي هذا من بين كل أصدقائي فرشح لي شقيقته للزواج منها قبل أن يراها‏..‏ ورحبت أنا بهذا الترشيح قبل أن أتحدث معها أو أعرفها عن قرب‏,‏ وتزوجنا وأقمنا في البداية مع والدة زوجتي‏..‏ ثم انتقلنا بعد فترة الي شقتنا التي أعددناها لتكون عشاءا للزوجية وانتقلت والدتها معنا حيث كانت تستريح للاقامة بيننا‏,‏ وأنجبنا طفلنا الأول‏,‏ وبعد مجيئه الي الحياة رفضت زوجتي الانجاب مرة أخري وتمسكت بذلك لمدة ثماني سنوات كاملة الي أن اقتنعت بضرورة انجاب شقيق أو شقيقة أخري لابننا الوحيد‏,‏ فانجبنا طفلنا الثاني وبلغ من العمر الآن سبع سنوات‏,‏ ومنذ الأيام الأولي لزواجنا ملكت علي زوجتي قلبي وعقلي وكياني بأخلاقها الكريمة وطيبتها وأصالتها‏,‏ حتي أصبحت بعد فترة قصيرة من الزواج أهيم بها حبا‏,‏ ولا أضع أية انسانة أخري في الوجود موضع المقارنة معها‏,‏ وأحرم علي نفسي مجرد النظر الي غيرها من النساء أما هي فلقد اعتبرتني أيضا كل شيء في حياتها‏,‏ وملكت عليها أنا كذلك قلبها وعقلها وكيانها‏,‏ حتي كانت تتصل بي في عملي من عملها لتبثني شوقها وافتقادها لي الساعات القليلة التي فصلت بيننا‏..‏ ومضت بنا الحياة سعيدة وجميلة وهادئة علي هذا النحو‏..‏ وأنا لا أقصر في بذل الجهد لارضاء زوجتي وتخفيف الأعباء عنها‏,‏ فكنت مهما تأخرت في العمل ليلا أحرص علي الاستيقاظ في السادسة صباحا لاعداد الشطائر للولدين‏..‏ والافطار لزوجتي‏..‏ ثم اصطحب الولدين للمدرسة وأترك سيارتنا الصغيرة أمام مدرستهما واهرول الي عملي‏,‏ وعند انتهاء الدراسة أرجع اليهما فأصطحبهما ثم أتوجه الي عمل زوجتي واصطحبها الي البيت ونرجع معا‏,‏ فلااستريح سوي لحظات ثم أهرول عائدا الي عملي‏,‏ هذا بخلاف قيامي بشراء كل مستلزمات البيت‏..‏ والاستجابة لرغبة زوجتي ووالدتها في شرائها من أماكن محددة بعينها علي مسافات بعيدة ومختلفة فالخبز لابد من احضاره من فرن خاص يبعد عن منزلنا‏12‏ كيلومترا بالسيارة‏,‏ واللحم لابد من شرائه من جزار بعينه علي مبعدة‏11‏ كيلومترا في اتجاه مختلف‏..‏ والبقوليات من محل محدد علي مسافة‏15‏ كيلومترا‏,‏ وكذلك الخضراوات والدجاج والأسماك والبقالة كل منها من مكان معين لابديل له في مكان مختلف وبعيد وفي مواعيد عمل مختلفة‏,‏ حتي المياه الغازية كان لها أيضا مكان أفضل من غيره لشرائها منه‏,‏ مع انها تعبئة واحدة ومن خط انتاج واحد‏,‏ لكني رأيت ذلك يرضي زوجتي ووالدتها فكنت استجيب لما تطلبان واحضر لهما ما تريدان من الأماكن التي يفضلانها الي جانب تحملي لمسئولية نظافة الشقة وحدي ومعاناتي في سداد اقساط شقة أوسع نخطط للانتقال اليها‏,‏ واختلاف مواعيد نومي تبعا لتغير ورديات العمل‏,‏ ثم بدأت في الفترة الأخيرة ألاحظ اهمال زوجتي لي وتجاهلها علي غير سابق عادتها لغضبي اذا غضبت منها لأي سبب من الأسباب العابرة وتركها لي دون سؤال عن سبب غضبي وانفعالي الي أن أبدأها أنا بالكلام والعتاب كما بدأت تتجاهل محاولاتي الخفية للحديث معها في أي شيء‏,‏ بكبرياء راح يتزايد مع الأيام‏,‏ فاذا انتهي هذا التجاهل بانفجاري فيها وسبابي بكت وراحت تشكو من أنها مظلومة وانني دائم العصبية بلا سبب‏,‏ ثم يتدخل شقيقاها ويسمعان منها ومن والدتها ومني‏,‏ فيجدان اللوم واقعا عليها لتجاهلها لي وتركها للامور حتي تصل الي حافة الانفجار‏,‏ وقد تكرر هذا الموقف منذ أربعة أشهر وجاء شقيقها فشهدت لي والدة زوجتي بأنني لم أقصر في حقها في شيء بل انني حتي في حالة الخصام أعد لها طعام الافطار واحضرها بالسيارة من العمل‏,‏ فلام شقيقته وغضب منها‏.‏ وانهارت هي ورفضت اللوم فاتفقت مع شقيقها علي أن أترك لها البيت الي أن تهدأ أعصابها وانتقلت الي بيت والدتي‏,‏ وامضيت به ثلاثة أيام‏,‏ مرت علي كأنها ثلاثة أشهر دون أن يسأل عني أحد من زوجتي أو أبنائي فاتصلت بشقيقها واقترحت عليه ان أرجع الي بيتي وان تنتقل هي للاقامة لديه لبعض الوقت حرصا علي انتظام الأبناء في الدراسة والي أن ترجع المياه الي مجاريها بيننا‏,‏ ورجعت للبيت وفوجئت بأن والدة زوجتي قد غادرته مع ابنتها وكنت قد طلبت بقاءها معي ومع الأبناء‏,‏ وبعد يومين جاء شقيق زوجتي ليبلغني باصرار زوجتي علي الانفصال وطلب الطلاق‏,‏ وانهرت حين سمعت ذلك ورفضت بشدة وطلبت منه التروي لأنه ليس هناك سبب جدي يدعو اليه وكثيرا ما تشهد الحياة الزوجية خلافات أكبر من ذلك ثم تستمر وتتواصل بلا عناء‏..‏ لكن كل المحاولات مع زوجتي لاثنائها عن رغبتها باءت كلها بالفشل‏,‏ ومنذ أربعة أشهر لم يمض اسبوع واحد دون ان أرسل اليها فضلاء الأقارب والمعارف للتوسط بيني وبينها لاقناعها بالعودة دون جدوي‏..‏ وقد تركت الأبناء طوال هذه الفترة معي وهي تعلم ظروف عملي التي تضطرني لتركهم في الليل في كثير من الأحيان‏,‏ ومنذ أسابيع جاءت الي البيت وطلبت مني الطلاق وهددتني بأني ان لم استجب لطلبها فانها سوف تنتحر‏,‏ وطلبت من ابنيها ان يقنعاني بطلاقها والا فانها سوف تنتحر‏..‏ ويعيشان واعيش انا وهما ونحمل نحمل ذنبها في اعناقنا‏!‏ وانهار الولدان باكيين وهدأت من روعهما لكنهما مرضا بعد ذلك لمدة‏15‏ يوما لم يرق خلالها قلبها لهما أبدا‏!‏

لقد بكيت كثيرا ياسيدي أمام أبنائي وأنا أتعجب لهذا التحول الغريب في مشاعر زوجتي تجاهي وتجاه أبنائها ورغبتها الشديدة هذه في الطلاق‏..‏ وشاركني شقيقاها ووالدتها التعجب لهذا التغير ولعدم سؤالها عن ابنيها ولعنادها‏..‏ وجفائها واتفقوا علي ان ماحدث لايستحق الطلاق ولا يدعو اليه‏,‏ حتي لقد توسط بيننا رجل دين كبير له مقام جليل عند الجميع وطلب مني الصبر عليها وتحملها الي أن تهدأ أعصابها ونصحني بعرضها علي الطبيب النفسي لعله يستطيع مساعدتها‏..‏ لكنها مازالت ترفض كل المحاولات والمساعي‏,‏ واني اسألك لماذا يبيع الانسان عشرة العمر والأبناء هكذا ولأسباب يمكن معالجتها والتغلب عليها؟

لقد رميت نفسي بالخطأ‏..‏ دون أن أخطيء وراجعت نفسي وتعهدت بضبط النفس والتحكم في الأعصاب والتوقف عن أي شيء يغضبها وارغب بشدة في الحفاظ علي البيت والأبناء‏,‏ لكنها ترفض كل ذلك وتقول إنها لم تكن سعيدة معي وتروي أشياء صغيرة من تراكمات‏16‏ سنة من الزواج كنت قد نسيتها تماما ولا أراها تستحق ان يتذكرها أحد‏..‏ لكنها تحفظها عن ظهر قلب وتعيد روايتها بتفاصيلها العجيبة ولا تقتنع بكلام الأهل والأقارب والأصدقاء‏..‏ وتصر علي ان تفقد أكثر ثلاثة أشخاص في الوجود يكنون لها كل الحب والاعزاز وهم أنا والولدان فماذا أفعل لكي استعيد زوجتي وسعادة أبنائي واستقرارهم‏..‏ انني لست ممن يبيعون العشرة بسهولة حتي ولو باعتها زوجتي‏,‏ ومازلت آمل في أن يهديء الله النفوس ويفتت هذا الحجر الصلد الذي تكون داخل صدر زوجتي حتي ما عادت تهتم برؤية الولدين وتصرح بأنهما اذا كانا لا يريدانها فانها هي الأخري لاتريدهما‏..‏ فهل تستطيع لي شيئا يمنع هذا البيت من الانهيار؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

ان لم استطع لك شيئا وقد فشلت كل الجهود والمساعي بما فيها جهود رجل الدين الجليل الذي أشرت اليه في اقناع زوجتك بالتنازل عن رغبتها العنيدة في الانفصال عنك‏,‏ فلعلي استطيع علي الأقل أن أفسر لك بعض ما غمض عليك فهمه من سر تحولها المفاجيء عنك وقد كنت تظن كما تقول انك قد ملكت عليها قلبها وعقلها وكيانها كما ملكتها هي عليك بالفعل‏.‏

فالحجر الصلد الذي تقول انه قد تشكل في صدر زوجتك كغيره من الأحجار الجيرية يتكون من ذرات صغيرة‏,‏ تتجمع في البداية حول نواة أولية ثم تتراكم عليها الاضافات الجديدة يوما بعد يوم‏..‏ فتتماسك معها‏,‏ وتلتحم بها وتزداد صلابتها علي مر السنين الي أن يأتي وقت يتعذر فيه تفتيتها وازالتها إلا بقوة ضاغطة هائلة‏.‏

وآفة العلاقات الزوجية في كثير من الأحيان‏..‏ هو ان طرفيها أو احدهما قد لايبادر بازالة هذه الذرات الجيرية الضئيلة في بدايتها‏,‏ مستعينا علي ذلك بالرغبة المشتركة في السعادة وانجاح الحياة الزوجية‏..‏ وروح التسامح‏..‏ ونسيان الاساءات الصغيرة‏,‏ فتكون النتيجة هي ان تتراكم هذه الذرات تحت السطح‏,‏ وتستقبل المزيد والمزيد‏,‏ وتساعد الذاكرة غير المتسامحة علي اختزانها والحفاظ عليها‏..‏ الي أن تأتي لحظة فاصلة يشعر فيها أحد الطرفين وكأن حجرا هائلا قد جثم فوق صدره وحال بينه وبين التواصل مع شريك حياته‏,‏ فإذا كان من أهل العطاء وانكار الذات من أجل سعادة ابنائه تجرع علقم الانفصال الروحي عن شريكه صابرا ورضي بحياته كما هي عليه مفضلا سعادة ابنائه علي سعادته‏,‏ واذا كان من طالبي السعادة الشخصية ولو علي حساب أمان أبنائه‏,‏ فوجيء الطرف الآخر بتحوله المفاجيء عنه واصراره علي الانفصال عنه فوقف أمامه ذاهلا وعاجزا عن الفهم والتفسير‏!‏

والخلاصة هي أننا لا نحسن في بعض الأحيان فهم دخائل نفوس شركاء الحياة وحقيقة مشاعرهم تجاهنا وتجاه الحياة المشتركة التي تجمع بيننا‏,‏ ونظن في أحيان عديدة ان ركود سطح الماء في بحيرة الحياة يعني صفاء الجو وخلو القاع مما يمور فيه من تيارات متضاربة ودوامات عنيفة واحسب ان هذا هو ماحدث في حياتك بالرغم من أن زوجات كثيرات قد يغبطن زوجتك علي شريك محب‏,‏ متعاون ومعطاء مثلك يعد الشطائر لأبنائه والإفطار لزوجته في الصباح‏..‏ وينظف البيت دونها‏.‏ ويجوب شوارع المدينة طولا وعرضا لشراء احتياجاتها من أماكن محددةعلي مسافات بعيدة وتشهد له حتي والدتها بأنه لا يقصر في اداء واجباته تجاهها ولو في حالات الخصام معها‏..‏

اذن ما هي المشكلة ياصديقي؟

المشكلة هي ان زوجتك هي التي ملكت عليك قلبك وعقلك وكيانك طوال السنوات الماضية وانك لم تملكها بنفس هذا القدر ولا ببعضه‏..‏ أو حتي بشيء منه‏..‏ والحب كالدنيا التي قال عنها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اذا أقبلت علي انسان كسته محاسن غيره‏,‏ واذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه‏!‏

ولقد أدبر عنك حب زوجتك لك فسلبك للأسف محاسن نفسك ولم يكسك محاسن غيرك‏,‏ وساهمت الانفلاتات العصبية والذاكرة الحافظة لزوجتك في تضخيم العيوب حتي عدتها خطايا لايجوز التجاوز عنها‏,‏ مع انه لايخلو انسان علي وجه الأرض بمن فيهم زوجتك من قدر من العصبية والانفعالية في بعض الأحيان‏..‏ لكن الحب قلب غفور‏..‏ والكره قلب حقود لايغفر ذنبا ولا ينسي اساءة‏,‏ وهكذا راح الحجر الصلد يتشكل تحت السطح ببطء الي أن جاءت اللحظة الفاصلة وانفجر الموقف بينكما‏..‏

فأما هذه اللحظة الفاصلة فالله سبحانه وتعالي هو وحده من يعلم اذا كانت هناك أسباب خارجية قد عجلت بظهورها الي السطح أم لا‏..‏ غير أن ظاهر الأمر واصرار زوجتك علي الطلاق الي حد التهديد بالانتحار ومطالبتها لابنيها باقناعك به‏..‏ كل ذلك يوحي بأن الأمر لم تعد تجدي معه أي محاولات للاقناع أو المناشدة‏..‏ وفي ظني انها لن تتنازل عن تمسكها بطلب الطلاق‏..‏ مهما فعلت أنت أو تمسكت بها وتذللت لها لكي تقبل بالعودة اليك وفي كل الأحوال فانك لاتستطيع ان تمسك عليك زوجة كرهت الحياة معك ولم تقدر لك كل ما قدمت لها من حب وتضحية وعطاء علي مر السنين‏,‏ وبلغت بها كراهيتها لهذه الحياة ان ضحت في سبيل الخلاص منها‏,‏ بسعادة ابنيها واستقرارهما وحبهما لها‏..‏ والمرأة اذا بلغت هذا الحد من الاصرار علي رفض حياتها الزوجية ولو ضحت في سبيل ذلك بمشاعر ابنائها تجاهها‏,‏ فانه لايعدل بها عن هذا الاصرار شيء‏,‏ ولا هو من الحكمة ارغامها في مثل هذه الظروف علي القبول بحياتها الزوجية مرة أخري‏..‏ لأن ذلك لن يعني في الأغلب الأعم إلا الحفاظ علي شكل الأسرة دون جوهرها‏..‏ وقد يفتح الباب لشرور وآثام أخري‏.‏

فاذا كنت أقدر لك حرصك علي أبنائك وأسرتك ومحاولتك المخلصة لانقاذ حياتك الزوجية من الانهيار‏,‏ فإني أذكرك علي الناحية الأخري بأنك قد أديت واجبك في السعي للحفاظ علي أسرتك ورأب صدعها وحماية استقرار حياة أبنائك‏,‏ لكن ليس كل ما يرجوه الانسان لنفسه يستطيع أن يحققه لها حين يتعلق الأمر بارادة طرف آخر لايشاركه مثل هذا الحرص علي الحياة الزوجية وهذه الرغبة المخلصة في استمرارها وانقاذها من الانهيار فلا تمتهن نفسك أكثر من ذلك ياصديقي في استجداء عودة زوجتك لك ولابنيها‏,‏ واقبل بما ليس منه بد ـ ولو مؤقتا ـ عسي ان تعلمها الأيام ما لم تكن تعلم‏..‏ أو يعوضك الله عنها وعن حياتك السابقة معها خيرا كثيرا‏..‏ والسلام‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 40982‏1999فبراير 19‏3 من ذى القعدة 1419 هـالجمعة

الهروب إلي الماضي

أنا شاب في الخامسة والعشرين من عمري نشأت في أسرة متدينة‏..‏ وكنت الابن الوحيد لأبوين من رجال التعليم الأب يعمل مدرسا للغة العربية ووكيلا لمدرسة اعدادية‏,‏ والأم مدرسة لمادة التاريخ بنفس المدرسة‏.‏ فنهلت منذ صغري من نبع الحب والحنان المتدفق في قلب أمي وصدر أبي‏..‏ ونشأت منذ طفولتي علي الالتزام والطاعة‏..‏ بالرغم من أنني ابن وحيد وشعرت دائما باعتزاز أبي وأمي بي‏.‏ ومضت بنا سنوات العمر وتقدمت في الدراسة من مرحلة إلي مرحلة حتي حصلت علي الثانوية العامة‏,‏ والتحقت بالجامعة وبدأت أتطلع للحياة والمستقبل‏,‏ وأحلم بالغد الذي أتخرج فيه من كليتي وأعمل‏..‏ وتضع الحياة في طريقي الفتاة التي سأرتبط بها وتشاركني رحلة العمر‏..‏ إلي أن قطع علي هذه الأحلام السعيدة يوم الاثنين الأسود اللعين الذي وقع فيه الزلزال الكبير‏,‏ في‏12‏ اكتوبر‏1992‏ ورجعت إلي البيت عقب وقوعه بساعة فاذا بي أجد بيتنا ركاما وحطاما وأكواما من التراب‏,‏ وأبي وأمي تحت أنقاضه‏,‏ فأقف وسط رجال الانقاذ منهارا ومذهولا وضائعا أشهد مشهد الختام المؤلم في حياة أبي وأمي‏,‏ اللذين كانا كل ما لدي في هذه الدنيا الغادرة‏..‏ وأراهما بأم عيني محمولين علي محفات رجال الانقاذ إلي المصير المحتوم‏.‏ وكنت حين وقعت هذه المأساة التي غيرت كل شيء في حياتي في التاسعة عشرة من عمري فانتقلت للعيش مع جدتي لأمي وحاولت جدتي أن تعوضني بعض ما فقدت من حب وحنان ولكن هيهات أن تستطيع ذلك وحزنها هي نفسها كان أضعاف حزني‏..‏ وحاولت أنا أن أتحصن بالقرآن والصلاة لكني كنت قد فقدت شيئا من روحي السابقة لا أستطيع استرداده‏..‏ ووسط هذه الظروف القاسية واصلت دراستي حتي انتهيت منها وهزم الحزن والقهر جدتي الطيبة فرحلت هي الأخري عن الحياة رحمها الله ووجدت نفسي وحيدا تماما في الدنيا ونظرات الاشفاق تحيط بي من كل جانب‏.‏

وعقب وفاة جدتي كرهت الحياة في بلدتي التي نشأت فيها‏..‏ فتركتها هربا من نظرات الشفقة التي تقتلني وانتقلت إلي مدينة ساحلية كبيرة عسي أن أنسي فيها حزني وهمي ووحدتي‏,‏ وعملت في مكان لايعرفني فيه أحد علي الاطلاق‏,‏ وتضرعت إلي الله أن يمدني بالقدرة علي تحمل حياتي‏,‏ لكني تحولت إلي إنسان نصف غائب عن الوعي وفقدت توازني النفسي وعجزت عن تحمل الواقع‏..‏ فرحت أهرب منه إلي الماضي وأعيش فيه وأستعيد مشاهد حياتي السابقة قبل‏6‏ سنوات حين كنت أعيش في بيت دافيء بالحب والحنان‏..‏ وأري نظرة الحب والاهتمام في عيني أبي‏..‏ ونظرة الحب والفخر والاعتزاز في عيني أمي‏,‏ وأراني محور حياتهما واهتمامهما في كل شيء فاذا كنت خارج البيت لايهدأ لهما بال إلا حين يسمعان صرير مفتاح الشقة وأنا أفتح به الباب وأدخل عليهما قائلا‏:‏ مساء الخير يابابا‏..‏ مساء الخير ياماما‏..‏ فيردان علي التحية بأحسن منها‏,‏ ويطمئن قلباهما‏..‏ وتنهض أمي لاعداد العشاء لي‏..‏ ويدعوني أبي للجلوس بجانبه بعض الوقت قبل أن ينام ويسألني عما فعلت خارج البيت‏..‏ ومن من الأصدقاء قابلته وماذا قلنا في سمرنا معا‏..‏ وينصت باهتمام شديد لما أحكيه له من ذلك كأنما ألقي علي أسماعه الدرر الغالية‏..‏ ويضحك من قلبه علي أية نادرة أرويها له وترجع أمي بصينية العشاء وتشاركنا الضحك وتحدوني بعطفها كأني طفل صغير‏..‏ أما احتياجاتي ومطالبي فقد كانت لها الأولوية المطلقة عندهما‏..‏ ومن بعد ذلك كل شيء يمكن تدبيره أو الانتظار عليه‏..‏ واذا جلسا في أول الشهر يعدان ميزانية البيت كان أول مايفكران فيه هو مصروفي‏..‏ وثمن كتبي‏..‏ وملابسي الخ‏,‏ أما اذا مرضت بنوبة برد أو نزلة معوية‏,‏ فلا شاغل لهما إلا صحتي ودوائي ونصحي بالراحة وعدم التسرع في الخروج من البيت قبل الشفاء التام‏..‏ وأما يوم نجاحي في نهاية العام فهو عيد خاص لهما تنهال علي فيه كلمات التهنئة والاشادة وعبارات الدعاء لي بالفلاح والسعادة في الحياة‏,‏ وهكذا تتوالي علي الذكريات‏..‏ وتتراءي لي الوجوه الحبيبة في وحدتي وتمضي بي الساعات وأنا مستغرق في الماضي الجميل‏..‏ فكأنما أعيش فيه أكثر مما أعيش حاضري التعيس‏..‏ ويسيء من حولي تفسير هذا الصمت شبه الدائم وهذه العزلة وتتساءل نظراتهم عما يحول بيني وبين الاندماج معهم‏..‏

ولقد كتبت لك هذه الرسالة لأنه لا صديق لي أشكو إليه حزني وهمي فأرجو أن تفتح لي قلبك وألا تضن علي بنصيحتك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

حين يشتد ضيقنا بتعاستنا قد نتلمس السلوي في استرجاع ذكريات الأيام السعيدة في حياتنا ومعايشة رموزها وشخوصها في مخيلتنا ووجداننا لبعض الوقت‏.‏ ولقد عبر عن هذا المعني الأديب الفرنسي الكبير جوستاف فلوبير حين فرقت الأيام بينه وبين أسرته واشتد احساسه بمعاناته في وحدته فكتب في رسالة إلي أمه يقول‏:‏ بينما يواصل جسدي خطواته إلي الأمام فإن أفكاري لا تفتأ ترجع إلي الوراء وتعود إلي الأيام السعيدة التي عشتها في كنفك‏..‏

غير أن استرواج نسائم الماضي السعيد بهدف استرجاع بعض لحظاته الجميلة من حين لآخر شيء‏..‏ والاستغراق الكامل فيه معظم الوقت وبشكل يعوق تواصل الإنسان مع حاضره وتقبله له شيء آخر ينبغي التوقف أمامه‏..‏ والاحتراس من آثاره النفسية السلبية‏..‏ فحياة كل إنسان في الحياة تتمحور دائما حول ثلاث دوائر هي ماض بعيد يحن إليه من حين لآخر‏..‏ وحاضر يحياه ويتواصل معه ويوجه إليه كل همته واهتمامه‏..‏ وغد يتطلع إليه ويأمل فيه دائما‏.‏ واستغراق الإنسان في ماضيه علي حساب حاضره والتطلع لمستقبله يعني الهروب النفسي من الواقع والعجز عن تقبله والتواصل معه‏..‏ واستغراق الإنسان في التطلع إلي الغد علي الناحية الأخري يعني اهدار الحاضر لحساب مستقبل في علم الغيب‏,‏ والاستغراق في الأحلام علي حساب الواقع‏,‏ والتوازن النفسي يطالبنا دائما بتقبل الحاضر والتواصل معه ومعايشته بصفة أساسية فلا يمنعنا ذلك من التماس العزاء من حين لآخر في ذكريات الماضي السعيد‏,‏ ولا من التمسك دائما بالأمل في المستقبل‏.‏ وأنت شاب في مقتبل العمر‏..‏ ولم تكد جولتك في الحياة تبدأ أول فصولها‏,‏ ومهما كانت قسوة المأساة التي فرضتها عليك أقدارك الحزينة‏,‏ فلابد لك أن تقبل بصبر وايمان وشجاعة بواقعك الأليم‏..‏ وتكف عن الهروب النفسي منه‏,‏ لأنه لاجدوي للأسف من الاستغراق في الحزن والصمت والعزلة ورفض الواقع والهروب منه إلي الماضي‏,‏ وأنا ياصديقي في أشد الحاجة إلي التفاعل مع الحياة والاندماج مع البشر من حولك‏,‏ واكتساب الصداقات الجديدة وشغل أوقاتك بالنشاطات الاجتماعية المختلفة‏,‏ لأن الوحدة بلاء لايحتمله الإنسان السعيد الذي تخلو حياته من الأحزان والمآسي‏..‏ فكيف بمن كان في مثل ظروفك الحزينة هذه التي تصبح فيها الوحدة بلاء لايحتمله أولو العزم من الرجال؟ ان المحزون تشتد حاجته إلي المشاركة الوجدانية في أحزانه وليس إلي الانفراد بها دون الغير وليس هناك ما يدعوك إلي العزلة ورفض الآخرين والهروب بمأساتك من مكان إلي مكان‏..‏ ومن زمان إلي زمان‏,‏ كأنما تتواري بسوأة ارتكبتها عن العالمين لأنك ضحية لأقدار مؤلمة ولست جانيا علي أحد‏,‏ ولأنه لا معني لانفرادك بأحزانك نفورا من نظرات الاشفاق في عيون الآخرين اذا علموا بها أو شاركوك فيها‏..‏ والحق أني علي كثرة ماحاولت قدر جهدي فهم بعض أسرار النفس البشرية‏,‏ فإني لم أستطع أن أفهم حتي الآن منطق نفور بعض المبتلين من نظرة الاشفاق عليهم في عيون الآخرين‏,‏ ذلك أنه ليس في اشفاق الآخرين علينا مايدعونا للنفور منه بدلا من الامتنان له والتخفف به عن بعض أحزاننا‏,‏ بل ان في حرماننا من العطف الإنساني ما يضاعف من معاناتنا‏,‏ ويشعرنا بوحدتنا الكاملة في مواجهتها‏,‏ وبهوان أمرنا علي الآخرين وافتقادنا لمن يهمه أمرنا‏.‏ وكل إنسان في الوجود مهما علا قدره واشتد بأسه يحتاج إلي شيء من العطف الإنساني من جانب المقربين إليه‏..‏ فهذا العطف ليس سوي إعلام له بأن هناك من يهتمون بأمره ويشفقون عليه من مكابدة همومه وحيدا‏..‏ فاذا كنا نرفض من يغالون في التطفل علي الآخرين بأحزانهم وهمومهم بلا مبرر لذلك سوي الاعتمادية النفسية علي الغير وادمان الشكوي واستجداء العطف‏,‏ فإنه ينبغي لنا أيضا أن ندين من يغالون في الانطواء علي أحزانهم واعتبار اشفاق الآخرين سلوكا يربأون بأنفسهم عن التعرض له‏..‏ والهم من أشد الأسلحة فتكا بالإنسان اذا انفرد به وحده وافتقد المشاركة والعزاء‏..‏ ففيم انفرادك به دون غيرك من البشر‏..‏ وفيم نفورك من الآخرين وأنت في أشد الحاجة إلي الصحبة والإيناس؟‏!‏

انني أدعوك إلي أن تعتبر جماعة أصدقاء بريد الأهرام التي ستعقد اجتماعا قريبا لها باذن الله في مدينتك الساحلية هي أسرتك الكبيرة التي يسعدها انتماؤك لها ومشاركتك في أنشطتها‏..‏ ولسوف أدعوك باذن الله إلي الاجتماع المقبل بمدينتك وأقدمك لأعضائها ومن بينهم عدد كبير من أبناء مدينتك سوف يتواصل اللقاء بينك وبينهم باذن الله بعد انفضاض الاجتماع‏..‏ وليكن ذلك هو الخطوة الأولي في خروجك من قوقعة الأحزان‏..‏ ومحاولة التواصل مع الحاضر والقبول به‏..‏ أما الخطوة الكبري فلسوف تتحقق ان شاء الله حين تضع أسرتك الصغيرة‏..‏ وتجمع الأقدار بينك وبين من تشاركك رحلة الحياة وتتقاسمان فيها أحزانها وأفراحها‏..‏ فاتصل بي مساء الغد لابلاغي بعنوانك ولنأمل معا في بداية جديدة وسعيدة لك باذن الله‏..‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 40989‏1999فبراير 26‏10 من ذى القعدة 1419 هـالجمعة

ابتسامة الهزيمة‏!‏

كنت فيما مضي أستبعد أن يجيء يوم أحتاج فيه الي الكتابة إليك‏..‏ لكن حادثات الأيام لا تدع أحدا في طريقه فلقد تعرضت لتجربة شخصية دفعتني لأن أكتب لك عنها مستشيرا ومحذرا‏,‏فأنا مهندس أبلغ من العمر‏45‏ عاما‏,‏ تزوجت منذ‏15‏ عاما من فتاة كانت وقتهاطالبة بالسنة الثالثة الجامعية‏....‏ وفي قمة التدين والأخلاق‏,‏ وقد تخرجت زوجتي في كليتها ونحن معا‏,‏ وعملت مدرسة بأحد المعاهد‏..‏ ومضت حياتنا هادئة وانجبنا خلال رحلتنا مع الحياة ثلاثة أبناء صغار ملأوا حياتنا بهجة وسعادة ثم حدث ذات يوما أن زرت زوجتي في مقر عملها فعرفتني بزميل لها رحب بي بحرارة‏..‏ ورحبت به‏..,‏ وبعد أيام أبلغتني زوجتي ان زميلها هذا يرغب في زيارتنا في بيتنا مع أسرته‏,‏وجاء الرجل مع زوجته وأطفاله الذين يماثلون أولادي في السن تقريبا‏..‏ وأمضينا معا وقتا طيبا‏,‏ ولاحظت من الوهلة الأولي أن زوجته تفوق زوجتي جمالا ثم دعينا بعد ذلك لزيارة هذا الزميل في بيته‏,‏ وتكررت الزيارات العائلية بيننا كثيرا ثم انتقلت من الحي الذي أقمت فيه معظم سنوات عمري‏,‏ الي حي جديد بعيد نسبيا عن الحي السابق‏,‏ فلاحظت ان هذا الزميل قد بدأ يزورنا في بيتنا منفردا دون اصطحاب زوجته معه ويمضي معنا وقتا طويلا‏,‏وتكررت الزيارات المنفردة منجانبه بشكل مكثف‏,‏ حتي بدأت أتساءل عن سر هذه الزيارات الكثيرة المنتظمة دون حضور زوجته معه‏,‏ وأفضيت لزوجتي بتساؤلاتي هذه فنهرتني بشدة‏,‏ ودافعت بحرارة عن هذا الزميل ووصفته بأنه صديق مخلص وشريف ويحترم حقوق الصداقة‏,‏ ولم يقتنع عقلي تماما بدفاع زوجتي‏,‏لكن الأمور مضت بعد ذلك في نفس الطريق‏,‏ ثم حدثت بعض المشاكل العادية بيننا فلاحظت ان رد فعل زوجتي تجاهها قد أصبح حادا وجافا‏..,‏ ولاحت لي فرصة للعمل في الخارج لمدة عامين فأملت أن يساعد بعدي عنها في ازالة هذه الخلافات‏,‏ وسافرت بالفعل‏..‏ وحرصت علي الاتصال بزوجتي وأولادي من غربتي في مواعيد دورية‏..‏ وآلمني ان زوجتي لم تكتب لي أية رسائل خلال بعدي عنها بالرغم من تلهفي علي أية كلمة من جانبها‏,‏ ومضت تسعة أشهر فإذا بي أتلقي منها خطابا مقتضبا تطالبني فيه بإرسال ورقة الطلاق إليها عن طريق وزارة الخارجية‏,‏ وصعقت حين قرأت هذا الخطاب‏,‏ وترقبت بصبر نافد أول إجازة سنوية لي ورجعت الي بلدي لأحاول انقاذ أسرتي من الانهيار‏,‏ وناقشت زوجتي في أسباب طلبها الطلاق وبيننا ثلاثة صغار يحتاجون إلينا فلم تجبني سوي بأن الحياة قد استحالت بيننا وانه من الأفضل لكل منا ان يمضي في طريق مختلف‏,‏ وناقشت الأمر مع الأهل والأقارب فإذا بوالدة زوجتي تصارحني بأن ذلك الزميل الذي كان يزورنا بكثرة في بيتنا هو السر في طلب زوجتي للطلاق وانه سوف يستزوجها بعد ان تحصل علي الطلاق مني‏!‏

ولجأت الي الأسرة فنفوا ذلك واتهموا والدة زوجتي بالاندفاع والتهور وواجهت هذا الزميل نفسه بما قالته فنفاه بشدة وتساءل عما يدعوه للزواج مرة أخري وله زوجة جميلة وثلاثة أبناء‏,‏ وقضيت بقية أيام الإجازة أحاول أصلاح الأحوال بين يوبين زوجتي بلا جدوي ـ واضطررت للعودة الي عملي بغير الاقدام علي الطلاق حفاظا علي كيان الأسرة‏.‏

ومن غربتي رحت أتصل بزوجتي تليفونيا فتخبرني في كل مرة بأنها متمسكة بطلب الطلاق الي النهاية‏..‏ وفشلت كل جهودي لاقناعها بالعدول عن هذا المطلب فاضطررت إلي لعودة بعد ستة أشهر في محاولة أخيرة لانقاذ الاسرة فاستمرت زوجتي في معاملتي أسوأ معاملة وتمسكت بالنوم في غرفة مستقلة‏,‏ وحين أبلغتها بأنني لاأمانع حتي في استمرار الحياة بيننا علي هذا النحو لكي تكون أما للأطفال فقط راحت تهددني بدس السم لي أو قتلي خلال نومي إن لم استجب لطلبها بالطلاق‏,‏ ولم تكتف بذلك بل وبدأت بالفعل في اتخاذ اجراءات طلب الطلاق عن طريق المحكمة‏..‏ وفوجئت بأحد المحامين يزورني ويحاول اقناعي بالطلاق وديا بعيدا عن اجراءات المحاكم‏,‏ قائلا لي انني رجل مهندس ومثقف ولا يليق بي ان اتمسك برفض طلاق زوجتي مادامت تصر عليه ولا أمل في عدولها عنه‏..‏

ولم استطع الصمود لبذاءات زوجتي وشتائمها أكثر من ذلك فوافقت علي الطلاق وذهبت معها ومعي شقيقي الي المأذون في موكب حزين وشعرت بأن قطعة من جسمي تنتزع منه وأنا أردد وراءه العبارات الكريهة‏..‏

ورجعت الي بيتي مهزوما مدحورا‏,‏ ومضت أيام العدة فما إن انتهت حتي علمت ان زوجتي السابقة وام اطفالي الثلاثة قد تزوجت في اليوم التالي مباشرة ذلك الزميل الذي كان يدعي صداقتي ودخل بيتي واقتنص مني زوجتي‏..‏ وانهرت تماما حين علمت بذلك‏..‏ وحصلت علي اجازة من العمل‏..‏ وجلست في بيتي مع أولادي حزينا مهموما وأكاد أجن من التفكير المتصل فيما حدث لي‏..‏ وفي شدة ضيقي يرادوني الشيطان أحيانا أن أذهب الي هذا الصديق الغادر واقتله لأريح المجتمع منه‏..‏ ثم يعيدني عقلي الي الرشد في أحيان أخري واتساءل وماذا يستفيد ابنائي اذا فعلت ذلك وكان مصيري السجن‏..‏ ومن يرعاهم في غيابي‏..‏ والغريب في الأمر ان زوجة هذا الرجل تلومني وتقول لي انني السبب فيما حدث لانني أدخلت زوجها بيتي وسمحت له بهذه الزيارات المكثفة‏,‏ وكان ردي عليها انني سمحت للكثيرين بزيارتي فلماذا لم يفعل أحد غيره مافعل‏..‏ والأنكي من ذلك انه قام بتأجير شقة قريبة من مسكني بنفس الحي لمن أصبحت زوجته من بعدي وذلك لكي أموت كمدا وغيظا‏..‏ فهل من العدل ان يعاقب القانون علي قتل مثل هذا الرجل‏!‏ لقد رويت لك قصتي لكي تحذر الآخرين من هؤلاء الذين يتمسحون بمسوح الصداقة ويتسللون الي البيوت الهادئة ويهدمونها ويشردون أطفالها الصغار ويحرمونهم أمهاتهم وأمانهم‏..,‏ ولكي تنصحني بما أفعل لكي استطيع احتمال التجربة المؤلمة واجتيازها؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

وماذا يملك الانسان ان يفعل اذا شاءت له أقداره ان يمني بهزيمة شخصية مماثلة سوي ان يتقبل ماحدث كما يتقبل حقائق الحياة الأخري‏..‏ ويسلم بأنه ليس في الامكان محوه أو تغييره‏..‏ لكنه يستطيع فقط ـ اذا أراد ـ ان يعين نفسه علي اجتياز هذه المحنة بأقل الخسائر النفسية والصحية‏,‏ وان يؤمن بأنه اذا كان قد انهزم في احدي الجولات فانه لم يفقد كل فرصة في الحياة ومازال قادرا علي أن يبدأ من جديد مستفيدا بدروس المحنة وخبرتها الأليمة في تفادي أشواك الطريق‏.‏

لايملك المرء في مثل هذه الظروف سوي ان يفعل ذلك‏..‏ فالتسليم بما حدث والايمان بأنه ليس سوي عثرة من عثرات الطريق يستطيع النهوض منها ومواصلة السير الي الأمام‏..‏ هو الخطوة الأولي في التعامل السليم مع الانكسارات والهزائم التي قد يتعرض لها الانسان خلال رحلة الحياة‏..‏ أما التجمد أمام ماحدث‏..‏ والاستغراق النفسي والوجداني فيه الي ما لا نهاية والانشغال الكلي بما كان عما ينبغي له أن يكون في الحاضر والمستقبل القريب فلا طائل وراءه سوي مضاعفة الخسائر‏..‏ وضياع فرص التعويض‏,‏ والعيش في اسار المحنة بدلا من تخطيها‏..‏ والتطلع لما بعدها‏.‏

والحق اننا نحتاج الي ان ندرب انفسنا علي تقبل الهزيمة بروح واقعية كما تعلمنا من قبل ان نزهو بالانتصارات ونسعد بها‏..‏ لأن الحياة نجاحات واخفاقات‏,‏والمهم هو كيف نتعلم من الفشل كما نعمنا من قبل بالنجاح‏,‏ وقديما قال شكسبير‏:‏ اذا ابتسم المهزوم‏..‏ فقد المنتصر بعض لذة النصر‏!‏

وابتسامة المهزوم هنا لاتعني السعادة بالهزيمة أو الابتهاج لها وانما تعني ألا تنكسر ارادة الانسان أمامها وان يؤمن بقدرته علي الصمود لها‏..‏ وتعويض بعض ما خسره في سياقها‏.‏

وفي قصتك ليس يعيب الانسان ان يرفضه شريك حياته أو ان يخون عهد الوفاء معه لان الخيانة في النهاية هي عار الخائن وليس المخون‏,‏ وانما يعيبه حقا ان يتمسك هو بمن رفضته وان يمتهن نفسه وكرامته في استجداء استمرارها معه بعد أن أكدت المؤشرات الواضحة من قبل ان تحت الرماد نارا لا تخفي علي فطنة أحد‏.‏ وانه من الأكرم لمن كان في مثل ظروفك ان يقبل بما ليس منه بد‏,‏ ويطلق سراح من لم تحفظ عهده‏,‏ ولم يردعها عن الانصياع لأهوائها ثلاثة أطفال صغار كأطفالك‏.‏

فاذا كانت ثمة مسئولية عما حدث‏,‏ فالمسئولية مشتركة بين أطراف الثالوث الشهير في الأدب الفرنسي في القرن الثامن عشر وهو ثالوث الزوج والزوجة والصديق‏!‏ واذا كانت زوجة ذلك الرجل تعتبرك المسئول الوحيد عماحدث لأنك قد فتحت بابك لزوجها وتقبلت زياراته المكثفة لك ولزوجتك بدون زوجته فان هذه المسئولية رغم أهميتها ليست في النهاية المسئولية الوحيدة‏..‏ حتي وان كانت قد ساهمت في تصعيد الأحداث بالفعل‏,‏ لان الرجل زميل لزوجتك السابقة في العمل‏..‏ ولم يكن كلاهما ليعجز عن التواصل مع الآخر اذا اغلق في وجهيهما باب اللقاء المشترك معك‏.‏ وان كان ذلك لا يغير من الحقيقة العامة وهي أن التحفظ في مثل هذه العلاقة هوالأولي بالاتباع بالفعل سدا لأبواب الفتنة والاغراءات والمشاكل‏..‏

لكني بالرغم من ذلك لا أفهم ان ينصب حنقك علي هذا الرجل وحده حتي لتفكر في الانتقام منه بدعوي اراحة المجتمع من أمثاله‏..‏ وهو بالرغم من ادانته أخلاقيا في هذه القصة المؤسفة لم يكن الطرف الوحيد فيها‏,‏ بل وربما لم يكن أيضا الطرف الفاعل المؤثر في القصة كلها‏,‏ اذ كانت هناك كذلك زوجتك السابقة‏,‏ ومسئوليتها لاتقل خطرا عن مسئوليته ان لم تزد عليها اذ انها لو كانت قد حفظت لك عهدك أو نفرت من فكرة الخيانة والارتباط بغير زوجها وتعريض استقرار أطفالها للخطر لما نجح هذا الرجل مهما بلغ تأثيره في فك عري العلاقة الزوجية بينك وبينها‏,‏ وعلي أية حال فان فكرة الانتقام منه لا معني لها‏..‏ ولا طائل من ورائها سوي مضاعفة الخسائر الانسانية والاجتماعية بالنسبة لك ولأطفالك‏..‏ولقد تزوج كل منهما من الآخر‏,‏ وانطوت بذلك صفحة العلاقة غير المشروعة بينهما‏..‏ وبدأت صفحة أخري لايحق لك أو لغيرك الاعتراض عليها‏..‏ فاطو أنت أيضا هذه الصفحة المحزنة من حياتك وتطلع لبدء صفحة جديدة خالية من أخطاء الماضي وآلامه‏..‏

واعلم ان الانشغال الشديد بأمر من خانت عهدك ومن تزوجها حتي ولو بالكراهية لهما والتفكير في الانتقام منهما أو من أحدهما‏,‏ ليس من علامات البرء من هذه المحنة‏..‏ لأنه حتي الكراهية الشديدة لمن آذونا انشغال وجداني بأمرهم لا يستحقونه منا‏,‏ ولا يستحقون ان نبدد فيه طاقتنا النفسية‏..‏ وانما تلوح بشائر الشفاء في الأفق حقا حين نبدأ في تجاهل أمر من أساءوا الينا‏..‏ واعتبارهم من غير الأحياء‏..‏ وغير الأموات بالنسبة الينا علي حد تعبير الفيلسوف الألماني نيتشه‏,‏ فيكون ذلك علامة ايجابية علي اجتياز المحنة‏..‏ والتهيؤ لمواصلة الطريق‏..‏ وتعويض مافات المرء ادراكه من الأسباب‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 40996‏1999مارس 5‏17 من ذى القعدة 1419 هـالجمعة

العواصف الهوجاء‏!‏

أريد أن أروي لك قصتي مع الزمن والحياة‏..‏ فلقد تعرفت بزوجتي في حفل زفاف شقيقتي‏..‏ رأيتها فلفت نظري إليها جمالها واعتدادها الواضح بنفسها وتعارفنا‏,‏ وبعد فترة قصيرة تمت خطبتنا‏,‏ وكنت وقتها مجندا بالقوات المسلحة‏..‏ وانهيت فترة تجنيدي وتزوجنا فلم يمض وقت قصير حتي بدأت الخلافات بيننا علي أتفه الأسباب واكتشفت أن ما ظننته اعتدادا بالنفس ليس في حقيقته سوي غرور شديد وتكبر أصيل في شخصيتها ولا علاج لهما‏,‏ وكان من أمثلة خلافاتنا التي تقيم زوجتي الدنيا ولا تقعدها من أجلها انني كنت بعد مغادرتي لبيتي في طريقي الي عملي‏..‏أختلس بضع دقائق أتوجه خلالها الي مسكن أمي لرؤيتها واحتساء فنجان من القهوة معها‏..‏ وكانت أمي تسعدبهذه الزيارة القصيرة جدا لأنني أكبر أبنائها‏..‏ ولأنها تعيش وحيدة في مسكنها بعد رحيل أبي عن الحياة ومع ذلك فلقد كانت زوجتي تستشيط غضبا لزيارتي لها‏..‏ واضطررت لأن أتكتم هذه الزيارات عنها‏..‏ وأن أقوم بها في السر كأنني أرتكب فعلا شائنا ومع ذلك فقد كانت تعلم بها وتثير علي العواصف الهوجاء من أجلها‏,‏ ومضت الأيام بنا وانجبنا طفلتنا الأولي واضطررت للعمل في الخارج بضع سنوات لاسعاد أسرتي الصغيرة‏,‏ وحققت لزوجتي كل ما طلبته من أجهزة حديثة‏..‏ وأثاث جديد والانتقال الي شقة أفضل وكتبت كل شيء باسمها لأدخل الطمأنينة الي قلبها‏,‏ ومرت السنوات ورجعت من غربتي‏..‏ وأصبح عدد الأبناء ثلاثة وضاع معظم مدخرات سنوات الغربة في شركات توظيف الأموال‏..‏ ولم يبق لي إلا دخلي من وظيفتي بالقطاع العام‏,‏ وكبرت الابنة الكبري وتخرجت في كليتها وأصبحت شابة جميلة يتهافت عليها الخطاب‏,‏ وكانت زوجتي ترغب في تزويجها في أسرع وقت فتقدم اليها مهندس شاب وسعدت زوجتي به وتمت الخطبة‏,‏ لكنها ما إن تمت حتي بدأت تفتعل المشاكل معه لأتفه الأسباب‏..‏ حتي ضاق ذرعا بتكبرها وصلفها وانسحب ومن بعده تقدم لابنتي طيار شاب وتكررت معه نفس القصة بنفس تفاصيلها ث تقدم لها بعد ذلك طبيب ولم يكن حظه مع زوجتي أفضل من سابقيه فلقد سعدت به في البداية ثم لم تلبث أن افتعلت معه المشاكل لكي تطفشه كما حدث مع الآخرين‏.‏

الي أن جاء الخطيب الرابع عن طريق شقيقتي الصغري‏..‏ وطارت به زوجتي فرحا لأنه ميسور الحال ماديا وصاحب شركة واهتمت به اهتماما شديدا وتوثقت العلاقة بينهما حتي شعرت أنا الأب ببعض الغيرة لحميمية علاقة خطيب ابنتي بزوجتي‏,‏ ومع ذلك فقد تعاليت علي هذه الغيرة طلبا لمصلحة ابنتي‏..‏ وأملا في ألا تسعي زوجتي الي تطفيشه كما حدث مع الشبان الثلاثة السابقين‏,‏ وأسعدني ان لاحظت ان ابنتي قد أحبت هذا الخطيب وتمسكت به‏,‏ وتم عقد قرانهما ونحن في قمة السعادة‏..‏ لكن عقد القران كان للأسف بداية النهاية لفترة العسل في علاقة زوجتي بخطيب ابنتها فقد دبت الخلافات كالعادة بينهما لغير سبب جوهري‏,‏ وتمادت زوجتي كعادتها في اهانته عبر التليفون حتي أقسم الشاب ألا يدخل بيتنا مرة أخري بعد هذه الاهانة‏,‏ وفشلت كل محاولاتنا لاصلاح الحال بينهما بسبب تمسك كل منهما بأنه لم يخطيء ورفضه الاعتذار للآخر‏,‏ وفعل التكبر والغرور اللذان يحكمان شخصية زوجتي فعلهما فتحولت مشاعرها تجاه الخطيب الذي كانت تطير به فرحا الي كراهية شديدة‏,‏ وحاولت تدمير علاقته بابنتي ومنعتها من لقائه أو الاتصال به ولو عن طريق التليفون‏,‏ ورفضت ابنتي ان تستسلم هذه المرة لرغبة أمها في تدمير علاقتها بخطيبها الرابع فنشبت الخلافات الحادة بينها وبين أمها‏..‏ واستمرت الخلافات دون بادرة أمل في تقارب وجهات النظر ووصلت الي حد الضرب والاهانة من جانب الأم لابنتها‏,‏ واستقطبت زوجتي ابنتها التي تكرر صورة أمها في طباعها واخلاقها الي جانبها فانضمت اليها ضد شقيقتها‏..‏ ووقفت أنا بجوار الجانب الضعيف في الخلاف وهو ابنتي‏,‏ ورأيت حسما للنزاع الفصل بينها‏,‏ وبين أمها لبعض الوقت فاصطحبتها للاقامة لدي خالها حتي تهدأ النفوس‏.‏ وأقامت ابنتي في هذا المنفي لمدة شهر ثم شعرت بالحنين الي أمها فرجعت الي بيتها وعدت أنا ذات يوم الي البيت ووجدتها فيه تتحادث مع أمها فسعدت بذلك وأملت خيرا ورحبت بابنتي وقلت لها إنها قد أنارت بيتها بعودتها اليه‏..‏ فاذا بزوجتي تقول لي أمامها في جفاء انها مجرد ضيفة وسوف تعود من حيث أتت‏,‏ وامتقع وجه ابنتي حين سمعت ذلك‏..‏ وغضبت أنا وقلت لزوجتي ان ابنتي لن تخرج من بيتي‏..‏ فاذا بها تجيبني بأنها لن تخرج منه وحدها وانما وأنا أيضا معها‏!‏ ونشبت بيننا مشاجرة عنيفة انتهت بخروجي أنا وابنتي من البيت‏,‏ واقامتنا لدي حماتي علي أمل ان تنقشع الغمة وتستعيد زوجتي رشدها‏..‏ لكن هيهات أن يحدث ذلك فلقد طالت ضيافتي أنا وابنتي لدي جدتها ستة أشهر كاملة‏..‏ وانتهي خطيبها خلال هذه الفترة من اعداد عش الزوجية‏,‏ وتحدد يوم الزفاف في نوفمبر الماضي‏..‏ لكن زوجتي كانت تغلي بالغضب لذلك وتقسم بأنها سوف تحرم ابنتها وخطيبها من فرحتهما في هذا اليوم‏,‏ وقبل اسبوع واحدمن موعد الزفاف توجهت زوجتي مع شقيقها الي بيت والدتهما حيث تقيم ابنتي‏,‏ واصطحباها بالقوة وهي بقميص نومها الي سيارة الخال وسط توسلات الجيران لهما أن يرحماها ويدعاها لشأنها واركباها سيارة الخال بالضرب والاهانة وعادا بها الي مسكن الأم‏,‏ وهناك انهالت عليها الأم ضربا بخرطوم المياه وهي تتوعدها بأنها ستشعل فيها النار وهي نائمة لكيلا تتزوج الواد بتاعها هذا‏!‏

وعلمت بما حدث وأنا في عملي فغضبت غضبا شديدا وتوجهت الي منزلي وأنا أحمل السلاح لادافع به عن ابنتي‏,‏ فمنعني الجيران من الصعود الي مسكني وقالوا لي ان المسكن خال من سكانه والجميع الآن في المستشفي القريب لأن ابنتي قد سقطت من شرفة الدور الرابع الذي نقيم به‏!‏ وطار صوابي حين سمعت ذلك وتوجهت للمستشفي فوجدت ابنتي في حالة خطيرة والدماء تنزف منها‏,‏ فما ان رأتني حتي بكت وقبلت يدي وهي تطلب مني أن آخذ لها بحقها ممن آذوها ثم راحت في غيبوبة وتم نقل ابنتي الي مستشفي آخر خاص وتبين انها اصيبت بكسر في الحوض والكوع وقصبة الساق والكاحل‏,‏ كما اصيبت أيضا بتفتيت في الطحال من شدة الضرب‏,‏ وأمام وكيل النيابة قالت ابنتي انها القت بنفسها من الدور الرابع‏...‏ لكي تنقذ أمها من أية مسئولية ولم تشر الي مسئولية أمها وخالها عن دفعها الي ذلك بما ارتكباه معها من ضرب واهانة‏..,‏ والآن فقد انعم الله بالشفاء علي ابنتي من الاصابات التي لحقت بها‏..‏ ونحن نستعد الآن لاتمام زفافها الي عريسها الشهم ذي الأصل النبيل‏,‏ الذي تألم غاية الألم لما تعرضت له خطيبته من ايذاء لتمسكها به ووقف الي جوارها في محنتها واقسم ليعوضنها عن كل ما لقيت من أجله من أذي واضطهاد‏..‏

واني لأكتب لك هذه الرسالة لكي تكون عبرة لبعض الأمهات المتكبرات المستبدات بأبنائهن لكي يعرفن ان القسوة والغرور والتكبر لاتفيد ولا عائد لها الا خروج الأبناء علي طاعتهن بعد أن يعجزوا عن استمرار الاحتمال الي النهاية واحسب انك تشاركني الرأي في ذلك‏..‏ والسلام‏..‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

من المؤسف حقا أن تتدهور العلاقة الانسانية بين أم وابنتها الي هذا الحضيض الذي تحاول معه الأم فرض ارادتها علي الابنة بالقهر النفسي والايذاء البدني حتي لتضطر الفتاة الي القاء نفسها من شرفة بيتها تخلصا من هذا الإيلام‏.‏

نعم من المؤسف حقا أن تتدهور العلاقة بينهما الي هذا الدرك‏,‏ ويضاعف من الأسف ان أسبابه ليست أسبابا نبيلة تتعلق برؤية الأم لما فيه خير ابنتها ومصلحتها واشفاقها عليها من الارتباط برجل تري انه لن يكون الشخص الأمين الذي يرعاها ويحفظ أمانتها ويحقق لها سعادتها‏..‏ حتي ولو اختلفت معها الابنة والأب في هذه الرؤية‏,‏ وانما ترجع أسباب هذا التدهور لاعتبارات أنانية تتعلق بالأم نفسها‏..‏ وما تراه هي ماسا بكرامتها من وجهة نظرها‏,‏ وهو رفض هذا الخطيب الاعتذار لها عما لا يري نفسه مخطئا فيه‏..‏ والي تعامل كل منهما مع الآخر بشخصيته التي تتسم بالاعتداد بالنفس‏,‏ والندية‏!‏

فاذا كنا لانعرف الكثير عن شخصية هذا الخطيب لكي نحكم له أو عليه‏,‏فإن ما تقوله أنت عن زوجتك يرجح ـ اذا كان صادقا ـ أن تكون هي المسئولة عن الجانب الأعظم من أسباب سوء العلاقة بينهما‏,‏ استطرادا لصلفها وغرورها ورغبتها الظاهرة في تطويع الجميع لارادتها‏,‏ واستطرادا أيضا لتاريخها مع الخطاب السابقين الذين ترحب بهم في البداية ثم لا تلبث ان تنقلب عليهم وتفتعل أسباب الخلاف معهم الي أن يولوا الادبار ناجين بأنفسهم من هذا العناء‏.‏

والانسان تاريخ وليس موقفا عابرا نحكم به عليه‏,‏ وتاريخ زوجتك مع خطاب ابنتها السابقين يرجح للأسف أن تكون هي المسئولة هذه المرة أيضا عن تدمير علاقتها بالخطيب الأخير‏,‏ ونحن لانستريح بالفعل لسوء العلاقة بين الأم وخطيب ابنتها‏,‏ أيا كان الجانب الذي يتحمل المسئولية عن تدهورها‏,‏ لما لذلك من آثار سلبية تنعكس بالضرورة علي علاقة الخطيبين ثم الزوجين في المستقبل‏,‏ ونطلب دائما من الخطيب أن يحرص علي اقامة علاقة طبيعية حميمة وعادلة مع أم فتاته لكي تكون عونا له في حياته المستقبلية وليس العكس‏.‏ لكن ذلك لايعني علي الناحية الأخري أن يقبل أي خطيب باهانات الأم له‏,‏ أو بمحاولتها قهر ارادته وضمه الي شبكة الخاضعين لارادتها وتكبرها وغرورها‏,‏ والإ تنمرت الأم له وانقلبت عليه ودمرت علاقته بابنتها كما حاولت زوجتك ان تفعل ومضت في هذا السبيل شوطا داميا كاد يودي بحياة ابنتها نفسها‏..‏ ذلك ان لكل انسان كرامته الشخصية التي يحق له الا يفرط فيها أو يقبل عليها ما لا يقبله الحر لنفسه حتي ولو كان عاشقا متيما للابنة‏.‏ والحق ان التكبر والعناد وصلابة الرأي‏..‏ وتوهم احتكار الحق دون الجميع هو الآفة الأساسية التي صنعت هذه المشكلة منذ البداية بين الأم وخطيب ابنتها ثم بينها وبين ابنتها فيما بعد حين رفضت الانصياع لرغبة أمها في التخلي عن خطيبها الرابع‏.‏ ولقد كنت أحار أحيانا في فهم سر هذا التلازم الدائم بين التكبر والعناد وصلابة الرأي والتمسك به الي النهاية حتي ولو أدي بصاحبه وبالجميع الي الخراب الي أن قرأت ذات يوم نصيحة الامام محمد الباقر لابنه الامام جعفر الصادق وهو يحذره من الكبر فيقول له‏:‏ ما دخل قلب امريء شيء من التكبر إلا نقص من عقله بمثل ما دخله‏!‏

فالتكبر بهذا المفهوم نقصان في العقل والحكمة والقدرة علي الاستيعاب السليم للامور‏.‏ وعلي الناحية الأخري فإن التواضع والمرونة والاستعداد للاقتناع بما في آراء الآخرين من كلمة وصواب والتنازل عن الرأي الخاطيء من أجل ذلك‏,‏ هوفي واقع الأمر اضافة الي العقل واطلاق لقدراته علي أن يعين الانسان علي تجنب المشاكل التي لا مبرر لها مع الآخرين وعلي قيادة سفينته في بحر الحياة بمهارة وبغير ان تصطدم بالجنادل والصخور‏.‏

ولقد ساهم في تصاعد الأمور بين زوجتك وخطيب ابنتها‏,‏ أن خطيب ابنتك يتسم في تصوري بشيء من الاعتداد بالنفس يستمده غالبا من اعتزازه بأوضاعه المالية الميسورة‏..‏ أو ربما يكون سمة أصيلة في شخصيته منذ البداية ولهذا فلقد بدأت العلاقة بينهما حميمة ووثيقة في البداية وخلال فترة المجاملات والتنازلات البسيطة بين الطرفين طلبا لقبول الطرف الآخر‏..‏ ثم لم تلبث شخصية كل منهما ان عبرت عن نفسها بوضوح بعد التآلف والاعتياد‏,‏فكان الصدام وتطاول زوجتك عليه بالاهانة ورغبتها في فرض ارادتها عليه كما تفرضها علي الجميع‏,‏ ولم يجد الرجل في نفسه ما يدفعه الي قبول الاهانة و التسلط فاستمسك بعدم الاعتذار اليهاواستمسكت زوجتك بعدم الاعتذار اليه عما يري هو وتري أنت انها اخطأت في حقه فيه‏,‏ لان الحق دائما حكر عليها وفي جانبها علي الدوام كما تؤمن هي‏,‏ فكان الابتعاد‏,‏ وضاعف من التصاعد ان ابنتها قد خرجت هذه المرة علي ارادتها ورغبت في استكمال مشروع الارتباط به حتي ولو لم يعتذر لأمها‏..‏ وأيدتها أنت في ذلك بعد ان خشيت علي مستقبل ابنتك من رهن سعادتها وزواجها برؤية زوجتك وحدها للأمور وتقلب مشاعرها تجاه من يتقدمون لخطبتها‏..‏ فحلت الكراهية الشديدة لخطيب الابنة في قلب أمها محل الترحيب به والعلاقة الحميمة معه في البداية‏,‏ ولا عجب في ذلك وجمال الدين الافغاني يقول لنا ان الأكفاء في الزمن الواحد والمكان الواحد لا يكونون غالبا أصدقاء‏!‏ وزوجتك وخطيب ابنتها كفئان الي حد ما في الاعتداد بالنفس‏,‏ وان كان ذلك مضاعفا في شخصية زوجتك كما تروي عنها‏..‏ غير ان ذلك كله لا يبرر أبدا ان تشن زوجتك هذه الحرب الضارية ضد ابنتها لمنع زواجها من خطيب طارت هي نفسها فرحا به في البداية ثم كرهته بشدة بعد ذلك لرفضه الاعتذار لها‏,‏ ولا يبرر أبدا ايذاءها لابنتها معنويا وبدنيا وطردها من رحمتها لكي تتزوج من تقدم اليها في بيت أسرتها ولقي القبول من الجميع في البداية‏,‏ وهي وحيدة ومنبوذة من أمها وبعض أهلها لغير سبب سوي العناد والتكبر وصلابة الرأي والتمسك به الي ما لا نهاية‏..‏

واذا كان الأمر كذلك أفلا من سبيل لتقريب وجهات النظر بين هذه الأم وهذا الخطيب حتي ولو تنازل احدهما أو كلاهما بعض الشيء عن اعتزازه بنفسه لكيلا يحرما هذه الفتاة من حقها العادل في أن تتزوج تحت أنظار أبويها‏..‏ وبغير أن يكدر عليها بعض سعادتها احساسها بالوحدة والنبذ من جانب هذه الأم العنيدة؟

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 41003‏1999مارس 12‏24 من ذى القعدة 1419 هـالجمعة

صراع الديناصورات

أبدأ رسالتي إليك بهذا الدعاء الذي يتردد دائما في أعماقي‏:‏ اهدنا الصراط المستقيم‏,‏ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين صدق الله العظيم‏..‏ فأنا شاب عمري‏23‏ عاما ولي شقيق وحيد عمره‏17‏ عاما‏..‏ ولقد نشأنا بين أبي وأمي في أسرة تظللها التقاليد الأصيلة ويرفرف عليها الحب الذي بدأت به حياة الأبوين وارتباطهما‏,‏ وترسخ في أعماقنا حين أدركنا أنه وحده كان سبب وجودنا‏,‏ حيث جمع الحب بين أبوينا وتحديا به الجميع والظروف المحيطة ونجحا في ذلك‏.‏

ولقد كنا نقيم في شقة صغيرة من حجرتين وصالة بمدينة نصر‏..‏ ونخرج يوم الاجازة مع أبوينا اللذين يعمل كل منهما بوظيفة ملائمة ويتقاسمان أعباء الحياة‏..‏ ولم نكن نشعر بأننا محرومان من أي شيء‏,‏ ولا ننظر إلي غيرنا من الأبناء ولا يعنينا ماذا يملكون أو ينفقون‏,‏ ثم تقدمنا في مراحل التعليم وارتقت أحوالنا المادية والاجتماعية كثيرا وانتقلنا إلي شقة أكبر وأوسع بمدينة نصر كذلك‏..‏ واحتفظ أبي بالشقة القديمة الصغيرة لتكون لي ولأخي في المستقبل‏,‏ وأصبح أبي مديرا في عمله‏,‏ وأمي مديرة في عملها‏,‏ وأصبح كل منهما يمتلك سيارة خاصة يذهب بها إلي عمله‏..‏ وبعد فترة قصيرة‏..‏ بدأت حياتنا تشهد بعض المتغيرات الجديدة عليها وبدأت المشاكل العادية التي قد تحدث في أي أسرة تتكرر بمعدلات أسرع في حياتنا وتتجمع ضغوطها تحت السطح ونحن لانشعر بها‏,‏ وضاعفت منها ضغوط العمل ومشاكله‏..‏ فأدي كل ذلك إلي تضخيم آخر مشكلة زوجية شهدها بيتنا بين أبي وأمي ووسوس الشيطان لأحد الطرفين وهو في غضبه أن يتخلص من كل مايربطه بحياته السابقة بدعوي أن العمر قصير‏,‏ وقد لايستطيع أن يفعل مايريد أن يفعله الآن في المستقبل‏,‏ فيرد عليه الطرف الآخر بالجرم والإهانة والتهديد بأن يفعل هو أيضا نفس الشيء في أقرب وقت‏.‏

وتصاعد الموقف بأسرع من قدرتنا علي الاستيعاب‏..‏ ناهيك عن الإصلاح أو التدخل لوقف التدهور‏,‏ وطلق أبي أمي ولم يكتف بذلك وإنما تزوج أيضا بأخري ردا علي اهانة أمي له ببعض العبارات المستفزة‏,‏ وباع الشقة القديمة التي كان يحتفظ بها لنا ليشتري شقة أخري يتزوج فيها‏.‏ ولم تقف أمي مكتوفة الأيدي أمام هذه الإهانة الاجتماعية التي وجهها لها أبي بزواجه فتزوجت هي الأخري خلال فترة قصيرة‏,‏ وطلبت منا مغادرة الشقة التي نقيم فيها معها لكي يأتي زوجها ليعيش معها وغيرت كوالين الشقة وسدت أبوابها في وجهينا أنا وأخي كما لو كنا خدما انتهت مدة خدمتهم في هذا البيت وآن لهم أن يبحثوا عن غيره‏.‏ وعجبنا لما حدث‏..‏ وتساءلنا عن السبب فجاءنا الجواب أن الهدف هو أن نجد نفسينا بلا مأوي فنذهب لأبينا ونحصل منه علي حقنا لديه بأي وسيلة فإن لم نستطع ذلك فلن نغص‏,‏ إذن عليه حياته الجديدة‏..‏ ولو باشعاره بأننا قد أصبحنا مشردين بعد أن كنا نحيا حياة آمنة وننعم بحماية الأبوين ورعايتهما‏..‏ ولا عجب في ذلك وكل منهما يريد أن ينتقم من الآخر‏..‏ بغير أن يضع في حسبانه أنني في سنة البكالوريوس وأن أخي بمدرسة خاصة ذات مصروفات عالية‏.‏

ولأن الهدف هو الانتقام فقد راح كل منهما يشن علي الآخر حرب الدعاوي القضائية ويجيء بمحامين كبار من أساتذة الجامعات وينفق علي قضاياه من المال ما نتحسر أنا وشقيقي حين نتذكره ونحن نبيت في تجديدات مسجد قريب من منزلنا السابق كنت أصلي فيه بانتظام خلال شهر رمضان الماضي‏,‏ فاذا به يصبح مأواي أنا وشقيقي إلي أن يقضي الله في أمرنا‏..‏ وإنني أتساءل ياسيدي هل تتغير النفوس من الحب إلي الكراهية العمياء والرغبة العارمة في الانتقام من الطرف الآخر علي هذا النحو؟‏..‏ وهل تشمل هذه التغيرات في المشاعر‏..‏ مشاعر الآباء والأمهات تجاه الأبناء فتتحول من الحب والعطف والاهتمام والعطاء‏..‏ إلي اللامبالاةة والجحود‏,‏ وعدم الاهتمام؟‏!‏

وهل توجد العاطفة في الإنسان تجاه أبنائه كما توجد في الحيوانات غير العاقلة تجاه أبنائها؟‏..‏ وهل نحن المخطئان فيما حدث بين أبي وأمي‏..‏ دعني أقل إن لنا نصيبا من ذلك لكن هل يكفي هذا النصيب لتفسير مايحدث الآن‏..‏ وهل تستطيع أنت أن تفسر لنا مايفعله بنا أبي وأمي كل منهما من ناحيته خاصة رفض كل منهما أن يضمنا إليه أو أن يوجد لنا مأوي كريما؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏ نعم‏..‏

أستطيع للأسف أن أفسر لك بعض ماتتعرض له الآن أنت وشقيقك من أذي في هذا الصراع الدائر بين أبويك علي كل الجبهات‏..‏ أما إنني أستطيع ذلك للأسف فلأن ماسوف أقوله لك هو أسوأ التفسيرات وأبشعها وأبعدها عن الرحمة والعدل والدين وبر الأبوين بأبنائهما‏..‏ ذلك أنني لا أجد مدخلا لفهم كيف يصبح فجأة شابان كانا حتي وقت قريب قرة أعين أبويهما بلا مأوي مستقر ولا مهجع يرجعان إليه سوي تجديدات مسجد كان أحدهما يصلي فيه في رمضان‏,‏ سوي أن أبويك وقد انفلت عقال رغبة كل منهما في الانتقام من الآخر وإيلامه وتنغيص الحياة الجديدة عليه‏,‏ قد رغب في أن يصدر مشكلة أبنائه إلي الطرف الآخر‏,‏ منتظرا منه أن يضحي دونه بتحمل تبعاتها لكي تصفو له هو حياته‏,‏ ومؤملا في نفس الوقت أن يسهم وجود الأبناء مع الآخر في تقليل فرص نجاحه في حياته الجديدة واستمرارها وحين أثبتت والدتك أنها ليست أضعف من أبيك فيما يتعلق بمشاعرها الأمومية تجاه أبنائها ولا أقل منه رغبة في التخلص من مسئوليتهما وعدم التوقف أمامها وهي تشق طريقها الجديد في الحياة‏.‏ فلقد أصبحت رغبة كل طرف منهما الآن ليست هي أن يصدر مشكلة أبنائه إلي الطرف الآخر‏,‏ وانما أن يزعجه بها وينغص عليه صفو حياته الجديدة‏,‏ فإن لم ينجح في ذلك فلعله علي الأقل يستطيع أن يثقل ضميره بأمرها وأن يخصم من صفاء حياته الجديدة بقدر مايشعره بالذنب تجاه هؤلاء الأبناء‏,‏ فإن لم يتحقق له شيء من ذلك فلعله يستطيع ـ المطلوب في كل الأحوال ـ أن ينقص من اعتباره لدي الآخرين ويظهره بمظهر من لايعنيه مصير أبنائه في غمار طلبه لسعادته الشخصية واهتمامه بحياته الخاصة‏..‏ ولأن الهدف هو الانتقام وليس البحث عن حل عادل للمشكلة‏,‏ فلقد أغلق كل من أبويك بابه في وجهيكما ولم يحتمل حتي فكرة التنازل عن بعض أسباب راحته وسعادته في حياته الجديدة‏,‏ بقبول إقامتكما لديه ولو بالتبادل مع شريكه السابق‏,‏ فكأنما يراهن بذلك علي قدرة الطرف الآخر علي احتمال تشرد أبنائه‏..‏ وينتظر الوقت الذي يضعف فيه قبل الآخر ويضم ابنيه إليه ولو أدي ذلك إلي تعثر حياته الجديدة‏..‏ فيتحقق المطلوب وينتصر الطرف الأكثر أنانية‏..‏ ويفوز في صراع الديناصورات التي لايكف أحدها عن الآخر حتي يلفظ أنفاسه الأخيرة‏..‏ وهكذا فلقد اتفقت إرادة الطرفين أو أنانيتهما علي الأصح علي ألا يفعل كل منهما شيئا جادا لحل مشكلة المأوي الملائم لكما‏..‏ مكتفيا فيما يبدو بمدكما ببعض نفاقتكما كأنما يرغب بذلك في أن تظل قضية الأبنين المشردين حية في ضمير الطرف الآخر تذكره بالثمن الباهظ الذي دفعاه ثمنا لاختياره الذاتي لسعادته بعيدا عنهما‏..‏ وحية أيضا في مجتمعه العائلي تذكر أفراده بمدي ذاتيته وعدم استعداده للتضحية ببعض اعتباراته الشخصية من أجل أبنته‏,‏ تماما كما تفعل بعض الدول حين ترفض بإصرار منح جنسيتها لمن يلجأون إليها في هجرة جماعية اضطرارية من الدول المجاورة في ظروف الحروب أو المجاعات‏,‏ لكي تظل مشكلتهم حية تؤرق الضمير العالمي وتدفعه للبحث عن حلول جذرية تعيدهم إلي بلادهم الأصلية‏.‏ غير أن مايمكن القبول به في السياسة في بعض الأحيان‏,‏ لايمكن أبدا القبول به في العلاقات الإنسانية وعلي الأخص في علاقة الأبوين بأبنائهما ولقد نسي أبواك للأسف في غمرة هذا الصراع الدامي بينهما أنه إنما ينتقم من الآخر في أبنائه هو وليس في أبناء الطرف الآخر وحده‏,‏ وان رغبته في ازعاج الطرف الآخر بمشكلة الأبنين أو اثبات تخليه عنهما طلبا لراحته لايدفع ثمنها في النهاية سوي هذين الأبنين‏..‏ وما أبشعها ساحة للصراع والانتقام‏..‏ وما أخس الفوز فيها والانتصار‏..‏ وكفي بالمرء اثما أن يضيع من يقوت كما يقول لنا مضمون الحديث الشريف‏,‏ غير أنني مازلت بالرغم من كل ذلك أعجب لهذا الانهيار المفاجيء في حياتك أنت وشقيقك حتي لتصبحا معه فجأة بلا مأوي‏..‏ ولا أمل في مستقر قريب‏..‏ وأتساءل‏:‏ وأين أعمامك وأخوالك وأهلك الأقربون؟‏..‏ وأين سعيهم مع الطرفين لكي يضع كل منهما مصيركما المجهول في اعتباره وهو يشن حرب القضايا علي شريكه السابق ويدفع الأتعاب الباهظة للمحامين الكبار؟‏..‏ ولماذا لم يفكر أحدهما في تدبير مأوي لكما ولو في شقة مفروشة ببعض هذا المال الذي ينفقه علي القضايا والصراع؟‏!‏

فإذا كنت تسألني هل توجد لدي الإنسان نفس العاطفة التي توجد لدي الحيوان تجاه أبنائه‏..‏ فإن سؤالك الأليم ليس سؤالا ننتظر الاجابة عنه‏,‏ وإنما هو زفرة صدر ممرور مما قد تتردي إليه في بعض الأحيان مشاعر البعض من جحود وأنانية ولا مبالاة بمصير ثمرات القلوب‏..‏ وإذا كان ثمة سؤال يبحث عن إجابة له حقا‏..‏ فهو هذا السؤال الذي أتوقف أمامه كثيرا في مثل هذه المآسي الزوجية‏..‏ وهو كيف تحول الحب الذي تحدي به أبواك الجميع في بداية ارتباطهما إلي كراهية ضارية للطرف الآخر ورغبة وحشية في الانتقام منه ولو بطعنه في صدر أبنائه منه؟

أولا يلاحظ معي البعض أن كثيرا من هذه المآسي قد بدأت بحب تحدي به طرفاه الجميع وتمسكا به ونجحا في فرض إرادتهما علي الآخرين مما يعني أنه كان من البداية ارتباطا لايرشحه العقلاء للنجاح والاستمرار ويرون فيه ما لايراه طرفاه اللذان حجبت عنهما العاطفة الهوجاء تعارضه من البداية مع أحكام العقل؟‏!‏

إن المثل الهولندي القديم يقول‏:‏ ان الحب اذا انقلب إلي كراهية فإنه لايعرف حدودا‏,‏ وبعض علماء النفس يقولون لنا‏:‏ ان الكراهية قد تصبح في بعض الأحيان هي الوجه الآخر للحب وان هناك نوعا مركبا من العلاقات العاطفية يصفونه بأنه علاقة الحب ـ الكره‏,‏ التي تجتمع فيها المشاعر المتناقضة نتيجة لأن أحد الطرفين ينقم علي الآخر بعض تصرفاته فيكرهه من أجلها‏..‏ لكنه ينجذب إليه في نفس الوقت لعاطفة أقوي هي عاطفة الحب فيتواصل معه منطويا له علي هذه المشاعر المتناقضة‏..‏ غير أنني علي الناحية الأخري أؤمن بأن الحب الحقيقي لايمكن أن يتحول ذات يوم إلي كراهية حقيقية للطرف الآخر‏,‏ وانه قد يفتر أو يموت‏,‏ لكنه لاينقلب أبدا إلي النقيض ولا يدفع صاحبه إلي السعي لإيذاء شريكه السابق أو تدميره‏,‏ لهذا فإنني أتحفظ علي حكاية الحب الذي تحدي به أبواك الجميع في بداية حياتهما معا هذه‏..‏ كما أتحفظ كذلك علي كل المعاني البشعة التي يعكسها انصراف كل من أبويك لحياته الجديدة‏,‏ وصراعه مع شريكه السابق بغير أن يجهد نفسه بالتوقف أو التفكر في مصير ابنيه من هذا الحب السابق المزعوم‏!!‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 41010‏1999مارس 19‏2 من ذى الحجة 1419 هـالجمعة

الضوء الوحيد

أنا من قراء هذا الباب استعين بما اتعلمه منه علي مواجهة الظروف الصعبة التي حلت بي‏..‏ ولقد فكرت في ان أكتب لك عن مشكلتي لكني شعرت بالخجل لتفاؤلها بالقياس إلي ماسوف ارويه لك عن هذه السيدة التي اعتز كثيرا بأنها جده اطفالي وأم زوجتي‏.‏

فأما هذه السيدة فلقد بدأت قصتها مع الحياة حيت تزوجت في سن مبكرة قبل ان تكمل دراستها الثانوية من ابن خالتها الضابط الشاب بالقوات المسلحة‏.‏ وسعدت بحياتها معه وانجبت منه ابنتها الكبري وبعدها بعامين انجبت بنتين توءما‏,‏ ثم بعد عامين آخرين رزقت بولد‏,‏ فكانت الفرحة الكبري لأبيه وأمه‏.‏ وأكتملت سعادة الأسرة وواصلت حياتها الآمنة المطمئنة‏,‏ وتنقلت من مدينة إلي مدينة تبعا لظروف عمل الزوج‏,‏ ثم شاءت الأقدار ان يصاب الولد الوحيد لهذه الأسرة بالصفراء في فترة اقامة الأسرة بمطروح نتيجة لحقنة غير معقمة‏,‏ فإذا بهذا الطفل الذي تنعقد عليه آمال الأسرة تتدهور صحته بسرعة رهيبة‏,‏ وإذا به يرحل عن الحياة وهو في السابعة من عمره‏,‏ ويحزن الأب والأم علي وحيدهما حزنا عميقا لكنهما سرعان مايتما سكان بعد فترة من الحزن الشديد‏.‏ ويقنع كل منهما الآخر بان الحياة لابد ان تستمر لأن لديهما ثلاث بنات يحتجن إلي ابويهن فيستعيدان توازنهما ويواصلان الحياة‏,‏ وبعد عدة سنوات أخري يلاحظ الأبوان ان صحة بنتيهما التوءم ليست دائما علي مايرام‏.‏ فهما يشعران بالارهاق لأقل مجهود تبذلانه‏.‏ ولايستطيعان مجاراة زميلاتهما من البنات في اللعب ويشعر الأبوان بالقلق عليهما فيصطحبانهما للطبيب‏,‏ وبعد الفحص الدقيق يتضح أنهما تعانيان من عيب خلقي في القلب ويخضع الابوان بدورهما للفحص فيتضح ان هذا العيب قد انتقل إليهما وراثيا عن طريق الأب‏,‏ لكن اصابة الأب لاتمثل بالنسبة له أية خطورة من الناحية الطبية‏,‏ وتبدأ الأسرة رحلة معاناة جديدة بين الأطباء والمستشفيات‏,‏ وتتدهور صحة اللبنتين بسرعة عجيبة‏,‏ وينتهي بهما المطاف إلي مستشفي القوات المسلحة بالمعادي تحت العلاج‏,‏ فلايطول الوقت حتي تسلم احداهما للمصير المحتوم‏,‏ وتلبي نداء ربها ويفجع الأبوان في زهرتهما التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها‏,‏ ويغادر الأب المستشفي ليقوم لابنته بالمراسم الحزينة‏,‏ ويرجع إلي المستشفي ليتابع حالة الأخري‏,‏ فلايكاد يصل إليه حتي يتلقي خبر رحيلها عن الحياة بعد شقيقتها بساعات‏!‏ ويسقط الأب المكلوم مريضا ويتم ادخاله العناية المركزة بنفس المستشفي وتصاب الأم بصدمة عصبية شديدة‏,‏ وتخضع للعلاج ويصدر القرار بعلاجهما في لندن علي نفقة القوات المسلحة‏,‏ وبعد رحلة علاج ليست طويلة يرجعان إلي الحياة مرة أخري‏..‏ ويتساند كل منهما علي الآخر‏.‏ ويركزان كل حبهما وعطفهما وحنانهما علي الابنة الكبري التي اصبحت الضوء الوحيد في حياتهما وكانت هذه الابنة قد استعوت في ذلك الوقت شابة جميلة وحزينة وقد اوشكت علي انهاء دراستها الجامعية وادت امتحان الليسانس وراحت تنتظر نتيجته وفي هذه المرحلة من حياتها التقيت بها أنا لأول مرة علي الشاطئ في مطروح حيث اعتادت اسرتها ان تقضي بعض أيام الصيف‏,‏ وكنت أعرف من بعض الأهل والأقارب قصتها وماشهدته حياتها من احزان ومآس فأحببتها حبا عظيما واحبتني هي ايضا بكل مافي أعماق قلبها من قدرة علي الحب‏.‏

ولأن والدها صديق لوالدي اللواء السابق بالقوات المسلحة ايضا فقد صارحت اسرتي علي الفور برغبتي في الزواج منها وابدت اسرتي بعض التخوف من حكاية المرض الوراثي‏,‏ لكنهما ازاء حبي لهذه الفتاة لم يترددوا في مباركة زواجي منها‏.‏

وتقدمت لوالد فتاتي طالبا يدها منه فرحب بي‏,‏ اما والدتها فلقد كانت فرحتها بسعادة ابنتها الوحيدة لاتوصف وساعدتني اسرتي علي اتمام الزواج ويسرت لي كل الصعوبات واحب أهلي عروسي الشابة حبا شديدا‏.‏ وتزوجنا وهي زهرة متفتحة في عامها الرابع والعشرين من عمرها‏.‏ وانا في الخامسة والعشرين من عمري وبدأنا حياتنا الزوجية معا‏,‏ ونهلت من نبع الحب والسعادة مع زوجتي هذه ووجدت فيها انسانة جميلة الروح طيبة القلب عطشي للسعادة والرغبة في الاحساس بالأمان‏,‏ ولأنني قد تزوجت صغيرا فلقد سعيت إلي تحقيق مستوي افضل من الحياة وسافرت للعمل باحدي شركات البترول بدولة عربية‏,‏ ولحقت بي زوجتي بعد فترة قصيرة‏,‏ وابتعدت لأول مرة عن أبويها فكان وقع الفراق عليهما وعليها شديدا لكن الحياة مضت بنا‏,‏ وبعد شهور حملت زوجتي وبدأنا المتابعة الطبية لحملها‏,‏ فلاحظت الطبيبة أن ضربات قلبها ليست منتظمة‏.‏ وبعد الفحص بالموجات فوق الصوتية واستشارة أخصائي القلب ابلغنا الطبيب انها تعاني من تضخم بسيط في احدي حجرات القلب وان الحالة لاتدعو للقلق ويمكن للحمل ان يستمر ولكن بشرط المتابعة الطبية المنتظمة‏.‏ وفوجئت بان زوجتي كانت تعرف عن نفسها هذه الحالة منذ توفيت شقيقتاها التوءم حيث شمل الفحص الطبي وقتها كل افراد الأسرة‏,‏ ولم أشعر تجاه زوجتي بأي لوم لأنها لم تخبرني بذلك من قبل فلقد كنت أعرف مأساة شقيقتيها وظروف أسرتها وأدركت الظروف النفسية التي عاشتها‏.‏

ومضت شهور الحمل طبيعية ورزقنا الله بطفلة جميلة وبعد عامين آخرين اصرت زوجتي علي الحمل مرة ثانية واستشرنا طبيب القلب في ذلك فأكد لنا انه لاخطورة علي الاطلاق من الحمل مرة ثانية وحملت زوجتي وانجبنا طفلة ثانية وحرصت زوجتي طوال سنوات غربتنا علي ان ترجع إلي مصر مع طفلتينا كل فترة من الزمن لقضاء بعض الوقت مع والديها‏.‏

ورغم افتقادي الشديد لها وللطفلتين خلال غيابهن إلا أنني لم أعترض مرة واحدة علي رغبتها في العودة لزيارة أبويها‏,‏ ذلك ان وجود الطفلتين مع جدتهما وجدهما قد اصبح المعني الوحيد الباقي لهما في الحياة‏,‏ ولقد احبا الطفلتين حبا غامرا وسعدا بهما سعادة طاغية حتي خيل إلي أن الحياة قدابتسمت لهما اخيرا بعد طول تجهم‏.‏

وذات يوم وزوجتي في مصر عرفت انها مريضة فتوجهت إليها علي الفور‏..‏ ووجدتها تتابع علاجها مع بعض الأطباء‏..‏ لكن العلاج لا يحقق أي تقدم‏,‏ فقررت أن أرجع بها إلي مقر عملي لعلاجها في مستشفي الشركة العالمية التي أعمل بها‏,‏ وتم عرضها علي أطبائه فشخصوا الحالة بأنها حالة التهاب مزمن في أنسجة الجسم وحاولوا قدر جهدهم علاجها‏,‏ وأجروا عدة اتصالات مع المراكز المتخصصة في أمريكا وانجلترا بحثا عن علاج لهذه الحالة النادرة دون جدوي‏..‏ وواصلت صحة زوجتي تدهورها‏..‏ حتي بدأت نذر النهاية الأليمة تلوح في الأفق وحين أدركت ذلك قررت العودة مع زوجتي الي مصر‏..‏ وتم إدخالها مستشفي عين شمس التخصصي‏..‏ وبعد‏5‏ أيام فقط من عودتنا إلي بلادنا لبت زوجتي نداء السماء‏..‏ وانتقلت إلي رحاب ربها‏.‏

وبالرغم من ذهولي وأحزاني وحسرتي علي زوجتي وأطفالي‏..‏ فلقد شغلت بعض الشئ عن كل ذلك‏,‏ بما حدث لصهري وزوجته فلقد كانت الصدمة الرابعة في حياتهما مروعة ومزلزلة لكل ما بقي من تماسكهما وصلابتهما‏..‏ وشهدت صهري الرجل الطيب وهو يتشكي مذبوحا من الألم من أقداره ويتساءل دون جدوي‏:‏ لماذا وأنا الرجل الصائم المصلي المزكي الحاج لبيت ربه لماذا؟ لماذا أما الأم الثكلي فلا أستطيع مهما حاولت ان أصف لك حالتها وهي تشهد هذا الضوء الوحيد الباقي في حياتها يذوي‏..‏ ويخفت إلي الأبد‏.‏ غير أنهما‏..‏ ويا للعجب لصمودهما‏..‏ وقوة ايمانهما بربهما سرعان ما تماسكا واستعادا اتزانهما مرة أخري وكأنما قد تحصنا ضد الصدمات ومفاجآت القدر‏,‏ ثم طلبا مني شيئا واحدا هو ان اترك بنتي لديهما حين أرجع الي غربتي ورجتني الأم المكلومة الا ارفض ذلك وكيف ارفض يا سيدي رجاء هذه السيدة وهذا الأب وطفلتاي هما تعويض الأقدار الوحيد لهما الآن؟

لقد قبلت الرجاء وتركت الطفلتين في رعاية جديهما ورجعت الي مقر عملي وأحزاني وأوجاعي‏.‏

وهما الآن يعتنيان بهما أشد العناية‏..‏ وقد أوقفا كل مظاهر الحزن والحداد في حياتهما من أجل الصغير تين اللتين لا ذنب لهما في هذه الأقدار المأساوية وأنني أكتب لك هذه الرسالة لكي توجه كلمة من كلماتك الحانية لهذه السيدة وهذا الرجل عسي أن تكون منديلا يجففان به دمعهما‏,‏ وهما لا يعرفان بأمر هذه الرسالة‏..‏ لكني أرجو أن يكون في كلماتك بعض السلوي وبعض العزاء لهما‏.‏

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

اتساع المأساة قد يجمد الدمع في العين احيانا ليس زهدا في الحزن او تعففا عنه وانما عجز عن الوفاء بحق هذا الحزن الكبير من المشاعر والدموع‏.‏

واحسب ان هذا كان حال هذين الأبوين المكلومين حين انطفأ الضوء الوحيد في ظلام احزانهما الطويلة برحيل زوجتك عن الحياة يرحمها الله والحق اني لا ادري ماذا اقول لهما‏..‏ واحزانهما تجل بحق عن العزاء غير اني استعيد في حديثي اليهما ما قاله بن السماك معزيا رجلا مصابا ببعض ما أصابه في إيجاز بليغ‏:‏ ان كان لك في الدنيا سرورا قد صار لك في الآخرة أجرا‏.‏

وقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه معزيا آخر‏:‏ ان تحزن فقد استحقت ذلك منك الرحم‏..‏ وان تصبر فإن في الله خلفا لك من كل هالك‏.‏

وقول بن عباس لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما معزيا إياه في صغير له‏:‏ عوضك الله منك ما عوضه الله منك‏!‏

والحق انني لا املك لهذين الأبوين المكلومين الا ان ارجو ان يكون سرورهما في الدنيا الذي تواري وراء الحجب‏,‏ هو أعظم الأجر لهما في الآخرة بإذن الله‏..‏ وان يعينهما الله علي اقدارهما الحزينة بإيمانهما العميق بربهما‏..‏ وبتسليمهما بما جرت عليهما به المقادير وأقول لهما أن الله سبحانه وتعالي الذي يجزي الصابرين بما صبروا قد شاءت رحمته بهما ألا يغيب الضوء الوحيد عن حياتهما بغير أن يخلف مشعلا آخر ينير ظلام الأحزان من حولهما ويجدد رغبتهما في الحياة‏..‏ ويجعل لهما هدفا يعيشان من أجله فأهداهما هاتين الحفيدتين لكي يمتد بهما وجود الإبنة الراحلة في حياتهما‏..‏

وقديما قال ابو العتاهية متعزيا‏:‏

الا ان ريب الدهر يدني ويبعد

وللدهر ايام تذم وتحمد

أقول لريب الدهر إن ذهبت يد

فقد بقيت والحمد لله لي يد

واليد التي بقيت في حياة هذين الأبوين هما طفلتاك الجميلتان اللتان وافقت أنت ـ فضلا منك ورحمة ـ علي ان يبقيا في حضانة جديهما وتؤنسا وحدتهما وتشغلانهما عن بعض احزانهما بشونهما الصغيرة ومتطلبات رعايتهما‏..‏ وتبني آمالهما وأحلامهما في الحياة والمستقبل‏.‏

وفي ذلك بعض العزاء‏..‏

والشكر لك في النهاية أن تفهمت عمق احتياج صهريك النفسي إلي وجود هاتين الطفلتين في حياتهما‏.‏

والعزاء كل العزاء لهذين الأبوين الصابرين الصامدين لأعاصير الحياة وشدائدها علي إيمانهما بربهما‏..‏ وصبرهما علي مكاره الأيام فنعم عقبي الدار‏..‏ نعم عقبي الدار‏..‏ والسلام‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 41017‏1999مارس 26‏9 من ذى الحجة 1419 هـالجمعة

بطاقات الدعوة‏!‏

أقرأ بريد الجمعة منذ فترة طويلة‏..‏ وألاحظ في كثير من ردودك أنك تحاول جاهدا التخفيف عن بعض قرائك الذين يشكون لك ضياع بعض فرص الحياة منهم بعد أن تطلعوا اليها بشدة‏,‏ وانعقدت آمالهم عليها طويلا‏,‏ فتنصحهم بعدم التوقف أمام ما لم تسمح لهم به الحياة‏,‏ وبالتطلع الي التعويض الإلهي لهم عن كل ما فاتهم من أسباب السعادة‏,‏ مؤكدا لهم أنه سوف يجيء اليهم حين تأذن بذلك السماء‏.‏ وأود أن أروي لك قصتي لعلك تجد فيها ما يفيد غيري من القراء‏.‏

فأنا شاب في منتصف الثلاثينات من عمري‏,‏ اقيم في مدينة ساحلية‏,‏ وقد تطلعت منذ بضع سنوات الي الارتباط بشريكة الحياة‏,‏ فتقدمت لابنة رجل فاضل طالبا يدها‏..‏ ورحبت الأسرتان بهذا الارتباط‏..‏ وغمرتني أسرة الفتاة بحبها واهتمامها‏,‏ وأحببت فتاتي باحترام كامل وأحببت كل أفراد أسرتها‏..‏ وتبادلت الأسرتان الزيارات في جو من الود والابتهاج‏,‏ وتم الاتفاق علي كل التفاصيل‏..‏ وتحدد موعد الخطبة المباركة واشتريت الشبكة التي سأقدمها لعروسي وطبعت بطاقات الدعوة وتم توزيعها علي أفراد الأسرتين والأهل والأقارب‏,‏ وقمت بتعليق احدي هذه البطاقات علي مدخل المكان الذي ستتم فيه الخطبة‏,‏ وتم اعداد كل المستلزمات للحفل البهيج واشترت فتاتي فستان الشبكة الجميل‏,‏ واستغرقت أنا في الأحلام الوردية الجميلة أتخيل فتاتي وأنا أضع في أصبعها دبلة الخطبة وأمي تترقرق عيناها بدموع الفرح‏,‏ ووالدتها مبتهجة والأخوة من حولنا سعداء‏..‏ وتسلمت البدلة التي سأرتديها في حفل الخطبة وأعددت القميص وربطة العنق والجورب والحذاء اللامع‏,‏ ولم يتبق سوي يومين فقط علي الحدث السعيد‏,‏ فإذا بوالد فتاتي يتصل بأسرتي ويعتذر لها فجأة عن عدم إتمام الخطبة بدون أية أسباب واضحة سوي هذه العبارة المبهمة حول أنه ليس هناك نصيب‏!‏

وحاولت مع والد فتاتي بكل السبل أن أعرف منه سببا محددا للرفض المفاجيء فلم أنجح في ذلك‏..‏ وتخيلت حرجي الشديد مع الأهل والأصدقاء الذين دعوتهم لحضور الخطبة‏..‏ وكيف سأبرر لهم إلغاءها‏,‏ فتوسلت لوالد فتاتي أن يحفظ علي كرامتي وأن يقبل باتمام الخطبة في أضيق الحدود حتي ولو كانت النية قد انعقدت لديه علي رفض ارتباطي بابنته ثم بعد فترة قصيرة يقوم هو بفسخها بأي مبرر لا يسيء الي ولا الي الفتاة‏,‏ كالزعم مثلا بأننا قد اختلفنا حول بعض الماديات أو حول مقر اقامتنا بعد الزواج خاصة وان أسرة فتاتي تقيم بالقاهرة وأسرتي تقيم بالمدينة الساحلية‏,‏ وحاول الأب فيما علمت اشفاقا منه علي موقفي أن يفعل ذلك لكن ابنته رفضت ذلك رفضا باتا‏,‏ وأصرت علي عدم إتمام الخطبة بأي شكل من الأشكال رغم توسل الجميع لها بالعدول عن موقفها‏,‏ ورغم رجائهم لها بالقبول حرصا علي كرامة شاب لم يسيء اليها في شيء‏..‏ وسلمت أمري لله‏..‏ وألغيت حجز المكان المقرر لاقامة حفل الخطبة‏..‏ واعتذرت علي استحياء لمن سبق لي أن دعوتهم من الأصدقاء والزملاء الي الحفل‏,‏ وتولت أسرتي الاعتذار عني للأهل واقرباء‏..‏ وكان موقفا عصيبا لا أتمناه لأي انسان في الوجود‏..‏ وشعرت أنا بطعنة دامية في قلبي وكرامتي‏..‏ وتساءلت متألما عما دعا فتاتي وأسرتها للقبول بي ثم إلي رفضي بهذه الطريقة المهينة‏,‏ وماذا أخطأت فيه‏..‏ وماذا جنيته حتي أتعرض لهذه المحنة؟‏,‏ ثم علمت من بعض الأهل أن فتاتي ووالدها قد علما بأني مصاب بأحد الأمراض الخلقية التي تلازم المرء طوال حياته‏,‏ لكنها لا تضره ولا تؤذيه طالما يعيش حياته محافظا علي نفسه من أية مخاطرة قد تؤدي الي جرحه‏,‏ وتعجبت لما سمعت وقد صارحت فتاتي في بداية تعارفنا بكل ذلك وأطلعت أسرتها علي نتائج التحاليل الخاصة بي‏,‏ واتصلت الأسرة بطبيبي المعالج فطمأنهم علي حالتي‏,‏ وأكد لهم أنه لا خوف من اتمام الزواج وأن الحالة التي أعانيها ليست مخيفة ولا تتطلب مني سوي الاحتراس فقط‏,‏ وانه حتي لو استدعي الأمر إجراء جراحة ذات يوم فالعلاج معروف والشفاء مضمون باذن الله‏..‏ وما أكثر ما يتزوج أمثالي كل يوم وينجبون ويعيشون حياتهم في سعادة وأمان‏.‏

وانطويت علي أحزاني‏..‏ وواصلت حياتي محاولا نسيان ماحدث‏..‏ واعتزمت ألا أعرض نفسي لهذه التجربة القاسية مرة أخري‏,‏ غير أن الأيام مضت بخيرها وشرها‏..‏ وراح الأهل يلحون علي من جديد بالبحث عن شريكة الحياة‏..‏ فتقدمت لفتاة أخري حاملا معي تقاريري الطبية وقبل أن أطلب يدها أطلعتها علي حالتي‏,‏ وطلبت منها أن تسأل كبار الأخصائيين عن هذه الحالة قبل أن تجيبني بالرفض أو القبول‏,‏ وتركت التقارير لديها راجيا فقط استعادتها في الحالتين‏,‏ وأمضيت فترة الانتظار مترقبا ومؤملا في رحمة الله سبحانه وتعالي إلا تتخلي عني هذه المرة‏,‏ وبعد أيام فوجئت بمن يدعوني لزيارة الأسرة والتقدم رسميا لطلب يد ابنتها‏,‏ لأن الأسرة قد استشارت كبار الاخصائيين بالفعل فأكدوا لها صلاحيتي للزواج بلا مخاطر‏..,‏ وسعدت بذلك سعادة كبيرة واعتبرته تعويض السماء لي عما تجرعته من آلام سابقة بلا ذنب جنيته‏..‏ واقيم حفل الخطبة في موعده هذه المرة بلا مفاجآت ولا أحزان‏,‏ واثبتت لي تجربة الأيام أن السماء قد اختارت لي هذه الفتاة لكي تعوضني عن كل ما تألمت له من قبل‏,‏ وانها السعادة المدخرة التي تقول أنت في بعض ردودك ان السماء قد تحتفظ بها في علم الغيب لكي تهبها لمن يستحقها في الوقت المناسب‏.‏

وتزوجنا وسعدنا بحياتنا معا‏,‏ وازداد ارتباطنا وعمق تفاهمنا علي مر الأيام وبعد عام من الزواج وهبنا الله طفلا جميلا ملأ حياتنا بهجة وسرورا‏..‏

أما فتاتي الأولي فلقد مضت في طريق آخر وتزوجت غير أني قد علمت أنه لم يستقر لها حمل منذ زواجها بالرغم من تكرار الحمل والتزامها الراحة التامة في الفراش في كل مرة‏,‏ كما علمت أيضا أنها كلما حملت تعرضت للاجهاض قبل اكتمال الحمل‏,‏ ولم أسعد بذلك ولم أفرح له‏,‏ كما قد يتصور أحد اذ ماذا يفيدني ذلك وقد افترقت بنا الطرق وسار كل منا في اتجاه مختلف‏,‏ غير أني اتساءل بالرغم من كل ذلك هل ما تعرضت له فتاتي السابقة هو عدالة السماء‏..‏ أو انتقامها منها لخذلانها لشاب تقدم اليها طالبا السعادة معها ولم يخف عنها من أمره شيئا؟

ان حزن هذه السيدة لن يسعدني‏..‏ وليس لي فيه يد ولعلها لو اتجهت الي الله سبحانه وتعالي بنفس راضية أن يغفر لها ما فعلته بي فقد يغفر لها ويرزقها النسل الصالح‏..‏ وكل ما أرجوه هو ألا تسيء الظن بي وتتوهم اني شامت فيها‏..‏ بعد ما كان من أمرها‏..‏ والسلام‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

الخطأ الحقيقي في قصتك مع فتاتك السابقة هذه‏,‏ ليس في تراجعها عن اتمام مشروع الارتباط بك لأسباب رأتها حتي ولو اختلفنا معها فيها‏,‏ وإنما في توقيت إعلانها لك هذا الانسحاب المباغت قبل يومين فقط من حفل الخطبة وبعد اتمام كل الاستعدادات لها وتوزيع بطاقات الدعوة لحضورها‏,‏ فالتعارف العائلي بهدف الارتباط هو في النهاية مشروع اتفاق قابل للاستكمال والمضي به الي غايته‏,‏ وقابل أيضا للرجوع عنه من جانب أحد الطرفين أو كليهما لأية أسباب يقدرانها‏,‏ ولقد شرعت الخطبة أصلا لكي تكون فترة للتعارف الحميم واختبار المشاعر‏..‏ وامتحان كل طرف لرغبته في الآخر‏,‏ فإذا جاءت مؤشراتها ايجابية مضي في مشروع الارتباط الي نهايته‏,‏ واذا لم يحدث ذلك اعتذر عن عدم اتمامه‏,‏ وبحث عن غايته في طريق آخر‏,‏ وليس يضير أحدا أن يفشل مشروع خطبته لأحد اذا روعي في ذلك الالتزام بالأعراف السائدة واحترام المشاعر والكرامات‏..‏ ولهذا فإننا لا نلوم أحدا لمجرد انه قد فسخ ارتباطه بآخر لأسباب رآها‏..‏ حتي ولو لم تكن عادلة أو مقنعة للآخرين‏,‏ لان كل انسان أدري بما يحتاج اليه ولأن من لا يصلح لانسان قد يصلح لغيره‏..‏ لكننا نلوم فقط من لا يراعي اعتبارات الآخرين وكرامتهم ومشاعرهم عند اتخاذ مثل هذا القرار وخطأ فتاتك السابقة الحقيقي يتمثل في ترددها في اتخاذ القرار بالقبول بحالتك الصحية التي لاخطر فيها عليك بشرط الاحتراس والالتزام‏,‏ أو بالاعتراف بعدم رغبتها أو قدرتها علي المخاطرة ومعايشة التجربة بجوانبها المختلفة‏,‏ والواضح هو أنها قد ترددت بين القبول والرفض غير المعلن طويلا حتي اذا ما اقترب موعد اعلان الخطبة وأوشك الأمر أن يخرج الي العلن‏..‏ انتصرت لديها نوازع النفس التي ترجو لصاحبها دائما الأفضل والأرفع دائما من كل الأشياء‏..‏ وتشفق عليه من القبول بأية مخاطرة ولو كانت هينة فباغتت الجميع بتراجعها عن الخطبة وتصرفت في ذلك وفقا لما يتفق مع اعتباراتها الذاتية وحدها‏,‏ وبغير أن تضع في حسابها أثر هذا القرار المباغت علي الطرف الآخر في الارتباط أو علي مشاعره وكرامته الشخصية ومشاعر أسرته وكرامتها‏..‏

والفضلاء من الناس هم من لا يتخذون قراراتهم واختياراتهم وفقا لاعتباراتهم الشخصية وحدها‏,‏ بغض النظر عن انعكاساتها علي مصالح الآخرين ومشاعرهم وكرامتهم‏.‏

وانما يحاولون دائما أن يضعوا اعتبارات الآخرين في حساباتهم وان يخففوا بقدر الامكان من تعارض رغباتهم ومصالحهم مع رغبات الآخرين ومصالحهم وقد يضحون في سبيل تجنب ايلام الآخرين والتخفيف عنهم بتحمل بعض العناء‏..‏ ولا عجب في ذلك‏..‏ لأن الحياة لا تستقيم اذا انطلق فيها البشر كالوحوش الضارية يسعون وراء أهدافهم ورغباتهم وحدها بلا قيود ولا حدود‏,‏ وبغير أن يضعوا في حسابهم حقوق الآخرين ومشاعرهم واعتباراتهم‏..‏

وكل ما تعرضت له من آلام وجرح للمشاعر والكرامة لم ينجم عن رفض هذه الفتاة للارتباط بك تخوفا من حالتك الصحية‏..‏ ولو كانت قد فعلت ذلك بشكل كريم خلال فترة التعارف الأولي لما لامها أحد علي اختيارها‏,‏ وانما نجم أساسا علي أنها قد ضحت بكل ما تمثله لك ولأسرتك هذه الخطبة من اعتبارات بعد اعلانها للآخرين‏,‏ وجابهتكم جميعا بالخذلان بعد أن عرف الجميع موعدها‏..‏ ولقد كانت تستطيع أن تخفف كثيرا من وقع الصدمة عليك لو كانت قد قبلت باتمام الخطبة شكليا‏,‏ ثم فسخها في هدوء بعد حين‏,‏ لكنها آثرت آلا تضحي بشيء من نفسها لاصلاح خطأ ارتكبته حين ترددت طويلا قبل حسم اختيارها‏..‏ فإذا كان لايسعد أية فتاة بالفعل أن تكون لها سابقة خطبة فاشلة حتي ولو كانت هي التي رغبت في انهائها‏,‏ واذا لم يكم من اليسير بالفعل علي أية فتاة ان تجابه الجميع في حفل عام لخطبتها وهي تضمر في نفسها فسخها بعد أيام أو أسابيع‏..,‏ فلقد كان من واجب هذه الفتاة أن تضحي من نفسها بعض الشيء بقبول هذا العناء ابراء لذمتها تجاه الشاب الذي لم يخطيء في حقها‏,‏ ولم يرتكب اثما حين طلب السعادة معها بالطريق المشروع‏..,‏ ولا ذنب له في حالته الصحية التي أثارت هواجسها‏..‏ وبالرغم من ذلك فلست أري لك وقد عوضك الله عنها خيرا وسعدت بحياتك الجديدة وانجبت طفلا جميلا‏..‏ واثبتت الأيام ان حالتك الصحية لاتحول بينك وبين السعادة والأمان‏,‏ لست أري لك أن تظل منشغل الخاطر بمن رفضتك من قبل وآلمتك‏..‏ حتي ولو كان هذا الانشغال بعقد المقارنة بين توفيق الله سبحانه وتعالي لك في حياتك الشخصية‏,‏ وبين تعثر حظ فتاتك السابقة‏,‏ مع الحمل والانجاب‏..,‏ ذلك انه حتي المقارنة ليست من حسن شكر الانسان لربه علي ما أنعم به عليه من نعم جليلة‏,‏ انها لاتفيد الشكر وحده‏..‏ ولا الاشفاق علي الغير وحده‏..‏ وانما تفيد أيضا ـ ولو بطريقة لاشعورية ـ شبهة الشماتة والتشفي في حظوظ من ظلمونا وجرحوا مشاعرنا وآثروا غيرنا علينا‏.‏

ولو لم تكن تفيد ذلك لما ذكرناها في موضع ذكر اساءات من أساءوا الينا‏,‏ ولاكتفينا بالشكر علي النعم‏..‏ ورجونا للآخرين مثل ما نعمنا به‏,‏ فالصفح الحقيقي هو النسيان التام ومرور الأعوام علينا بغير ان نتذكر من أساءوا الينا أو ننشغل بتتبع حظوظهم في الحياة‏..‏ والشماتة فيهم أو الرثاء لهم‏..‏ لأنه حتي هذا الرثاء لايخلو من شبهة الاعتداد بحظوظنا بالمقارنة بحظوظهم في الحياة اللهم إلا اذا كان خالصا لوجه الله‏..‏ وكل ذلك ليس من الصحة النفسية ولا من السلام النفسي في شيء‏..‏ فلاتسمح لهذه المشاعر السلبية بأن تفسد عليك صفاء نفسك وحسن شكرك لربك علي تعويضه العادل لك عما تعرضت له من قبل ودافع عن سعادتك بتطهير النفس من كل الشوائب عسي أن يكون ذلك هو شفيعك عند ربك ان يحفظ عليك نعمه ويجزل لك منها العطاء‏..

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 41024‏1999ابريل 2‏16 من ذى الحجة 1419 هـالجمعة

البيت الجديد‏!‏

أنا شاب من أبناء الجنوب شاءت لي الأقدار أن أكون طرفا في قصة من هذه القصص المؤلمة التي أحرص علي قراءتها في بابك بانتظام‏..‏ فلقد نشأت في أسرة صعيدية مترابطة‏..‏ وتزوج شقيقي الأكبر منذ بضع سنوات وأقام مع أبي وأمي في البيت الكبير كما نسميه أي بيت الأسرة‏..‏ وتزوجت شقيقاتي واستقرت بهن الحياة في بيوت أزواجهن في الجوار القريب‏,‏ وأنجب شقيقي الأكبر من زوجته طفلين صغيرين‏,‏ وسعد بحياته وزوجته وسعدت هي به‏..‏ ثم فجأة تزلزل كيان هذا البيت بمصرع شقيقي هذا منذ عام ونصف عام في حادث سيارة خلال عودته من مدينة الأقصر التي كان يعمل بها‏..‏ وخيم الحزن علي الجميع وسقطت زوجة أخي في غيبوبة شبه متصلة‏..‏ ووفقا للتقاليد فقد استمرت زوجة أخي مقيمة في بيت الأسرة مع طفليها الذي يبلغ عمر أكبرهما‏6‏ سنوات والأخري‏4‏ سنوات‏,‏ وبعد إحياء ذكري الأربعين بأيام جاء أهل زوجة أخي ليصطحبوها معهم إلي بيت أسرتهم كالعادة حين يكون الأطفال صغارا‏.‏ ولا أدري ماذا فعل أبي معهم أو ماذا قال لهم لكي يقنعهم بترك ابنتهم مع طفليها بعض الوقت في بيتنا‏,‏ لكنهم علي أية حال قد قبلوا بعد رجاء وإلحاح تركها لبعض الوقت علي أن يرجعوا لاصطحابها معهم بعد هذه المهلة الجديدة بلا أي تأجيل‏.‏ وبعد انصرافهم فوجئت بأبي يدعوني للحديث معه علي انفراد ثم يرجوني والدمع المتجمد في عيونه‏,‏ بأن أتزوج أرملة شقيقي الراحل لكي تظل هي والطفلان في بيتنا وتمضي الحياة بهم وبنا علي ماكانت عليه قبل الحادث المؤلم‏..‏

ولم أجب أبي بالرفض أو القبول عندسماعي لهذا الرجاء المؤلم‏,‏ وغلبني الاحساس بالحزن علي أخي الذي كان صديقي وتوءم روحي‏,‏ فانعقد لساني ولم يضغط علي أبي لكي يتعجلني الرد وانما قال لي انه يدع لي الأمر للتفكير فيه ويأمل أن أضع مصلحة الطفلين اليتيمين ورغبته ورغبة أمي في ألا يفارقاهما في اعتباري‏.‏ ومضت بضعة أيام أخري وأنا مستغرق في التفكير‏,‏ أريد أن أحقق لأبي وأمي رغبتهما في أن ينشأ أحفادهما في أحضانهما‏..‏ وأتخيل من ناحية أخري نفسي في موضع أخي من زوجته فأخجل من الفكرة وأنزعج لها‏..‏ إلي أن كنت جالسا في غرفتي ذات يوم أقرأ الصحف في الصباح فدخلت أرملة أخي إلي الحجرة ورجتني أن أعقد قراني عليها فقط لكيلا تغادر بيت الأسرة‏,‏ ولأن أهلها اذا أعادوها إلي بيتهم فلسوف يضغطون عليها بشدة للزواج مرة أخري ولن تمضي ستة أشهر أو عام علي أكثر تقدير إلا وتكون قد تزوجت من آخر رغبت في ذلك أم لم ترغب‏,‏ ولهذا فهي ترجوني أن أعقد قراني عليها فقط لكي أحميها من ذلك وأعين أطفالها علي البقاء بين أهل أبيهم‏,‏ وعلي ألا يكون لكل منا شأن بالآخر بعد عقد القران لأنها لاتريد الزواج بعد أخي وترغب في أن تتفرغ لتربية طفليها منه‏!‏

ولم يكن أمامي من سبيل بعد هذه المصارحة سوي القبول استجابة لرغبة أبي وأمي‏..‏ وجاء أهلها بعد أيام ليصطحبوها معهم‏,‏ فقال لهم أبي أنه لا داعي لذلك لأن ابنه الآخر سوف يتزوج أرملة أخيه ويربي أبنيه ورحب الأهل بذلك‏..‏ وانتظرنا انقضاء فترة العدة‏..‏ وما إن انتهت حتي جاء المأذون وعقد قراني عليها‏..‏ وبعد القران دخلت هي حجرتها ودخلت حجرتي وفي الصباح غادرت البيت وتوجهت إلي الاسكندرية حيث يقيم بعض أقاربي ويعملون‏,‏ وقضيت في الثغر تسعة شهور كاملة عملت خلالها مع أقاربي ثم علمت أن أبي مريض فعدت إلي بلدتي لزيارته والاطمئنان علي أحواله وأحوال أمي‏,‏ واستقبلتني زوجتي بالمصافحة العادية كما كانت تفعل معي وهي زوجة لأخي‏,‏ وعلمت أن أمي علي خلاف معها منذ علمت أن كل مابيننا هو وثيقة الزواج فقط‏..‏ ووجدت العلاقة متأزمة بينهما للغاية فوفرت لزوجتي مسكنا مستقلا قريبا وانتقلنا إليه‏,‏ وأصبح من واجبي أن أبيت معها في البيت الجديد لكيلا أدعها وأدع أطفالها وحدهم فيه‏,‏ ومضت حياتنا في البيت الجديد هادئة‏..‏ فزوجتي تعدالطعام وتغسل الملابس وترعي الأطفال‏..‏ وأنا ألبي مطالبها من الخارج وأرعي مصالح البيت وأرعي الابنين اللذين لايعرفان لهم أبا غيري‏..‏ وأؤدي عملي‏,‏ وفي المساء يدخل كل منا غرفته ويغلق بابها عليه للصباح‏.‏

وبعد فترة من الوقت تساءلت عما يدعونا للاستمرار علي هذا النحو اذا كانت الحياة قد جمعت بيننا تحت سقف واحد ولكل منا مصلحة أساسية في رعاية هذين الطفلين‏..‏ وقررت بعد تردد طويل أن أفاتحها في أن نحول زواجنا الشكلي إلي زواج حقيقي‏..‏

وفعلت ذلك ففوجئت بها تبكي بشدة وتقول لي انها قد اتفقت معي من البداية علي هذا الوضع‏,‏ وبحيث تعيش لطفليها وعلي ذكري زوجها‏,‏ واني أستطيع اذا رغبت في الزواج الحقيقي أن أتزوج من غيرها ولن تعترض علي ذلك بل انها تستطيع أن ترجع للاقامة في بيت أبي لكي يخلو لي هذا المسكن لأتزوج فيه‏!‏

وشعرت بالخجل والحياء لردها هذا‏..‏ ولم أشأ أن أحرجها أو أحرج نفسي أكثر من ذلك فسكت‏,‏ ومضت بنا الحياة وزوجتي لاتعترف بي عمليا زوجا لها‏,‏ وطفلاها لايعرفان لهما سواي‏..‏ فماذا أفعل ياسيدي‏..‏ ان والدتها تنصحني بالصبر عليها‏,‏ وشقيقها يقول لي ان كل شيء مرهون بالصبر‏,‏ وهي تنصحني بالزواج وتؤكد لي أنها ستكون سعيدة بحياتها في هذه الحالة بشرط أن أحتفظ بها في عصمتي‏..‏ وأنا لم أعد أعرف ما هو الخطأ وما هو الصواب‏..‏ فبماذا تنصحني أن أفعل؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

من حقك بالفعل أن تتطلع لأن تحيا حياتك بطريقة طبيعية وتستغني بزوجتك عن غيرها من النساء‏,‏ مادامت الأقدار قد جمعت بينكما في رباط مقدس ولكل منكما مصلحة مؤكدة في استمراره إلي النهاية‏..‏ أما الاتفاق المبدئي بينكما علي أن يكون زواجكما شكليا حتي لاتخرج زوجتك وطفلاها من أحضان أسرتك‏,‏ فليس مما يعتد به كشرط دائم يعتبر من خالفه كمن نقض العهد وخان الوعود‏..‏ لأنه شرط فاسد دعت إليه الضرورة النفسية في الظروف المأساوية التي أحاطت بهذا الزواج‏..‏ وربما لو لم تشترطه هي لما راودت نفسك علي الارتباط بها متخلصا من الحرج الإنساني المفهوم في مثل هذه الظروف‏,‏ ولما استطاعت هي أيضا أن تتغلب علي مشاعرها وأحزانها وحرجها النفسي لتقبل به‏.‏ غير أن الواقع حتي ولو استعنا في البداية علي القبول به بالتحايل علي أنفسنا بمثل هذه المبررات والحيل النفسية‏,‏ لايلبث أن يرغمنا علي أن نحيا حياتنا بطريقة طبيعية‏,‏ وعلي أن نتقبل بعد حين ماكنا ننكره أو نستفظعه من حقائق الحياة قبل وقت قصير‏.‏

ولهذا فإن تمسك زوجتك بهذا الشرط الفاسد حتي الآن هو الذي يعد خروجا علي الاتفاق الضمني المفهوم بغير تصريح بين الطرفين حين تم الزواج وليس تفكيرك في تحويله إلي زواج حقيقي يلبي لك احتياجاتك النفسية والعاطفية هو الخروج علي مثل هذا الاتفاق الصامت‏.‏

كما أن تصريحها لك بالزواج من غيرها مع بقائها في عصمتك‏,‏ ليس حلا مقنعا للمشكلة‏..‏ ذلك أنه ليس كل إنسان قادرا علي أن يحيا حياة مزدوجة يتنقل فيها بين زوجتين حتي ولو كانت علاقته بإحداهما شكلية ولأن الزواج مسئولية نفسية وأدبية واجتماعية قبل كل شيء‏..‏ وقليلون هم الذين يطيقون تعدد هذه المسئولية في حياتهم‏.‏ كما أن وجود زوجتك في عصمتك لن يرشحك بسهولة للاستقرار والسعادة مع زوجة أخري‏,‏ ولن يكون ذلك الوضع مقبولا ولا مريحا لمن تقبل الارتباط بك وانما سوف يظل بؤرة للمتاعب والقلاقل بينكما علي الدوام حتي ولو أقسمت لها أغلظ الأيمان أنه لايجمع بينك وبين الأولي من مقاصد الزواج سوي الحماية والمسئولية ورعاية الأبناء‏.‏ وليس من المستبعد كذلك أن ينبه زواجك المقترح هذا لدي زوجتك الأولي مشاعرها الأنثوية واحتياجاتها النفسية الخامدة حاليا تحت ركام الأحزان‏..‏ فتتساءل وماذا يمنعها بعد كل هذا الوقت عن رجلها وهو زوجها أمام الله والجميع‏,‏ فيحركها ذلك لاجتذابك إليها‏..‏ أو يحفزها للاحتفاظ بك اذا استشعرت خطر فقدك النهائي واستئثار الأخري بك‏..‏ وليس كل ذلك بمستغرب علي النفس البشرية التي لاتستشعر في بعض الأحيان قيمة مالديها إلا من خلال تقدير الآخرين له‏!!‏ فلماذا كل هذا العناء‏..‏ وقد يسر لنا الله سبحانه وتعالي أن نحيا حياتنا الطبيعية بلا مشاكل ولا اضطرابات؟

انني أتصور أن مايحول بينك وبين زوجتك الآن هو قرب الذكري وبطء التكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته عليها الأقدار الحزينة‏.‏ لكنها في غمار همها بنفسها وأحزانها ينبغي لها أيضا ألا تظلم شابا أمينا مثلك قبل أن يضحي بأحلامه الشخصية رعاية لاعتبارات إنسانية وعائلية نبيلة‏..‏ وتعفف عن الضغط علي زوجته لنيل مايصبو إليه منها مراعاة لظروفها النفسية والإنسانية‏,‏ وانما لابد أن يدعوها ذلك إلي مراجعة موقفها منه‏..‏ وابراء ذمتها من ظلمها له ومطالبته بما لايطيقه‏..‏ ولا شك أن المشكلة القائمة حاليا بينك وبين زوجتك هي في النهاية مشكلة وقتية لن يلبث الزمن أن يجد لها الحل الموفق لها بمبضعه الذي لايخيب‏..‏ فاعتصم بالصبر ياصديقي‏..‏ ولا تستجب الآن لنصيحة زوجتك لك بالزواج من غيرها لأنك لن تسعد في مثل هذا الزواج المقترح‏..‏ وانما اصبر وانتظر‏..‏ ولا تدفع الأمور بأكثر مما تحتمله ظروف زوجتك النفسية الحالية وتأكد من أن لك لدي زوجتك القبول النفسي الذي يصلح أساسا كافيا لعلاقة الزواج السليمة بعد حين‏,‏ بدليل توجهها لك بالرجاء لأن تعقد قرانك عليها لكيلا تغادر بيت الأسرة‏,‏ حتي ولو كانت قد اشترطت عليك أن يكون زواجك بها صوريا‏..‏ ففي تقديري أنها لو لم تكن تقبل بك نفسيا ولا تنطوي لك علي أية مشاعر عدائية أو نفور منك من البداية لما سعت لأن ترتبط بها مثل هذا الارتباط ولتحملت العودة إلي أهلها ومواجهة ضغوطهم للزواج مرة أخري لأن ذلك أرفق بالمرأة من ارتباطها بأي نوع من الارتباط بمن تنفر منه ولا تطيق وجوده في دائرة تنفسها‏,‏ لكنها فقط هذه الاشكالية الإنسانية التي لم تستطع بعد التكيف معها وهي أن تحل أنت منها محل أخيك الراحل في هذا المدي الزمني القصير‏,‏ وهي اشكالية الزمن وحده هو الكفيل بحلها‏..‏ فأرجو ألا يطول بك الانتظار لمفعوله السحري لكيلا تتجرع عذاب الحرمان ممن تشاركها الحياة لفترة طويلة‏..‏ فاذا طال الانتظار عما تطيقه أو بدا لك أن زوجتك تصر بالفعل علي مخالفة الطبيعة وعدم التكيف مع الواقع الجديد إلي النهاية‏,‏ فلا مفر في هذه الحالة من الزواج مرة أخري وتحمل هذا العناء الجديد الذي ستفرضه عليك هذه الظروف الإنسانية‏..‏ كما فرضت عليك من قبل هذه التضحية العائلية‏..‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 41031‏1999ابريل 9‏23 من ذى الحجة 1419 هـالجمعة

حصاد الصبر‏!‏

أكتب لك هذه الرسالة في مناسبة مهمة في حياتي أردت أن أشركك معي فيها وأن أذكرك بدورك الذي قد تكون نسيته الآن في اتمامها‏..‏ فأنا مهندس شاب بوزارة الري عمري‏38‏ عاما‏..‏ وأما بداية القصة فلعلك تذكر الرسالة التي نشرتها منذ أكثر من عامين بعنوان الإصرار وكانت لسيدة متزوجة ولها طفلتان تروي لك فيها عن جارتها الشابة الجميلة البالغة من العمر‏29‏ عاما وتقيم بجوارها في شقة وحدها‏..‏ وتقول لك في رسالتها ان قصة هذه الفتاة قد بدأت منذ سنوات حين كانت في طريقها إلي كليتها بجامعة عين شمس فصدمتها سيارة مسرعة وحملها المارة إلي المستشفي فتبين أنها قد أصيبت للأسف بشرخ في العمود الفقري‏,‏ وبعد رحلة عناء طويلة بالمستشفيات في الداخل والخارج‏,‏رجعت إلي حياتها جالسة فوق مقعد متحرك‏,‏ ولم تترفق بها الأقدار فرحلت أمها عن الحياة بعد قليل‏,‏ ووجدت نفسها وحيدة في مسكنها الخالي بعد زواج الإخوة‏,‏ وانشغال الأب الذي يقيم في مسكن آخر بحياته وأعماله‏,‏ ولأن كل إنسان مشغول بحياته فلقد أصبحت هذه الفتاة الطيبةالجميلة تقضي معظم أوقاتها وحيدة تماما في مسكنها المجهز بكل الأجهزة وتقوم بشئون نفسها وتنظف شقتها وتطهو طعامها‏,‏ وتقدم إليها رجل متزوج فرفضت أن تطلب سعادتها علي حساب تعاسة إنسانة أخري‏,‏وتقدم إليها من جاءها طامعا في مالها وحده فرفضته لأنها ترجو أن يجمعها ربها بمن يرغبها لنفسه فتحبه ويحبها‏,‏ وفي النهاية طلبت منك هذه السيدة الفاضلة أن تكتب لجارتها الشابة أن الاعاقة ليست نهاية الحياة وأن أحلامها ممكنة التحقيق حين يأذن الله بذلك‏.‏

ونشرت الرسالة ورددت عليها بما ألهمه الله لك من كلمات طيبة ومشجعة مؤكدا للفتاة ولمثيلاتها أن نسبة نجاح الزواج واستمراره في الحالات الإنسانية الخاصة أعلي منها بقدرملحوظ في الحالات العادية‏,‏ وأن خبراء الاستشارات الأسرية في الغرب يرجعون ذلك إلي أن درجة الاصرار علي النجاح تكون عالية للغاية عند الطرف الذي يعاني من الحالةالإنسانية‏,‏ فيبذل كل ما في وسعه لانجاح الزواج ويجد ذلك صداه المتوقع لدي الطرف الآخر فيتجاوز الطرفان الهنات الصغيرة التي قد يتوقف عندها الآخرون في الظروف الطبيعية‏.‏

وفي هذه الفترة كنت أمر بأزمة نفسية شديدة بسبب عاصفة الأحزان التي هبت علي حياتي قبل فترة قصيرة‏,‏ وليلة نشر هذه الرسالة كان ألمي قد بلغ مني حدا مضاعفا‏,‏ وشكوت إلي صديق متدين ما يضيق به صدري فنصحني بأن أدعو ربي في صلاة الفجر كل ليلة بهذا الدعاء‏:‏ رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير‏,‏ وسألني لماذا لا أمضي هذه الليلة معه في المسجد حتي نصلي الفجر معا عسي أن يذهب الله عني الحزن‏,‏ واستجبت لما نصحني به وأمضيت تلك الليلة معه في المسجد قائما أصلي‏..‏ أو جالسا أقرأ القرآن الكريم‏,‏ أو متأملا في صمت‏..‏ وفي الصباح المبكر خرجت إلي الشوارع واشتريت الصحيفة فوجدت فيها قصة هذه الفتاة فشعرت بأنها قد تكون ضالتي التي أبحث عنها دون جدوي‏,‏ ووجدت نفسي أكتب إليك معلقا علي قصتها‏.‏

ونشرت رسالتي بعنوان العاصفة ورويت لك فيها أنني مهندس عمري‏36‏ سنة ـ وقتها ـ وانه كانت لي ذات يوم قريب أسرة صغيرة وزوجة غير مصرية تزوجتها بالرغم من معارضة أهلي لزواجي منها‏,‏ وان هذا الزواج كان بداية لعاصفة من الأحزان في حياتي الخاصة حيث رحل أبي عن الحياة عقب زواجي مباشرة‏,‏ ومن بعده أمي أيضا يرحمهما الله‏,‏ ثم لم يمض وقت طويل علي رحيلهما حتي سقطت طفلتي الوحيدة من الدور الثالث بسبب إهمال أمها في رعايتها‏,‏ ورحلت هي الأخري عن دنيا الألم والأحزان‏,‏ فلم أستطع احتمال الحياة مع زوجتي بعد ذلك وانفصلت عنها بالطلاق‏,‏ وعشت وحيدا في شقة باحدي المدن الجديدة ولم يعد لي من أهل سوي شقيقين يقيمان في حي بعيد‏,‏ وفي ختام رسالتي إليك تساءلت تري هل تقبل هذه الفتاة الارتباط بي علي سنة الله ورسوله عسي أن يواسي كل منا الآخر ويعوضه عن وحدته وأحزانه الماضية؟‏..‏ وبعد أيام من نشر الرسالة زارتك هذه الفتاة في مكتبك فوق مقعدها المتحرك يصحبها عمها‏,‏ وقمتم بتسليم العم عروض الارتباط التي تلقاها مكتبكم بشأنها‏,‏ وفوجئت بعد أيام باتصال من والدها بي يدعوني فيه إلي مقابلته في بيته‏,‏ فتوجهت إليه مستبشرا ومؤملا أن يحقق الله لي أمنيتي في السعادة والأمان‏,‏ فكان لقائي الأول بالأب في مسكنه الذي يعيش به مع ابنه الأصغر وحدهما ولم أجد الفتاة المقصودة‏..‏ وشرحت للأب ظروفي ورغبتي في الارتباط بابنته فلمست منه التحفظ وعدم الترحيب‏,‏ ثم طلب مني الانصراف بعد قليل لأن هناك زائرا آخر عن طريق بريد الجمعة سيحضر لمقابلته بشأن ابنته‏!‏

وانصرفت متخاذلا ومتشائما وشكوت لصديقي الذي علمني الدعاء المفضل‏,‏ مالقيت من تحفظ الأب وعدم ترحيبه بي‏..‏ وأرجعت ذلك إلي ظروفي كمطلق‏..‏ فسألني ولماذا لاتطرق بابا آخر كعمها مثلا‏,‏ ونفذت النصيحة وتم اللقاء بيني وبين هذه الفتاة لأول مرة في بيت عمتها‏,‏ فما إن التقيت بها والتقت بي حتي قضي الأمر الذي كنتم فيه تختلفون‏..‏ وشعرت بأنها الفتاة التي كنت أبحث عنها من قديم الزمان‏,‏ وقالت هي لعمتها عني انني الشخص الذي رأته في أحلامها يأتي إليها‏..‏ ويملأ فراغ حياتها بالحب والحنان‏..‏ واتفقنا علي الارتباط‏..‏ لكني علمت أن والدها لايشعر تجاهي بالارتياح وانه يرفضني لأسباب مختلفة منها ظروفي السابقة ومنها انه تساوره الشكوك في نيتي في استغلال ظروف ابنته الإنسانية‏..‏ والاستفادة من مالها وهو مبلغ حصلت عليه كتعويض من جامعة عين شمس عن الحادث الذي تعرضت له وتحتفظ به كوديعة في البنك‏,‏ ولم أغضب من الأب‏,‏ لكني حزنت وتعجبت كيف يصد عن ابنته شابا يرغب في الارتباط بها لمجرد ظنون ليس هناك أي دليل عليها‏..‏ وأي مال يمكن أن يسعي إليه شاب مثلي فقد طفلته الوحيدة قبل عامين ويعاني من وحدته وأحزانه؟‏!‏

ولم أدر في حينه بما دار بشأني بين الأب وابنته‏,‏ لكني علمت فيما بعد أنه رفضني‏,‏ وان ابنته تمسكت بي بشدة وأعلنته برغبتها في الارتباط بي فاستجاب لها بضغط من شقيقه وشقيقته‏.‏ وذهبت للقائه في مسكنه أخيرا وقرأنا الفاتحة‏,‏ واستجبت لكل مطالبه بلا ممانعة‏..‏ قال لي ان مسكني بعيد وفي الدور الثالث ولا يصلح لابنته‏,‏ فوعدته بتغييره وسعيت إلي بيع شقتي بالمدينة الجديدة‏,‏ وقبلت بيعها بثمن بخس‏,‏ حدد قيمة الشبكة والمهر والمؤخر فقبلت بكل ما أراد‏,‏ طلب مني أن أعطيه ثمن الشقة بعد بيعها ليودعه في البنك باسمه إلي أن أحضر الشقة الجديدة ولكيلا أتنصل من وعدي باحضار شقة أخري لابنته غير شقتها التي تقيم فيها وحيدة وهي صغيرة‏,‏ فقبلت بذلك ووعدته به ونفذته فيما بعد بالفعل‏..‏ كل ذلك وأنا سعيد ومتفائل وأشعر بأن كل لقاء بيني وبين هذه الفتاة يقرب بيننا والأب علي ما هو عليه من تحفظ وعدم حماس‏..‏ وحددنا موعد عقد القران في المسجد ورفض الأب أن يشتري لابنته فستانا أبيض رغم قدرته المالية ولا أن يسمح لي بشرائه‏,‏ وقبلنا بذلك صامتين‏,‏ ورفض استدعاء كوافيرة لزينة المحجبات من مثيلات ابنته وقبلنا بذلك راغمين‏,‏ ورفض أن تذهب معي لشراء الشبكة‏,‏ ولم أعترض علي ذلك وتم عقد القران في تحفظ أقرب إلي التجهم والجفاء الصامت منه إلي الفرحة والابتهاج‏,‏ وانصرف الأب عقب عقد القران وحملتنا السيارة إلي مسكن زوجتي‏,‏ فما إن اقتربنا منه حتي بدأ الفرح الحقيقي الذي لم نجده من قبل‏..‏ فلقد التف حولنا جيران زوجتي الطيبون ومنهم السيدة الفاضلة التي كتبت لك عنها‏,‏ وبدأ الطبل والزمر والغناء والزغاريد والابتهاج الصادق الصادر عن القلب بلا شائبة واندفعت السيدات الفاضلات وبناتهن يقبلن زوجتي ويغنين لها ويداعبنها وانفعل جار طيب علي المعاش فأخرج مسدسه وأطلق منه عدة طلقات في الهواء طربا وابتهاجا بسعادة هذه الفتاة التي طالما تعاطف مع ظروفها من قبل‏.‏ وحمل إلينا الجيران الطعام والشراب والتورتة وشاركونا فيها‏..‏ ولم يغادرونا إلا عند منتصف الليل وهم يوصوننا بأن نبدأ حياتنا الزوجية بأداء ركعتي شكر لله عسي أن يبارك لنا في حياتنا وصحبتنا وسعادتنا‏.‏

وبدأنا حياتنا الزوجية معا وكل منا كالأرض العطشي إلي الحب والحنان والعطف من شريكه الجديد‏..‏ ووجد كل منا بغيته لدي الآخر‏..‏ فوجدت فيها الطيبة والعطف والاهتمام الزائد بي والقلق الشديد علي اذا تأخرت عن موعد عودتي إليها ولو لفترة يسيرة‏,‏ كما وجدت فيها أيضا ربة البيت الممتازة والطاهية الماهرة‏,‏ ووجدت هي في ماتقوله من انني أعطيتها كل ما افتقدته في حياتها من قبل من حنان وحب ورعاية‏,‏ وخلال حياتنا المشتركة معا بعت شقتي في المدينة الجديدة وحصلت علي شقة بالدور الأرضي بالإيجار الجديد أوسع من شقة زوجتي السابقة لكي يتسع مجال الحركة أمامها‏..‏ وكتبت عقد الإيجار باسمها‏,‏ وفتحت باذن من المالك بابا من المطبخ إلي الشارع ووضعت مدخله بحيث يصبح منزلقا ليسمح للكرسي المتحرك بالدخول والخروج‏,‏ واشتريت بما تبقي معي من ثمن الشقة سيارة مجهزة لزوجتي وكتبتها باسمها‏..‏ وأهديتها مقعدا متحركا جديدا‏,‏ وأعطيتها توكيلا عاما عني للتصرف في كل شيء‏..‏ وسعدت زوجتي بالمسكن الجديد وصنعت لنفسها سريعا صداقات جديدة مع جيراننا لأنها تدخل القلوب بيسر‏,‏ وتجد دائما من يحبونها ويتطوعون لخدمتها‏..‏ واستمرت صداقتها بالسيدة الفاضلة التي كتبت لك عنها‏..‏ ولم تمض شهور حتي كان جنين الحب يتحرك في احشاء زوجتي‏,‏ وعاشت زوجتي تجربة الحمل بمشاعر بهيجة‏..‏ واقترب موعد الولادة فحصلت من عملي علي اجازة ودخلت معها المستشفي ولازمتها فيه حتي وضعت مولودنا الأول‏,‏ ولقد فكرنا جديا في أن نسميه باسمك لولا أنه كان قد سبق مني النذر إلي الله سبحانه وتعالي أن أسميه اذا جاء ذكرا عبدالله‏..‏ واذا جاءت أنثي مريم ولقد أنعم الله علينا بعبد الله منذ‏20‏ يوما‏..‏ وكانت هذه هي المناسبة السعيدة التي أردنا أن نشركك معنا فيها ونذكرك بقصتنا معك‏..‏ ولقد عدنا من المستشفي إلي البيت حاملين مولودنا الصغير فتلقتنا الجارة الطيبة الجديدة التي تناديها زوجتي ياخالتي بالنصائح المجربة في رعاية الأطفال حديثي الولادة وعلمت زوجتي كيف تتعامل مع مولودها‏,‏ وكيف ترضعه‏,‏ وتغير ملابسه الخ‏..‏ وساعدتها في ذلك‏,‏ وحملته عنها كثيرا‏,‏ وعرضت عليها أن ترعاه في غيابها اذا اضطرت للخروج‏.‏

وها نحن نكتب إليك الآن بعد أكثر من عام من زواجنا وأقل من شهر من انجابنا طفلنا الصغير لنقول لك ان الاصرار الذي تحدثت عنه في ردك علي الرسالة الأولي يدفعنا إلي انجاح زواجنا واستمراره‏..‏ وان الحب الذي جمع بيننا يترسخ ويتعملق ويتعمق‏,‏ ولقد غير كل ذلك من نظرتنا السابقة للحياة‏..‏ فأذهب الله عنا الحزن‏..‏ والوحدة‏..‏ والمعاناة‏,‏ وأنعم علينا بالسعادة والعشرة الطيبة والاهتمام المتبادل‏..‏ وتغيرت نظرة زوجتي إلي كثير من الأشياء‏,‏ فلقد كانت بتأثير من بعض ما شهدته ولمسته من آلام في حياتها‏,‏ تتوجس من الدنيا وبعض الناس‏..‏ فأقنعتها بأن الخير في الدنيا إلي يوم يبعثون‏,‏ ودعوتها ذات مرة إلي التجربة العملية ونحن نتجول في الشارع وهي علي مقعدها المتحرك‏,‏ فأبلغتها أنني سأبتعد عنها وأدعها تسأل المارة أن يساعدوها في عبور الشارع أو في شراء شيء من المحلات أو أداء أي خدمة لها‏,‏ وابتعدت عنها بالفعل‏..‏ وجلست هي وحيدة في مقعدها ثم سألت أول عابر بها أن يعينها علي أمرها‏..‏ فاذا بكثيرين يتوقفون للحديث معها ويبشون في وجهها ويعرضون استعدادهم لأداء خدمة لها‏..‏ فرجعت إليها مبتسما وشكرت الجميع ودفعت المقعد في طريق العودة‏..‏

أما أنا فلقد انهمرت علي جوائز السماء التي تتحدث عنها منذ تزوجت هذه الإنسانة الطيبة الجميلة وهطل علي الرزق الحلال من أبواب السماء بلا حساب والحمد لله‏..‏ وسافرت في مهمة مندوبا من وزارة الري إلي أوغندا لمدة‏8‏ أيام لحل مشكلة فنية في بحيرة فيكتوريا‏,‏ وحصلت علي بدل سفر بالعملة الصعبة لأول مرة في حياتي‏,‏ كما حصلت منذ زواجي وحتي الآن علي مكافآت تفوق في مجموعها كل ما حصلت عليه من مكافآت طوال مدة خدمتي‏..‏ وحصلت لأول مرة في حياتي علي مكافآت بأرقام فلكية بالنسبة لدوائر الحكومة‏..‏ فإن كان لزوجتي الآن من مطلب فهو في أن تواصل الاهتمام بمشاكل المعاقين وتدعو الدولة للعناية بهم وبرعايتهم والاهتمام بتوفير العلاج الطبيعي والوظيفي لهم لكي يتكيفوا مع حياتهم‏,‏ وإلي الاهتمام بإنشاء مداخل منزلقة لهم في كل المباني العامة والعمارات كما هو الحال في الدول المتقدمة‏,‏ لكيلا أضطر كما تقول هي إلي حملها بمقعدها كلما ذهبنا لأداء عمل في احدي الجهات أو زيارة احدي الأسر‏..‏

وختاما‏..‏ فإني وزوجتي لانملك لك في النهاية إلا الشكر والدعاء‏..‏ ونرجو أن تتقبل منا هذا المصحف المرفق وهذه المسبحة المتواضعة رمزا للشكر والحب والعرفان‏..‏

وأنهي رسالتي إليك بهذا الدعاء الحبيب شكرا وامتنانا لله رب العالمين‏:‏ رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير‏..‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏..‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول

مازلت أذكر حتي الآن ملامح هذه الفتاة الطيبة حين زارتني فوق مقعدها المتحرك مع بعض ذويها عقب نشر قصتها‏.‏ كما مازلت أذكر أيضا رسالتك التي تضمنت رغبتك في الارتباط بها وقصتك مع عاصفة الأحزان التي عصفت بحياتك قبلها‏.‏

فأية سعادة ان أعرف الآن ان الأقدار الرحيمة قد مسحت علي أحزانكما معا وجمعت بينكما في بيت هانيء صغير‏..‏ أثمر الحب فيه ثمرته المباركة ووهبكما الله من لدنه غلاما جميلا ؟

ان في العالم كما يقول الكاتب المسرحي الأمريكي تيرنس راتنجان‏,‏ ـ ظلاما كثيرا ولهذا فهو يرحب بكل شمعة ولو كانت صغيرة تبدد بعض ظلامه‏,‏ وهذه التطورات السعيدة في حياتكما هي شمعة صغيرة جديدة تصحح عن الحياة بعض أخطائها وتزيل بعض ظلامها‏.‏

ولقد تأملت قصتكما مليا فلم أجد لها عنوانا ابلغ من هذا العنوان‏:‏ حصاد الصبر‏!‏ أي جوائزه التي يعد الله سبحانه وتعالي بها الصابرين في الدنيا والآخرة ويبشرهم بالفوز بها‏.‏

ولقد صبر كل منكما علي آلامه وأحزانه الشخصية وظروفه الانسانية وتعلق أمله برحمة ربه في أن يذهب عنه الحزن ويؤنس وحشته ووحدته ويهبه السعادة والأمان فصدقت النية في الطلب‏.‏ وهيأت الأقدار كلا منكما لأن يكون لرفيقه الأمل‏..‏ والعزاء وفدية الأحزان‏,‏ فروي أرضه العطشي بماء الحب والعطف والحنان وارتوي من نبعه‏.‏

فإذا كنت قد ووجهت في البداية بتحفظ الأب وتشككه في نيتك تجاه فتاته فلكم يخطيء الانسان التقدير في كثير من الأحيان‏..‏ ولكم تفسد علينا الظنون والهواجس أحيانا ماكنا جديرين بأن نسعد به وتسكن أرواحنا إليه لو كنا قد غلبنا لدينا الايمان بخيرية الحياة وحسن الظن بالآخرين علي التوجس منهم والتشكك في نياتهم‏.‏ غير أن فتاتك الطيبة قد حسمت الأمر علي أية حال بترجيحها لحسن الظن فيك علي سوئه‏.‏ ولم يخذلها حسها الصادق فيمن توسمت فيه الخير والعطاء والحمد لله‏.‏ ولكم كان مثيرا للتأمل‏..‏ ان تأتي الفرحة الصادقة والابتهاج الغامر بسعادة قلبين جريحين من جانب الجيران والأصدقاء وليس من الأصل وذوي القربي‏.‏ لكن كل ذلك قد مضي الي سبيله واصبح من الذكريات‏,‏ ولعله قد اصبح أيضا من تحديات السعادة التي تشحذ رغبتكما المشتركة دانما في الحفاظ عليها والدفاع عنها ضد ظنون المستريبين‏..‏

والصوفية يقولون لنا في بعض كلامهم الجميل ان المحبة هي الموافقة أي الطاعة له فيما أمر‏,‏ والانتهاء عما زجر‏,‏ والرضا بما حكم وقدر‏.‏ ولقد رضي كل منكما بما قدر له ربه وحكم‏..‏ فكان حقا علي السماء أن تستجيب لدعائه بأن ينزل إليه ربه من الخير ماهو فقير إليه‏..‏ وهذا الدعاء المفضل لديك بالمناسبة هو من دعاء سيدنا موسي عليه السلام وقد ورد في الآية‏24‏ من سورة القصص‏,‏ في سياق قصته حين فر من مصر عقب قتله لمن كان يقتتل مع أحد أبناء قومه وتوجه الي مدين خائفا يترقب وداعيا الله ان يهديه سواء السبيل‏,‏ فرأي عند ماء مدين زحاما غفيرا وامرأتين تتراجعان عنه يائستين من السقيا‏,‏ فسقي لهما ثم أوي الي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير أي اني في حاجة الي ماتسوقه إلي من خير ورزق فكانت هذه الضراعة بداية لما أنزل الله إليه من خير عميم بدأ بزواجه من إحدي الفتاتين‏.‏ وتوج بنزول الرسالة عليه في طريق عودته لمصر حين آنسي في الطريق نارا ناحية جبل الطور فتوجه إليها ليأتي من عندها بخبر عن الطريق أو جذوة منها يستدفيء بهأ أهله‏..‏ فاذا به يسمع نداء علويا يقول له‏:‏ إني أنا الله رب العالمين

فهنيئا لكما ماأنعم به عليكما ربكما من خير حميم‏..‏ وبشري لكما باصراركما‏..‏ المشترل علي نيل السعادة والحفاظ عليها وعدم والفريط فيها ذلك انه بقوة الرغبة في السعادة وبالفهم الصحيح لحقائق الحياة ومايستحق منها أن يتمسك به الإنسان ويسعي إليه ومالا يستحق ذلك‏,‏ يكون عمق السعادة والهناء في حياته‏..‏ ويكون الأمل والعزاء عن كل الأحزان‏!‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 41038‏1999ابريل 16‏30 من ذى الحجة 1419 هـالجمعة

جفاف النبع

أنا زوجة وأم تزوجت منذ ثماني سنوات من رجل طيب وكريم الخلق ويرعي الله في عمله‏,‏ وعشنا معا حياة دافئة بالحب والمودة والحنان‏,‏ بفضل حبي لزوجي وحب زوجي لي‏,‏ الي جانب طبيعته المرحة والودودة‏,‏ فلقد اسبغ زوجي علي حياتنا قدرا كبيرا من البهجة بطيبته وخفة روحه‏..‏ وحبه لي‏..‏ وكان دائم الضحك والمرح والمعبثة معي‏..‏ وولا يكف عن مغازلتي كل يوم بكلمات الحب الجميلة كأننا خطيبان في فترة الخطبة الأولي‏..‏ بل وكان أيضا يكتب الشعر في حبي ويقرأه علي لأنه من هواة كتابة الشعر وإلقائه‏..,‏ وبعدانجابي لطفلي الثاني وجدت أنني لا استطيع الاستمرار في عملي كموظفة حكومية وحصلت علي اجازة بدون مرتب لكي أرعي الطفلين ثم أنجبت الطفل الثالث فأصبحت مسئوليتي أكبر ومددت الأجازة لفترة أخري لكي أقدم لأطفالي مايحتاجون إليه من رعاية واهتمام وحنان‏..‏

ومضت بي الحياة حافلة بالمشاغل اللذيذة من رعاية الأطفال‏..‏ وتلبية مطالبهم وفض اشتباكاتهم الصغيرة‏..‏ وتنظيم أوقات طعامهم‏..‏ ولهوهم‏..‏ ونزهاتهم‏,‏ وزوجي يرجع من عمله فيتفرغ لمداعبة الأطفال‏..‏ ومداعبتي‏,‏ ويصطحبهم لشراء الحلو واللععب الصغيرة أو لشراء متطلبات البيت‏,‏ ومن حين لآخر يدعونا للخروج كلنا في زيارة عائلية أو الي إحدي مدن الملاهي‏..‏ أو الي المشي في الشارع بلاهدف‏..‏ ويجد دائما ما يعلق عليه بظرف وخفةدم فتمضي نزهتنا في مرح حتي نعود‏..‏ ومنذ عام واحد رحلت عن الحياة والدته يرحمها الله فحزن لرحيلها وبكي كثيرا وغابت الضحكة عنوجهه‏..‏ وشاركته حزنه وتعاطفت معه‏,‏ وبدأ يكثر من السفر الي بلدته‏,‏ ليزور أخويه اللذين يكبرانه واللذين ربياه من بعد أبيه حيث مات والده وهو طفل صغير‏,‏ ويزور قبر والدته ويرجع واجما حزينا‏,‏ فأرقبه في اشفاق وأدعو له الله أن يترفق به‏.‏

وانتظرت أن يتخفف زوجي الحبيب منحزنه مع الأيام وبدأ بالفعل يستعيد بعض حماسه السابق بعد عدة أسابيع‏,‏ فاذا به يصدم صدمة أخري برحيل شقيقه الأكبر عن الحياة‏..‏ وازدادت أحزانه بدلا من أن تهدأ‏,‏ ورجع للسفر اليبلدته كل خميس ليرعي شئون أسرة شقيقه ويزور قبور الراحلين ويرجع من رحلته حزينا مهموما‏..‏

واشتد اشفاقي علي زوجي مما يشعر بهمن وحشة وألم لفراق والدته وشقيقه الذي كان يعتبره أبيه‏..‏ وتمنيت أن تسرع الأيام في سيرها لكي تبعد الذكري وتهدأ الأحزان‏..‏ لكن الأيام جاءت بما لا تشتهي السفن وصدم زوجي صدمته الثالثة بعد بضعة شهور أخري‏..‏ ففجع برحيل شقيقه الذي يلي أخاه الأكبر في السن بغير سابق انذار‏..‏ فاستقرت الكآبة في نفسه‏..‏ وانشغل بالسفر كل بضعة أيام الي بلدته ليرعي شئون اسرتي شقيقيه‏..‏ وبيت العائلة ومصالح الأسرة لأن شقيقه الأصغر لا خبرة له بالتعامل مع المصالح الحكومية‏..‏

وشجعته علي القيام بواجباته العائلية تجاه أسرته‏..‏ وتحملت غيابه وبعده عنا في صبر والتمست له العذر في انشغاله بشئون عائلته لأنه يمر بظروف قاسية‏..‏ ولأن أخويه اللذين رحلا عن الحياة بعد أمهما في فترة قصيرة كانا الي جانب أمه كل شيء له في لحياة‏..,‏ لكن المشكلة اتخذت شكلا آخر أدي الي تغير صورة الحياة في أسرتنا‏..‏ فلقد تغيرت أشياء كثيرة فيشخصية زوجي خلال هذا العام‏,‏وبعد أن كان دائم الضحك والمرح والدعابة‏..‏ أصبح دائم الحزن والاكتئاب والتجهم‏..,‏ وبعد أن كان هاديء الطبع طويل البال أصبح ضيق الصدر وشديد العصبية ويثور وينفعل لأتفه الأسباب‏..‏

وبعد أن كان يغازلني كليوم بأجمل كلمات الحب ويكتب الشعر في حبي أصبح صوته يعلو علي بكلمات قاسية‏..‏ ويسبني بألفاظ بشعة‏,‏ بل لقد رفع يده علي لأول مرة في حياته خلال الفترة الأخيرة عدة مرات‏.‏

كما أنه أهمل مظهره وملابسه وصحته بالرغم من أنه يعاني من ألم في الكلي وصداع دائم في الرأس‏..‏

فظللت الكآبة والحزن حياتنا التي كانت مليئة بالحب والضحك والبهجة‏..‏ ولم يعد زوجي يهتم بتلبية مطالبالبيت‏..‏ أو يترك لي نقودا كافية‏,‏ وأصبحت بالنسبة له كقطعة الأثاث التي بلا مشاعر ولا أحاسيس‏..‏

وجف نبع حنان زوجي وحله لي مع أنني في أشد الحاجة اليهما لأنني وحيدة في الحياة ورحلت أمي عن الدنيا من زمن بعيد وغادر أبي البلاد وسافر بعيدا وتزوج في غربته‏..,‏ولم يعد أمامي سوي الصبر علي زوجي والأمل في عودته للاهتمام بزوجته وبيته‏..‏ فهل تكتب له كلمة تناشده فيها أن يرجع الي ما كان عليه‏..‏ وتقول له أن زوجته وأطفاله الثلاثة في أشد الحاجة اليه وان ما يحتاجونه لابد أن تكون له الأولوية لديه عن أي شيء آخر مهما كانت الواجبات والمسئوليات الأخري‏.‏

انني أدعو الله كل يوم أن يخفف عنه ويرده الينا واتساءل في حسرة أين أيام المرح والغزل والعشرة الطيبة‏..‏ وهل سترجع مرة أخري‏!‏

: ولكاتبة هذه الرسالة أقول

نعم سترجع بإذن الله‏..‏ ولكن بعد أن تقوم الأيام بدورها المقدور في مداواةالجراح‏..‏ وتهدئة الأحزام‏,‏ فكل شيء في الحياة يولد صغيرا ثم يكبر إلا الأحزان فإنها تولد كبيرة ثم تضمحل تدريجيا حتي تهدأ وتتحول الي شجن رفيق لايحول بين صاحبه وبين ابتهاجه بالحياة‏..‏ وليس من صحة النفس والوجدان ان يبتسر الانسان هذه الدورة الطبيعية أو يتعجل انقضاء مراحلها قبل الأوان‏,‏وانما عليه أن يرعي حزنه في صمت وصبر حتي يستوفي دورته محتسبا أسباب أحزانه عند ربه وداعيا إياه أن يخفف عنه ما يضيق به صدره‏.‏

أمانبع الحنان الذي جف في قلب زوجك‏..‏ فإن ماء النبع قد يغيض اذا شحت موارده الطبيعية‏..‏ لكنه قد يفيض كذلك من جديد كسابق عهده أوأغزر اذا تلقي شحنه اضافية من مصادره الجوفية‏.‏ ومهمتك الآن ياسيدتي هي أن تعيني ماء هذا النبع علي التدفق من جديد بصبرك علي أحزان زوجك وتعاطفك معه‏..‏ وتسامحك مع ما طرأ علي روحه وشخصيته من تغيرات جوهرية صنعتها هذه الأحزان المتتالية خلال فترة قصيرة من الزمن‏.‏ اذ يبدو لي انك قد تعجلت قبل الأوان عودة زوجك الي طبيعته المرحة السابقة معك‏,‏ وتفرغه الكامل لأسرته واطفاله‏..‏ ومداعباته الماضية وغزله الرقيق لك كل يوم‏,‏ وانحيت عليه باللائمة لانصرافه عنك وعن أسرته الي الانشغال بشئون عائلته ومسئولياته الأدبية والمادية الجديدة في وقت مبكر بالنسبة لمثلهذا الحساب والعتاب‏,‏ ففتح ذلك باب الجدال والشقاق بينكما وفوجئت أنت بردود فعله الانفعالية والعصبية لمثل هذا اللوم الذي يبدو له كنوع من عدم التقدير لظروفه الجديدةمن جانبك أو كنوع من الأنانية الشخصية في ظروف تتطلب منك بعض الصبر وبعض التضحية‏..‏ وغاب عنك في شدة تلهفك الياستعادة الأيام السعيدة الخالية مع زوجك وغزله الشعري والنثري لك كل يوم‏,‏ ان التعاسة كما يمكن أن تقرب بين الناس حين يتعاطفون معمن يعانيها‏..‏ فإنها أيضا يمكن أن تفرق بينهم اذا استشعر المهمومون قلة صبر المقربين منهم علي همومهم‏,‏ أو عدم احترامهم لأحزانهم‏.‏

والأحزان الكبيرة تورث صاحبها فتور الروح تجاه ما كانت تبتهج له قبل أن تداهمه عاصفة الهموم‏,‏ وتورثه قلة الصبر علي الجدال والخلاف والمضايقات‏,‏ وتكسبه ضيق الصدر والحدة والانفعالية الشديدة‏..‏ ولهذا فإن أفضل ما تتعاملين به مع زوجك الآن هو الصبر علي ما أغور روحه من فتور تجاه الأشياء‏..,‏ والتسامح مع عصبيته وانفعاليته الطارئة التي لاتعبر عنشخصيته الحقيقية بدليل سجله السابق معك طوال سنوات الزواج‏,‏ وتجنب الجدال والشقاق معه‏,‏ وتأجيل المطالب والمحاسبة واللوم الي أن تهدأ فورة أحزانه‏..‏ ويتقبل واقعه الجديد ويتآلف معه‏..,‏ ومحاولة اشعاره بالتضحية ببعض اعتباراتك الشخصية مراعاة لأحزانه ومسئولياته وهمه الذي يفعل الكثير بروح الانسان وليس بجسمه فقط‏..‏ حتي قال عنه المتنبي في أشعاره

الهم يخترم الجسم نحافة ............................................ ويشيب ناصية الصبي ويهرم

وقال عنه الانجليز في أمثالهم انه الشيء الوحيد الذي يقتل القطة التي اشتهرت عند العامة بأن لها سبع أرواح‏.‏

ولهذا فإن المحزون يحتاج الي التعاطف والتسامح معه والصبر عليه أكثر مما يحتاج الي كل ذلك خالي البال‏,‏ وليس الي التشاحن معه والشقاق والمحاسبة والعتاب‏,‏ أما أيام السعادة والمرح وكلمات الغزل الرقيقة فلسوف تعود مرة أخري الي حياتك‏,‏ وبقدر ما تصبرين علي زوجك حتي يتجاوز هذه الفترة العصيبة من حياته‏,‏ فالقلب الطروب لايفقد ابتهاجه بالحياة الي غير رجعة اذا اعتصرته بعض آلام الحياة‏..‏ وإنما يخلص الحزن لما يستحق منه الحزن له‏..‏ ثم يستعيد عافيته من جديد واقباله علي الحياة بعد فترة ملائمة من الوقت‏,‏ ويخلص الابتهاج أيضا بما يدعو الي البهجة والاحتفاء به من أسباب الحياة‏.‏

فاصبري ياسيدتي وانتظري

فإن قضي اليوم وما قبله .......................................... ففي الغد الحي‏..‏ صباح الحياة‏!‏

كما يقول أبوالقاسم الشابي‏..‏ وشكرا

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

السنة 123-العدد 41045‏1999ابريل 23‏7 من محرم 1420 هـالجمعة

النظرة العميقة‏!‏

أنا سيدة في العشرينيات من العمر علي قدر كبير من الجمال‏,‏ ومن أسرة فاضلة حظيت في احضانها بطفولة سعيدة‏,‏ وحياة هادئة بين أبي وأمي وإخوتي الثلاثة الذين يكبرونني‏,‏وقد تخرجت في كلية العلوم بإحدي جامعات الاقاليم وتقدم لي خطاب كثيرون لم أشعر تجاه احدهم بالقبول النفسي‏,‏ إلي أن تقدم لي شاب ما إن رأيته لأول مرة حتي شعرت بأنه الرجل الذي انتظرته طوال سنوات عمري‏,‏ وشعرت نحوه بميل شديد ورأيت فيه كل السمات والميزات التي ترجحه علي غيره من الشباب فهو ضابط شاب وعلي خلق كريم ووسيم للغاية وقوامه فارع ويتمتع بخفة ظل وجاذبية لا تقاومان‏,‏ كما أنه وهو الأهم حنون وعطوف ورقيق المشاعر ويحظي بحب الجميع‏,‏ وتمت الخطبة وتعمقت الروابط بيني وبين خطيبي إلي حد أن شعرت بأن التطابق التام بيني وبينه في الافكار والآراء والرغبات‏,‏ وبعد عام وسبعة أشهر من الخطبة تم الزواج في حفل كبير كنا فيه معا أجمل عروسين‏,‏ وبدأنا حياتنا الزوجية فاكتشفت أن هناك أنهارا أخري من السعادة لم تكن في الحسبان وشعرنا بأننا نمسك بالسعادة بأيدينا‏,‏ وتوالت ايامنا الجميلة معا وزوجي الحبيب يغمرني بحبه وعطفه وحنانه ويغدق علي بكلماته الرقيقة عن هيامه بي وسعادته معي إلي حد أن تتلألأ عيونه بدموع الحب وهو يقول لي ذلك‏,‏ ومنه تعلمت كيف يكون التفاني في إسعاد الحبيب‏.‏

وكيف يكون العطاء الغامر له دون انتظار المقابل‏,‏ وافرط زوجي معي في كل شئ جميل فأفرط في حبه الذي جعلني أشعر بأن الحب قد خلق خصيصا من أجلي‏,‏ وفي اهتمامه بي الذي يفوق اهتمام الأم بوليدها‏,‏ وفي تدليله لي الذي أشعرني بأنني طفلته الوحيدة حتي أصبح بالنسبة لي العمود الفقري لحياتي وشخصيتي‏.‏

ومع كل هذه السعادة فقد كنا نشفق من أن يكون لها ثمن غال لكننا كنا نرجع إلي الطمأنينة حين نقول لأنفسنا إننا ندفع هذا الثمن بالفعل من خوف كل منا علي الآخر‏,‏ إلي حد الجنون‏,‏ وفي ذلك الكفاية كل الكفاية‏,‏ إلي أن جاء يوم واستعد زوجي للسفر إلي عمله كالعادة وودعني بحنانه الغامر ثم نظر إلي نظرة عميقة طويلة لم آلفها منه من قبل وقبلني وحمل حقيبته الصغيرة وخرج‏,‏ وجلست أنا في البيت انتظر مكالمته المعتادة لي بعد وصوله لمقر عمله ليطمئتي عليه ويخبرني كعادته بأنه يفتقدني ويشعر بوحشة شديدة في بعده عني‏,‏ لكن الانتظار طال هذه المرة بغير أن يرن جرس التليفون‏,‏ وحين رن في النهاية كان النذير اللعين الذي نقلني في لحظة من السعادة إلي الجحيم‏,‏ فلقد تعرض زوجي لحادث تصادم مشئوم خلال سفره إلي عمله ونقل إلي المستشفي في حالة خطيرة‏,‏ وهرولت إليه هناك ورأيت آثار الحادث اللعين في وجهه الجميل وساقه المكسورة‏,‏ وتعلقت بالأمل في أن ينجو من المحنة ونرجع معا لاستئناف ايامنا الجميلة التي لم نرتو منها بعد‏,‏ لكن الأيام توالت ووجوه الاطباء لاتحمل لي اي بشير‏,‏ وبعد أسبوع قضاه في المستشفي صعدت روحه الطاهره إلي بارئها وقبل أن يختتم عامه الثامن والعشرين وبدلا من أن نحتفل بعيد زواجنا الأول في الفندق الذي شهد حفل زفافنا السعيد‏,‏ كما كنا نخطط قبل أيام قليلة احتفلت وحدي بهذه الذكري الحسيرة أمام قبره‏,‏ وأنا ارتدي السواد وقد نضبت دموعي من كثرة مابكيته خلال الأيام السابقة‏,‏ لقد كنت اخشي وأنا في قمة سعادتي أن تكون لهذه السعادة ضريبة فادحة‏,‏ لكني لم اتصور أن تكون هذه الضريبة هي وأد السعادة نفسها‏,‏ والحسرة عليها للأبد ومشكلتي التي اكتب لك عنها الآن هي اشتياقي الشديد إلي زوجي الحبيب الذي مازال عقلي الباطن يرفض أن يصدق أنه قد رحل عني إلي الأبد وميشتي له في كل لحظة من صحوي ونومي وفي انني قد فقدت الرغبة نهائيا في الكلام‏,‏ فاذا اضطرتني ضروريات الحياة إلي النطق ببضع كلمات فإني اشعر باختناق شديد بعدها وبرغبة عارمة في الصراخ‏..‏ كما أنني استجدي النوم كل ليلة بلا طائل فلا يزورني شبحه الا كل بضع ليال‏,‏ وإذا استسلمت له رأيت زوجي واستأنفت معه أيامنا الجميلة المنقضية وصحوت من غشيتي وأنا مجهدة كأنما كنت اصعد جبلا عاليا‏.‏

لقد قررت ان احيا مابقي لي من عمر علي وفائي له‏..‏ ولو أن ذلك وحده لن يفي بحقه علي‏,‏ لكني أريد أن استعيد قدرتي علي الكلام والنوم وتقبل الحياة لكي استطيع مواصلة المشوار وقد نصحني اهلي باللجوء إلي الطبيب النفسي‏,‏ لكني تذكرت انني وزوجي كنا في ايامنا الجميلة نقرأ بابك ونتبادل الرأي فيما تنشره فيه‏,‏ وأنه كان يقول لي عنك إنك كالطبيب النفسي الذي يعالج مريضه في جلسة واحدة‏,‏ فشعرت وكأنه ينصحني بأن الجأ إليك انت لكي تقول لي كلمة تعينني بها علي الحياة فارجو الا تبخل علي بها والسلام عليكم ورحمة الله‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

توقفت في رسالتك الحزينة هذه أمام أشياء كثيرة‏,‏ لكني اطلت الوقوف فيها امام هذه النظرة العميقة التي وجهها إليك زوجك الراحل قبيل خروجه إلي قدره المحتوم وكأنما كان يملأ بها عينيه منك قبل أن يغيب عنك إلي الأبد‏!‏ وتجددت تأملاتي الحائرة لما يقال عن هذا الشعور الغامض الذي يراود بعض ذوي الشفافية بقرب النهاية وكأنهم يسمعون دون غيرهم انغام الرحيل فهل يكون زوجك الشاب قد سمع هذا النداء الغامض وهو يودعك قبيل خروجه إلي قدره المقدور‏!‏ ام تري أننا نفسر احيانا بعض اشارات الاعزاء الراحلين عنا بما يتوافق مع اقدارهم الحزينة فيما بعد‏,‏ وحزننا الشديد عليهم؟

لقد روي الشاعر الألماني جوته في إحدي قصائده ان طفلا كان يسير إلي جوار ابيه فانتابه الفزع فجأة وتعلق بصدر ابيه ليحميه من صوت خفي يغريه بأجمل الهدايا والألعاب كلما يذهب إليه ويمضي معه‏,‏ فظن الأب حديث ابنه هزلا ولم يأخذه مأخذ الجد‏,‏ يكن اراد ان يطمئنه فحمله علي صدره وراح يهدئ روعه طوال الطريق فما إن بلغ به باب البيت حتي كان الطفل قد فارق الحياة‏!‏

غير اني علي اية حال لا أريد أن استسلم لخواطري وتأملاتي بعيدا عن رسالتك المحزنة وأقول لك فقط ان بعض البشر قد تعوضهم السماء عن قصر رحلتهم في الحياة بأن تجعل سعادتهم فيها حقيقية ومكثفة‏,‏ فكأنما قد عاشوا بقدر سعادتهم هذه حياة عريضة وممتدة‏,‏ وكثيرون من البشر يتفقون مع الرسام الإيطالي الشهير موديلياني حين قال‏:‏ اتمني ان احيا حياة قصيرة ولكن حافلة وسعيدة‏!‏

غير أننا لا نختار لأنفسنا اقدارنا‏,‏ وإنما نحيا حياتنا كما ارادتها لنا السماء‏,‏ ونمضي عنها حين تؤذن شمس العمر بالمغيب‏.‏

وفي كل الاحوال فمن واجبنا أن نتقبل حياتنا ونتواءم معها ونعين انفسنا علي اجتياز المحن والفترات العصيبة التي تعترضها بأقل الخسائر النفسية والصحية الممكنة‏.‏

وليس كالإيمان بالله سبحانه وتعالي والتسليم المطلق بقضائه وقدره من معين للإنسان علي اجتياز اوقاته العصيبة والتطلع لما بعدها من جوائز السماء للصابرين والمبتلين‏,‏ والإيمان الصحيح كما يقول الاستاذ مصطفي صادق الرافعي هو بشاشة الروح واعطاء الله الرضا من القلب ثقة بوعده ورجاء لما عنده‏,‏ ومن هذين يكون الاطمئنان‏.‏

وإذا كنا لا نستطيع ان نقتلع الاحزان من نفوسنا‏,‏ بمجرد الرغبة في ذلك‏,‏ فاننا نستطيع علي الجانب الآخر مراوغتها وتضييق الحصار عليها بالتشاغل عنها والاندماج في النشاطات المختلفة التي تصرف الذهن إلي غيرها من شئون الحياة بعض الوقت‏.‏

وأفضل ما يشغل العقل عن احزانه هو العمل والانغماس في النشاطات الاجتماعية والعائلية والوجود بين الآخرين ومراودة النفس علي مشاركتهم اهتماماتهم والاستجابة لمحاولاتهم الطيبة لشغل المحزون عن احزانه‏,‏ وتجنب الوحدة لفترات طويلة وتفادي الفراغ من كل عمل أو نشاط‏,‏ لأن الطبيعة ضد الفراغ‏,‏ كما تقول لنا مبادئ علم الطبيعة‏,‏ ولأن العقل البشري كلمبات الكهرباء المفرغة من الداخل إذا ثقبت تسلل إليها الهواء علي الفور وشغل فراغها‏..‏ وكذلك العقل البشري الذي إذا خلا تماما مما يشغله تسلل الهم والفكر إليه وشغلا كل فراغه‏.‏

اما الحياة فلسوف تمضي في طريقها المقدور لها سواء تقلبنا اقدارنا فيها وتواءمنا معها أم لم نفعل‏,‏ غير أنه من واجبنا تجاه انفسنا دائما أن نركب قطار الحياة مهما تكن العثرات وألا نتجمد عند احزاننا إلي مالا نهاية‏.‏

ففكري في كل ذلك واجعلي من ذكري السعادة الغالية مع زوجك الراحل دافعا جديدا لك للحياة فنحن نستعين كذلك بذكري السعادة علي تحمل الأحزان وقد نغبط انفسنا في بعض الأحيان إن كانت لنا في سابق الأياام ذكريات سعيدة وجميلة‏,‏ ولم تكن حياتنا خالية تماما من كل عزاء‏,‏ كما أن الاعزاء الراحلين لا يسعدهم أبدا ان نهلك بعدهم حزنا عليهم‏,‏ وانما تطمئن ارواحهم في ملكوت السماء حين نواصل الحياة من بعدهم في شجاعة ونصمد لآلامها في صبر‏.‏

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

41052‏السنة 123-العدد1999ابريل30‏14 من محرم 1420 هـالجمعة

الاختيار القهري‏!‏

أرجو أن أجد لديك ما أحتاج إليه من مشورة تعينني علي الخروج من بحر الحيرة‏..‏ فأنا سيدة في الثامنة والعشرين من عمري وقد نشأت بين أبوين متحابين وعشت حياة هادئة وادعة وتمتعت دائما بحب أبي وأمي وأخي الأصغر وأهلي‏..‏ وتعودت منذ صغري أن أسمع كلمات الإعجاب بجمالي داخل أسرتي نفسها ومن الآخرين‏..‏ وحرصت والدتي منذ صغري علي تعليمي فروض ديني‏,‏ فنشأت علي الصلاة والصيام والاحتشام في مظهري‏,‏ وبدافع تلقائي في أعماقي وجدت نفسي أقرر ارتداء الحجاب وأنا في سن السادسة عشرة من عمري‏,‏ وفاتحت أمي برغبتي في ذلك فسعدت بها كثيرا وطلبت مني أن أستشير أبي أيضا في ذلك‏,‏ وتحدثت إليه عن رغبتي فشاعالرضا في وجهه‏,‏ ثم سألني هل هذه الرغبة نابعة من نفسي أم حثني عليها أحد؟‏,‏ فأجبته بأنها رغبة صادرة عني وأن كل صديقاتي المقربات بالمدرسة قد تحجبن من تلقاء أنفسهن ويواظبن علي الصلاة والصوم مثلي‏..‏ وأرغب في أن أنال رضا الله مثلهن فقبلني في جبهتي ودعا لي بالخير والسعادة‏,‏ وازداد حبا لي واقترابا مني‏,‏ وأصبح منذ ذلك اليوم يقول لي وللجميع إنني درة ثمينة لن يفرط فيها إلا لمن يعرف قيمتها‏,‏ والغريب أن ارتدائي للحجاب قد زادني جمالا‏,‏ وأكسبني مزيدا من الحب والاحترام‏,‏ ولم تمض بضعة شهور حتي فوجئت بأمي تبلغني بأن عمتي ترغب في خطبتي لابنها الذي يدرس بالسنة النهائية بكلية الهندسة‏,‏ وأن أبي قد اعتذر لها لصغر سني‏,‏ وبعد أسابيع أخري أبلغتني برغبة ابنة عمها في خطبتي لابنها ورفض أبي للسبب نفسه‏,‏ ثم تكررت هذه القصة أكثر من مرة خلال السنة الأخيرة من دراستي الثانوية وكان رأي أبي دائما هو أنني مازلت صغيرة وأنه لا يريد التسرعفي هذا الأمر لكيلا يسيء الاختيار‏,‏ ووافقت أبي علي ما رآه والتحقت بكليتي الجامعية‏,‏ ومضت حياتي هانئة وسعيدة‏,‏ وفي عامي الثالث شعرت بالتجاوب العاطفي مع شقيق إحدي صديقاتي‏,‏ وهو محاسب متدين ووسيم وعلي خلق كريم‏,‏ وصارحت أمي بذلك فوعدتني بمساندتي عند أبي حين يتقدم إلي‏,‏ وبدأ هذا الشاب يستعد لخطبتي وطلب مني الصبر عليه عاما آخر لكي يكون قادرا علي توفير متطلبات الزواج‏..‏ ووعدته بذلك‏,‏ لكن شيئا جديدا ظهر في حياتي وهدد أمانها وهدوءها‏,‏ فلقد كان هناك شاب مستهتر يلاحقني منذ فترة بإلحاح شديد ويطاردني بسيارته خلال ذهابي للكلية وعودتي منها‏..‏ ويحاول فرض نفسه علي بكل الطرق وأنا أتجاهله وأتفادي شره لعلمي بسوء سلوكه وسمعته‏,‏ وكان هذا الشاب قد حصل علي شهادته الجامعية بعد رسوب عدة سنوات‏,‏ وشارك أباه في عمله التجاري‏,‏ وقد أعجب بي وراح يلاحقني وكلما تمسكت بتجاهله ازداد إصرارا علي ملاحقتي كأنما قد عز عليه أن ترفضه فتاة وهو المرغوب من غيرها‏,‏ وبعد محاولات مستميتة بدأ يرسل لي رسائل شفوية عن طريق صديقاتي بأنه لن يتنازل عني مهما فعلت وأنه سيتقدم لخطبتي فإذا رفضته فإنه سوف يشن علي حربا شعواء ويشوه سمعتي ويشيع عني أشياء غير حقيقية ليثبت بها استهتاري وسوء أخلاقي‏!‏ وسمعت هذه التهديدات من بعض صديقاتي فتملكني الغضب والحنق‏,‏ وازددت إصرارا علي رفضه‏.‏

فإذا به يتقدم بالفعل لخطبتي‏,‏ وسألني أبي عن رأيي فصارحته برفضي له لسوء أخلاقه وتعدد علاقاته مع الفتيات ولعدم تجاوبي معه‏.‏ واعتذر أبي للشاب ووالده‏,‏ فكان ذلك بداية للحرب القذرة من جانبه ضدي‏..‏ فقد راح يطاردني في كل مكان ويحاول محادثتي‏,‏ ويتوعدني بأنه سيحول حياتي إلي جحيم ونفذ تهديده بالفعل فراح يرسل الخطابات القذرة لأبي وأخي وأهلي وأسر صديقاتي يتهمني فيها في شرفي ويحذر آباء صديقاتي من السماح لبناتهن بمصادقتي‏,‏ ووجدت نفسي أسمع كل يوم قصة جديدة من هذا النوع وأبكي من شدة القهر والإحساس بالظلم‏,‏ وتكدر صفو حياتنا جميعا وغضب أبي غضبا شديدا وتوجه لوالد الشاب وأطلعه علي الرسائل التي تلقاها وشكا إليه مما يفعله ابنه‏,‏ وغضب الرجل غضبا شديدا واستدعي ابنه وكاد يبطش به‏,‏ وهدده بأنه سوف يشهد ضده في قسم الشرطة إذا شكاه أبي إليه‏,‏ فإذا به يقول لأبيه مشيرا إلي والدي‏..‏ ولماذا لا يوفر علي نفسه وعلي ابنته هذه المتاعب‏,‏ ويزوجني منها؟ فكاد أبي المعروف دائما بهدوئه أن يجن لوقاحته‏..‏ وانصرف غاضبا وثائرا‏,‏ لكنه لم يتقدم بشكوي ضده إلي الشرطة حرصا علي سمعتي‏,‏ وتعاطفا مع والد الشاب الذي حار معه‏.‏

وفي هذه الفترة تقدم فتاي لأبي ورحبت به وبدأنا نستعد لإعلان الخطبة‏..‏ فجن جنون هذا الشاب المستهتر ولاحق خطيبي في الشارع أكثر من مرة وافتعل الأسباب للاصطدام به‏,‏ وكاد يصدمه في إحدي المرات بسيارته في الشارع‏.‏

ولم يكتف بذلك وإنما راح يرسل الرسائل القذرة إليه وإلي والدته وإخوته المتزوجين وشقيقاته‏,‏ يخوض فيها في عرضي ويتهمني ـسامحه اللهـ بأنني لست عذراء وأن حجابي ليس سوي مظهر خداع للتستر علي حقيقتي المدنسة‏!‏

وبلغني ذلك فانهرت‏..‏ ولزمت الفراش بضعة أيام وخيم الحزن والاكتئاب علي حياتنا‏,‏ وشعرت أمي بالخوف الشديد ليس فقط علي‏,‏ وإنما علي شقيقي الأصغر الذي أقسم أن ينتقم من هذا الشاب المستهتر ولو أدي الأمر دخوله السجن ثمنا لذلك‏,‏ وبات أبي في هم شديد‏..‏ وحصل علي إجازة من عمله ليلازم أخي ويمنعه من الإقدام علي عمل يضيع مستقبله‏..‏ واضطر لمراقبته ليل نهار‏,‏ كما منعه من الخروج إلي كليته بضعة أيام‏,‏ وأخذ عليه العهود المغلظة بألا يفعل ما يزيد به من متاعبنا‏..‏ وفعلت أنا أيضا نفس الشيء معه‏..‏ وقبلت رأسه وتوسلت إليه ألا يضاعف من عذابنا بالخوف عليه‏.‏

لكني شعرت بأنه يسايرنا لطمأنتنا‏..‏ وأنه سوف يقدم علي ما يفكر فيه بمجرد اطمئنانه إلي عدم مراقبتنا له‏,‏ خاصة وهو قوي الجسم ورياضي وله أصدقاء رياضيون مثله‏.‏

وفكرت أنا طويلا فيما أفعله لأحمي أخي وأسرتي من هذا العناء‏..‏

وبعد يومين من التفكير المتصل‏,‏ خرجت علي أبي وأمي بقرار غريب هو قبولي لخطبة هذا الشاب المستهتر والاعتذار للآخر الذي أحببته عن عدم الارتباط به‏!‏

وأعلنت قراري لأسرتي‏,‏ فجن أبي وغضبت أمي وشقيقي‏..‏ وحاولوا إثنائي عنه بكل السبل لكني صارحت أمي وحدها بأن هذا الشاب لن يدعني في حالي مهما فعلت وقد حول حياتي إلي جحيم وأنا بين أبي وأمي وفي حمايتهما‏..‏ وسيواصل ذلك أيضا وأنا زوجة‏,‏ ومادام الأمر كذلك فليكن زواجي منه تضحية مني لحماية أسرتي‏,‏ ومن يدري فلعله لم يفعل ما فعله إلا لأنه يحبني بصدق‏,‏ وإذا كنت أنا لا أحبه‏..‏ فربما أحبه في المستقبل‏.‏

واستمر الجدال بيني وبين أسرتي حول هذا الأمر شهرا كاملا وساهم في تليين موقف أبي‏,‏ أن والد هذا الشاب قد زاره بضع مرات معتذرا‏,‏ وراجيا قبول ابنه الذي لم يعد له من هدف في الحياة سوي الفوز بي آملا أن يكون ذلك سببا في انصلاح أحواله‏.‏

واعتذرت لفتاي الآخر وتحملت عتابه ولومه ودموعه‏..‏ وتحدد موعد قراءة الفاتحة مع الشاب المستهتر فبكيت بكاء مرا وشعرت بأنني أساق إلي مصير لا أستطيع الفكاك منه‏.‏

وتمت الخطبة في جو كئيب‏,‏ وكدت بعدها أتراجع عن استكمال المشوار لكن أشباح الجحيم الذي عشت فيه طوال العام السابق تراءت لي في مخيلتي وحطمت مقاومتي‏.‏

وقدم الشاب ووالده لأبي كل الإغراءات المادية لعقد القران وإتمام الزواج في أقرب وقت‏,‏ ولم تمض شهور حتي تم إعداد شقة الزوجية الفاخرة والزفاف‏.‏

وفي ليلة الزفاف شعرت بكراهية الدنيا كلها لهذا الشاب الذي أصبح زوجي لكني كتمت مشاعري في داخلي‏.‏

وشاءت رحمة ربي بي أن يعجز هو عن الوفاء بواجباته الزوجية إلا بعد أن اصطحبتني والدته ووالدتي إلي عيادة طبية للأمراض النسائية‏,‏ فرجعت من عندها وأنا أشعر نحوه بالاحتقار والانتصار‏..‏ وأريد أن أسأله أين تذهب من عقاب السماء علي ما افتريته علي ظلما وبهتانا‏.‏ ومضت حياتنا معا بعد ذلك في جفاء صامت من ناحيتي ومحاولات مستمرة من جانبه للتودد إلي والاعتذار لي عن كل ما فعله ضدي بأنه يحبني بصدق وأراد ألا يفوز بي أحد غيره‏..‏

وبعد عام وضعت طفلتي الوحيدة الجميلة‏..‏

ولم يغير مجيئها شيئا من برود العلاقة بيني وبينه‏..‏

بل ازدادت صمتا وجفاء ونفورا‏..‏

وبعد ميلاد الطفلة صارحته برغبتي في الانفراد بغرفة نومي دونه لكي أرعي المولودة‏,‏ وأتفرغ لها‏.‏

ولم يعترض علي ذلك كما لم يعترض علي شيء أردته طوال زواجنا‏,‏ ثم مات والده فشعر بالحزن الشديد عليه‏..‏ وداوم علي الصلاة لبعض الوقت بعد وفاته ثم انقطع عنها‏,‏ وشاركته الحزن علي هذا الرجل الطيب الذي لم أر منه سوي كل عطف واحترام منذ أن عرفته‏.‏

ومضي علي زواجنا ثلاث سنوات ولم يتغير الحال بيني وبينه‏..‏ فأنا أشاركه الزيارات العائلية والواجبات الأسرية‏..‏ وأقوم بواجباتي الزوجية تجاهه لكني لا أشاركه المشاعر العاطفية‏,‏ ولا أحب الخروج معه وحدنا‏,‏ وقد سعي هو بإخلاص خلال هذه السنوات إلي تحسين علاقته بأبي وأمي وشقيقي واعتذر لهم مرارا وتكرارا وقبل رأس أبي وأخي عدة مرات وتحمل جفاءهم ورفضهم إلي أن شعروا بالخجل من ذلك فبدأوا يتعاملون معه بروح جديدة‏.‏

كما لم يكف طوال هذه السنين عن محاولة استجداء مشاعري وتقديم القرابين لي لكي أغفر له ما فعل في حقي‏,‏ وقدم لي الكثير من الهدايا الثمينة فكنت أشعر في بعض الأحيان بشيء من العطف عليه‏,‏ وأشعر في أحيان أخري بثورة داخلية شديدة ضده حين أتذكر الحرب الشعواء التي شنها ضدي واتهاماته القذرة لي في شرفي‏,‏ وإرغامي علي الزواج منه والتخلي عن خطيبي الأول‏.‏

واكتسبت علاقتي به بعد أربع سنوات من الزواج طابعا من الاستقرار الذي لا حياة فيه ولا عاطفة‏,‏ فنحن لا نتشاجر ولا نتصادم‏,‏ ولكني أعيش في داخلي أكثر مما أعيش معه‏..‏ وأشاركه الأشياء في صمت وفتور بلا رغبة حقيقية‏.‏

ومنذ بضعة شهور رأيت خطيبي السابق بالمصادفة في مول تجاري مع شقيقته فتبادلنا التحية والأحاديث وشعرت في نظرة خطيبي السابق لي بالعتاب الصامت‏,‏ وعرفت من أخته أنه قد خطب فتاة لمدة عام ثم فسخ خطبته لها‏..‏ وأنه خاطب الآن فتاة أخري منذ بضعة شهور‏,‏ فرجعت إلي بيتي وأنا مضطربة المشاعر‏..‏ وانفجر بركان الغضب الصامت في أعماقي ضد زوجي‏,‏ واشتبكت معه في مشاجرة مفتعلة وثرت عليه ثورة هائلة‏,‏ وتركت طفلتي وبيتي ورجعت إلي بيت أبي بدعوي أنني سأستريح هناك بعض الوقت‏.‏

وفي اليوم التالي اتصل بي زوجي في التليفون ورجاني باكيا العودة للبيت من أجل طفلتي التي تفتقدني‏..‏ وأبدي استعداده لأن يغادر هو البيت إذا لم أكن أرغب في رؤيته‏.‏

ووجدت الغضب الهائل الذي تملكني فجأة يذوب أيضا فجأة‏,‏ ورجعت إلي البيت‏,‏ وواصلت حياتي معه‏..‏ ولاحظت بعد عودتي أشياء جديدة في شخصية زوجي‏.‏

فلقد لاحظت أنه قد انتظم في الصلاة لأول مرة في حياته‏,‏ وأنه شاركني لأول مرة أيضا صيام الأيام الستة البيضاء عقب العيد‏,‏ وشاركني كذلك صوم يوم الوقفة‏,‏ وأنه يبدأ يصوم تطوعا من حين لآخر كما لمست فيه أيضا تغيرات أخري‏..‏ إذ نهضت من نومي ذات ليلة لدخول الحمام فوجدته يصلي في الليل وحيدا وهو دامع العينين وفي حالة خشوع صادقة ورأيته بعد ذلك أكثر من مرة يصلي قبل نومه في حجرته ويقرأ القرآن ويستغفر الله كثيرا‏.‏

وعرفت من أحد العاملين معه جاء إلي ببعض مطالب البيت‏,‏ أنه يحرص علي الصلاة في مواعيدها خلال العمل وأن أخلاقه علي حد تعبيره قد تغيرت كثيرا خلال السنة الماضية وأصبح إنسانا آخر‏.‏

ولاحظت أيضا لأول مرة أن ابنتي الطفلة لا تتجاوب أبدا معه حين يلاطفها أو يحنو عليها وتسرع بالابتعاد عنه والالتصاق بي‏,‏ وأنه يشعر بنفورها منه ويتألم لذلك كثيرا‏.‏ وعجبت لنفسي كيف لم ألحظ ذلك من قبل‏..‏ وتساءلت عن السبب وأنا لا أذكره أمامها بسوء وبدأت أشعر بشيء من الأسي له وأسأل نفسي‏:‏ هل يحاسبني الله علي جفاء مشاعر ابنته له‏..‏ وهل يحاسبني علي هجري له‏,‏ وصمتي وفتوري الدائمين معه ومنذ فترة قصيرة فوجئت به يقول لي في هدوء إنه لا يريد أن يكرهني علي الحياة معه أكثر من ذلك‏,‏ وإنه يترك لي الخيار بين الاستمرار معه كزوجة كاملة‏,‏ أو الانفصال عنه‏,‏ ويؤكد لي أنه لن يعترض علي أي اختيار لي بل سيعينني عليه‏,‏ فإذا رغبت في الانفصال عنه فسوف يعطيني كل حقوقي بلا منازعة‏,‏ وسوف يترك لي ابنتي لأربيها في أحضاني‏,‏ وإذا تزوجت في المستقبل فلن يحول بيني وبين رؤيتها وستكون دائما ابنتي وأنا أمها‏.‏ وحدد لي مهلة لمدة شهر أفكر خلاله في أمري وأبلغه بعده بقراري النهائي‏.‏

ودار رأسي بما سمعت‏..‏ واستغرقني التفكير في أمري طوال الوقت واستشرت إحدي صديقاتي فقالت لي إنها فرصة ثمينة لكي أتخلص منه وأرتبط بالشاب الوحيد الذي كنت قد أحببته من قبل‏,‏ واستشرت أمي فنصحتني بالاستمرار معه لأنه تغير كثيرا وأصبح إنسانا طيبا ويحبني ويحترمني ويصبر علي الأذي مني‏,‏ وأيضا من أجل طفلتي التي لن تسعد بافتراقها عن أبيها أو عني‏.‏ وذكرتني أمي بأن زواجي منه كان قراري الشخصي واختياري الذي لم يرغمني عليه أحد‏.‏

وبالرغم من تأثري بكلامها إلا أنني ثرت في داخلي علي عبارة أنه لم يرغمني أحد علي الزواج منه‏,‏ وقلت لها بل إنه هو الذي أكرهني علي الزواج منه بالحرب القذرة والضغط المستمر‏,‏ وتحويل حياتي إلي جحيم‏..‏ لكن ذلك لم يخرجني من حيرتي ومازلت أتردد بين الميل للقبول بزوجي والاستمرار معه علي أسس جديدة من أجل طفلتي‏,‏ ومن أجل ما طرأ عليه من تغيرات إيجابية وما بدأت أشعر به من تقدير لحبه الكبير لي وصبره علي جفائي له كل هذه السنوات‏,‏ وبين الرغبة في إنهاء هذه الحياة الفاترة الصامتة والتحرر منها‏,‏ واختيار حياة جديدة لي بكامل إرادتي هذه المرة‏,‏ وليس تحت ضغط الظروف التي حكيتها لك‏..‏ فبماذا تشير علي يا سيدي‏..‏ وبماذا تنصحني أن أفعل؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏

الفرق بين الاختيار الحر للإنسان والاختيار القهري الذي تمليه عليه الظروف الملحة‏,‏ هو أن الاختيار الحر يكون بين بدائل شبه متقاربة يعتمد التفاضل بينها علي الترجيح بين الحسن والأحسن من وجهة نظر صاحب القرار ووفقا لاقتناعه العقلي وميوله العاطفية والنفسية‏.‏ أما الاختيار القهري فهو الذي تضيق فيه دائرة الاختيار بين بدائل لا وجه للمقارنة من الأصل بينها‏,‏ كأن يجد الإنسان نفسه في الطريق وسيارة مسرعة تقترب منه لتدهمه فيكون الاختيار الوحيد المتاح أمامه هو التجمد في موقعه لتصدمه السيارة‏,‏ أو القفز إلي الرصيف لينجو من الهلاك‏,‏ وبالرغم من أن الإنسان سوف يختار غريزيا النجاة من الخطر إلا أن اختياره هذا يعد اختيارا قهريا لا بديل لعاقل سواه وبالرغم من توافر عنصر الإرادة فيه‏.‏

وأحسب أن اختيارك لزوجك كان من قبيل هذا الاختيار القهري الذي لا تتوافر فيه حرية الإرادة الكاملة حتي ولو لم يرغمك عليه أحد من أهلك‏,‏ إذ كان بالنسبة إليك اختيارا بين الاستمرار في مكابدة الجحيم والحرب القذرة وتعريض شرفك وسمعتك وأسرتك وشقيقك للأذي‏,‏ وبين إيثار السلامة وطلب النجاة من هذا البلاء‏!‏ فإذا كنت قد لمتك علي هذا الاختيار لأنه كان هروبا من المعركة ونكوصا عن التمسك بحقك المشروع في الاختيار الحر لحياتك وتحمل تبعات ذلك إلي النهاية‏,‏ فإني علي الناحية الأخري ألتمس لك بعض العذر فيه بالنظر للظروف المحيطة والضغوط القاسية التي أحاطت بك عند الاختيار‏.‏

غير أنني أتصور أن هناك عاملا آخر قد رجح لديك هذا الاختيار القهري لا يقل أهمية عن الاعتبارات العائلية ورغبتك في إنقاذ نفسك وأسرتك من المتاعب‏.‏

فلقد كنت تخوضين معركة غير متكافئة للدفاع عن شرفك وسمعتك ضد من يفتري عليك السوء ويتهمك بأبشع الاتهامات‏,‏ وضاقت نفسك بهذه الحرب القذرة بعد طول معاناة‏,‏ ورغبت في تطهير نفسك وسمعتك من كل ما علق بها من هذه السهام الطائشة‏,‏ فرأي عقلك الباطن ـوربما الواعي أيضاـ أن أنجع وسيلة لدحض هذه الاتهامات الظالمة لك هو أن تتزوجي ممن أطلقها ضدك فكأنما تحصلين بذلك منه علي شهادة البراءة أمام الجميع من كل ما افتراه عليك واتهمك به من قبل‏.‏

لكن السؤال المهم هو‏:‏ هل كان نفي هذه الاتهامات الكاذبة والرغبة في إنهاء هذه الحرب القذرة وحماية أسرتك من متاعبها‏,‏ يستحق منك هذا الثمن؟

إنه سؤال ترجع إجابته إليك‏..‏ وأيا كانت الإجابة فسوف يكون لها جانب لا بأس به من المنطقية والحجية‏,‏ لأنه لا يعرف لسع نيران الجحيم إلا م يكتوي بها‏.‏

وإذا عجبت لشيء في قصتك هذه فلن يكون عجبي الأكبر لاستسلامك أمام خصمك في هذه الحرب غير الشريفة طلبا للسلامة‏,‏ وقد كانت هناك بالفعل وسائل أخري لإنهاء هذه الحرب منها اللجوء إلي القانون وتحمل الحرب حتي النهاية‏,‏ وإنما سيكون عجبي الأكبر لاستسهال البعض بمثل هذا الطيش والفحش لاقتراف جريمة القذف في أعراض المؤمنات بغير خشية لعقاب السماء ولا عقاب المجتمع‏,‏ مع أنه جريمة يعاقب عليها الله سبحانه وتعالي في الدنيا والآخرة‏,‏ ويعاقب عليها أيضا المجتمع في قوانينه الوضعية‏!‏

فلقد جعل الله جريمة القذف من كبائر الإثم والفواحش التي يحد عليها مرتكبها إن لم يقم البينة علي صحة ما رمي به الغير‏,‏ وعقوبة القذف في الشريعة السمحة مادية وأدبية‏,‏ والعقوبة المادية هي الجلد‏,‏ والأدبية هي رد شهادة القاذف وعدم قبولها أبدا والحكم بفسقه حيث يصبح بذلك غير عدل عند الله والناس‏.‏

بل إن العلماء قد اختلفوا في توبة القاذف هل ترد له اعتباره فتقبل منه شهادته أم لا‏,‏ فذهب بعضهم إلي قبول شهادته إذا صحت توبته وذهب البعض الآخر إلي عدم قبولها‏.‏

كما أن الإسلام لم يكتف بتحريم القذف بالتصريح المباشر فقط وإنما حرمه كذلك بالتعريض أي بالتلميح دون التصريح به‏,‏ وفي عهد العظيم عمر بن الخطاب تساب رجلان فقال أحدهما للآخر‏:‏ ما أمي بزانية ولا أبي بزان‏.‏ وسأل عمر أهل الشوري في حكم هذه العبارة وهل تعتبر قذفا أم لا‏,‏ فقال أحدهم‏:‏ مدح أباه وأمه‏..‏ ولا شيء في ذلك‏!‏ وقال آخرون‏:‏ كان له في مدحهما سبيل آخر‏,‏ إنما هو قذف بالتعريض يستحق عليه الحد‏,‏ فأخذ عمر بهذا الرأي وجلد الرجل‏.‏

فما أعجب أن يرتكب البعض هذه الجريمة النكراء دون أدني إحساس بالإثم وكأنما قد صارت سلوكا عاديا لا يستحق الوقوف أمامه‏.‏

فأما تساؤلاتك الحائرة فلسوف أجيب عنها بترتيبها‏..‏

فإذا كنت تسألين‏:‏ هل يحاسبك الله سبحانه وتعالي علي جفائك لزوجك وهجرك له‏..‏ فجوابي عليه‏:‏ نعم‏.‏ لأنك بالرغم من كل ما جري قد ارتضيت به زوجا لك وقد كان في مقدورك رفضه ولو تحملت في سبيل ذلك العناء‏.‏

وإذا كنت تسألين‏:‏ هل يحاسبك الله سبحانه وتعالي علي نفور طفلته منه بالرغم من أنك لا تشيرين إليه بسوء أمامها‏,‏ فجوابي عليه هو أيضا‏:‏ نعم‏.‏ لأنك إذا كنت لا تذكرين أباها بسوء أمامها فأنت علي الناحية الأخري لا تذكرينه بخير لها ولا تحثينها علي حبه والاقتراب منه ولا تعرفينها بفضله عليها كأب لها‏.‏ وتكتفين بالتصاقها بك دون أن تؤدي واجبك كأم تجاه هذه الطفلة نفسها قبل أن يكون تجاه أبيها‏,‏ في توجيهها إلي حب أبيها والاقتراب منه‏.‏

فالأطفال الصغار إذا كانوا يرضعون حب الأم مع لبنها‏,‏ فإنهم لا يتشربون حب الأب في مثل هذه السن المبكرة إلا من خلال الأم الواعية لواجباتها الدينية والتربوية‏,‏ وذلك قبل أن يكبر الصغار ويتأثروا بمؤثرات الأب المباشرة‏.‏

وأما سؤالك الجوهري عن القرار النهائي الذي ينتظره منك زوجك‏,‏ فالحق أنني أشعر من خلال كلماتك بأنك لا تخلين من رضا عميق في داخلك عن حبه الكبير لك وأحسب أن هذا الرضا كان أيضا واحدا من الأسباب التي رجحت لديك الارتباط به إلي جانب الاعتبارات السابقة‏,‏ غير أنك تشعرين علي الناحية الأخري بأنك مازلت ضحيته ولست زوجته التي اختارته بملء إرادتها‏,‏ فيقف هذا الإحساس المؤلم حائلا بينك وبين التجاوب المتصل وليس المتقطع معه‏.‏

كما أنني لا أشعر بأن لديك رغبة حقيقية في تغيير حياتك وبدء حياة جديدة مع خطيبك السابق‏,‏ أو مع غيره‏..‏ وإنما أشعر فقط بأنك مازلت تريدين مواصلة عقاب زوجك علي ما اقترفه في حقك من جرائم قبل‏4‏ أو‏5‏ سنوات‏,‏ وأنك لا ترين الفترة الماضية كافية له للتكفير عما فعل ولا للصفح عنه‏,‏ ولا ترين كذلك أن ما قدمه لك من قرابين حسن المعاملة والاعتذار والتودد والصبر علي الجفاء والهجر كاف لذلك‏.‏

وبذلك لا يصبح الاختيار الذي تواجهينه الآن في الحقيقة بين الحياة معه كزوجة كاملة أو الانفصال عنه وبدء حياة جديدة بعيدة عنه‏.‏

وإنما يصبح الاختيار الحقيقي الذي تترددين أمامه هو إطالة مدة العقوبة لفترة أخري‏..‏ أو الصفح الآن والإفراج عنه لحسن السير والسلوك خلال فترة العقاب‏!‏

وأرجو أن تواجهي نفسك بشأن هذا الاختيار مواجهة صريحة لأنك ـفيما أتصورـ لا تخططين لبدء حياة جديدة مع غيره‏,‏ ولا ترغبين لطفلتك في التمزق بينك وبينه‏.‏ فإذا كان الأمر كذلك‏,‏ فلعلي أقول لك إن زوجك قد قدم لك ولأسرتك من القرابين وأهمها في نظري حسن معاشرته لك وتسامحه معك وصبره عليك‏,‏ ما يكفي إلي جانب التوبة والندم والاستغفار لأن يشفع له عند ربه فيما اقترف من جرم القذف السابق في عرضك‏.‏ فكيف لا يشفع له كل ذلك لديك؟

إن التغيرات الإيجابية في شخصيته والتزامه الديني والخلقي وكثرة استغفاره وصلاته وصيامه كل ذلك يرشحه لأن يستحق حبك وصفحك وحسن معاشرتك له‏.‏

ولقد اعتبرت نفسك قبل ذلك قد أرغمت علي الزواج منه بالاختيار القهري الذي لاخيار سواه إلا الجحيم وسوء السمعة‏..‏ وكان هذا الإحساس كفيلا وحده بعدم تفتح مسامك له فلماذا لا يكون قرارك النهائي الآن هو الزواج من زوجك هذه المرة بالاختيار الحر له والرغبة الصادقة فيه؟

إنني أعتقد أن حرية الاختيار لزوجك هذه المرة سوف تكون عاملا جوهريا في اختلاف علاقتك به وحياتك معه إلي الأفضل بإذن الله‏.‏

فلماذا لا تجربين هذا الاختيار الحر وتواجهين تبعاته بشجاعة نفسية وعاطفية؟

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة

×
×
  • أضف...