صامت

[واثق الخطوة]

صامت (قصة قصيرة)

-"حالته عادية جدا ...يمر به الكثير من الأطفال وإن كانت تضاعفت في عصرنا الحالي لسبب مجهول ... أصابتني أنا شخصياً ... لا تقلق ... سيتجاوزها خلال شهور قليلة .. اصبر عليه "

سحبته بعدها في يدي وخرجت من عيادة الطبيب الشهير ..

تلقفتني الشوراع المزدحمة ..خاف من الضجيج فطوق عنقي وتمسك بي... انظر له في ألم ... وهو كالعادة ينظر لي في صمت قاتل

(طاهر) ابني الوحيد ....ذو الستة أعوام ... قمحي اللون ناعم الشعر ووجه مستدير كما القمر ..

لكنه صامت دائماً لم ينطق بحرف ..

فحصته عند آلف طبيب ...

كانت النتائج كربونية: "ابنك طيبعي .. ليس أخرس ... الأحبال الصوتية طبيعية ... مفيش عنده أي مشكلة عضوية"

فلماذا إذن لا تنطق؟

أكاد أجن ...

ابني في منتهي الذكاء ... يفهم أمور ربما أكبر من سنه بكثير ... يلعب مع الأطفال بشكل طبيعي ... ويدير شئونه في البيت بشكل نبيه ...يستمع لي وأنا اناقش أمه ... يفهم كلامنا .. وينفذ ما نأمره به كأي طفل طبيعي ...

هل تصدقون أني ألمحه كثيرا وقد وضع يديه على خده و أطرق .. كأنه مؤكل بحل مشكلات العالم؟

"ابنك طبيعي جدا"

وتمر الأيام والأسابيع و(طاهر ) لا ينطق بكلمة !

الأطباء يقولون لي :أصبر ... و أنا لا أكاد أصبر على صمته ثانية واحدة ... أحس بأني عاجز عن جلب أبسط الحقوق لإبني :"حق التخاطب"

ويبقي هو في غاية الهدوء المميت ..

فلماذا تخاصم العالم يا فلذة كبدي؟

لماذا تجلس صامتاً واجماً حزينا ... تكتفي بتأمل الشارع من نافذتنا في صمتك الرهيب ؟

"دي حالة اسمها تأخر النطق عند الأطفال .. مش معروف سببها .. ولا علاجها.."

اشتقت كثيرا لحب الأبوة .. اشتقت كثيرا لأن اسمع كلمة(بابا) فماذا تحرمني منها يا كنزي الوحيد في الحياة ؟

لماذا؟

بكت أمه مراراً ...وهل يجدي البكاء؟

صار الأطفال يتخوفون اللعب معه ..نظراتهم تتنوع بين العطف والسخرية .. وهو يتبادلهم نظراتهم بابتسامة سخرية بسيطة !

سألني الطبيب النفسي مؤخراً :

-هل يشاهد التلفاز؟

*نعم هو مثل جميع الأطفال يتابع بعض قنوات الأطفال .. وأحيانا يجلس بجواري وأنا اتابع القنوات الإخبارية لأني أفضل متابعتها دوماً .

"احتمال عنده حالة نفسية نتيجة مشاهد العنف المتكررة في التلفاز ؟"

وأي حالة نفسية تلك التي تصيب طفل في هذا العمر ؟

وكيف تصيبه الحالة النفسية وأنا وأمه زوجين سعيدين تزوجنا عن حب ولا توجد بيينا أي مشاكل .. وكان أملنا ابن نستظل به في هجير الحياة!

وما علاقة القنوات الإخبارية بحالته يا دكتور ؟

ألاف الأطفال يشاهدون ليل نهار أفلام رعب ولا يحدث لهم شيء مما حدث لإبني ... قل أنك لم تعرف تشخيص لحالته ولكن لاتقل عن ابني أنه معقد نفسياً

تعالت أصواتنا .. وبقي صوته مكتوماً ... كان يتابعنا بنفس الصمت !

" هادق له في الهون وهنزور الأولياء"

قالت أمي الحنون وهي تواسيني ... عارضتها بإصرار في البداية ... وقلت "سيعالجه الأطباء بإذن الله" ... وعندما فشل الطب .. صرت اتعلق بأدق شعيرات أمل ... فتم لها ما أرادت ..........ولكن ولا فائدة .

لا يزال (طاهر) يتابعني وأنا اسحبه من طبيب لأخر ... بنفس صمته ...يمسك يدي بحنان و ويرمقني بنظرات شفقة متتابعة ... وكأنه يعطف على حالي ! وكأن يملك مفتاح علاجه... فلماذا لا يساعدني لأساعده؟

يبدو لي أحيانا أنه أعلن (الإضراب عن الكلام) مع العالم كله؟ فمن أوحي لك بهذا الفكرة ؟ ولماذا ؟

لا زلت احمله على ذراعي وأطوف به بين الأطباء ...يلف يديه حول عنقي وكأنه يحتمي بي من العالم أن يتخاطفه .... يمضي معي ولا يزال هو كما هو متمسك بالصمت ...............يمضي معي في هدوء ... وكأنه ليس لديه ما يقوله للعالم ................. أحمله علي صدري و يحمل هو سره في أعماقه!

[مصري جدا]

:sad: :sad:

مرحبا بعودتك أخي ...واثق الخطوة....فأمشي ملكا....

..{بعد أعتراضك الصامت} ...أتمني أن تكمل حسنين في الطابونه

[واثق الخطوة]

انهيت ولم أكمل (حسونة في الطابونة ) بالفعل

شكرا لمرورك الكريم

[التونسى]

مررت من هنا .. وكم تمنيت أن أكون ذاك الطفل الصامت .. وكم تمنيت ان تتحول حنجرتى الى اذن ثالثه حتى أنصت أكثر ..وأكثر وأظل صامتا ...

قصة قصيره جيده .. ذات حبكة ومضمون .. رغم قصرها النسبى ..وتدعو بإلحاح للتفكير .. وإستفزاز العقل.. .. وأجمل ما فيها نهايتها ((المواربه)) فهى بين النهاية التامة والنهاية المفتوحه

وفى انتظار المزيد .. وعلى مهلك وبراحتك

[galaxy]

جميلة ومعبرة .........زشكرا واثق الخطوة

[shahd]

قصة رائعه استاذي الفاضل واسلوب كاتب متمكن ..

[امانى]

اخى واثق الخطوة اقسم بالله بعد قراءة القصة رجعت اشوف العنوان من كتر واقعيتها فى السرد احسست انك تتكلم عن ابنك

لا قدر الله وكنت هرد واقولك ابشر لان الحالة اللى حضرتك اثرتها كانت عند ابن اختى وهو الان يتكلم

اسلوب رائع وكاتب متمكن بالفعل

امانى

[واثق الخطوة]

شاكر مروكم الكريم

اصل القصة اني شاهدت في اخبار ام بي سي خبر عن هذه الظاهرة

وتأثرت جدا بالخبر ورأيت أطفال في غاية البراءة يشع من عيونهم نور الذكاء وبرغم ذلك هم في حالة من الصمت الرهيب !

وفكرت في الموضوع بشكل بعيد قليلاً

هو أننا وفي ظل النكبات والمصائب التي ننكب فيها في كل وطننا العربي وفي داخل كل وطن صرنا خرس وبالتبعية صرنا ننجب أبناء خرس .

يكتفون بالنظر للواقع بألم وفي صمت

تماما مثلنا فنحن ننظر لما يحث في العراق وفلسطين ولبنان وكشمير والشيشان والصومال بصمت

وننظر لما يحدث داخل بلادنا من اعتقالات وفساد وغلاء واستبداد في الحكم .. بصمت أكبر

أما الواقع فأن ابني الوحيد بحمد الله لا يعاني من أي مشكلة في النطق .. فالمشكلة التي تواجهني معه في الحقيقة هي أنه دائم الصراخ ليل نهار !