Ghost بتاريخ: 26 مارس 2008 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 26 مارس 2008 (معدل) كتب المفكر المصري الكبير فهمي هويدي مقالة جديدة حول أزمة رغيف الخبز التي تعاني منها مصر منذ عدة اسابيع. وقد نشرت هذه المقالة في العديد من الصحف العربية . الكاشفة أزمة الخبز في مصر خبر سيئ لا ريب، لكن الأسوأ منه هو ما كشفت عنه، الأمر الذي يعني أننا بصدد مفاجأتين وليس مفأجاة واحدة، إحداهما من العيار الثقيل والثانية من العيار الأثقل. (1) مشكلة الخبز مصطنعة وليست حقيقية. هكذا فهمت مما سمعت وقرأت. فالقمح متوافر واستيراده منتظم رغم ارتفاع سعره وشحه في السوق العالمية. إذ وصل سعر الطن إلى 540 دولاراً في حين أنه كان 240 دولاراً في عام 2006. والأزمة حدثت بسبب التلاعب في توزيعه سواء عن طريق استخدامه كبديل أرخص لعلف الماشية، أو تهريبه وبيعه في السوق السوداء لمصلحة شركات ومحال القطاع الخاص التي تنتج الخبز الفاخر والحلوى. بسبب ذلك التلاعب شح الخبز في الأسواق، وتزاحم الناس على طوابير شرائه. التزاحم أدى إلى التدافع، الذي أوقع بعضاً من الاشتباكات، وهذه أدت إلى وفاة البعض وإصابة آخرين، حتى أصبحت الصحف تتحدث عن حرب الخبز وشهداء الخبز. الخ. النتائج التي ترتبت بعد ذلك نشرتها الصحف. فقد اجتمع الرئيس مبارك مع رئيس الوزراء والوزراء المعنيين بالأمر، وتقرر في الاجتماع أن تتدخل القوات المسلحة ووزارة الداخلية لحل الإشكال، بحيث تشارك الأولى في توفير الخبز وتشارك الثانية في توزيعه. كما تقرر أن يقدم إلى رئيس الدولة تقرير أسبوعي عن الجهود المبذولة في هذا الصدد. دخول الجيش والشرطة على خط حل الأزمة، وتولي رئيس الجمهورية المتابعة الأسبوعية لجهود الحل له دلالة غاية في الأهمية. ذلك أنها تعني أن الجهاز الإداري القائم على الأمر فشل في إدارة الأزمة وهو ما اقتضى اللجوء إلى حلول استثنائية للتعامل معها. إن شئت فقل إن الفساد في هذه الدائرة استقوى واستشرى بحيث أصبح قادراً على هزيمة أجهزة الحكم المحلي ومؤسسات الرقابة الشعبية، والأجهزة الأمنية على مستوى القاعدة. وسواء تم ذلك بسبب ضعف هذه الجهات وعجزها، أو بسبب اختراقها والتواطؤ مع بعض عناصرها، فالنتيجة واحدة، وهي أن الفساد ظل الطرف الأقوى بحيث اقتضت هزيمته تنحية تلك الجهات التي رسبت في الاختبار جانباً، واستدعاء الجيش والشرطة لإعادة السيطرة على الموقف. (2) بعدما تقرر الاستعانة بالجيش والشرطة لحل الأزمة قام مساعد وزير الداخلية لأمن القاهرة اللواء اسماعيل الشاعر، بجولة في بعض ضواحي العاصمة لتفقد أوضاع توزيع الخبز الذي تم بواسطة عربات الأمن المركزي. وما كاد الرجل يدخل منطقتي مدينة السلام والبساتين في جنوب القاهرة حتى تحلق الناس حوله، واشتكوا له من استغلال سائقي حافلات الركاب الصغيرة (الميكروباص والسيرفيس) الذين يرغمونهم على دفع أجرة أكثر من القيمة المقررة، وطبقاً لما نشر صباح الأربعاء 19/3 فإن اللواء الشاعر أمر ضباط المباحث بمراقبة هذه العملية، عن طريق التنكر في ثياب مدنية وركوب الحافلات لتحرير مخالفات للسائقين المخالفين الذين يتقاضون أجوراً أعلى من التسعيرة المقررة. وحين ذهب مساعد الوزير إلى حلوان، اشتكى له المواطنون من تراكم القمامة وسط مساكنهم وأمام مجمع المدارس، فقرر إزالتها بالتنسيق مع محافظة القاهرة، وعين حراسة أمنية على المكان لمنع إلقاء القمامة في المكان. ما أثار انتباهي في القصة المنشورة ان مسؤول أمن القاهرة خرج في مهمة تتعلق بمشكلة الخبز، فإذا بالناس يواجهونه بمشكلة إضافية تتعلق باستغلالهم من قبل سائقي الميكروباص، وبعد ذلك وجد نفسه مطالباً بحل مشكلة تراكم القمامة. ولست أشك في أن الرجل لو واصل جولته لوجد قائمة طويلة من الشكاوى، سواء من غلاء الأسعار أو تدهور الخدمات التعليمية والصحية أو نقص المياه وتلوثها أو عصابات البلطجية والعاطلين الذين يفرضون الأتاوات على الناس.. ألخ. وهو ما يعني أمرين مهمين أولهما أن الناس أصبحوا يضجون بالشكوى، سواء من الغلاء أو الفوضى أو من قصور الخدمات، والثاني أنهم يريدون أن يسمعوا أصواتهم إلى المسؤولين، لكنهم لا يجدون أذناً تصغي إليهم. فهم في واد والمسؤولون في واد آخر. إذا صح ذلك التحليل فإنه يستدعي ذات السؤال الكبير الذي طرحته أزمة الخبز وهو: أين الأجهزة العديدة الحكومية والأهلية المنوط بها القيام على أمور الناس ورعاية مصالحهم وحل مشاكلهم؟ (3) الصورة قابلة للتعميم. وإذا لاحظت ان جولة مدير أمن القاهرة كانت في جنوب العاصمة، فلك أن تتصور كم الشكاوى التي يعاني منها الناس في أطراف الدلتا وجنوب الصعيد. ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنك إذا أردت أن تعرف ما يحدث في تلك المناطق، فما عليك إلا أن تضرب أوجاع القاهرة وأحزانها في عشرة أضعاف على الأقل. لذلك فإننا حين نكتشف أن الجهاز الإداري بكامل مؤسساته وجهات الرقابة الشعبية بمختلف مستوياتها غيب دورها تماماً في أزمة الخبز، ونقيس على ذلك ما يجري في القطاعات الأخرى، فإننا نصبح بإزاء واقع تدوي فيه أجراس الأنذار والخطر. أزمة الخبز هي الكاشفة، التي أزاحت الأستار عن الحقيقة التي سكت عنها كثيرون وجهلها آخرون. وجاء استنفار الجيش والشرطة للقيام بما عجزت أجهزة الإدارة المدنية عن القيام به، ليطرح حلاً ما خطر ببال أحد، يعبر عن اليأس من إمكان الاعتماد على تلك الأجهزة، وهو ما اعتبره نوعاً من الإقالة المؤقتة لها. في ظروف من هذا القبيل حدث ما هو أغرب. إذ قرأت لأحد الكتاب مقالاً دعا فيه إلى نقل مسؤولية العمل الخدمي في مصر إلى الجيش. إذ نشرت صحيفة عربية تصدر في لندن في 15/3 تعليقاً بهذا المعنى لكاتب مصري اسمه طارق المهدوي قال فيه إنه إزاء كارثة انهيار الخدمات العامة في مصر، وازاء فشل أجهزة الإدارة في مهمتها، فلم يعد باقياً أمام الدولة المصرية سوى نقل القيادة الميدانية اليومية للعمل الخدمي إلى الجيش الوطني، ليبادر بإقامة نظام جديد للخدمات العامة، يديره قادته العاملون في الخدمة العسكرية، بأدواتهم وآلياتهم ومناخهم الانضباطي. ودعا الكاتب المدنيين في الحكم والمعارضة إلى تجاوز المخاوف والحساسيات والترحيب بالدور المأمول للجيش المصري في إصلاح نظام الخدمات العامة لتجنيب البلاد الاحتقان واحتمالات الفوضى. صحيح إنه رأي فردي، لكنه من وحي واقع أعطى انطباعاً بأن هذا هو الحل. (4) لا تفوتك ملاحظة أن غياب دور الأجهزة المدنية وتدهور الخدمات ظهر جلياً في الأفق بعد مضي 35 عاماً مما سمي في حينه “آخر الحروب”. ذلك أنه خلال الفترة التي أعقبت حرب عام 1973 وحتى اللحظة التي نعيشها في عام 2008 لم تنشغل مصر بغير همها، فلا حاربت من أجل أحد، ولا ضحت من أجل أحد. وفي هذا المناخ روجت دعاوى الانكفاء على الذات لعناوين عدة، كان من بينها إطلاق شعار “مصر أولاً” الذي تبنته مدرسة انتحلت لنفسها اسم “اللوبي المصري”، ودأب منظروها على المناداة بفك الارتباط مع المحيط العربي، والدعوة إلى التركيز على الشأن الداخلي من دون غيره. بعد ذلك الانكباب والتفرغ المفترض لتنمية الداخل طوال 35 عاماً، فجأتنا أزمة الخبز وقبلها أزمة المياه، ومع الاثنين أزمة الغلاء الفاحش، غير أزمة التدهور الكبير في خدمات التعليم والصحة فضلاً عن الإسكان والمرافق. فوجئنا أيضاً بأن الأجهزة المدنية عاجزة عن التعامل مع مشاكل الناس الأمر الذي اضطرنا إلى الاستعانة بالجيش والشرطة لحل بعض تلك المشاكل. وهو ما يطرح السؤال التالي: لماذا عجزت أجهزة الإدارة المحلية الرسمية والشعبية عن أن تقوم بواجبها في رعاية مصالح المجتمع وحل مشاكل الناس؟ عندي في الإجابة عن السؤال أربعة أسباب هي: أن التركيز دائماً كان منصباً على الأمن السياسي من دون الأمن الاجتماعي، وهو ما شغل مختلف الأجهزة بالأول وأدى إلى إهمال الثاني، حتى أصبحت أقسام الشرطة تستنفر إذا شمت رائحة نشاط معارض أو إرهابي، وتتململ وتتحرك متثاقلة إذا تعاملت مع ما هو مدني أو جنائي. وقد قرأت في الصحف القومية تعليقات تساءلت عن السبب في عدم تطبيق قانون الطوارئ على الذين تلاعبوا بأقوات الناس، مثلما تطبق على المعارضين السياسيين المقدمين للمحاكمة العسكرية. أن القيادات التنفيذية المحلية كلها تشغل مناصبها بالتعيين وليس بالانتخاب. وذلك أمر نادر الحدوث في العالم المعاصر. وحين تعين الحكومة المحافظ ورئيس مجلس المدينة أو القرية، فإن ولاءه يظل للجهة التنفيذية التي عينته ولا ينشغل إلا باسترضائها. أما إذا تم انتخاب كل هؤلاء فإن استجلاب رضى الناس والتفاني في خدمتهم سيحتل الأولوية لدى كل واحد. وفي ظل استمرار الوضع الراهن فلا غرابة في أن ينعزل أولئك القادة المحليون عن الواقع، بحيث لا تؤرقهم كثيراً هموم الناس ومشكلاتهم الحياتية. أننا لا نكاد نلمس تطبيقاً أو احتكاماً لقاعدة الثواب والعقاب فيما يخص المسؤولين عن الحكم المحلي إلا في حالة واحدة. هي التي تتصل بالنواحي الأمنية، إذ طالما لم يحدث أي إخلال بالأمن، فكل ما عدا ذلك يمكن تمريره وغض الطرف عنه. وهو ما أشاع بين العاملين في تلك الأجهزة شعوراً بأنهم لا يحاسبون عن الفشل أو القصور في تقديم الخدمات للناس. أن الرقابة الشعبية منعدمة، والسباق فيها لا يدور حول التنافس من أجل خدمة المجتمع وتحقيق ما ينفع الناس، ولكن محوره يظل سياسياً في نهاية المطاف، بحيث غدا الشاغل الأساسي فيه هو هوية القوى السياسية الممثلة في المجالس المحلية. وقد مررنا في مصر بالإعداد لتجربة انتخابية من هذا القبيل قبل أيام قليلة شابتها ملابسات كثيرة وتدخلات سافرة لفرض مرشحي الحزب الوطني، الذين ينتظر أن يفوزوا بأكثر من 90% من مقاعد المجالس المحلية في أنحاء البلاد. وحين تكون أغلبية المجالس المحلية من أعضاء الحزب الحاكم، ويكون ذلك حاصلاً في مجلس الشعب أيضاً، فإن الحديث عن جدية الرقابة الشعبية على حكومة الحزب وعلى الأجهزة الرسمية على مستوى المحافظات يصبح مشكوكاً فيه. وحين يصبح أعضاء هذه المجالس باختلاف مستوياتها، ممثلين للحزب وليس المجتمع، فلا غرابة في أن تستعير السلطة في أوقات الأزمات أطرافاً أخرى مثل الجيش والشرطة لحل بعض المشكلات المتفاقمة التي تواجه المجتمع. تم تعديل 26 مارس 2008 بواسطة Ghost الحفاظ على قفاك مسئوليتك الشخصية رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
المر بتاريخ: 26 مارس 2008 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 26 مارس 2008 جريدة الدستور اليومية عندما انزل اجازة لمصر كنت اشترى هذه الجريدة لان يكتب بها عدد من الكتاب المخلصين للبلد من ضمنهم هذا الكاتب الرائع فهمى هويدى حيث انه لايتفانى فى اظهار الحقيقة . بالنسبة للمقال فهو يتضمن حقائق جميعنا يلمسها على ارض الواقع و هى عجز الاجهزة الادارية الحكومية عن تنفيذ متطلبات المواطنين و عدم الاهتمام بهم كمواطنين. ولكن هذه الاجهزة تهتم فقط بارضاء بمن قام بتعينها فى مناصبهم و الولاء التام لهم بغض النظر عن مصلحة المواطنين و احتياجتهم. ان الشغل الشاغل لهذه الاجهزة هى الحفاظ على الامن ليس فقط و ذلك من خلال كبت المعارضة و اى نشاط يمكن ان يبرز من خلال اى حزب. و عجبى رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
muslim4ever بتاريخ: 26 مارس 2008 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 26 مارس 2008 المدهش ان 80% من القيادات فى الجهاز الادارى او الحكم المحلى هم قادة جيس او شرطة سابقون فعسكرة الدولة المصرية نهج قائم منذ زمن .. سيدى الفاضل العقلية واحدة سواء بالزى الميرى او الملكى وما نحن فية من انهيار شامل نتيجة لعسكرة الوظائف المدنية قرار الرئيس اعلان صريح بفشلة وان الامر اصبح خارج السيطرة وقرار تولى الجيش امور البلاد يخفى وراءة امور اكبر من الخبز اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَن رواه الترمذي رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان