اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

قصة قصيرة


crossfield

Recommended Posts

الـــدعــاء الأخــير

لا زلت أشعر بخطواته في الغرفة المجاورة . كان دائماً يطيل النظر إلى ويقول أن لى مكانة خاصة في نفسه ثم أجده بعد ذلك يردد نفس الكلمات لباقى أفراد الأسرة . رغم ذلك كنت أشعر بالفعل بأنى أحتل مكانة خاصة في نفسه ، أو ربما ظننت أنا ذلك لأننى الوحيد الذى رأى دموعه وكان شاهداً عليها . كنت أستيقظ في فجر كل يوم على صوت خطواته البطيئة التي كانت تملأ بيتنا الصغير سكينة وطمأنينة فأعلم أنه قام ليصلى ويقرأ القرآن فتغمرنى حالة من الهدوء تجعلنى أغوص في نوم عميق . إلى أن سمعته ذات ليلة يتمتم بكلمات غير مسموعة ، إنتابتنى حالة من الفضول فتركت فراشى في هدوء وتسللت بحذر إلى غرفته المجاورة لغرفتى ، نظرت من خلال ثقب الباب فوجدته جالساً على السرير . كان قد فرغ بالفعل من صلاته ولكنه كان يبكى ويتمتم بكلمات غير واضحة في صوت متهدج . إقتربت أكثر من الباب حتى لصقت أذنى بالثقب الموجود به فاصطدمت بها كلمات تتكرر في سرعةوفى صوت متقطع إلى أن استطعت في النهاية أن أجمع شتاتها " إللهم إنى أشكو إليك ضعفى وقله حيلتى... " وأخذ جدى ينشج بالبكاء في صوت مكتوم مختنق . كنت عندئذ في السادسة من العمر ، لم أفهم معنى هذه الكلمات و لكنها ظلت عالقة بذهنى . شعرت بأن جدى يتألم من شئ ما ... شئ لا أعرفه ولا أفهمه . تسمرت مكانى لأراقبه حتى فرغ من بكائه وأطفأ النور ونام . عدت مرة أخرى إلى فراشى ولكن صورة جدى لم تفارقنى في أحلامى ... رأيته يمشى في شارع مزدحم ، يصطدم بالسائرين ، كان يحمل على ظهره جوالاً لم يحتمل حمله بمفرده فجلس على الرصيف ليستريح ، وما هى إلا ثوان حتى ظهر على البعد شخص غريب أخذ يقترب ويقترب من ذلك الرصيف الذى جلس عليه جدى ،ودون أن يدور بينهما أى حوار رفع هذا الرجل الجوال على ظهره ثم عاود السير فتبعه جدى بخطوات واسعة دون أن يوجه إليه كلمة أو حتى تبدو عليه الدهشة وواصلا السير معاً حتى غابا عن الأنظار .

في صباح اليوم التالى كان جدى كعادته أول من يستيقظ ، أخذ يداعبنى ويداعب إخوتى حتى إنصرف كل منا إلى مدرسته وكأن شيئاً لا يؤرقه أو يؤلمه . وعند عودتى من المدرسة وجدته على غير عادته جالساً بجوار نافذة صغيرة في غرفته ، كان محملقاً في صفحة السماء وكأن عيناه قد تعلقتا بنقطة معينة فيها ، كأنه ينتظر شيئاً قد يهبط عليه منها أو يخرج من وراءها ، عندئذ تذكرت حلم الليلة الماضية وعقدت العزم على أن أرويه لجدى . راقبته في الفجر فإذا به ينشج بالبكاء ثانيه ً مكرراً نفس الدعاء. دفعنى قلقى عليه إلى ان أفتح باب غرفته دون إستئذان وعندما فوجئ بوجودى أمامه أخذ يحرك كفيه على وجهه في حركات سريعة عصبية. اقتربت منه وفى براءة سألته ماذا بك ؟ فنظر إلى في حنان بالغ وقال في صوت يأتى من بعيد وكأنه اجتاز عشرات العقبات كى يخرج من فمه وهو يمرر يده على شعرى "وأنت ..ماذا أيقظك الآن؟" فأخبرته بأمر ذلك الحلم الغريب .كان جدى يستمع إلى بإهتمام بالغ و كان يبدو أن لكلماتى وقعاً طيباً فى نفسه و عندما فرغت من قص الحلم رفعنى إلى جواره على السرير بيديه الهزيلتين المعرقتين بخطوط زرقاء وخضراء( ذكرتنى حينها بتلك الخطوط التى كنت أراها فى بعض الخرائط الدراسية )وضمنى الى صدره بقوة وكأنه يتشبث بآخر ما يربطه بهذه الدنيا ثم أمرنى بالعودة الى فراشى ففعلت ولكننى لم أتمكن من التخلص من قلقى على جدى .في الأيام التالية كان جدى عند كل صلاة فجر يدعونى الى غرفته لأصلى معه ثم يتركنى أنصرف الى غرفتى مطمئناً إياى بأنه سوف يخلد بعدها للنوم مباشرة وبالفعل لاحظت أن جدى قد توقف بعدها عن البكاء وعن ترديده لذلك الدعاء وما هى إلا أيام قليلة حتى مات جدى . لم أكن أعرف ما هو الموت ، كل ما كنت أعرفه حينئذ هو أننى لن أرى جدى ثانيةً ، أننى لن أصلى معه الفجر ثانيةً والأهم من ذلك كله أنه لن يبكى مرة اخرى .. ربما كان هذا هو ما يتمناه جدى .. أن يكف عن البكاء . لم أخبر أحداً قط بأمر جدى في أيامه الاخيرة ربما لأننى أردت أن أكون جديراً بينى وبين نفسى بتلك المكانة الخاصة التي كان يحدثنى عنها ، أو ربما لأننى أشعر بالذنب لموت جدى. وعلى الرغم من أننى لم أفتقده مطلقاً ، على الرغم من أننى لازلت أسمع خطواته البطيئة عند صلاة كل فجر ، إلا أننى كلما نظرت الآن في وجه أبى الذى إعتلته نفس علامة الصلاة تلك ، كلما رأيت أنفه الضخم الذى لم يجد ما يرتكز عليه فأوشك أن يتدلى على فمه الذى صار بدوره خطان يتحركان بالكاد عند الكلام ، كلما رأيته استحضرت وجه جدى ودعائه في أيامه الاخيرة وشعرت بأننى سأفتقد كلاهما كثيراً بعد أن يرحل أبى مع هذا الرجل الغريب الذى رأيته بالأمس ثانيةً .

أنا كنت شىء وصبحت شىء ثم شىء

شوف ربنا .. قادر على كل شىء

هز الشجر شواشيه ووشوشنى قال :

لابد ما يموت شىء عشان يحيا شىء

عجبى !!

رابط هذا التعليق
شارك

قصة حلوة يا كروسفيلد ، بتدور كلها بين الجدران المغلقة وبتوصف علاقة جميلة ، قصة حلوة رجعت الواحد لعهد الطفولة ، الصدق في القصة باين جداً ومؤثر ، أحييك عليها .

رابط هذا التعليق
شارك

كروس فيلد.

ماذا فعلتى بى؟

هل يتغير الانسان مع تقدم العمر...ويصبح اكثر حساسية للاحداث؟

بكيت...وبكيت.

انه دعائى....وكان دعاء امى.....وهو دعاء رسولنا الكريم،صلى الله

عليه وسلم،ربى انى اشكو لك ضعفى وقلة حيلتى وهوانى على الناس......

صورتى البراءة والشفافية للطفل...باسلوب جميل،بسيط، صريح وواضح

الرباط القوى بين الاجيال...

النشئة الصح...

يستمر الطفل على نفس المنوال....اباه ايضا يفعل نفس الشئ.

صدق حدسه...مرة اخرى....نفس الحلم...وهذه المرة....اباه.

الطبيعه...تأخذ مجراها.

تماسكنا....يجعل كل منا يشعر بالآخر.

شكرا ياعزيزتى....ولو انك ابكيتينى.

سلامى.

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)

[النساء : 93]

رابط هذا التعليق
شارك

كنت فاكرا نفسي انا اللي بتلكك عشان اعيط وبس

لكن الحمدلله

طلعت برائة :razz:

والله يا كروس فعلا قصتك ابكتني

وارعبتني

كمية الصدق والبراءة الي فيها تجعلك تشعرين كان كل واحد فينا الطفلة

وانه شايف مشهد القصة بيدور حوالية...

ولو ان وصف انف الأب هوا اللي ازعجنبي قليلا

لآنه اخرجني من حالة صفاء خطيرة مع النفس

الى لقطة تخيل انف واحد :shock:

لكن في النهاية

القصة روعة بجد.. :roll:

وانا من البلد ديييييييييييي

رابط هذا التعليق
شارك

قصة رائعة برغم نهايتها الحزينة :(

أسلوب سردي سليم .. و لغة قوية ..

و اختصار محبب .. وزاوية روائية متقنة جدا

أحسنت جدا .. في انتظار جديدك بكل الشوق .

تحياتي .

رابط هذا التعليق
شارك

أعزائى:

متشكرة جداً لاستحسانكم و إن كنت آسفة جداً إنها قلبت عليكم المواجع .آسفة يا ماما سلوى(و اسمحى لى اترازل عليكى و أقولك ماما) آسفة جداً يا شعنونة كان لازم أحطلها نهاية فرايحى شوية عشان الناس مش ناقصانى أنا كمان :D شكراً للاخ البنا و للأخت غاردين(إسمك حلو قوى بس يا ترى ليه علاقة بكلمة garden مثلاً؟).سلامى

أنا كنت شىء وصبحت شىء ثم شىء

شوف ربنا .. قادر على كل شىء

هز الشجر شواشيه ووشوشنى قال :

لابد ما يموت شىء عشان يحيا شىء

عجبى !!

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 1 شهر...

بصمات الموت تتراكم على كفيك…أنفاس الدنيا تنتحر بين يديك

حزين أنت …وحيد …خائف …من هذا الزائر غير المرغوب :م…و…ت

هذه الحروف اللعينة كم أكرهها…كم تشعرنى بالضعف و العجز

سامحنى … أبى …الموت يقترب منك و أنا لا أملك أن أمنعه

إنه يأخذك منى شيئاً فشيئاً…

هذا اللعين كم يتلاعب بى…

فى كل ليلة أودعك و آوى إلى فراشى و عندما أرحل عن عالم اليقظة

أجده أمامى يخبرنى فى ثقة و هدوء بأنى لن أراك ثانيةً

استيقظ نصف حية …أركض إلى فراشك …تكاد تحملنى أقدامى

فلا أرى منك شيئاً حيا:

اين أنت أبى؟

أنفاسك فى تناقص

نظراتك فى تناقص

تتلاشى

تنظر إلى و لا ترانى

ترى الدنيا و قد مضت ركضاً أمام عينيك…

ترى عالماً آخر…عالم لم تختره أنت بل أتى هو إليك

أبى …لم أعرف كم أحبك قبل الآن

سامحنى أبى…فأنا لم أخبرك أبداً بالحقيقة

أبى … أتسمعنى؟

أبى انى أفتقدك

أفتقدك

أفتقدك

و أعلم أنك لا تسمعنى…

و أعلم أن كلماتى ما عادت تجدى

سامحنى أبى

فأنا لا أملك لك و لنفسى إلا الدعاء

آه لو يعدل هذا اللعين و لو مرة واحدة

فيجمعنى اليك فى عالم واحد إلى الأبد.

أنا كنت شىء وصبحت شىء ثم شىء

شوف ربنا .. قادر على كل شىء

هز الشجر شواشيه ووشوشنى قال :

لابد ما يموت شىء عشان يحيا شىء

عجبى !!

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 1 سنة...

حين كتبت تلك القصة و تلك الخواطر كنت أحاول أن أدرب نفسى تدريجياً على غياب أبى عنى و كنت فى كل مرة أتخيل أن أبى قد رحل عن الدنيا بالفعل .

لا أدرى ما الذى دفعنى للعودة إلى تلك الصفحات الآن .لقد وقع ما كنت أتوقعه بين لحظة و أخرى و رحل أبى عنى إلى الأبد.

ربما أردت فقط أن أشم رائحته فى صفحات كتبتها عندما كان حياً -فى الغرفة المجاورة لغرفتى.

رحمك الله يا أبى و ألهمنى الصبر من بعدك.

أنا كنت شىء وصبحت شىء ثم شىء

شوف ربنا .. قادر على كل شىء

هز الشجر شواشيه ووشوشنى قال :

لابد ما يموت شىء عشان يحيا شىء

عجبى !!

رابط هذا التعليق
شارك

===========================================

crossfield

يكفي أن أقول لك أنك تمكنتي من سرقة دموعنا قبل أعجابنا الأدبي..

حتى وان لم أكن قد التقيت بك من قبل اللا أن قصتك جعلتنا بدون أن نشعر نحلم بهذا الجد وهو يقوم بتوديعك قبل أن يدع بكاء الفجر الطويل ويبتسم للموت ...أو يمكننا أن نقول..

إلا الأستسلام الأخير......

اللذي لا يبقي لنا منهم غير أنفاسهم بداخلنا ...

أصواتهم في عقولنا.....

وذكراهم الخالدة المتكئة على عروش قلوبنا...

فيا من فقدت أعز ما تمتلكين أعزيك.... وأشارك من أستمتع بهذه المشاعر الصادقة أعجابي...

وتقبلي تحياتي

255374574.jpgوَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ[/227576612.jpg

--------------------

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...