اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

عبد الرحمن الكواكبي - حارب الاستبداد من قرن


الطفشان

Recommended Posts

كثيرا ما يرد اسم عبد الرحمن الكواكبي عند الكلام عن الاستبداد

و يختلف الناس فيه

فمن قائل انه عميل للاستعمار عمل على هدم الخلافة الاسلامية المتمثلة في السلطان عبد الحميد العثماني

و من قائل انه احد دعاة الاصلاح السياسي و الاجتماعي، حارب الاستبداد و الظلم و التخلف

و هذا هو المرجح في رأيي

و اشهر كتبه هو طبائع الاستبداد، الذي شرح فيه لماذا يستبد المستبد

http://www.alharbi.ca/majidah-0.htm

http://www.alharbi.ca/majidah-1.htm

ماجدة حمود 3 يناير 2003

لمحة عن حياة الكواكبي

ولد الكواكبي في حلب (1855) لأسرة عربية، تمتد جذورها إلى الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) من جهة الوالدين(1)‏

توفيت والدته عفيفة آل النقيب وعمره ست سنوات، فكفلته خالته صفية واصطحبته إلى بيتها في أنطاكية، حيث بقي هناك ثلاث سنوات، عاد بعدها إلى حلب، ليتعلم فيها على يد الشيخ "طاهر الكلزي" وبعد أن تعلم القراءة والكتابة، وأتم قراءة القرآن وحفظه، عاد إلى خالته، كي ترعى تنمية علومه، فاستعانت بقريبها "نجيب النقيب" ( أصبح فيما بعد أستاذا للخديوي عباس الذي كان على عرش مصر حين لجأ إليها الكواكبي).‏

وحين أتمّ تعليمه هناك، عاد إلى حلب ليتابعه بالعربية والفارسية، بعد أن أتقن التركية في أنطاكية، فدرس الشريعة والأدب وعلوم الطبيعة والرياضة في المدرسة الكواكبية، التي كانت تتبع مناهج الأزهر في الدراسة، وكان يشرف عليها ويدرّس فيها والده مع نفر من كبار العلماء،لم يكتفِ الكواكبي بالمعلومات المدرسية، فقد اتسعت آفاقه أيضا بالاطلاع على كنوز المكتبة الكواكبية التي تحتوي مخطوطات قديمة وحديثة، ومطبوعات أول عهد الطباعة، فاستطاع أن يطلع على علوم السياسة والمجتمع والتاريخ والفلسفة…الخ .‏

لاشك أن هذه الثقافة المنفتحة التي تمتع بها الكواكبي بالإضافة إلى التربية الإسلامية منحته شخصية متميزة.‏

عمله الصحفي

بدأ حياته بالكتابة إلى الصحافة، ويرجح حفيده (سعد زغلول الكواكبي) أن جده عمل في صحيفة "الفرات" الرسمية سنتين لا أكثر، وقد ترك العمل فيها نظرا لمعاناته (الرقابة، الاضطهاد لكونه لا يمدح السلطة…) .‏

وقد أحس أن العمل في صحيفة رسمية يعرقل طموحه في تنوير العامة وتزويدها بالأخبار الصحيحة، لذلك رأى أن ينشئ صحيفة خاصة لاعتقاده أنه يستطيع الكتابة فيها بحرية أكبر من الصحيفة الرسمية للدولة، فأصدر صحيفة "الشهباء" (عام 1877) باسم صديق له (هاشم العطار) كي يفوز بموافقة السلطة العثمانية، لأنه لو طلب الترخيص باسمه لما فاز به، وكان عمره آنئذ حوالي اثنين وعشرين عاما!‏

لم تستمر هذه الصحيفة طويلا، عطلت ثلاث مرات قبل أن تغلق بشكل نهائي بعد صدور العدد السادس عشر، إذ لم تستطع السلطة تحمل جرأته في النقد، فالحكومة كما يقول الكواكبي نفسه "تخاف من القلم خوفها من النار".‏

تابع جهاده الصحفي فأصدر (عام 1879) باسم صديق آخر جريدة الـ"اعتدال" سار فيها على نهج "الشهباء" فعطّلتها السلطة، فتابع الكتابة في صحف عربية تصدر في بلدان عربية وغربية ("النحلة" بنسختيها العربية والإنكليزية، و"الجنان" و"ثمرات الفنون" و"الجوائب" و"القاهرة" والمؤيد"..)‏

كان قلمه نصير الحق، يقف إلى جانب المظلوم بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي، لذلك وجدناه يشرّع قلمه في وجه المستبد، فينقد تصرفاته وتهاونه تجاه مواطنيه، فكتب مقالا ينتقد فيه عدم قبول بعض المسيحيين في الجيش العثماني إلا بعد اشتراط تغيير أسمائهم بأسماء إسلامية!!‏

المهن التي زاولها الكواكبي

بعد أن تعطّلت صحيفتاه، انكبّ على دراسة الحقوق حتى برع فيها، وعيّن عضوا في لجنتي المالية والمعارف العمومية، والأشغال العامة (النافعة) ثم عضوا فخريا في لجنة امتحان المحامين، وفي سنة 1886 صار مأمورا للإجراء.‏

وبعد أن أحس أن السلطة تقف في وجه طموحاته، وتعرقل مشاريعه، بل وصل الأمر بها إلى عزله وقطع رزقه، لذلك انصرف إلى العمل بعيدا عنها، فاتخذ مكتبا للمحاماة في حي (الفرافرة) قريبا من بيته وسراي الحكومة يستقبل فيه المظلومين من سائر الفئات وسائر أنواع الظلم، فيسعى إلى تحصيل حقوقهم ورفع ظلاماتهم بكتابة الشكاوي وإرشادهم إلى طرق الاحتجاج القانوني، وقد كان يؤدي عمله، في معظم الأحيان، دون أي مقابل مادي، حتى اشتهر بلقب (أبي الضعفاء)‏

ولكن إلى جانب هذا العمل الخاص نجد الكواكبي قد شغل مناصب عامة كثيرة، دون أن تفلح الدولة في جعله تابعا لها، أو تغيير منهجه في نصرة الحق وخدمة المصالح العامة، لذلك سيواجه المتاعب في كل أعماله، وسيحاربه كل المستفيدين من الفساد والتسيّب، فحين عين رئيسا لبلدية حلب (في زمن الوالي الذي كان مقدرا لمواهبه عثمان باشا 1893) قام بمشاريع عمرانية، كما حاول الحفاظ على سوق المدينة الأثري، فأقام أعمدة حديدية تحول دون دخول الجمال إلى السوق التي كانت تصدم المارة وتملؤه أوساخا، درس مشروع سد الفرات، وتجفيف مستنقعات الروج، وكلّف بعض المهندسين باستثمار (حمامات الشيخ عيسى) بعد تجميلها وترميمها، وقد كانت المكافأة التي تلقاه الكواكبي على إصلاحاته هي العزل، فقد ضجّ التجار الذين منعت دوابهم من دخول السوق، ولم يكتفِ الوالي بعزلـه، بل غُرّم قيمة الأعمدة الحديدية، وفروق رواتب موظفي البلدية التي زادها لهم قطعا لدابر الرشوة!!‏

ثم تسلّم رئاسة المصرف الزراعي، ورئاسة غرفة التجارة في حلب، فأسس شركة للتبغ بالتعاون مع تجار حلب، كي يخفف الضغط على الفلاحين، بالإضافة إلى قيامه بإصلاحات أخرى تضرر منها أصحاب السلطة، الذين كانوا يشاركون المهربين في تهريب التبغ، فأحرقوا مواسم الفلاحين من هذا المحصول، فاضطر الكواكبي إلى حلّ الشركة ودفع قيمة الأسهم المستحقة من جيبه الخاص!!‏

في عام (1894) تسلم وكالة المحكمة الشرعية بحلب، فاستطاع أن ينظّم ديوان المحكمة، ويحارب شهود الزور الذين يجلسون أمام المحكمة على المصطبة متظاهرين بالتدين (كانوا يدعون بشهود المصطبة) فحاربه هؤلاء وغيرهم من الفاسدين حتى عزل.‏

بعد ذلك عين رئيسا للجنة بيع حق الانتفاع من الأراضي الأميرية (التي أصدر السلطان أمرا بتملكها هو وورثته) فبدأ الكواكبي يوزعها على الفقراء ويحجبها عن المتسلطين من رجال الدولة، لذلك عملوا على الإسراع بإقالته!‏

معاناة الكواكبي مع السلطة العثمانية

عرف الكواكبي بمقالاته، سواء في حلب أم في خارجها، التي تفضح فساد الولاة، لذلك ناصبه هؤلاء العداء، ولم يوفروا أية فرصة لإيذائه، فقد استغلت السلطة محاولة اغتيال (أو بالأحرى تهديد) والي حلب (جميل باشا) من قبل شاب (أرمني) يتدرب على المحاماة في مكتب الكواكبي، فألقت القبض عليه بتهمة التحريض على قتل الوالي، لكنه خرج من هذه التهمة بريئا، رغم ذلك لم يتخلص من مضايقات والي حلب، فقد اتهمه الوالي (عارف باشا) بالتآمر مع الأرمن لإثارة المشاكل في حلب، وقد استغل حادثة تعرض القنصل الإيطالي للإصابة بحجر قرب بيت الكواكبي، ليثبت هذه التهمة، فقبض عليه وصودرت أملاكه، وحكم عليه بالإعدام في محكمة حلب، وكان رئيسها من أعوان الوالي، فقدم الكواكبي استئنافا لإعادة محاكمته في بيروت، نظرا للخلاف بينه وبين الوالي، حيث بُرّيء وعُزل الوالي، بعد أن عانى الكواكبي من السجن مدة عام تقريبا في حلب وبيروت.‏

لم تكتفِ السلطة بمصادرة حريته الصحفية بمنعه من إصدار صحيفة، ومصادرة حريته الشخصية بالسجن والاستيلاء على أملاكه، بل وصل الأمر بالاستبداد أن اغتصب منه نقابة الأشراف، وأعطاها لأبي الهدى الصيادي الذي زوّر انتسابه لآل البيت، مع أنه من المعروف أن نقابة الأشراف تتوارثها أسرة الكواكبي في حلب والأستانة وبغداد، باعتبارهم من آل البيت من جهتي الأم والأب منذ أيام أحمد الكواكبي في منتصف القرن الحادي عشر الهجري، وقد كانت نقابة الأشراف مغتصبة من ابن عمه الأكبر منه سنا (حسن الكواكبي) من قبل الصيادي صديق السلطان عبد الحميد ونديمه الأثير!‏

بعد وفاة ابن عمه استحق عبد الرحمن الكواكبي نقابة الأشراف، وكان يعدّ نفسه وأهل حلب أيضا النقيب الحقيقي وإن لم يصدر أمر سلطاني بذلك، لأن النقابة تكون في الأكبر سنا من أفراد الأسرة المؤهل علميا واجتماعيا.‏

اعترض على تزوير نسب الصيادي لآل البيت، بل نجده يحرج أبا الهدى الصيادي أمام جمع من الناس أتوا لتهنئته بمناسبة خروجه من السجن، حين قال له "الحمد لله على السلامة يا بن العم" فردّ عليه أمام الناس جميعا "وعليك السلام لكن ابن العم هذه من أين أتيت بها؟" قاطعا عليه طريق الاعتراف بنسبه إلى آل البيت، مبطلا ادعاءه أمام الناس جميعا، ومن المعروف أن النسب إلى آل البيت يحتاج إلى تصديق ممن يعدّون أنفسهم يمثلونه، وقد كان عبد الرحمن يمثلهم خير تمثيل، لهذا كان إحراجه للصيادي كبيرا، سيردّه له أذى مضاعفا‍.‏

لم تكن ثورة الكواكبي على الصيادي بسبب اغتصابه نقابة الأشراف فقط، وإنما كانت بسبب أعماله وظلمه للرعايا، فقد استغل تأثيره الكبير على السلطان عبد الحميد في اضطهادهم، ولهذا من الطبيعي أن يكون الصيادي أحد الذين كادوا له وأوصلوه إلى منصة الإعدام، وهذا ما أشار إليه الكواكبي في مرافعته ببيروت.‏

ضيق الاستبداد الخناق على الكواكبي، حتى كان يقترض ليعيش بعد أن صودرت أملاكه، ومنع من مزاولة أي عمل، رغم ذلك لم تستطع السلطة شراءه بالمناصب، فرأت أن تتخلص منه، بعد أن أصبح شخصية مؤثرة في حلب، بل امتد تأثيره إلى سائر البلاد العربية، بسبب مقالاته التي كان يرسلها إلى الصحف العربية، لذلك أرسلت له شخصا ملثما لاغتياله، وفعلا طعنه أثناء عودته إلى بيته ليلا، بعد هذه الحادثة التي نجا منها بأعجوبة، رأى أن المقام في ديار الاستبداد باتت مستحيلة، فقرر الهرب إلى مصر (1900) حيث ستصلها يد الاستبداد وتفلح في قتله، بأن تدس له السم في فنجان قهوة في مقهى يلدز (1902) لا فرق أن تكون هذه اليد هي يد السلطان عبد الحميد أو يد أبي الهدى الصيادي، ومما يؤكد هذه الجريمة الإسراع بدفنه على نفقة الخديوي عباس دون أن تفحص أمعاءه، خاصة أنه صرّح لصديقه في القاهرة (عبد القادر الدباغ) قبيل وفاته قائلا: "لقد سموني يا عبد القادر"‏

لعل الأذى الأكبر الذي تعرض لـه الكواكبي من قبل الاستبداد هو سرقة مؤلفاته وأوراقه، إذ يقال أن السلطان عبد الحميد أوعز إلى من يدّعي صداقة الكواكبي (عبد القادر القباني) صاحب جريدة "ثمرات الفنون" في بيروت بالرحيل إلى مصر وسرقة مؤلفات الكواكبي المخطوطة، وقد فعل ذلك من أجل أن يفوز بمنصب رفيع في الدولة، فتمّ الاستيلاء عليها وتسليمها إلى القاتل، ليقضي عليها كما قضى على مبدعها، لذلك افتقدنا كثيرا من المخطوطات التي كتبت في المرحلة الأخيرة من حياته قبل خروجه من حلب وبعده، وكان من الممكن أن تضاف إلى مؤلفيه المطبوعين ("أم القرى" و"طبائع الاستبداد") وقد ذكرها لنا حفيده سعد زغلول الكواكبي في كتابه "عبد الرحمن الكواكبي:السيرة الذاتية" وهي ("العظمة لله"، "صحائف قريش"، "الأنساب"، "أمراض المسلمين والأدوية الشافية لها" "أحسن ما كان في أسباب العمران"، "ماذا أصابنا وكيف السلامة"، "تجارة الرقيق وأحكامه في الإسلام") ويلاحظ من دلالة عناوينها أنها كانت استمرارا لما كان قد طرحه من أفكار في كتابيه السابقين، وإذا كانت هناك بعض الإضافات فلاشك أنها نتيجة رحلاته التي قام بها في السنتين الأخيرتين قبل استشهاده، ونتيجة نضج معاناته، ورغبته في مناقشة القضايا الإشكالية التي قد تشوّه الدين الإسلامي كقضية الرق.‏

وهكذا لم يكتف الاستبداد باغتيال الكواكبي وإنما سارع إلى اغتيال كلمته، التي كانت لظى على الاستبداد، يخافها كما كان يخاف الكواكبي، ويرى فيها تجسيدا لروحه، لذلك لا معنى لقتل الجسد وبقاء روحه الثائرة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! لكن هذه الروح، بفضل الله تعالى، باقية بيننا رغم كل هذا القهر، وجدناها حية متألقة ثائرة في وجه الاستبداد في كتابيه ("أم القرى" و"طبائع الاستبداد) وفي بعض مقالاته التي استطاع الباحث جان دايه العثور عليها (جريدة "الشهباء" و"اعتدال" و"العرب") وهي مازالت حية بفضل عناية الباحثين في كل مكان في العالم بما بقي من إنتاجه، لأن عظمة أي إنتاج فكري لا تقاس بكميته، وإنما بفعاليته التي تتجاوز الشرط الزماني والمكاني.‏

وبذلك نجد أن الكلمة الصادقة التي هي نبض المعاناة اليومية للكواكبي، بقيت حية لا تموت، رغم ما تعرضت له من محاولة اغتيال وقهر على يد الاستبداد، فقد بدت لنا أقوى من المستبد قادرة على مواجهته والقضاء عليه في أي زمان وأي مكان.‏

رحلات الكواكبي

ذاق الكواكبي صنوف المعاناة على يد الاستبداد العثماني وأعوانه، حتى لم يبق له مصدر رزق، وصار يستدين من أجل متطلبات حياته اليومية، لذلك حين عرض عليه السلطان منصب قضاء (راشيا) كي يبعده عن بلده (حلب) ويضعف تأثيره، تظاهر بقبوله، وسافر إلى الأستانة سرا، ليقوم بتحريات سرية عن أعمال السلطان وزبانيته، ويرى أنواع استبداده في عقر داره، لكن سرعان ما اكتشف أمره، ودعي للإقامة في قصر خاص بالضيافة، وقد التقى أثناء زيارته تلك بجمال الدين الأفغاني (1895) الذي جاء إلى الأستانة (1892) وبقي هناك (حتى وفاته أو بالأحرى قتله 1897) في منـزل للضيافة تحت الإقامة الجبرية، وقد أحس الكواكبي بعد لقائه بالمصير المشابه الذي ينتظره ، لذلك سارع بالعودة إلى حلب سرا.‏

لقد كان ظاهرا للعيان رغبة السلطان في التخلص منه، خاصة بعد أن أدرك أن المناصب في حلب لم ولن تغيره، فرأى الكواكبي حين عرض عليه السلطان منصب القضاء في راشيا وسيلة جديدة لإبعاده، خاصة أن هذا المنصب قد جاء بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها والتضييق على حريته في الأستانة، لذلك قرر الهرب إلى مصر سرا (1900) بعد أن رهن البيت الذي كان مسجلا باسم زوجته، ليؤمن تكاليف سفره.‏

ولو تأملنا أسباب اختيار الكواكبي مصر موطنا له، للاحظنا أنها تنحصر في الحرية: جوهر الوجود الذي عاش من أجله الكواكبي ومات في سبيل تحقيقه، وهذا ما تخيل وجوده في مصر زمن الخديوي عباس، فقد كانت ملاذا للكتاب، الذين هاجر إليها أغلبهم من بلاد الشام، رغبة في الحرية، (التي يلمسها المرء خاصة في الجرائد المصرية التي كانت تتمتع بحرية نقد السلطان عبد الحميد) وإلى جانب الحرية في التعبير، كانت هناك حرية في استخدام اللغة العربية في الكتابة التي كانت شبه ممنوعة في شرقي السلطنة، لذلك أسس المهاجرون إليها صحفا ومجلات، واستطاعوا أن يسهموا في إغناء الحياة الأدبية والفكرية في مصر، وقد شكّلوا صوتا واضحا في الصحافة عرف فيها، واشتهر باسم "الشوام"‏

عاش الكواكبي في القاهرة حوالي سنتين حيث ذاع صيته، وتابع نشر مقالاته في الصحف المصرية، بل نجده قد أصدر فيها "صحيفة العرب" التي لم تلبث أن توقفت، دون أن نعرف السبب، ربما قد يكون بسبب تقارب الخديوي عباس والسلطان عبد الحميد!! وقد كان أحد أهم شروط هذا التقارب، ألا يساند الخديوي المناوئين للسلطة العثمانية!!‏

كذلك استطاع أن ينشر فيها كتابيه "أم القرى" و"طبائع الاستبداد" اللذين كتبهما في حلب ولم يستطع نشرهما إلا بعد هربه منها، ويقول نديم الكواكبي (عبد المسيح الأنطاكي) إن الكواكبي ظل مختفيا في القاهرة حتى طبع كتاب "أم القرى" إذ أرسل منه نسختين إلى الخديوي في الإسكندرية، ونسخة إلى"الشيخ محمد عبده" والثالثة إلى"الشيخ علي يوسف" وقد سرّ الخديوي بالكتاب فطلب إلى الشيخين أن يسعيا للتعرف على صاحب الكتاب الذي لم يذكر اسمه عليه، ومنذ ذلك الوقت نشأت صداقة بين الخديوي والكواكبي التي يبدو أنها لم تعمّر طويلا، بسبب التقارب بين الخديوي والسلطان عبد الحميد، ورفض الكواكبي طلب الخديوي للسفر معه إلى الأستانة للتصالح مع السلطان.‏

أثناء إقامته في القاهرة، قام برحلتين زار فيهما بلادا عربية وأخرى إسلامية، ليتفهم أحوال المسلمين وليدرس عن كثب مشروع رابطة أم القرى الذي تحدث عنه بشكل نظري في كتابه "أم القرى" فزار السودان والجزيرة العربية واليمن، والتقى القبائل العربية، ليعرف مدى مقدرتها على القتال، وليحرضها على الثورة ضد الأتراك، لكن اللافت للنظر اهتمامه بالشؤون الاقتصادية والجيولوجية لبلاد العرب، حيث ذكر ابنه (كاظم) الذي رافقه في رحلته الثانية، أنه كان يجمع نماذج من صخورها، ويجلبها معه إلى مصر لدراستها من قبل المتخصصين لمعرفة الثروات المعدنية التي تحتويها الجزيرة (وقد كان من بينها على ما يذكر ابنه زيت النفط الذي دلّه عليه الأعراب في الجزيرة) .‏

إذاً لا تبدو الغاية من رحلاته دراسة أحوال الأمة العربية والإسلامية من الناحية السياسية والعسكرية فقط، بل دراسة أحوال البلاد الاجتماعية والاقتصادية، كي يؤسس لدولة عصرية، ترتكز على إمكاناتها الاقتصادية الذاتية، لذلك سعى إلى معرفة ما تملكه من ثروات باطنية بالإضافة إلى ما تملكه من استعداد حربي، فهو يدرك أن حرية الدول لا تكون بجلاء الغريب عنها، وإنما بامتلاك القدرة الاقتصادية التي تستطيع حماية الحرية، وتأسيس بنيان الدولة على أسس متينة، تمنحها استقلالا حقيقيا.‏

لقد امتلك الكواكبي وعيا سابقا لعصره، فسعى إلى الحرية بأفضل معانيها، جنّد في سبيلها كل ما يملكه من مواهب أدبية وفكرية، وضحى من أجلها بكل ما يملك، حتى دفع حياته ثمنا لها.‏

يمثل الكواكبي ظاهرة تكاد تكون فريدة في الفكر العربي الحديث، إنها ظاهرة انسجام قول المفكر بفعله، لذلك يعدّ ابنا باراً بعصره، فقد كان صوت الحق الذي يعلو في وجه السلطة الظالمة، يحمل سيف الكلمة الصادقة مدافعا عن حقوق أبناء أمته، وموقظا لهم من غفوتهم.‏

وقد دفّعتّه سلطة الاستبداد ثمنا باهظا لمواقفه الثائرة وأفكاره التنويرية التي حاول أن ينشرها، ويساعد عبرها الناس بأية طريقة (تأليف الكتب، الكتابة الصحفية، كتابة الشكاوي ضد المستبدين للأميين وغيرهم من المظلومين…) فعانى صنوف الآلام والاضطهاد من أجل مواقفه الصلبة وكتاباته التي تفضح مساوئ الاستبداد، وتقرر المواجهة الواعية عبر الدراسة والتحليل، تبرز الداء وتصف الدواء، وهو بذلك يخاطر بحياته (حكم عليه بالإعدام في حلب، تعرض للاغتيال، ثم قتل بالسم في مصر) بل نجده من أجل نشر أفكاره وكتبه يخاطر باستقراره، ويهجر موطنه وأسرته في (حلب) .‏

استطاع الكواكبي بهذه الهجرة أيضا أن يقدّم مثلا حيا لمقاومة المستبد، حتى في رفض الإقامة في أرضه، فقد لجأ إلى المقاومة بكل ما يستطيع من وسائل، وحين أحس بأنه يكاد يستنفد جميع هذه الوسائل، سمعناه يردد ما جاء في الأثر "من أعان ظالما على ظلمه، سلّطه الله عليه" لذلك كانت الهجرة من الوطن إحدى وسائل المقاومة، ورفض الإقامة في أرض الاستبداد! لأنها ستضطره للسكوت على الظلم وهذا في رأيه إعانة للمستبد، الأمر الذي يعني إخلالا بتعاليم دينية آمن بها، إذ "إن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" ومن أجل كلمة الحق دفع الكواكبي حياته!!‏

ورغم مرور حوالي مئة سنة على اغتيال الكواكبي نجده معاصرا لنا، ينطق بهموم زمننا، التي هي هموم زمنه، فمازالت كلمة الحق التي نطق بها، والتي خاف أن تضيع في أودية الجهل، خير معين للعرب في يقظتهم، كي يتجاوزوا تخلفهم، ويبنوا نهضتهم على أسس قويمة، حاول أن يقدمها لنا عبر جميع ما كتبه، فقدم، عبر الكلمة الأدبية الرفيعة، منهج عمل نهضوي يشمل مناحي الحياة كلها (الدين والأخلاق والتربية والاقتصاد والحكم…) كما تشمل المناحي التطبيقية للفكر والسلوك الخاطئ الذي يتبعه المثقف في حواره مع الآخرين (الإصرار على صحة آرائه، عدم سماع الرأي المخالف، ممالأة الاستبداد…) وهي أخطاء مازالت تعشّش في أعماق مثقف اليوم كما كانت تعشّش في الأمس!!‏

قد تختلف مع الكواكبي في بعض الآراء، لكنك حين تتأملها تحس أنها ابنة ظروف قاسية عاش وطأتها، فقد عانى هو وقومه العرب صنوف الاستبداد من السلطة العثمانية التي تحكم باسم الإسلام، لذلك رأيناه في كتابه "أم القرى" يفضل الحاكم الأجنبي، لأن الحاكم المسلم بات مشركا ظالما، لهذا من الأفضل شرعا وعقلا، في نظره، أن يحكمنا ملوك أجانب لأنهم أقرب للعدل، ولإقامة المصالح العامة، وأقدر على إعمار البلاد وترقية العباد!‏

ولا نستطيع أن نقول إن هذا الرأي تبناه جميع أعضاء رابطة "أم القرى" إنما طرحه أحد أعضائها (المرشد الفاسي) وقد ورد بين جملة آراء تبحث في سبل الخلاص من الحكم الاستبدادي.‏

سيكتشف الكواكبي في وقت لاحق حقيقة هذا الأجنبي (الاستعمار الإنكليزي) أثناء إقامته في مصر، لذلك وجدناه في كتابه "طبائع الاستبداد" ومقالاته الصحفية يفضح تناقض هذا الأجنبي واهتمامه بمصالحه فقط!‏

يدهشنا هذا الوعي المبكر لأهمية الموروث الديني في حياة الناس، فرأى ضرورة تجديده وإنقاذه من المشعوذين، ليصبح منهج حياة، يجدد على أساسه المجتمع، لذلك قدّم دراسة وافية لبعض الآيات القرآنية التي شوّه تفسيراتها رجال الاستبداد الذين يدّعون التدين، ليجعل بذلك من النصوص الدينية الأصيلة (القرآن الكريم والحديث الشريف) بداية النهضة والقضاء على الاستبداد.‏

وهكذا استطاع الكواكبي أن يمتلك حيوية فكرية، لعل خير دليل على ذلك مقدرته على تطويّر رؤيته الفكرية شأن كل مفكر أصيل، أي يطوّر، في الوقت نفسه، أسلوبه في الكتابة شأن كل أديب أصيل، فاستطاع بذلك أن يجسّد لنا انسجام التطور الفكري والأسلوبي، فكانت اللغة لديه نبض الفكر وروحه، وبذلك استطاع أن يقدّم لنا لغة جديدة تجسد فكرا مبدعا!‏

تجلت موهبة الكواكبي الأدبية في تنوع أساليبه التي هي نتيجة حيوية أفكاره، ورغبته في التواصل مع المتلقي والتأثير فيه، فلجأ إلى أسلوب القصة، والمناظرة، والمقارنة…الخ كما عمد إلى التخييل والسخرية والمبالغة، باختصار عمد إلى كل ما من شأنه أن يزيد فكرته وضوحا وجمالا.‏

صحيح أن الكواكبي لم يستطع في بعض الأحيان أن يتجاوز لغة عصره، لكنه استطاع أن يطوّع هذه اللغة ويكسبها مرونة، فلم نجد المحسنات البديعية التي استخدمها تثقل كاهل النص لديه، فقد تمكن من توظّفيها في خدمة الفكر، واستغلّ ما تملكه من إيقاع كي يجعل الفكرة أكثر تأثيرا وحيوية، وقد استطاع، شأن المبدعين الكبار، أن يطوّر لغته مع الزمن بفضل الممارسة اليومية للكتابة في الصحافة والتأليف من جهة وفي كتابة الشكاوي في مكتب المحاماة من جهة أخرى.‏

إذاً حاول أن ينهض باللغة من قوالبها الجامدة كما نهض بالفكر، فكانت لغته صورة لفكره الذي كان يطمح إلى تجاوز المألوف، دون أن يقطع صلته بالأصول الحية التي مازالت فاعلة في حياتنا، فأبعد الركود عن فكره، كما أبعد الجمود عن اللغة، وذلك بفضل تحول الكتابة إلى تجسيد حي لمعاناته اليومية، يؤرّخ عبرها القهر اليومي الذي يتعرض له هو وأبناء وطنه، كما تؤرخ صراعه مع الاستبداد، فصارت الكلمة، على يديه، أحد الأسلحة الرئيسية التي يقارع بها المستبد، لذلك ليس غريبا أن تتطور اللغة على يديه، بل نستطيع أن نعدّه أحد أبرز رواد النهضة الذين قاموا بإحياء اللغة العربية حين أقدموا على إحياء الفكر من أجل تجاوز عصور الانحطاط.‏

لعل ميزة الكواكبي عن غيره من المصلحين أنه استطاع أن يوّظف مقدرته الأدبية وثقافته الدينية من أجل ابتكار خطاب يصل إلى العامة، فينهض بعقولهم وبوجدانهم معا.‏

وهكذا بدا لنا الكواكبي رجل القول والفعل، اجتمع لديه الإبداع الأدبي بالإبداع الفكري، وامتزجت لديه الرؤية النظرية بالرؤية النضالية، فقدّم لنا فكرا أصيلا، مازال يصلح لعصرنا، لأنه ابن التجربة المعيشة والجهاد اليومي، إذ شهر جميع الأسلحة التي يملكها في وجه المستبد.‏

ومن الملاحظ أنه لم تؤرّقه الأنا، فلم يكن معنيّا بظهورها، كما يفعل بعض المثقفين اليوم فيضخمون ذواتهم ويدورون حولها، بل كان حريصا على إيصال كلمته الحرة إلى جميع الناس، دون أن يكون معنيّا بالشهرة، لذلك لم يحرص على اقتران اسمه بما يكتب دائما، فقد راعى ظروف الاستبداد، فاتخذ رموزا لاسمه، ونشر كتبه وبعض مقالاته موقّعة بها، دون أن يعلن اسمه صراحة، فاتخذ أسماء مستعارة (السيد الفراتي، الرحالة ك، ع حلب، مسلم حر الأفكار..) ولولا صداقته لأصحاب الصحف التي كان يراسلها لما عرفنا أن هذه المقالات للكواكبي!!‏

لذلك كله مازال الكواكبي معاصرا لنا، رغم مرور حوالي مئة عام على استشهاده، إنه مازال مثلا أعلى في التضحية والإبداع لكل المثقفين الذين يعملون لتحقيق حلم النهضة ومواجهة تسلط الاستبداد والغريب.‏

الحواشي:‏

1- جميع المعلومات التي في وردت في هذه المقدمة، أخذت من كتاب حفيد الكواكبي القاضي سعد زغلول الكواكبي، وهو بعنوان "عبد الرحمن الكواكبي: سيرة ذاتية" دار بيسان، بيروت، ط1، 1998، ص15_ 120 بتصرف.‏

اتحاد الكتاب العرب - دمشق

منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

طبائع الاستبداد

تحية إجلال وإكبار لذكرى الكواكبي المثقف الماجد

جاد الكريم الجباعي

مرت الذكرى المئوية الأولى لوفاة الرائد النهضوي عبد الرحمن الكواكبي، والذكرى المئوية الأولى لولادة كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، بصمت يوحي بأن الاستبداد الذي وقف الكواكبي حياته على مقاومته ومقارعته لا يزال مقيماً في بلاد العرب. وكان حرياً بالمثقفين العرب (الماجدين)، مفكرين وباحثين وأدباء وفنانين وصحفيين أن يجعلوا من هذه الذكرى مناسبة لاستكمال ما بدأه الكواكبي، والبناء على ما أسسه، في سبيل نظرية في الاستبداد، تكون نظرية في الحرية. وستظل هذه المهمة المعرفية والثقافية بامتياز على جدول الأعمال حتى تنجز، ما دام الاستبداد واقعاً قائماً؛ فوظيفة الفكر هي إنشاء صورة الواقع كما هو والوقوف على تعارضاته الجدلية واتجاهات تطورها. فالاستبداد، كما وصفه الكواكبي، هو الاستبداد، سواء كان مملوكياً أم عثمانيا، أم "وطنياً" و "تقدمياً"، أم "ثورياً"، أم "قومياً" و "اشتراكيا"، ومن البديهي أن يكون قبلياً وعشائرياً ومذهبياً. الاستبداد هو الاستبداد لا دين له ولا ملة ولا مذهب ولا جنسية ولا قومية، وهو هو في كل زمان ومكان، على تفاوت في الدرجة، لا في النوع، بحسب الظروف والملابسات والمعطيات التاريخية: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية؛ ومن ثم فإن طريقة الكواكبي في تحليل الاستبداد العثماني الذي عانى من ويلاته الأمرين تصلح قاعدة لتحليل الاستبداد عامة؛ لذلك لا يملك قارئ هذا الكتاب من عرب اليوم، إذا كان ثمة من قارئ، إلا أن يسقط مضمونه على حكومة بلاده وعلى نظامه السياسي، فإذا وجد أن ما وصفه الكواكبي من استبداد الدولة العثمانية لا يزال قائماً، بعضه أو جله أو كله، في دولته ونظام بلده وعلاقات مجتمعه ونفوس مواطنيه، فمعنى ذلك، إما أن العلاقات الاجتماعية والسياسية ونمط تقسيم العمل وتوزيع الثروة وشكل الملكية وما يؤطرها من بنى وتشكيلات و "مؤسسات" لم تتغير على نحو جذري يحول دون قيام الاستبداد وإعادة إنتاجه، وإما أن هذه جميعاً قد انتكست إلى ما كانت عليه في عصور الظلم والظلام، بعد تقدم في هذا المجال أو ذاك وتحسن على هذا الصعيد أو ذاك.

والاستبداد هو "اقتصار المرء على رأي نفسه في ما ينبغي الاستشارة فيه"، وهو اقتصار ينم إما على غطرسة و وغدنة واستعلاء وطغيان، وإما على وهم ذاتي بالتمامية والكمال وامتلاك الحقيقة الكلية الناجزة التي لا يأتيها الباطل، لا من بين يديها ولا من خلفها. وثمة علاقة بين الرأي والمصلحة تجعل من الرأي تعبيراً وهمياً أو إيهامياً عن مصلحة فعلية. وهو في اللغة، كما يقول الكواكبي: "غرور المرء برأيه والأنَفَة عن قبول النصيحة، أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة. و يراد بالاستبداد، عند إطلاقه، استبداد الحكومات خاصة، لأنها أعظم مظاهر أضراره التي جعلت الإنسان أشقى ذوي الحياة. .. والاستبداد، في اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع بحقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تَبِعةٍ. .. وأشد مراتب الاستبداد التي يُتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية، ولنا أن نقول: كلما قل وصف من هذه الأوصاف خف الاستبداد إلى أن ينتهي بالحاكم المنتخب الموقت المسؤول فعلاً" . ويلفت الدارس والباحث أن الكواكبي الذي رأى في الاستبداد بنية أو منظومة متكاملة ومتآخذة، أي تأخذ عناصرها بعضها برقاب بعض، لم يجعل من هذه البنية أو المنظومة نسقاً مجرداً، بل جملة متعينة أو كلية عينية، كما يقول الفلاسفة، صفاتها هي تعييناتها وحدودها، فكل وصف هو حد وفرق، لذلك أكثر الكواكبي من وصف الاستبداد، ووصف آثاره، لكي يعيِّن جميع حدوده وتعييناته وتعيُّناته أو مظاهره التي كلما زال أحدها أو ضمر خف الاستبداد؛ ومن ثم فإن هذه الجملة الكلية، أو الكلية العينية، جملة أو كلية تاريخية، صيرورة اجتماعية سياسية تاريخية، جدلية إذا شئتم، تعيِّن نظاماً اجتماعيا / اقتصاديا وسياسياً، أو نمط إنتاج وعلاقات وبنى وتنظيمات تتكثف جميعها في بنية الدولة ونظام الحكم ونمط العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الدولة والمجتمع والسلطة والشعب. كما يلفت النظر أنه لم يجعل من الاستبداد بنية مغلقة، جوهرية، عصية على قوانين الكون والفساد، بل جعل منه بالأحرى بنية مفتوحة تتغير أشكالها ومظاهرها، وتختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، ويمكن تغييرها تدريجاً؛ لذلك رأيناه في "أم القرى"، وهو نص لا ينفصل عن "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، ينشئ خطبة لكل وفد من الوفود العربية والإسلامية التي استدعاها إلى مؤتمره المتخيَّل في مكة المكرمة، أم القرى، وإلى جمعيته، "جمعية الموحدين" الذين لا يعبدون إلهاً سوى الله وحده جلت عظمته وتعالى مجده على كل ماجد أو متمجِّد؛ وفي كل خطبة جواب عن سؤال: لماذا تأخر العرب والمسلمون وتقدم غيرهم؟ أو مقاربة للإشكالية النهضوية التي لا تزال قائمة، وإن تغيرت الظروف والمعطيات؛ ولم تخل خطبة من مقاربة معنى من معاني الاستبداد وخطة لمقاومته والخروج من أسواره. فبدا على نحو لا لبس فيه أن الاستبداد قرين التأخر يتغذى منه ويغذيه، بل يعيد إنتاجه كلما بدرت بادرة للخروج منه. فهو لا يتعلق بمزايا الحاكم وصفاته الشخصية، بل بالشروط التي أنتجت الحكم. وتلفت النظر أيضاً رؤية الكواكبي أن مقارعة الاستبداد تحتاج إلى أدوات، كالمؤتمر والجمعية، وإلى سياسة عملية، أو عمل سياسي يعارض الاستبداد ويناهضه، بقدر ما يقوم على وعي صحيح بأسباب التأخر ومظاهره.

وإذ كشف الكواكبي النقاب عن العلاقات الضرورية، السلبية منها والإيجابية، بين الاستبداد والدين والعلم والمجد والمال والأخلاق والتربية والترقي، وأكد وجوب مناهضته والتخلص منه، فليس من اليسير، ولا من المستحب، أن تجمل هذه العلاقات في مقالة واحدة؛ لذلك اخترت علاقة الاستبداد بالمجد، لما ينطوي عليه عمل الكواكبي، في هذا المجال، من وصف دقيق وأصيل للمتمجدين ساسةً ومثقفين، أو أهلَ سيف وأهلَ قلم، ورغبة في تتويج سلسلة المقالات السابقة عن اغتراب المثقف العربي واعترابه، أي انكفائه على "خصوصية" وهمية وهوية حصرية، نافية للآخر ومعادية له، وذلكم أحد وجوه الاستبداد.

الاستبداد، في نظر الكواكبي، أصل لكل فساد، إذ يضغط على العقل فيفسده، ويلعب بالدين فيفسده، ويحارب العلم فيفسده، ويغالب المجد ويقيم مقامه التمجُّد. فالمجد والتمجد ضدان. "المجد هو إحراز المرء مقام حب واحترام في القلوب، وهو مطلب طبيعي شريف لكل إنسان، لا يترفع عنه نبي أو زاهد، ولا ينحط عنه دني أو خامل. للمجد لذة تقارب لذة العبادة عند الفانين في الله، وتعادل لذة العلم عند الحكماء، وتربو على لذة امتلاك الأرض مع ثمرها عند الأمراء، وتزيد على لذة مفاجأة الإثراء عند الفقراء، ولذا يزاحم المجد في النفوس منزلة الحياة". ولا يُنال المجد إلا بنوع من البذل في سبيل الجماعة؛ ولهذا البذل أسماء مختلفة عند الأمم والشعوب المختلفة؛ فهو "إما بذل مال للنفع العام، ويسمى مجد الكرم، وهو أضعف المجد، أو بذل العلم النافع المفيد للجماعة، ويسمى مجد الفضيلة، أو بذل النفس بالتعرض للمشاق والأخطار في سبيل نصرة الحق وحفظ النظام، ويسمى مجد النبالة، (وبودي أن اسميه مجد الحق والعدالة) وهذا أعلى المجد، وهو المراد عند الإطلاق، وهو المجد الذي تتوق إليه النفوس الكبيرة وتحن إليه أعناق النبلاء". ولا يخفى على بصير ارتباط فكرة المجد بفكرة الجماعة، أي بفكرة الأمة أو فكرة الشعب، وبفكرة الخدمة العامة أو العمومية التي تحيل على عمومية المخدوم، أعني المجتمع والدولة. ولا تخفى كذلك الإشارة العبقرية إلى عدم حصره في قلة من الأشخاص؛ فهو "محبب للنفوس، لا تفتأ تسعى وراءه، وترقى مراقيه، وهو ميسَّر في عهد العدل لكل إنسان على حسب استعداده وهمته، وينحصر تحصيله في زمن الاستبداد بمقاومة الظلم على حسب الإمكان". ويقابله التمجد مقابلة الضد للضد والنقيض للنقيض، والتمجد "خاص بالإدارات المستبدة، وهو القربى من المستبد بالفعل كالأعوان والعمال، أو بالقوة (كالملقبين بألقاب الشرف والجاه)، أو الموسومين بالنياشين أو المطوقين بالحمائل، وبتعريف آخر، هو أن ينال المرء جذوة نار من جهنم كبرياء المستبد ليحرق بها شرف المساواة في الإنسانية". ولا يخفى هنا أيضاً اقتران التمجد بالاستبداد والفساد، ولا تلك الفكرة العبقرية الأصيلة، فكرة تساوي جميع الأفراد وتماثلهم في الإنسانية، وهي جذر لمفهوم المواطنة وتساوي جميع المواطنين أمام القانون الذي وضعه الكواكبي في مرتبة لا تدانيها مرتبة مهما علت. وبوصف أخصر، يضيف الكواكبي، "هو أن يتقلد الرجل سيفاً يبرهن به على أنه جلاد في دولة الاستبداد، أو يعلق على صدره وساماً مشعراً بما وراءه من الوجدان المستبيح للعدوان .. ، وبعبارة أوضح وأخصر هو أن يصير الإنسان مستبداً صغيراً في كنف المستبد الأعظم". والمستبد الصغير أدهى من المستبد الأعظم، إذ لا يخلو هذا الأخير أن يكون "عادلاً" أو "مصلحاً". فالمستبد الذي يصفه الكواكبي هو المستبد وبطانته وأعوانه على الاستبداد ومتمجدوه معاً، المستبد الذي لا يصير كذلك إلا بهذه البطانة وهؤلاء الأعوان، وإلا فللنظام المعني اسم آخر. فلا يكون المستبد مستبداً إلا بالمستبدين الصغار المتمجدين، ولا سيما "أهل القلم" بالمعنى المملوكي العثماني الإقطاعي للكلمة؛ وجريرة هؤلاء لا تقل عن جريرة المستبد الأعظم، بل ربما تزيد عليها لما يتوفرون عليه من أساليب التمويه والتضليل والإيهام وتزييف الوعي.

التمجد خاص بالإدارات المستبدة، "وذلك لأن الحكومة الحرة التي تمثل عواطف الأمة تأبى كل الإباء إخلال التساوي بين الأفراد، إلا لفضل حقيقي، فلا ترفع قدر أحد منها إلا رفعاً صورياً أثناء قيامه في خدمتها، أي الخدمة العمومية، وذلك تشويقاً له على التفاني في الخدمة. كما أنها لا تميز أحداً منها بوسام أو تشرفه بلقب إلا ما كان علمياً أو ذكرى لخدمة مهمة وفقه الله إليها. وبمثل هذا يرفع الله الناس بعضهم فوق بعض درجات في القلوب لا في الحقوق". فالتفاوت والتفاضل بين الأفراد لا يكونان في الإنسانية ولا في المواطنة ولا في الحقوق، بل في الهمة والكفاية والمقدرة على البذل في سبيل النفع العام والخدمة العمومية؛ وليس كما هي الحال في التمجد والرياء والنفاق، أو في درجة الولاء للمستبد، على أي وجه من وجوه الولاء. وهكذا يكون المتمجدون، كما وصفهم الكواكبي، "أعداء للعدل، أنصاراً للجور، لا دين ولا وجدان ولا شرف ولا رحمة؛ ولهذا يقال: دولة الاستبداد دولة بله وأوغاد، فلا يستقر عند المستبد إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله".

ويضيف الكواكبي أن " الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها، من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفراش، إلى كناس الشوارع، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن السفلة لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أيٍ كانت ولو بشراً أم خنازير، آبائهم أم أعدائهم، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه، فيشاركهم ويشاركونه. وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته؛ فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسفل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة، واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة، وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفة وقرباً. ومن ثم فالمستبد، وهو من لا يجهل أن الناس أعداؤه لظلمه، لا يأمن على بابه إلا من يثق به أنه أظلم منه للناس، وأبعد منه عن أعدائه". ويبدو لي أن فكرة العداوة هنا تستحق التأمل والبحث، إذ لا ينظر المستبد والمتمجدون إلى سائر المواطنين إلا على أنهم أعداء موضوعيون، وذلك بقدر ما يكون المستبد والمتمجدون قد انتهكوا من حقوق وأعراض وحرمات. فكلما أمعن هؤلاء وأوغلوا في العسف والظلم والنهب والفساد يتعمق شعورهم بأن سائر المواطنين "أعداء موضوعيون"، فيمعنون في القمع والإرهاب، وينشبون أنيابهم ومخالبهم في لحم الشعب. "والنتيجة أن وزير المستبد هو وزير المستبد، لا وزير الأمة، كما في الحكومات الدستورية. كذلك القائد يحمل سيف المستبد ليغمده في الرقاب بأمر المستبد لا بأمر الأمة، بل هو يستعيذ من أن تكون الأمة صاحبة أمر، لما يعلم من نفسه أن الأمة لا تقلد القيادة لمثله". والنتيجة المقابلة أن الإصلاح الذي يفضي إلى الخروج من عالم الاستبداد يبدأ بنفي التمجد والحجر على المتمجدين.

ألا ما أكثر المستبدين الصغار في وقتنا وزماننا، ألا ما أكثر المتمجدين من "أهل السيف وأهل القلم" في وقتنا وزماننا، ألا ما أكثر هؤلاء الذين لا يزيدون على أن يكونوا "كعب حذاء المستبد" الذي يسد به المستبد أفوه المواطنين. ألا ما أحوج بلداننا إلى نفي التمجد والحجر على المتمجدين. ألا ما أحوجنا إلى روح الكواكبي، المثقف الماجد، وإلى نبله وأصالته وشجاعته، وما أحوج الفكر العربي إلى إعادة صلته التي انقطعت بفكر النهضة والتنوير في العصر الليبرالي. ولعل تشابه الظروف يقتضي ذلك بإلحاح.

http://hem.bredband.net/b153948/articel26.htm

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

http://www.arabiancreativity.com/jarticle1.htm

هكذا تكلّم الكواكبي رائد النهضة العربية

اغتالته السلطة في الرابع عشر من حزيران سنة 1902

وماتزال أفكاره حيّة لاتموت

في القرن الماضي، وفي ظروف القهر والجهل والجوع، وتحت سياط الدولة العثمانية المريضة، ومع غياب وسائل الاتّصال السريع ، أبدع الكواكبي صحيفتيه (( الشهباء )) و (( اعتدال )) بتمويل ذاتيّ وجهد فرديّ ، حيث كان الكاتب والطابع والموزّع . كما ألّف (( أم القرى )) بشكل روائي جعل كثيراً من الباحثين يظنوّن أنّه سجلّ لوقائع حقيقية . ووضع طبائع الاستبداد )) مبيّناً علاقاته المختلفة .

فكم واحداً منّا ـ نحن العرب المعاصرين ـ يستطيع أن يحرّك الفكر من حوله بمقدار ما حرّكه الكواكبي ؟

وهل نحن عاجزون ، في ظل الاستقلال والتقنيّة الحديثة، عن إنجاز ما فعله أجدادنا ؟ ولماذا ؟

أتراها الهجمة المستعِرة على الاستهلاك ، أم هو الاستبداد الذي يطبق على أفكارنا بحيث نعجز عمّا استطاعه مفكّرو القرن الماضي ، بالرغم من ظروف القهر والتخلّف؟

والكواكبي واحد من أجدادنا الأفذاذ ـ رواد النهضة الذين حاولوا النهوض بالواقع إيماناً منهم بمسؤوليّة العلماء في توعية الناس ليقدروا على المطالبة بحقوقهم بعد أن يدركوا أنّهم بشر أحرار في صنع مـصائرهم .

وبالرغم من أنه واحد من القلائل الذين تُذكر أسماؤهم في الكتب المدرسيّة ، نكاد لا نعثر إلاّ على عدد ضئيل ممن يعرفون إسهاماته في محاولة النهضة العربية تحت لواء علم عربي واحد ، لا يتعارض وجوده مع رابطة تضمّ الشعوب الإسلاميّة ،ولا يتنافى ودخول العرب في تحالفات مختلفة مع الآخرين . وكثير منهم لا يعرفون صيحاته التي تندد بالاستبداد ، وتدعو إلى تحرير العقول من الجمود، وتطالب بضرورة الاجتهاد في الإسلام الذي وُجد من أجل سعادة الإنسان .

ولد الكواكبي عام / 1855 / وتنقّل بين حلب وانطاكية لمتابعة دروسه ، وكان يتقن الفارسية والتركية إلى جانب لغته الأم . أمتاز بنشأته ذات الثقافة الدينية ، وتربيته العلمية ، حيث تلقى علوم الشريعة والفلسفة والاقتصاد والسياسة.

عمل في صحيفة ( فرات ) ثم ضاق ذرعاً بها ، فأنشأ أول صحيفة مستقلة في حلب ( الشهباء ) وهو في الثانية والعشرين من عمره ، إلاّ أن السلطات أغلقتها لأنها هاجمت فساد الإدارة في الحكم .

ثم أصدر صحيفة ( اعتدال ) بالعربية والتركية ، ما لبثت أن توقفت أيضاً . عمل في أعمال كثيرة منها الصحافة والمحاماة ، واستلم مناصب متعددة كرئاسة غرفة تجارة حلب ، ورئاسة البلدية .

حكم عليه بالإعدام لكنّه برّيء عندما دافع عن نفسه بعد انتقال محاكمته إلى بيروت .

ثم هاجر إلى مصر ليتابع نشر فكره الإصلاحي بعيداً عن ضغط استبداد الحكومة ، وكان يحمل معه مخطوطي( أم القرى ) و ( طبائع الاستبداد ) حيث نشر فصولهما في الصحف المصرية حتى ذاع صيته .

ثم سافر إلى آسيا وأفريقيا للتعرف إلى أحوال العرب والمسلمين هناك ، ولكن ما لبث أن عاد حيث دسّ له السم في فنجان قهوة بإيعاز من السلطات، وبموته فقدنا أحد أقطاب الفكر العربي الحديث. كانت صحافته مفقودة ، حتى عثر على بعضها الباحث ( جان داية ) في إحدى جامعات ألمانيا مؤخراً ، ونشرها في كتاب ( صحافة الكواكبي ) وقد تناولته بالدراسة في كتابي ( الاستبداد وبدائله في فكر الكواكبي ) أما مؤلفاته المفقودة التي لم يتم العثور عليها فهي:

( صحائف قريش ـ العظمة لله ـ أمراض المسلمين والأدوية الشافية لها ـ أحسن ما كان في أسباب العمران ـ ماذا أصابنا ؟ وكيف السلامة ؟ ) .

أما كتاب ( طبائع الاستبداد ) فهو أهم ما كتب الكواكبي.

ومن خلاله استطاع أن ينهض بفكره وسط القمع والجهل والتخلّف.

عاش الكواكبي واقعاً موبوءاً بسيطرة العثمانيين من جهة ، وبجهل مواطنيه وتخلّفهم من جهة ثانية، وهو المطلّع على أفكار التحرر الأوروبية والمتشبّع بالأفكار الإسلامية الأصلية ، مستنداً إلى تراثٍ عربيّ عريق . وقد لاحظ الواقع الفاسد ، وتساءل عن أسباب التدهور ( الذي يسميه الفتور ) لدى الشعوب الإسلامية عموماً ، والأمة العربية

خصوصاً ، ورأى أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

ـ دينية وسياسية وأخلاقية ، حيث انتشرت عقيدة الجبر وساد الجدل والتشديد وفشا الزهد والتهاون ، مما أدّى إلى تحريف الدين ، وفقدان الحرية في ظل السلطة المطلقة والحكم المركزي ، وقد تفرق المسلمون إلى أحزاب وفرق ، فانعدم التنظيم والعدالة والمساواة والشورى ، وكثر النسل ، وفقدت التربية ، وأهمل تعليم النساء ...

هذا في حين أن الإسلام أتاح للمسلمين فرصة الالتقاء والتشاور عن طريق الجمعة والجماعة والحج ، وأرشدهم إلى الشورى والعدالة ، وخصّهم على طلب العلم .

بعد مناقشة تلك الأسباب العديدة حاول الكواكبي أن يرجع الشرور الاجتماعية كلَّها إلى عامل يؤدي إلى تعطيل النظام السياسي المنوط به كل شيء في النهاية ، فاكتشف الاستبداد ، علة العلل ، وذلك لأنه رأى أن التخصص في العلة يؤدي إلى التخصص في الحل . يقول بعد ثلاثين عاماً من الدراسة : " تمحّص عندي أن أصل الداء هو الاستبداد

السياسي " . وأن الانحطاط عرض له ، والاستبداد في حقيقته سياسي يستند إلى أيديولوجيا فكرية إلى جانب الجيش والمال حيث تجتمع عناصر الاستبداد الأساسية، الفكر والثروة والسلاح ، وذلك لأن السياسة هي التي تسيطر على المؤسسات الأخرى في النهاية .

وقد عرّف الكواكبي أن الاستبداد لغةً بقوله : " هو استئثار المرء في ما تجب عليه المشاركة فيه " وعرّفه اصطلاحاً بقوله " هو تصرّف فرد في حقوق القوم بلا حسيب ولا رقيب "

يقول " ويراد بالاستبداد عند إطلاقه استبداد الحكومات خاصة " .

فالاستبداد الأكبر هو الاستبداد السياسي الذي تنطوي تحته كل الاستبدادات ، وهو تصرف أشخاص السلطة الحكومية في حقوق الشعب من غير قانون بما يخدم أهواءهم ومصالحهم .

ويفرّق الكواكبي بين السياسة والاستبداد ، فالسياسة هي إدارة الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة ، أما الاستبداد فهو التصرف في الشؤون المشتركة بمقتضى الهوى .

ويمكن أن يقوم بالاستبداد فرد أو جماعة ، و على اختلاف أشكاله يتمثل بغياب القانون أو تغييبه من خلال إمكان الحكّام إبطال قوة القيد متى شاؤوا .

نستدل على الحكومات المستبدة من ملاحظة غلوائها في مظاهر فارغة كعظمة الاحتفالات ومراسم التشريفات ، وتعظيم الملوك وفخامة القصور ، وعلائم الأبّهة التي تحاول بها التعويض عما ينقصها من الحكمة في إدارة شؤون البلاد ، ومن تحظيرها استخدام كلمات مثل حرية ـ وجمعية ، ومواطن ، ووطن ، وحقوق .

وانتشار ألفاظ التعظيم فيها مثل ‘‘ سيدي ، وعبدكم ، والمولى المقدس .. الخ ‘‘ .

ويرى الكواكبي أن الحكومات التي تغفل عنها الأمة تنقلب إلى مستبدة ، معتمدة على الجهل والجنود والأثرياء والمتمجدين والمتعممين ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها) ومن أهم دعائم الاستبداد هم أسراه ( كما تكونوا يولّ عليكم ) فمسؤولية الاستبداد تقع على العلماء أوّلاً ثم على العامة ، كل بحسب درجة وعيه .

ويعتمد المستبد ـ أيضاً ـ على جبن الرعية ( ولو رأى الظالم إلى جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم).

أما عن علاقات الاستبداد وآثاره فيرى الكواكبي أن الاستبداد يفسد كل ما له علاقة به فيحرف الدين ويفسد الأخلاق ، ويعزز التفاوت ويفرق الجماعات ، حتى ينقلب الناس إلى مستعبدين صغار في كنف المستعبد الأكبر .

فالاستبداد ليس حاكماً وحسب ، إنه نظام شامل من الأعوان والطفيليات المستفيدة من واقع فاسد ، لذلك لا بدّ من إزالة الاستبداد واستبداله مبتدئين بإصلاح الدين في أذهان المسلمين .

لقد رأينا عند الكواكبي أربعة أشكال استبدادية ، صنّفت بحسب الهيئة الصادر عنها ، وفي مقابلتها يضع الكواكبي المساواة والحرية والعدالة والشورى الدستورية . فالمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس تأتي في مقابل استبداد الاصلاء فيحاكم الملك والصعلوك أمام القضاء على السواء ، وحرية التدين والتفكير والاجتهاد مقابل استبداد المتعممين وهنا ينطلق الكواكبي من مقولة ( لا إكراه في الدين) حيث يزول التعصب ويسود التسامح بين أصحاب الأديان المختلفة بمقارعة الحاكم الذي ينوي أن يستبد، وتأتي العدالة عموماً والعدالة الاقتصادية

خصوصاً مقابل الاستغلال، أما الشورى الدستورية فهي بديل الاستبداد السياسي وبفضلها يتم تحقيق العدالة والمساواة والحرية انطلاقاً من { وأمرهم شورى بينهم } و { وشاورهم في الأمر } .

يقول الكواكبي : " تمحّص عندي أن أصل الداء هو الاستبداد السياسي ، ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية " التي تلزم الحاكم بها ويقوم بها أهل الحل والعقد ، ولهم حق محاسبة الحكومة لأنهم وكلاء الأمة ـ على أن يكونوا وكلاء مؤتمنين . على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ، ولا يتحقق هذا الأمر إلاّ بالإسلامية

التي تفصح عن نفسها بوصفها حلاً شاملاً لمشكلات المجتمع ( الفكرية والدينية والاقتصادية والسياسية ) .

وهنا يميّز الكواكبي بين الإسلام والمسلمين والإسلامية ، فالإسلامية ليست ما يدين به المسلمون الآن ، ولكنها المنهج المشتق من الإسلام الصحيح الذي ينبثق من القرآن الكريم وصحيح السنة وثابت الإجماع، والإسلامية تختص بالمعاملات ولا شأن لها بالعبادات يقول الكواكبي " لقد جاءت الإسلامية بقواعد شرعية ... وأناطت تنفيذها بالحكومة " فالحكومة ليست صاحبة القرار وواضعة القوانين ، وما هي إلاّ منفذ لنظام الإسلامية التي تستند إلى قواعد تشريعية .

فالقانون يُستمد من الشريعة ويعبّر عن إرادة الأمة ، ولا يمكن صيانة حقوق الأمة إلاّ بالمراقبة والمحاسبة ، لأن الحكومة التي لا تحاسَب تستبد .

إن من أهم وظائف الحكومة عند الكواكبي المحافظة على حقوق الناس ، وحراسة أمنهم، ونشر العدالة بينهم .

ونحن عندما نقرأ الكواكبي كثيراً ما يذهلنا من خلال تحديد معانيه بدقة فهو يطالب بعدالة توزيع الأعمال والعائدات فإذا فهمنا كيف يكون توزيع العائدات فكيف توزَّع الأعمال إذن . لنفترض أن شخصين عملا فأخذ كل منهما العائدات التي يستحق . أما توزيع الأعمال فيكون عندما لا تسمح الحكومة لأحد ما بأن تكون لديه خمسة أعمال وهناك شخص عاطل عن العمل .

لدى الكواكبي كتابان، وهو يطرح مفاهيمه بدقة في هذين الكتابين ، ونحن نتحدث عن فكر الكواكبي كله من حيث صحافتُه وكتاباه ، وهو في هذه الأعمال يحدد عمل الحكومة ويرسم حدودها . لمجمل هذه الحراسات ينتخب الشعب حكومته . أما إذا اختلفت الحكومة مع الأمة في اعتبار الصالح والمضر لأمر ما يتعلق بحالة حرب أو سلم أو بأمر يتعلق بالدين ، ما الذي حدث ؟ الكواكبي يجيب عن ذلك بكل بساطة على الحكومة أنت تعتزل الحكم إن الأمة أوجدت الحكومة لتخدمها فإذا زالت هذه المهمة لم يعد للحكومة من مسوغ لبقائها .

لقد عرفنا الاستبداد وبدائله ، وفي كل عمل لا بد من معرفة الواقع ومن معرفة الطريق الواصلة إلى غايتنا لنتمكن من تحقيقها .

هناك إذن منطلق ومنهج وهدف .

فكيف يجري الإصلاح ويُزال الاستبداد و تُقام الإسلامية ؟

إن نقطة البداية تتركز في إدراك معظم المواطنين أنهم يعيشون واقعاً فاسداً يتطلب الإصلاح ، وهذا يتحقق عن طريق تنمية الوعي تدريجياً لإصلاح الدين وإنشاء جمعية تُعنى بتحقيق الإسلامية .

والكواكبي يضع ثلاثة شروط مبدئية لرفع الاستبداد واستبداله وهي :

ـ شعور الأمة بآلام الاستبداد ، والتدّرج وتهيئة البديل ، فمن أراد تخليص أمته من أسر الاستبداد ، عليه أولاً أن يبث فيها العلم بسوء حالتها . وأن يبيّن لها إمكانية التغيير، ومتى ارتفع الجهل وتنوّر العقل زال الخوف حتى ينادي الناس مع المعري :

إذا لم تقمْ بالعدلِ فينا حكومةٌ فنحنُ على تغييرِها قُدَراءُ

فالوعي هو أول خطوة على طريق إزالة الاستبداد ، ولكن كيف يمكن للإنسان أن يبعث في أمته الحياة ويوقظها على الشعور بآلام الاستبداد ؟ ومن المكلف بذلك ؟

إنه الإنسان الذي يجهد في ترقية معارفه ، ويحافظ على آداب قومه ، محتفظاً بوقاره متجانباً مصاحبة الحكام ، وملتزماً بحسن الأخلاق ، يحب وطنه ، ويساعد الضعفاء ، ويغار على الدين .

إن مقاومة الاستبداد أمر مكلف به كل فرد في الأمة وقد قال تعالى { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } وهو متعيّن على كل فرد لأنه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر .

والأمة التي لا تشعر بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية يقول الكواكبي : " إن الحرية التي لا تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها " . فلا بد من التدريج ببث الوعي ، حتى إذا عم الوعي واجتمع الرأي بدأت الحملة على الاستبداد ، فلا ينبغي أن يُقاوَم الاستبداد بالعنف العشوائي كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصداً ثم لا تثمر شيئاً . أما إذا اشتد الاستبداد وانفجرت الفتنة ومارست الحكومة استعراءها ، فلا بد حينذاك من استخدام

القوة لأن القوة لا تقابل إلاّ بالقوة ( والجدير بالذكر أن جمال عبد الناصر قد تأثر بالكواكبي وأعجب بأعماله ، ويبدو لنا ذلك من قوله " ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة " ) .

لذلك على الأمة التي يحكمها الاستبداد ويمنعها من استخدام الإصلاح التدريجي بالكلمة الطيبة ، لا بد من أن تقاومه بكل ما أوتيت من القوة . لقد اختار الكواكبي الحل التدريجي الإصلاحي وهو يؤمن بأن ما لا يتغير بالإصلاح يجب تغييره بالثورة ، فالإنسان هنا لا يستخدم القوة إلاّ إذا جوبه بها . فما الإصلاح الذي يطلبه سوى ثورة مرجأة لا ينبغي القيام بها قبل التأكد من إمكانيات نجاحها وإعداد الناس لها . ويجب ألا تكون الفوارق الدينية عائقاً للاتحاد الوطني ، كما يجب أن لا تكون الفوارق الوطنية عائقاً للاتحاد الديني بين الأمم وقد بنيت الأديان على ( لا إله إلا الله ).

لقد رأى أن إصلاح الدين هو أقرب طريق لإصلاح السياسة ، فدعا إلى إنشاء جمعية تهتم بالإصلاح الديني . والكواكبي يقدم مشروعاً متكاملاً مفصلاً لتلك الجمعية التي يسميها في ( أم القرى ) ( جمعية تعليم الموحدين ) ، ويسلم قيادها للعرب . وباختصار فإن الكواكبي يستعرض كل أشكال مكافحة الاستبداد ليختار الأصلح فإما أن نقاوم الاستبداد : بالقوة ، أي بالعنف ، لكنه لم يرض باستبداد الأشخاص والإبقاء على الاستبداد بغيرهم . أو بالثورة التي قد تنقلب إلى الاستبداد ما لم يكن قد تم التخطيط لقيامها . والثورة الحقيقية تكون بقيام حكومة لا علاقة لها بالاستبداد ولا علاقة للقائمين عليها بالثورة حتى لا يغتنم الثوار كل فرصة سانحة لتذكير الناس بضريبة التحرير .

أو بالانتظار والهدوء والاستكانة ، ولكن ليس للأمة من يحك جلدها غير ظفرها .

فإنّ الأمَّ لم ترضعْ صبيّاً مع الإشفاقِ لو سكتَ الغلامُ

أو بالتدريج الذي يجهّز الرأيّ ويبث العلم ليصبح الناس هم أصحاب التغيير ويتحملون المسؤولية . وقد اختار الكواكبي الطرائق السالفة جميعها بنسب مختلفة وبحسب حالة البلاد التي يريد أهلها التغيير ، ولكنه عموما يفضل الحرب بالوعي على الحرب بالعنف

وقد دعا قومه إلى البدء بتغيير الذات ولم يتستر عليهم بلوم الآخرين ، وقرر أن الحل يأتي عن طريق : وعي كل إنسان أنه مسؤول ، وإيجاد روابط تضم إمكانيات الناس وتوجههم ، وإعداد العّدة لمقاومة الاستبداد

( وأعدوا لهم ما استطعتم ..) وتهديد الحكومة القائمة ومقاطعتها ومن ثم مقاومتها ، ثم وضع البديل وإبقاء الرابطة الدينية بعيداً عن التقلّبات السياسية . وما هذا الطريق الذي يرسمه الكواكبي إلاّ انطلاقاً من قدرات الإنسان لصالح الإنسان نفسه ، آخذا بعين الاعتبار منطلقاته التراثية بوصفه ينتمي إلى العروبة والإسلام .

وفي أثناء الأعوام، الصاخبة من حياة الكواكبي، التي تعرّض فيها للظلم والسجن وصودرت ممتلكاته، كان يضع فصول كتابه " أم القرى " الذي قال (كامل الغزّي) أنّه اطّلع عليه في حلب، وقال ابنه (الدكتور أسعد الكواكبي) أنّه بيّضه له وهو في حلب. كما كان يضع بعض أفكار كتابه الثاني " طبائع الاستبداد ". ولكي يتخلّص من إلحاح السلطة العثمانيّة عليه بالتعامل معها، إذ سلّمته قراراً بتعيينه نائباً شرعياً في قضاء "راشيّا " في ولاية "سورية" ، فتظاهر بالموافقة، وقرّر الهجرة إلى مصر سرّاً، بحجّة أنّه سيقوم بزيارة إلى "استانبول".

وصل إلى القاهرة في منتصف شهر تشرين الثاني سنة (1317هـ = 1899م)، حيث التقى بالمفكّرين والأدباء، وشارك في الحركة الفكريّة في "مصر"، وهناك ذاع صيته إبّان نشره مقالات "طبائع الاستبداد" في صحيفة "المؤيّد" لـ (علي يوسف)، وبعد إصداره كتاب "أم القرى" باسم مستعار هو (السيّد الفراتي)، ثم أصدر "طبائع الاستبداد" تحت اسم (الرحالة ك)، وكتب فصولاً من " أم القرى" في صحيفة "المنار"، سنة (1318هـ = 1900م) بعد حذف اقترحه (محمد رشيد رضا) تحسّباً من السلطة.

وفي سنة (1319هـ= 1901م) قام برحلة اطّلاعيّة إلى البلاد العربيّة والإسلاميّة، ليدرس أحوالها، وهناك دوّن خواطره ليُصدرها في كتاب، ولكنّ وفاته المفاجِئة حالت دون ذلك. فقد توفي مساء الخميس في

(6 ربيع الأول سنة 1320هـ)، الموافق (14 حزيران عام 1902م)، على إثر احتسائه (فنجان قهوة) في مقهى (يلدز) قرب حديقة (الأزبكية) بالقاهرة. مات مسموماً على أيدي أعوان السلطان (عبدالحميد الثاني)، الملقّب بالسلطان الأحمر، الذي أرسل من دسّ له السم في فنجانه. فبعد أن احتسى القهوة، بنصف ساعة، أحسّ بألم في أمعائه، فانتقل إلى داره، وكان معه ابنه (كاظم)، ثمّ، في منتصف الليل، ذهب ابنه لإحضار الطبيب، ولما عاد ومعه الطبيب وجداه ميتاً. وفي اليوم التالي أمر السلطان (عبدالحميد الثاني) أحد أعوانه (عبدالقادر القبّاني) صاحب "ثمرات الفنون" التي كانت تصدر في بيروت، أن يقصد محلّ إقامة الكواكبي، ويحرز جميع أوراقه، ويرسلها إليه.. وقد فعل ذلك في اليوم التالي لوفاته.

دُفن في قرافة باب الوزير على سطح جبل المقطّم، وبعد أربعين عاماً نقلت رفاته في احتفال ديني إلى مقبرة المشاهير في شارع العفيفي بمنطقة باب الوزير، وكُتب اسمه وتاريخ وفاته وتاريخ نقله، على صفحة من المرمر، كُتب عليها بيتان لحافظ إبراهيم :

هنا خيرُ مظلومٍ هنا خير كاتبِ هنا رجل الدّنيا هنا مهبط التُّقَى

قفوا واقرؤوا " أمّ الكتاب " وسلّموا عليه فهذا القبر قبرُ الكواكبي

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 4 سنة...

الغائب الحاضر ... كم أنا مشتاق لكتابتك ..

الإستبداد هو أصل البلاء ..... حقيقة توصل إليها عبد الرحمن الكواكبى بعد دراسة ثلاثين سنة

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 سنة...

السلام عليكم

بمناسبة مشكلة الكهرباء التى نعانى منها فى مصر هذه الايام

وبعد تبادل الاتهامات بين وزيرى الطاقة والبترول عن اسباب الازمة

وبعد ان اصدر السيد الرئيس قرارا حاسما باختياره " الضبعة " لتكون اول محطة توليد للطاقة الكهربائية تدار بالطاقة النووية

قفز الى خاطرى مباشرة حكمة وضعها " عبدالرحمن الكواكبى " فى مقدمة كتابه " طبائع الاستبداد " والذى كتبه منذ اكثر من قرن من الزمان.

الحكمة تقول : أن كلب الصيد بعد ان اعياه الجرى خلف الفريسة" الارنب " ، قرر ان يعرف سبب عجزه عن الامساك بالارنب فسأله " كيف تسبقنى ايها الارنب وانا الاقوى والاسرع منك؟ "

فأجابه الارنب " لاننى أعمل لنفسى ، وانت تعمل لسيدك "

تخيلت ان وزير الكهرباء لو كان يملك شركة كهرباء مصر ، هل كان ليغمض عينيه عن طلبات العملاء المتزايدة للطاقة الكهربائية التى يبيعها لهم ويربح منها؟

هل كان ليتقاعس عن توسيع شركات الكهرباء وزيادة انتاجها وبيعه الى الدول المجاورة خاصة انها مشروع بيسينس فى الاساس؟

هل كان ليتوانى عن تدبير احتياجات شركته للطاقة من اى مصدر اذا تقاعس وزير البترول عن امداده بما تحتاجه شركته من الغاز او الطاقة عموما؟

أم انهم جميعا يعملون مجرد موظفين ولايملكون من امور وزاراتهم سوى توقيع الحضور والانصراف والتصريح بما حفظوه من توجيهات السيد الرئيس؟

هل كان غائبا عن خطط السيد الرئيس والسيد الوزير والسيد رئيس الوزراء ، هل كان غائبا عن خططهم الاحتياج المتزايد للطاقة الكهربائية؟ أم أن خططهم لاتعرف التخطيط للمستقبل؟

أم ترى انهم لايرون ابعد من حدود احذيتهم ولايعرفون عن التخطيط للمستقبل الا انه يتم تدريسه فى الجامعات حتى يمكن للخريجين ان يهاجروا الى الخارج لينفعوا به الدول التى تقدر التخطيط للمستقبل؟

شيئ محزن حقاويدعو للاسى .

--

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(11){اَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}(12)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}(11)

new-egypt.gif

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
***************
مشكلة العالم هي أن الحمقى والمتعصبين هم الأشد ثقة بأنفسهم ، والأكثر حكمة تملؤهم الشكوك (برتراند راسل)
***************
A nation that keeps one eye on the past is wise!A
A nation that keeps two eyes on the past is blind!A

***************

رابط القرآن كاملا بتلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل برابط ثابت مع رابط للقراءة
***************
رابط
القرآن كاملا ترتيل وتجويد برابط ثابت مع رابط للقراءة
***************
رابط سلسلة كتب عالم المعرفة

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اعجز عن شكر كل من ساهم في التعريف بمثل هذا المفكر

اعجز عن ملاحقة سيل الكلمات التي تفجر طاقة التفكير بعقلي و استخلص منها التالي

حيوية الفكر...

اخراج اللغة من قوالبها الجامدة....

تمكين الشعوب بتعريفهم بثرواتهم الطريق للاستقلال....

الحفاظ علي الموروث الديني....

شعور الامة بآلام الاستبداد...و التدرج و تهيئة البديل عن طريق ترقية الوعي....المقاومة بالوعي لا بالعنف

المقاومة الحقيقية تبدأ بنشر الوعي الذي يأخذ منحن تدريجي

الاستبداد الديني لمن يدعي التدين

مفكر لم تؤرقه الأنا

البدء بالتغيير يكون بتغيير الذات...كل انسان مسئول

اليقين بامكانية التغيير

توزيع الاعمال.....لا يسمح لشخص في حكومة ان يكون له خمسة اعمال و شخص عاطل عن العمل...(اي فكر تنويري هذا...اي تطبيق حقيقي لمفهوم العدالة)

الاسلام ليس ما يدين به المسلمون الآن

عبارات

و افكار اعلم اني ساتوقف عندها كثيرا جدا ليس اليوم فحسب

اساتذتي الافاضل من اعماقي

جزاكم الله كل خير

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      هل يعقل أن تزداد الأسعار فى معظم السلع الغذائية كل ساعة أى والله كل ساعة.. فقد سألت عن سعر كيلو فيليه الدجاجعرض المقال كاملاً
    • 0
      لسنوات متتالية كان المانشيت الرئيسي في الصحف الصادرة أواخر أيام شهر رمضان حول استشهاد عدد من رجال القوات المسلعرض المقال كاملاً
    • 0
      يعد فقدان الوزن موضوعًا ذا أهمية حيوية لكل شخص مهتم حقًا بصحته. على الرغم من أن الكثير منا يتخذ قرارًا بشأن فقدان الوزن للعام الجديد ، إلا أنه موضوع يجب التعامل معه على مدار العام. تهدف النصائح الواردة في هذه المقالة إلى مساعدتك على التعرف على استراتيجيات فقدان الوزن لتوظيفها للمساعدة في ضمان تحقيق أهدافك. عند تناول نظام غذائي ، ركز على التمتع الواعي بطعامك. عندما تأكل بلا عقل ، فمن السهل أن تفقد المسار الذي تناولته وأن تنسى بسرعة ما أكلته. من خلال التركيز على ما تأكله ، فأنت على دراية بكل
    • 0
      حوار بين الشيطان و .. ضيوف الرحمن!في لحظات نادرة من حياة إبليس التي تمتد من قبل بدء الخليقة إلى ما شاء الله عز وجل، قرر الشيطانُ أن يتجسد ويشاهد بنفسه راجميه في موسم الحج، ويتعرض لقذف ملايين من ضيوف الرحمن وكل منهم يلقي الحصى وكأنه الوحيد الذي سيصيب ملك العصاة في مقتل.كان إبليس يجلس متكوما، ويَخرج من رأسه قرنان، ومن عينيه شرر يتطاير، ومن جسده بركان هائل من الغضب يعبر عنه وجه أحمر مشرب بسواد خفيف فلا يدري المرء إن كان مصنوعا من دم أم من جمرات من جحيم سَعَر. فجأة ظهر في الأفق جمعٌ غفير من رجال و
    • 1
      يا شعب  حارب الغلاء بالاستغناء مالهاش حل تاني  صدقوني .....انا في السوق برضه ...مخازن البضائع مليانه والشركات اللي بتوزع بتعيط محدش بيشتري ....البضايع ليها تواريخ صلاحيه ...وغير كده الركود ودوره رأس المال انضربت خالص .... الدولار هاينزل لان المستوردين مش ها يطلبو دولار لان مخازنهم مليانه بضائع .......واللي صنعو مصري ...حسبو بضاعتهم علي برضه سعر الدولار ....كل الاسعار ها تنزل .....لو فضلنا صامدين اللي ها يشتري حاجه يأجلها ....ولو كان علي الاكل اشتري احتياجك فقط وبلاش اي حاجه مش ضروريه .....
×
×
  • أضف...