اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

من جنوب المملكة عني وعنكم وعن مصر اكتب


البستان

Recommended Posts

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وانتم بخير

أرجو ان تسمحوا لي بكتابة هذا الموضوع

وأتمنى من اخوتي واخواتي ان لا يكدرهم طوله ويضطرهم ثقله الى عدم إكماله حتى النهاية

هي همهمات وذكريات وخواطر وخربشات غير مرتبة وغير منظمة

لا تكلف فيها ولا مبالغة بل والله من القلب اخرجها لكم بحلوها ومرها

(1)

من انا

اسوق لكم هذه المقدمة عن نفسي وليس ذلك من باب الرغبة في كتابة قصة حياتي

بل هذا ما فرضه علي وجودي في منتدى مصري وانا من دولة اخرى شقيقة

محدثكم هو أخ لكم في الإسلام سعودي الهوى والجنسية في منتصف العقد الرابع من العمر (36) سنة

عشت وترعرعت في بيئة ريفية بسيطة لم تعرف الكهرباء والهاتف ووسائل الاتصال الحديثة إلا في منتصف

الثمانينات من القرن الماضي

والدي كان فلاح شأنه شأن كل افراد القرية وكان متميزا عنهم بأنه تعلم القراءة

والكتابة في صغره وحفظ بعض سور القرآن الكريم بل أجزاء منه

عشنا إلى عهد قريب على غير ما يعتقده الناس عنا وما يظنونه بنا

فطفولتي كانت ما بين المدرسة ورعي الماشية ومتابعتها ومساعدة أهلي في الزراعة

طفولة خالية من مظاهر الترف والحياة الهنية والحمد لله على كل حال

وقد يتعجب البعض ان رجل في سني عاش طفولته في بلدي ولم يعرف

او يسمع بشيء اسمه (الببسي كولا) إلا بعد ان تجاوز العاشرة من عمره

وعلى ذلك كنا جميعا اهلي وجيراني وصحبي وخلاني والحمد لله على كل حال

(2)

مصر

ماذا عساني أقول عن مصر ؟

هل تصدقون ..

أنه لم يسبق لي رغم هذا العمر ان زرت مصر من قبل ولم تر عيني أهرامها ولا آثارها ولا متاحفها

وهل تصدقون ..

انه لم يسبق لي ان شربت من نيلها وسرت في شوارعها وتنزهت في حدائقها ومزارعها

لم يسبق لي اي من ذلك رغم انه حلم الطفولة وحلم الشباب الذي لم يتحقق حتى الساعة وهو ان شاء الله قريب

عشقت مصرا كما لو كنت مصريا وأحببت المصريين كما لو كنت واحد منهم

مصر لا تحتاج مني لكلام ومديح وليست فقيرة إلى ثناء مني في هذه الاسطر

فمهما قلت ومهما شرحت ..

تبقى مصر عصية على قول القائلين وتبقى شهادتنا فيها مجروحة بل مذبوحة من الوريد الى الوريد

قد يندهش البعض ويتعجب من هذا العشق لبلد لم ازره ولم استلذ برؤيته

ولكنها الحقيقة التي بدأت معي منذ الطفولة

(3)

كيف احببت مصر

منذ اللحظة التي بدأت فيها مدركا لوجودي وعارفا بمجتمعي وبيئتي ومحيطي

منذ تلك اللحظة رأيت المصري يشاطرني فيها كل شيء

كان جارنا الذي لا يفصل جدار منزله عن منزلنا سوى ثلاثة امتار مصريا

وكان المعلمين في مدرستي مصريين

وكان الطبيب في مركز الرعاية الصحية مصريا

تتلمذنا على ايديهم وتعلمنا من فيض علمهم وتداوينا بكرم اطباءهم وصيادلتهم

بل بنينا بيوتنا الحديثة المسلحة بتخطيط مهندسيهم وحرفية عامليهم

هل ذلك كل شيء ؟

لا والله ليس كل شيء ولن يكون !

كيف لي بالله عليكم

كيف لي أن انسى (الاستاذ توفيق المصري) ذلك الرجل الكريم الشهم الطيب

كيف لي ان انساه وقد كان باب منزله ونحن أطفال وأبناء فلاحين فقراء مفتوح لنا على الدوام

كان صبيحة كل عيد يضع في يد كل طفل يزوره (ريال) يجعل عيده عيدان

يضع الريال في يد الصبي منا وكأنه حاز الدنيا وما فيها

كنا والله ننتظر العيد بفارغ الصبر كي يعطينا الاستاذ توفيق الريال

ولا انسى حزن ذلك العام الذي قرر فيه ان يقضي اجازة العيد في مكة المكرمة

وكيف كان عيدا شحيحا بسبب غياب ذلك الرجل الطيب الكريم

لم يكن الاستاذ توفيق وحده

فهناك أبلا سعاد (كما كنا نسميها) تلك المصرية الأصيلة التي إعتادت ان تطعمنا من فيض كرمها

الفطير المشلتت (كما كنا نسمعه) والكعك والحلويات التي كانت تصنعها وتطبخها وترسلها لنا

حسن الجوار وطيب المعشر والوقوف بالجوار في الرخاء والشدة

كانت تلك هي صفات سعاد وزوجها وابناءها جزاهم الله عنا كل خير

قلت لكم من قبل ان ذلك لم يكن كل شيء

وأخبرتكم أن عشقي لمصر والمصريين لم يكن لسبب او اثنين او عشرة

بل هي اسباب تجمعت وتراكمت حتى اصبحت بحجم الأهرام حبا وعشقا

ولولا ان المقام هنا لا يتسع لكنت كتبت ولا أنتهي

ولما كفت فترة الطفولة التي تبعتها مراحل كثيرة ثبتت وعمقت حب مصر والمصريين

ولعلي في الباقي من الكلام أعرج على بعض منها

(4)

محمد زين

يا ترى من هو محمد زين ؟

هو بالطبع رجل مصري في منتصف الثلاثينات من العمر

أعرفه ولا أعرفه ويعرفني ولا يعرفني !

هذا ليس لغز محير وليس كلام مجنون أو هراء سفيه

بل هي حقيقة زميل وصديق رافقته سنين عدة وكان لي معه صولات وجولات

درست أنا وهو في ذات المدرسة الإبتدائية حينما كان برفقة والده المعلم في المدرسة الثانوية

كان بيننا تنافس شريف شرس على الصدارة في الصف السادس الإبتدائي

كنت أنا وهو ومعنا طالب ثالث سوري الجنسية اشبه ما نكون بالاصدقاء الألداء (ان صح التعبير)

تنافس عنيف وصداقة وعلاقة قوية

وكان لذلك التنافس شهرة واسعة بين الطلاب والمعلين

هذه الشهرة اضفت على تنافسنا عنصر الحياد والمصداقية

ولم تدع لمن في نفسه سوء وعنصرية مجال ان يتلاعب بالنتائج

فقد كانت تحت رقابة قوية وصارمة من قبل جميع الأطراف

وبتوفيق الله كان الفوز بالأول من نصيبي ولكن بفارق يسير جدا لا يتعدى بضع درجات

وأعتقد ان من اهم الأسباب التي جعلتني افوز بهذا المركز هو ذلك الحماس والتشجيع

الذي وجدته من جميع الزملاء في المدرسة الذين عرفوا بهذا التنافس من البداية

وهذا ليس من باب العنصرية ابدا ولكن واقع الحال كما يحدث في كل مكان

المهم

محمد زين زميل وصديق أعرفه لهذه الزمالة

ولا أعرفه لأنه انقطع عني وكان آخر عهدي به تلك السنة في الصف السادس الابتدائي

وذلك على ما اعتقد في نهاية عام 1984 او بداية 85

ومنذ ذلك اليوم لم اسمع عنه ولا أعلم هل هو حي او ميت

وأرجو ان كان احد يعرفه ان يرسل لي على الخاص مشكورا

اريد فقط ان أكلمه وأجدد عهدي به فله بعد الله علي افضال لا يعلمها

والغريب انني لازلت اتذكر اسمه بالكامل رغم مرور حوالي (24) سنة

واسمه: (محمد زين الفؤاد عرفات عبدالفتاح عجيزه)

(5)

الفن المصري

استطاعت السينما المصرية والأعمال التلفزيونية أن تنقل المشاهد العربي

الى قلب مصر على مر العقود الماضية

واستطاع صانعي الأفلام وكاتبي القصص ان يعكسوا صورة جميلة (رغم العيوب احيانا) عن مصر والمصريين

عشت مع ليالي الحلمية لحظة بلحظة وكأني أحد ابناء الحارة

وضحكت مع عادل إمام ما يكفي للبقية الباقية من عمري ضحكا

وبكيت مع أحمد زكي وغضبت من زكي رستم والملك فريد شوقي وسخرت مع محمد صبحي وسهير البابلي

بجانب ذلك تهذبت اذني على سماع صوت ام كلثوم وتربت على طرب عبدالحليم ومحمد فوزي وليلى مراد

كل ذلك علمني اللهجات المصرية وتلذذت لساني بنطقها وممارستها اينما كان لي ذلك

لكن للحيرة في هذا المجال مجال

وللعجب فيه موطن ومحل ومكان

مصر التي أنجبت عباقرة الفن عقمت مؤخرا عن انجاب مثلهم !

مصر التي علمت الآخرين الفن كله وكان لها الريادة والصدارة وتركت للآخرين التنافس على المركز الثاني!

كل ذلك اليوم تلاشى وذهب !

هل لنا بام كلثوم أخرى ؟

هل لنا بحليم وفريد آخر ؟

هل لنا بجيل عبقري كجيل آباءه وأجداده ؟

ما هذا يا مصر ؟

هل اصبحت انغام أم كلثومنا ؟

وهل اصبح عمرو دياب هو عبدالحليم حافظ ؟

وهل اصبح شعبان عبدالرحيم هو محمد طه ؟

وهل اصبح اللمبي هو فؤاد المهندس أو عادل امام ؟

وهل اصبحت روبي هي اسمهان او تحية كريوكا؟

(آهـ يا دماغي)

رحمك الله يا الشيخ الشعراوي

رحمك الله يا عبدالباسط عبد الصمد

رحمك الله يا أم كلثوم

رحمك الله يا عبدالحليم حافظ

رحمك الله يا احمد شوقي

رحمك الله يا فؤاد المهندس

رحمك الله يا محمد عبدالوهاب (دا حكاية لوحده)

رحمك الله يا حافظ ابراهيم

رحمك الله يا أحمد زكي

....

....

(6)

موقف سلبي

قبل شهر ذهبت الى عيادة طبية قريبة من منزلي

كان الطبيب شاب مصري وسيم لا تفارق الابتسامة وجهه

وهذا بالطبع ليس غريب عليه فابناء مصر عرفوا بالروح المرحة حتى في احلك الظروف

المهم أنني وبطبعي عندما أجد مصريا لا أجتهد في رفع التكليف

بل انني مباشرة اخاطبه وكأني أعرفه من زمن بعيد

المهم أن هذا الطبيب بعد ان دار بيني وبينه نقاش عن فضل المصريين واسبقيتهم

إلى تعليمنا في المدارس رد بقول اغضبني كثيرا

قال لي والله بالنص: ( هم برضه ما قوش عشان سواد عنيك دول قوم زينا علشان شغل !!)

استتفهت رده وقلت له:

يا أخي ولو كانوا أتوا من أجل المال إلا ان ذلك لا ينقص من فضلهم وقدرهم شيئا

أنت احيانا تدين بالفضل لمن يصلح لك سيارتك وتدين بالشكر رغم انه استلم اجرته

حتى انت الآن تعالجني وادفع لك وأنا مدين لك بالفضل والشكر

فبهت وسكت ..

الشاهد من هذه القصة أنها ليست إلا مدخلا لحديثي في هذا الجزء الذي ربما يطول

وأرجو ان تسمحوا لي بأن استكمله معكم فيما بعد نظرا لأن الوقت قد داهمني

واخوكم بطيء جدا في الطباعة

ومن يراني وانا اكتب على لوحة المفاتيح لظن ان يدي منقار ديك يلتقط حبا من فوق الأحرف والأرقام

لذا استأذنكم الآن

وسوف اكمل لكم لاحقا هذا الجزء الذي سيكون عن علاقتنا هنا بكل اطيافنا بالمصريين المغتربين في المملكة بكل اطيافهم

الى ذلك الوقت استودعكم الله وسامحوني

رابط هذا التعليق
شارك

مرحبا بك اخى الكريم بين اخوانك

و فى انتظار باقى مداخلاتك

متفهمين لوجهة نظرك مناقشين لك فيما ترى

و لا تنسانا من دعائك اخى الكريم

تفاءلوا بالخير تجدوه

بعضا مني هنا .. فاحفظوه

رابط هذا التعليق
شارك

الأخ الفاضل ... أنت فعلا تستحق الإسم الذي أطلقته على نفسك ... فأنت بستان ملئ بالأدب واللطف والتواضع والخير، ومواضيعك مثل حبات الفاكهة تكرمنا بها.

جزاك الله كل خير وأكثر من أمثالك.

إن فشلنا في الوصول للحكم ولتغيير البلد .. لا تقلقوا .. نحن فكرة .. الفكرة لا تموت ... تستمر لا تتوقف

البرادعي 15/10/2011

رابط هذا التعليق
شارك

متابع لزهور البستان وعيدكم مبارك

حبذا لو أضفت إلى هذه المذكرات انطباعاتك الشخصية عن التطورات الهامة ورؤيتك الشخصية ورؤية المحيطين بكم في القرية سواء من المواطنين أو من المقيمين من المعلمين والأطباء المصريين الذين أشرت إليهم، مثال على التطورات: الطفرة، استفادة الجنوب منها، هجرة عدد من أبناء الجنوب إلى الرياض والمدن الكبرى، العلاقة مع دولة اليمن، استشهاد الملك فيصل رحمه الله، عهد الملك خالد ووفاته رحمه الله، استشهاد السادات رحمه الله، حرب الخليج، تتويج أبها مصيفا في عهد الأمير خالد الفيصل، إنشاء أول جامعة بأبها جامعة الملك خالد، العادات الاجتماعية في الزواج وغلاء المهور، أحداث الإرهاب ونظرة مجتمع الجنوب المسالم لها].

نحب سماع رأي حضرتك من خلال سرد المذكرات في النقاط السابقة (بعضها أو كلها) حسبما يقتضيه المقام ووفقا للسياق الذي وضعتموه لمسار المذكرات.

تم تعديل بواسطة abdulmuttaleb

يا رب عفوك ورضاك

رابط هذا التعليق
شارك

لك من كل تقدير واحترام

رؤية جميلة للشاب السعودى السوى الواعى المثقف

كلامك الرقيق المهذب سوف يجعلنى اغير انطباعى عن بعض الشباب هنا

لكنه ليس بغريب عن اهل الجنوب واهل الحجاز, الكرم ,الذوق وحسن الخلق

493275s8wrn8jsb5.gif

"‏{‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏} "

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 3 أسابيع...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وانتم بخير

أرجو ان تسمحوا لي بكتابة هذا الموضوع

وأتمنى من اخوتي واخواتي ان لا يكدرهم طوله ويضطرهم ثقله الى عدم إكماله حتى النهاية

هي همهمات وذكريات وخواطر وخربشات غير مرتبة وغير منظمة

لا تكلف فيها ولا مبالغة بل والله من القلب اخرجها لكم بحلوها ومرها

(1)

من انا

اسوق لكم هذه المقدمة عن نفسي وليس ذلك من باب الرغبة في كتابة قصة حياتي

بل هذا ما فرضه علي وجودي في منتدى مصري وانا من دولة اخرى شقيقة

محدثكم هو أخ لكم في الإسلام سعودي الهوى والجنسية في منتصف العقد الرابع من العمر (36) سنة

عشت وترعرعت في بيئة ريفية بسيطة لم تعرف الكهرباء والهاتف ووسائل الاتصال الحديثة إلا في منتصف

الثمانينات من القرن الماضي

والدي كان فلاح شأنه شأن كل افراد القرية وكان متميزا عنهم بأنه تعلم القراءة

والكتابة في صغره وحفظ بعض سور القرآن الكريم بل أجزاء منه

عشنا إلى عهد قريب على غير ما يعتقده الناس عنا وما يظنونه بنا

فطفولتي كانت ما بين المدرسة ورعي الماشية ومتابعتها ومساعدة أهلي في الزراعة

طفولة خالية من مظاهر الترف والحياة الهنية والحمد لله على كل حال

وقد يتعجب البعض ان رجل في سني عاش طفولته في بلدي ولم يعرف

او يسمع بشيء اسمه (الببسي كولا) إلا بعد ان تجاوز العاشرة من عمره

وعلى ذلك كنا جميعا اهلي وجيراني وصحبي وخلاني والحمد لله على كل حال

(2)

مصر

ماذا عساني أقول عن مصر ؟

هل تصدقون ..

أنه لم يسبق لي رغم هذا العمر ان زرت مصر من قبل ولم تر عيني أهرامها ولا آثارها ولا متاحفها

وهل تصدقون ..

انه لم يسبق لي ان شربت من نيلها وسرت في شوارعها وتنزهت في حدائقها ومزارعها

لم يسبق لي اي من ذلك رغم انه حلم الطفولة وحلم الشباب الذي لم يتحقق حتى الساعة وهو ان شاء الله قريب

عشقت مصرا كما لو كنت مصريا وأحببت المصريين كما لو كنت واحد منهم

مصر لا تحتاج مني لكلام ومديح وليست فقيرة إلى ثناء مني في هذه الاسطر

فمهما قلت ومهما شرحت ..

تبقى مصر عصية على قول القائلين وتبقى شهادتنا فيها مجروحة بل مذبوحة من الوريد الى الوريد

قد يندهش البعض ويتعجب من هذا العشق لبلد لم ازره ولم استلذ برؤيته

ولكنها الحقيقة التي بدأت معي منذ الطفولة

(3)

كيف احببت مصر

منذ اللحظة التي بدأت فيها مدركا لوجودي وعارفا بمجتمعي وبيئتي ومحيطي

منذ تلك اللحظة رأيت المصري يشاطرني فيها كل شيء

كان جارنا الذي لا يفصل جدار منزله عن منزلنا سوى ثلاثة امتار مصريا

وكان المعلمين في مدرستي مصريين

وكان الطبيب في مركز الرعاية الصحية مصريا

تتلمذنا على ايديهم وتعلمنا من فيض علمهم وتداوينا بكرم اطباءهم وصيادلتهم

بل بنينا بيوتنا الحديثة المسلحة بتخطيط مهندسيهم وحرفية عامليهم

هل ذلك كل شيء ؟

لا والله ليس كل شيء ولن يكون !

كيف لي بالله عليكم

كيف لي أن انسى (الاستاذ توفيق المصري) ذلك الرجل الكريم الشهم الطيب

كيف لي ان انساه وقد كان باب منزله ونحن أطفال وأبناء فلاحين فقراء مفتوح لنا على الدوام

كان صبيحة كل عيد يضع في يد كل طفل يزوره (ريال) يجعل عيده عيدان

يضع الريال في يد الصبي منا وكأنه حاز الدنيا وما فيها

كنا والله ننتظر العيد بفارغ الصبر كي يعطينا الاستاذ توفيق الريال

ولا انسى حزن ذلك العام الذي قرر فيه ان يقضي اجازة العيد في مكة المكرمة

وكيف كان عيدا شحيحا بسبب غياب ذلك الرجل الطيب الكريم

لم يكن الاستاذ توفيق وحده

فهناك أبلا سعاد (كما كنا نسميها) تلك المصرية الأصيلة التي إعتادت ان تطعمنا من فيض كرمها

الفطير المشلتت (كما كنا نسمعه) والكعك والحلويات التي كانت تصنعها وتطبخها وترسلها لنا

حسن الجوار وطيب المعشر والوقوف بالجوار في الرخاء والشدة

كانت تلك هي صفات سعاد وزوجها وابناءها جزاهم الله عنا كل خير

قلت لكم من قبل ان ذلك لم يكن كل شيء

وأخبرتكم أن عشقي لمصر والمصريين لم يكن لسبب او اثنين او عشرة

بل هي اسباب تجمعت وتراكمت حتى اصبحت بحجم الأهرام حبا وعشقا

ولولا ان المقام هنا لا يتسع لكنت كتبت ولا أنتهي

ولما كفت فترة الطفولة التي تبعتها مراحل كثيرة ثبتت وعمقت حب مصر والمصريين

ولعلي في الباقي من الكلام أعرج على بعض منها

(4)

محمد زين

يا ترى من هو محمد زين ؟

هو بالطبع رجل مصري في منتصف الثلاثينات من العمر

أعرفه ولا أعرفه ويعرفني ولا يعرفني !

هذا ليس لغز محير وليس كلام مجنون أو هراء سفيه

بل هي حقيقة زميل وصديق رافقته سنين عدة وكان لي معه صولات وجولات

درست أنا وهو في ذات المدرسة الإبتدائية حينما كان برفقة والده المعلم في المدرسة الثانوية

كان بيننا تنافس شريف شرس على الصدارة في الصف السادس الإبتدائي

كنت أنا وهو ومعنا طالب ثالث سوري الجنسية اشبه ما نكون بالاصدقاء الألداء (ان صح التعبير)

تنافس عنيف وصداقة وعلاقة قوية

وكان لذلك التنافس شهرة واسعة بين الطلاب والمعلين

هذه الشهرة اضفت على تنافسنا عنصر الحياد والمصداقية

ولم تدع لمن في نفسه سوء وعنصرية مجال ان يتلاعب بالنتائج

فقد كانت تحت رقابة قوية وصارمة من قبل جميع الأطراف

وبتوفيق الله كان الفوز بالأول من نصيبي ولكن بفارق يسير جدا لا يتعدى بضع درجات

وأعتقد ان من اهم الأسباب التي جعلتني افوز بهذا المركز هو ذلك الحماس والتشجيع

الذي وجدته من جميع الزملاء في المدرسة الذين عرفوا بهذا التنافس من البداية

وهذا ليس من باب العنصرية ابدا ولكن واقع الحال كما يحدث في كل مكان

المهم

محمد زين زميل وصديق أعرفه لهذه الزمالة

ولا أعرفه لأنه انقطع عني وكان آخر عهدي به تلك السنة في الصف السادس الابتدائي

وذلك على ما اعتقد في نهاية عام 1984 او بداية 85

ومنذ ذلك اليوم لم اسمع عنه ولا أعلم هل هو حي او ميت

وأرجو ان كان احد يعرفه ان يرسل لي على الخاص مشكورا

اريد فقط ان أكلمه وأجدد عهدي به فله بعد الله علي افضال لا يعلمها

والغريب انني لازلت اتذكر اسمه بالكامل رغم مرور حوالي (24) سنة

واسمه: (محمد زين الفؤاد عرفات عبدالفتاح عجيزه)

(5)

الفن المصري

استطاعت السينما المصرية والأعمال التلفزيونية أن تنقل المشاهد العربي

الى قلب مصر على مر العقود الماضية

واستطاع صانعي الأفلام وكاتبي القصص ان يعكسوا صورة جميلة (رغم العيوب احيانا) عن مصر والمصريين

عشت مع ليالي الحلمية لحظة بلحظة وكأني أحد ابناء الحارة

وضحكت مع عادل إمام ما يكفي للبقية الباقية من عمري ضحكا

وبكيت مع أحمد زكي وغضبت من زكي رستم والملك فريد شوقي وسخرت مع محمد صبحي وسهير البابلي

بجانب ذلك تهذبت اذني على سماع صوت ام كلثوم وتربت على طرب عبدالحليم ومحمد فوزي وليلى مراد

كل ذلك علمني اللهجات المصرية وتلذذت لساني بنطقها وممارستها اينما كان لي ذلك

لكن للحيرة في هذا المجال مجال

وللعجب فيه موطن ومحل ومكان

مصر التي أنجبت عباقرة الفن عقمت مؤخرا عن انجاب مثلهم !

مصر التي علمت الآخرين الفن كله وكان لها الريادة والصدارة وتركت للآخرين التنافس على المركز الثاني!

كل ذلك اليوم تلاشى وذهب !

هل لنا بام كلثوم أخرى ؟

هل لنا بحليم وفريد آخر ؟

هل لنا بجيل عبقري كجيل آباءه وأجداده ؟

ما هذا يا مصر ؟

هل اصبحت انغام أم كلثومنا ؟

وهل اصبح عمرو دياب هو عبدالحليم حافظ ؟

وهل اصبح شعبان عبدالرحيم هو محمد طه ؟

وهل اصبح اللمبي هو فؤاد المهندس أو عادل امام ؟

وهل اصبحت روبي هي اسمهان او تحية كريوكا؟

(آهـ يا دماغي)

رحمك الله يا الشيخ الشعراوي

رحمك الله يا عبدالباسط عبد الصمد

رحمك الله يا أم كلثوم

رحمك الله يا عبدالحليم حافظ

رحمك الله يا احمد شوقي

رحمك الله يا فؤاد المهندس

رحمك الله يا محمد عبدالوهاب (دا حكاية لوحده)

رحمك الله يا حافظ ابراهيم

رحمك الله يا أحمد زكي

....

....

(6)

موقف سلبي

قبل شهر ذهبت الى عيادة طبية قريبة من منزلي

كان الطبيب شاب مصري وسيم لا تفارق الابتسامة وجهه

وهذا بالطبع ليس غريب عليه فابناء مصر عرفوا بالروح المرحة حتى في احلك الظروف

المهم أنني وبطبعي عندما أجد مصريا لا أجتهد في رفع التكليف

بل انني مباشرة اخاطبه وكأني أعرفه من زمن بعيد

المهم أن هذا الطبيب بعد ان دار بيني وبينه نقاش عن فضل المصريين واسبقيتهم

إلى تعليمنا في المدارس رد بقول اغضبني كثيرا

قال لي والله بالنص: ( هم برضه ما قوش عشان سواد عنيك دول قوم زينا علشان شغل !!)

استتفهت رده وقلت له:

يا أخي ولو كانوا أتوا من أجل المال إلا ان ذلك لا ينقص من فضلهم وقدرهم شيئا

أنت احيانا تدين بالفضل لمن يصلح لك سيارتك وتدين بالشكر رغم انه استلم اجرته

حتى انت الآن تعالجني وادفع لك وأنا مدين لك بالفضل والشكر

فبهت وسكت ..

الشاهد من هذه القصة أنها ليست إلا مدخلا لحديثي في هذا الجزء الذي ربما يطول

وأرجو ان تسمحوا لي بأن استكمله معكم فيما بعد نظرا لأن الوقت قد داهمني

واخوكم بطيء جدا في الطباعة

ومن يراني وانا اكتب على لوحة المفاتيح لظن ان يدي منقار ديك يلتقط حبا من فوق الأحرف والأرقام

لذا استأذنكم الآن

وسوف اكمل لكم لاحقا هذا الجزء الذي سيكون عن علاقتنا هنا بكل اطيافنا بالمصريين المغتربين في المملكة بكل اطيافهم

الى ذلك الوقت استودعكم الله وسامحوني

الأخ البستان

انت روحت فين

عل المانع خير

منتظرينك

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...