اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الخطاب الصهيوني المراوغ


Recommended Posts

الأكاذيب الصادقة وحيل أخرى

د. عبد الوهاب المسيري

مفكر - مؤلف الموسوعة الصهيونية

صحيفة الاتحاد الإماراتية 7/6/2003

يلجأ الخطاب الصهيوني إلى بعض الحيل والأساليب البلاغية التي تسعى لإخفاء كثيرٍ من توجهاته الحقيقية، فهو خطاب يستند إلى مشروع استعماري معادٍ للتاريخ، ويحاول إضفاء الشرعية عليه وتسويغه. ومن أبرز هذه الحيل:

أولاً: إخفاء مرجعية المصطلحات والمفاهيم الكامنة وراءها:

الحيلة الأساسية في الخطاب الصهيوني المراوغ هي محاولة إخفاء المرجعية النهائية للمصطلح والمفاهيم الكامنة وراءه. فحينما يتحدث الصهاينة عن السلام أو عن الحكم الذاتي فهم يخفون تماماً مرجعية هذه المصطلحات، فهل مرجعية هذا السلام هي قرارات هيئة الأمم المتحدة، أم المفهوم الإسرائيلي للسلام؟ وهل الحكم الذاتي للفلسطينيين يعني حق تقرير المصير أيضاً، أم أنه يعني قيام سلطة خاضعة لتوجيهات النظام الصهيوني؟

ثانياً: محاولة تجاهل الأصول التاريخية أو تزييفها:

من الحيل الأساسية في الخطاب الصهيوني محاولة عزل الظواهر والمصطلحات عن أصولها التاريخية والاجتماعية والثقافية، بحيث يبدو الواقع كما لو كان مجرد عمليات وإجراءات وأحداث ليس لها تاريخ واضح ولا سياق تاريخي محدد، ومن ثم فليس لها سبب معروف أو اتجاه محدد. فالسبب لا علاقة له بالنتيجة، والنتيجة لا علاقة لها بسياقها التاريخي، والمعلومة لا تنضوي تحت نمط. ومن ثم يمكن أن يتحول الهامشي إلى جوهري والجوهري إلى هامشي، ويمكن فرض أي معنى على أية واقعة وأن توضع داخل نمط ما (عادةً ما يكون نمطاً يهودياً متكرراً). فالصراع العربي-الإسرائيلي، على سبيل المثال، ليس ثمرة العقد الصهيوني الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية، والذي قامت الدول الإمبريالية بمقتضاه بغرس كتلة بشرية غريبة في وسط العالم العربي والإسلامي، وتحولت هذه الكتلة إلى دولة وظيفية تحتفظ بعزلتها وتقوم بضرب السكان الأصليين وجيرانها لصالح الراعي الإمبريالي، أي أنه صراع له أسباب تاريخية واضحة وينضوي تحت نمط واضح أي نمط الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. فالخطاب الصهيوني يتناسى عن عمدٍ كل هذا ويقدم الصراع العربي-الإسرائيلي باعتباره نتيجة رفض العرب لقرار التقسيم (وهكذا يتحول الهامشي إلى جوهري) ونتيجة هجومهم الغاشم على اليهود المسالمين دون سبب واضح ومفهوم (وهكذا تتحول النتيجة إلى سبب).

وفي الإطار نفسه، تُقَدَّم الصهيونية لا باعتبارها حركة استعمارية استيطانية إحلالية وإنما باعتبارها تعبيراً عن الحلم اليهودي الخاص بالعودة إلى صهيون أو أرض الميعاد، أو باعتبارها حركة إنقاذ يهود العالم من هجوم الأغيار.

ومن الطبيعي والحال كذلك أن تصبح المقاومة شكلاً من أشكال الإرهاب غير العقلاني وغير المفهوم، بينما تصبح هجمات "إسرائيل" على العرب مجرد دفاع مفهوم ومشروع عن النفس. ومن ثم فجيش الاحتلال الإسرائيلي هو جيش الدفاع الإسرائيلي. ويمكن أن يُطلق على هذه الحيلة اسم الأكاذيب الصادقة (بالإنجليزية: ترو لايز true lies )، فهي صادقة بمعنى أن هجوم العرب هو حقيقة مادية لا مراء فيها لأنها واقعة وقعت بالفعل، ولكنها أكاذيب بلا شك باعتبار أن هجوم العرب على "إسرائيل" ورفضهم لقرار التقسيم ليس نتيجة عناد لاعقلاني وإنما هو دفاع مشروع عن الحقوق الثابتة التي أقرتها المواثيق الدولية والقيم الأخلاقية.

وفي هذا السياق يمكن فهم بعض الحيل الصهيونية البلاغية الأخرى، فالإصرار على المفاوضات وجهاً لوجه باعتبارها الحل الوحيد والناجع للصراع العربي-الإسرائيلي هو إصرار على إجراءاتٍ دون أية مرجعية أخلاقية أو تاريخية، وكأن الصراع أمر غير مفهوم ليس له أصل، وكأنه ليس هناك حالة من التفاوت والظلم ناتجة عن الغزو.

ثالثاً: تغليب عنصر المكان:

ويرتبط بالاتجاه السابق أي إنكار الجذور التاريخية للظواهر تغليب عنصر المكان على عنصر الزمان، فتتحول فلسطين إلى أرض أو حتى إرتس يسرائيل والوطن العربي إلى منطقة. وتبحث "إسرائيل" عن الحدود الآمنة الجغرافية التي لا تأبه بالتاريخ. وتعبر نظرية الأمن الإسرائيلية عن هذا التحيز الشديد للجغرافيا والتجاهل الكامل للتاريخ، ولهذا فإن أية حركة من العرب تذكر الصهاينة بوجود عنصر الزمان (كماض وتراث ومخزون للذاكرة وكحاضر وصراع وكمستقبل وإمكانية ومجال للحرية والحركة) تولد الذعر الشديد في قلوب المستوطنين الصهاينة وتسمَّى مثل هذه الحركة بـالإرهاب.

رابعاً: النظر للظواهر الصهيونية من الداخل فقط:

عند التعامل مع أية ظاهرة يهودية، يلجأ الخطاب الصهيوني إلى عزلها عن الظواهر المماثلة في المجتمعات الإنسانية. فالإبادة النازية هي حدث وقع لليهود، ولليهود وحدهم، دون الإشارة إلى ما حدث للغجر والمثقفين البولنديين والعجزة. وبالمثل، يُنظر إلى اضطهاد أعضاء الجماعات اليهودية في روسيا القيصرية بمعزلٍ عن اضطهاد أعضاء الأقليات الأخرى. وكل هذا بقصد عزل الواقعة عن النمط، حتى يمكن فرض معنى صهيوني عليها، وهي أن الأغيار، كل الأغيار، يضطهدون اليهود، واليهود وحدهم، ومن ثم فلابد من إيجاد وطن قومي يكون بمثابة مأوى لهم.

خامساً: استخدام مصطلحات تبدو محايدة ولكنها تغيِّب التاريخ والواقع العربيين:

ومن الحيل الصهيونية البلاغية استخدام مصطلحات تبدو كما لو كانت بريئة محايدة تحل محل المصطلحات ذات المضمون التاريخي والإنساني العربي. ولعل أهم هذه المحاولات بطبيعة الحال الإشارة إلى فلسطين على أنها أرض بلا شعب، فهذه عبارة محايدة للغاية. ففلسطين قد لا تكون أرض الميعاد التي وعد بها اليهود ولكنها ليست فلسطين أساساً وإنما هي مجرد أرض والسلام، مكان بلا زمان ولا تاريخ.

وتتبدى الظاهرة نفسها في الخلاف بشأن قرار مجلس الأمن رقم 242، فهو ينص في مقدمته على مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة ويتعامل مع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967 ويدعو إلى الانسحاب منها. وعلى رغم ذلك، طرح الإسرائيليون إشكالية الأراضي المعنية وهي أراضٍ كما في النص بالإنجليزية، أو الأراضي كما في النص بالفرنسية، وتمسكوا بطبيعة الحال بصيغة النص الإنجليزي لأنها تحيِّد الأرض وتفقدها حدودها فتصبح كلها قابلة للتفاوض.

وتظهر عملية التحييد في حديث الصهاينة عن التقدم في المنطقة وتحويل الصحراء إلى مزارع خضراء··· إلخ، دون أن يحدد لحساب مَنْ وعلى حساب مَنْ سيتم هذا التقدم. وقد لجأ مارتن بوبر إلى حيلة مماثلة في خطاب أرسله إلى المهاتما غاندي، إذ كتب له محاولاً تبرير الغزو الصهيوني قائلاً: إن الأرض لمن يزرعها، وكأن المستوطنين الصهاينة مجرد فلاحين مسالمين وجدوا أرضاً فقاموا بحرثها وزراعتها في صبر وأناة، بينما يقوم العرب (اللئام) بالتنغيص عليهم! وفي هذا إلغاء كامل لأصول الصراع واستخدام لمصطلحات تبدو محايدة ولكنها في واقع الأمر تُلغي التاريخ.

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...