إعرضوا أنفسكم على كتاب الله - تفسير

[د/ألفا]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-

الحمد لله والصلاة على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم :

أما بعد , فموضوعنا فى غاية الأهمية ,

أتساءل , هل نزل القرآن ليقرأ فقط ام ليقرا ويتدبر معانيه ؟؟ , قال الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ) (أم على قلوب أقفالها ) وقال (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) الآيات .

كثيرا منا وللأسف , يقرأ كتاب الله تعالى دون تدبر ولا تفقه ولا استقراء لما وراء الكلمات من معانى عظيمة شديدةالأهمية ,

مجرد قراءة سرد للآيات دون توقف للفهم و محاولة تطبيق تلك الآيات أو مطابقتها بالواقع الذى نعيشه .

ولذلك فأنا أقدم لكم دعوة لاستقراء القرآن و تدبره وعرض انفسنا عليه لنرى من منا الطيب ومن الخبيث ومن منا المؤمن ومن المنافق ويذهب كل منا ليصحح ما فيه من عيوب وغيوم تخفى عليه او هو يتناساها فى ظل ازدحام الأوقات بالعمل والبحث عن لقمة العيش .

أبدأ بنفسى أولى :- (ومن عنده آية تدبرها ويريد أن تعم الفائدة فليعرضها وجزاه الله خيرا عن الباقين )

اعرض نفسك على هذه الآيات من سورة الحج :-

يقول الله تعالى :-

( وما أرسلنا من قبلك من رسول أو نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى امنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم * 52 ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد *53 * وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنون به فتخبت قلوبهم, وإن الله لهاد الذين آمنوا الى صراط مستقيم *54* ) الحج الآيات .

يقول الشيخ السعدى صاحب تفسير ( تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان ) مفسرا للآيات :- (بتصرف بسيط منى )

( وما أرسلنا من قبلك من رسول او نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى امنيته )

يخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن له عبرة فيمن سبقه من الانبياء والمرسلين , وانه ما من نبى ولا رسول إلا حدث له إذا تمنى قولا من الأقوال أو الآيات مما يذكر به قومه ويأمرهم وينهاهم به , إلا جاء الشيطان فألقى فى نفسه وقوله شيئا من الباطل واوحى اليه ما يناقض قوله وتذكيره لهم - وإن كان الانبياء معصومون -

وهذا الإلقاء غير ثابت ولا مستمر -وهذه حكمة من الله - إنما هو عارض يعرض للرسول ثم يزول وللعوارض أحكام .

(فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم )

أى فيزيل الله تعالى عن رسوله هذه العوارض الشيطانية ويذهبها ويزيلها ويبطلها , فتبقى آيات الله على لسان رسوله خالصة من مخالطة الشيطان .

اما السبب والحكمة من ذلك يبينه الله تعالى فى الآية التالية :-

(ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم )

أى يختبر الله بهذه العوارض الحاصلة اقواما وطوائف ليميز الخبيث من الطيب

فيحصل لطائفتين من الناس - لا يبالى الله بهم - وهم

الذين فى قلوبهم مرض = اى الذين فى قلوبهم شك و ضعف إيمان بالله وعدم تصديق جازم بآياته , فيؤثر فى قلوبهم الضعيفة أدنى شبهة تطرأ عليها - إعرض نفسك - فإذا سمعوا ما القاه الشيطان داخلهم الريب و الشك وصارت فتنة لهم .

كذلك القاسية قلوبهم = اى الغليظة قلوبهم لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير يآيات الله ولا وعد ولا وعيد , فلا تفهم عن الله ورسوله شيئا لقسوتها وغلظتها , فإذا هم سمعوا ما ألقى الشيطان على نبيهم جعلوه حجة لهم على باطلهم وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله - إعرض نفسك -

ولذلك قال الله عنهم فى تتمة الآية ( وإن الظالمين لفى شقاق بعيد ) أى مشاقة لله ومعاندة للحق ومخالفة له , فما يلقيه الشيطان يكون فتنة لهم , فيظهر ما فى قلوبهم من خبث كامن فيها .- اعرض نفسك -

[د/ألفا]

يقول الشيخ رحمه الله :-

وهناك طائفة تكون تلك العوارض رحمة لهم ( وليعلم الذين أوتوا العلم انه الحق من ربك ) لان الله قد منحهم من العلم ما يميزون به بين الحق والباطل و الرشد من الغى فيميزون بين الامرين , الحق المستقر الذى أقره الله وأحكم آياته و والباطل العارض الذى ينسخه الله ,

وليعلموا ان الله حكيم يقيض بعض أنواع الابتلاءات ليظهر بها كمائن النفوس , الخيرة منها والشريرة .

(فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ) اى يحصل لهم بتلك العوارض والمواقف ما يزيدهم إيمانا على إيمانهم .