اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

خنساء فلسطينية .. أم سهيل زيادة


Recommended Posts

أم سهيل زيادة .. خنساء فلسطينية

suheel22.jpg

استشهد اثنان من أبنائها و اعتقل زوجها و ابن ثالث و رابع مطارد و منزل مهدّم

بقلم الصحافي سمير حمتو

غزة – جريدة الحياة الجديدة الفلسطينية

تجلس في خيمتها ترسل النظرات الممزوجة بالألم و الحزن تجاه حطام منزلها المجاور الذي هدمته قوات الاحتلال الصهيوني في الخامس من آذار الماضي .. كلما نظرت إلى أكوام الحجارة و الركام تذكّرت فلذتي كبدها سهيل و محمد أعضاء كتائب الشهيد عز الدين القسام اللذين استشهدا في معركة الدفاع علن الوطن خلال العام الحالي ، و في ذات الوقت يتقطّر قلبها لوعة و اشتياقاً لزوجها و فلذة كبدها الثالث اللذان وقعا في أسر قوات الاحتلال و يقبعان في سجني الرملة و عسقلان و مازال قلبها يلهج بالدعاء أن يحفظ ابنها الرابع ماهر الذي أصبح مطلوباً لقوات الاحتلال .

معاناة المواطنة نزهة زيادة أم سهيل فاقت كلّ الحدود و كل منطق و عقل ، فهي التي قدّمت اثنين من أبنائها شهداء في سيبل الله و في سبيل الوطن و أصبح زوجها و ابنها الثالث معتقلين في سجون الاحتلال فيما ابنها الرابع مطارد لقوات الاحتلال و مع ذلك تسجّل هذه الخنساء الفلسطينية أروع آيات الصمود و التحدّي و عنفوان المرأة الفلسطينية ، فهي ترفض كافة التوسلات من قبل أقاربها و أهل حيّها أن تترك خيمتها و تنتقل إلى منزل آخر تم استئجاره مع بناتها الثلاثة لتعيش فيه و تقول إن روحها معلقة بهذا البيت فكيف تترك المكان الذي احتضنت فيه أبنائها و تعهدتهم فيه بالرعاية و الحب و الحنان و زرعت فيهم حب الوطن و الاستشهاد .. و تضيف : "إني أراهم أمامي لا يفارقوني لحظة و صورتهم لا تغيب عن بالي ’’ إنهم أحياء لم يموتوا و لن يموتوا" .

في أزقة مخيم جباليا للاجئين أفقر مخيمات قطاع غزة تكمن مأساة إنسانية فلسطينية استحقت عن جدارة لقب الخنساء يشيد بصمودها و بطولتها و شموخها كلّ أبناء المخيم أنها جبل من الصبر و التحدي و الإيمان بقضاء الله و قدرته .. لم تكن امرأة عادية كباقي النساء ، تجرّعت آلام استشهاد ابنيها الإثنين و فراق زوجها و ابنها الثالث و القلق على مصير ابنها الرابع بمزيد من الصبر و التحمّل و الجلد لم يفت في عضدها شيء و لم ينل من عزيمتها أن هدمت قوات الاحتلال في ليلة من ليالي الشتاء البارد منزلها على ما فيه .

من بين الشوارع الضيقة و الأزقة الرفيعة في مخيم جباليا الصمود و التحدّي تمكنّا من الوصول إلى منزل المواطنة أم سهيل زيادة .. كلّ شيء في المكان يوحي بحجم الكارثة التي ألمت بهذه الأسرة في فالمنزل المكوّن من 4 طوابق و الذي كان من أجمل بيوت المنطقة تحوّل إلى ركام بكلّ ما فهي من أثاث .

أما الخيمة التي أقامتها تلك المواطنة الصامدة الصابرة فتوحي بفصلٍ جديد من فصول النكبة التي تعرّض لها شعبنا الفلسطيني .

كانت تصلّي العصر لحظة وصولنا إليها و ما إن فرغت من الصلاة حتى رفعت يديها بالدعاء إلى الله أن يلحقها بأبنائها الشهداء في عليين و أن يفرج كرب زوجها و ولدها الثالث و أن يحفظ ولدها المطارد من كلّ سوء ، بعدها بدأت المواطنة أم سهيل تروي لنا ما ألمّ بها من مأساة .. بدأت حديثها بالتعبير عن الفخر و الشعور بالاعتزاز لأن شرفها الله باستشهاد نجليها سهيل و محمد و أنه حقّق أمنيتهم و أن تحققت رؤيتها فيهم .

تقول المواطنة أم سهيل زيادة في قصة استشهاد ابنها سهيل الذي ارتقى إلى العلا برصاص الاحتلال في الخامس من أيار عام 2002 : "كنت أصلي قيام الليل بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً و في سجدتي الثانية جاءني ابني محمد و وضع يده على رأسي و أخبرني بأن سهيل استشهد خلال قيامه بالاشتباك مع قوات الاحتلال في منطقة شرق غزة" ، و تضيف : "إنني حمدت الله و أكملت صلاتي ثم سجدت سجدتي شكر على ما تحقق له من شرف و أن حقق الله رؤيتها ، فقد شاهدت رؤيا في عام 1998 أثناء وجود سهيل في السجن و رأيت ملكاً يكتب في السماء "يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا" و بعد الرؤية بأسبوع حلمت بأن سهيل خرج من السجن و عندما وصل قرب المنزل حضرت طائرة في السماء لونها كالزجاج و صعد ثلاث درجات على سلم الطائرة ثم حلقت و أخذ يلوح بيده يودعني" .

و تضيف المواطنة أم سهيل : "لقد كان سهيل مثالاً للتضحية و الفداء و حب الوطن ، لقد سجن في سجون السلطة لمدة خمس سنوات بعد أن طاردته قوات الاحتلال" ، و تضيف أم سهيل : "خرج ظهر يوم الخامس من أيار عام 2002 بعد أن رفض تناول طعام الغذاء الذي أعددته له ممتشقاً سلاحه و حقيبته و توجّه إلى منطقة شرق غزة و ظل يقارع أعداء الله حتى استشهد بعد صلاة المغرب" .. و تتابع قائلة : "استيقظت فجأة الساعة الحادية عشرة ليلاً و وجدت ابناي ماهر و محمد في حال مضطربة ، حاولت أن أعرف منهم شيئاً لكن لم أفلح حتى توجّهت إلى الله بصلاة قيام الليل و الدعاء إلى أن جاءني محمد ليخبرني بالخبر فأطلقت زغرودة و توجّهت إلى بناتي أطلب منهن أن يباركن لشقيقهن سهيل بالشهادة" .

و تتابع المواطنة الصابرة أم سهيل حديثها حول ظروف استشهاد ابنها سهيل : "لقد كان معروفاً بجرأته و شجاعته فلم يترك فرصة لمواجهة المحتلين إلا و خاضها ، فقد شارك في تدمير ناقلات للجنود في منطقة بيت لاهيا كما شارك في التخطيط للعملية التي قتل فيها عالم الذرة في مغتصبة إيلي سيناي المقامة على الأرض الفلسطينية شمال غزة ، كما كانت له خبرة واسعة في تصنيع القذائف و العبوات الموجهة و الصواريخ" .. و تضيف : "لقد ترك سهيل سيرة طيبة خلفه" ، و تابعت حديثها بالقول : "لا كرامة لنا إلا بالجهاد و الاستشهاد و لا كرامة لنا إلا بالتضحية و المثابرة و الصبر .. هنيئاً لولدي استشهاده فقد رحل و أنا راضية عنه ، قبّلته عندما أحضروا جثته في مستشفى الشفاء و قرأت على رأسه آية الكرسي و لم أدرِ يومها كيف زرع الله في نفسي الصبر و السكينة و الجلد" .

ظروف استشهاد محمد :

و تتابع أم سهيل رواية قصص البطولة و الفداء و توضح أن ابنها الثاني محمد كان يلح على شقيقه سهيل بأن يوافق على إرساله لتنفيذ عملية استشهادية و طالما اشتكاه لمسؤوليه بأنه يمنعه من تحقيق أمنتيه و كان ردّ سهيل عليه بأنه لا يستطيع إرساله و لا يستطيع منعه و أنه يحتاج إلى موافقة والدته .. و تضيف أم سهيل : "لقد حاولت إقناعه في البداية بالعدول عن ذلك و لكنه أصر على موقفه عندها قلت له أنت و شأنك أنا لا أستطيع أن أمنعك" .. و تضيف : "أن الشهيد محمد كان يوم استشهاده في الرابع عشر من تموز من عام 2002 أي بعد شهرين من استشهاد شقيقه سهيل على سطح المنزل مع مجموعة من رفاقه يتابعون عملهم اليومي في صناعة المتفجّرات و إذ بي أسمع دويّ انفجارٍ هائل بعدها خرج اثنان من رفاق محمد يحملونه و قد غطت الدماء وجهه و ما إن ساروا عدة أمتار حتى سقط منهم على الأرض عندها أيقنت أنه استشهد .. توجّهت نحوه و قبّلته و حمدت الله أن نال الشهادة التي تمنّاها فقد كان يشارك في كافة المواجهة التي تحدث مع قوات الاحتلال" .

اعتقال زوجها و نجلها :

و تضيف المواطنة الصابرة أم سهيل أن ابنها الثالث محمود كان قد اعتقل في بلدة نابلس خلال قيام قوات الاحتلال بمحاصرتها و تلقّى حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات .. و تضيف أن ابنها محمود تعهّدته بالرعاية منذ طفولته بعد وفاة والدته التي كان زوجها عبد الكريم تزوّج منها .

أما زوجها عبد الكريم فقد اعتقلته قوات الاحتلال ليلة قدومها لهدم المنزل في الخامس من آذار من العام الحالي رغم أنه يبلغ من العمر 58 عاماً و يعاني من مرض القرحة و كسر في يديه .

هدم المنزل :

أما عن هدم المنزل فهو قصة أخرى تجسّد بشاعة الاحتلال و بطشه و حبه للانتقام من كلّ شيء .. و تضيف المواطنة الصابرة أم سهيل بنبرة حزينة أبكت كلّ من حولها و لم تبكيها : "لقد كادوا ينسفون المنزل على بناتي الأربعة و والدها المريض .. كنا يومها نائمين فاستيقظنا على أصوات إطلاق الرصاص و صوت نسف باب المنزل بالمتفجرات من قبل جنود الاحتلال و وجدنا الجنود يحاصرون المنزل من كلّ الجهات و عندما أردنا الخروج لنحمي أنفسنا من إطلاق الرصاص أمرنا جنود الاحتلال بالعودة داخل المنزل ثم احتجزونا داخل غرفة و كان معهم كلاب مدربة و عندما تفقدت بناتي الأربعة وجدت أن أحداهن غير موجودة و حاولت إقناعهم بأن أتوجّه لإحضارها و أخذت أجري في المنزل من غرفة لغرفة و في الطريق عثرت على حقيبة بها الصيغة الذهبية و نقود ثم واصلت طريقي عند مدخل الباب فوجئت بأن أحد الجنود يطلب مني إلقاء الحقيبة على الأرض فألقيتها و بعيداً عن المنزل رأيت ابنتي الرابعة يحيط بها جنود الاحتلال و قد أصيبت بشظية في رأسها فصرخت عليهم أن يطلقوا سراحها ثم جاءت البنت و اقتادونا إلى الغرفة التي احتجزونا بها ثم اقتاد الجنود زوجي عبد الكريم و زوجة ابني ماهر من الطابق الثاني و بقينا على هذه الحال لمدة ثلاث ساعات و نصف و في الثالثة و النصف أجبرونا على الخروج من المنزل و أجبرونا على السير لمسافة طويلة وسط أجواء من الذعر و الخوف فلم يكن في الشارع سوى الدبابات و جنود الاحتلال ، خرجنا دون أن يسمحوا لنا بحمل أي شيء حتى الحقيبة ألقيتها و بها الحليّ و نقود تقدّر بحوالي 7 آلاف دينار و التي ربما سرقوها ، كنت أنا و بناتي الأربعة و أبناء ‘أختي و أربعة أطفال و ثلاثة أطفال آخرين و بصعوبة دخلنا أحد منازل الجيران و بعد لحظات سمعنا دويّ انفجار هائل هز المخيم بأكمله عرفنا أن البيت الذي أمضينا فيه حياتنا بحلوها و مرها و احتضنت فيه أبنائي و تعهدتهم بالرعاية و الحب حتى استشهد اثنان منهم و أسر زوجي و ابني الآخر محمود و لازال ماهر مطارداً لقوات الاحتلال" ..

و تضيف : "لقد حاولوا إقناعي بمغادرة المكان إلى بيت آخر تم استئجاره لكني رفضت و نصبت خيمتي بجوار المنزل و تساءلت كيف أترك المكان الذي تربى فيه سهيل و محمد ؟! إن روحي معلقة بحجارة و ركام هذه المنزل فكيف أقتلع روحي بيدي" ، بهذه الكلمات المؤثرة اختتمت المواطنة أم سهيل روايتها لقصة من قصص البطولة و الفداء و التحدّي و لا تأمل من هذه الدنيا سوى أن يجمعها الله مع ابنيها سهيل و محمد في عليين و أن تقرّ عينيها برؤية ابنها و زوجها الأسيرين و أن يساعدها أحد في بناء غرفة بجوار حطام المنزل المهدوم تقيها حرّ الصيف و برد الشتاء .

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...