اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

لن ننسى


Recommended Posts

لن ننسى

(1)

اللاجئون الفلسطينيون في سورية يتحدثون عن معارك 48 وآلام اللجوء

abed2.jpg

خاص

وُلد في ترشيحا قضاء الخليل بفلسطين عام 1939م، تفتحت طفولته على الاحتلال البريطاني وعاش الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني وما رافقها من دمار وخراب وقتل وضحايا ومجازر دموية فاقت كل أنواع البشاعة.. عانى وجميع أفراد شعبه الكثير نتيجة طردهم من بلادهم وأرضهم، خلعوا من جذورهم بالقوة وما زالوا يعانون آلام ومآسي ونتائج تلك النكبة، حتى بعد مضي خمس خمسون عاماً عليها.

إنه السيد أبو العبد محمود حسين الذي يقيم حاليا في مخيم النيرب للاجئين الفلسطينيين في حلب بسورية .

عن أحداث حرب 1948م التي شنتها العصابات الصهيونية على الشعب الفلسطيني بمساعدة وحماية قوات الانتداب البريطاني، وعن المعارك التي خاضها الفلسطينيون والعرب ضد تلك القوات الغازية.... الطرد القسري من الوطن ومعاناة اللجوء ..حدثنا السيد أبو العبد:

«أعلنت حرب 48 وأعلن الانتداب البريطاني انسحابه من الأراضي الفلسطينية لكن ما جرى هذا الانسحاب تسليم الأرض الفلسطينية والأسلحة والمواقع لليهود … كل المساعدات قدمت لليهود كي ينتصروا في هذه المعركة، وفي الطرف المقابل مورست على الشعب الفلسطيني كل الضغوط وكل أساليب المخابرات والقهر والظلم من قبل بريطانيا والانتداب البريطاني ومن قبل القوى الصهيونية التي كانت موجودة في ذلك الوقت، وبالتالي كان هناك طرف قوي وآخر ضعيف.

وانعكس الضعف العربي في ذلك الوقت على قضيتنا وما يزال هذا الضعف مستمر بشكل أكبر مما كان في عام 48.

أعلنت الحرب وبدأنا نخوضها، ربما تستغربون من السلاح الذي كان لدينا، لأننا فلاحين كان الشخص منا يبيع أبقاره ليشتري بندقية، أو يبيع قمحه _لقمة أولاده_ كي يشتري بندقية، ورغم صعوبة الحصول على بندقية شكلنا كتيبة من 100 شاب من بلدتنا وكانت كتيبة بلدتنا تخضع في ذلك الوقت بشكل تقريبي لقيادة جيش الإنقاذ الذي دخل فلسطين .

كان عدد سكان بلدتنا آنذاك يتراوح ما بين 4-5 آلاف إنسان، وكان شبابنا يشكلون خط أمامي عربي للدفاع وصد الزحف الصهيوني المحتل، بعد سقوط حيفا ويافا وعكا ..

أذكر أنه انضمت إلينا فيما بعد كتيبتين أردنيتين، واحدة تابعة للجيش النظامي الأردني وكان قائد الجيوش العربية في الأردن هو الملك عبد الله، أما الثانية فعبارة عن عشيرة أردنية تحت قيادة شيخها " علوش " الذي أحضر عشيرته كاملة للقتال في فلسطين.

لما علم الملك الأردني أن «صبحي الخضرة » من صفد ذهب إلى دمشق لشراء أسلحة للمقاتلين العرب في فلسطين، أمر الملك عبد الله الكتيبة الأردنية التابعة للجيش الأردني بتسليم صفد لليهود والذهاب إلى دمشق، وهذا ما حصل فعلاً كما روي لنا.

ونتيجة لذلك أصبحنا محاصرين من الغرب والشرق باليهود، ورغم ذلك قاتلنا وصمدنا، وصمد معنا جيش الإنقاذ الذي كان تحت قيادة القائد العراقي المهدي،

معركة القلعة

خضنا عدة معارك على بعد 2كم غرباً من بلدتنا، من بينها الهجمات المتتالية على مستعمرة جدين التي بنيت عام 1947 وكانت عبارة عن قلعة قديمة احتلها اليهود بحماية القوات البريطانية، وبعد ثلاث هجمات غير موفقة لاستعادة القلعة من اليهود، وقعت المعركة الحاسمة، فاقتحمنا القلعة ورفع اليهود داخلها العلم الأبيض، إلا أن أمراً مفاجئاً بالانسحاب أوعز للجيش العربي فلم نستطع المتابعة وحدنا بأسلحتنا البسيطة، فاليهود كانوا مسلحين وعلى استعداد تام لتنفيذ مشروعهم، فكانوا يملكون الرشاشات والبنادق الحديثة والطائرات والمجنزرات، أما نحن لم يكن لدينا سوى البندقيات القديمة..في المحصلة خسرنا 8 شهداء في تلك المعركة.

بعد هذه المعركة خضنا عدة معارك أخرى، فقد كنا نشكل خط الدفاع الأمامي وكان وراءنا لواء الجليل كله ببلداته وقراه التي تصل إلى 70 قرية تقريباً، ينتظر صمودنا، لأن هزيمتنا تعني هزيمة كل ما وراءنا، لذا كنا آخر مجموعة خرجنا من فلسطين.

المعركة الأخيرة

في آخر معركة لغمنا الشارع الواصل بين ترشيحا وعكا، كي نمنع المجنزرات والمصفحات اليهودية من اختراقه، وكانت معركة الحسم. بدأ الهجوم علينا وفشل وبعد فشلهم نصب اليهود كميناً للباصات الخاصة بنا وقتلوا حوالي 12 شخصاً، كانت الطرق كلها مقطوعة، وحوصرنا من ا لشرق والغرب باليهود، واحتل صفد وخرج أهلها منها، واستخدم اليهود الطائرات للإغارة علينا، وبدأت غاراتهم مع عصر ذلك اليوم، وكنا نحرس الحدود الأمامية للقرية المواجهة للمستعرة جدين، حاولنا صد الطائرات بالأسلحة لكن دون جدوى، وأسقطت الطائرات قنبلتين على منطقة «الدير القاسي» من ثم انسحبت، ليبدأ اليهود هجومهم البري، ومجرد وصول مصفحاتهم إلى الشارع الذي لغمناه، بدأت تنفجر الواحدة تلو الأخرى، وأغلق الشارع، فتحول هجومهم إلى المشاة، وكان عدد مشاتهم المهاجمين حوالي خمسة آلاف جنديا، ومضى الليل بطوله ونحن نقاتل ونصد اليهود، فقتلنا منهم الكثير وكسبنا أسلحة كثيرة منهم، ولم يتحرك جندي واحد منا إلى الخلف خطوة واحدة، كنا صامدين ومحافظين على مواقعنا، أما أهل قريتنا فكانوا ما يزالون في بيوتهم بأمان،.

ومع صباح اليوم التالي كان السلاح الموجود في القرية قد انتقل كله إلينا إلى المعركة، وخلت القوية تماما من كل أنواع الأسلحة حتى من مسدس صغير. بعد ذلك عادت الطائرات اليهودية مرة أخرى لتقصف القرية وتحصد كل من فيها من البشر، واستمرت غارة الطائرات حوالي ربع الساعة، وبمجرد انتهائها وانسحاب الطائرات، ذهبت مسرعاً وتسلقت تلاً مرتفعاً يدعى المجاهد على سفح جبل يشرف على قريتنا، فبدت لي القرية كصحن صغير في أسفل انحدار، فرأيت الناس كيوم الحشر، كل يركض في اتجاه، وأصوات صراخ النسوة تعلو ويعلو فوقها لهيب النيران التي أضرمت في معظم أحياء القرية، كان منظراً شديد الوقع على النفس الإنسانية.. نزلت إلى القرية وتفقدت أهلي فوجدتهم بخير، لكني علمت أن عشرات العائلات كانت قد حاولت الاحتماء من الغارة بالوقوف تحت البناية الأكثر ارتفاعاً في قريتنا، وتقع وسط القرية وتتكون من أربع طوابق، ولما قصفت الطائرات هذه البناية سقطت على من كانوا تحتها، ونتيجة ذلك محيت عائلات كثيرة بأكملها ولم يبق منها أحد على الإطلاق، وأسرعنا إلى مكان البناية وحاولنا انتشال الجثث والمصابين، وأخرجنا آنذاك 20 جثة.

وخوفاً من عودة الطائرات اليهودية مرة أخرى، خرج أهل قريتنا إلى غابات وأشجار الزيتون والتين المحيطة بقريتنا..وبالفعل عادت الطائرات ظهر ذلك اليوم وقصفت القرية، وانسحبت ثم عادت مرة ثانية وثالثة..وكانت الطائرات تلقي براميل ملغمة على القرية..وهكذا دمروا البقية الباقية من قريتنا.

رغم كل هذه الخسائر ظللنا نشكل العمود الفقري الذي كان يُعتمد عليه، كنا صامدين وكان عدد شهدائنا قليل، بينما كان عدد قتلى اليهود كبيراً، واستمر هذا الوضع يومين، بعدها فوجئنا بجيش الإنقاذ العربي وعند الساعة العاشرة ليلاً يعلن ويقول لنا بالحرف الواحد: «اليهود ورانا ..دبروا حالكم» وانسحب الجيش وبقينا وحدنا..

كنا نعتمد على الجيش في مدنا بالذخيرة، صحيح أنه كان لدينا بنادق قديمة إلا أننا لم نكن نملك الرصاص ، لذا قررنا الانسحاب والخروج من البلد لا سيما أن أهل قريتنا خرجوا منها، وبعد أن سمعنا مذابح اليهود في القرى المجاورة لنا التي سقطت قبلنا، فقلنا في نفسنا أن اليهود لن يتركوا شخصاً واحداً على قيد الحياة كما فعلوا في بقية القرى التي احتلوها.

الخروج القسري من البلاد

عندما سمع أهالي لواء الجليل أن الخط الأمامي _نحن_ كسر وانسحب الجيش العربي غادروا أراضيهم، فأثناء خروجنا من فلسطين، مررنا بعدة قرى ووجدناها فارغة تماما، مثل سحماتا، الدير القاسي، الرميش، ..حوالي 60 قرية كلها هجرت تماما..

وصلنا إلى لبنان، وفي بنت جبيل _منطقة لبنانية_ حملونا في سيارات كانوا يحملون فيها الأبقار، ووصلنا إلى صور، وهناك وجدنا القطار ينتظرنا إضافة إلى عربات الأبقار_الفراهين_ الموصولة في القطار، وضعونا في هذه الفراهين وسار بنا القطار من صور إلى حلب،... لم نكن نعي شيئاً، وأصبح أمرنا بيد غيرنا، فأفراد من سلطات الدولة كانوا على متن القطار، وكانت السلطات العربية هي المشرفة على نقلنا..

وفي الطريق من صور إلى حلب بدأت العربات تنفصل عن بعضها على التوالي، وفقدنا أقربائنا دون أن نعلم ، وتفرقنا، فكلما وصلنا مدينة أو منطقة ما في سورية كانت تنفصل عنا عدة عربات، وهكذا إلى أن وصلنا حلب.لم نكن معتادين على القطار، فنحن فلاحين، لذا ظللنا ثلاثة أيام ونحن على متن القطار نرى الأرض تمشي بنا ونحن في أماكننا..

كان خروجنا من فلسطين غلط كبير جدا، ما نزال ندفع ثمنه حتى اليوم، ومنذ ذلك اليوم الذي خرجنا فيه من فلسطين وحتى اللحظة ونحن نفتقد الهوية ولا نملكها.. والحمد لله أن أهلنا في الداخل أخذوا درساً من خروجنا، وتمسكوا بأرضهم وما يزالوا.

طبعاً عانينا كثيراً من ظروف الحياة الاجتماعية في المخيمات، وعشنا حياة «أربطي القرد فيها بنهزم» بمعنى لا يستطيع الإنسان عيشها.

مرحلة الكفاح المسلح وتنظيم الصفوف

بعد فترة بدأنا نصحو من الصدمة، وقررنا تأمين لقمة العيش لأطفالنا والتمسك بأرضنا وقضيتنا وحقنا في العودة إلى بلادنا، وبدأنا ننظم أمورنا، لينطلق العمل الفدائي في الخمسينات ضد العدو الصهيوني.

كانت معركة الكرامة التي خاضها الفلسطينيون وانتصروا فيها على العدو الصهيوني نقطة تحول كبيرة في تاريخ الأمة العربية، لا سيما بعد هزيمة الأنظمة العربية الساحقة عام 1967، ونتيجة انتصار تلك المجموعة الفلسطينية في الكرامة انتقل الولاء الشعبي العربي من الأنظمة إلى الولاء للمقاومة الفلسطينية. لكن قادتنا العرب المجرمين لم يستطيعوا استغلال النصر الفلسطيني في الكرامة، وتنظيمه لصالح مشروع التحرير.

مرت المراحل بنا والسنوات فذبحنا في الأردن في السبعين، كان عدد الفدائيين الفلسطينيين الذين ذبحوا في الأردن في أحراش جرش وعجلون حوالي 15 ألف فدائي خلال 15 يوماً، وهو ما لم يستطع العدو الصهيوني فعله وتحقيقه. لكننا لا ننكر أننا أخطأنا في تلك المرحلة..كان خطؤنا كبير وقاتل.. وفي عام 83 ذبحنا ثانية في لبنان ونقلنا على متن سفن فرنسية، وبدأنا نرجع للوارء ..

أما ما يجري اليوم من أحداث خاصة ما جرى في العراق لا يجعلنا نتفاءل بالخير حالياً، لكن إذا نظرنا إلى حركة التاريخ وإلى تاريخ الأحداث وتسلسلها، سنجد أن المستقبل لصالحنا بإذن الله تعالى. إني بريء من هذا الجيل ومما تفعله الأنظمة العربية، حتى الشارع العربي مقصر في واجبه ودوره تجاه القضية، وهو لا يبعد كثيراً عن أنظمته..فبعد أن هب في بداية الانتفاضة الفلسطينية، نراه اليوم يهمد وينام في سبات قد يول وقد يقصر.

وكالة الغوث

لدى سؤالنا عما قدمته وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين في سورية أول وصولهم، قال العم أبو العبد غاضباً: « لا أريد وكالة الغوث هذه، من هي وكالة الغوث؟؟، إنها كلها جواسيس... الشعب هنا هو الذي ساعدنا....» ويبكي بحرقة عدة دقائق دون أن يقدر على الحديث.

العودة إلى الوطن

عن حقه في العودة بعد مضي 55 عاماً على خروجه من فلسطين يقول أبو العبد:

« أولاً أنا كمواطن أريد حقي التاريخي أريده، وإن هؤلاء الذين أتوا من الخزر ومن ألمانيا ومن أصقاع الأرض ..عليهم الرجوع والعودة من حيث جاءوا، هذا الوطن لي هذا الوطن لي،

ثانياًُ هذه الأرض عربية ولا بد للأمة العربية أن تصحو من سباتها ومن تخاذلها، ولا بد لشعوب هذه المنطقة العربية أن تشعر بالخطر وبالتالي لا بد لها أن تهزم الصهاينة كما هزمت الصليبيين والتتار ونابليون.

المسلمون عندما كانوا موحدين الفكر والفعل أسقطوا أكبر إمبراطوريتين في العالم في ذلك الوقت، فالفتح الإسلامي هو استعادة حقوق كانت مغتصبة.

شعبنا العربي أينما ذهب هو شعب معطاء لكن ينقصه الوعي والإرادة .. وهويتهم مستهدفة دوماً.

المستقبل بإذن الله يعتمد على جماهير هذه الأمة التي لها تاريخها وتراثها وجذورها، لسنا أمة عابرة بين الأمم، فأمتنا العربية هي أكثر الأمم عطاء للإنسانية.

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

(2)

123456.jpg

« خرجنا من فلسطين بسبب الخيانة العربية ».. بهذه العبارة بدأ الحاج رشيد شكري شريح _ مواليد ترشيحا قضاء عكا 1904_ حديثه الممزوج بالشجون والفخر والأسى عن أيام البلاد.. عن فلسطين، ومعارك أبنائها ضد الاحتلال البريطاني والغزو الصهيوني. يسترسل الحاج رشيد: «كنا منتصرين، وكانت لدينا القوة الكافية لإخراج اليهود والإنجليز في آن واحد من بلادنا، وكان الإنجليز دائمي الانسحاب من المعارك، خلال الأيام الأولى من كل معركة بسبب صمودنا، أما نحن فكنا نغني ونرقص نصراً على أعدائنا وكان أهالي البلدات التي تشهد معارك ضد اليهود والإنجليز يغنون طرباً وانتصاراً وكأن لديهم عيد يحتفلون به.

كان عام 1939 حافلاً بالانتصارات وكانت الدولة العربية الوحيدة التي تساعدنا آنذاك هي سورية، حيث قدمت لنا الرجال والأسلحة والذخيرة..وكان الضباط والقادة السوريون يشتركون معنا في المعارك ونتيجة ذلك كله وبفعل تلك الانتصارات المتعاقبة بدأ اليهود يرحلون عن فلسطين أفواجاً أفواجاً، وكان كل فوج يخرج فيه 50 ألف يهودي، ..كنا منتصرين..

الخيانة العربية .. والدور البريطاني

بعد اجتماع طلب ملوك الدول العربية مع بريطانيا وصدور الكتاب الأبيض، أكد لنا الزعماء العرب أن بريطانيا أصدرت ذلك الكتاب الذي ستسلم لنا بموجبه فلسطين بعد انتهاء الحرب، شرط تسليمنا أسلحتنا وذخيرتنا، للأسف خدعنا وسلمنا أسلحتنا للبريطانيين بعد أن كنا منتصرين عليهم وكان أملنا كبيراً أن لا نبقي أي يهودي أو حتى إنجليزي في فلسطين.وبعد انتهاء الحرب دخل إلى فلسطين 50 ألف يهودي برفقة الجيش البريطاني وتحت حمايته، معززين بالمصفحات والمجنزرات، وصارت بريطانيا تسلم معسكراتها في فلسطين إلى اليهود بكل معداتها العسكرية، لذا لم نشعر إلا ونحن عزل أمام مسلحين، فصرنا نبيع أراضينا لنشتري قطعة سلاح ونقاوم بها اليهود، والحمد لله قاومنا قدر استطاعتنا..

تفاصيل المعارك ودور جيش الإنقاذ

كان عدد سكان بلدتنا ترشيحا آنذاك خمسة آلاف نسمة، وفي ترشيحا وقعت ثلاث معارك، وكنا منتصرين فيها،وكان لدينا كتيبة من 300 قطعة سلاح ورشاشين اثنين.. وقاومنا:

* المعركة الأولى:

في أولى معاركنا ضد اليهود استمر القتال 8 ساعات ونتيجتها استشهد منا شخص واحد، بينما قتل من اليهود 95 يهودياً..

من ثم وصلنا القائد فوزي القاوقجي قائد الجيوش العربية وخطب فينا خطابه التاريخي، ووعدنا أن رقبة ترشيحا لن تطير، ومدنا بـ 550 جنديا مسلحاً وبأربع مدافع _اثنين للطائرات واثنين للجبليات_ فامتلكنا قوة معنوية ومادية كبيرة جدا..

* المعركة الثانية:

استمرت المعركة الثانية بيننا وبين اليهود 65 ساعة ونصف، ساعدنا فيها جيش الإنقاذ، واعترفت هيئة الأمم بقتل 550 قتيل من اليهود، فيما استشهد شخص واحد يمني من جيش الإنقاذ الذي كان موجوداُ في ترشيحا، حيث كان هناك 15 عربياً يمنياً ضمن صفوف جيش الإنقاذ المتواجد في ترشيحا.

* المعركة الثالثة:

بعد مدة هاجمونا بـ22 ألف يهودي، وعلى الفور ومع بدء الهجوم انسحب جيش الإنقاذ من ترشيحا.. كنت أحمل منظاراً استلمته من القيادة، وبعد انتصارنا عليهم بأرض الجفية، رأيت طائرتين تتقدمان نحو البلدة، ظننا أنهما سوريتان ولكنهما كانتا إنجليزيتان، فور وصولهما البلدة أسقطوا عليها 12 قنبلة، على ثلاث دفعات متتالية، وأنا أنظر إليهم في المنظار..فدمرت البلدة كلها بعضها البعض. وسقط 450 شهيداً من بلدتنا تحت الحطام والركام عند انتهاء الغارة، ونتيجة ذلك إضافة إلى انسحاب جيش الإنقاذ وعدم امتلاكنا سلاح أو ذخيرة أجبرنا على الانسحاب والخروج القسري ترشيحا رغما عنا. فلم يعد بإمكاننا البقاء. خرجنا حفاة عراة لا نملك أي شيء، خرجنا بثيابنا التي نرتديها فقط، ولم نأخذ معنا أية أوراق ثبوتية أو شخصية، حتى أن زوجتي تركت حليها الذهبية "صاغتها" في خزانة المنزل.

وعن حياته الشخصية قال الحاج رشيد أنه تزوج بفتاة فلسطينية مدة 13 عاماً ولم يرزقا بأطفال، فتزوج بعدها بأخرى وأنجب طفلة كان عمرها عام واحد عندما غادروا فلسطين عام 1948م

حياة الفلسطينيين في المخيم

«حياتنا أمر من الصبر»، عشنا فوق بعضنا البعض في المخيم عند وصولنا إلى حلب، في ازدحام شديد، حيث كنا 16 عائلة في براكس واحد (barracks)، وتحملنا ذلك كله بهدف إنشاء أطفالنا على محبة فلسطين والتمسك فيها والنضال من أجلها، فمان الجيل الذي أنشأناه أكثر منا حباً لفلسطين، وأكثر وطنية، ذهب إلى فلسطين وقاوم منذ عام 1965 وحتى التسعين، من ثم وقعت الأحداث الأخيرة ولم نعد قادرين على الكلام.

كان المخيم يد واحدة، يختلف عن الجيل الموجود اليوم، فاليوم توفي معظم كبار السن الذين عاشوا في فلسطين، وقلائل الذين يعونها أو عاشوا فيها..

آه.. عندما يأتي ذكر فلسطين ونتذكرها ، تحترق قلوبنا..ولكن ليس باليد حيلة.

العودة إلى الوطن

لدى سؤالنا الحاج رشيد عن رغبته في العودة في حال أتيحت، قال: يا ليت هناك مجال للعودة إلى فلسطين، الناس التي ولدت في المخيم تتوق شوقاً إلى العودة وتموت في سبيلها، فما بالك بنا نحن الذين ولدنا فيها وعشنا شبابنا فيها بكرامتنا وعزتنا وفي بيوتنا وعلى أرضنا.. ولكن هذا الأمر محسوم من عند الله عز وجل، ولا نملك إلا أن نتمنى أن يكون ذلك في الوقت الذي نعيش فيه وليس في الجيل الذي يلينا والذي لن نعيشه، أملنا في الله تعالى أن توجد روح وطنية عربية تحرر فلسطين. كل شيء مكتوب في القرآن الكريم وموجود، فالله سبحانه يقول: « وقضينا لبني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ثم لتعلون علوا كبيرا... » إلى قوله «فإذا جاء وعد الآخرين يدخل القدس كما دخلناها أول مرة ويكبروا تكبيرا.» فهذا الأمر محسوم من الله عز وجل، ولكننا نتأمل رؤيتها قبل موتنا.

أما بالنسبة للعرب وما آلوا إليه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها..» واليوم أموال العرب وثرواتهم تأكلها الدول الأجنبية، يأخذون البترول من العرب ويعطوه لليهود كي يقضوا على الأمة العربية... هناك أمور كثيرة لكنا لا نستطيع الكلام أكثر من ذلك..

لما نسمع أن اليهود هدموا بيت فلان أو قطعوا أشجار فلان من الفلسطينيين، والله أشعر أن سكاكين تقطع قلبي، لا يستطيع السكوت عن ذلك إلا الحمار الذي لا يفهم، عندما نرى ونسمع ... .. خليها لله..(تدمع عيناه..يصمت قليلا ثم يتابع): متعب..أنا متعب ولا أستطيع الحديث أكثر من ذلك...

يذكر أن الحاج رشيد عمل وما يزال مختاراً لمخيم النيرب للاجئين الفلسطينيين الذي يسكنه منذ خروجه من فلسطين عام 1948م، ويعد رشيد الأكبر سنا بين سكان المخيم، إذ يبلغ عمره 99عاماً.

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...