اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

ما الذى يمنع وصول ثورة المعلومات الى المنطقة


impossible

Recommended Posts

عرض وتعليق‏:‏ عاطف الغمري http://www.ahram.org.eg/ARCHIVE/Index.asp?...10.HTM&DID=7827

هذا الكتاب‏:‏ ثورة المعلومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قام بإجراء البحوث والدراسات التي تتشكل منها مادته‏,‏ المعهد الوطني لابحاث الدفاع التابع لمؤسسة راند‏,‏ في عام‏2003,‏ بتكليف من مكتب وزير الدفاع الأمريكي‏,‏ وراند واحدة من أهم واكبر مراكز البحوث السياسية والاستراتيجية التي ترجع اليها المؤسسة السياسيةالحاكمة في الولايات المتحدة‏,‏ لاعداد بحوث وتقارير‏,‏ كثيرا ما كان لها تأثيرها علي صناعة القرار السياسي‏,‏ وقد ازداد التعاون بينها وبين وزارة الدفاع في فترة الرئيس جورج بوش حاليا‏,‏ خاصة فيما يتعلق بأوضاع ومواقف سياسية واستراتيجية في الدول العربية وفي الشرق الأوسط‏.‏

ولما كان هناك نص في الغلاف الداخلي للكتاب علي عدم نشر اي أجزاء منه‏,‏ أو الاستعانة بما فيه من معلومات إلا بعد الحصول علي تصريح بذلك حق مؤسسة رانر‏,‏ فإنني بادرت بكتابة هذا العرض للكتاب بعد أن بعثت مؤسسة راند بنسخة منه الي السفير الممتاز الدكتور محمد شاكر رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية‏,‏ مصرحة له وللمجلس بالتصرف فيه‏,‏ وبعد أن شعر السفير محمد شاكر بأهميته بعد قراءته‏,‏ أهداني إياه للاستعانة به في النشر صحفيا‏.‏

والكتاب قام بتأليفه اثنان من الكتاب المرموقين في الولايات المتحدة بعقد مع راند همان جراي بوركهارت‏,‏ وهو مقيم في واشنطن‏,‏ وسوزان أولدر وهي صحفية ورئيسة مركز الاعلام الدولي في نيويورك‏.‏

والاثنان لهما خبرة طويلة بالشرق الأوسط‏.‏

وقد اعتمدا بدرجة كبيرة في هذا الكتاب علي دراسات ومناقشات في مؤتمرات دولية عديدة‏,‏ وبحوث وتقارير‏,‏ تتناول المسار المتوقع لثورة المعلومات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا علي مدي السنوات الخمس والعشرين القادمة‏.‏

وفي عرضه للمنطقة التي يتناولها بالبحث والدراسة والتحليل‏,‏ يذكر الكتاب‏:‏ ان منطقة الشرق الأوسط‏,‏ كانت في زمن مضي موطنا لأكثر المجتمعات في العالم تقدما‏,‏ وكانت شعوبها قد برعت في الرياضيات والفلك‏,‏ والعلوم‏,‏ والطب‏,‏ وذاعت شهرتهم في الشعر والفنون‏.‏

وقد تزامن هذا الصعود‏,‏ مع اتساع الامبراطورية الاسلامية‏,‏ والتي يطلق علي ماتبقي منها إجماليا اسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا‏.‏

ويتحدث المؤلفان عن الفرصة المتاحة أمام دول المنطقة للحاق بثورة المعلومات‏,‏ والتي يمكن أن تكون الفرصة السانحة‏,‏ ويمكن ايضا ان تكون الفرصة الضائعة‏,‏ ويقول ان هذه الدول لن تكون قادرة علي ان تحبس جني ثورة المعلومات داخل القمقم‏,‏ الذي كسرت زجاجة وسائل الاعلام الجديدة التي انتشرت مؤخرا‏.‏

ويشير الي حالة العراق ـ في هذا السياق ـ بقوله ان العراق الذي كان نظامه حالة فريدة في السيطرة الكاملة علي المعلومات‏,‏ والذي حرم الدش ووسائل الاطلاع علي مايجري في العالم‏,‏ كانت حكومته قد أخفت عن الشعب العراقي ان الجيش العراقي كان قد سحق تماما علي يد قوات التحالف عام‏1991,‏ وانها حاولت منع دخول اي معلومات الي العراقيين عن طريق مختلف أدوات الرقابة‏.‏

هذه المعلومات في الكتاب الذي كان قد تم اعداده قبل قليل من بدء الحرب علي العراق‏.‏

وفي كتابهما ثورة المعلومات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا‏:‏

يقول المؤلفان‏:‏

لايظهر مايشير الي ثورة معلومات وشيكة في معظم دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا كانتشار وتشغيل المعلومات القائمة علي علم وخبرة وتحليل‏,‏ وكذلك وسائل الاتصال التكنولوجية يعتمد علي عناصر اقتصادية‏,‏ عناصر ثقافية تتعلق بأنظمة الحكم‏.‏ مثل حيوية النشاط الاقتصادي‏,‏ وانفتاح المشاركة السياسية‏.‏

والاحتمال قائم في ان تفقد معظم دول المنطقة فرصة اللحاق بثورة المعلومات‏,‏ بينما تمر بها بعض الدول مرورا‏,‏ وهذا بدوره سيؤدي إلي زيادة فجوة التنمية بين دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا‏,‏ وبين دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي‏.‏

وبالنسبة للفضائيات فإن السلطات الثقافية‏,‏ والدينية خاصة سلطات الأمن تنظر إلي انتشار الفضائيات باعتبارها منافسة ثقافية‏,‏ لا تجرؤ علي ان تخسر دخول سباق المنافسة فيها‏.‏

وان شرط الفوز في هذا السباق التنافسي‏,‏ هو صدوره من مناخ الديمقراطية‏,‏ أما في حالة الحكومات التي تفتقد شرعية الحكم‏,‏ التي لاتعرف انتخابات حرة ونزيهة‏,‏ فإنها تحتفظ برقابة مركزية شديدة وقوية علي معظم جوانب الحياة بما فيها التجارة‏.‏

ويعتبر التحكم في تدفق المعلومات مسألة محورية في التحكم في السكان‏,‏ ومحورية في مزاولة النشاط التجاري‏.‏

وبذلك فإن التكنولوجيا التي تعمل علي انتشار وتوسيع نشر المعلومات‏,‏ يمكن ان تكون مضادة لاحتياجات الحكومة‏,‏ بحيث ان بعض الحكومات لجأت الي التحكم في تشغيل التكنولوجيا بما يلائم أهدافها الخاصة‏,‏ تجاه ظهور وسائل التكنولوجيا الحديثة ابتداء من التيلفون‏,‏ والراديو‏,‏ والتليفزيون‏,‏ وفيما بعد ذلك الانترنت‏.‏

وكان الراديو والتليفزيون منذ سنوات يستخدمان كأدوات دعاية وتوجيه للمجتمع‏,‏ ولكن بعد ان أصبحت هذه الأدوات اكثر تعقيدا من سابقاتها‏,‏ فقد أصبح من الصعب علي الحكومات قهر تأثيرها بشكل فعال‏.‏ وان كان ذلك لم يمنعها من المحاولة وصار من غير المحتمل بالنسبة لأي دولة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا‏,‏ ان تتمتع تماما باستثناء دولة أو دولتين‏,‏ بثورة المعلومات خلال السنوات العشر القادمة‏.‏

ولما كان من المهم ان نقرأ نفس النص الذي يوضع تحت نظر البنتاجون لقراءته‏,‏ فإننا نعرض الصورة كما يقدمها المؤلفان في كتابهما كموضوع بحث يعتمد علي الاحصائيات والمعلومات‏.‏

ويقول المؤلفان‏:‏

ان الحكومات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا حاولت ممارسة سيطرة مركزية قوية علي التجارة والمال والسياسة‏,‏ وكثير منها سعت لمد رقابتها علي المجال الاجتماعي‏,‏ والحياة الشخصية لأفراد الشعب‏,‏ والتي تفعل ذلك لم تصل الي السلطة نتيجة انتخابات حرة ونزيهة‏,‏ وتحتاج إلي رقابة مركزية للاحتفاظ بالسلطة في الوقت الذي تخمد فيه صوت المعارضة‏.‏

وعندما يصل الأمر بالوضع الاقتصادي الي أشد حالات الضيق‏,‏ فإن ذلك يعزز من احتمالات العنف‏.‏

وعندما يصبح محتوي العقد الاجتماعي بين الحكومة والمحكومين فارغا‏,‏ فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تصبح أسلحة قوية لكلا الجانبين‏,‏ ولكنها تكون محدودة الاستخدام من جانب الاصوات المعتدلة‏.‏

وقد عرفت حكومات المنطقة منذ وقت طويل قوة الميديا في الخداع‏,‏ وحاول كثير منها افراغ التكنولوجيا الحديثة من قدراتها خاصة الانترنت‏,‏ لزيادة تحكمها وسيطرتها علي السكان‏,‏ لكن الميديا الجديدة وقنواتها الواسعة الانتشار يمكن ان تستخدم لنشر أفكارها‏,‏ وخلق صورة لها مقبولة‏,‏ وتقديم اجابات علي تساؤلات مطروحة بدلا من تركها معلقة مما يزيد من الريبة والشكوك‏,‏ وبهذا تستفيد من ثمار ثورة المعلومات‏,‏ بينما تتفادي فقدان وضع السيطرة‏.‏

ومن ناحية فإن ثورة المعلومات لايمكن ان تتحقق في غياب مجتمع حر بالفعل‏,‏ وان كانت الحرية ليست الشرط الوحيد‏.‏

ومن ناحية ثانية فإن تطبيق وسائل التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات في مجالات الحكومة والتجارة‏,‏ تجلب أخطارا يشكلها النفاذ الكبير الي المعلومات‏,‏ بما في ذلك زيادة الرغبة في بلوغ حريات شخصية وتجارية اكبر‏,‏ وتحقيق مستويات المعيشة‏.‏

وقد ظهر مما أثبتته الدراسات إن ثورة معلومات حقيقية‏,‏ أمامها فرصة ضئيلة في ان تحقق‏,‏ في مجتمعات غير ديمقراطية‏,‏ وحيث تواجه فهي الدكتاتورية علي وجه الخصوص معضلة‏,‏ فهي إما أن تخمد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات‏,‏ وبالتالي تتخلف عن الثورة الصناعية الجديدة‏,‏ أو ان تسمح بهذه التكنولوجيا‏,‏ وتعرض سيطرتها الشمولية لأن تتفوض بشكل حتمي‏.‏

والحقيقة ان الانظمة الدكتاتورية ليس أمامها خيار لأنها لن تستطيع علي الاطلاق ان تمنع مد الزحف التكنولوجي‏.‏

واليوم فإن هذا المد‏,‏ ليس متعلقا فقط بالتقدم التكنولوجي‏,‏ فإنه يرافقه طموحات سياسية‏,‏ واجتماعية‏,‏ وشخصية‏,‏ تسبح فوق أمواج وسائل الاتصالات الاوسع والاكثر وفرة‏.‏

يقول المؤلفان‏:‏

ان العلاقة بين الحكم والمحكومين اي العقد الاجتماعي ـ في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا‏,‏ هي موضع ضغط‏,‏ بما فيها قلة ضئيلة من الدول التي تمارس فيها الديمقراطية‏,‏ وان التحدي الرئيسي للعقد الاجتماعي ينشأ عن نقص التعددية الحقيقية‏,‏ ومن عدم حدوث تغييرات اقتصادية جوهرية‏,‏ في دول مجتمعاتها مغلقة‏,‏ وكذلك من أسباب اجتماعية أخري‏,‏ مثل زيادة نسبة الشباب من السكان‏,‏ الذين يتزايد عددهم بالدرجة التي لاتقدر الاقتصاديات المعمول بها علي توظيفهم‏,‏ وأيضا من كون بعض الأنظمة تعتبر قمعية لشعبها‏.‏

يقول الكتاب في الفصل السادس تحت عنوان تحديات الأمن‏:‏

ان مفهوم الأمن كما تمارسه كثير من حكومات الشرق الأوسط وشمال افريقيا له مدلول عام وليس محددا كما هو الحال في الغرب‏,‏ وان مفهوم المجتمع المدني يتصور حريات أقل عما هو مأخوذ به في الغرب‏.‏

وهذه المفاهيم في عالم متغير‏,‏ مثلما هو الحال في اطار العولمة‏,‏ تجلب الي المنطقة صورا وأفكارا عن حريات شخصية أوسع‏,‏ ومسئوليات‏,‏ تظهر لهم خاصة مع انتشار التليفزيون‏.‏

فالتليفزيون يزيد حواجز الأمية‏,‏ ويخاطب قطاعات من المجتمع مثل المرأة‏,‏ والفقراء جدا‏,‏ الذين بعدوا عن الوسائل التقليدية للعلم والتعليم‏.‏

كما ان العولمة تزود المهاجرين الي دول أخري في العالم بأن يكون لهم تأثير اكبر عن طريق مشاركتهم في نشاطات في بلادهم الأصلية‏,‏ بشكل لم يتوافر لهم في الماضي‏,‏ فكريا وماليا‏.‏

ولقد كان للأمن القومي مفهوم يقوم علي السيطرة أو ردع اي شيء يمثل تهديدا للمؤسسات الحاكمة‏,‏ ولمصالحها‏,‏ ولا تشمل هذه المصالح كبار المسئولين في الحكومة فقط لكنها تشمل ايضا كبار رجال الأعمال‏,‏ ومؤسسات اخري‏.‏

وعلي هذا فإن التوصيف الاوسع لمفهوم الأمن‏,‏ هو علي قدر اتساعه ليشمل التهديدات التي ينبغي اتخاذ موقف الدفاع عنها‏.‏

ولقد وعت الحكومات كون التدفق غير الخاضع للقيود للمعلومات عبر الحدود‏,‏ يمثل تهديدا محتملا للأمن‏,‏ لكن يظل الجمود الاقتصادي ونقص التعددية مصادر تهديد لأنها تغذي التطرف‏.‏

ان احصاءات عام‏2002‏ تقدر ان واحدا في المائة من سكان المنطقة يستخدمون الانترنت‏.‏

وهناك مايسمي بالمنطقة الرمادية‏:‏ حيث تواصل دول زيادة استخدام تكنولوجيا المعلومات لكن دون ان تبلغ بالفعل وضع الثورة التكنولوجية‏.‏

ان فجر عصر ثورة المعلومات لم يبزغ بعد في الشرق الأوسط وشمال افريقيا‏,‏ لكن تغييرات مهمة سوف تحدث‏,‏ وسوف تتأثر بعض هذه التغييرات بانتشار تكنولوجيا المعلومات‏,‏ كما ان بعض التغييرات سوف تؤثر علي مستقبل تنمية وتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة‏.‏

ان ثورة المعلومات ليست لعبة تأخذ منها ما تريد وتترك ما لاتريده‏,‏ فكل الدول والثقافات والمذاهب والشعوب يمكنها ان تجني ثمارها‏.‏ لكن هناك جوهرا اساسيا لثورة المعلومات لايمكن ان تثمر وتعم فائدتها بدونه وهو‏:‏ حرية التعبير‏,‏ وتبادلية المنافع بين الأفراد‏,‏ وعالمية الوصول الي المعلومات‏.‏

أما مسألة ما اذا كانت ثورة المعلومات سوف تثمر أم تفشل‏,‏ فهذا يعتمد علي حد كبير علي طبيعة انظمة المستقبل‏,‏ ويضيف المؤلفان أن الولايات المتحدة قد خسرت قدرا كبيرا من مصداقيتها علي مدي السنوات العشر الماضية‏,‏ بسبب تأييدها لأنظمة غير ديمقراطية من أجل مصالحها هناك‏,‏ بالاضافة إلي استمرار النزاع العربي ــ الاسرائيلي في استقطاب الكثيرين في المنطقة وراء تغذية المشاعر المعادية لأمريكا‏.‏

وان الولايات المتحدة قد أدركت مبكرا في حربها في أفغانستان أنها تخوض صراعا لكسب العقول والقلوب علي مستوي الرأي العام في العالم‏,‏ لكن هذه المعركة من ناحيتها تتطلب معرفة أفضل بتاريخ‏,‏ وثقافة‏,‏ وسياسات هذه البلاد‏,‏ بالإضافة إلي اكتساب مهارة الفهم والتحدث باللغات الأجنبية لهذه الشعوب‏,‏ وليس بمجرد التوجه إلي شعوب هذه المنطقة بالخطاب من خلال الراديو المسموع بلغة هذه البلاد مثلما يحدث باستخدام اذاعة صوت امريكا‏,‏ واذاعة سوا الجديدة‏,‏ وان كان المؤلفان يوصيان بأن تبدأ الولايات المتحدة باطلاق تليفزيون الي المنطقة بلغة شعوبها‏,‏ باعتباره الوسيط الأكثر تأثيرا عن الراديو في نقل الأفكار‏,‏ الي المدي الذي تريده وتحتاجه الولايات المتحدة‏,‏ كما يقولان ليكون لها نفوذ سلمي علي سياسات المنطقة‏.‏

هكذا عرض المؤلفان جراي بوركهارت وسوزان أولدر بتكليف من معهد ابحاث الدفاع الوطني بمؤسسة راند‏,‏ وبرعاية مكتب وزير الدفاع الأمريكي‏,‏ وكما يقول الناشر وهو مؤسسة راند‏,‏ ان مواد الكتاب اعتمدت علي اعمال سلسلة من المؤتمرات الدولية‏,‏ حول جوانب بعينها من ثورة المعلومات‏,‏ وايضا تقارير الخبراء حول مجالات متنوعة متعلقة بهذا الموضوع‏,‏ ولكن هذا العمل أو الكتاب يستحق وقفة أمامه بالتحليل والتعليق‏,‏ من عدة جوانب‏:‏ أولا‏:‏ ان الكتاب استخدم تشبيها دقيقا في وصفه لثورة المعلومات‏,‏ بوصفها بالجني أو المارد الشهير في الف ليلة وليلة‏,‏ الذي مازال حبيسا داخل الزجاجة أو القمقم‏,‏ لكن جدران الزجاجة تكسرت‏,‏ بفعل وسائل المعلومات التي بلغت موجاتها شواطئ الشعوب في بلادها البعيدة‏,‏ ولن يظل الأمر عند مجرد ملاطمة أو ملامسة امواج ثورة المعلومات للشواطئ لكنها سوف تتدفق بالتأكيد من الشواطئ الي اليابسة‏,‏ بخروج الجني من الزجاجة التي تكسرت‏.‏

وهذه مسألة وقت‏,‏ فهذا التطور في الأدوات التكنولوجية بالغة التقدم‏,‏ أمر طبيعي لابد ان يبلغ مداه دون أن يوقفه شيء أو رغبة‏.‏

ثانيا‏:‏ يستند الكتاب علي البحوث والدراسات والاحصاءات‏,‏ في القول بأن الشواهد لاترجح وصول ثورة المعلومات بكل عافيتها وتأثيرها‏,‏ الي دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا خلال السنوات العشر القادمة‏,‏ وهو يعدد الأسباب التي تمنع ذلك وعلي رأسها ورطة أنظمة حكم عديدة أمام الخيار بين فتح الابواب علي مصراعيها لثورة المعلومات وهو ما يقوض التحكم المركزي لها في الدولة‏,‏ وبين جعل الباب مواربا ليدخل من وسائل التكنولوجيا ما تريده‏,‏ وتوصد الباب امام ما تراه ممنوعا من الدخول‏,‏ وبذلك تتخلف الدولة عن الثورة الصناعية وثورة التقدم‏,‏ التي تسير مرافقة لثورة المعلومات‏,‏ واتساع فجوة التنمية بينها وبين الدول التي سرت فيها ثورة المعلومات‏.‏

لكن الكتاب يحدد أن تحقق ثورة المعلومات لا يمكن ان يتم إلا بتوافر شروط جوهرية‏,‏ هي الديمقراطية الفعلية وحرية التعبير‏.‏

ثالثا‏:‏ لكن الكتاب يغفل نقطة مهمة هي ان فترة التحكم المركزي للدولة علي معلومات شعوبها‏,‏ قد اصابها ضعف شديد بتقلص أجهزة الاعلام الموجه‏,‏ الذي كان يشكل المعلومة التي يريد أن تترسخ في أذهان الرأي العام‏,‏ ويظل يلح عليها حتي تصير المعلومة المصنوعة‏,‏ وحتي تدخلها في تركيبها الكثير من الأكاذيب وكأنها حقيقة‏,‏ يسهل تقبلها وتصديقها من كثرة الالحاح الاعلامي عليها‏.‏

وهذا الضعف الذي لحق هذه السلطة المركزية‏,‏ جاءها نتيجة انتشار الفاكس والمحمول‏,‏ والانترنت‏,‏ ثم الفضائيات‏,‏ والتي تنقل له الأحداث أولا بأول‏,‏ وتضع أمامه صورة حية لما يجري في بلده‏,‏ مما لم تكن حكومته لتسمح باطلاعه عليه‏.‏

رابعا‏:‏ الكتاب تحدث عن مفهوم الأمن في كثير من دول المنطقة وكيف انه مفهوم ضيق للأمن‏,‏ يعجز عن صد العدوان الخارجي‏,‏ لأنه تمت صياغته من أجل أمن المؤسسات في الداخل أولا‏.‏ وان وسائل الاتصال والعولمة تنقل صورا من الأفكار عن الحريات والمسئوليات في الخارج‏,‏ مما يوجد المقارنة والتأمل والاحساس بالفجوة بين معاني الأمن‏,‏ والحريات والمسئوليات في الخارج‏,‏ وبين الصورة التي ترسم لها في الداخل‏,‏ وهو ما يمثل تحديات جديدة لأمن الدول لم تكن مطروحة قبل انتشار ثورة المعلومات‏.‏

ومعني هذا انه ليس بالضرورة ان تسبق الديمقراطية ثورة المعلومات كشرط لوصولها‏,‏ بل يمكن ايضا ان تكون موجات ثورة المعلومات حتي ولو كانت تلامس الشواطئ‏,‏ فهي تحفز علي طلب الديمقراطية‏,‏ وتدفعها الي ان تكون طلبا قوميا ملحا‏.‏

ثم ان انتشار الفضائيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا‏,‏ قد أوجد حالة من التواصل والاتصال والتكامل بين الرأي العام في كل دولة عربية‏,‏ والرأي العام في بقية الدول‏,‏ بحيث أصبح هناك رأي عام موحد المطالب والتوجهات السياسية‏,‏ موجود في الشارع العربي‏,‏ وعلي امتداد الوطن العربي بأكمله‏,‏ ويكون له موقف موحد في نفس اللحظة كرد فعل لحدث‏,‏ ربما يكون قد جري داخل دولة واحدة‏,‏ وليس في كل الدول‏.‏

خامسا‏:‏ اذا كان الكتاب يذكر ان الولايات المتحدة قد خسرت مصداقيتها في السنوات العشر الماضية‏,‏ لسببين هما تأييدها أنظمة غير ديمقراطية من أجل المصالح الأمريكية‏,‏ ولعدم حل النزاع العربي الاسرائيلي‏,‏ فإن ما يتعلق بالنقطة الاولي تنقصه الدقة الكاملة‏,‏ بينما الرأي العام العربي المتأثر ايجابيا بثورة المعلومات لايمكن ان يستعيد ثقته في الولايات المتحدة‏,‏ إلا إذا تخلصت من ازدواجية سياساتها تجاه العرب واسرائيل‏,‏ لأنه اذا كانت علاقاتها بحكومات المنطقة لها حساباتها في عصر مضي‏,‏ فإن الحسابات لابد ان تختلف في عصر ثورة المعلومات‏,‏ والتي أصبح فيها الرأي يعبأ يوميا بسلوكيات الولايات المتحدة في فلسطين وتجاه العراق‏,‏ وبالقطع فالرأي العام في حالة تحفز واستياء انتظارا لاثبات حسن النية‏,‏ أو لما يسميه الأمريكيون معركة كسب العقول والقلوب‏,‏ وذلك بإيجاد حل عادل وشامل دون تحيز للنزاع العربي الاسرائيلي‏,‏ وايضا بانهاءالاحتلال العسكري للعراق‏,‏ وتحقيق الوعد بديمقراطية للعراقيين‏,‏ وهي لايمكن ان تحقق بدون اعادة زمام الأمر للعراقيين ليختاروا من يحكمهم بإرادتهم الحرة‏.‏

سادسا‏:‏ ان ثورة المعلومات هي أشبه بموجات البحر تتلاقي وتتلامس وتختلط ببعضها‏,‏ وتتحرك وتحرك بعضها البعض‏,‏ لكن المثير للحيرة أن الولايات المتحدة أكثر الدول تقدما في تكنولوجيا المعلومات‏,‏ والممسكة بزمام ثورتها‏,‏ قد اغلقت علي نفسها وراء سد تسبح في فيض معلومات من صنعها‏,‏ أو أن ان تفتح بوابات السد ليدخل اليها معلومات عن الآخرين‏,‏ واكتفت بما ليست لها به علم بأن تأخذه من اسرائيل‏,‏ لتصبح معلوماتها عن العرب صناعة اسرائيلية‏,‏ ومن دولة هي طرف في نزاع مزمن مع العرب‏.‏

ولما كان المؤلفان يشيران الي أن معركتها لكسب العقول والقلوب تحتاج منها معرفة أفضل بتاريخ وثقافة هذه المنطقة‏,‏ فإن تجاهلها لمحاولة الوصول الي معرفة حقيقية بتاريخ وثقافة هذه المنطقة‏,‏ والاعتماد علي ماتزوده بها اسرائيل من معلومات مضافا اليها التوجه والتحليل الفكري والسياسي‏,‏ يدفع الولايات المتحدة دون أن تدري الي دخول معركة‏,‏ لابد أن تخسرها في النهاية‏.‏

فهذه ليست حربا عسكرية جعلت لها الولايات المتحدة الاسلحة التي تضمن لها التفوق والكسب‏,‏ لأن معركة كسب العقول والقلوب‏,‏ واستعادة مصداقيتها‏,‏ لها مدخل وحيد هو العلم بثقافة وتاريخ شعوب هذه المنطقة‏,‏ منهم مباشرة وليس من الاسرائيليين‏.‏ وبهذا المعني لايصبح هناك اختلاف كبير بين ما يأخذه الكتاب علي دول غير ديمقراطية تحجب عن شعوبها المعلومات الحقيقية‏,‏ وتمنع وصول ثورة المعلومات اليها‏,‏ وبين ماتفعله امريكا من حجب المعلومات الحقيقية الخاصة بتاريخ وثقافة وظروف واوضاع هذه المنطقة‏,‏ عن الشعب الأمريكي‏,‏ بل وحجبها عن صانع القرار الأمريكي نفسه‏,‏ الذي لايمكن أن يكون قراره صائبا‏,‏ عندما تغيب عنه المعلومات الحقيقية‏,‏ سواء بدون قصد رغم خطيئة أخذ المعلومة عن العرب من غيرهم أو بقصد صناعة قرار مطلوب أن يكون علي صورة ما‏,‏ رغم اي اعتبارات‏,‏ وبالتالي تصبح حجب المعلومة الحقيقية في حد ذاتها قرارا سياسيا‏.‏

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...