اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

هم من أفشل الخريطة


Recommended Posts

هم من أفشل الخريطة

بقلم / رأفت ناصيف - حركة حماس – طولكرم

في كلّ مرة يطرح فيها مشروع تسوية للقضية الفلسطينية تنطلق الاتهامات بحق قوى المقاومة الفلسطينية تحملها المسؤولية عن فشل هذه المشاريع ، و أنها تسعى من خلال مقاومتها إلى إفشال الجهود المبذولة لتحقيق السلام المزعوم ، و تتبع هذه الاتهامات بدعوات تطالب بملاحقة المقاومين ، و تهيّئ لذلك السجون و العيون ضد المقاومين بالرصد و الاعتقال ، و أن لا مجال لمن يرفض هذه المشاريع المجحفة و يصرّ على حقوقه التي سلبت منه قصراً .

و رغم تعاقب هذه المشاريع و الفشل الذي تمنى به باستمرار ، و وضوح أسباب هذا الفشل الملازم لها ، و التي في غالبيتها العظمى تشير إلى أن المضمون لهذه المشاريع و مواقف و ممارسات الأطراف التي تعلنها و تؤيّدها لا سيما الممارسات الصهيونية هي وراء هذا الفشل المتواصل ، إلا أن ذلك لم يحدّ من اتهام قوى المقاومة و تحميلها أسباب الفشل ، بل أكثر من ذلك أننا نرى أنهم يجعلون من قوى المقاومة كبش فداء لتغطية أسباب الفشل الحقيقية حتى قبل إعلان هذه المشاريع ، الأمر الذي يدلّل بوضوح حقيقة النوايا ، و يدلّل على إدراك من يدور في فلكها بأنها مشاريع محمّلة بعناصر فشلها ، فهم أكثر من يعلم حقيقة الدافع لطرحها ، و السم الذي أشبعت به لتجريعه للشعب الفلسطيني الضحية لينعم الصهاينة بالعسل الصافي .

و اليوم ذات الصورة تتكرّر مع خطة خارطة الطريق ، فها هي الاتهامات التي وجّهت للمقاومة حتى قبل إعلان الخطة تتواصل اليوم و بصورة أشد و أوسع ، و رغم المبادرة الفلسطينية بتعليق العمل العسكري و الالتزام شبه الكامل بها ، مقابل تواصل الجرائم الصهيونية اليومية ضد الشعب الفلسطيني ، و المماطلة و الاشتراطات غير المنتهية من قبلهم مقابل المرونة التي لا حدود لها من المفاوض الفلسطيني ، رغم كلّ ذلك يسود البياض في أعين أصحاب الخطة و حلفائهم و المتجاوبين معهم فلا يرون سوى ما تقرّر أن يروه سلفاً بأن المقاومة هي السبب ، أما ممارسات الاحتلال فعلّق عليها الخرزة الزرقاء حتى لا يلتفت إليها أحد .

و الحقيقة الساطعة تقول إن المقاومة لا تتحمّل ذلك ، رغم أنه من حقّها أن تعمل على إفشال هذه المشاريع التي تتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني ، و على رأسها حقّه بالحرية و الاستقلال و السيادة الكاملة على أرضه و مقدراته و مقدساته ، و حقّه بعودة أبناء الشعب الفلسطيني إلى بيوتهم و ممتلكاتهم التي هجّروا منها قصراً ، و حق مجاهديه بالحرية و العودة إلى ذويهم لا أن يبقوا في السجون ليستخدم الصهاينة قضيتهم للمساومة و الابتزاز .

مع هذا الحق الشرعي للمقاومة إلا أن قوى المقاومة بوعيها و فهمها لحقيقة الأمور و لإدراكها لدوافع طرح هذه المشاريع ، و حقيقة عدم الجدية في طرحها ، و إدراكها بأن هذه المشاريع لا تحمِل سوى عناصر فشلها و يقينها بأن بعض الحركات التي يتم تسويقها كأنها ثمار كبيرة لهذه الخطة ما هي إلا حركات تجميلية بعيدة كلّ البعد عن آلية النهج الصحيح للحل العادل ، فما هي إلا ورقة توت سرعان ما ستسقط لتكشف حقيقة هذه الخطة ، تماماً عندما صوّروا لنا مثل هذه الحركات في أعقاب أوسلو و ما إن سقطت حتى انكشفت حقيقة الدمار الذي جلبته أوسلو على الشعب الفلسطيني و قضيته ، هذا الدمار الذي لم يجد أمامه أصحاب أوسلو إلا أن يعترفوا به بصورة أو بأخرى .

إن هذا الإدراك و الوعي من قبل قوى المقاومة جعلها تنأى بنفسها عن هذه المشاريع ، و أن لا تنشغل بالعمل لإفشالها فهي بذاتها تتجه نحو الفشل . فواصلت المقاومة طريقها الذي رسمته لنفسها لتحقيق الحرية و إنهاء الاحتلال ، الأمر الذي لم يرق للماكرين فشدّدوا هجمتهم على قوى المقاومة ، و لجأوا إلى أسلوب فرّق تسد لتصبح كل اشتراطاتهم و مساوماتهم و ضغوطهم تهدف إلى دبّ الفرقة بين أبناء الشعب الفلسطيني ، إلا أن المقاومة مرة أخرى تفوّت عليهم ذلك بمبادرتها المنطلقة من حرصها على الوحدة الفلسطينية .

و هنا يتضح أن من يتحمّل فشل مشاريع التسوية هم أنفسهم الذين يدّعون حرصهم عليها ، إنهم الأمريكيون ، و الأوروبيون ، و الأمم المتحدة ، و الكيان الصهيوني ، و الرأي العام الذي تمثّله الدول إقليمية و دولية ، كما أن السلطة الفلسطينية و حكومتها لها دورٌ بالفشل و لو كان بحسن نية . و بصورة سريعة نوضّح دور كلّ منهم بفشل الخطة .

الأمريكيون :

ساهموا بفشل الخطة بانحيازهم التام و الواضح للكيان الصهيوني و الذي انعكس على الخطة التي هي خطتهم بالأصل ، و بتحميلهم الضحية المسؤولية رغم أنها تعلم أنهم ضحية يدافعون عن أنفسهم و حقوقهم ، و تجاوزها لحقوق الشعب الفلسطيني ، بل إنها تمارس الضغوط على العديد من الأطراف ليعملوا على الضغط على الفلسطينيين ليتنازلوا عن حقوقهم و ثوابتهم ، و بسكوتها عما يمارَس من جرائم بحق الشعب الفلسطيني بأسلحة أمريكية . و مقابل كلّ ذلك التجاوب مع ما يطرحه الصهاينة أياً كان و دعم ادعاءاتهم و تبرير جرائمهم ، و القبول باشتراطاتهم ، و غض الطرف عن تجاوزاتهم و عدم احترامهم لما جاءت به الخطة ، و عدم الاستعداد لممارسة أي ضغط عليهم لتتقيّد التزاماتهم ....

الأوروبيون :

أسهموا بالفشل لقبولهم بالدور المحدّد لهم و الذي لا يتجاوز كونه ديكور تجميل للخطة و شرعية لها ، بجانب تنفيذ بند الضغط على الضحية دون الجلاد للتنازل عن حقوقه ، و عدم ممارستهم لأيّ دورٍ يحفظ العدالة و لو النسبية ، بل إنهم قبِلوا بأن يكونوا أداة التطويع للجانب الفلسطيني دون أن يسمح لهم بأي دور على الجانب الصهيوني ، الذي بدوره يرفض أن يكونوا مراقبين على التفنيد . إنهم بقبولهم أن يكونوا غطاءاً لخطة تتجاوز حقوق الشعب الضحية و عدم تدخّلهم في تصويب الأمور أسهم بفشل الخطة .

الأمم المتحدة :

يكفي أن نذكر أنها بمشاركتها الاسمية في الخطة شرّعت الاحتلال و ممارساته ، و شطبت كلّ القرارات التي ربما يأتي يوم تكون مفيدة للشعوب الضحية ، و فقدت قوتها و قوة ما يمكن أن يصدر عنها مستقبلاً من قرارات لردع العدوان الأمر الذي يطلق اليد الصهيونية بحرية تامة ، و هذا ما يجري على الأرض و يفشل الخطة .

و ما ينطبق على الأوروبيين و الأمم المتحدة ينطبق على الرأي العام الذي تمثّله دول إقليمية و دولية .

الصهاينة :

لو لم يكن لدى الصهاينة أي ذريعة لإفشال الخطة لكفاهم المواقف الأمريكية و الأوروبية و الأمم المتحدة كعوامل تشجيع و ذريعة لإفشالها ، و لكنهم أيضاً معنيّون بفشلها لأنها رغم انحيازها لهم إلا أنها تحوي في هوامشها ما من شأنه أن يعيق تنفيذ مشروعهم الكبير دون أن يمنع تنفيذه و هم يرون أنهم بغنى عن ذلك ، فهم من أجل ذلك مستمرّون في جرائمهم و عدوانهم ضد الشعب الفلسطيني و ممتلكاته ، و كذلك هم مستمرّون في مماطلاتهم و استخفافهم بالمفاوض الفلسطيني ، و اشتراطاتهم التي لا حدود لها و المتجدّدة باستمرار .

السلطة الفلسطينية :

إن تجاهل الحقائق و عدم الاستفادة من التجارب و الانخداع بالوعود و الاهتمام بالقشور على حساب الجوهر أوقع السلطة في الفخ المرة تلو الأخرى . و من هنا فإن التهافت الكبير على الخطة و القبول بها من دون أيّ تحفّظ و رغم ما فيها من تعدٍّ على الشعب الفلسطيني و قضيته ، و الاستعداد لتنفيذ كلّ ما فيها من اشتراطات تمسّ الكرامة و التضحيات من تجريم الذات و مقاومة الشعب الفلسطيني ، إلى الصمت المهين الذي نشاهده بالمؤتمرات الصحافية عندما يقف المسؤول الفلسطيني في المؤتمر الصحافي يستمع للآخر و هو يصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب و يدعو للاقتتال الداخلي بحجة مواجهة الإرهاب الفلسطيني و يؤكّد حمايته للعدو الصهيوني و يبرّر جرائمه … كل ذلك و المسؤول الفلسطيني يهزّ الرأس و يوزّع الابتسامات و كأن المعنيّ ليس شعبه ، و كأنه يعلن براءته من اليوم الذي كان فيه جزءاً من المقاومة … هذا الموقف للسلطة حتى لو كان بحسن نية أو بأمل أن يحقّق خيراً ما إلا أنه فهم صهيونياً كما عبّر عنه شكله على أنه استسلام كامل يهيّئ لفرض المزيد من الشروط و الإملاءات ، و إذا أضفنا لذلك الـ ( لا ) الفلسطينية التي سرعان ما تتحوّل إلى نعم مؤكّدة بمجرد تصريح أو تلويح من هنا أو هناك فإن المماطلة و التسويف و التعزّز و التعنّت الصهيوني تعرف غايته و هي المزيد من النعم الفلسطينية.

هذه هي حقيقة الصورة و المشاريع المطروحة ، إنها للاستهلاك المصلحي لهذا أو ذاك ، و ليست لحلّ الصراع . و الفشل جزء أساسي منها ، و بالتالي لا دخل لقوى المقاومة فيه رغم كونه من حقّها كما أسلفنا .

وبعد ..

الفشل كان صنوا لكل الجهود المبذولة لخلق سلام بين شذاذ الآفاق والأمة .. ومحاولات القفز على الحقائق التأريخية والالتزامات الدينية بالتطبيع مع (أمر واقع) تم تخليقه مسخا في غفلة من شعوب الأمة ..

كل الاتفاقيات التي وقعت مع أحفاد القردة والخنازير منذ الهدنة الأولى واتفاقيات رودس حتى يومنا هذا كانت أوراق مؤقتة يلعب بها الصهاينة مرحليا ليقفزوا إلى ما بعدها .. وعلى العرب اللهاث وراء الأحداث دوما ..

واليوم وقد أمسك شعبنا بزمام المبادرة بعمله الجهادي الملتزم .. وقدم بكل إباء وشمم آلاف الشهداء والجرحى والأسرى تزكية للمسيرة الجهادية ..

فإن ألاعيب الصهاينة لم تعد تنطلي عليه ..

وأساليبه المعتادة بالاستنجاد بأصدقاء له في كل مرة يضيق على رقبته الخناق ما عادت تنفعه ..

فقيادات المجاهدين أيضا تمرست في المقاومة السياسية على خط متواز مع العمل الجهادي العسكري ..

وما النصر إلا صبر ساعة ..

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

دائرة الدم.. من فلسطين إلى العراق!

صلاح الدين حافظ

صحيفة الوطن القطرية 20/8/2003

تعقدت الأمور خلال الأيام القليلة الماضية في فلسطين والعراق، بدرجة أكبر مما يظن حتى المتمسكون بزمام الموقف هناك، المحركون لدائرة الدم المراق.. الدم العربي!

ومن الواضح أن التدهور الأكبر قادم، ما يعني أن دائرة الدم سوف تتسع وتنتشر أكثر مما هي عليه الآن، لأسباب واضحة، أهمها أن الأميركيين بكل قواتهم العسكرية الاحتلالية، لم يستطيعوا إحكام قبضتهم الحديدية على العراق، والدليل هو تصاعد عمليات المقاومة العراقية المسلحة، بدرجة أقلقت القيادة الأميركية، السياسية والعسكرية على السواء، خصوصاً مع تساقط قتلى من الجنود الأميركيين يومياً

وكذلك هو حال الإسرائيليين، الذين تقودهم أشد حكوماتهم تطرفاً واندفاعاً غبياً في استخدام الترسانة العسكرية، ضد شعب يقاوم ببسالة، دفاعاً عن وطنه وشرفه وحقه في الحياة.. ورغم الهدنة الفلسطينية المعلنة، لم تتوقف دائرة الدم التي تقودها الدبابات الإسرائيلية، فإذن القتلى يتساقطون يومياً أيضاً.

ولا ندري على وجه الدقة من استنجد بمن، هل استنجد الأميركيون الموجودون في العراق، بحلفائهم الإسرائيليين للاستفادة بخبرتهم في مواجهة الشارع الثائر المتمرد، أم استنجد الإسرائيليون بحلفائهم الأميركيين لمدهم بمزيد من الدعم والمساندة لكبت الشارع الثائر المتمرد.

الحقيقة الظاهرة للجميع أن الطرفين تبادلا الخبرات «القتالية»، مثلما تبادلا المعلومات والمساعدات على كل المستويات، بعدما نجح الصقور الإسرائيليون في إقناع الصقور الأميركيين بأنهم يحاربون معركة واحدة، في ميادين قتال متقاربة، هي المعركة ضد «الإرهاب العربي الإسلامي» الأمر الذي يستدعي تدعيماً قوياً «للتحالف الاستراتيجي» بين "إسرائيل" وأميركا.

ولقد عاد أرييل شارون رئيس وزراء "إسرائيل" الملوث كل تاريخه بالدم، عاد من واشنطن مؤخراً، حاملاً أقصى ما كان يسعى إليه، من دعم مباشر من الرئيس بوش وصقور إدارته اليمينية، فإذا به بدلاً من أن يلتزم بتنفيذ الخطة الأميركية التي يتبناها بوش شخصياً «خريطة الطريق» فإنه أعلن تجميدها، بحجة أن الفلسطينيين لم يؤدوا ما عليهم من واجبات! ولقد فهم البعض من أصحاب النوايا الطيبة عندنا، أن قرار شارون بتجميد خريطة الطريق، يعني تحديه لإرادة الرئيس بوش وعرقلة لرغبته في إنجاز تسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يدخل بورقتها المهمة انتخابات تجديد رئاسته العام القادم.

لكننا فهمنا الأمر على حقيقته، أي أن بوش أطلق يد شارون في العملية كلها، وأعطاه الضوء الأخضر والأبيض، لتنفيذ ما يراه صالحا لإسرائيل وضامنا لأمنها!! وتعهد له بالمساعدة اللازمة في كل وقت، والسبب هو أيضاً الانتخابات الرئاسية القادمة، التي يسعى بوش الابن للفوز بها، والتي يحتاج فيها إلى دعم "إسرائيل" واللوبي الصهيوني - الأميركي، بعد أن صوت اليهود ضده في انتخاباته الأولى عام 2000.

وتفادياً لمصير أبيه، بوش الأب، لم يعد الرئيس بوش الابن، مستعداً لمعاداة الصوت الانتخابي اليهودي، ولا راغباً في معاداة منظمات اللوبي الصهيوني ذات التأثير الحركي والمالي المعروف، في أي انتخابات أميركية محلية كانت أم برلمانية أم رئاسية، ولذلك قلنا من قبل، ونكرر الآن وغداً إن الإدارة الأميركية الحالية، وقد دخلت عام تجديد الانتخابات المقررة في 2004، لن تضغط على "إسرائيل"، ولن تجبرها على تنفيذ خريطة الطريق، رغم أن شارون طلب إدخال عشرات التعديلات عليها، ولن تسعى إلى إيقاف بناء السور الإسرائيلي العازل - سور العنصرية - ولن تطالبها بإيقاف بناء المستعمرات «المستوطنات» الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي المستعمرات التي تحصل على معظم تمويلها من داخل أميركا نفسها.

إن أقصى ما يتمناه بوش من شارون، من الآن وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، ألا يتسبب في زلزال سياسي عسكري في المنطقة، كأن يغزو دولة عربية مجاورة مثلاً، أو أن يقصف المفاعل النووي الإيراني، أو أن يطرد مليون فلسطيني من أرضهم إلى الأردن أو إلى مصر ولبنان وسوريا.. الخ.

ومقابل ألا يفعل ذلك، فإنه مطلق السراح في المضي قدماً نحو تدمير كل ما تبقى من مقومات الشعب الفلسطيني، السياسية والاقتصادية والأمنية، وفي مصادرة أراضيهم وفي هدم منازلهم، وفي قتل أبنائهم وتخريب حياتهم، بحجة «القضاء على منظمات الإرهاب» بعد أن فشل في إقناع الحكومة الفلسطينية بأن تقوم بذلك!

ومنذ قمة العقبة الشهيرة، التي جمعت بوش وشارون وأبو مازن والطرفان الأميركي والإسرائيلي، يراهنان على إشعال الحرب الأهلية بين الحكومة والسلطة الفلسطينية من ناحية، ومنظمات المقاومة الفلسطينية، خصوصاً حماس والجهاد من ناحية أخرى، ويراهنان على أن تصفية الفلسطينيين بعضهم لبعض، أسهل وأرخص وأضمن من قيام "إسرائيل" المدعومة أميركياً بذلك.

أما وان الحرب الأهلية الفلسطينية لم تقع، لوعي أطراف المعادلة الفلسطينية بالمخاطر المحدقة والنيات المبيتة، فإن شارون قرر الاستفادة من ظروف الانتخابات الأميركية، لإتمام المهمة القذرة التي بدأها، مهمة تحريك دائرة الدم الفلسطيني تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية، حتى وهو يدعي أنه متمسك بخيار السلام والتسوية السياسية، يقولها علناً، ويفعل ضدها علناً أيضاً.

هكذا يحقق هدفه، وفي الوقت نفسه لا يغضب أصدقاءه الأميركيين، أو يتسبب في أي حرج سياسي لحليفه الرئيسي بوش.. وكلما اقترب موعد الانتخابات الأميركية، زادت دائرة الدم عنفاً وضراوة، خصوصاً أن الصمت العربي مريح، ليس فقط لأنه صمت عاجز ومسالم، ولكنه إن سعى وتحرك، فهو يسعى لاسترضاء أميركا ولإراحة "إسرائيل"، على حساب الدم الفلسطيني المراق يومياً.

وكما تفعل "إسرائيل" في فلسطين تفعل أميركا في العراق، حيث تمارس قوات الاحتلال الأنجلو أميركي، كل أساليب الغازي المحتل، قتلاً وتدميراً وتفتيشاً ومداهمة، بنفس الأسلوب الإسرائيلي، بحثاً عن رجال المقاومة العراقية الذين يستنزفون الجنود المحتلين، يهاجمون ثم يختفون كالأشباح.

وبصرف النظر عن هوية هذه المقاومة، هل هي تابعة لصدام حسين، أو غير تابعة، هل هي إسلامية أم علمانية، هل هي منظمة تحت قيادة موحدة أم هي فصائل مستقلة مختلفة، فإن العبرة هنا بما تفعله وما تقوم به، وتأثير ذلك على مستقبل التطورات السياسية في العراق الجديد، والعبرة بالرسالة التي تحملها، وهي أن ثمة احتلالاً أجنبياً للعراق، تقابله مقاومة عراقية، تماماً كالوضع في فلسطين،حيث الاحتلال الإسرائيلي، يدفع المقاومة للعمل والكفاح ضده، رغم كل حمامات الدم ودائرته المتسعة هنا وهناك.

المؤكد أيضاً أن ورطة أميركا في العراق، وعدم قدرة جيوشها الجرارة، مع الجيوش البريطانية على إحكام القبضة على العراق، وعلى توفير الأمن والغذاء وفرص العمل للعراقيين، فضلاً عن فشلها في القضاء على شخص الرئيس المخلوع صدام حسين، وعلى أعوانه، وكذلك فشلها في الحصول على أسلحة دمار شامل هناك، ناهيك عن استمرار المقاومة العراقية في استنزاف أرواح الجنود الأميركيين، كل ذلك لن يكون في صالح الرئيس بوش حين يطلب تصويت الناخبين الأميركيين لصالحه في الانتخابات القادمة، بل هو ضده على طول الخط.

واتقاء للآثار العكسية، بدأت الإدارة الأميركية في تغيير بعض ملامح سياستها في العراق، وذلك عبر طريقتين صارا الآن أكثر وضوحاً وعلانية:

الطريق الأول، هو إطلاق يد جيش الاحتلال في استخدام أكبر قوة من النيران والعنف، أملاً في سرعة القضاء على المقاومة العراقية، وإيقاف نزيف الدم الأميركي، قبل أن يتصاعد عدد الضحايا العائدين في أكفان إلى أسرهم، مما يؤثر حتماً على تصويت هذه الأسر وغيرها لصالح بوش.

الطريق الثاني، هو محاولة «تدويل» الوضع العراقي الحالي، وقد نجحت أميركا خلال الأيام الماضية، في استصدار قرار جديد من مجلس الأمن، يضفي بعض - وليس كل- الشرعية على سياستها في العراق، خصوصاً على مجلس الحكم المؤقت الذي عينته هي في غيبة عن الجميع..

ولم يكن هدف أميركا هو مجرد إكساب هذا المجلس الشرعية الدولية، بقدر ما أن هدفها الحقيقي هو استدراج دول أخرى لمشاركتها في تحمل عبء «المستنقع العراقي» خصوصاً إرسال قوات حفظ سلام، تحت غطاء دولي، تواجه هذه المقاومة العراقية المتصاعدة، فتوفر بالتالي أرواح الجنود الأميركيين، وتحفظ للرئيس بوش ماء وجهه في مواجهة الناخبين الأميركيين المتحفزين لحسابه!

قد تنجح الجهود الأميركية في إدارة عجلة الدم ودائرته الجهنمية، في العراق، بنفس شراسة ما تفعله "إسرائيل" في فلسطين، وقد تنجح أيضاً في خداع العالم واستقطاب دول عديدة، إلى جانبها بحجة إعادة بناء العراق الجديد وتعميره وضمان الأمن والاستقرار فيه، بنفس الأسلوب الإسرائيلي في خداع العالم بحجة تدمير البنية الفلسطينية للإرهاب. لكن المؤكد أن أميركا، القوة الأعظم في العالم، صاحبة أقوى ترسانة عسكرية عرفها التاريخ، لم ولن تنجح في إخضاع الشعب العراقي، وفرض الاحتلال وقوانينه وضغوطه عليه، وها هي بعد أربعة شهور من إعلان الرئيس بوش انتهاء الحرب «العمليات العسكرية الرئيسية» في العراق في مايو الماضي، تكتشف أن قواتها تخوض حرب أشباح، يسقط فيها قتلى أميركيون ربما أكثر من الذين سقطوا خلال الغزو.

وقد تكون هذه هي المرة الفريدة التي لم تستفد منها أميركا، بتجربة حليفتها "إسرائيل".. فبعد أكثر من خمسين عاماً على احتلال فلسطين بقوة إسرائيلية وغربية هائلة، بما فيها القوة النووية الوحيدة في المنطقة، لم تستطع "إسرائيل" أن تفرض الاحتلال وقوانينه وشروطه على الشعب الفلسطيني الأعزل، رغم سرعة دوران دائرة الدم الجهنمية.

فثمة احتلال أجنبي غاصب هنا وهناك، وبالتالي ثمة مقاومة وطنية، تنبع من شعور وطني داخلي، يضحي بالروح دفاعاً عن شرف الوطن وعن معنى الكرامة، ولن يجدي نفعاً أن تتحالف أميركا و"إسرائيل" على محاربة هذه المقاومة، وتتهمانها بالتهمة الجاهزة المعلبة، تهمة الإرهاب، التي يرددها بعض العرب بكثير من التشفي الأحمق، في خلط متعمد ومشوه بين الإرهاب الإجرامي وبين الكفاح المسلح لتحرير الأوطان؟!

وهي تهمة لا تصيب المقاومة، في ميزان التاريخ، فكل حركات التحرير في العالم القديم والحديث، اتهمت من جانب المعادين، بالإرهاب، حتى حركة التحرير الأميركية، التي قادت حرب الاستقلال ضد بريطانيا، اتهمتها بريطانيا بالإرهاب!

إنه درس التاريخ، الذي يعيد نفسه دون ملل؟ لكن البعض لا يقرأ بل لا يحب أن يقرأ التاريخ،

خير الكلام: تقول الشاعرة العراقية نازك الملائكة:

كيف تذوي القلوب وهي ضياء

ويعيش الظلام وهو ظلام

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...