اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

جيفارا الذي لا يعرفه أحد ( دقات بقلم : محمد سنجر )


محمد سنجر

Recommended Posts

( الدقة الأولى )

( وقع الخبر على رأسي كالصاعقة ،

دارت الدنيا من حولي ،

زاغ بصري ،

غير معقول ، لا لا لا يمكن .

اغتصب مسامعي صوته الأجش )

ـ الإذاعة أعلنت الخبر الآن .

( صرخت بأعلى صوتي )

ـ لا ا ا ا ا ا ا ، كذب ، خداع ، إفك ......

( تجمع الناس حولي ، جريت كالمجنون أحاول الهروب ، صرخت فيهم )

... أيها الكاذبون ، أيها الخادعون ......

( و لا حياة لمن تنادي ، خشب مسندة تلفني ، هذه الوجوه السلبية الجامدة ، انحنيت أتناول حفنة من تراب )

.... لا ، لم يمت ، لم يمت ، لم يمت ...

(قذفتهم بها )

... لماذا تنظرون إلي هكذاااااااااااااااااا ؟

... أنا لست مختلا عقليا أيها التعسون ، لااااااااا ....

( تناولت أخرى و قذفتهم و أخرى )

... لا يمكن أن يموت ،

إنه أكبر من أن تصرعه رصاصة غادرة ....

( اقتربت منهم ، ضاقت الدائرة من حولي )

... نعم هو أكبر من أن يسقط و لم يكمل ما بدأه أو يحقق ما أراد ....

هل نسيتم ؟

كم مرة أكد فيها الأوغاد أنه مات ؟؟؟؟

هه ؟؟؟

كم مرة قالوا أنه قضى نحبه من قبل ؟؟؟؟؟

و لكنه سرعان ما كان يخرج علينا ليفضح كذبهم ،

أليس كذلك ؟

أرجوكم ، فليرد علي أحد ...

( ترقرقت صورتهم بعيني ، سقطت جالسا على الأرض ، حاولت كبت هذا البكاء الذي يغلي بصدري )

... أرجوكم ، بالله عليكم ، ألم يحدث هذا من قبل ؟؟؟؟

( عندها وضعت رأسي أرضا ، أجهشت بالبكاء ، رفعت نظري إليهم مستعطفا )

... أرجوكم فليكذب أحدكم الخبر ، بالله عليكم ...

( طالعتني آلاف من عيون البائسين الجياع من حولي ، انحنت رؤوس العاطلين المكبوتين المضطهدين ،

ترقرقت الدموع بأعين الطامحين إلى لقمة العيش ،

حزن اختلط بيأس و خوف و ذل في خنوع لفني ،

احتضن (الشيخ إمام) عوده كما تحتضن الأم طفلها ،

حاول أن يتغلب على أوجاعه ، خرجت الحروف من فمه مرتعشة تتحشرج )

ـ جيفارا مات ، جيفارا مات ،

آخر خبر ف الراديوهات ،

و ف الكنايس ، والجوامع ،

و ف الحواري ، و الشوارع ،

جيفارا مات ، و اتمد حبل الدردشة و التعليقات ،

مات المناضل المثال ، يا ميت خسارة ع الرجال ،

مات الجدع فوق مدفعه جوه الغابات ،

جسد نضاله بمصرعه ومن سكات ،

جيفارا مات ، جيفارا مات ......

( وجدتني أقف ، أضع يدي على فم الشيخ إمام ، أسحب بيدي الأخرى العود من بين يديه ، أصرخ فيهم )

ـ لا لم يمت ، جيفارا لم يمت يا شيخ إمام ؟ أليس كذلك ؟

عم احمد ، جيفارا لم يمت يا عم أحمد ، هه ؟؟؟

أرجوكم كذبوا الخبر ،

جيفارا أكبر من أن تقتله رصاصة غدر ، ابحثوا عنه في كل مكان ، ابحثوا عنه وسط الغابات ، ابحثوا عنه حيثما يوجد الفقراء و المساكين ،

لقد وعدنا بتحرير فلسطين ، نعم لقد أقسم أمام عيني بتحرير العراق و الشيشان ، وعدني بعالم يخلو من الذل و المهانة ، ابحثوا عنه حيث يوجد اليأس و الخوف و الذل و حتما ستجدونه حيا ،

أليس هو من قال : أينما وجد الظلم فذاك وطني ،

ابحثوا عنه في قلب كل فقير و جائع ، ابحثوا عنه في مصر ، في مستنقعات كوبا ، فتشوا عنه في أدغال الكونغو ،

( دققت كل الأبواب )

أنادي بعلو صوتي :

ـ أيها التعساء ، ابحثوا عن جيفارا في البوسنة و الهرسك ،

ابحثوا عنه في تشيلي ، كولومبيا ، جواتيمالا ، اسألوا عنه في بوليفيا ،

ستجدونه حيث يوجد المساكين ،

ستجدونه حتما ،

نعم فبقلب جيفارا نار تشتعل ،

تدفعه دفعا ليقف في صف كل مظلوم على وجه الأرض ، إلى جانب المعذبين في شتى أنحاء العالم ...

( أرفع يدي عاليا )

... يحمل الشعلة لينير الطريق أمام ملايين البؤساء ...

( أمسك بأيدي الأطفال )

... يأخذهم إلى الحرية و الحق و العدالة ،

جيفارا هو الثورة تمشي على قدمين ، لا يعرف التراجع لقلبه سبيل ، متواضعا لا يتسرب الهوى لنفسه ...

( أربت على كتف أحدهم )

... جيفارا الرفيق الرقيق الودود ...

( انطلقت أصرخ ثانية )

... و لهذا فهو جيفارا الذي تعرفونه جيدا ،

جيفارا الذي كبر في أعيننا يوما بعد يوم حتى صار هذه الأسطورة ، نعم أصبح هذه الأسطورة التي نحلم بها و يحلم بها كل مسكين جائع مظلوم في هذا العالم ،

و بعد كل هذا تقولون أنه مات ؟؟؟

لا و ألف لا ، جيفارا لم يمت ،

لم يمت ، لا لا لا لم يمـــــــــــــــت .

( يتبع )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الدقة الثانية )

مازال صوت الشيخ إمام في أذني ينشد )

( جيفارا مات ، جيفارا مات )

أخذت أتمتم :

ـ لا لم يمت ، سأبقى العمر كله أبحث عنه في كل مكان .

( أعادني صوت دقات القطار على سندان القضبان الحديدية إلى حيث أجلس ،

أخذ القطار يأرجحنا ذات اليمين و ذات اليسار ،

نظرت من نافذة القطار فإذا به يشق السهول الشاسعة التي اكتست باللون الأخضر ،

أضفت عليه أشعة غروب الشمس طيف برتقالي شاحب ،

أخذت أراقب قطيع السحب البنفسجية التي شتتها الرياح هنا و هناك ،

ما هي إلا لحظات حتى بدأ الظلام يخيم على المشهد ،

بدأت أتحول بنظري إلى داخل القطار ،

كانت إحدى عربات الدرجة الثالثة التي أجلس بها ،

كان الضوء بها خافتا لا يكفي لرؤية الوجوه من حولي بوضوح ،

تتسلل بين الحين و الآخر من خلال النوافذ خطوط الضوء تركض فوق الملابس و الوجوه ،

ألمح خلال ومضات الضوء البارقة وجوه منكسرة ،

صبغت الشمس بشرتهم بلون أديم الأرض ،

عائدون كعادتهم كل مساء إلى ديارهم بعد واحدة من رحلاتهم اليومية للعمل بحقول الأغنياء ،

كانت تجلس بمواجهتي سيدة نحيفة نقشت السنوات العجاف على وجهها سجلا من الأسى و المعاناة ،

كانت تحمل فوق ركبتيها منديل الصبر ،

تصره على ما جاد به أصحاب المزارع التي تعمل بها ،

صوت اعتصار معدتها الخاوية تحرش بمسامعي ،

عندها لمحت ظلال أفراخها الجياع تتراقص بمقلتيها ، يستقبلونها مهللين ، يقفزون لينالوا من فمها العطايا ،

تحاول أن تمنع لمعة أسنانها التي كادت أن تتسلل من بين شفتيها لكنها تفشل ،

لمحتني انظر إليها ، ازدادت ابتسامة الرضا اتساعا ،

وضعت كفها خجلة على فمها ، حاولت تبادل أطراف الحديث معها )

ـ مرحبا .

ـ مرحبا يا بني ،

يبدو انك لست أرجنتينيا ، أليس كذلك ؟

ـ نعم إنما أنا هنا للبحث عن صديق قديم اسمه جيفارا ؟

هل تعرفينه ؟

( قفزت من عينيها علامات الاستفهام ، حاولت تنشيط ذاكرتها )

ـ جيفارا ، جيفارا ؟؟ إرنستو جيفارا دي لا سيرنا ؟؟

( لوت شفتيها و هزت رأسها و كأنها لا تفهم ما أقول ،

عندها مالت إلى الرجل الذي يجلس بجوارها و سألته )

ـ هل تفهم ماذا يقول ؟

( عندها وجهت سؤالي إليه )

ـ هل تعرف جيفارا ؟

( هز الرجل رأسه أحسست انه أيضا لا يفهمني ، عندها ناديت بالجالسين )

ـ ألا يوجد أحد أرجنتيني هنا ؟

( عندها رفع جميع الجالسين أيديهم ، قال احدهم )

ـ نعم أنا أرجنتيني ، ماذا تريد ؟

ـ ألا يعرف أحدكم جيفارا ؟

( خيم الصمت على الجميع ،

عندها تذكرت أنهم يطلقون عليه ( تشي ) فقلت لهم )

ـ هل يعرف أحدكم تشي ؟

تشي جيفارا ؟

( عندها لمعت أعينهم و كأنهم فهموا ما أقصده أخيرا )

قال أحدهم :

ـ تشي جيفارا ؟ ( نطقها بالجيم غير المعطشة )

نعم ، نعم ،

( وجه كلامه لمن حوله )

يقصد الهارب ، جيفارا الهارب .

ـ هل تعرفونه ؟

( قال آخر )

ـ نعم أنا أعرف ( تشي ) .

ـ هل تعرفون أين أجده ؟

( ارتفعت ضحكات الجميع ، حاول بعضهم التماسك )

قال أحدهم :

ـ عذرا ، هل تبحث عن تشي جيفارا بالأرجنتين ؟

ـ أو ليس أرجنتينيا ؟

( قاطعني آخر )

ـ لا لم يكن يوما أرجنتينيا .

( قالت المرآة )

ـ نصيحتي لك يا بني ، ابحث عنه في أي مكان آخر إلا هنا .

( قاطعتها امرأة أخرى )

ـ اذهب و ابحث عن جيفارك هذا في جواتيمالا ، أو كوبا ، أو بوليفيا ، أو الكونغو ،

و لكن نصيحتي لك ألا تحزن على قطعك كل هذه المسافات .

ـ و لماذا الحزن إذن ؟

ـ لأنك تجري وراء سراب .

( عندها بادرني الرجل الجالس إلى جواري )

ـ من أي البلاد أنت ؟

ـ أنا عربي .

ـ هل في بلادكم يمكن أن يترك الرجل أهله و يرحل ؟

هل يمكنك مثلا أن تترك أطفالك الصغار ضائعين مشردين لا عائل لهم بحجة أنك ذاهب لتعتني بأطفال مشردين في بلد آخر ؟

هل هذه رجولة و بطولة في نظركم ؟

ـ عفوا سيدي ، و لكنه رحل بعد أن أصبح طبيبا حتى يساعد الفقراء و المحرومين و المرضى مثل المصابين بالجذام مثلا في بلاد أمريكا اللاتينية .

( ضحك الجميع مرة أخرى ، لمحت الدموع تترقرق في عيون المرأة التي تجلس أمامي و قالت )

ـ هل تضحك على نفسك أم تظن انك تضحك على أناس أميين لا يقرئون و لا يكتبون مثلنا ؟

أو ليس هنا فقراء في الأرجنتين ؟؟؟؟

أو ليس هنا مرضى كانوا في أمس الحاجة إليه ؟

( قاطعها رجل آخر )

ـ لقد كان شخصا غاية في الأنانية ،

(تشي) لم يحب في هذا العالم إلا نفسه فقط .

( قال آخر )

ـ كان مثله (أنا و بعدي الطوفان) ،

بالله عليك ألم يترك والده و والدته المسكينة التي أخذت تبكيه ليل نهار و رحل ؟

ألم يترك زوجته الأولى هيلدا و رحل ؟

ألم يترك زوجته الثانية و أولاده منها في كوبا و رحل ؟

( قالت المرأة )

ـ من لا خير فيه لأهله فلا خير فيه للغرباء ؟؟؟؟؟

ـ عفوا ، و لكنه كان مطاردا من المخابرات المركزية كما علمت .

( قال الرجل بجواري )

ـ أية مخابرات مركزية التي تطارد طالبا أنهى دراسة الطب أيها الأبله ؟؟؟؟؟

( حاولت الدفاع عنه )

ـ أنتم تظلمون الرجل فلقد كان رجلا رومانسيا رقيقا ودودا رحل وقتها لإشباع هوايته بالتصوير و اصطياد الفراشات .

( قال الرجل بجواري )

ـ هل البطولة عندكم أيضا اصطياد و قتل الفراشات لا لشيء إلا لمجرد أن تزين بألوانها غرفتك ؟؟؟؟

أي رومانسية و رقة في هذا بالله عليك ؟؟؟؟

ـ لا لا لا ، انتم تظلمون جيفارا ، أنتم تتحاملون عليه ،

رجل مثل جيفارا يجب أن تفخروا به ،

يجب أن يكون قدوة و مثالا لكل الأرجنتينيين .

( ردت المرأة بصوت مرتفع و كأن صبرها قد نفذ)

ـ و ماذا فعل لأهله و للأرجنتين و فقراء و مرضى الأرجنتين؟

( عندها توقف القطار )

ـ عفوا فلابد لي أن أنزل بهذه المحطة .

( حملت حقيبتي و نزلت ،

تتبعتني عيونهم و أنا أقف على الرصيف ،

بدأ القطار في التحرك ببطء ،

أخرج البعض رأسه من نوافذ القطار يلوحون لي بأيديهم ، عندها رفعت صوتي لكي يسمعني الجميع )

ـ فإذا لم يكن جيفارا مثالا لكم كما تقولون ، فمن يكون مثلكم الأعلى إذن ؟

( عندها بدأ أحدهم يفك أزرار قميصه فظهرت صورة مرسومة على ملابسه الداخلية ، ثم قال )

ـ دييجو أرماندو مارادونا .

( صرخت )

ـ مدمن المخدرات ؟؟؟؟؟؟

( رد أحدهم بصوت عالي )

ـ كلاهما ليس قديسا أيها الأبله .

( عندها علا التصفيق بينما بدأ القطار يبتعد رويدا رويدا ،

إلا أن صوتهم ملأ الفضاء من حولي ، أخذوا يتغنون )

ـ مارادونـــــــــا ،

مارادونــــــــــــــــا ،

مارادونــــــــــــــــــــــــــا .

( يتبع )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الدقة الثالثة )

( فتحت الباب برفق ،

حاولت التسلل إلى داخل الغرفة المظلمة ،

سرت على أطراف أصابعي كي لا أوقظهم ،

أنات و تأوهات الجرحى من الأسرى تختلط ببعضها البعض ،

ما الفارق بين ألمنا و ألمهم ،

الآلام لا تفرق بين إنسان و آخر ،

الآلام هي نفسها ، بوجعها و عذاباتها عند جميع البشر ،

يتساوى فيه الغني و الفقير ، الأبيض و الأسود ،

نظرت إليهم ، أحاول أن أستبين وجوههم على ضوء المصباح الشاحب ،

حاولت حبس دموعي ،

فجأة صرخ أحدهم صرخة مدوية ارتجت لها جنبات المكان )

ـ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه .

( أسرعت باتجاه الصرخة ، و إذا بأحد أسراهم المصابين بطلق ناري ، كانت الدماء تلطخ ملابسه ،

بالكاد يحاول أن يلتقط أنفاسه ،

جحظت عيناه ،

حلق بناظريه في أركان المكان ،

، ناولته إناء الماء الموجود بجواره ، أخذ يشرب و يشرب حتى غرقت ملابسه ،

عندما التقيت عيونه بعيوني ،

تسللت من عينيه التوسلات ،

خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيه )

ـ أرجوك ، أريد شيئا يسكن آلامي .

ـ لا أستطيع .

ـ أرجوك ، لا أقدر على تحمل هذا الكم من الألم ،

ـ لا أستطيع فلقد حذروا علينا مداواتكم .

ـ أية إنسانية هذه التي تنتمون إليها أيها الحيوانات ،

هل ستتركني هكذا أتألم ؟؟

ـ ليس بيدي شيئا أقدمه لك .

ـ اقتلني إذن ، خلصني من هذه الآلام التي تسحقني كل لحظة .

ـ و لا هذه أيضا ، فلقد أمرونا بالإبقاء عليكم لاستجوابكم .

( انتفض جسمه الهزيل من شدة الألم ،صرخ صرخة عالية)

ـ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه .

( تبعتها آهات بقية الأسرى هنا و هناك ،

مررت بينهم بمصباحي الزيتي الشاحب أتفقدهم ،

منهم من فقد ذراعه أو كسرت ساقه ،

و آخر نالته بعض الطعنات أو أصابته طلقات نارية و لكنها لم تجهز عليه ، الجميع هنا يصارعون الألم ،

جذبت إحداهن يدي تقبلها ،

أحسست حرارة دموعها و دمائها على كفي ،

حاولت القيام من نومتها ، جذبتي من رقبتي حتى قربت فمها من أذني ،همست بصوت واهن )

ـ أرجوك ، أرحنا من آلامنا ، أرجوك .

ـ سيقتلونني لو علموا بمساعدتي لكم .

ـ لا نستطيع التحمل أكثر من ذلك ، ارحمنا بالله عليك .

ـ أنا متعاطف معكم ، و أرى أنه يجب معالجتكم ، أو على الأقل إعطائكم ما يخفف آلامكم ، و لكن ما بيدي حيلة ، فالطبيب المسئول عن الأدوية و توزيعها ، حرمها عليكم ، و لو خالفت رأيه سيقتلني لا محالة ، و لذلك لا أستطيع أن أفعل أي شيء لكم ، لا أستطيع ، لا أستطيع .

ـ ارحمنا ، ألا تعرف الرحمة ؟

( ضربت بيدها الواهنة على صدري )

ـ أليس في صدرك قلب ينبض ؟

( صرخ الجميع صرخة واحدة )

ـ وا إنسانيتااااااااااااااااااه .

( عندها وجدت (فيدل) فوق رأسي ، صرخ في وجهي )

ـ ماذا هناك ، ماذا فعلت ؟

ـ لم أفعل شيء يا سيدي ، و لكن هؤلاء الأوغاد يطلبون دواء يسكن آلامهم .

ـ و لماذا لا تعطهم أيها الحقير ؟

هل نزعت الرحمة من قلبك ؟

ـ إنما هي أوامر ( تشي ) يا سيدي .

ـ فلتذهب أنت و (تشي) إلى الجحيم ، أي نوع من البشر أنتم ؟ أي إنسانية هذه التي تدعون ؟؟؟

إياك أن تمنعهم أي شيء من هذا ، هيا .

ـ و لكن يا سيدي .....

ـ أمازالت هناك لكن أيها البائس ؟

( أخرج مسدسه من جعبته ، صوبه باتجاهي ، عندها جريت من أمامه ، توجهت إلى الخزانة على اليسار ، أخرجت منها بعض الأدوية ، بدأت بتوزيع الأدوية على الجرحى ،

فجأة دخل ( تشي ) و سيجاره الطويل في فمه ،

و لما وجدني على هذه الحالة صرخ صرخة عالية )

ـ ماذا تفعل أيها الحيواااااااان ؟؟؟ ألم أحذرك ...

( عندها نظرت إليه ، هممت بالكلام و لكن (فيدل) كان أسرع مني فقاطع كلامه )

ـ هل خالفت أوامري و أمرته بعدم إعطاء الدواء للأسرى ؟

ـ نعم ،فالأدوية لنا و لرجالنا المصابين و ليست لأعدائنا .

ـ هل نزعت الرحمة من قلبك ؟ هه ؟

ما الفرق بيننا و بينهم في الإحساس بالألم ؟

أي نوع من البشر أنت ؟

( أمسك ( تشي ) بسيجاره بين أسنانه ، بينما أخذ في جمع الأدوية من بين أيادي الأسرى عنوة بكلتا يديه ،

و أخذ يصرخ )

ـ لم أحمل كل هذه الأدوية على عاتقي خلال هذه المسافات حتى تقيحت قدماي لأهبها لهؤلاء ،

لم أحملها و أعبر بها كل هذه المستنقعات اللعينة بحشراتها و أفاعيها و تماسيحها و وحوشها لأعطيها بالنهاية لأعدائنا ،

هل نسيت ؟ هؤلاء الذين أرادوا قتلنا منذ ساعات ، أي منطق هذا ؟

دواءنا نداوي به أنفسنا و من ينتهجون منهجنا فقط ، شرابنا و طعامنا لنا و لمن يخدمنا فقط ،

لمن تلتقي أفكاره و أفكارنا ،

هؤلاء الذين لهم نفس مبادئنا و نفس اتجاهنا فقط لا غير ، لا غير ، فقط ، فقط ، فقط .

( عندها انتزع (فيدل) الأدوية من بين يدي (تشي )

و أخذ يوزعها بنفسه على الأسرى )

ـ هؤلاء أهلي لا علاقة لك بهم ،

هؤلاء كوبيون ، هل تفهم ؟

كوبيون مهما كان الخلاف بيننا و بينهم ،

يبقوا أولا و أخيرا أبناء و شعب و أهل كوبا ،

( وقف في مواجهة (تشي) ، سحب السيجار من فمه ،

قذف به تحت قدميه و فركه بحذائه ،

وجه مسدسه لوجه (تشي) ، صرخ في وجهه )

ـ حاول إذن أن تأخذ هذه الأدوية منهم مرة أخرى إن استطعت .

( عندها انسحب (تشي) خارجا و لم يعقب ،

بينما أخذ الأسرى يهتفون )

ـ فيدل ، فيدل ، فيدل ..

( يتبع )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الدقة الرابعة )

( صفير الرياح في الخارج يشق سكون الليل ،

يعبث بكل ما يعترض طريقه ،

يتلاعب بحاويات القمامة الفارغة ،

تصطك بالأرصفة ،

أمواج من البرد القارص تتوغل من خلال القضبان الحديدية لشباك زنزانتنا الضيقة ،

تلاحقنا ، تفترسنا ،

تغرقنا بين دوامات برودتها الرهيبة ،

يسرى البرد بجسدنا الواهن ، يتوغل فينا ،

تتجمد أطرافنا ،

أحاول كبح جماح السعال الذي ينهش رئتاي ،

و لكن لا فائدة ،

أفقد الإحساس بأصابع قدمي التي تقيحت ،

أخاف حتى مجرد النظر إليها من هول المشهد ،

ليست لدي الشجاعة الكافية كي أتحسسها بيدي ،

أنظر إلى رفيقي الذي سقط عليه بقعة من ضوء القمر ،

أراه منكمشا داخل نفسه ،

يجلس و قد ضم بذراعيه ركبتاه إلى صدره ،

حاول المسكين إغلاق كل المنافذ في ملابسه البالية حتى لا تتوغل البرودة من خلالها ،

كلما هم الدفء يداعب جسده الضعيف ، افترسته موجة أخرى أشد برودة فأخذ يرتجف و يرتجف ،

صوت اصطكاك أسنانه التي تكاد تتكسر جعلني أرتجف بشدة ،

حاولت فرك وجهي و أنفي بشدة لعلها تمنحني شيئا من الدفء

تحرش بسمعي قرقرة معدته الخاوية ،

يومان مرا علينا لم نذق فيها طعاما ،

ألقوا بنا منذ أيام بهذه القلعة ،

جعلوها معتقلا لكل من يخالفهم الرأي ،

يطلقون عليها (الكابانا)،

لم نر أحدا منهم منذ أيام ،

اللهم إلا زوار الليل ،

يأتون بمشاعلهم الشاحبة ،

يسحبون واحدا منا فلا نراه ثانية ، يختفي إلى الأبد ،

أعادتني صرخات زميلي ثانية ، رأيت شبحه يقف من وراء قضبان زنزانتنا ، يصيح )

ـ أيها التعساء ، لقد انتهينا،

مصيركم إلى الإعدام لا محالة،

ليحاول كل منكم التخلص من حياته بنفسه بأسرع وقت ، فما هي إلا أيام من العذاب و الألم و الشقاء ،

بالله عليكم ماذا تنتظرون ؟

لقد اعتبروا كل من يعارض الثورة خائنا لابد من تصفيته ،

ألا تعرفون من الذي تولى الإشراف على هذا المعتقل ؟

لقد نصبوا عليكم هذا الأرجنتيني المتعجرف الكاذب .

( صرخ أحد المعتقلين في نهاية الممر )

ـ نعم صدقت ، إنه ذلك السفاح الأرجنتيني الذي سيخطفكم كالحداة فرخا تلو الآخر ،

لتنالوا حتفكم دون محاكمة ،

لقد فعلوا هذا برفيقي أول أمس ،

سحبوه بينما نحن واقفون ، و أمام أعيننا و دون محاكمة أطلق عليه هذا الأرجنتيني الرصاص بدم بارد ،

أطلق عليه الرصاص و كأنه يتناول كوبا من الماء .

( صرخ آخر )

ـ و ماذا فعلنا لنعتقل بهذه القلعة و نعدم بهذه الطريقة ؟

ـ أنت من أعداء الثورة أيها المعتوه .

ـ أي أعداء ؟ أنا لم أحمل سلاحا قط ، و لا أنا من حاشية العهد البائد ، بأي حق يقتلني هذا الأرجنتيني ؟

ـ لأنك من المعارضين السياسيين أيها التعس .

ـ أقول لك لم أحمل سلاحا قط .

ـ لا فارق عند هذا السفاح سواء كنت تحمل سلاحا أو لا ، المهم أنك معارض سياسي أيها الحقير .

( فجأة سمعنا صوت دقات أحذية عسكرية تقترب ،

صمت خيم على المكان ،

صوت الدقات أخذ يعلو اقترابا رويدا رويدا ،

أخذ الرعب يرخي قتامته علينا واحدا تلو الآخر ،

جحظت العيون ،

وجمت الوجوه ،

دقات قلوبنا أخذت تتزايد باقتراب الخطوات شيئا فشيئا ،

ضوء المشاعل التي يحملونها تعلو رويدا رويدا ،

التصقت أنا و زميلي بإحدى زوايا الزنزانة الداخلية ،

اختلطت أصوات دقات قلبينا المتسارعة ،

تقاذفتنا شكوك الرعب ،

توقف صوت الأحذية أمام زنزانتنا ،

يااااااااااااااا الله ،

أشباح الرعب توقفت وراء قضبان زنزانتنا ،

اغتصب سمعنا صوت أجش ،

: أنت هناك .

( ترددت أنا و زميلي في الإجابة ،

عندها سمعنا عربدة المفاتيح بالباب ،

اختبأنا أنا و رفيقي داخل بعضنا البعض ،

اقتربت أشباح الرعب منا أكثر فأكثر ،

أغمضت عيني ، أخذت أتمتم ،

( يا لطيف ، يا لطيف ، يا لطيف ، يا لطيف ، يا لطيف )

أحسست بهم يسحبونني بمنتهى العنف ،

وقع قلبي بين قدماي ،

أخذت أصرخ ،

( يا لطيـــــــــف ، يا لطيـــــــــــــــــف ، يا لطــــــــــــــــــــــــــــــيف )

أحاول فتح عيني ، و لكن لا أستطيع ،

ما هو إلا كابوسا و سيذهب بإذن الله ،

لربما فتحت عيني فوجدتها الحقيقة ،

حاولت استبيان الحقيقة بسرعة ،

لا وقت هناك ،

فتحت عيني فإذا بزميلي هو الذي يجذبني معه ،

وجدت أشباح الموت و قد غرسوا مخالبهم بأقدامه يجذبونه ، لكنه تشبث بقدمي بكلتا يديه ،

أخذ يصرخ )

ـ لااااااااااااا ... لم أفعل شيئا ... لماذا تأخذونني ... لااا ...

( أخذوا يدقون بأحذيتهم على يديه ليتركني ،

لا فائدة ،

غرس مخالبه بلحمي ،

أخذوا يجذبونه بينما أخذ هو ينهش لحمي بأظافره و يصرخ )

ـ لم أفعل شيئا .... حاكموني أولا ....

أقول لكم ؟؟ حاكموني ... إذا ثبت أنني مدان فأعدموني .... لاااااااااااا

لن أساق للموت هكذا ؟

لا و ألف لااااااااااا ...

( عندها غرس أحدهم مشعله بيده التي كبلتني ،

عندها فقط أخلى سبيلي ،

سحبوه خارجا ، أغلقوا باب زنزانتي خلفهم ،

أخذ صراخه يتباعد شيئا فشيئا )

ـ لاااااااا .... اتركوني ......

بماذا ستبررون قتلي ؟؟

هناك أطفال يصرخون منتظرين عودتي بالطعام ....

لا عائل لهم إلا أناااااا .... لاااااااااااااااا .... أرجوكم ....

لا يمكن .... مستحيل .... غير معقووووووووووووول ......

( أخذت أطرافي تصطك ببعضها البعض من شدة الرعب ،

أخذت الصورة تتلاشى بعيني ،

دارت الدنيا من حولي ،

لم أشعر بشيء بعدها )

( يتبع )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الدقة الخامسة )

( اختبأنا بين سيقان القصب حتى غربت الشمس ،

بدأنا نتجهز للرحيل ،

عندما خيم الظلام ،

زحفنا باتجاه الأسلاك الشائكة ،

أخذ يقص الأسلاك بمقصه الحديدي ،

سرعان ما فتح فجوة كافية ،

و بينما زحفت بقعة الضوء مبتعدة عنا ، تسللنا إلى داخل القاعدة العسكرية ،

جريت خلفه و اختبأنا خلف إحدى الدبابات ،

فجأة سمعنا أصوات تقترب ،

وضع يده على فمي يحبس أنفاسي ،

مر بعض الجنود السكارى بجوارنا عائدين إلى ثكناتهم ،

رحلوا و لم يشعر أحد منهم بوجودنا ،

تنهدنا اطمئنانا ،

جرى إلى أحد الأبواب ،

فتحه برفق ، دخلنا إلى داخل الغرفة ، همس بأذني )

ـ هذه هي غرفته ، انتظره هنا ، أما أنا فسأرحل حتى لا أتعرض للمحاكمة .

( فجأة سمعنا أصوات تقترب ، دار المفتاح في الباب ،

قفزنا بسرعة نختبئ خلف الستائر الحمراء ،

أحسست بقلبي يكاد يقفز من صدري ،

نظرت إلى الباب ، فإذا بظل رجلين يهمان بالدخول ،

اتجه احدهما إلى أحد المقاعد و ألقى نفسه فوقه ، و أخرج سيجارا و أشعله ، في هذه اللحظات قام الرجل الآخر بجذب الخيط النازل من المصباح المتدلي بمنتصف الغرفة فأشعلها ،

سقطت بقعة الضوء فوق وجه الرجل الجالس فإذا به (جيفارا) ،

و قف الرجل الآخر و قد أدار لنا ظهره و قال :

ـ لابد أن ترحل ( تشي ) لا مكان لك هنا بعد الآن .

( نظر إليه ( جيفارا ) نظرة استنكار و نفث دخان سيجارته ثم قال :

ـ أرحل ؟ هل ستحل المشكلة بهذه الطريقة ؟

ـ ( تشي ) أنت من وضعت نفسك بهذا الموقف ، لقد حذرتك أكثر من مرة ، قلت لك لا داعي لأن تتهجم على السوفيت ، و حذرتك من أنك تغضبهم بهذه التصريحات الغير مسئولة .

ـ و أنا قلت لك أيضا أنني احتقر هؤلاء البيروقراطيين ، و قلت لك مرارا أنني أكره هذا الاتكال على السوفيت و لابد من البحث عن وسائل أخرى لتمويلنا .

ـ كنت تريدنا أن نرتمي بأحضان (ماو تسي تونج ) ؟ و دائما كنت أقول لك أننا يجب أن نمسك العصا من المنتصف ،

لا فائدة من كل هذا الآن ،

( تشي ) برغم اختلاف وجهات نظرنا و علمي التام بأن لك بعض التحفظات على معتقداتي الاجتماعية ،

و برغم أنني غضبت منك لجعل أخي يعتنق الشيوعية و أدخلته في عضوية الحزب و أخفيتما الأمر عني ،

برغم كل هذا إلا انك تعلم جيدا أنك رفيق كفاحي و صديقي الوحيد ، و تعرف أيضا مدى محبتي لك ،

من هذا المنطلق فقط أطلب منك الرحيل ، فوجودك خطر على حياتك ، سيقتلونك، حاول أن تفهم ، لقد وصل الأمر إلى طريق مسدود ، لقد أطلقوا النار عليك أمامي .

ـ و ما موقفك أنت مما يحدث ؟ هل ستبقى مكتوف الأيدي كعادتك ؟ لا فائدة ، نعم لا فائدة ، قلت لك يوما أن سلبيتك هذه ستقضي عليك يوما ما ، هل تذكر ؟

عندما أمرت بإعطاء الدواء للأسرى لكي يتولوا العناية بالجرحى ؟ وقتها وقفت في وجهك و قلت لك : لا ، يجب أن نوفر الأدوية لجرحانا نحن ، و صممت أنت على رأيك و قمت بتوزيع الأدوية بنفسك على جميع الجرحى، هل تذكر؟ حتى أعداء الثورة كنت متساهلا معهم ،

إياك أن تعتقد أنك كنت ستصل إلى ما وصلت إليه الآن بدون حزمي و صرامتي ،

و الآن جاء دورك لتكون حازما و صارما و لو لمرة واحدة.

ـ و ما هو الذي تطلبه مني كي أكون صارما و حازما من وجهة نظرك ؟

أن أقتلهم جميعا من أجلك ؟

( تشي ) هو نفسه ( تشي ) لم يتغير ،

ألا تكفيك كل هذه الدماء التي أرقتها بحجة تأمين الثورة من معارضيها ؟ لا ، لا يمكن أن أسمح لك بإراقة المزيد من الدماء ، لا مزيد من الدماء ، حاول أن تفهم ، رحيلك سيحل كل هذه المشاكل، أرجوك ( تشي ) إنه آخر رجاء سأطلبه منك .

ـ هل تذكر عندما تعارفنا في منزل (ماريا أنتوني) ؟ وقتها رجوتني للمجيء معك إلى كوبا ، يا لسخرية القدر ،

و الآن ترجوني لأرحل عن كوبا ؟

في يوم من الأيام بينما نسير وسط المستنقعات ، تساءلنا عن الشخص الذي يمكن أن نخبره في حال موتنا ، عندها تيقنا فقط أن الموت يقترب منا ، و أيقنا جميعا أنه من الممكن أن نموت في أية لحظة ، يمكن أن أدفع روحي ثمنا لحرية كوبا ، و يبقى الجبناء ليحصدوا ما زرعناه ،

أما اليوم بعدما أصبح كل شيء لكم ،

فلا ثمن لروحي ، أصبحت الآن بلا ثمن ؟

هل تعرف أن خطئي الوحيد ، هو أنني لم أفهمك من المرة الأولى التي التقينا فيها ،

على العموم إذا كانت هذه رغبتك فلا حاجة لي بالبقاء ،

و لكن ماذا ستقول للشعب الكوبي ؟

ـ لا عليك فأنا أعلم كم هم متعلقون بك ، و ما علينا إلا أن نؤكد هذا التعلق ، فأنت من وجهة نظرهم البطل الذي حررهم ، أنت المناضل الأسطورة الذي يدافع عن الفقراء و المغلوبين على أمرهم ، و لكن أرجو أن تكتب رسالة تقول فيها انك خرجت طوعا لا كرها ، ستقول لهم خلالها أنك رجل لا تستطيع أن تتجمد داخلك دماء الثورة بالرضوخ للمناصب ، و أيضا يجب أن تؤكد على أنك لا تهتم متى و أين ستموت ، و أن ما تهتم به أن يبقى الثوار واقفين يملئون الأرض ضجيجا كي لا يغفل العالم و ينام بكل ثقله فوق أجساد الضعفاء و المظلومين ، هذه الكلمات الرنانة التي كانت تشعل الحماس داخلنا .

ـ و زوجتي و أولادي ؟

ـ سأضمن لهم عيشة كريمة فهم عائلة المجاهد البطل الذي حرر كوبا ، و لكن لي طلب واحد .

ـ و ما هو هذا الشرط ؟

ـ إنه طلب و ليس شرطا .

ـ لا يهم فلا فارق بينهما عندي الآن ، ما هو طلبك ؟

ـ ألا تذهب إلى فيتنام ، فأنت تعرف اشتعال الحرب الكلامية بيننا و بين أمريكا و لا نريد أن يكون وجدوك في فيتنام سببا

في تأزم الموقف أكثر من هذا ، ثم انه هناك الكثير من الأماكن التي تستطيع أن تجد نفسك بها حرا طليقا ، هناك الكثير من الأماكن الغير مستقرة بأنحاء العالم ،

كم كنت أتمنى أن أكون مثلك بدون واجبات ، و أعود و لو لساعة واحدة لأيام الحرية و الانطلاق ، و لكن تذكر و أنت في غمرة حريتك و انطلاقك أن كوبا تفتح لك ذراعيها في أي وقت تتأزم فيها الأمور ، و تذكر أيضا انك كوبي و كوبا لا يمكن أن تنسى أبنائها .

ـ لا ، لا حاجة لي الآن بكوبا ، لقد خاب أملي بكل شيء ، حياتي ، أحلامي ، كل شيء ، كانت أمنيتي و حلمي أن أموت هنا بكوبا ، و لكن الآن و بعد ما حدث فلا حاجة لي بالبقاء ، يجب أن أرحل باحثا عن مكان أنسب للتخلص من حياتي ، و من الآن لا يربطني بكم أي شيء ، أي شيء .

( وقف (جيفارا) ، نزع سيجاره من فمه ، ألقاه أرضا ،

فركه بحذائه ، ثم انطلق خارجا و لم يعقب )

( يتبع )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الدقة السادسة )

رعد موجات الطائرات المحلقة فوقنا صم آذاننا ،

برق انفجار القذائف المروعة التي تنهال فوق رؤوسنا يضيء الكون من حولنا ،

أدخنة النيران التي اشتعلت بكل مكان يكاد يخنقنا ،

هدير آلياتهم العسكرية تقتلع كل شيء في طريقها ،

هرج و مرج هنا و هناك ، اختلط الحابل بالنابل ،

أمطرونا بوابل من الرصاص ،

وجدتني أغرق بمستنقع من الأوحال الدموية ،

أرفع رأسي فلا أبصر إلا الدم يصبغ الأشياء من حولي ،

أرى رجلا هناك يحاول يائسا تثبيت رايتنا التي تتلاعب بها الرياح ، جاءته رصاصة غادرة فجرت رأسه ،

رشات من الدماء الذكية خضبت وجهي المذعور ،

تراقص المشهد بعيني ،

منذ قليل عندما طلب مني أن أكتب عليها بالعربية

( لا إله إلا الله محمد رسول الله )

صرخات الفارين من النساء و الأطفال تملأ الفضاء ،

وجدت امرأة تصرخ تحاول الفرار ، كانت تمسك بقوة ذراع طفلها الذي فقد جسده ،

اتسعت عيون الذين يحاولون الفرار من هول الكارثة ،

انزلق البعض و هم يحاولون الخروج من مستنقعات دماء الملايين من الجثث التي تكومت هنا وهناك ،

يزحفون بكل ما آتاهم الله من قوة للفرار من هذا الجحيم ،

انفجار هائل مزق المشهد بعيني ،

حاولت الفرار ، تعثرت ، ارتطمت رأسي بالأرض ،

مذاق الدماء مازال بفمي ،

تدوسني أقدام الفارين ،

تحاملت على ذراعي المتبقية ، أحاول عبثا النهوض ،

بالكاد نجحت ، دخلنا إلى داخل المسجد الملجأ الوحيد الذي تبقى بعد القصف ،

حاولت استبيان المشهد من حولي ،

وجدت عيون ترمقني من بين الدخان الكثيف ،

كان ممسكا ببندقية في يده ،

حاول التغلب على آلامه و بادرني بابتسامة ،

زحفت أجلس إلى جواره ،

ناولني إناء به ماء ،

أخذته منه ، تجرعت مما تبقى به )

سألني بهدوء :

ـ من أنت أيها الفتى ؟ و ما الذي أتى بك هنا ؟

ملامحك ليست صينية ، يبدو لي أنك.. هندي .. عربي أو ...

ـ أنا عربي .

ـ و لكنني كنت أتابعك عن كثب ، لقد أبليت حسنا ، و لكن ما الذي أتى بك إلينا ؟

و ا الدافع لديك للوقوف في صفنا ؟

ـ لقد جئت أبحث عن المظلومين و المغلوبين ،

نعم جئت أبحث عن صديقي جيفارا ،

توقعت انه هنا ، نعم ، لابد انه هنا ،

فلقد قال ( أينما يوجد الظلم فذاك وطني )

و لا أرى في العالم أجمع ظلما أكثر مما أنتم فيه الآن ، و لذلك جئت أبحث عنه هنا .

ـ و من صديقك هذا ؟ لم أسمع به هنا .

ـ هو من يحس على وجهه بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم ، كل صفعة ،

فما بالك بكل هذه الدماء ؟ و ما بالك بكل هذه الجماجم التي تكتسي بها الأرض حتى الأفق ،

و لكن عندما أتيت و وجدتكم من إخوتي ، وجدت الدماء تغلي في عروقي ، كيف لي أن أرحل باحثا عنه و أنا أرى أطفال المسلمين يذبحون و تراق دمائهم أمام عيني ، كيف أرحل لأبحث عنه و أنا أرى أخواتي المسلمات يغتصبن أمام عيني ، ألستم مسلمون ؟

ـ نعم يا بني و الحمد لله ، بارك الله فيك ، بارك الله فيك .

ـ و لكن لماذا كل هذا ؟ و من هؤلاء الأوغاد ؟

ـ هؤلاء من لا دين لهم .

ـ لا دين لهم ؟

ـ نعم يا بني ، فكما استباح السفاح ( ستالين ) دماء

إحدى عشر مليونا من المسلمين ، استباح الصينيون

دمنا ، ارتكبوا بحقنا الكثير من المذابح الجماعية ،

بلغ عدد قتلانا مائة ألف ، ليس هذا فحسب بل استقدموا مهاجرين بأعداد كبيرة جدا ليستوطنوا ببلادنا لكي تقل نسبة المسلمين ،

و غيروا اسم البلاد و جعلوها (سينجيانج ) ،

ألغوا الملكية الفردية ، سرقوا كل أموالنا و بيوتنا و أرضنا ، أعلنوا أن الإسلام خارج عن القانون ، و يعاقب كل من يعامل به ، حرقوا المصاحف ، و كانوا يقذفون شيوخنا بنعالهم ، كانوا يجرون ورائي و يضربونني بعصيانهم يقذفونني بالحجارة حتى تسيل الدماء من رأسي ، منعونا من السفر للحج ، منعوا دخول أي من المسلمين إلينا ،

هدموا مساجدنا و حولوا البقية إلى أندية لجنودهم ، جعلوا اللغة الصينية هي اللغة الرسمية ،

استبدلوا الأحاديث النبوية بتعاليم و كلمات زعيمهم .

ـ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أي بشر هؤلاء ؟

ـ ليس هذا فقط ، بل أرغموا بناتنا و نساءنا على الزواج من الرجال الصينيين ، و كان أهم شعار لديهم هو ( الغوا تعاليم القرآن )

ـ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و لماذا كل هذا ؟

ـ بحجة القضاء على الثورة المضادة ـ كما فعلها ستالين بحجة تعرضه لمحاولة اغتيال ـ اعتقلوا الآلاف ،

حكموا بالإعدام على أكثر من 800.000 شخص ،

زعيمهم تفاخر بأنه دفن ست و أربعون ألفا من العلماء أحياءا ،

ـ غير معقول ، لا لا ، غير معقول ، هناك بشر بهذه الوحشية و الدموية ؟ أي دين هذا و أي شرع و أية إنسانية هذه التي

تتيح لأي إنسان مهما كانت سطوته و مهما كان جبروته أن يفعل بأخيه الإنسان شيء كهذا ؟

و لكن صبرا ، ف و الله إنه سيأتي ليخلصكم مما أنتم فيه ، سيأتي لينقذكم من هذه المهانة ، سيخلصكم من هؤلاء الوحوش التي لا قلوب لهم ، نعم سيأتي ،

لقد سمعته بأذني ،

إنه يعتبركم أنتم الصينيين الخط الثوري الوحيد الجدير بالاحترام في هذا العالم ، لقد اختلف مع رفاقه أمامي ، لقد أطلقوا عليه النار لأنه غير مقتنع بما يفعله السوفيت ، لقد قال أنه يكن لكم انتم الصينيين كل المحبة و التقدير ، إنه يعشق زعيمكم عشقا ، لقد سمعته بأذني يقول :

( ماو تسي تونج ) هو الثوري الوحيد في هذا العالم .

( عندها جحظت عينا الرجل و ارتعد جسده بشدة ، حاول السيطرة على نفسه ، خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيه المرتجفة )

ـ من قال هذا ؟؟؟؟

ـ صديقي ( جيفارا ) الذي أبحث عنه ، هذا الذي سيحرركم .

ـ صديقك هذا المدعو ( جيفارا ) هو الذي سيحررنا ؟

ـ نعم ، لقد أقسم أنه أينما يوجد المظلومين و الضعفاء فذلك وطني .

( ضرب الرجل كفا بكف )

ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ،

و تقول أيضا أنه يعشق ( ماو تسي تونج ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ـ نعم بل يرى أنه الخط الثوري الوحيد الصحيح في هذا العالم .

( أخذ الرجل يضحك و يضحك ، حتى رأيت الألم يسيطر على قسمات وجهه ،

حاول المسكين السيطرة على ضحكاته و لا فائدة حتى أشفقت عليه من كثرة الضحك و الألم ، و أخيرا سيطر على لسانه )

ـ أتبحث عن صديقك هنا ؟

ـ نعم لقد سمعته يقول ....

( قاطعني الرجل )

ـ يقول ؟؟؟؟

صديقك هذا تبحث عنه على الجبهة الأخرى و ليس هنا .

ـ على الجبهة الأخرى ؟؟؟؟؟؟

ـ نعم يا بني فزعيمهم الذي كنت أحكي لك عنه و عن ما فعله بإخوانك المسلمين هو ( ماو تسي تونج ) الذي يعتبره صاحبك المدعو ( جيفارا ) الخط الثوري الوحيد في العالم ، و هؤلاء الصينيين الذي يعجب بهم صاحبك هم هؤلاء الذين حرقوا مصاحفنا و هدموا مساجدنا و سفكوا دماءنا و استحيوا نساءنا و قتلوا و صلبوا أبناءنا ،

لا لشيء إلا لأننا مثلك مسلمون أيها الأبله .

( دارت الدنيا من حولي ،

لم أحس بشيء بعدها

كلما حاولت تذكر ما حدث تخونني الذاكرة )

( يتبع )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الدقة السابعة )

( تسللت أنا و رفيقي آخر النهار من بين الأشجار الكثيفة ،

كانت الشمس تميل إلى الغروب ،

عائدان كنا بعدما نصبنا بعض الفخاخ هنا و هناك ،

نغطي أجسامنا و نلف رؤوسنا بالأغصان و الأوراق الخضراء حتى لا يلحظنا الأوغاد ،

منذ أيام خرجنا و ها نحن عائدان في اتجاه قريته القابعة بين الغابات ،

أخذ يحدثني عما يفعله المجرمون من تمشيط لجميع القرى و القبض على جميع الشباب القادر على حمل السلاح و رميهم بالرصاص أمام ذويهم ،

أخذت أحدثه عن صديقي ( جيفارا ) الذي أطوف العالم بحثا عنه ،

حدثته عن حلمي أن أجده هنا ب ( فيتنام ) ،

حدثته عن أقواله التي سجلت على كل حائط أو جدار في هذا العالم :

" إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم في هذا العالم "

" إذا لم تحترق أنت و أنا فمن ينير الطريق "

عندها قال رفيقي :

ـ إذا كنت هنا لتبحث عن صديقك ، فأنصحك أن تعجل بالرحيل .

ـ و لماذا ؟

ـ لأن صديقك لن يأت إلى هنا أبدا يا رفيقي .

( ابتسم ابتسامة سخرية ، عندها بادرته )

ـ لا يا رفيقي ، أنت لا تعرفه جيدا ، فهو الذي قال :

" أينما يوجد الظلم فذاك وطني "

ـ لن يأت .

ـ إنه أكثر أهل الأرض كرها لأمريكا ، لابد أنه سيأتي إلى هنا حتما لا محالة ( نظر إلي نظرة استنكار ، بادرته ) لا يوجد مكان آخر في العالم أحق بالذهاب إليه أكثر من هنا .

ـ أقول لك ، لن يأت .

ـ ما أكثر المظلومين و الفقراء و الضعفاء و البؤساء ،

هنا المواجهة الحقيقية ضد الرأسمالية التي يمقتها ،

سيأتي لا محالة .

ـ لن يأت ،

لن يأت ،

لن يأت .

ـ و ما الذي دعاك لأن تقول هذا ؟؟؟؟

ـ إنما يدعم و يقف بجانب من يتفقون معه في أفكاره و عقيدته و مبادئه فقط أيها الأبله .

( عندما اقتربنا من القرية توقف رفيقي فجأة ،

أشار بإصبعه على فمه تنبيها ،

عندها حبسنا أنفاسنا ،

أخذنا نتحسس بأطراف أقدامنا الطريق بين الأعشاب و الصخور ،

رفت ذبابة تقف على وجهي ،

تبعتها أخرى ،

فجأة زكمت أنوفنا رائحة عفنة ،

صم آذاننا أزيز المزيد و المزيد من الذباب ،

وجدناه يتزايد و يتجمع بين الأعشاب الطويلة ،

أمسكت بأنفي بينما قفز رفيقي مسرعا يستبين الأمر ،

و إذا بجثة طفلة عارية مصابة بطلق ناري بظهرها ، أدار رفيقي الجثة وفإذا به يصرخ صرخة أخذت تتردد بين أرجاء الغابة )

ـ وا أختاااااااااااااااااااه .

( حملها بين يديه يضمها لصدره ،

رحلنا في اتجاه القرية ، و إذا بجثة أخرى هناك ،

مستحيل جثتان عن اليمين ،

غير معقول ، جثة أخرى بين الأعشاب هناك ،

على مرمى البصر وجدنا بيوت القرية و قد تحولت إلى رماد ،

مازالت بعض الأدخنة تتصاعد من بين المنازل المهدمة ،

بعض الجثث تكومت فوق بعضها ،

بعضها بلا رؤوس ، بعضها بلا أطراف ،

الكثير من جثث الأطفال و النساء و الشيوخ ،

حتى هؤلاء لم يرحمهم الأوغاد ،

سمعنا صوت بكاء يأتي من إحدى الخنادق ،

رفعنا الغطاء المصنوع من أفرع الأشجار ،

وجدنا طفلة ترتعد خوفا ،

عندما رأت رفيقي صعدت و ارتمت بين أحضانه ،

سألها بلهفة )

ـ ماذا حدث ؟؟؟؟

( حاولت الفتاة لملمة الحروف التي تبعثرت من شدة هلعها ، خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيها)

ـ بعدما ... بعد رحيلكم جاء الأوغاد ..

أخرجونا جميعا ،النساء و الأطفال و الشيوخ ...

لم يتركوا أحد .. و قاموا بإضرام النيران بمنازلنا ... حتى خرج أخي الذي كان مختبئا ....

أمسكوا به ... قيدوه إلى الشجرة هناك ...

تباروا على من يصيبه دون أن يقتله...

أطلق عليه أحدهم النار و لما لم يصبه ....

ضحك رفاقه ...

ثم اقترب منه آخر و أطلق النار .... و أصاب قدمه ...

أخذوا يضحكون ....

( أخذت ترتعد )

بعدها اقترب ثالث ... وضع ماسورة بندقيته في رأسه ( أشارت بإصبعها إلى رأسها )

و ... طراااااااااخ ..... عندها هربنا ......

أخذنا نركض كالخراف هنا و هناك ...

أخذوا يتبارون في إطلاق النار علينا و يضحكون .... يطلقون النار و يضحكون .

( عندها لم أستطع السيطرة على نفسي ،

أمسكت بكلتا يداي بقميصي الذي رسم عليه وجه جيفارا باللون الأحمر ، شققته إلى نصفين ،

صرخت بكل ما أوتيت من قوة :

ـ جيفارا ، أين أنت أيها الحقيييير ؟؟؟؟

لماذا لست هنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أيها الخائــــــــــــــــن ،

ألست انت الذي تدعي أنه أينما يوجد الظلم فذاك وطنــــــــــــــــــــي ؟؟؟؟

هل يوجد من هم أكثر تعاسة و شقاء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

جيفارااااااااااااااا ،

تبا لك و لكل من صدقك و صدق ما تدعيه أيها الكاذب الأفاااااااااااااااق .

( يتبع )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الدقة الثامنة )

( صخب يلف المكان حولي ،

أشباح تتحرك بين أدخنة الحشيش المنتشرة بالمكان ،

رائحة نتنة تزكم الأنوف ،

أوقدوا بعض أغصان الأشجار الجافة للتدفئة بمنتصف القاعة ،

إضاءة النيران تسقط على الوجوه ،

أخذت أتفحص وجوه الرجال المنحوتة حولي ،

ينفثون أدخنة السجائر بقوة ،

كل منهم منهمك في عالمه الخاص ،

وجدت أحدهم يمسك بسكينه يحلق لرفيقه لحيته ،

البعض يلعب الورق ،

و آخر يتابع إناء على النار تفوح منه رائحة القهوة ،

انتبه الجميع لصوت آلة موسيقية وترية ،

عندها التفت الجميع لمصدر الصوت ،

وجدت رجلا أشعث الشعر ، ذو لحية خفيفة متناثرة ،

سيجار طويل يتدلى من فمه ، تفوح من ملابسه الرثة المهلهلة رائحة عرق نتنة ،

و قد أمسك بكلتا يديه آلة أشبه ب ( الجيتار ) ،

و أخذ يغني بصوت أجش ،

و إذا برجل آخر بجواره يمسك ب (الهارومنيكا ) يضمها إلى فمه ،

ركض بناظري شريط الصور المخزنة بالذاكرة ، و إذا به يتوقف عند ( جيفارا) ، نعم إنه ( جيفارا ) هذا الذي يغني ،

أخذت أستمع مضطرا ،

بينما أخذ ينشد أشعاره )

ـ ماريا العجوز ، ستموتين ،

أحدثك بجدية.

كانت حياتك مسبحة من الصعاب

لا محبوب هناك ، ولا صحة ولا مال ،

لا شيء سوى الجوع يشاركك الحياة.

أود الحديث عن آمالك

الآمال الثلاثة المختلفة

التي نسختها ابنتك دون أن تدري.

خذي هذي اليد الرجولية الطفلة

بين يديك الملطختين بالأصفر

وامسحي رسغيك البارزين و"القشف" اليابس

في الخزي الناعم ليدي الطبيب

اسمعي أيتها الجدة البروليتارية

( وقف بينما علا صوته أكثر فأكثر )

ـ فلتؤمني بالإنسان الآتي

فلتؤمني بالمستقبل الذي لن ترين

( أشار لرفاقه ليشاركونه الغناء )

ـ لا تصلي لرب قاسي

أنكر عليك حياة الأمل

ولا تطلبي الموت رحمة

فالسماء صماء والظلام يلفك .....

( أخذ رفاقه يرددون وراءه بينما بدأ البعض يتراقص )

ـ لا تصلي لرب قاسي

أنكر عليك حياة الأمل

ولا تطلبي الموت رحمة

فالسماء صماء والظلام يلفك ......

( أخذ يردد بينما أخذ رفاقه يتراقصون على وقع صوته الأجش ، عندها اختلط الحابل بالنابل )

ـ لا تفعليها

لا تصلي لرب

أنكر عليك حياة الأمل

ولا تطلبي الموت رحمة

فالسماء صماء والظلام يلفك ......

( عندها تسللت خارجا ،

وكزني أحدهم بقبضته )

أغتصب سمعي صوته الغليظ :

ـ دورك .

ـ أي دور ؟

ـ ألن تأخذ نصيبك من إرغام هؤلاء البوليفيات المقيدات بالغرف على الاعتراف؟

ـ إرغامهن ؟ كيف ؟

ـ أنت و شطارتك ( غمز بعينه و عض على شفتيه ) .

ـ اغتصاب ؟؟؟؟ أعوذ بالله ، أعوذ بالله .

ـ ويحك ، الله ؟

لا تتكلم بهذا الكلام هنا و إلا .... ( أشار إلى رقبته بالذبح )

ثلاث و ثلاث مثلما يقول ( جيفارا ) .

ـ أي ثلاث و ثلاث ؟؟؟؟

ـ يجب هنا ألا تؤمن إلا ب ( ماركس و لينين و ستالين )

و تكفر ب ( الله و الدين و الملكية الخاصة )

( أخذ الرجل يضحك ثم انصرف يدعو الآخرين لاغتصاب البوليفيات المسكينات بحجة إرغامهن على الاعتراف ،

نظرت إلى النجوم التي تتلألأ بالسماء ،

ترقرقت النجوم بعيني حزنا على مصيرهن ،

أهذه هي الإنسانية في نظركم ؟؟؟؟

أهذه هي الرحمة و العدل و الرأفة ؟؟؟؟

أينما يوجد الظلم فذاك وطني ؟؟؟؟

تمنيت لو أنه كابوس لاستيقظ منه سريعا ،

و لكن لا فائدة ،

يبدو أنها الحقيقة المرة أيها التعس ،

حاولت استنشاق نفسا عميقا من الهواء النقي ،

أحاول استعادة شيء من حريتي و آدميتي مرة أخرى ،

و لكن من أين لي بها و قد جنيت على نفسي بالتواجد بين هؤلاء ،

لااااا غير معقول ، هل أنا هنا فعلا ؟؟؟؟

وجدت من يهزني بقوة ،

نعم أنت هنا بين هؤلاء ، نعم ،

إنها الحقيقة أيها الغبي الأحمق ،

أحاول جاهدا كبت هذه الصرخات التي تغلي بصدري ،

وجدتني انفجر غاضبا ،

صرخت عاليا ، شقت صرخاتي سكون الليل البهيم ،

تتردد بين الغابات و الجبال :

ـ وا إنسانيتاااااااااااااااه .

( يتبع )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الدقة التاسعة و الأخيرة )

آه ه ه ه ه ،

دقات مؤلمة برأسي ، أحس بالألم يتوغل بجسدي ،

حاولت استبيان المشهد أمامي ،

بدأت الغشاوة تنقشع شيئا فشيئا ،

تذكرت ، نعم تذكرت ،

يا الله ،

ألهذه الدرجة كنت مخدوعا ؟؟؟؟

لماذا لم أكتشف حقيقته كل هذه الفترة ؟

لقد خدعنا ، فأمام الافتتان بملامحه الثورية و وسامته سقطت منا جميعا تفاصيل كثيرة ،

ربما يعتبرها البعض تافهة و لكنها غاية بالأهمية ،

لماذا لم أستطع قراءة ما بين السطور ؟

لقد كان واضحا جليا ، نعم ، كثيرا ما كنت أراه بارزا كالشمس في وضح النهار ، لكنني كنت دائما ما أشغل نفسي بهذه الهالة التي أضفوها عليه ،

كيف استطاعوا أن يخلدوا هذه الصورة الرائعة التي انطبعت بأذهاننا له كثائر بصرف النظر عن دمويته ؟

ما العمل الآن ؟

كيف لي أن أتخلص من كل هذا ؟

لابد أن أرحل من هنا بسرعة ، و لكن يجب ألا يحس أحدا بما في نفسي ، و إلا كانت نهايتي على أيديهم ،

سيول من الماء البارد أغرقني بها أحدهم ،

جذبني عنوة من أفكاري ، شهقت منتفضا من مكاني ، باحثا عمن فعلها لقتله ،

وجدت أحدهم يضحك و هو يمسك بإنائه الذي أفرغه على رأسي ،

بركان من الغضب انفجر دافعا قبضتي باتجاه فكه ، صرخت فيهم )

ـ يا أولااااااااااد الكــــــــــــلب .

طرحته أرضا بينما أخذ رفاقه يضحكون ،

عندها دخل ( جيفارا ) متسائلا )

ـ ما هذا الذي يحدث هنا ؟

( أجابه الواقفون )

ـ هذا ( العربي ) يثير العديد من المشاكل هنا .

( عندها نظر إلي نظرة ثاقبة ، خرجت الكلمات متعجرفة من فمه )

ـ اتبعني أيها ( العربي ) .

( عندها مشيت خلفه حتى ولجنا إلى غرفة بنهاية الممر ، جلس إلى الكرسي رافعا قدميه فوق الطاولة بوجهي ،

أخرج سيجارا من علبة فوق الطاولة ، أشعلها ،

فتح العلبة ثانية ، أخرج منها سيجارا آخر ، مد يده تجاهي )

ـ دخن أيها ( العربي ) .

ـ لا أدخن .

ـ خذ ، خذ ، لا تخف فلن أطلب منك ثمنا لها .

ـ حقيقة لا أدخن .

ـ عجيب أمرك ، في ظل هذه الظروف التي نمر بها و أراك لا تدخن الحشيش أو تحتسي الخمر و لا حتى تقرب النساء؟ أنتم هكذا أيها العرب ، لديكم عادات غريبة ،

هل تعلم أنه عندما كنت أنا و كاسترو نواجه المصاعب و المخاطر بين التلال في كوبا كنا نستمد شجاعتنا من صمودكم أمام العدوان الثلاثي ، هل تعرف من كان الرمز الذي نقتدي به ؟

( عندها فتح أزرار بزته العسكرية فإذا بقميص مرسوم عليه صورة ( جمال عبد الناصر ) ،

عندها لم أستطع السيطرة على هذه الحالة الهستيرية من الضحك ، سألني متعجبا )

ـ ما بك ؟ ألا تعرف من هذا ؟

ـ بل ...ها ها .. أعرفه جيدا ، ( عبد الناصر ) .

ـ و لماذا الضحك إذن ؟

( لم أقدر على مصارحته بأنني كنت أرتدي قميصا عليه صورته قبل أن أكتشف حقيقته ، و ها هو نفسه يرتدي قميصا عليه صورة (عبد الناصر) ، عندها سألته محاولا التهرب من سؤاله )

ـ و لكن من أين أتيت بهذا القميص المرسوم عليه ( جمال عبد الناصر ) ؟

ـ اشتريته من رجل عندما كنت أزور الأهرامات التي بناها أجدادي .

( لم أتمالك نفسي ثانية من الضحك )

ـ ها ها .... أجدادك ؟؟

ـ ألا تعلم أنني حفيد بني إسرائيل الذين سخرهم (فرعون) لبناء الأهرامات ؟

ـ بني إسرائيل هم أبناء يعقوب عليه السلام ،

و بناء الأهرام كان قبل ذلك بألف سنة تقريبا ،

فكيف بناه أجدادك ؟؟؟

ـ اصمت أنت ، من أفهمك في تاريخ الشعوب ؟

( عندها لم أعلق ، فلقد احمر وجهه غضبا ، عندها حاولت تغيير دفة الموضوع )

ـ قميص رائع حقيقة و لكنني ظننت أنك ترتدي قميصا عليه صورة (ماركس) أو (لينين) مثلا أو (ماو تسي تونج) .

( ابتسم خبثا و قال )

ـ صورة ( عبد الناصر ) هي الموضة الآن .

ـ الموضـــــــة ؟؟؟ آآآآه ، من الممكن إذن أن ترتدي قميصا عليه صورة ( مايكل جاكسون ) أو ( شاكيرا ) أو ( نانسي عجرم ) مثلا .

ـ و من هؤلاء ؟

ـ لا عليك ، السؤال الآن ـ هل من الممكن أن ترتدي قميصا عليه أية صورة ؟

ـ بالطبع لا أيها الأبله ، هل تظنني مثلك أيها العربي أرتدي أي شيء ؟

إنما أحمل صورة لرمز من رموزي التي توافق أفكاري و معتقداتي فقط ،

فمن المستحيل أن تراني مثلا أرتدي قميصا عليه صورة شخص مثل ( كيندي ) مثلا .

ـ هل من الممكن أن ترتدي صورة أحد رموزنا مثل ( خالد بن الوليد ) ، ( صلاح الدين الأيوبي ) ، (عمر المختار) ، (سعد زغلول) .

ـ من الممكن أن أدرسهم فقط لأتعلم منهم ، و لكن أن آخذهم رمزا ؟؟

مستحيـــــــــــــل .

( عندها طرق الباب أحد الجنود )

ـ ادخل .

( دخل الجندي و قال )

ـ لقد جهزنا المرأة للاستجواب يا سيدي .

ـ سآتي حالا .

( خرج الجندي ، عندها وقف ( تشي ) ممسكا بسيجاره بين إصبعيه )

ـ هيا بنا .

( خرجنا نسير خلال الممر حتى وصلنا إلى غرفة تكاد تنعدم بها الرؤية ،

بعد لحظات اعتادت عيني الإضاءة الخافتة ،

لمحت امرأة شبه عارية واقفة و قد قيدوا يديها إلى الجدار ،

ذهب إليها ( جيفارا ) ،

فك قيدها ، ناولها إناء به بعض الماء ،

أخذته المسكينة في لهفة ،

رفعته إلى فمها ،

لكنه فجأة لطم الإناء فسقط من بين يدها أرضا ،

عندها سقطت المرأة تحاول أن تلتقط بأصابعها ما يروي عطشها ،

نزل إليها حتى أقترب من أذنها و همس )

ـ هيه ، أمازلت مصرة على الإنكار ؟

(رفعت المرأة رأسها نظرت إليه نظرة رعب ، ارتجفت الدموع متلألئة بين جفنيها ،

أمسك برأسها يقبلها ، ما لبث أن انخرط في البكاء )

ـ أرجوك يا أماه ...... أخبريني أين يختبئ ابنك ؟

( نظرت إليه المرأة نظرة حانقة ، قالت بصوت واهن )

ـ لا أعرف .

( عندها لطمها فطرحها أرضا و أخذ يصرخ )

ـ إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا .

( نزل إلى المرأة مرة أخرى ، كبل رقبتها بقبضته ،

خرجت الحروف من بين أسنانه التي ضغطها غيظا )

ـ سأهبك آخر فرصة للنجاة أيتها الحشرة الشمطاء ،

أين يختبئ ابنك ؟

( تفلت المرأة بوجهه ، عندها انتفض كالملدوغ ، أخرج مسدسه من جرابه ، أطلق عليها ست رصاصات ، انتابته حالة هستيرية ، أخذ يصرخ )

ـ كبريائي الوحيد هو كبرياء الثورة ،

لا رحمة لأعداء الشعب أعداء الاشتراكية ، أعداء الإنسان ، هؤلاء الحثالة من المحتالين و المشاغبين ، هؤلاء الرجعيين الأغبياء أعداء أنفسهم ، أفراخ الرأسمالية ،

لن أسمح لأحد أبدا أن يسيء إلى الثورة ،

لن أسمح لأحد أن يعيدنا إلى الوراء ،

سأنسف رؤوس هؤلاء الحثالة أذناب البورجوازيين ،

لابد من تطهير العالم من هؤلاء و من هم على شاكلتهم ، هذه الآفات التي تشدنا للرجعية و التخلف .

( جحظت عيناي ، تبعثرت الحروف بين شفتاي ، تجمد لساني ،

نظر إلي نظرة يتطاير منها الشرر )

ـ لماذا تنظر إلي هكذا أيها (العربي) ؟

هناك وقت تنادي فيها مصلحة العمال أو (البروليتاريا) إلى إبادة قاسية لأعدائها كما قال (لينين) ،

هيا بنا فما زال هناك آخرون لاستجوابهم .

ـ أرجو أن تسمح لي ببعض الراحة .

ـ لا عليك أيها العربي ، هيا اذهب ، فغدا يوم شاق .

( ذهبت إلى غرفتي أتجرع الألم و الندم ، لمحت داخل الغرف الكثير و الكثير من العرايا و قد طرحوا أرضا هنا و هناك ، الجنود يحيطون بهم من كل ناحية ، يصوبون إليهم فوهات البنادق ، يتمتمون بالتوسلات ،

بعض النساء تمرغ وجهها بالتراب تحت أقدامهم تطلب الرحمة ،

أخريات يلطمن وجوههن ، أطفال تصرخ ،

رضيع يزحف يحاول الاختباء بين أحضان أمه القتيلة ، ينشد الرضاعة فلا يجد بفمه إلا مذاق الدم ،

نظرات تقفز من عيون شيخ يستعطفهم ،

أم تحتضن ابنها القتيل تقبله ، ترجوه أن يعود ، فما معنى الحياة بدونه ،

لم أنم ليلتي و لم يغمض لي جفن ،

أيام مرت و سنوات حتى بزغ الفجر ،

تسللت آسفا على عمري الذي فنا و أنا أجري وراء سراب ، مشيت تتعثر قدماي بأشلاء متناثرة هنا و هناك ،

ينقشع الضباب أمامي شيئا فشيئا ،

بدأ المشهد يتضح بعيني رويدا رويدا ،

و إذا بالكلاب تلعق دماء بعض الفقراء الذين أعدموا بالأمس، تجمعت النسور على البعض الآخر تمزقهم بمناقيرها ، بعضهم تتناهشها الضباع ،

حاولت إغماض عيني من هول المشهد ،

أمسك أنفي بأصابعي ،

رائحة الموت تتسلل من مسام جلدي تتوغل حتى تصل لقلبي المثخن بجراح الفقراء و المساكين ،

تراقصت صورة الجثث بعيني ،

أخذت أبكي و أبكي حتى انتحبت ،

حاولت الإفلات من حزن الكون الذي غلف قلبي ،

صرخت صرخة مدوية أخذت تتردد بين الأشجار )

ـ سرااااااااااااااب ، سراااااااب ، سراااب .

أكذوبة ، كنا نراها تكبر يوما بعد يوم ،

كلنا ساهمنا في تضخيم هذه الأسطورة ،

نعم نحن من ساهم فيها ،

نحن الفاشلون و العاجزون و الحالمون في شتى بقاع الأرض ، حتى ( كاسترو ) كان بحاجة إلى أسطورة تلعب الدور الذي افتقده ،

الشيوعيون كانوا في حاجة لرمز للبطل الاشتراكي ،

حتى الفيتناميين ساهموا في ذلك لتشتيت و إزعاج أمريكا، ساهم فيها جميع مكبوتي و بؤساء و تعساء العالم ،

سرااااااااااااااااااااااااااب .....

نعم سراااب ..... سرااب ...... سراب .......

( تهادى لأذني صوت اهتزاز أوتار عود الشيخ إمام ،

وجدت صوته يتردد بين الغابات ،

أخذت أنشد متيقنا الشطر الأول فقط ،

لم يطاوعني عقلي و لا قلبي و لا لساني بأي حرف آخر بعدها )

ـ جيفارا مات ، جيفارا مات

جيفارا مااات ، جيفارا ماااات

جيفارا ماااااات ، جيفارا ماااااااااات .....

( تمت )

تم تعديل بواسطة محمد سنجر
رابط هذا التعليق
شارك

محمد سنجر

افتقدك يا صديق الجوالة والجامعة يابن المنصورة الاديب الرائع

وافتقد قلمك هنا وهناك

سأتابع القراءة واعود اليك تحية من القلب للمعدية والزمالك واصدقائى لقدامى

ولى عودة للنقد والتحليل لو سمحت لى طبعا

البنت المصرية

ايمان الدفراوى

عندما تشرق عيناك بإبتسامة سعادة

يسكننى الفرح

فمنك صباحاتى

يا ارق اطلالة لفجرى الجديد

MADAMAMA

يكفينى من حبك انه......يملأ دنياى ....ويكفينى

يا لحظا من عمرى الآنى.....والآت بعمرك يطوينى

يكفينى .....انك........................تكفينى

رابط هذا التعليق
شارك

محمد سنجر

افتقدك يا صديق الجوالة والجامعة يابن المنصورة الاديب الرائع

وافتقد قلمك هنا وهناك

سأتابع القراءة واعود اليك تحية من القلب للمعدية والزمالك واصدقائى لقدامى

ولى عودة للنقد والتحليل لو سمحت لى طبعا

البنت المصرية

ايمان الدفراوى

أختي الفاضلة

الفنانة القديرة

إيمان الدفراوي

لا تتخيلي سعادتي

للعثور على أحد أصدقاء الزمن الجميل

تحية طيبة أبعثها إليك و لجميع الأهل و الأصدقاء

أرجو أن تحملي سلامي للجميع

و تشرفت بردك على موضوعي

و في انتظار قراءتك و تعليقك

فهذا شرف لي

تقبلي تحيتي و تقديري

دمتم بحفظ الرحمن الرحيم

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...