ويل لأمة تنصرف عن الحقل إلى الزقاق

[~Heba~]

.

.

فى احد اركان البيت الريفى البسيط تنزوى "ام جاد" وقد اتكأت بجسمها الهزيل على الجدار المتهالك و بين الفينة و الفينة تكفكف بعض قطرات من دموع لا تعلم سببها حتى ترى ظل ابنها "جاد" يتجسد امامها و يقترب هامسا بصوت حانى" لا تبكين يمة ان شاء الله كلها سنة و إلا اتنين و ارجع و اشترى طين و بيت جديد اكبر و اوسع و استتك و اهنيك و لا ترجعى تشتغلى عند حد تانى يمة"

بهذه الكلمات البسيطة و بحضن دافئ و بدعاء خالص من قلب الأم المحب يودع الشاب الفتىّ "جاد" قريته فى اقصى الصعيد و على فين يا دنيا...على مصر ام الدنيا"القاهرة"(الصعايدة غالبا بيسموا القاهرة ..مصر) حيث فرصة عمل أفضل تدر دخلا اكبر من ايراد الطين....الطين اى بضعه قراريط (جميع قيراط ) كان الشاب يزرعها حتى وقعت فى أسر الرهن

و ها هو يواجه مصيره فى المدينة الكبيرة و يحاول ان يجد فرصة عمل تناسبه فهو شاب بالكاد أكمل تعليمه و لم يستطع حتى ان يحصل على دبلوم الزراعة الذى تركه فى سنته الأخيره حتى يتفرغ لفلاحة الأرض و مساعدة والده الذى توفى و تركه يعول الأسر

فى البداية نصحه بعض البلديات الذين استقبلوه فى عاصمة ام الدنيا ان يبحث عن وظيفة "بواب" اى حارس عمارة سكنية فى حى راقى و بالاضافة للاجر المتفق عليه يستطيع ان يجنى بعض المال من قاطنى الشقق نظير تلبيه بعض الخدمات لهم مثل شراء الطلبات او ما شابه ذلك,

او ان يعمل كعامل بناء و ستكون اليومية معقولة و سترضيه و إلى جانب ذلك مهن أخرى مثل مسح الأحذية , صبى قهوة , او بائع متجول او حتى يتعلم حرفة عند صاحب ورشة و سيعطيه ما فيه النصيب

مرت سنتان و ما يكسبه بطل قصتنا يذهب اكثر من نصفه فى تكاليف إقامته و اكله و شربه فى عاصمة المحروسة و النصف الباقى يذهب لوالدته لتعيل به نفسها و اخوته.....يتبع إن شاء الله

هامش:

العنوان مقتبس من مقولة لجبران خليل جبران

ويلات الامم....ويل لأمة تنصرف عن الدين إلى المذهب . . و عن الحقل إلى الزقاق . . و عن الحكمة إلى المنطق .

و يل لأمة تلبس مما لا تنسج . . وتأكل مما لا تزرع . . و تشرب مما لا تعصر .

و يل لأمة مغلوبة تحسب الزركشة في غالبيتها كمالاً . . و القبح فيهم جمالاً .

تم تعديل 4 مايو 2009 بواسطة ~Heba~

[~Heba~]

.

كان جاد فى البدء يعيش مع بعض البلديات فى شقة صغيرة فى احدى المناطق الشعبية و يتقاسمون الايجار سويا و كلا منهم شاب اعزب ربما اتى من بلدته من فترة قريبة او مضى عليه فترة طويلة نسبيا و يفكر فى الانفصال كما يفكر صديقنا جاد الذى نصحه ادهم بان يستأجر غرفة اصغر و ارخص فى منطقة

شعبية ليست ببعيدة عن المنطقة التى يعيش فيها و يتزوج فى هذه الغرفة لحين ييسرها ربنا و تفرج من عنده, و قرر جاد العمل بالنصيحة خاصة انه مستريح للعمل الحلال كعامل بناء و مكسبه لا بأس به رغم انه لا يستطيع ان يدخر ما يكفى لشراء ارض كما وعد والدته لان اسعار الأراضى فى ارتفاع مستمر و

ارضه المتواضعه قد اضاعها الرهن نهائيا...لذا قرر ان يبدأ حياة جديدة فى عاصمة المحروسة, و كان عليه ان يسافر لبضعه أيام لقريته ليعقد قرانه على ابنة عمه المراهقة التى ما ان سمعت انها ستعيش مع عريسها ابن عمها فى مصر حتى تهللت اساريرها فها هى اخيرا سترى الدنيا و تعيش فى مصر كمان.....ايام و يتم الزواج و يصطحب جاد عروسه الى القاهره و كان قد جهز الغرفة الصغيرة لاستقبالها....تمر عدة سنوات لا يتحسن فيها حال بطل قصتنا كثيرا فلا يزيد اجره الا قليلا و موجة الغلاء التى عصفت بالجميع حتى من هم افضل حالا منه فماذا تفعل معه و قد اصبح له ثلاثة اطفال و اسرته الآن قوامها خمسة افراد يحتاجون للطعام و الشراب و فسحة اكبر من هذه الغرفة الضيقة و اشياء اخرى بديهية ربما كانت تتوفر له لو ظل فى قريته.

يا ترى فى السنوات الأخيرة...نقول الـ 40 او 30 سنة الأخيرة كم واحد عمل مثلما عمل بطل قصتنا.....و يا ترى كم يبلغ التأثير الذى قام به هؤلاء على الطبيعة الديموجرافية لمصر و هل تأثرت سلبيا ام ايجابيا, و هل تعتقد ان مشكلة العشوائيات سببها هذا النزوح؟

طبعا انا ذكرت ان بطل القصة صعيدى و استهلمت الاسم "جاد" من نكته شهيرة :lol: لكن هذا لا يعنى ان النموذج لا يتكرر بحذافيره فى الريف فى الوجه البحرى.

اسألكم..هل تعتقدون ان السبب هو المركزية...مركزية القرارات و الخدمات و فرص العمل , هل تعتقد ذلك رغم كل المشروعات التنموية التى يُعلن عن انشاءها فى الاقاليم المختلفة, و اخيرا هل تعتقدون ان هذا النزوح اثر بشكل سلبى على النشاط الزراعى فى مصر؟

كلها اسئلة اطرحها عليكم و اشكر لكم حسن تفاعلكم مقدما

و اعود لاحقا لطرح وجهة نظرى...

تقبلوا خالص التحية :lol:

تم تعديل 4 مايو 2009 بواسطة ~Heba~