اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

هل العمليات الاستشهادية تضر بالسلطة الفلسطينية ؟


Recommended Posts

هل العمليات الاستشهادية تضر بالسلطة الفلسطينية ؟

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

أعلم أن السلطة الفلسطينية التي قامت على قاعدة نبذ "الإرهاب" لن تقوم في يوم من الأيام بالثناء العطر على العمليات الاستشهادية و مباركتها ، بل على النقيض من ذلك و كما هو متوقع ستسارع إلى التنديد بها و استنكارها و إدانتها و اتهامها و رفضها كما يحدث في كلّ مرة ، و لكن هل هذه العمليات في واقع الأمر تضر بمصلحة السلطة الفلسطينية ؟ أم أنها فضلاً عن أنها تشكل مصلحة وطنية عليا للشعب الفلسطيني و لقضيته العدالة ، تشكّل أيضاً مصلحة ذاتية للسلطة نفسها لكي تخرج من مأزقها التي وضعت نفسها فيه ؟ و لا أدلّ على مأزق السلطة من قرارها الأخير المتمثّل بتشكيل حكومة طوارئ و إعلان حالة الطوارئ ، و كأن الأزمة أزمة فلسطينية فلسطينية و ليست صراعاً بين شعب يتطلع إلى الحرية و التحرر و عدو يسلبه ذلك .

كلّ المعطيات على أرض الواقع تشير إلى أن السلطة قد وصلت فعلاً إلى طريق مسدود ، و مثلها في دخولها جحر أوسلو كمثل الدب الذي ابتلع منجلاً فلا هو قادر على إدخاله إلى جوفه و لا هو قادر على قذفه إلى الخارج ، فقد فشلت في تحقيق حلمها الذي هو أدنى بكثير من تطلعات الشعب الفلسطيني ، الذي لن يقبل بحال التفريط في شبر واحد من وطنه ، فقد وصلت السلطة إلى قناعة تامة خاصة بعد مفاوضات كامب ديفيد أنها لن تتمكن من تحقيق ما تصبو إليه ، و الذي أطلقت عليه الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية المشروعة ، و هي أيضاً لا تستطيع التحلّل من كارثة أوسلو التي فارقت الحياة منذ زمن بعيد ، و من هنا باتت ثؤمن أن الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني هو خيار الانتفاضة أو باختصار شديد خيار المقاومة ، و إن كانت لا تستطيع أن تبوح بقناعتها بذلك لأن البوح بذلك يتناقض مع المكتسبات الشخصية .

لقد باتت السلطة الفلسطينية على يقين أن الصهاينة لن يتزحزحوا عن تعنتهم ، و رفضهم للوجود الفلسطيني ، و إصرارهم على التنكر لكافة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، و ذلك لأن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ، و عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها ، و إزالة المستوطنات التي زرعت في الضفة الغربية و قطاع غزة بهدف ابتلاع الأراضي تدريجياً و كذلك بهدف التضييق على الشعب الفلسطيني ، كل ذلك يتناقض مع المشروع الصهيوني الرامي إلى تحقيق دولة الكيان الصهيوني العظمى من النيل إلى الفرات ، و الذي لا زال محفوراً في تلافيف العقلية الصهيونية .

كما أن السلطة الفلسطينية أيقنت أن الموقف الأمريكي لا يمكن أن يكون محايداً ، بل إن الموقف الأمريكي في عدة نقاط ذهب في تطرّفه أبعد مما ذهب إليه الموقف الصهيوني في تناقضه مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، فالضمانات الأمريكية ذهبت أدراج الرياح ، و الوعود الأمريكية تبخرّت في الهواء و قد اتضح أنها لم تكن إلا وعوداً تضليلية سرابية هدفها الضحك على الذقون ليس إلا ، أما الموقف الأوروبي فهو موقف انتهازي رخيص ، موقف لا يبنى على مبادئ و قيم ، و لكنها المصلحة هي التي تحدّد المواقف لديهم ، و ما من شكٍ أن مصلحتهم في قضية فلسطين تقتضي وقوفهم إلى جانب الكيان الصهيوني ، فيجب علينا ألا ننسى أن الكيان الصهيوني ابتداء هو مشروع أوروبي .

كما أن السلطة الفلسطينية باتت تدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الموقف العربي الرسمي لا يمكن الاعتماد عليه و هو أضعف من أن يقدّم دعماً فاعلاً لإخراج السلطة الفلسطينية من ورطتها ، فقد أثبتت الأيام أن الموقف العربي كان على الدوام موقفاً عاجزاً هزيلاً ، مما شجّع على مزيد من التعنت الصهيوني ، و ساهم في تنامي الانحياز الأمريكي لصالح العدوان الصهيوني ضد الصالح الفلسطيني ..

و أمام كلّ ذلك أصبحت السلطة الفلسطينية - بيدها لا بيد عمرو - أمام خيارات صعبة أحلاها مر ، و ألخصها في النقاط التالية :

·الإعلان الصريح عن نهاية أوسلو ، و هذا يعني نهاية السلطة التي قامت بناء على مشروع أوسلو ، و لهذا الإعلان تبعات كبيرة و استحقاقات خطيرة ، لأن خطوة كهذه من شأنها أن تضرّ بالمصالح الشخصية لكلّ من حضر من الخارج مع قدوم السلطة و ربط مصيره بمصير أوسلو ، كما أن هذا الإعلان يعني انحياز السلطة إلى خيار المقاومة و هذا ما لا تريده .

·تأقلم السلطة مع الوضع القائم حالياً و هو استمرار الاحتلال الصهيوني دون أن يتحمّل هو تبعات احتلاله ، فالشعب الفلسطيني يرزح تحت وطأة الاحتلال ، و السلطة الفلسطينية في ظلّ استمرار الاحتلال تقوم هي بإدارة شؤون الشعب الفلسطيني الحياتية مما يخفّف العبء عن الاحتلال ، و هذا الأمر لا تستطيع السلطة أن تتأقلم معه طويلاً ، فالسلطة تعيش حالة تآكل جماهيري مستمر ، و إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن فستجد السلطة نفسها معزولة تماماً عن الجماهير بعد فترة وجيزة .

·إنشاء قيادة وطنية موحدة ، و هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا على قاعدة مقاومة الاحتلال و التمسك بكامل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، و هذا ما لا يمكن أن تقبل به السلطة لأنها بذلك ستتناقض مع ما التزمت به في أوسلو ، كما أن الجانب الأمريكي و الجانب الصهيوني سيتصديان بقوة لخطوة كهذه ، و هذا يعني أن السلطة الفلسطينية ستضع نفسها في موقف المتحدي للأمريكان و العدو الصهيوني ، و لا أتصوّر أنها يمكن أن تتخذ هذا الموقف .

و أمام هذه الخيارات الصعبة ترى السلطة أن المخرج الوحيد يتمثّل في ممارسة الضغط على الجانب الصهيوني ، و لكن أصبح يقيناً أن أمريكا لن تمارس هذا الضغط ، كما أن الاتحاد الأوروبي لا يتناقض على الإطلاق مع الموقف الأمريكي من القضية الفلسطيني ، فالفرق بين الموقف الأمريكي و الموقف الأوروبي كالفرق بين شارون و بيرز أي وجهان لعملة واحدة أدوارهما تتكامل و لا تتناقض ، و أما الموقف العربي فكما بيّنا أعجز من أن يمارس ضغطاً على الجانب الصهيوني ، أو أن يدفع الجانب الأمريكي لممارسة هذا الضغط .

و لا يختلف اثنان أن العمليات الاستشهادية هي الوحيدة القادرة على ممارسة الضغط المطلوب على كلّ من الكيان الصهيوني و زعيمه شارون ، و على الجانب الأمريكي و الأوروبي ، فكلاهما ينظر إلى العمليات الاستشهادية على أنها سلاح فعال في مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة ، و أن العمليات الاستشهادية أصبحت تشكّل ثقافة جهادية تسري في أوصال الأمة الإسلامية ، و هذا ما من شكّ يهدّد مستقبل الهيمنة الغربية على مقدرات الأمة العربية و الإسلامية .

فهل تجد السلطة ضالتها في العمليات الاستشهادية ؟

الواقع أنني أرى أن العمليات الاستشهادية التي تقدّم اليوم خدمة جليلة للقضية الفلسطينية ، تقدّم أيضاً و في نفس الوقت طوق النجاة للسلطة الفلسطينية إن هي أحسنت إدارة الصراع .

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...