عمالقة كرة القدم

[Mohammad Abouzied]

صالح سليم

يعد واحدا من ألمع نجوم الكرة المصرية على مدى نصف قرن .. ترك دنيا النجومية والرياضة والمال والتجارة وفاضت روحه إلى بارئها ، يوم الاثنين السادس من مايو 2002 ، بعد أن هزمه

المرض اثر صراع طويل معه لمدة ثلاث سنوات حيث كان يعالج من مرض خبيث في الكبد‏ .. وقد واجه صالح سليم مرضه بشجاعة فائقة ‏,‏ فكان يعلم حقيقته ‏وشغل نفسه عنه بالعمل والأمل ‏,‏ ومتابعة كل

كبيرة وصغيرة في النادي‏ الأهلي الذي تولي رئاسته منذ عام 1976.

محمد صالح محمد سليم .. وشهرته صالح سليم تخرج في كلية التجارة والتحق بالقوات المسلحة كضابط احتياط ، ابن الدكتور محمد بك سليم والشريفة زين التي تمتد جذورها إلي العائلة الهاشمية في السعودية

والأردن ، عشقه لكرة القدم دفعه للاستيقاظ في السادسة صباحا لينطلق من شارع عكاشة بالدقي ويدفع كرة التنس بقدميه في شارع المدارس المؤدي للأورمان الابتدائية ثم يترك طربوشه بجانب السور ويلعب الكرة

مع صديقه أحمد رمزي ، كان والده جناحا أيمن لمدرسة التوفيقية الثانوية قبل أن يلتحق بكلية الطب ويكمل دراسته في لندن ، تزوج والده من الشريفة زين رغم معارضة كبار أسرتها وقد تعرف عليها وهو يعالجها ،

اختار عزيز أفندي مدرس التربية الرياضية بالأورمان صالح سليم ليكون ضمن فريق المدرسة ، بدأ لعب الكرة الكبيرة في المدرسة ومع فريق شارع عكاشة بجوار كشك عم عبود وكان فريقه يدخل في منافسات

دائمة ضد فريق شارع هارون ، انتقل صالح إلي المدرسة السعيدية الثانوية وبدأت والدته تدرك الموهبة ، وفي سن 16 سنة رآه حسين كامل كشاف الأهلي وهو يسدد كرة صاروخية علي بعد 30 ياردة بدوري

الفصول ويسجل منها هدفا ، أعطاه حسين كامل ميعادا أمام باب النادي فذهب قبله بنصف ساعة ثم اصطحبه ليشاهد التدريب فانبهر بمهارات محمد الجندي وأبو حباجة ثم قابله بمحمود مختار التيتش الذي قال له

"اجعل فانلة الأهلي قطعة منك ، لونها هو دمك" ، فشعر صالح بأن هذا هو دستور الأهلي منذ تأسيسه عام 1907 ، بمرور الأيام صعد للفريق الأول ليلعب بجوار شطارة وسيد عثمان وحلمي أبو المعاطي

ولهيطة وفؤاد صدقي ومكاوي وغيرهم ، أول هدف سجله صالح سليم كان أمام المصري من ضربة ركنية ، انضم صالح إلي المنتخب عام 1950 في مباراة مصر أمام اليونان ، تعرف صالح علي فاتن حمامة هي

وزوجها عمر الشريف في منزل صديقه الفنان أحمد رمزي وتحدثوا عن مشاكل الكرة والضغوط عليه للاعتزال ، تعرف علي شقيقة أحد أصدقائه وتزوجها في حفل عائلي وسافرا لقضاء شهر العسل في لندن

وأنجب خالد وهشام ، تلقي صالح خطابا من مدربه النمساوي "فريتز بيمبول" الذي عمل في الأهلي سبع سنوات للاحتراف في نادي جراتس ، ولعب أولي مبارياته ضد نادي كلاجين فورت تحت المطر وأحرز

أربع أهداف وصنع ستة أخري وفاز ناديه 14/.1 ، اعتزل صالح سليم الكرة وعمره 37 سنة ليتولى إدارة الكرة بالفريق ثم استقال وعاد بناء علي طلب المجلس ، وتم انتخابه عضوا بمجلس الإدارة عام 72

لكنه استقال احتجاجا علي تراجع الفريق عبد المحسن كامل مرتجي رئيس النادي فيما يخص إذاعة المباريات ودعم موقفه محرم الراغب وعبد المجيد محمود عضوا المجلس.

***

تواصلت مسيرة صالح سليم مع الكرة المصرية منذ نعومة أظافره لاعبا في صفوف أشبال النادي الأهلي "نادي القرن في أفريقيا وأحد أعرق الأندية العربية على الإطلاق" وتدرج في فرق النادي حتى أصبح

كابتن الفريق الأول خلال عقد الستينات .. وقد اشتهر صالح بمواقفه الشجاعة وحزمه في معالجة الأمور وعرف بقراراته الجريئة التي تنتصر للمبادئ دوما دون النظر للعواقب التي تترتب على مثل هذه

القرارات ولا يزال النقاد الرياضيون يتحاكون بهذه المواقف .

ويعد صالح سليم أحد العلامات البارزة في النادي الأهلي وقد ارتبط اسمه بالنادي علي مدي ‏ستين‏ عاما منذ دخل الأهلي لأول مرة مع والده الدكتور محمد سليم عام ‏1940‏ وحتى اليوم حيث رأس مجلس إدارة

النادي وهو واحد من النجوم النادرة التي احتفظت بوهج النجومية رغم سنوات الاعتزال الطويلة ‏.‏

وكان صالح سليم قد لعب كرة القدم في المدرسة السعيدية واكتشفه مدرب الناشئين في الأهلي حسين كامل وكان لاعبا موهوبا بالفطرة واختير ضمن منتخب المدارس الثانوية ولعب للفريق الأول في النادي الأهلي

وعمره ‏17‏ سنة ‏,‏ وكان له أسلوب لعبه المميز الذي كان انعكاسا لشخصيته وثقافته التي اتسمت بالقوة والجرأة في الحق والشكل الأوروبي الذي أضفي عليه كلاعب المزيد من الأضواء والنجومية‏ ! ‏

لعب صالح سليم مع جيلين في الأهلي فقد لحق بجيل عبد الجليل ولهيطة وأبو حباجة وفؤاد صدقي وفتحي خطاب وسيد عثمان وقاد جيل رفعت الفناجيلي والجوهري وطه إسماعيل والشربيني وعوضين وفؤاد أبو

غيده وعادل هيكل ومروان كنفاني وحسن جبر والروبي وميمي عبد الحميد‏.‏

ومنذ ‏1948‏وحتي اعتزاله في ‏11‏ نوفمبر ‏1966‏ حقق صالح سليم‏19‏ بطولة مع فريقه ففاز ببطولة الدوري ‏11‏ مرة وبكأس مصر ‏8‏ مرات‏.

وظل ورفاقه يحملون الرقم القياسي المصري في عدد مرات الفوز بالدوري علي التوالي وهو ‏9‏ مرات من‏ 1948‏ إلي 1959‏ كما يحمل الرقم القياسي في عدد الأهداف التي سجلها لاعب واحد في مباراة

واحدة‏ ، إذ سجل في إبريل ‏1958(7‏ أهداف من ‏‏ في مرمي النادي الإسماعيلي ‏.‏

وفي عام ‏1950‏ اختير صالح سليم للمنتخب المصري ولعب مباراته الأولي أمام اليونان وفاز المنتخب ‏3‏/صفر ومع بداية حقبة الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات حقق شهرة مدوية وكان يقال في هذا الوقت أن

في مصر ثلاث شخصيات لا يختلف عليها المصريون وهم جمال عبد الناصر وأم كلثوم وصالح سليم ‏.

ولأن شعبيته كانت طاغية انهالت العروض السينمائية علي صالح سليم وقد كانت له صداقات في الوسط الفني مع أحمد رمزي وعمر الشريف وفاتن حمامة‏.‏

وشارك في فيلم السبع بنات وكان دوره في الفيلم صغيرا أمام نادية لطفي وسعاد حسني ولم تكن التجربة ناجحة ومع ذلك أقنعه صديقه الأهلاوي المخرج عز الدين ذو الفقار بالاشتراك في فيلم الشموع السوداء

ودخل صالح سليم الاستديو بعد أربعة‏ شهور من التدريب علي الإلقاء والتمثيل ولعب دور البطولة أمام المطربة نجاة الصغيرة ورغم نجاح الفيلم فإن صالح سليم لم يرض عنه ولم يشاهده كلما عرضه التليفزيون

المصري وعن تجاربه الفنية قال يوما "لو عادت بي الأيام لما أقدمت علي خوض هذه التجربة أبدا فلست فتي السينما ولا هي عملي ولا هوايتي ولكنها كانت نزوة شباب ولا أحرص علي مشاهدة الفيلم كلما عرضه

التليفزيون" , ومع ذلك مثل أمام فاتن حمامة في فيلم الباب المفتوح .

وكان صالح سليم من أوائل اللاعبين المصريين الذين احترفوا في أوروبا والواقع أنه كانت هناك تجارب سابقة لعدد من اللاعبين الرواد مثل حسين حجازي ومحمد لطيف ومصطفي كامل منصور لكنها تجارب

فرضتها ظروف الدراسة في الخارج ويعد أول لاعب مصري يطلب للعب في الخارج وتلقي العرض من نادي جراتس أتلتيك النمساوي مقابل خمسة آلاف شلن نمساوي ‏(100‏ جنيه مصري‏)‏ وذلك عام ‏1963‏

وخاض نجم الأهلي التجربة التي كانت قصيرة لأنه لم يحتمل الغربة وعاد لناديه في يونيو من نفس العام بعد أربعة أشهر فقط لعب خلالها بعض المباريات وسجل الأهداف ووصفته الصحف النمساوية بلقب

"الفرعون المصري"‏ إلا أنه لم يحتمل الأمطار والبرد وعدم وجود الأصدقاء ودفء المشاعر والغياب عن حبه الحقيقي النادي الأهلي

وطوال قرابة الخمسين عاما ارتبط صالح سليم بالأهلي المكان والمكانة ، ففي النادي كان يقضي يومه وبانتصارات النادي وعراقته وتاريخه الوطني ودوره في تمصير الاتحادات المصرية عاش فخورا بناديه محبا له

ويعطيه بدون انتظار لأي مقابل ولعل هذا من أسرار المكانة الكبيرة التي وصل إليها بين محبي الأهلي خاصة أن النادي أعطاه الاسم والشهرة وحب الناس وعن علاقته بالنادي قال يوما "الأهلي هو حياتي وبيتي

وقد ارتبطت به منذ دخلته وعمري‏ 14‏ عاما والتقيت فيه بأستاذي ومعلمي مختار التتش الذي علمني كل المعاني الجميلة في الرياضة والانتماء للأهلي وحتى يومنا هذا لا أطيق ولا أقبل أن أري الأهلي مهزوما في

حقه" .‏

ولذلك لم تكن علاقة صالح سليم بالنادي علاقة لاعب كرة قدم بفريقه وجمهوره وإنما هي علاقة إنسان ومكان ‏..‏ وهكذا بعد اعتزاله عمل مديرا للكرة في عام ‏1971‏ وكان الفريق الأول يمر بفترة صعبة لسوء

نتائجه وتجديده بالكامل بعد اعتزال معظم النجوم عقب حرب ‏1967‏ وما ترتب عليها من توقف لنشاط كرة القدم حتى عودته في مطلع السبعينيات ونجح في المهمة مع فريق التلامذة وهو اللقب الذي أطلقه الناقد

الرياضي الراحل نجيب المستكاوي علي فريق الأهلي في ذلك الوقت لما يمر به من تجديد وبناء‏.‏

ومن إدارة الكرة إلي إدارة النادي انتقل صالح سليم حيث فاز بعضوية مجلس الإدارة عام ‏1972‏ وفي عام ‏1976‏ خاض الانتخابات علي منصب الرئيس أمام الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجي رئيس النادي

في هذا الوقت ومنذ عام‏ 1965‏ ولم يوفق صالح الذي كان عمره ‏48‏ سنة وكرر التجربة عام ‏1980‏ وحقق نجاحا ساحقا أمام الفريق مرتجي وأصبح أول لاعب كرة يرأس ناديه وقد شغل منصب رئيس الأهلي

من ‏12‏ ديسمبر ‏1980‏ إلي ‏7‏ ديسمبر ‏1984 ,‏ ثم من نفس التاريخ لفترة رئاسة ثانية حتى ‏16‏ ديسمبر ‏1988 ,‏ وفضل أن يترك الفرصة لغيره لإدارة النادي فلم يدخل انتخابات هذا العام إلا أنه عاد إلي

رئاسة النادي عام ‏1992‏ في نفس اليوم الذي سحبت فيه الثقة من مجلس الإدارة برئاسة محمد عبده صالح الوحش‏.‏

وبرغم مرور سنوات طويلة علي اعتزاله مازال أصدقاء صالح سليم وجماهير النادي الأهلي ينادونه بلقب المايسترو الذي أطلقه عليه الناقد الرياضي الراحل عبد المجيد نعمان وهو من أحب الألقاب لقلب صالح

سليم وقد أطلق عليه لأسلوبه في الأداء واللعب وقيادة الفريق في أيام المجد والتألق ‏,‏ وهو في عيون الملايين من أنصار النادي الأهلي المايسترو الذي يمسك بعصا القيادة لاعبا ومديرا للكرة ورئيسا للأهلي العريق‏.‏