اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

ما بعد الدولة نهاية التاريخ


zamakany

Recommended Posts

منشور الإنسانية:-

توصيف للوضع العام للإنسانية اليوم: تتعرض إنسانية البشر في الفترة الحالية لعملية كسح مستمرة عبر تجريف تربة نشط تستخدم فيها مكانس ناعمة أو خشنة في بعض المناطق الجغرافية وتستخدم الجرافات والحفارات في مناطق أخرى. تشمل الأولى مناطق أوربا الغربية والولايات المتحدة وبقية البلدان الصناعية, والثانية تشمل بقية بقاع العالم وفي مقدمتها المنطقة العربية وبقية البلدان الإسلامية.

في مناطق الكسح الناعم يتم سحب كل المكتسبات الأساسية التي حققها الإنسان الغربي ببطء من أول حقوق الرعاية الصحية والاجتماعية وإجراءات الضمان الاجتماعي إلى الديمقراطية وحرية التعبير والكسب فعن طريق اتفاقيات التجارة الحرة وحرية تنقل رؤوس الأموال والأفراد بات الإنسان الأوروبي محصورا في خيارين أحلاهما مر.

الأول: هو تقديم التنازل تلو التنازل عن حقوق التأمين الصحي والضمان الاجتماعي والتسكين وزيادة الرواتب باستجداء بقاء المؤسسات الإنتاجية ومن ثم الحفاظ فقط على فرصة عمل تضمن استمرار حياته أو التمسك بهذه الحقوق والمكتسبات وبالنتيجة التضحية بهروب رؤوس المال تلك وبالضرورة فقدان الحقوق هذه كلها دفعة واحدة بما فيها فرصة العمل ذاتها.

والمستبقى في كلا الحالين هو تهديد الديمقراطية اللافتة الأوضح على امتياز حازته هذه الشعوب في مقابل الشعوب التي جمعت من قبل الفقر والديكتاتورية معاً في البقاع الجغرافية التي عرفت بالعالم النامي أو المتخلف لنصف القرن أو بالإجمالي المائة والخمسين عامً الفائتة إذ تصبح الخيارات الديمقراطية لشعوب أوربا الغربية وشبيهاتها في آسيا و أمريكا هي انتخاب أقدر السماسرة السياسيين على التنازل بالنيابة عنهم لمؤسسات الرأسمالية وتجمعات التجارة الحرة مقابل وتيرة أبطأ أي مجرد تمديد محدود لعمر دولة الرفاه الاجتماعي وقد لوحظ هذا في السنوات الماضية من خلال ضعف التصويت الانتخابي وتصاعد العنف الاجتماعي نتاجاً لتحول الخيرات السياسية إلى درجات لطيف واحد من الألوان. هذا هو المتاح لإنسان أوربا ويصبح الكبار وأصحاب المصلحة معهم مدفوعين إلى ابتزاز شعوب المراكز الأوربية ( جغرافياً داخل وخارج أوربا ) من أجل توظيف فائض القوة البشرية المحبط بتهديد الأقليات الأجنبية التي شاركت سواعدها وعقولها في نهوض أوربا السريع من حطام الحرب العالمية الثانية خلال الخمسين عاماً الماضية , أو حتى دفع هذه الشعوب لخوض حروب جديدة في مراكز الفقر والديكتاتورية في البقاع النامية أو المختلفة لكي تتم بأيدي هذه الشعوب عملية التجريف الثانية بالجرافات والحفارات ( التخلص من فائض القوة والغضب) لشعوب عليها أن تعاود أماكنها إلي فقر أكبر وواقع أكثر بؤسا وديكتاتورية ( العراق النموذج الأوضح بلا حاجة إلى تحليل ).

ويعمل الطيف الواحد المتاح ديمقراطيا في الغرب الأوربي الآن على تسويق المصير القدري المحتوم بالعودة إلى روح الاجتثاث والتصفية للمهاجرين الأجانب ويسوغ لشعوب أوربا نكبتها الاجتماعية الحالية والمنتظرة كنتيجة محتمة لمزاحمة الغرباء. وإن كان الاجتثاث والتصفية الموصفين غير قادرة على استيعاب فائض القوة والغضب. الناتج من عملية الكنس الناعم أو الخشن توجب على الطيف الديمقراطي ( الذي أصبح ممثل البيع يساريا كان أو ليبراليا) الدفع بأعذار تبدو أكثر وضوحا في حادث سبتمبر 2001م وما تلاه من أعمال تفجير اشتملت بريطانيا وأسبانيا و بقاع ليست ذات صلة وأقل تقدماً ( تركيا ) ليتم له تسخير فائض القوة والغضب في حفر وتجريف المنطقة العربية والعالم الإسلامي.

ويبدو واضحا أن بقاء العالم النامي مجوفاً من القدرة على الصد أو فرض دور الشريك الحضاري المعتبر هو العامل الحاسمMost Limiting Factor في جعل المصير القاتم للرفاه الأوربي قدراً محققاً.

ثبت للفيزيائيين أن محاولة تضييق أو توسيع خرطوم الماء لا تؤثر على انسياب الماء منه ما دام الصنبور مفتوحاً.

إن نزيف الثروة الأوروبية إلى خارجها مع العولمة الاقتصادية أو بالأدق تسرب ثروة المجتمع الأوربي مع الشركات متعددة الجنسيات صنبور مفتوح وعلى الشعوب الأوربية أن تفهم وذلك ليس صعبا جدا , إن محاولات خنق الخرطوم أو حتى تقطيعه لن يجدي نفعا في منع التسرب ما لم يملك الكل في الغرب والشرق قوة كافية لسد الخرطوم بأمان ولن يتم ذلك إلابخلع الخرطوم من الصنبور وغلق هذا الأخير , على شعوب أوربا أن تدرك أن نمو فائض المال لدى الشركات ليس دافعاً قدرياً للهروب به خارج الحدود وتسريبه هنا وهناك فإذا كان الوصول للتشبع المحلي قدراً محتوماً وهو كذلك فتوظيف فائض النقد محلياً في مجالات أخرى أو في تعزيز دولة الرفاه هومطلب أساسي Most Limiting Factor في تجنيب الإنسانية والغرب في مقدمته نزيف النفس الجاري الآن على قدم وساق, دون الحديث عن تعويض للبلدان التي سبق نزح ثرواتها في الماضي الاستعماري فلدى الشرق القدرة على التسامح في هذا الشأن.

ماذا يتبقي لإنسان أوربا وفق السيناريو الجاري؟

ستبقى له حريات الممارسة الجنسية والشذوذ والسكر وحتى ارتكاب الجرائم كقناة تسريب جانبية لفائض القوة والغضب, سيبقى له إرث الاستعلاء العرقي الذي سيكبر ويتضخم بفعل إجهاد الإفقار والتشرذم ليعيد أوربا ذاتها إلى الفاشية والنازية وربما تقطعت أوصال هذه القارة القديمة وانتكست بالكامل عن الديمقراطية الحقيقية . ستبقى مراكز التكنولوجيا العالية تدفع بوتائر أسرع إلى الإحلال محل الإنسان , بشر غرائزيون يندفع جسد كل منهم لحفظ بقائه ولو بالجريمة وبيع الجسد وربما بيع أجساد الآخرين ( الرقيق الأبيض تجارة الفقراء الرائجة ).

إنسان العالم النامي:-

ربما لم تتجمع ظروف القهر وسوء الحال كما تجمعت ضد هذا الإنسان الذي كل ذنبه أنه أنحبس لظروف موضوعية في أدوار حضارية تتفاوت بعداً عن نموذج الحضارة الحديثة أوروبية الصياغة لدى قيامها واتساع انتشارها خلال مائتي سنة الخالية.

وهو الإنسان الأكثر غيباً عن مواضع الغنم في السيناريو العالمي الحالي وأكثر بني الإنسان قرباً من مناطق الجحيم فيه فهو في الماضي القريب مصدر الخام الرخيص وقوة العمل الرخيصة ومتنفس الراكد من مخزون أزمة الرأسمالية لدى تطورها في أوربا ,عليه أن يغيرحياته وأدواته ويلقف فائض الإنتاج الكبير ( وقد يستمتع بها حسب فرصة توزيعها في مجتمعاته ) مستهلكاً فقط وهو في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا عليه أن يقنع بدور التابع الثقافي والاقتصادي أو تحتل أرضه وإرادته عسكريا إن أصر على دور الشريك الذي يعطي ويأخذ أو يتم ضربه وسحقه إن حاول نزع الخرطوم من الصنبور ( العدوان الثلاثي وضربة 1967 وضرب العراق 2003 والتحرش بسوريا وإيران ) ليلبي حاجاته الناتجة من ثقافته. ويلحظ بين الجماعات الإنسانية تلك أن نصيب الأسد من الاحتلال العسكري المباشر والضرب والسحق كان للبلدان الإسلامية بعمومها و للشعوب العربية خصوصا وربما كان الموقع المتاخم لأوربا الجغرافية ونهايات العالم القديم وبواباته في نفس الوقت رشحه لذلك طول الوقت مع رسوخ إرث الكراهية والاحتقار الذي احتفظ له به في النسق الثقافي الأوروبي منذ الحروب الصليبية قبلها بقليل وبعدها إلى الآن , وعلى إنسان أوربا أن يراجع هذا المكون في نسقه الثقافي. إذ انبني هذا المكون أساساً مع تباغض ديني بين الإسلام والمسيحية الكاثوليكية , وقد راجع الإنسان الأوربي كل مكونات نسقه الثقافي مع تصاعد حملات الفلاسفة في القرن 18 , 19 حتى وصل إلى اسقاط أو تهميش مكون الله الإنسان وأبقى على الأنسان الكون واحتفظ في ثنايا هذا الكون بمكون الكراهية والبغضة للعربي والمسلم وهو شذوذ لا يمكن فهمه إلا في إطار مكون يوجيني بغيض لم توله حملات الفلاسفة في عصر الأنوار إي اهتمام , فهل آن للإنسان الأوروبي مراجعة هذه الرواسب التكوينية واستيدالها بصيغة التحالف العالمي من أجل الإنسان؟

ألم يأن لإنسان أوربا أن يشجع ويراجع تخاذله عن تفعيل المفاهيم التي أرساها عصر الأنوار هذه المرة باتجاه الإنسان حيثما كان وكيف كان لونه ولسانه؟ خاصة وأنه يتبين مما سبق أن هذا المكون اليوجيني هو مصدر تنشيط في استحداث التصادم الهدام مع الإنسان غير الأوروبي والعرب بالذات؟ وأن هذا المكون هو مفتاح الصنبور الذي يبقى بيد القلة المستغلة والأنانية دائمة القدرة على استخدامه وقت الحاجة ( حاجاتها هي والتي يتضح الآن مدى تناقضها مع حاجات الإنسان الأوربي العام ).

عودة إلى أوربا:-

لكي يجني إنسان أوربا نصيبا من ثمار التقدم المعرفي والتكنولوجي ضحى بحياته الاجتماعية من قبل وتقبل تحطيم مجتمع الأسرة ليحل محله مجتمع الفرد الواحد قانعاً بما تعطيه الديمقراطية والعلمانية في المقابل من حريات لهذا الفرد وهذه الحريات بصدد التوسع باتجاه التسامح مع شذوذات الفرد , من ذلك التوسع في القبول العام لزواج المثليين مع تصاعد التاتشرية في بريطانيا بسحق جموع العمال والموظفين والتي تجاوبت معها الولايات المتحدة مع إدارة ريجان, والتطوير المذهل لوسائل منع الحمل وتبرير الإجهاض كل ذلك محملاً على إرث الحريات المدنية المستقرة في أوربا من القرن 19 رغم أنها بالأصالة معاندة لقيم العلمانية الحقة.

وهذه العوامل الأخيرة ستكون وقوداً إضافيا لتحديد عمر المكون اليوجيني في الذهنية الأوروبية بما يشجع على تجاوب جماهير أوربا مع الدعوات التي تجتاحها وسوف تستمر في اجتياحها مع تزايد الحاجة إلى تصريف مخزون القوة والغضب المتولدين من التاتشرية في صورتها العالمية الحالية, ( يعزوا بعض المفكرين الأوروبينن وضوح المكون العرقي واليوجيني في الذهنية الأوروبية إلى ضعف نسبة تمثيل سكان أوروبا إلى المجموع البشري العام وإلى أن مورث صفاته الظاهرية التشريحية Phenotype متنح تماماً أمام مورثات الشعوب الملونة وهو ما يشيع إحساس الخوف من اندثار الجنس ) ويتعين أن يعي كل إنسان في أوربا أن فترة التحصيل للحقوق الاجتماعية في القرن ال19 وحتي منتصف العشرين تحققت بسرقة الخام من بلدان المستعمرات وليس تحت ضغط الحركة العمالية الأوروبية وحسب. إنه لكي يحصد اليسار الأوروبي مزيدا من المكاسب للطبقة العاملة في أوروبا كانت الإدارة الاستعمارية تنهب مزيدا من الأراضي وتسرق مزيدا من الخام وتصنع البؤس في مزارع القطن والقصب في افريقيا وأسيا ولم يول اليسار الوروبي أي اهتمام ولم يسأل عن مصدر الرخاء الأوروبي وقتها بل أكتفي بان أمسك بتلابي الرأسمالية ليتقاسم معها حصيلة المسروقات. إن مثل هذه العلاقة الظالمة حيث رعي المستعمر الأوروبي نشر القراءة والكتابة ليتمكن الشعب المستعمر من قراءة المواد الإعلانية حسب تعبير جوردون عن السودان "قبل أن تبحثو كيف نسوق منتجاتنا في السودان لنعمل علي أن يتمكن السودانيون من قراءة إعلانات بضائعكم" هذه العلاقة تمت بوساطة من طبقة محلية ربحت من تصدير الخام وتجميعه ومن ورائها وقفت الملايين لا تجد قوت يوم ولا تملك حبة دواء لا فرش ولا غطاء. وبعد جلاء الاستعمار الأوربي عن أغلب مستعمراته السابقة حافظت نخب عميله له أو مستفيدة منه ( بالوساطة والسمسرة ) على إبقاء هذه العلاقة مستمرة لكن بلدانا كثير رفضت الاستمرار في هذه العلاقة الظالمة وأصرت علي المشاركة في صنع المنجز الحضاري وعدم الاكتفاء باستهلاكه ما أدي لأشعال ثورات أدت إلي تراجع كثير من مراكز الخام عن المضي في هذه العلاقة وقد أطل شبح الشيوعية مخوفا ودافعا لاستجابة الرأسمالية لمطالب اليسار ومنظماته العمالية وصنعت بتأثير الرعب الاشتراكي أغلب الحقوق الاجماعية التي خلقت نموذج دولة الرفاه الأوروبية لمواجهة النموذج الشيوعي الضاغط.

صارت الأمور إلي استحالة التراجع بعد رسوخ النمط الرفاهي الأوروبي , وهكذا تأجلت عملية الانسحاب من دولة الرفاه ( الرعاية الاجتماعية ) لحين القضاء على الشبح. وقد كان إن الخيانات العظمي التي مارستها أحزاب اليمين واليسار في أوروبا طوال الثمانينيات والتسعينيات أدت إلي الرضوخ لنموذج تاتشر ريجان.

أقطار نعم, دول ...لا

ويبدوا أن النموذج الذي يتم تحويل العالم كله إليه بآليات السوق العالمية المفتوحة سيأتي وقد بدأ فعلاً , بنكبات لن تنتهي, للرفاه الأوربي ويصحبه مزيد من تحطم نمط الإنسان الاجتماعي وتعزيز وحشة الإنسان الأوربي بما يدفعه بتأثير مكون اليوجيني النشط إلى مزيد من العدوانات الداخلية ضد نفسه ( مظاهرات الطلاب في فرنسا ) ثم ضد آخرين , وفي الأخيرة تتولى مصانع المال والسياسة توجيهه نحو آخر من شوهد عند غرق الاتحاد السوفيتي (إنهم المسلمون ).

فهل يمثل المسلمون خطراً على الحضارة الحديثة والديمقراطية؟

لا ينكر عاقل أن أتعس سكان العالم وأقلهم قدرة على الفعل الإيجابي هم المسلمون ولا ينكر عاقل أن بطاعة جماعات العنف الإسلامية ( الفكرية ) هي حتى الآن من الضحالة والسذاجة بحيث لا يمكنها أبداً أن تحل كأيدولوجيا حل الأيدولوجية الماركسية فليس لدى هؤلاء نظرية متماسكة حول خلق العالم تختلف عما طرحه العهد القديم وحلت محلها نظريات طبيعية ( الانفجار والتمدد ) وأخرى فلسفية قدمت الماركسية الاجتهاد الأكبر فيها ( الوحدة والصراع ) وهي تقود إلى أن الخلق عملية مستمرة ولا نهاية تقود إلى ضرورة يستحيل أن تكون تمت في أي وقت مضى ,ولا لدى بن لادن وقاعدته نظرية في تفسير البؤس الاجتماعي وتفاوت المصائر الحاد الذي تشهده الإنسانية ولا هي تقدم للإنسان حتى المسلم أي إشارة معتبرة إلى فهم يؤدي إلى توقع ناجح بالمسار الذي يتعين سلوكه لحل معضلات التقدم والتأخر وإنهاء الظلم والتظالم في نسق فكري يهدد مرش الليبرالية والمؤسساتية الحديثة ولم تظهر في أوربا أي أدبيات تشير إلى التداعي الفكري اللازم لمواجهة نظريات مغايرة يطرحها بن لادن وقاعدته ولها العالم الإسلامي في إجماله , فهل مشكلة الإرهاب الإسلامي هي من الخطورة بحيث تتطلب هذا التداعي العسكري والسياسي؟ ولماذا هو غني عن التداعي الفكري؟

لأول مرة في التاريخ يتصدى سياسيون من الدرجة الثانية مثل جورج بوش للتنظير لهذا التداعي رغم أن هذا التنظير كان من المفترض أن يقوم به المفكرون والفلاسفة والاجتماعيون والاقتصاديون . لماذا ترك هذا العبث للسياسي الأوروبي فقط؟

نقول : لأن الخطر زائف وغير حقيقي . تصدت الكنزية والكنزية الجديدة لتقديم الحل الليبرالي بديلا للماركسية في المعضل الاقتصادي , فأين ما طرحه العالم الإسلامي أو بن لادن ؟ وأين مقابله الليبرالي في هذا المعضل؟ لا شيء.

إن الحضارة الحديثة والديمقراطية تتهدد بأحد طريقتين:- إما بخطر التدمير الشامل بحجم الحرب العالمية وهو دمار ثبت حتى الآن أن لا أحد يقدر عليه غير أوروبا, وحتى الآن لم يطلق بلد إسلامي واحد مدفعاً أو طائرة باتجاه بلد أوروبي فضلاً عن تدميره , فهل يقدر المسلمون على تدمير أوربا وهم يتسولون السلاح منها؟ وهل هم راغبون في تدميرها؟ إن وجود قوات الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وأسبانيا على أرض العراق يفصح بالعكس , أو بنسق فكري واقتصادي واجتماعي نقيض يتسلل عبر عقول الشباب الأوروبي؟ هذا ما لم تظهر له أية بوادر حتى الآن فكما يتسول المسلمون السلاح والتقنية من أوروبا لا زالوا يتسولون أفكارهم أيضاً.

النخب السياسية المالية في أوربا والولايات المتحدة:-

لا يخفى تداخل السياسي والمالي في مؤسسات الديمقراطية الغربية وقد سمح المالي في فترات الخطر السوفيتي بصعود اليسار الأوروبي إلى مقاعد السياسة المؤثرة ليعمل الأخير على تهذيب العلاقة بين الطبقات العاملة ( الأغلبية ) الأوروبية ومؤسسات ضاقت المال بما يحفظ تواجد كل منهما صحيحاً ( تزامنياً ) ويتضح تراجع المالي عن دعم هذا اليسار بعد انفتاح الطريق أمامه إلى السوق العالمية وبدء تسريب الثروة الأوروبية لكي تدور في أوعية متعددة الأبعاد غير محوطة جغرافياً ولا سياسياً أو اجتماعيا , كما تبين تماما أن اليسار الأوروبي راوح قناعاته القديم ليلعب دور السمسار الرحيم بالتضحية لإنسان أوربا ( لعام ) مساهما مع متطلبات العولمة بالترسيب , وهذه جميعاً قادت إلى ما أشرنا إليه من توحد طيف الخيرات أمام إنسان أوروبا ديمقراطيا وداعيا أكثر إلى العزوف عن الفعل الديمقراطي واللجوء إلى الصخب والعنف في الشوارع ( فرنسا وألمانيا ), عن عملية التسريب والتملص من الدور الاجتماعي للشركات تدريجياً يترك البشر الأوروبيين في حال أكثر بؤساً ربما من أندادهم في أي مكان آخر فها هم بعد أن أعطوا الرأسمالية حياتهم الاجتماعية عبر مائتي سنة تدير لهم الأخيرة لهم الظهر تاركة إياهم فقراء ومستوحش , فإن كان الأفريقي يعاني القلة في كل موجوداته إلا أنه يستأنس بالأسرة والقبيلة ويدفع غيلة الجوع بالحلم بعالم آخر أكثر رحمة إنسانية بينما سيجمع إنسان أوربا وحشته وعزلته وفقره الروحي إلى جانب معاناة القلة.

ويكاد المرء لا يميز الأصوات في أوروبا الآن بين النخب السياسية المتصدية في العقد الأخير , يجمعها جميعاً الحديث عن القدر الحتمي للتكيف والانسحاب وتعمل آلات علماء النفس على ابتزاز الفرد العاجز وتتعدد نظريات الوراثة السلوكية والتقنية وتتطابق معها رنينيا دعاوى الساسة عن الخطر الإسلامي.

محل اليوجينيا من النخب السياسية والمالية الأوروبية:-

إن النخب السياسية والمالية الغربية صارت إلى قناعة بأن الانتقاء الطبيعي لا يشمل فقط إقصاء الجماعات العرقية غير البيضاء بل وبعض البيض أيضا من الفاشلين وهو ما تظهره برامج التدريب النفسي في الولايات المتحدة والتي تركز على تصنيف الطلاب إلى قادرين أو عاجزين عن التكيف وهي في النهاية تلقي بالعبء على الفرد نفسه ( ليس السبب كونك فقير إنك ولدت في مزبلة بل لأنك لا تريد أن تخرج منها ).

فضح المسلمون القدماء في العالم العربي بإبداع أدبي هذا التضليل في قصة جحا مع جاره : أزمع الجار السفر واستودع عشر إوزات لدى جحا , الذي طمع في لحم الإوز في ليلة من الليالي فأمر امرأته فذبحت واحدة منها , ولما أتى الجار وتسلم إوزاته تنافر مع جحا في الإوزة الناقصة فجادله بأنها عشرة وليست تسعة فاستشهد بالجيران والمارة وجمع عشر شبان وطلب منهم أن يحمل كل واحد إوزة فبدأ الشبان في مطاردة الإوز وحصل كل منهم على واحدة بين ذراعيه عدا شاب منهم فلما صاح الرجل ها قد تبين كذبك يا جحا فهذا الشاب لم يحصل على إوزة فرد جحا يبرر : كان الإوز أمامه ولم يمنعه أحد.

سألت سيدة نعوم تشومسكي: أي نعوم كيف نطرد الأوهام وهي متمسكة من أناس كثيرين؟ فأجاب لن يتغير الوهم بالحديث في حجرة أو محاضرة لكن الحديث في الحجرة والمحاضرة ضروري لجمع الناس اللذين لن يلبث عددهم أن يزداد , مثلما في حركة السلام في الستينات لقد بدأت بأحاديث في غرف الطعام.

باتجاه تقويض الدول الكبيرة نسبيا تؤكد الأدبيات , أن تقلص دور الدولة وانسحابها العنيف في العالم النامي من دور الرأسمالي الرحيم ( الاجتماعي ) أو الضابط لإيقاع الحراك الاجتماعي والحارس لمنظومة قيم المجتمع عبر الآليات التي يجعلها وضع الرأسمالي الرحيم ممكنه , مثل الرعاية الاجتماعية , العلاج المجاني , رعاية الأيتام ودعم الفقراء. كل ذلك يؤدي ( وهو كذلك بالفعل ) إلى عملية اغتراب يعقبها انسحاب مقابلة من جانب المواطنين إلى دوائر انتماء أضيق يتحقق للفرد من خلالها تأكيد الوجود والأهمية ودوائر الانتماء الضيقة في مستويات ما دون الدولة ( الوطن )Sub Levels تتباين حسب التكوين الأنثروجرافي والعقائدي لكل دولة من السكان مثل مصر يتم الانسحاب إلى داخل المعطيات الدينية الروحية والسلوكية , وبالنسبة للإقليمية العددية من الدين الثاني في الدولة يتم الانسحاب إلى دور العبادة والمعطيات الدينية الروحية والسلوكية وهذا الانسحاب ينعكس في الحرص على إبراز الاختلاف من خلال سمات مظهرية تتعرف بها الأغلبية إلى بعضها ( في الحالة الإسلامية الجلاليب واللحى عند الرجال وأغطية الرأس عند النساء ) كما تتعرف الأقلية العددية على بعضها مظهريا بالملابس والصلبان أو وضع رموز دينية مثل السمكة علي البيوت والسيارات . وليس خافيا أن انسحاب الأغلبية سابق زمنيا بالأفعال على انسحاب الأقلية العددية . وهذه الطرز والعلامات بمثابة أزياء عسكرية تساعد أفراد كل فصيل على اختيار الجهة التي يحارب في صفوفها عندما تقع الاضطرابات.

ومن جهة البلدان التي تضم مجموعات سكانية إقليمية مثالية Minorities يكون الانسحاب أكثر وضوحا وخطورة ويتم ذلك عبر إحياء تقاليد اجتماعية خصوصية(استحداث مناسبات الحسينيات في العراق عقب إسقاط النظام البعثي الذي كل جريمته أنه رفض العولمة) واستدعاء المخزون من التراث اللغوي والأزياء ويدفع التحيز الجغرافي باتجاه وضوح الطرز المظهرية تلك وتزايد الإحساس بالتفرد والخصوصية . وينتج بالتداعي مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والناجم عن تراكم عجز الدولة وتحلل سيادتها داخل أراضيها ( لا ينكر أحد الطابع الدولي الاستقلالي وليس المؤسساتي لمواقع عمل ونشاط الشركات عابرة القوميات ) ووقوف الدولة عاجزة عن الحوكمة بفعل التوسع والإسراع في الخصخصة المصحوبة بفساد واسع, ينتج تعزز الانسحاب والرغبة المتزايدة في البحث عن الدفء القبلي والديني وطلب الأمان في التجمع مع البشر المشابهين فتتخلق جبهات متحيزة أو مجردة في عالم الفكر والاعتقاد.

تبدو هذه المصائر ممكنة التخفيف والعلاج ما لم يكن التقسيم السياسي والجغرافي معمولا عليه بقوى هائلة الحجم تكسبه اندفاعا قصورياً يجعل هذه المصائر محتمة والحاصل إن هناك نفس القوى بإمكانتها المالية الضخمة وبتحالفها مع السياسي الغربي الذي يكسبها زخما متعدد الاتجاهات والأبعاد, تعمل جميعا على تحقيق المصائر المتوقعة.

يتوقع أن تتشكل عشرات ومئات الدول الجديدة وفق هذا السيناريو بحيث يكتسب الواقع العالمي للمؤسسات الاقتصادية طابعاً أبدياً.

في هذا الواقع تلعب المؤسسات دور الدولة وتلعب الدولة دور المؤسسة التابعة إذ ينحصر نشاطها في حماية مصالح مؤسسات الاقتصاد وقمع الجوع المتضررة من الأوضاع الاحتكارية وتقسيم العمل.

ويتوجب أن تعمل الدولة على تنميط أفراد المجتمع بما يوافق متطلبات العمل في المؤسسة هذا التنميط يكون عالمي الانتشار يتشكل من:-

خطوط أفقية يتجاوز فيها الفرد انتماءات الولاء الوطني والقومي إلى ولاءات فوق أممية تتحدد بجبهة العمل عنوانها وطبيعة نشاطها الاحتكاري.

تجاوز الارتباطات القديمة المتعلقة بالموطن والعيش المشترك والتاريخ الفردي ( خطوط رأسية ) ومجموعة المكونات المجردة التي تشكل ذاكرة الفرد أي التحول من نمط سيال الذكريات إلى قفزات الشعور والتجارب والمنقطعة النظير في زمن حياة الفرد بما يقضي إلي ما أسميناه من قبل بالتجريف الروحي والنفسي. وإحلال الإنسان المندفع بغرائز البقاء محل الإنسان الاجتماعي المعروف منذ بدء الإنسانية.

التجلي المعاصر لهذا النمط البديل , المدن الكوزموبوليتانية في هونج كونج , تايوان , سنغافورة, دبي , الكويت, وباقي إمارات الخليج العربي.

لكي يصبح هذا النمط ممكنا يتم العمل على تدمير القواسم المشتركة العليا التي تربط أحاد الناس بجماعات الإنسانية واسعة الانتشار الجغرافي وكما قلنا يتم ذلك بالانسحاب إلى المستويات ما دون القومية ( تم ذلك في السبعينات والثمانينات واتسع فى التسعينات. ثم مادون القطرية إلى المستويات سالفة الذكر من الدين ثم المذهب ( حال غياب عناصر التمايز الثقافي والعرقي ) والقبيلة ( حال غياب توافر عناصر هذا التعاون ) وقد تتشابك المكونات هذه تبادليا لاستحداث مستويات تقسيم أكثر رسوخا.

ومن الواضح أن توهين خيوط الربط الثقافي يستلزم تمزيق كل ما هو قيمي إنساني والإبقاء على خطوط الربط الضيق وتمتينها باحتضان الدول الكبيرة جدا والغير مهدده في بقائها وفق النمط لقضايا التمييز والاضطهاد وتوسيع نطاقها وإيصال الحلول التوفيقية بشأنها إلى طريق مسدود للتعجيل بالغليان والوصول السريع إلى نقطة الانفجار ( التقسيم الفعلي ) ( السودان حالة نموذجية في الجنوب ودارفور وشرق السودان وجبال االنوبة) ادعى فوكوياما أن التاريخ لم يعد فيه متسع للتطور الإنساني لأن هذا التطور وصل أقصى مراحله مع تجاوز الرأسمالية إلي المستوى فوق الأممي والواقع يقول أن هذه العولمة تتم بالقصف والتدمير وقتل ملايين البشر في العراق وجميع أنحاء العالم هذه القسرية في فرض العولمة تعكس أن هذا التطور ليس حتمية تلقائية أي ممكن أن تتم وفق معاني اللفظ المهذب ( تطور ) evolutionوإنما وفق الطبيعة الداروينية التي تتستر وراءها الدعوى ، فالحرب والتخريب والتشريد وتدمير البلدان الأضعف هي معنى اللفظ المعروف ( الانتخاب الطبيعي ) Material selection

هل ماتت النازية وانتهى النازيون إذا ؟

إن قوى الانتخاب الطبيعي المستحدثة ( الطائرات وحاملاتها وقذائفها ) والمستخدمة على نطاق واسع ليست آليات الطبيعة التي احتضنت الإنسان منذ ملايين السنين بل هي آليات الطبيعة البديلة أو قل الآلهة الجديدة التي لن ترحم سوى الراغبين في التكيف والقادرين عليه إذا من قال أن من يبقى حيا بعد هذا الجحيم يضمن مكانة حتى في نمط التجريف ؟.

إن آلهة العالم الجديدة تحكم بالموت على كل من تتسرب بالإوزة من بين ذراعية إذا ما الحل ؟ ما هو الطريق ؟

الطريق هو وحدة الإنسانية وتكاتف البشر الواعين في كل مكان وثقافة لإنهاض نضال عولمي ضد التسييد والفرز وفرض المصير بالسحق العسكري ويقع العبئ الأكبر في هذا على إنسان أوربا إذ من داخل أرضه تنطلق مكونات النمط وآليات تحقيقه وإن تقاعس فسوف يعاني فرزاً عنيفاً على يد مدعي الألوهية الجدد إذا نجحوا في سحقنا في الشرق وفي أمريكا اللاتينية . من جانبنا في بلدان الجنوب فإننا نعمل على تمتين خيوط الربط الواسعة ونحاول جهدنا توقيف سيناريوهات الانسحاب , ونمارس في عالمنا كل وسائل المقاومة في العراق والسودان ومصر وإيران وتركيا وأمريكا اللاتينية ضد التنميط وتعجيز الدولة , وبالنسبة لظواهر العنف غير محدد الاتجاه من لدن جماعات الإسلام السياسي في أفغانستان وغيرها لا يمكن النظر إليها إلا باعتبارها محاولات عنيفة ضد الانفراد بالعالم اكتسبت طابعها التخريبي من نفس محفزات وجودها.

وهي على يمين العالم الإسلامي تمثل طاقة الأمل لليوجينية العالمية في حشد فوائض القوة والغضب لإنجاح العمل.

النداء موجه للإنسان الأوروبي العام بأن يشرع بالتفكر متخلصا من مركزيته التي خلفت ملايين القتلي طيلة 100 عام وأن يتفاعل مع إرثه الفلسفي مصحوبا بشعور بالمسئولية تجاه البشر وليس لحل مشكلات الأبيض وكأنه هو العالم والعالم هو.

النداء موجه للعرب ايضا بالذات بأن يوقفو مسلسل الاستغفال الذي بدأ منذ الحرب الأفغانية ويسير لليوم إن قطار عولمة الليبرالية الجديدة يدهس من الجثث ما يكفي ويلقي بأحلام شعوب قاتلت في الخمسينيات والستينيات من أجل أن تكون شريكا محترما في الحضارة الإنسانية إلي كهف النسيان. فلا تتشتتو عن الثورة الأساسية ثورة الحصول علي مقعد مستحق علي ظهر الكوكب وليس هذا العبث المسمي بالحاكمية. إن الاستعمار الجديد عبر الشركات المتعددة الجنسية والوكلاء المحليين في تجارة الدول يسعون لتشييد عالم ما بعد الدولة فإذا قامت حالة القطر اللادولة فلن يعم العالم سوي قتال الشوارع وسيموت في الحروب الأهلية عشرات أضعاف ضحايا النضال من أجل إنقاذ الدولة الحاضرة.

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

رجاء من كاتب الموضوع مزيد من الشرح ...

الموضوع طويل جدا و ربما هو موجه للشريحة العليا .. هل أطمع فى تجزئة الموضوع و إضافة شروحات تفيد مستوى خريج الجامعة العادى.

أشعر أن موضوعك يستحق أن نفهمه

رابط هذا التعليق
شارك

السلام علي الجميع

شكرا اهتمامك أستاذ أمين

ممكن تجزئة الموضوع طبعا وتقديم مزيد من الشرح تحت أمرك

الموضوع سيدي الفاضل هو منشور قدم للرأي العام منذ أكثر من سنة يحاول فيه العبد الفقير بيان نقاط الالتقاء والاختلاف بين شعوب العالم وبالتحديد الشرق العربي والغرب الأوروبي في ظل حمي وضح لكاتب المنشور أنها ناتجة من نيران بعضها مبرر وكثير منها ينفخ فيه فاعل أو فاعلون لتأجيج الصراع والتركيز علي نقاط الاختلاف بين الشرق والغرب واستعجال الحلول الاستئصالية بالرفض والهجوم العسكري مثلما حدث في تعجيل الغليان الذي سبق تحطيم العراق بهذه الوحشية وإرجاع هذا الوطن إلي ما قبل عام 1800

ولقد رأيت ان المشكل العالمي تقع تحته مسببات طبيعية وأخري مفتعلة تعمل عليها قوي بعينها

فمن ضمن المسببات الطبيعية للاحتقان العالمي مرور الاقتصاد العالمي منذ التسعينيات (ليس صحيحا أنها أزمة مالية فقط الموضوع أكبر بكثير من مشكلة بنوك وائتمان) بحالة من الانكماش والركود وهي أمور تتزايد في ظلها معدلات السلوك غير السوي وهذا مفهوم جدا ومن أمثلته الواضحة عودة ظاهرة الثأر في الصعيد بعد غياب دام 40 سنة منذ عام 61 تقريبا وعلي المستوي الدولي فالبلدان الرأسمالية الكبري علي اختلافها من أول بريطانيا مؤسسة النظام النقدي والرسمالي العالمي ومرورا بقوي اوروبا المختلفة المانيا وفرنسا ووصولا للولايات المتحدة كلها تلجأ إلي إشعال الحروب وغزو البلدان الأضعف لسرقة خاماتها عندما يصل الاقتصاد الرأسمالي إلي طريق مسدود فالموجة الاستعمارية الولي التي قادتها بريطانيا في اعقاب الثورة الصناعية كان مبعثها تفادي ثورات عمالية هائلة اكتسحت أوروبا بعنف بين الثورة الفرنسية وحتي سبعينيات القرن ال19 في هذه الفترة ودون خوض كثير في تفاصيل تاريخية ولدت نظريات اشتراكية يوتوبية (مثالية الطابع تعتمد فكرة الإحسان والتراحم وتشبه لحد كبير تنظيرات الإسلاميين المعاصرين عن الاقتصاد الإسلامي) تلتها موجات أكثر جذرية وأكثر أصالة فكرية انتهت بصدور المنشور الشيوعي لكارل ماركس وصديقه فريدريك إنجلز وهو البيان الذي أشعل ثورات عمالية كثيرة في وجه الرأسماليين الذين كانو يسيطرون علي المواقع المؤثرة في الدولة والبرلمانات والقيادة العسكرية وغيرها فصاغو علاقات عمل أدت إلي أن يعمل أطفال دون العاشرة 12 ساعة يوميا بأجور لا تكفي إلا للبقيا علي قيد الحياة بصعوبة مع غياب كامل لأي ألية للتعويض عن حوادث العمل أو الرعاية الصحية كان عمال المناجم والكيماويات يصابون بالأممراض الخبيثة من الغازات والأتربة ثم يلقي بهم خارج العمل بلا رحمة ولا حتي تعويض عن مرض سببه جو العمل وصنع منه الرأسماليون ثروات طائلة في ظل هذا الظلم انتشر الفكر الاشتراكي كالنار في الهشيم وقبل أن ينتصف القرن 19 كانت ثورات دموية اجتاحت أوروبا مثل ثورات عمال النسيج بألمانيا وراح ضحيتها قرابة 25 ألف إنسان وكذلك ثورات الشوارع في لندن 1848 نفس عام صدور البيان الشيوعي وبحلول 1876 سيطر العمال علي الحكم في فرنسا وحلو أجهزة الدولة وأقامو أول دولة شيوعية في التاريخ الحديث بناء علي أفكار ماركس وإنجلز واستمرت هذه الكومونة 6 اشهر اسقطت بعدها المهم أن الرأسمالية بحثت عن مخرج من المصير المرعب لقيام دول اشتراكية تلغي فيها ملكيات أدوات الإنتاج فقامت جوقة من العلماء ذوي الخلفيات الاجتماعية الثرية أمثال مالتوس ومن بعده دارون يطرحون نظريات تؤكد أن الفقر والعدم مأساة طبيعية وأليات أزلية في تطور الكون كان مالتوس أول من قال هذا الكلام ليبرر الظلم الاجتماعي باعتباره طريقة وحيدة للتنافس والبقاء واعتبر موت ملايين البشر في الحروب علي الغذاء أمرا عاديا بل ونبيلا لأنه جزء من الطبيعة وتطورها واستفاد دارون من القصة في طرح فكرة تطور الأنواع البيولوجية عن طريق الصراع من أجل البقاء وإن كانت الداروينية البيولوجية لاقت نجاحا بتفسيراتها التكيفية وبطرحا للتطور ألية لظهور الأنواع المختلفة من الكائنات إلا إنها أقحمت فكرة البقاء للأصلح كألية لازمة لتحقيق البقيا والاستمرار(ويري كاتب المنشور الإنساني أن الصراع ألية مقحمة للإيحاء بأن الطبيعة بخيلة في مواردها بداهة وهو الأمر الذي ليس صحيحا علي الإطلاق )

المهم إن النظم السياسية والأحزاب اليمينية حولت الرأي العام في أوروبا خصوصا بعد عجز الطبقات العاملة عن شراء النتجات التي تقوم هي نفسها بعملها في المصانع تراكمت المخزونات وركد الاقتصاد ووصلت الثورة الاجتماعية حد الانفجار فقامت النخب المثقفة من اليمين وأصحاب الصحف وأصحاب المصلحة في النظام الرأسمالي بإعادة توجيه الرأي العام نحو قضايا مفتعلة في أراض بعيدة مثل نشر الحضارة وإنقاذ الاقليات الأجنبية من الخطر كما حصل في حجة دخول الجيش البريطاني مصر 1882 وهكذا ولدت الموجة الاستعمارية الأولي (الصناعية) وفيها بدأت عجلة الركود تتحرك وينشط الاقتصاد من جديد بتصريف المخزون إلي الشعوب المستعمرة وبتقليل ثمن الخامات الداخلة في الصناعة بشرائها بثمن بخس من المزارعين وسرقة الثروات المعدنية ومنح الشركات التابعة للدولة المستعمرة (كسر الميم الثانية) بنزح المعادن وزراعة الغابات وتحويل الري مثلا حصل في مصر والسودان وغانا وغيرها وانفكت الأزمة وقبلت النخب الرأسمالية في الغرب بأن تتقاسم مع الطبقة العاملة شيئا من الأرباح فأخذت أوضاع الطبقة العاملة في أوروبا بالتحسن التدريجي وحصلت الدول الغربية ضرائبها وتضخمت ثروات الحكومات فنشأت المدنية الغربية بعمارتها الفخمة وإنفاقها واضح البذخ في إنارة الشوارع وإنشاء شبكات الصرف والكهربا وغيرها وهكذا انتعشت علي جثة العالم المستعمر(بفتح الميم الثانية) اقتصاديات العالم الغربي وبنهاية هذه المرحلة يمكن أن نقول إن ما تحقق في الغرب عدد من التغييرات

1- الرخاء النسبي المتحقق من مسروقات المستعمرات حرك عجلة الاقتصاد وقلل التوتر بين البلدان الأوروبية وداخلها

2- تحقق للطبقة العاملة الأوروبية قدر معقول من المشاركة في بحبوحة العيش الذي احتكرته الطبقة الثرية طويلا

3- ضعفت وخبت من ثم الروح الثورية العارمة التي ميزت الشارع السياسي في أوروبا أوائل إلي منتصف القرن 19

4 - أثبتت وسائل الإعلام المستحدثة (الجرائد) قدرة مقدرة في توجيه الرأي العام وتحريفه إذا جاز القول

5- نشأت الإدارة الاستعمارية كطريقة وحيدة لتحريك اقتصاد رأسمالي صرف وتجنيبه ثورة الفرد الأوروبي

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

قبل مجئ الاستعمار الأوروبي في تلك الموجة الأولي لم تكن قد تشكلت بعد أجهزة الاستخبارات ولا دوائر صنع القرار ومراكز الدراسات أو غيرها لكن بنهاية هذه المرحلة بدأت تلك الأجهزة في الظهور وولدت دنيا التجسس الهادئ وتوجيه الثورات وتأليب الدول وغيرها من الألعاب السياسية ولعل أشهر الأدوار وضوحا للوجود المبكر لهذه الأجهزة هو دور لورنس العرب في تأجيج ثورة البدو في الجزيرة العربية ضد حكم الأتراك وقيام دولة أل سعود بدعم تسليحي ومالي (لشراء ولاء القبائل البدوية وطريقة شراء الولاء والتجنيد بالريال الذهب استمرت في الجزيرة العربية حتي قيام حرب اليمن إذ عثر الجيش المصري علي ريالات ذهبية سعودية بكميات كبيرة لدي مقاتلين من خارج اليمن تم أسرهم بواسطة الجيش المصري هناك وقد اذيعت أخبار هذه الوقائع ونشرت صورها في الصحف أنذاك ما مثل فضيحة للعائلة السعودية)

المهم إن التغييرات الاجتماعية التي صاحبت الثورة الصناعية في أوروبا لها جذور إنتاجية ونمطعيشية بحتية وليست مجرد خيارات علمانية كما يعتقد الكثيرون اختزالا عندنا

فمثلا مسألة استقلال الأولاد عن ذويهم من سن السادسة عشرة ليست ناتجة من أن الأوروبيين نامو في ليلة ما ثم صحو ليقرروا ذلك هذا تعسف في التفسير بل ليس تفسيرا مطلقا لكن ما حدث هو أنه أثناء تطور الصناعة وتحول البلدان الأوروبية من نمط زراعي إلي تجاري واسع ثم غلي نمط تصنيعي كانت المصانع كما أسلفت توظف الناس مقابل أجور ولأن المجتمع الصناعي القائم علي استئجار قوة العمل مع التنصل من أي مسئولية أخلاقية أو اجتماعية تجاهه يحتم ان يتعامل مع قوة عمل غير مستعبدة فقد تفككت أثناء التحول من الإقطاع للتجارة والصناعة علاقات العبودية وأصبح محتما أن ينهار النظام العبودي فكانت أوروبا أول من ألغي الرق (وليس العرب او المسلمون لأن هؤلاء ظل اقتصادهم قائما علي توظيف قوة العبيد في الزراعة والنقل الداخلي) وهكذا فإن أخر من تخلص من النظام العبودي هم العرب والجنوب الأميركي الذي لم يصب من التطور الصناعي أي حظ حتي ذلك الوقت الذي اندلعت فيه حرب الشمال والجنوب في أميركا لينتصر تحالف الشمال وتلغي العبودية في الولايات المتحدة

المهم حتي لا تضيع خيوط الموضوع الأساسي فإن أول متغير صاحب ظهور المجتمع الرأسمالي الصناعي كان تفكك النظام العبودي

ثانيا الحرف بدأت تتحول مع التصنيع واختراع الألات من ورش عائلية (كل أفراد العائلة يعملون علي النول مثلا ) إلي مصانع بها ماكينات تستأجر عمال الأنوال باليوم أو الساعة لمدد تمتد من الشروق حتي المساء و هكذا تفككت العائلة التي كان أفرادها يعملون معا كل يعمل في مصنع مختلف ولأن ساعات العمل كانت غير محددة بقانون فإنها غالبا ما كانت تمتد لأغلب اليوم فيضطر العاملون والعاملات القادمين من مناطق أبعد للمبيت فنشأت عنابر العمال المقيمين كمكون جديد في حياة الأوروبيين وهذه العنابر كانت من الاهتراء بمكان وهكذا جعل بقاء الطفل العامل أو الفتاة العاملة خارج المنزل معظم اليوم أولا ثم معظم الأسبوع ثانيا ثم أغلب السنة لاحقا غلي تفتت النظام الأسري وشيوع العلاقات الجنسية العابرة وانتشار الحانات ليقضي فيها العمال أوقات الاستراحة وأيام الإجازة الوحيدة بديلا عن الحياة الاجتماعية المنزلية المفقودة وهكذا نشأت الحانة والعلاقة الجنسية العابرة كجزء من الثقافة الأوروبية تمت تغطيتها لاحقا بفلسفات تؤصل لها فكريا ألحقت هذه التنظيرات في مجملها بعملية فصل الكنيسة عن الدولة التي حصلت في وقت سابق فصارت جزءا من العلمانية والسلوك العلماني وهي في حقيقتها إفراز للاستغلال الرأسمالي البشع الذي لم يرض من وقت البشر غلا أن يستولي عليه كله فمزق شبكة علاقاتهم الطبيعية وأجبرهم علي استبداله بنمط العلاقات العبرة في كل شئ وهذا هو السبب الذي يجعلنا نحن الشرقيين نصدم من جفاء الأوروبي وعدم اكتراثه بالأخرين أو ضعف حفاوته بأصدقاء الطريق وعدم حرصه علي رؤيتهم ثانية

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

ولذلك فإن بعض ما يميز الحضارة الغربية كما نعرفها اليوم تشكل عبر عشرات السنين وبضغوط هائلة دفعت ثمنها أجيال منهم وهو ما يجعلني لا أنظر بإعجاب مطلق لكثير من قيم هذه الحضارة مثل العملية المفرطة يعني مافيه فائدة أركض خلفة وماليس منه فائدة مادية محققة لا ألتفت له وكذلك الالتزام الحاد بالمواعيد فهو قيمة ألية وميزة الإنسان المميكن اللذي من كثرة معاشرته الألة ذات الأيقاع المنتظم صار كل شئ في حياته مرتبا علي نحو يبعث عندي إلي الرثاء فهو دائما في عجلة ليس لأنه يصنع تطورا لازما بل ليصنع المال لمن يستخدمه أو ليلقي إلي رصيف البطالة بمزيد من العاطلين دون رحمة

المهم فإن أوروبا كما نعرفها اليوم صنعتها بالأكثر ثلاث قرون مليئة بالدموع والدماء قدمتها الطبقة العاملة الأوروبية إلي أن افتتحت النخب الرأسمالية عندهم عهد الاستعمار فبدأ نزيفنا نحن فكيف كان ذلك ؟ نلتقي قريبا

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

في البلددان المستعمرة تم تسخير مكوناتها البشرية والمادية الأخري لمصلحة المستعمر فمثلا اعيد تنظيم الري المصري وأنشئ خزان أسوان لري القطن ضمانا لوصوله بريطانيا رخيصا مع إهمال بل وإزاحة أي محاصيل أخري جعل الخضروات المواد الغذائية باهظة الثمن مع الحفاظ علي سعر توريد القطن من الفلاحين ثابتا تقريبا لعقود حقق فيها الوسيط المصري من تاجر وإقطاعي و مصدر ومعهم وقبلهم المستورد الانجليزي أرباحا طائلة خلقت طبقة مترفة جدا وطبقة تمثل لأغلبية الكاسحة لا تملك أن ترتدي في عز الشتاء ملابس داخلية حتي عرف في الريف المصري قبل ثورة يوليو مثلا أن ارتداء القطعة الداخلية السفلي نوع من الترف والبحبوحة ولذلك فمن كانت الدنيا تبتسم له يوما ويفصل هذا الجزء يحرص أن تكون له تكة طويلة تتدلي من تحت جلبابه ليراها الناس ( كما يضع الشباب علب سجائرهم المستوردة في مكان تري منه في أيامنا هذه)

وتخلق في ظل الاستعمار نمط اقتصادي قائم علي تلبية حاجات المستعمر لا حاجاته هو ففرض علي الفلاح أن يعمل أجيرا دون أن يحلم بالتوفير أو أي شكل من الرفاهية البسيطة كشرب الشاي مرتين يوميا مثلا وحتم نمط الزراعة المجمع أن قلت عوائد الزراعة من القطع الصغيرة ما أدي لنزوح وتحول مستمر للفلاح الفقير غلي معدم يتجول في البلاد ليعمل في حفر الأبار أو الشحن والتفريغ كشيال (عمال التراحيل) وهي الظاهرة التي تقول د سامية سعيد إمام في بحثها عام 1983 بعنوان "من يملك مصر" إن الثلاثينيات شهدت تحول 100 ألف فلاح من صغار مزارعين إلي عمال تراحيل و هي الظاهرة التي كانت تتولد منها مشكلة أخري وفر لها الاستعمار الرواج بقواعده العسكرية وهي الحمل الساح وسقوط الفتيات المعدمات فريسة للأحلام والأكاذيب بين الحقول وفي بلاط السرايات وهو الجو الذي كتب فيه حسين هيكل روايته زينب و هو الذي ولد مأساة ريا وسكينة المرأتين التي أفقدهما الواقع الحيواني أدميتهما فشرعتا في ذبح النساء الموسرات وسرقتن بعد أن تعرضتا في مراهقتهما المبكرة لأبشع عمليات الاستغلال الجنسي من قبل طبقة الباشوات وهما كانتا فرزا مباشرا لتحول الفلاحين لعمال تراحيل يتركون عائلاتهم في مهب الريح

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

علي غثر التحول الحتمي للفتيات من مجرد عاملات في الزرع مع عائلاتهن إلي مطردات بسبب تفكك أسرهن بسبب الترحيلة كانت القاهرة والإسكندرية ومدن القناة حول القواعد البريطانية مألا نهائيا للهرب بحياتهن من الأقارب و من تهديدات الطبقة التي سبق وقادتهن إلي دنيا البغاء لأول مرة فأصدرت الإدارة الاستعمارية نهاية القرن 19 قانون تنظيم الدعارة فولد عالم البغاء الرسمي في مصر هكذا في ظل أمية المرأة لم يكن لديها خيار في الفقر إلا أن تأكل بجسدها ذلك الذي سوف يؤكل في كل الأحوال. وتقول جريدة الأهرام في هذه الفترة إن هناك بعض الأشخاص ممن درجو علي تأجير البيوت للبغاء كونو ثروات أوصلتهم للحصول علي لقب بيك قبل قيام الحرب الأولي

ويحكي أحد مواطني الأسكندرية مشهدا مازال عالقا بذهنه لليوم إنه كان يمش مع أبيه عند منطقة مينا البصل حيث تحمل اللواري قطن فرغلي باشا (الشهير بأبو وردة لأنه كان يضع وردة في جاكتته تأيته كل يوم مستوردة من الخارج) غلي الميناء ومن شدة الفقر وانتشار البطالة كان الشباب العاطل ينتظرون مرور اللوريات وكل واحد يحمل مطواة أو سكين يقفز علي اللوري ويمزق الأجولة ويسرق حفنة او حفنتين من القطن ليبيعها ويفطر بثمنها أو يشرب به كوب شاي أو يملا علبة دخانه

ولذا كان الباشا يستأجر صعايدة أشداء يقف الواحد كالطود فوق اللوري مربوطا في وسطه من ناحيتين بالعربة وبجانبه كوم من قوالب الطوب يضرب هؤلاء الشباب حتي ينقذ الأجولة من التلفيات وفي مرة شاهد هذا الرجل وكان طفلا بعد احد الشباب وقد اصابه قالب الطوب في جبهته فسط فاقدا وعيه فمرت عجلات الترام فوق جسده فشطرته نصفين ويؤكد شاهد العيان هذا وكان من سكان شارع السبع بنات إن الشارع قبل ثورة يوليو كان مملوءا بنشاط وحيد هو الحانات واملاهي الرخيصة و كان قرش صاغ واحدا كافيا لحث فتيات أو نساء كثيرات علي القبول بعلاقة جنيسة سريعة تحت سلم او خلف عربة كارو (طبعا هذا المشهد تغير بعد الثورة وأصبح الشارع والمنطقة تجارية ومملوءة بالورش) كانت العائلات اليهودية الفقيرة تؤجر بناتها في هذا امجال

وهكذا تمت بالمرحلة الاستعمارية جملة تغييرات في العالم المستعمر

1- تم توقيف الصعود الاجتماعي بالنمو الطبيعي لاعتماد المستعمر علي الزراعة المجمعة (الإقطاع)

2- تم توقيف التحول الاجتماعي السياسي اللازم للتطور الطبيعي بإنهء الإقطاع كما حصل في أوروبا قبل قرنين لكن الاستعمار عطل هذا ومد عمر الإقطاع 100 سنة غلي أن قامت الثورة

3- إعتماد اقتصاد المجتمعات المستعمرة علي الأنشطة الخدمية غير المنتجة كالقهاوي والحناطير أو بيع منتجات الريف

4- تم عرقلة توظيف ثروة الأوطان البشرية بسبب انحباسها في دوائر الاقطاع وضعف غقبالها علي التعليم والتدريب

5- تم توهين وضع المرأة بتحويلها إلي سلعة جنسية مع عدم إعطائها أي حقوق أو فرص عادلة في الحياة

6- توقف عمليات الترجمة العلمية وتدهور مستوي التصنيع إلا ما ارتبط بعمليات تخص تجارة القطن أتي بها المستعمر لتوفير ثمن العمالة مثل كبس لقطن في بالات ولاحقا متأخرا جدا حلج القطن

7- فقد العلم أهميته كطريق لصناعة المستقبل كونه مدخلا لنمو مستقل ومنتج لأن المناخ الاستعماري لم يكن بحاجة إليه

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

تغيرات صاحبت التجربة الاستعمارية 1-تطور المعلومات عن التاريخ البيولوجي في الغرب

قام تشارلز دارون متأثرا بكتابات مالتوس في ستينيات القرن التاسع عشر برحلة حول العالم زار فيها عددا كبيرا من الجزر المعزولة والمناطق الاستوائية وعاد من الرحلة معززا بعدد كبير من الشواهد والأدلة علي أن الظاهرة البيولوجية واحدة في كل الأنواع وأن هناك خيط متصل بين كل الأنواع الحيوانية بدءا من الأميبا إلي الإنسان وهو الأصل المشترك لكل الأنواع الحية وهو ما يعني أن الحالة البيولوجية بتنويعاتها الهائلة كما هي معروفة للبشر المعاصرين لم تنبت دفعة واحدة بل مرت بعدد من التغيرات والتحولات من نوع لأخر ومن رتبة لرتبة ومن قبيلة إلي أخري وصولا للانتقال بين شعبة وأخري وقد دشن دارون بدراساته ومشاهداته عصر البحوث التطورية وقطع كل طريق علي التشكيك في أن الحياة مرت بتطورات وفي حياة دارون نفسه جمعت أدلة علي وجود أحقاب مناخية وبيئية شكلت تاريخ الأرض قبل وجود البشر وكشفت حفريات الدينوصورات كما وجدت دلائل تشير إلي أن هذه الطبقات تمثل سجلا بالأنواع التي وجدت في كل حقبة كما لوحظ أن هذه الطبقات كلما كانت علي عمق أكبر فإن عدد الأنواع الموجودة يكون أقل كما تختفي حفريات شعب بأكملها فمثلا وجد أن حفريات الثدييات تختفي تمام علي أعماق معينة بينما تبقي حفريات الزواحف والأسماك والطيور وعلي أعماق أكبر تختفي الطيور وهكذا ما أدي لظهور المناقشات والتنظيرات الخاصة بما عرف بشجرة التطور وتعاقب ظهور الطوائف الحيوانية في العالم

وعندما صاغ دارون ثم الداروينيون ألية هذا التحول والتطور جعلو التكيف للتلاؤم علي رأس العوامل الدافعة ثم فسرو اختفاء أنواع وسيادة أخري بالصراع من أجل البقاء وتعارض ما يسمي بالدور البيئي الحيوي بما يؤدي غلي إفناء أنواع لصالح أخري أقدر أي أصلاح

هذه الشواهد والمكتشفات دشنت لفلاسفة أوروبيين وتحديدا إنجليز ويبرز منهم مثالا لستر وارد , هريرت سبنسر وكارنيجي هؤلاء فتحو الباب للتأويل الاجتماعي للداروينية وساعد التفوق الرهيب للألة العسكرية الغربية والسهولة النسبية التي صاحبت غزو بلدان العالم القديم علي تأجيج التفسير التاريخي بالصراع وفي نفس تلك الفترة كتب نيتشه اراءه في الدين والحياة وحرض علي الاستمساك بالقضية الأنية وعدم الالتفات لما يسمي بالأخلاق العامة التي لا تعدو أن تكون طريقة لكبح التطور

وتوقع هو نفسه أن يمر الأنسان الحالي بتطور يقود إلي سيادة نوع وحيد من الجنس البشري هو الإنسان السوبر الأقدر علي فهم العالم وتفسيره ومن ثم تغيير مصيره

يعزي لنيتشة تيار العنصرية الذي اكتسح ألمانيا خلال حكم النازي لكن الواقع يؤكد أن النزوع العنصري لم يكن احتكارا ألمانيا أو جنونا خاصا بالشعب الألماني بل كان نزوعا أوروبيا عاما بل إن نيتشة نفسه لم يقدم إسقاطات محكمة في هذا لصدد بقدر ما فعل المفكرون الإنجليز وبالذات هربرت سبنسر حيث طبقو النظرية الداروينية في تفسير تطور العالم العضوي علي التاريخ البشري في هدي التجربة الاستعمارية التي تبين بجلاء وجود قوميات بشرية أكثر تقدما وأخري بدائية أو كما سموها هم (وحشية) استطاعت الأولي أن تقهر الثانية بأليات تكيفها وقدرتها علي كشف القوانين التي تسير الظواهر الطبيعية ومن ثم بدا لهؤلاء المفكرين أن قتل وإفناء أعاق بشرية غير بيضاء أو تسخيرها أمر طبيعي وجزء لا يتجزأ من الحتمية الخاصة بالقانون الطبيعي بل إن واحدا مثل هربرت سبنسر يؤكد إن القتل والإفناء رغم ما يبدو بهما من وحشية إلا أنهما الأدوات التي يدين لها الأنسان المعاصر بوجوده وفي نفس فترة الحمي هذه ولدت علوم مثل الأنثروبولوجي واكتشفت أو اخترعت ( يميل الكاتب إلي وجود تلفيق علي الأقل فيما يخص تفسير الاختفاء) قصة إنسان نياندرتال الذي يمثل سلالة بشرية أقل إدراكا عاصرت الإنسان المدرك في أوروبا لكن الإنسان المدرك خاض حرب إفناء ضد النياندرتال صراعا علي المراعي والصيد أدت لفناء هذا النوع البشري قبل 30 ألف سنة

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

وفي نفس الفترة ظهرت دراسات قياس الذكاء وتم اختراع ما يعرف اليوم باختبارات الذكاء وتحديد نسبه وقد مكنت هذه الدراسات من تأكيد وجود فروق معنوية بين الأصول العرقية المختلفة للبشر تضع العرق الأبيض الأري في القمة وبقية الأعراق تتابع من تحت حتي لا يتشتت الموضوع بنقد هذه الدراسات فإن الكاتب يحيل الإخوة إلي كتاب مهم في هذا الصدد يسمي "ليس في جيناتنا" not in our genes والمنشور باللغة العربية باسم "علم الأحياء والإيديولوجيا والطبيعة البشرية" ألفه مجموعة من العلماء في مجالات الطب النفسي والوراثة ويقدم نقدا علميا قويا لمنهج الحتمية البيولوجية

إن الغرب الثقافي انتشي بهاجس التفوق العرقي

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

المهم أن الألية في الحياة قادت إلي الفرد العملي المنط الذي يتبع نظاما صارما ودقيقا في كل شئ

الفرد وحيد في الغالب من وقت مبكر في حياته

العلاقة بين الجنسين لم تعد تدور في إطار الحب الرومانسي بل غلب أن تكون مدفوعة بنداء الغريزة حده وأصبح تأسي الأسرة خيارا قد لا يناسب طريقة حياة ملايين من البشر في ظل العمل المستمر والمرهق للجميع رجلا ونساء وأحداثا

الطريقة في النظر للعالم صارت عملية براجماتية لا تقبل التنظير بلا برهان

أصبح بمقدور الإنسان الفرد غير النخبوي أن يقوم بعملية تحليل منطقي معتمدا القابلية العامة للميكنة لأي عملية أو حادث

إخضاع أدق أسرار الطبيعة البشرية للبحث والتجريب وهو ما ساق لقيام أول دراسات علمية للنفس البشرية فرويد أولا ثم تداخل معه علم الأعصاب وصولا للطب النفسي والعصبي كما هو معروف اليوم

عدم قدرة الفرد الأوروبي رؤية الإنسانية بعيون منصفة فصار غير قادر علي تجاوز إحساس طاغ بالتفوق والجدارة

الشعوب الأخري صار من الممكن اختزالها في النمط المعرفي العام في الغرب إلي أفكار وصور نمطية مثل القسوة الغباء الشهوانية العجز عن الإبداع وحتي فقدان الإحساس والمشاعر المميزة للإنسان

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

إن ما يرد في هذه الشروح يهدف إلي تفكيك الخطاب في المنشور لتسهيل الإلمام بعناصره والأهم فتح مدي عين القارئ علي الخطوط الخفية التي تربط كثيرا من الأفكار

المهم

الخصائص الثقافية العامة الواردة عن الفرد الأوروبي هدفها تقريب معان معينة ومحاولة لفهم طريقة تفكير وسلوكيات كثيرة وظروف سياسية مرت بأمتنا والعالم وكثير ممايحدث الأن يمكن تفسيره وفهمه بهدي من هذا التفكيك (ليس بإطلاق طبعا لكن يمكن أن أدعي أن النجاح المنتظر لهذا التفسير وقدرته علي التنبؤ بالقادم سيكون كبيرا)

لقد مرت الفترة الاستعمارية بتأثير التككوين الخاص بالتاريخ الأوروبي الذي صاغته عذابات امتدت بين 1700 وستينيات القرن 19 بالذات وهي الفترة التي تفجرت فيها المساوئ المتراكمة للرأسمالية المنفلتة بلا ضابط وفي ظل سيطرة الرأسماليين علي عالم الدولة القومية التي تشكلت في أعقاب الرينيسانس وتميزت بكون الرأسمال لعب دور مدخل أساسي لقوة الدولة القومية و مع القرن العشرين تطورت طرق تكوين الشركات وظهرت الاحتكارات الدولية في شكل كونسيورتيومات ببساطة هي اخلاف بيزنس أمكنها تفريغ السوق من المنافسين الصغار وأصبحت تلعب دورا كبيرا في تشكيل توجهات وبرامج السياسيين والأحزاب السياسية وبدأت العبة تنقلب بحيث تصبح الدولة أداة أو مدخل قوة للرسمال المجمع وبدأت دورة جديدة من الأزمة تبدت في الشراسة الكبيرة والتوسع المطرد في ضم مزيد من البلدان إلي الحوزة الاستعمارية وصلت لدرجة البلطجة فبدأت بلدان استعمارية تعلن الحماية (أنا لقيت البلد دي وبقت بتاعتي فمحدش يقرب منها) وولدت الحمايات وقد عبر ينين زعيم ومفكر الثورة البلشفية في كتابه القيم سنة 1911 "الاستعمار أعلي مراحل الرأسمالية" وكثير من تحليلاته ينطبق علي سلوكيات دولية ورأسمالية نراها اليوم وهو ما يؤكد صحةكثير جدامما ذهب إليه لينين

المهم إنه في هذه الفترة اشتعلت أوروبا وقامت الحرب العالمية الأولي بعد فترة هدوء نسبي ورخاء ثم تكرر السيناريو نهاية الثلاثينيات بركود هائل وصل أن جعل جون كينز وهو مفكر اقتصادي كبير يدعو الحكومة الأميركية أن تويد الإنفاق العام لمواجهة هذا الركود اعظيم وقد دعا الحكومات لتوظيف الناس بأي طريقة ولو حتي بتكليفهم بحفر الشوارع ثم ردمها وهي الخطط التي أيقظت دورة الاستهلاك وكنت الجماهير الأوروبية من استعادة قدرتها علي الإنفاق فتحرك جبل الركود الضخملكن للأسف الحكومات الغربية لم تنفذ برامج كينز طوعا بالطبع فقد كانت محكومة بالرأسماليين الذين ماطلو فأدخلو العالم أتون الحرب الثانية وبعدها التفتو لبرامج كينز وصدقو بحلوله ولكن الحرب العالمية و56 مليون قتيل لم تكن السبب الوحيد لأقدام الديمقراطية الرأسمالية علي التنازل بزيادة الإنفاق العام وتوظيف الناس ورفع سقف الضرائب علي المشروعات والأرباح بل الشبح الذي تكشف عنه العالم بنهاية الحرب فقد كانت ألوف الدبابات الروسية الصنع تهدر في شوارع برلين عشية سقوط ألمانيا

وبدا واضحا أن العملاق الشيوعي ينمو بسرعة كبيرة بل وأظهرت الأيام أنه قاب قوسين من امتلاك السر النووي والذي أتبعه ستالين بالرعب الهيدروجيني علي يد العالم الروسي الفذ لانداو

نحن نريد السلام لكن السلام بعيد ونحن لا نريد الحرب لكن الحرب من حولنا وسنخوض المخاطر مهما كانت دفاعا عن الحق والعدل

سادس الراشدين جمال عبد الناصر حسين

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 4 أسابيع...

الموضوع ده عدي مني ازاي ؟ :roseop:

لا أخفي اعجابي بتحليلك يا سيدي الفاضل و إن اختلفت معك في بعض النقاط التي أشرت إليها ورد ذكرها في عدة مداخلات ...... اختلاف لا يمنع قطعا اعجابي و تقديري بالافكار و صاحبها

أعجبني خاصة سردك التاريخي و الأجتماعي و حتي البيولوجي و السياسي و الأقتصادي ..... من النقاط المثيرة للاعجاب و التأمل ربطك الرأسمالية أو فلنقل الاستغلال الرأسمالي بمظاهر التفسخ الأجتماعي في الغرب و كونها نتيجة للاستغلال تزامنت مع اختيار أوروبا للنمط العلماني فالتصقت التهمة بالعلمانية و هي منها براء

كما أعجبني جدا مناظرتك للفكر الماركسي و الفكر المتأسلم المتطرف ..... منظور جديد علي الواحد انما وجهة نظر تستحق الأحترام بكل تأكيد

الموضوع طويل و لي العديد من المداخلات و الاستفسارات و التعليقات فاذا أردت ذكرتها تباعا

تحياتي و تقديري

Her şey kişisel bir

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...