اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

رجل بأمة أو أمة في رجل


Recommended Posts

رجل بأمة أو أمة في رجل

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ونحن نعيش في هذه الأيام من أيام الجهاد والاستشهاد ذكرى انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية حماس، آثرت أن أسلط الضوء على مؤسس هذه الحركة القائد الفذ المتميز الشيخ المجاهد أحمد ياسين، هذا الرجل الذي لم تزده الابتلاءات والمحن إلا عزيمة وإصرارا على مواصلة الطريق على وعورته، والمضي قدما في طريق التضحية والعطاء حتى تحقيق الأهداف التي من أجلها تم تأسيس هذه الحركة الإسلامية المجاهدة.

لم يكن هدفي عند كتابة هذا المقال الغوص في أعماق بحر هذا الرجل، لأنني لن أصل عندئذ إلى قرار، فبحر هذا الرجل عميق عميق جدا، ولذا فلن يحيط بمناقبه مقال، ولا كتاب، ولا حتى عشرات المجلدات وإن كثر تعدادها، وإني لأرى أن التاريخ سيقف طويلا وهو يؤرخ لهذا القائد الفلسطيني المسلم المجاهد، ولذا آثرت أن أقتصر على تسليط الضوء على بعض المحطات من حياته تكشف بعضا من صفاته التي أشعر أننا اليوم في أمس الحاجة إلى التخلق بها، وغرسها في وجدان وضمائر الأجيال القادمة من أبناء الأمة الإسلامية، فلدى هذا القائد عزيمة لا تعرف التردد ، وإرادة لا تعرف النكوص أو التراجع، وإقدام لا يعرف الجبن والخور، وقوة لا تعرف العجز.

فقد كان الشيخ أحمد ياسين يمخر عباب ربيعه الخامس عشر عندما أصيب بكسر في فقرات العنق على إثر مصارعة ودية بينه وبين أحد زملائه الشهيد عبد الله صيام، ورغم الإصابة الخطيرة التي حلت بالشاب أحمد ياسين إلا أنه أخفى أسباب الحادث عن عائلته حتى لا تحدث مشاكل عائلية بين عائلته وعائلة صيام قائلا حينه بأن الحادث كان بسبب قفزه في الهواء وسقوطه على رأسه، ولقد أخبرني بالسبب الحقيقي للحادث عام 1990م عندما كنت أشاركه زنزانته أي بعد الإصابة بأربعين سنة، قائلا لي إنها المرة الأولى التي يتحدث فيها عن حقيقة ما جرى وأن عائلته حتى هذه اللحظة لا تعلم ذلك، وقد أدى هذا الحادث المؤلم إلى إصابة الشاب أحمد ياسين بشلل رباعي، فلا ساق له تتحرك ولا ذراع، ومن المعلوم أن الذين يصابون بمصيبة من هذا القبيل يركنون إلى الضعف، ويستسلمون للعجز، فلا ترى أحدهم إلا وقد أصبح على هامش الحياة كما مهملا، لا يؤثر في مجرياتها ولا يتأثر بها، فيغدو عالة على المجتمع، وعبئا ثقيلا على ذويه.

ولكن الأمر العجيب والملفت للنظر أن الشيخ أحمد ياسين قد سجل أول انتصار في حياته عندما صنع من شلله حركة، ومن عجزه إرادة، ومن ضعفه قوة، فانتصرت الإرادة الروحية لدى الشيخ أحمد ياسين على ضعف الجسد الهامد، فواصل تعليمه وأصبح مدرسا، ثم ارتقى المنابر خطيبا وموجها ومربيا داعيا إلى الله على بصيرة، يعد الشباب المسلم لحمل أعباء الدعوة إلى الله، والتصدي لما يحاك من مؤامرات ضد الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، مما أدى إلى اعتقاله على يد الحكومة المصرية في ذلك الوقت، وبعد هزيمة عام 1967م نهض الشيخ أحمد ياسين ليعيد إنشاء حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، ولقد نجح في إقامة هذا البناء بصبر وثبات وإصرار ندر أن نرى له مثيلا في عالمنا المعاصر، خاصة أن الأمة العربية والإسلامية كانت تغط في نوم عميق، وتعيش حالة ضعف وانكسار وانهزام، بينما كان الشيخ يصل الليل بالنهار في حركة دؤوبة، يحدوه أمل كبير في إنقاذ الأمة مما أصابها.

وبعد النجاح الذي أحرزه في إعادة بناء حركة الإخوان المسلمين في فلسطين بدأ الشيخ يعد العدة لانتصار آخر يحرزه لصالح الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، بل لصالح الأمة العربية والإسلامية، فكان هدفه الأول هو الانتصار على حالة الضعف والنهوض من جديد، يدفعه إيمان قوي أن الأمة قادرة على إحراز النصر إذا ما ملكت إرادة الخروج من دائرة الهزيمة، وكسر طوق التبعية لأعدائها الذين يتربصون بها الدوائر، فبدأ الإعداد لمعركة طويلة الأمد تخوضها الحركة الإسلامية في مواجهة العدوان الصهيوني الشامل على فلسطين والأمة العربية والإسلامية، فقام الشيخ المجاهد بتأسيس جناح عسكري للحركة الإسلامية، ولكن قدر الله أن يضرب هذا الجناح في مهده مما أدى إلى اعتقال الشيخ أحمد ياسين من قبل العدو الصهيوني، ولقد عذب في أقبية التحقيق الصهيونية عذابا شديدا على يد المحققين الصهاينة اليهود، وذلك عام 1984م قبل انطلاقة الانتفاضة بثلاثة أعوام، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة عشر عاما، ثم أفرج عنه بفضل الله بعد أحد عشر شهرا في صفقة التبادل عام 1985م التي عقدها المجاهد أحمد جبريل أمين عام الجبهة الشعبية القيادة العامة مع العدو الصهيوني، وخرج من المعتقل بعزيمة وإرادة وإصرار على مواصلة الجهاد.

ففي الوقت الذي فجر فيه الشيخ الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م كان قد تم مسبقا تأسيس الجناح العسكري لحركة حماس الذي أطلق عليه فيما بعد كتائب الشهيد عز الدين القسام، لتكون الحركة وجناحها العسكري وانتفاضة الشعب الفلسطيني بمثابة إعلان حرب استنزاف ضد هذا العدو الغاشم، بهدف تحقيق توازن الردع في ظل غياب توازن القوة .

وفي عام 1987م قام بتأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس، وفي نفس الوقت الإعلان عن بدء انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الظلم والعدوان والإذلال والقهر المتمثل بالاحتلال الصهيوني لفلسطين، وتدنيسه للمقدسات الإسلامية وعلي رأسها المسجد الأقصى المبارك، ومذابحه التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ بل والأجنة في بطون الأمهات، وتدميره القرى والمدن، وهدمه للبيوت فوق رؤوس ساكنيها، واقتلاعه الأشجار المثمرة، وتجريفه الأراضي الزراعية، وتدميره حياة الشعب على كل الصعد، لقد أدرك الشيخ أن هذا العدو الصهيوني المفسد قد اعتمد سياسة الإرهاب لتحقيق أهدافه الصهيونية العدوانية، وأدرك أيضا أن هذا العدو المجرم لن يتوقف عن هذه السياسة إلا إذا كان الثمن الذي يدفعه بسبب جرائمه ثمنا باهظا.

فاعتقل الشيخ للمرة الثانية عام 1989م وحكم الصهاينة عليه بالسجن مدى الحياة، وبعد ثماني سنوات في المعتقل تم الإفراج عن الشيخ بفضل الله عز وجل على إثر العملية الفاشلة التي قام بها الموساد في الأردن، العملية الإرهابية التي استهدفت حياة الأخ المجاهد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.

وخرج الشيخ من المعتقل ليعلن على مسامع العالم أجمع أن الجهاد لن يتوقف حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، وأن لا تفريط في شبر من الوطن، ولا تنازل عن حق من حقوق الشعب الفلسطيني وعلي رأسها حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم منذ عام 1948م بسبب الإرهاب الصهيوني، رافضا بكل قوة كل المبادرات والوثائق والاتفاقات التي تؤدي إلى المساومة على الوطن أو التنازل عن شبر منه لصالح قراصنة العصر من الصهاينة اليهود الذين تساندهم الصليبية الحاقدة.

وتواصل الحقد الصهيوني ضد الشيخ المجاهد حتى بلغ الأمر بالصهاينة أن حرضوا السلطة الفلسطينية على الشيخ فما لبثت أن فرضت الإقامة الجبرية عليه، ولم تتردد السلطة الفلسطينية في الاستجابة لهذه الرغبة الصهيونية، ولكن الجماهير الفلسطينية حالت دون استمرار الإقامة الجبرية ليخرج الشيخ من جديد أمضى عزيمة وأشد إصرارا على مواصلة المسيرة الجهادية.

وتواصل الحقد الصهيوني وتمثل في هذه المرة باستهداف حياة الشيخ، حيث قصف البيت الذي تواجد فيه الشيخ أثناء الغارة الإرهابية بقنبلة زنة ربع طن، ولكن الله سلم فخرج الشيخ سالما رغم الدمار الهائل الذي لحق بالبيت، وقد خرج الشيخ من هذه المحاولة أيضا أشد إصرارا على مواصلة المسيرة الجهادية، فلم تزده الشدائد إلا قوة وإصرارا، وتمسكا بالثوابت والحقوق الوطنية.

هذا هو أحمد ياسين رجل بأمة أو أمة في رجل.

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...