mandoo بتاريخ: 25 سبتمبر 2009 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 25 سبتمبر 2009 المصرى اليوم وعلى مدار ثلاثة أيام قامت بإجراء حوار مع المستشار محمود الخضيرى ... ولكن قبل أن أنقل لكم الحوار كنت على يقين بأن القضاه هم القلة الباقية التى نحترمها ونقدرها فنحن نسمع عن وجود فساد ولكن بعد هذا الحوار هل هى بداية الإنهيار السياسى والأخلاقى لمؤسسات الدولة ؟ أما المصيبة الكبرى هى فقدان العدالة وللأسف الشديد أصبح الكثير منا يتمسك بالفساد ويرفض التخلص منه ، أصبحنا نغتصب حقوق الآخرين ... أصبحنا نعيش فى غابة القوى يأكل الضعيف ... أين أنت يا إبن الخطاب حين نمت تحت الشجرة مطمئنا .. لأنك ببساطة حكمت فعدلت .... واليكم الحوار -------------------------------------------------------------------------------- الخضيرى يتحدث إلى «المصرى اليوم» «أشعر براحة نفسية كبيرة منذ أن تقدمت باستقالتى».. بهذه العبارة بدأ المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض «المستقيل»، حواره مع «المصرى اليوم»، سارداً عدة أسباب دفعته للانسحاب من منصة القضاء بعد ٤٦ سنة خدمة. منها «احتجاجه على تردى أوضاع القضاة. ويأسه من إصلاح أحوال القضاء». الخضيرى «٦٩ سنة» استقبلنا فى منزله بالإسكندرية بـ«الجلابية البيضاء»، متخليا عن ملابسه الرسمية عند استقباله ضيوفا فى بيته، وكأنه يؤكد فى كل تصرف أنه استقال من القضاء دون رجعة بعد أن أمضى فيه ٤٦ سنة بالتمام والكمال منذ التحاقه به العام ١٩٦٣، قبل مذبحة القضاة الشهيرة بخمس سنوات كاملة. واللافت أن الخضيرى لا يرى فى استقالته ما يدعو إلى الدهشة أو التعجب الذى يبديه البعض، مؤكدا أن أى قاض يكفيه سبب واحد لتقديم الاستقالة، قائلا «سارعت بالاستقالة خوفا من الزلل لأن الخطأ فى محكمة النقض خطير ولا يمكن إصلاحه، فإذا ضاع حق لمواطن فى النقض بخطأ قاضٍ فقد ضاع إلى الأبد». هذا «الحس الفطرى للعدل» جعل الخضيرى يعرب عن دهشته أكثر من مرة بشأن الضجة التى أثيرت حوله منذ انفراد «المصرى اليوم» بخبر استقالته، الخضيرى أصبح «على راحته» كما أكد لنا كثيرا خلال الحوار، مشددا على أنه «سيفتح على الرابع والخامس ولو فيه سادس كمان» سواء فى نقده لتصرفات وممارسات السلطة ضد القضاء، أو فى الدفاع عن الحريات. وإلى الحلقة الأولى من الحوار: ■ سعادة المستشار.. لماذا الاستقالة فى هذا التوقيت؟ - استقالتى فى هذا التوقيت بالذات مناسبة، حتى لا يتم إرباك العمل قبل العام القضائى الجديد، فى الدائرة التى أترأسها، وأيضا عند توزيع العمل القضائى فى المحكمة، ويجب أن أوفق بين مصلحة العمل ومصلحتى الشخصية، لذلك لم أفكر فى نفسى فقط، فكان من الممكن أن أستقيل فى العام الماضى، وحتى لا تتغلب مصلحتى الشخصية على مصلحة العمل، كما أننى قدمتها إلى المستشار عادل عبد الحميد، رئيس محكمة النقض، حتى أعطيه الفرصة لاختيار رئيس دائرة مكانى، وهذا أمر صعب، خصوصا لو كنت قدمتها قبل بداية العام القضائى بأيام قليلة، مما سيحدث ارتباكاً فى العمل بالمحكمة. ■ البعض يردد أنك كنت ستحال إلى المعاش فى ٣٠ يونيو المقبل والاستقالة فى ذلك التوقيت لجذب الانتباه؟ - هذا كلام مردود عليه، لأن الفترة المقبلة هى عام قضائى كامل، والمقربون منى يعرفون أننى كنت سأستقيل منذ عامين، كما أننى قررت أن أستقيل العام الماضى أيضا، وما منعنى أن استقالتى كانت ستكون فى منتصف العام القضائى مما قد يربك العمل وتكون فى النهاية على حساب مصلحة المتقاضين. ■ بصراحة هل جاءت الاستقالة بعد تأكدكم من عدم رفع سن التقاعد للقضاة؟ - أنا لم أنتظر مد السن فى أى وقت، كما أننى من المعارضين بشدة داخل القضاء لمد سن التقاعد للقضاة، لأن سلبياته ومساوئه أكثر بكثير من مزاياه، كما أن المد وارد فى أى وقت، ويمكن أن يحدث أو لا يحدث، ولا أحد يستطيع الاطمئنان إلى حقيقة معينة، فقد يتم رفع السن إلى ٧٢ سنة، وقد لا يتم ذلك، وأنا لا أراهن على رفع السن، وقررت أن أتخذ قرارى الذى اطمأن إليه قلبى. ■ لكن إذا تأكد لك أن هناك مد سن إلى أكثر من ٧٠ سنة.. ماذا كنت ستفعل؟ - تقصد أننى كنت لن أستقيل.. لا.. فحتى لو كان هناك مد لسن التقاعد كنت ساستقيل.. والدليل أننى كنت عازماً على الاستقالة منذ عامين رغم مد السن من ٦٨ سنة إلى ٧٠ لكن الزملاء أقنعونى وقتها بتأجيلها. ■ وما رأيك فيمن يقول إن استقالتك فرقعة إعلامية؟ - هذا كلام تافه ليس له معنى.. وفى الحقيقة لا يجب الرد عليه أصلا، لكن ما سأقوله فقط هو أننى لو أردت «شو إعلامى» أو «فرقعة إعلامية»، لكنت قد أبلغت جميع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، ووزعتها عليها، كما كان بمقدورى الدعوة إلى مؤتمر صحفى، خصوصا أننى قدمتها منذ أسبوع تقريبا لرئيس محكمة النقض الذى أحالها بدوره إلى المكتب الفنى للمحكمة، لكن ما حدث كنت أنت أول من اتصل بى لمعرفة حقيقة الأمر، فكان السبق لـ«المصرى اليوم»، وأنا لم أكن أنوى أن أفتح هذا الأمر فى الوقت الحالى، وكنت سأنتظر الوقت المناسب. ■ وما هو الوقت المناسب؟ - فى بداية العام القضائى، أى فى الأول من أكتوبر المقبل، حتى تكون على مكتب وزير العدل، أى ستكون قد دخلت حيز التنفيذ. ■ معنى ذلك أنها لم تدخل حيز التنفيذ؟ - لا بالطبع، فاستقالتى تمت بمجرد كتابتى لها.. لكن القانون ينص على أن الاستقالة تقدم لوزير العدل. ■ لكن الوزير يمكن أن يرفضها طبقاً للقانون، فما رأيك؟ - بالتأكيد يمكنه ذلك.. لذلك قدمتها للوزير دون أسباب، أى أنها «استقالة غير مسببة» حتى لا يتم رفضها، وكانت عبارة عن كلمتين مقتضبتين هما «السيد وزير العدل.. تحية طيبة وبعد، أتقدم لكم باستقالتى من عملى بمحكمة النقض اعتباراً من ١/١٠/٢٠٠٩ مع الشكر». ■ لكنك ذكرت فى خطابك لرئيس النقض.. بعض الأسباب.. لماذا؟ - بالفعل.. أولاً حتى لا أعرّض المستشار الفاضل عادل عبد الحميد لأى نوع من الحرج وهو يبدأ فترة رئاسته لمحكمة النقض، كما كنت متحفظاً فى ذكر معظم أسبابى حتى لا أحرج أحداً من الزملاء الذين تربطنى بهم علاقات جيدة. ■ قلت فى أول تعليق لكم لـ «المصرى اليوم» عقب انفرادنا بخبر الاستقالة أن هناك أسباباً عديدة.. ما هى؟ - من الأسباب التى ذكرتها صراحة فى الخطاب المرفق بالاستقالة لرئيس المحكمة، هى أننى أصبحت زاهداً فى الاستمرار فى العمل القضائى، فقد دفعنى لتقديمى الاستقالة عدم قدرتى وطاقتى نفسيا وجسديا على الاستمرار فى العمل، خصوصا أننى سأبلغ سن ٧٠ عاما بعد أقل من سنة واحدة. ■ هل تعتقد أن مد السن للقضاة يفيد القضاء؟ - رأيى فى هذا «بيزعّل منى» بعض القضاة، لكن فى الحقيقة رفع السن المتتالى للقضاة من ٦٠ سنة حتى وصلنا الآن إلى ٧٠ سنة، أضر ويضر بالقضاء وبالتدرج الوظيفى وبمستقبل شباب القضاة، وعلى فكرة عدد المستفيدين من رفع السن قلة وهم شيوخ القضاة وهم من أصحاب المناصب القيادية بالقضاء. ■ وهل المستشار عادل عبد الحميد كان له موقف من استقالتك؟ - أمام إصرارى وافق فى النهاية، رغم أنه حاول إقناعى بالعدول عن استقالتى، قائلا لى «فكر يا محمود تانى، وهنمشى مع بعض السنة الجاية» فقلت له أنا فكرت وعزمت وتوكلت على الله، واستقالتى ليست وليدة انفعال، بل هى خوف وتعب وعدم مقدرة ويأس، فتسلمها منى قائلا: «أنا مقدر عذرك وأنا مثلك تماما فأغلبنا أصيب بنوع من الملل». ■ ولماذا تقوم الحكومة والنظام برفع سن التقاعد للقضاة؟ - لأنه يعتبر أحد أكبر الوسائل التى تتدخل فيها السلطة التنفيذية للتأثير على إرادة القضاة، وليس مقصودا به - كما يحلو للحكومة أن تشيع – إنجاز العمل والاستفادة من الخبرات، واللعبة التى يجيدها النظام الحاكم مع القضاة أن يقرر رفع السن لفترات من بين سنتين أو أربع حتى يتم المد لأناس بعينهم، وفى أوقات محددة، وهذا يجعل إرادة قيادات القضاة وشيوخهم لعبة فى يد الحكومة تتلاعب بهم، وسن التقاعد يجب أن تكون سناً محددة لا يتم رفعها أو خفضها لأى سبب كان، ولأن لعبة المد بالتقسيط تؤثر على إرداتهم وأعمالهم، وفى نهاية كل عام قضائى يتحول مد السن إلى سوق للقيل والقال، وهذا يؤثر عليهم، بالتأكيد، من خلال حياد واستقلال القاضى. ■ فى رأيك ما السن المناسبة لتقاعد القاضى؟ - أعتقد أنه فى فترة ما بين ٦٠ إلى ٦٥ سنة تكون مناسبة لتقاعده، لأنه بعد سن الخامسة والستين يتناقص جهده، وعطاؤه يقل، ويصبح العمل والتفكير شاقين جداً عليه، وهذا هو ما حدث معى فقد أصبحت أخشى على نفسى من الخطأ، وهذا أحد الأسباب التى دفعتنى لتقديم استقالتى. ■ ما رأيك فيمن يعملون حتى الـ٨٠ سنة؟ - الاستمرار فى العمل الرسمى إلى هذا العمر خطيئة، ويمثل خطورة على البلد فهو يصيب كل البلد بالاحتقان والجمود والتصلب. ■ ذكرت لنا أن استقالتك كانت بمثابة صرخة الاحتجاج.. ضد ماذا؟ - ضد جميع المضايقات والمشاكل والمعوقات الموجودة داخل القضاء وفى المحاكم، التى يشعر بها ويعيشها جميع القضاة، بدءا من عدم تنفيذ الأحكام القضائية، مما يصيب القضاة بالإحباط واليأس، ويثير غضبهم وسخطهم على السلطة التنفيذية التى تتعمد ذلك، حيث يشعرون بعدم جدوى عملهم القضائى، فنحن فى محكمة النقض نشعر بذلك، فالطعن عندنا قد يتأخر لأكثر من١٠ سنوات، فمثلا عندما تشتد المداولة بين الزملاء فى الدائرة يخرج علينا زميل ويقول لنا أنتم تنحرون أنفسكم «على الفاضى»، فالطعن يستغرق سنوات طويلة فى المحاكم، وبعد صدور حكم فيه يقابل بعدم التنفيذ، ومع الأسف الحكومة استطاعت أن تنقل للشعب الإحساس بعدم اللامبالاة بأحكام القضاء، وعدم احترامها، فأصبح الواحد يتندر فى المشاكل والخناقات بمقولة « باب المحكمة قدامك.. روح اشتكينى» لأنه أصبح يعلم أنه لن يحصل خصومه على حقوقهم إلا بعد سنوات طويلة، ويصبح الحصول على الحق فى النهاية دون جدوى، ناهيك عن إنفاق الأموال الكثيرة على المحامين وأتعابهم، ومصاريف أخرى من أجل تنفيذ الحكم، فأصبح اللجوء إلى المحاكم مضيعة للوقت والحقوق، والنتيجة أن المواطن أمامه طريقان: إما أن يترك حقوقه أو يأخذ حقه بيده، وهذا يحدث حاليا باستئجار بلطجية «واضرب وخذ حقك بيديك»، وهكذا تتحول الدنيا إلى غابة، والحقوق تضيع، والحل هات بلطجية، واضرب وخذ حقك بيديك. ■ وأين الدولة؟ - الدولة غافلة. ■ غافلة أم متعمدة؟ - الاثنان معا.. فهى غافلة لدرجة التعمد.. وغفلتها هنا تتساوى مع العمد الذى يصبح عمداً مع سبق الإصرار والترصد. ■ قلت فى أسباب استقالتك أنك محبط؟ - لست وحدى المحبط، فهذا حدث لمعظم القضاة، مصابون بإحباط شديد من أمور كثيرة تحدث داخل القضاء وخارجه، مثل إحالة ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وهذا الأمر يمس استقلال القضاء، وهناك أمر آخر يصيب القضاة بالإحباط الشديد، ويعتبر ماسا بكرامتهم، وكنت أشعر به داخل القضاء، ويتردد فى أوساط القضاة، وهو تحويل أحكام البراءة والإفراج إلى حبر على ورق، فبمجرد أن ينطق القاضى ببراءة متهم يقوم الأمن مباشرة باعتقاله مرة أخرى، ولا يسمح له بالخروج من باب المحكمة، والسؤال للدولة، لماذا تعطينى كقاض سلطة الإفراج أو البراءة، وفى نفس الوقت تفرغها من مضمونها تماما؟! وأين كلام الرئيس عن احترام القضاء؟! وهل الاحترام مجرد تعظيم سلام للقضاة فقط؟! ■ لكن الرئيس يحترم القضاة ويقدرهم؟ - الرئيس مبارك دائما ما يردد أنه يحترم أحكام القضاء ولا يتدخل مطلقا فيها ويقدر القضاة ودورهم، لكن الواقع «عكس ذلك تماماً» مع الأسف، فاحترام الأحكام القضائية، ليس كلاماً يقال فى المناسبات، وهناك آلاف الأحكام القضائية، التى تتعمد الحكومة عدم تنفيذها، ومصيرها يكون إلى سلة المهملات. ■ وما هو دور الرئيس هنا؟ - رئيس الجمهورية، مسؤول عن كل شىء يحدث فى البلد، وفى إحدى الدول الأوروبية سمعت أن عدم تنفيذ حكم قضائى أدى لاستقالة الحكومة بالكامل، كما أنه بالتأكيد لا يخفى على الرئيس، أن أحكاماً قضائية كثيرة لا يتم تنفيذها، ولا يمكن أن يحدث ذلك إطلاقا دون علمه، لكن يتم ذلك عن طريق إقناع سيادته بأنهم يفعلون ذلك بحجة مصلحة أمن الدولة واستقرار النظام، ويقولون له إن القضاة يعيشون فى برج عاجى ولا يعنيهم الأمن والاستقرار. ■ بصراحة هل المضايقات «كالمضايقات الأمنية» مثلا كانت وراء تعجيلك بالاستقالة؟ - حدثت مثل هذه المضايقات أيام اعتصامنا بالنادى، احتجاجا على إحالة هشام البسطويسى ومحمود مكى للصلاحية بسبب كشفهما التجاوزات التى حدثت فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكانت تحدث أيضا طوال فترة رئاستى للنادى، عندما أعلنا أننا سنراقب سير الانتخابات، وسأكشف لك عن أن رئيس مباحث أمن دولة فى الإسكندرية، كان يتصل بى دائما ليسألنى عن حقيقة تحرك قمنا به أو خبر منشور فى الصحف، وكان فى الحقيقة يحصل على معلوماته منى شخصيا، وأنا كنت لا أخفى شيئًا ولا أخاف من شىء، لكن فجأة تغير الوضع، ووجدت تحت منزلى مراقبة على مدار الساعة وكانوا يجلسون بالكرسى بالقرب من سور نادى سموحة القريب من منزلى، كما يراقبنى ٤ أشخاص اثنان بسيارة واثنان بموتوسيكل رغم أنى لم أشعر بهم، لمدة أشهر، إلا عندما نبهنى بعض الزملاء والجيران من ذلك الأمر، بل وصل الأمر إلى أن السيارة كانت ترافقنى إلى المحطة عندما كنت أستقل القطار إلى القاهرة، كل أسبوع، وكانوا يعرفون مكانى فى القطار بالعربية ورقم الكرسى الخاص بى، ليبلغوهم بكل التفاصيل، واستمر الحال إلى أن حدثت مشادة أمام النادى بين موظفى النادى والأمن السرى الذى يراقبنى، وكان رئيس المباحث لم يعد يتصل بى كما كان يفعل كل فترة، ولما سألت عرفت أنه تم نقله، وجاء رئيس مباحث جديد وله أسلوب مختلف، لكن لم يضايقنى هذا الأمر، حتى وأنا أعلم أن جميع تليفوناتى تحت المراقبة.. لم أنزعج ولا أخشى من شىء، وعندما عرفت أن تليفونى مراقب كنت أزود العيار حبتين فى الكلام، فأنا مبدأى ألا أفعل شيئا فى الخفاء لا أستطيع أن أقوله فى العلن، وهذا مبدأى طوال عمرى. ■ ما هى علاقتك برجال السلطة والضباط؟ - علاقتى ببعض المسؤولين جيدة، ولا أحب أن أذكر أسماء حتى لا أحرجهم. أما بالنسبة للضباط فهم يعاملوننى بشكل جيد جدا، وكثير منهم يرحبون بى ويستوقفوننى للتحية أو الاطمئنان على صحتى، وكانوا يقولون لى: «أنت رجل محترم». كما كانوا يطلبون منى رقم هاتفى، رغم أن بعضهم كان يرتدى ملابس «الملكى» العادية، وبالمناسبة، مرة استوقفنى أحد اللواءات وهمس فى أذنى «ربنا يقويكم». ■ نعود للأسباب التى دفعتك للاستقالة؟ - أوضاع المحاكم «لا تسر عدواً ولا حبيباً» وتكفى زيارة واحدة للمحاكم الكبرى لتتأكد بنفسك من كم القذارة والإهمال اللذين ترزح تحت وطأتهما المحكمة، وأحد الأشياء التى تسىء للقضاة أنهم يعملون فى أماكن حقيرة للغاية، وليس هم وحدهم بل المحامون والمتقاضون، فالمحاكم أصبحت أماكن لا يمكن أن يعيش فيها بنى آدمين، وعندك محكمة النقض مثلا، وتحديدا ما يحدث فى إدارة القلم الكتابى مهزلة كبيرة من الإهمال الشديد، ويكفى أن تشاهد كيف يتم التعامل مع المستندات والأحكام القضائية، فعود كبريت واحد يمكن أن يقضى على محكمة النقض بالكامل، وأنت كمواطن تشعر بالخوف والرعب عندما ترى طريقة حفظ القضايا بإلقائها فى الممرات والدهاليز وأعلى الدواليب رغم أنها حقوق الناس، أما ما يحدث فى بدروم محكمة النقض أو دار القضاء العالى فحدث ولا حرج، «يعنى اللى يشوف دار القضاء العالى، من برة هلا هلا ومن جوة يعلم الله» رغم أن هناك شيئًا ا سمه صندوق أبنية المحاكم بوزارة العدل، ورصيده بالمليارات من محصلة رسوم التقاضى، والسؤال أين تذهب تلك الأموال إذا كان هذا هو حال المحاكم؟. ■ بعض القضاة كانوا يأخذون عليك بعض التصريحات والتصرفات؟ - بالفعل هذا كان يحدث وكان يصلنى، ولا أخفيك سرا إذا قلت لك إن من ضمن الأسباب التى دفعتنى للاستقالة، هذا الأمر، فعندما كنت أسمع تعليقا على مواقفى وتصريحاتى، كنت أحزن للغاية لأننى لا أخجل مما أفعله، مادام فى سبيل الله والبلد، كما كان يصلنى كلام من أناس خارج القضاء بأننى أتحدث بهذه الطريقة لأنى محمى فى الحصانة القضائية، وأننى لا أجرؤ على أن أقول هذا أو أتصرف بهذه الطريقة لو كنت خارج القضاء، وأنا أعلنها من خلال المصرى اليوم: «أنا سأفتح على الرابع والخامس، وإذا كان فيه سادس كمان» فى مواجهتى للنظام الحاكم الذى يريد إذلال القضاة، ولن يوقفنى مخلوق طالما ما أقوم به فى الدفاع عن قضية أؤمن بها، وسأقول كل ما أؤمن به وأجرى عند الله. ■ سعادة المستشار.. كيف سترتب حياتك بعد الاستقالة؟ - سأفتتح مكتبا للمحاماة وهذه خطوة كنت سأتخذها بمجرد أن أخرج من القضاء، لأن الزملاء بمجرد خروجهم للمعاش يتم وضعهم فى لجان فض المنازعات للحصول على راتب شهرى بجانب المعاش. ■ بصراحة ما أقصده هو الأمور المادية هل ستتأثر ماديا بعد الاستقالة؟ - «صمت قليلا».. وقال: «بالطبع فأنا أتقاضى نحو ١٠ آلاف جنيه مجمل راتبى بالأساسى والحوافز والبدلات كرئيس دائرة بمحكمة النقض، بجانب نحو ١٨٠٠ جنيه معاشى كقاض لأن جميع القضاة الذين بلغوا سن الستين يتقاضون معاشهم بغض النظر عن مد السن إلى الـ٧٠ سنة، يعنى يصل إجمالى ما أتقاضاه إلى حوالى ١٢ ألف جنيه تقريبا، وبعد الاستقالة لن أحصل بداية من أكتوبر المقبل سوى على الـ١٨٠٠ جنيه وهذا معاش ضئيل للغاية، خصوصا وأنك كنت «مرتب حياتك» بشكل معين. ■ المستشار البسطويسى فى حوارى معه رصد هذه المعاناة التى كانت سببا فى قبوله الإعارة بالخليج؟ - ما يحدث هو نوع من الذل للقضاة، وجميع رجال القضاء من أكبر رأس إلى أصغر رأس، فى معاناة مادية، مع استبعاد القضاة المرضى منهم والمحسوبين على الحكومة، وقد لا يشعر الناس بمعاناة القضاة لأن القاضى الحق هو عفيف النفس طاهر اليد، يحافظ على مظهره ووضعه، والنظام الحاكم يريد الحال أن تبقى على ما هى عليه حتى يذل القضاة ويجعلهم محتاجين له، وبشكل عام الأمور المادية مخطط ترغيب وترهيب للقضاة، ولعبة لكسر إرادتهم، هذا أعلى راتب فى القضاء، ورواتب القضاة بشكل عام بين ٣٠٠٠ و٥٠٠٠ جنيه، لا يوجد قاض يستطيع أن يركب سيارة أو يشترى شقة من فلوس القضاء، ومعظم القضاة يعيشون على القروض، وأعرف قضاة كثيرين لا يستطيعون تلبية متطلباتهم الأساسية، وهذا كما قلت مخطط حتى يكون القضاة تحت رحمة النظام وحكومته، ويصبح البديل الجاهز إما الندب أو الإعارة. ■ وهل سبق لك الندب؟ - لم أنتدب إلى أى جهة أو عمل خارج القضاء، والمرة الوحيدة التى ندبت فيها كانت داخل القضاء فى إدارة التفتيش القضائى بوزارة العدل، لمدة ٩ سنوات، ويعتبر التفتيش القضائى من أصعب الأعمال فى القضاء حيث يتم اختيار الأفضل فنيا للعمل به حتى يستطيع تقييم عمل القضاة ومراجعة أحكامهم، لكن تمت إعارتى لمدة ٥ سنوات إلى دولة الإمارات، ولم أكمل السنة الأخيرة لى ورجعت إلى مصر. -------------------------------------------------------------------------------- يدلى المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض، بشهادته عن أوضاع القضاء وأحوال المحاكم بعد ٤٦ سنة قضاها على منصة القضاء، منها ٢٠ سنة داخل محكمة النقض، ويكشف المستشار الخضيرى أسباب الاستقالة التى تقدم بها الأسبوع الماضى، منها «احتجاجا على تردى أوضاع القضاة، ويأسه من إصلاح أحوال القضاء» كما يتحدث عن صور تدخلات السلطة التنفيذية فى القضاء. ويكشف المستشار الخضيرى فى الحلقة الثانية من حواره لـ«المصرى اليوم» تدخلات وزير العدل فى العمل القضائى، وخاصة الأحكام القضائية التى يصدرها بعض القضاة فى المحاكم، وكيف يستخدم سطوته وسلطته للهيمنة على القضاة من خلال «أعوانه» رؤساء المحاكم، ويتحدث القاضى المستقيل عن فترة حساسة من تاريخ مصر وهى التى شهدت الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والانتخابات الرئاسية ثم الانتخابات البرلمانية، ويؤكد أن السلطة التنفيذية وعلى قمتها الرئيس مبارك، «مخنوقة» من القضاء بسبب كشفهم ما يسمى تزوير الانتخابات وفضحهم التجاوزات والانتهاكات التى حدثت، لذلك كان طبيعيا تعديل الدستور بهدف سحب الإشراف على اللجان الانتخابية من القضاة، على حد تعبيره.. وإلى نص الحوار.. ■ نسمع عن التأثير على القضاة فى عملهم.. هل يحدث ذلك وكيف وما نوعه؟ - نعم، هناك تأثير على القضاة حتى يصدروا أحكاما معينة، والتأثير له أشكال وأنواع عديدة، منها ما يمثل خطورة شديدة على القضاء ونزاهته، وبالطبع لا يتم التدخل فى جميع القضايا، بل فى قضايا معينة تهم الدولة أو النظام أو حتى مسؤولين نافذين ورجال أعمال. ■ كيف يتم ذلك وبعض القضاة ينفى حدوثه أصلا؟ - لهم الحق فى نفى ذلك، لكنها شهادة رجل قضى داخل القضاء أكثر من ٤٦ سنة، منها ٢٠ سنة فى محكمة النقض، وأستطيع القول إن هذا يحدث بطرق مختلفة فى الأسلوب، كما أؤكد أن هذا لا يحدث أيضا مع أى أحد، فلا يمكن أن يتدخل أى مسؤول عند الخضيرى مثلا، بل لا يجرؤ أن يفعل ذلك، لأنه سيقابل بطريقة لا يمكنه أن يتخيلها. ■ وما هى أبرز صور التدخل؟ - اختيار قاضٍ بعينه لنظر قضية بعينها، وهذا من أفظع الطرق للتدخل فى القضايا، وأفظع صور التلاعب بالقضاء، بمعنى أن القضايا لا يتم توزيعها على القضاة أو الدوائر بطريقة موضوعية ومضبوطة للجميع سلفا، أى لا يعرف أحد حتى القاضى نفسه هذه القضية «رايحة فين»، لكن يحدث فى المحاكم أن يقوم رئيس المحكمة باختيار قضاة معينين لنظر قضايا معينة، والدليل مثلا أن معظم المحامين المترددين على المحاكم أصبحوا يعرفون الحكم قبل صدوره من خلال إحالة القضية إلى دائرة معينة، وهذه مسألة فى منتهى الخطورة، وهناك طريقة أخرى للتأثير على القضاء بندب القضاة للعمل فى وظائف غير قضائية فى الوزارات والهيئات بجانب عملهم القضائى. ■ بصراحة هل تحدث اتصالات هاتفية لبعض القضاة فى قضايا معينة على طريقة الأفلام؟ - لا يحدث ذلك بتلك الفجاجة، إلا مع نوعية ضئيلة من القضاة وهم ضعفاء النفوس أو الذين فى قلوبهم هوى أو مرض، أقصد الذين يجرون وراء المناصب والأموال، كما يمكن أن يحدث ذلك مع القضاة صغار السن وعديمى الخبرة، لكن بشكل عام هناك أساليب أخرى غير مباشرة، تجدى نفعا مع عدد كبير من القضاة، وهى جعلهم يلهثون وراء الفوز بمنصب محافظ أو حتى وزير أو ندب لوظيفة بمبلغ محترم، والمسألة تأتى فى صورة كلام يُلقى، مثل «هناك حركة تعيينات أو حركة محافظين مقبلة».. وهكذا، وكل لبيب بالإشارة يفهم. ■ وما هو الحال مع القضايا السياسية أو الحساسة؟ - لا يختلف الأمر، فما دام هناك اختيار قاض معين لنظر قضية معينة، فالمسألة ستصبح محل شك وارتياب يؤثر على القضاء ونزاهته. ■ هل تذكر قضايا معينة؟ - كثير من القضايا، ولا أحب أن أخوض فيها. ■ لكن الرأى العام يريد أن يعرف ما يحدث خصوصا أن مرجعيتنا جميعا كقضاء وسلطة للشعب؟ - هناك قضية حدث فيها ذلك وهى القضية المعروفة بالمبيدات المسرطنة الخاصة بوزير الزراعة الأسبق د.يوسف والى، وهذه القضية أحيلت إلى قاض معين، حتى يستصدر فيها حكما معينا، وهذا ما حدث، كما لا أخفيك سرا أن هناك قضاة كثيرين مع الأسف يتمنون أن يتم اختيارهم كمحافظين، ولذلك قد يفعلون أى شىء فى سبيل اختيارهم لذلك المنصب أو لمناصب تنفيذية أخرى، رغم أن القاضى الحقيقى لا تعوضه مناصب الدنيا عن منصة القضاء، وأى قاضٍ هو أعلى من أى وزير فى الحكومة. ■ لماذا لا تكون هناك طريقة موضوعية عند إحالة أو توزيع القضايا؟ - المفترض أن يتم توزيع العمل عن طريق الجمعية العمومية لكل محكمة، لكن ما يحدث أن رؤساء المحاكم، وهم أعوان الوزير ورجاله وعيونه على القضاة، لديهم ما يسمى بـ «التفويض من الجمعية العمومية» فيستغلونه أول ما يستغلونه بالتأشير بإحالة قضية معينة لنظرها أمام دائرة معينة، غير الدائرة الأصلية التى من المفترض أن تنظرها. ■ لماذا لا يعترض القضاة داخل المحاكم؟ - بعض القضاة يبررون ذلك بأنها مواءمات للعمل كما أنهم يؤكدون لبعضهم البعض أن أحدا لا يستطيع أن يتدخل فى القضية مهما كان، وكثير من القضاة مع الأسف «بيقولوا وأنا مالى»، خصوصا أنهم لا يريدون أن يخسروا وزراة العدل بما تملكه من إغراءات مادية، فيصبحوا محكومين بالمزايا، كما أن القاضى المحال إليه يعتبرها فرصة لتقديم نفسه فى انتظار المكافأة، والنفس البشرية أمارة بالسوء، وأخطر شىء يهدد القضاء هو نظر القضاة إلى الوظائف التنفيذية فى الوزارات أو تعيينهم كمحافظين، وغيرها من المناصب، وأطالب بتعديل فى القانون يحظر على القضاة تقلد أى مناصب تنفيذية حتى بعد تقاعدهم بل حتى لو استقالوا من القضاء. ■ إذن المشكلة فى التفويض؟ - بالطبع التفويض له دور كبير فيما يحدث.. والتفويض شكلا قانونى لكنه تحول إلى عمل غير قانونى، فقد كان هدفه هو عدم التوسع بحيث لا يكون إلا فى أمور معينة، وأهمها عدم تعطيل العمل أثناء العام القضائى، حتى لا تتم دعوة جميع القضاة بمحكمة معينة لجمعية عمومية لنظر أمر، فيقوم رئيس المحكمة عن طريق التفويض باتخاذ اللازم نحوه، لكنه تحول إلى عمل مشبوه، فأصبح يستخدم فى أعمال تسىء للقضاء والقضاة، ومنها إحالة قضية بعينها إلى قاضٍ بعينه، بدلا من إحالتها إلى قاضيها الطبيعى. ■ ووزير العدل.. هل يتدخل؟ - بالطبع، وهذا لا يتم إلا برغبة وزير العدل التى هى رغبة الحكومة فى الأساس وهو يمثلها فى القضاء والمحاكم، وهو أداة النظام الحاكم، فعندما تكون للحكومة مصلحة فى قضية معينة، تقوم عن طريق وزيرها بتحريك الأمور، والوزير يعطى تعليماته لرؤساء المحاكم الذين يختارهم ويعينهم بمزاجه، ويستطيع أن يقيلهم من مناصبهم بمزاجه أيضا، ورغم أن مجلس القضاء الأعلى له حق الموافقة على اختيارهم وتعيينهم لكن يبقى الأمر شكليا فى النهاية، لأن الوزير يدير القضاء ويسيطر على القضاة بوسيلتين أساسيتين: الأولى من خلال أعوانه رؤساء المحاكم، والوسيلة الأخرى عن طريق التفتيش القضائى، الذى نجاهد لنقل تبعيته إلى مجلس القضاء الأعلى، رغم أن ممدوح مرعى يسعى حاليا بكل قوته لفرض سطوته وهيمنته على المجلس الأعلى من خلال مشروع قانون توسيع عضويته وضم رؤساء المحاكم الابتدائية إلى تشكيله. ■ لكن المشروع يتضمن ضم رؤساء محاكم استئناف جدد أيضا؟ - بالفعل، لكن مع الأسف فالمفروض أن رؤساء محاكم الاستئناف لا سيطرة للوزير عليهم، لأن اختيارهم بالأقدمية المطلقة، لكن عن طريق وسائل الترغيب والإغراءات وتمنيتهم بالمناصب التنفيذية، قد يتم التأثير عليهم. ■ ولماذا يحدث ذلك مع رؤساء محاكم الاستئناف وليس نواب رئيس محكمة النقض؟ - هناك حساسية بين الاثنين، رؤساء الاستئناف ونواب النقض، وهذه من الأمور المسكوت عنها داخل القضاء لكنها أشبه بالنار تحت الرماد، ومع الأسف الحكومة والنظام والأمن هم من يساهمون فى جعل النار مستعرة تحت الرماد، عن طريق الإيقاع بين القضاة وبعضهم البعض، فيوهمون القضاة بأن نائب النقض «حاسس بنفسه وبأنه أحسن منك»، ويرددون لهم أن نواب النقض هم السوبر رغم أنهم الأقل عددا والأعلى منصبا واختيارهم يتم بالكفاءة، أما مستشارو الاستئناف فهم الشغيلة، الذين يعملون أكثر وعددهم أكبر ودرجتهم القضائية أقل، وهذا كله يتم بهدف تأجيج الخلافات داخل القضاء، واستغلالها للإيقاع بين القضاة، خصوصا أن اختيار أى من مستشارى محاكم الاستئناف للالتحاق بمحكمة النقض لا يتم إلا بترشيح من الجمعية العمومية لمحكمة النقض وبناء على تقارير الكفاءة والإنجاز، لكن ما أحب أن أقوله إن مستشارى الاستئناف هم على نفس الدرجة القضائية، وهم الأقدم داخل القضاء، والأقدمية لها الاحترام بحسب تقاليدنا القضائية، ولا امتياز لقاضٍ على قاضٍ إلا بعمله وعدله. ■ هل تشعرون بأن الرئيس مبارك يكره القضاء؟ - السلطة التنفيذية بشكل عام تكره القضاء، لأنها تشعر بأن القضاة يراقبون عملها وتصرفاتها، فالقضاة فى أحكامهم قد يحاكمون الحكومة أو النظام، ويتضح ذلك بشكل خاص فى مجلس الدولة. ■ بصراحة.. هل تعتقد أن النظام الحاكم «مخنوق» من القضاة؟ - بصراحة شديدة نعم.. أعتقد أن النظام يضيق بالقضاة، وكل القضاة يشعرون بذلك. ■ لماذا؟ - لأسباب متعددة، أعتقد أن أهمها على الإطلاق أننا كقضاة أحرجنا النظام الحاكم وأغضبناه، عندما كشفنا عورة تزوير الانتخابات العامة والاستفتاءات الرئاسية والتعديلات الدستورية على المستوى العالمى، وبصراحة من الممكن أن يقول الجميع إن الانتخابات يتم تزويرها لكن أن يعلنها أو يكشفها القضاة فى تقارير موثقة فيما يسمى بـ«تقارير تقصى الحقائق» فى الاستفتاء والانتخابات البرلمانية والرئاسية، فهذا قد تسبب فى كشف الدولة وفضح النظام الحاكم، ويذكرنى هنا أن أحد الصحفيين اليابانيين تحدث عن تزوير الانتخابات فى مصر، وقال إن هذا الأمر مكرر، لكن المثير والجديد أن يعلنه القضاة بأنفسهم، لذلك كان الصدى مدويا فى الخارج قبل الداخل. ■ أتصور أن النظام رد لكم الصفعة - إن جاز التعبير- عندما عدل الدستور لكى يلغى الإشراف القضائى الكامل.. ما رأيك؟ - هذا صحيح.. وكنا متأكدين أن النظام الحاكم سيلغى المادة ٨٨ من الدستور، الخاصة بالإشراف القضائى على اللجان الانتخابية، أى قاض على كل صندوق، وبالمناسبة علمنا من مسوؤلين نافذين من داخل النظام، أن الحكومة تسعى لإلغاء الإشراف القضائى، وكان الهدف الرئيسى من التعديلات الدستورية، هو إلغاء الإشراف القضائى، لذلك فقد وصفتها بـ«النكسة»، لكن فى الحقيقة تصورنا أنهم سيقرون قانونا لتنظيم الإشراف القضائى، وإلغاء إشراف القضاة الكامل عليها، لكن ترزية القوانين كانوا أكثر دهاء فوضعوا نص إلغاء الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات فى الدستور، حتى لا نطعن عليه بعدم الدستورية. ■ البعض يرى أن إعلانكم وكشفكم التجاوزات التى حدثت فى الانتخابات العامة أضر بالبلد ومصلحة المواطنين، لأنه أدى إلى إلغاء الإشراف القضائى، وأعادنا إلى ما قبل انتخابات عام ٢٠٠٠؟ - «طيب» كيف كنا سنتصرف أمام ما يحدث من تزوير فاضح وانتهاكات شديدة، هل كنا نرى التزوير بالصورة الفاضحة، ونصمت عليه، ثم يخرج علينا مسؤولون كبار ليعلنوا أن الانتخابات تمت بشفافية ونزاهة، تحت إشراف قضائى كامل، كما كان يخرج من داخل القضاء مستشار لينفى حدوث أى تجاوزات، هل البديل أن نصمت ونتحول إلى شياطين خرس؟! أنا مندهش من ترديد أن القضاة الشرفاء هم من أخطأوا لأنهم كشفوا التزوير، وما كان يجب ذلك، لكن أقولها واضحة: هذا دورنا ولمصلحة البلد والشعب فعلنا ما فعلناه، وليس لمصلحتنا. ■ لكن الشعب إما شارك فى الاستفتاء بالموافقة على التعديلات الدستورية أو قاطعها، وفى الحالتين نجحت الدولة فى إلغاء الإشراف؟ - بالفعل.. لكننا تحركنا لكشف التجاوزات ولم نصمت عن قول الحق، وكانت النتيجة أن الناس صمتوا على ما يحدث ولم يعترضوا، وأحب أن أوضح هنا أننا لا نتمسك بالإشراف على الانتخابات، بل نريد أن يكون الإشراف من أى جهة بحياد وشفافية. ■ تقصد أن يكون هناك إشراف دولى على الانتخابات فى مصر؟ - نعم.. لكنى لا أتوقع أن يقبل النظام ذلك بسهولة، كما أن القضاة ليسوا الشرفاء الوحيدين فى مصر كما كان يحلو للبعض التقليل من شأننا، لكن القضاة هم الفئة التى تعتبر سلطة من سلطات الدولة، وأى فئة أخرى فى البلد، مهما كانت محترمة ونزيهة، فإن الشرطة والأمن سيقمعها، حتى إن هذا تم مع القضاة أنفسهم بالاعتداء عليهم وتكسير عظامهم أحيانا، إذن يبقى الإشراف الدولى هو الحل المناسب. ■ وكيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ - يمكن أن يحدث تحت الضغط الشعبى والوعى العام، رغم أننى أتوقع أن تتلاعب به الحكومة، وتلتف حوله، ولا أخفيك سرا إذا قلت إننى عندما أسمع الحكومة أو أى مسؤول يقول إن الانتخابات المقبلة ستتم بشفافية ونزاهة، أستبشر شرا بأنها ستزور، لأنه إذا وقف الحرامى وقال أنا مش هسرق، فبالتأكيد لن يجد عاقلا يصدقه، وعموما لا يوجد أحد يعلن أنه شريف، فالمفترض أن الجميع شرفاء حتى يثبت العكس. ■ لكن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اعترفا بحدوث تجاوزات فى الانتخابات؟ - الرئيس قال إنه قد حدثت بعض التجازوات، وأنا أساله: يا سيادة الرئيس إذا كان ما حدث فى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو الاستفتاء مجرد تجاوزات، «أُمال الجرائم تبقى إيه؟!»، وإذا كان مسؤول كبير على رأس السلطة القضائية، وهو المستشار مقبل شاكر يخرج علينا ليقول إنه لم يسمع أن الانتخابات تم تزويرها، وكل شىء سليم ولم تحدث أى تجاوزات فى أى انتخابات سابقة، وقال أيضا عندما سألوه عن لجنة تقصى الحقائق: «الخضيرى ماله ومال الانتخابات هو لم يشرف عليها»، فأنا بدورى أسأله: «يا سيادة المستشار وشيخ القضاة، ما رأيك فى شهادات القضاة الذين أشرفوا على الانتخابات.. وكتبوا تقارير بتزويرها والانتهاكات التى حدثت؟!».. هذا كلام لا يرد عليه إلا بقولى «الله يسامحكم» على ما فعلتموه وتفعلونه بالبلد. ■ لكنك بالفعل لم تشارك فى الإشراف، ومع ذلك كنت الأعلى صوتا؟ - أنت تعرف أننا فى نادى قضاة الإسكندرية، أثناء فترة رئاستى له، شكلنا لجنة لمتابعة الانتخابات ورصد التجاوزات التى تحدث داخل اللجان وضد القضاة تحديدا، وشكلت اللجنة من حوالى ٢٠ قاضيا ومستشارا، بهدف تلقى الشكاوى الخاصة بإجراءات وسير العملية الانتخابية، وكنا نتلقى التجاوزات على فاكس النادى، كما أننى قمت بالمرور على اللجان الانتخابية والاطمئنان على القضاة داخل اللجان، وشاهدت وتلقيت مستندات وأوراقاً تثبت أن الانتخابات تم تزويرها فى عدد كبير من الدوائر، وهو ما كشفته أيضا أحكام محكمة النقض فيما بعد، ومازلت أحتفظ بمستندات رسمية عبارة عن أصول الأوراق الانتخابية كالفرز بالتوقيعات، وعدد الأصوات التى تثبت وقائع التزوير..المثير أننى أمتلك أوراقا رسمية لعدد من الدوائر كبندر دمياط مثلا، ومع ذلك فإن الحكومة أعلنت النتيجة ولا أدرى أين هى المستندات التى تملكها لتعلن ذلك، وأنا لدى أصول الأوراق. ■ ما الدرس الذى تعلمته من تلك التجربة؟ - تأكدت من خلال تلك التجربة، أن الإرادة الشعبية مازالت قوية، لأننى عندما ذهبت إلى لجنة فى كرموز، ووجدت عددا كبيرا من الشباب ملتفا أمام لجنة معينة، والبلطجية والأمن لا يستطيعون أن يقتربوا من اللجنة، عرفت أنهم مجموعة من شباب المنطقة، وأن اللجنة خاصة بالسيدات، فاتفقوا على عدم اقتراب الأمن المركزى أو البلطجية من تلك اللجنة حتى لا يتم التعدى عليهن أو الاحتكاك بهن، وعندما دخلت إلى اللجنة وجدت إقبالاً كبيراً على التصويت، دعنا نتخيل أن هذه التجربة تكررت فى كل لجنة وتصدى المواطنون للتجاوزات والحفاظ على الأمن والنظام داخل وخارج اللجان، ماذا سيحدث؟! دون شك فإن الحكومة ستشعر بالخطر، لأن الحكومة لا تستطيع أن تتعرض لأحد إلا إذا كانت متأكدة أنها قادرة على قهره، وحسابات رجال الشرطة مختلفة، فالأمن لا يتدخل إذا كان سيخسر، وأنا مؤمن بأن الشعب أقوى إذا عرف قوته وقدراته جيدا. ■ ما رأيك فيما يوصف بـ«عسكرة القضاء»، أى أن يستقيل ضباط الشرطة ليتم تعيينهم فى القضاء؟ - أعتقد أن ذلك عمل مؤسف وغير موفق بالمرة، لأن التربية مختلفة بين الاثنين، وسأضرب مثلاً بذلك فالقاضى الذى كان ضابطا يفاخر بأنه يحبس ويستخدم أساليب البوليس ويتعامل على أنه ضابط، ورغم أن لكل قاعدة شواذ، فإن أكبر شواذ هذه القاعدة المستشار محمود مكى نائب رئيس محكمة النقض، فقد كان ضابطاً بالأمن المركزى، ومع ذلك فهو حاليا أحد أبرز القضاة المؤمنين بقضية إصلاح القضاء والمطالبين باستقلاله. ■ وهل هناك هدف وراء التوسع فى تعيين الضباط بالقضاء؟ - بالطبع.. فمسلك الضابط قريب جدا إلى تنفيذ الأوامر الفوقية التى تصدر إليه، وهو لا يستنكف تنفيذ أى أوامر، لأن تربيته تفرض عليه ذلك، بعكس القاضى الذى تتم تربيته على أنه مستقل وغير تابع لأحد ولا أحد يرأسه، حتى رئيس الدائرة التى يعمل فيها أو رئيس المحكمة، وتوسيع قاعدة تعيين الضباط فى القضاء شىء مؤسف. ■ غداً فى الحلقة الثالثة.. الخضيرى يكشف: علاقته بالإخوان.. وسر تعاطفه معهم. وأسباب خسارته انتخابات نادى القضاة بالإسكندرية؟ وما المكافأة التى حصل عليها ممدوح مرعى؟ ولماذا توترت العلاقة بينه وبين الوزير؟ وأزمة مجلس الشعب «المنبطح». ومصير مشروع التوريث. -------------------------------------------------------------------------------- يواصل المستشار محمود الخضيرى نائب رئيس محكمة النقض الذى تقدم باستقالته من القضاء، حواره الشامل مع «المصرى اليوم» عن أوضاع القضاء وأحوال القضاة، ويؤكد أن مبارك أعطى المكافأة لممدوح مرعى بتعيينه وزيرا للعدل، بعد الدور الكبير الذى قام به أثناء رئاسته فى الانتخابات الرئاسية. ويرى الخضيرى أن تعيين وزير العدل الحالى لم يكن قرارا موفقا، كما يعرض بالتفصيل لرأيه فى وزراء العدل السابقين وتوقعاته لما يسمى بملف توريث السلطة. ويدافع المستشار الخضيرى عن اتهامه بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، كما يتحدث عن خسارة تيار الاستقلال معركتى انتخابات ناديى القاهرة والإسكندرية.. وإلى نص الحوار. ■ هل تعتقد أن اختيار مرعى وزيرا كان موفقا؟ - لا أعتقد ذلك، الرئيس لم يكن موفقا بالمرة فى اختياره لمرعى، حتى لو قال البعض إنه اختاره لمهمة محددة، لأن اختياره يشبه تعيين ناظر مدرسة عنيف لتأديب مدرسة المشاغبين أو مأمور سجن شرس لتأديب السجناء الأشرار، وفى الحقيقة هذه الطريقة لا تجوز ولا تليق فى التعامل مع القضاة وتكشف جليا عن أن الرئيس بهذا الأسلوب إلى جانب عدم تنفيذ الأحكام التى بالتأكيد تتم بعلمه كما سبق أن قلت، لا يكن الاحترام الكافى للقضاة، ومرعى منذ جاء للوزارة تعامل معنا على أننا عساكر فى المعسكر، ولا أخفيك سرا أن سبب وسر هجومى عليه، هو أن القضاة عندما تم تعيينه كانوا منزعجين للغاية، لشعورهم بأنه جاء لتصفيتهم وإنذار بمذبحة جديدة للقضاء، فكان هدفى هو نزع رهبة «مرعى» من قلوبهم، ومع ذلك لم أكن أنتقد مواقفه أو أهاجمه دون سبب بل لمواقفه الرافضة للتعامل مع القضاة ومنع الدعم ومنع مقابلتهم، وشنه حربا شرسة ضد النادى ومجلس إدارته، ولعلمك فنحن لم نكن البادئين بالعداوة معه بل كان هو البادئ والدليل أننا حاولنا دعوته للنادى وتهنئته فى مكتبه، فكان يرفض الدعوة أو الحضور. ■ لكن موقفه لم يكن منكم فقط بل تكرر نفس الأمر مع مجلس البسيونى فى الإسكندرية، ومجلس الزند فى نادى قضاة مصر؟ - هذا موقف غريب بالفعل فحتى هؤلاء الذين كانوا يغازلون الحكومة ويرتمون فى أحضانها ممن يسمون بالتيار المحسوب على الحكومة فى ناديى الإسكندرية والقاهرة، يتجاهلهم ولا يتعامل معهم، بل ويرفض التعامل معهم ويرفض استقبالهم، لدرجة أنه رفض تسلم درع النادى، وأعاده مرة أخرى للمستشار أحمد الزند عندما أرسله إليه، وهذا بمثابة الصفعة على وجه الزند والنادى الذى يمثله، وكان يجب أن يتخذوا موقفا منه لأن كرامة أى قاض أفضل من أى وزير فى الحكومة، أيضا موقف البسيونى كان مؤيدا للوزير بعد أن نجح ضدى فى انتخابات النادى، ومع ذلك فقد رفض أن يستقبله، كما رفض تهنئته بفوزه، المضحك أنهم كانوا يروجون ويوهمون القضاة بأن الخير قادم على يده ويديهم. ■ ولماذا يفعل ذلك؟ - أتصور أنه يشعر بأن تلك السياسة تجعله مرضيا عنه لدى القيادة السياسية، لأن نادى قضاة مصر كان صوته عاليا، ومرعى جاء بمخطط لإسكات صوت النادى الأم والنوادى الفرعية وقطع لسان القضاة الذين فضحوا وكشفوا عورة وجريمة تزوير الانتخابات والاستفتاءات، وحاول تحويلها إلى أماكن لشرب الشاى والقهوة كما أعلن هو بنفسه. ■ وهـل نجح فى ذلك؟ - نجح بالفعل، لكن تيار الاستقلال له رجاله وهم أصحاب قضية، وإذا استمر مرعى فى منصبه، سيعود بقوة، لأن الأمور تسوء والقضاة بدأوا يشعرون بالفارق بين سلوكيات المجلسين السابق والحالى فى ناديى مصر والإسكندرية، فالمزايا بدأت تضيع، بل الذى تم تحقيقه فى سبيله للضياع مثل تذاكر سفر القضاة فى القطارات، وتراجع الرعاية الصحية وإلغاء تعاقدات المستشفيات، وضياع القروض والشقق وغيرها. ■ فى اعتقادك.. هل سيستمر «مرعى» فى منصبه أم لا بعد انتهاء مهمته المتمثلة فى إخراج تيار استقلال القضاء من النادى حسب قولك؟ - أعتقد أنه سيستمر لأن هناك بعض المطالب التى يجب أن ينفذها ويحقق نتائجها، وأهمها هزيمة تيار الاستقلال فى مجلسى إدارتى الناديين، وليس خروجه من النادى لأن تيارنا باقٍ وقوى فى قلوب وعقول معظم القضاة. ■ لكنكم خسرتم الانتخابات بأيدى القضاة وعبر انتخابات داخل ناديكم؟ - بالفعل لكنهم استطاعوا إقناع القضاة بأن خروجهم سيجلب عليهم الخير الكثير، مثل القروض الكبيرة والسيارات والشقق بالتقسيط، وبالطبع القضاة كأى تجمع آخر، من الممكن أن يتم التغرير بهم والضحك عليهم. ■ بمناسبة انتخابات النادى ما رأيك فى المستشار أحمد الزند؟ - شخص خدوم ويحاول أن يفعل شيئا.. وأنا أعرفه منذ سنوات طويلة، لكنه مع الأسف يريد إرضاء السلطة بأى شكل عبر نهج الحوار والأسلوب الهادئ فى التفاوض مع الحكومة، أو الوزير الذى يريد إغلاق النادى ومنع الدعم عنه، وعقاب القضاة، الطريف أنه قال إن «طريقته وأسلوبه إذا لم تسفر عن نتيجة سيرحل عن النادى» طيب ماذا حدث خلال الـ ٧ أو ٨ شهور الماضية من وجوده فى النادى. ■ لكن المستشار الزند والبسيونى يرفضان تماما الاعتصامات والجمعيات العمومية الطارئة ولهما منطق فى ذلك؟ - وماذا فعل الحوار الهادئ، لعلمك جميع المزايا والحقوق التى حصلنا عليها كانت عن طريق وقفاتنا الصلبة تجاه الحكومة، رغم أننا كنا نضطر أحيانا إلى ذلك الأمر، وأنا أقول للزملاء الذى يستهجنون الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحقوقهم على أٍساس أن هذا لا يليق بالقضاء، إن الوقفات الاحتجاجية أصبحت ثقافة عامة تتبناها جميع فئات الشعب، والقضاة فئة من الشعب، والقول بأن هذا لا يليق بها، هو نوع من التعالى ويشعر الشعب بأننا فئة مميزة، رغم أن أساتذة الجامعة والأطباء والمهندسين وقفوا واحتجوا مادام الأمر يستحق سواء للمطالبة بالحقوق أو دفع العدوان، والقضاة هم جزء من النسيج الشعبى، يقفون معه فى خندق واحد، وهذا ربما يغرس فى نفوس المواطنين كراهية القضاة. ■ لكن يجب ألا يحتك القضاة بعامة الناس؟ - من قال إننا نطالب بأن يحتك القضاة بالناس، لكننا وقفنا وقفاتنا الاحتجاجية داخل أسوار نادينا، واعتصامنا كان داخل النادى، ولم نكن نردد شعارات أو هتافات، بل كنا نحرص على أن تكون وقفتنا داخل دار القضاء العالى، لكنهم أغلقوا أبوابها فى وجوهنا، فوقفنا على السلالم الخارجية داخل الأسوار بوقار كما جعلنا حاجزا لمنع أى أحد من الانضمام إلينا. ■ أنت صاحب الدعوة لأول اعتصام للقضاة فى ناديهم احتجاجا على إحالة البسطويسى ومكى إلى الصلاحية لماذا فكرت فى ذلك؟ - كان هدفى الرد بأسلوب قوى على قرار الإحالة، لأن ما حدث لهما كان بمثابة المذبحة، والتى كانت لن تتوقف عند البسطويسى ومكى فقط بل كانت الدائرة ستأتى علينا، ويومها حضرنا من الإسكندرية إلى نادى قضاة مصر، واقترحت على الزملاء الاعتصام للرد بقوة وبعضهم تحفظ، فأعلنت مع عدد من زملائى أننا سنعتصم فى جميع الأحوال بعدها قرر الجميع الاعتصام واعتصمنا لمدة شهر داخل نادينا. ■ لو عادت الأيام للوراء هل كنت ستتخذ نفس القرارات مثل تعليق الرايات السوداء على النادى بالإسكندرية؟ - نعم سأفعل ما فعلته ويمكن أكثر كمان، ومسألة الرايات السوادء كانت بمناسبة تمرير التعديلات الدستورية الأخيرة، وكان هدفى الإعلان عن أن هذا يوم حزين فى تاريخ مصر، يوم حداد، لكن بعض القضاة غضبوا. ■ وهل ساهم ذلك فى فقدانك كرسى رئاسة النادى فى أول انتخابات؟ - ربما كان ذلك من ضمن العوامل التى ساهمت فى هزيمتى، لكنها ليست العوامل الرئيسية، فلا تنس الضغوط الحكومية على القضاة، وإيهامهم بأننى حائل أمام الخير القادم لهم وتصويرى بأننى معارض للنظام، ومع ذلك كان هذا الفارق ٢٧ صوتا مع البسيونى. ■ ترى لماذا تغير موقف البسيونى من الوزير مؤخرا؟ - يجب أن توجه له هذا السؤال.. لكننى أعتقد أنه كان يتوقع مكافأة بعد هزيمتى ولم يحصل على شىء فى نهاية الأمر، نفس الأمر مع المستشار حسن سليمان رئيس محكمة الإسكندرية، الذى تعاون مع الحكومة بهدف إسقاطى وكل مواقفه كانت لصالح الوزارة ولتنفيذ تعليماتها على حساب القضاة. ■ وما رأيك فى مواقف المستشار مقبل شاكر؟ - مقبل شاكـر.. مشكلته فى ميله للسلطة وهو يسعى للمناصب مما قد يفتح المجال للتأثير عليه، ورغم أنه يفاخر بأنه قضى٤٠ سنة داخل النادى لأنه كان مساعد نيابة، وكان عضوا بمجلس الإدارة، وخرج فى أحداث المذبحة الشهيرة، ومع الأسف قد ينطبق على البعض، القول بأنهم باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، فبالنسبة لمقبل شاكر هو وافق على مشروع قانون مرعى لتوسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى فى آخر يوم لانعقاد المجلس، وقبل خروجه على المعاش بيوم واحد، وكان يجب عليه أن يرفضه أو على الأقل لا يعطى فيه رأيا ويترك الرأى للمجلس الجديد، ورغم كل الخدمات التى قدمها مقبل للحكومة لم يحصل على أى شىء، وكان الأحرى به أن يدافع عن استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات. باختصار مقبل شاكر أشبه بمن قدم كل شىء، لكنه لم يحصل على أى مقابل. ■ لكن المستشار مقبل شاكر أحد المرشحين بقوة لتولى الحقيبة الوزارية؟ - لا أستبعد أن يحدث ذلك، وقد يخلف مرعى فى وزارة العدل، لكن ما أتحدث عنه أن هناك بعض القضاة مع الأسف تحولوا إلى خدم للسلطة، والمنتفعون داخل القضاء كُــثر والمناصب والمكافآت قليلة، فقد يتم مكافأة بعضهم، بمناصب تنفيذية كمنصب المحافظ مثل المستشار عدلى حسين الذى قدم خدمات للسلطة، فاستمر فى منصبه لفترة طويلة، وهناك قضاة لم يحصلوا إلا على الفتات مثل المستشار رجائى العربى الذى قدم خدمات كثيرة للنظام فتمت مكافآته بالتعيين فى مجلس الشورى، للحصول على الحصانة البرلمانية رغم أن عضوية الشورى ليست لها قيمة. ■ كم وزيرا للعدل عاصرت خلال ٤٦ سنة من العمل القضائى؟ - عملت مع ٨ وزراء عدل، فقد عُـينت فى عهد الوزير فتحى الشرقاوى سنة ١٩٦٣، ثم عاصرت مصطفى كامل وأنور أبو سحلى وسامى وممدوح عطية وفاروق سيف النصر الذى مكث فى منصبه لمدة ٢٠ سنة، ثم محمود أبو الليل وأخيرا ممدوح مرعى. ■ وما رأيك فى المستشار محمود أبو الليل وزير العدل السابق؟ - إنسان رقيق ومهذب، ولم نر منه إلا كل خير، رغم أن مواقفنا معه كانت تحرجه مع الدولة، لكنه لم يمنع الدعم عن النوادى، ورغم أنه أرغم على اتخاذ مواقف ضدنا فإن صلتنا متينة حتى اليوم. ■ هل تعتقد أن المستشار أبوالليل أقيل أم استقال؟ - أعتقد أنه أقيل لأن النظام كان لديه الإحساس بأن «أبو الليل» عاجز عن السيطرة على النادى الذى كان فى أوج قوته وتوجهه، وجاءوا بممدوح مرعى كعصا لتأديب القضاة. ■ وماذا عن المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل الأسبق؟ - كان يتعامل مع القضاة بدهاء، ويتحاشى الاصطدام بهم، لكن يؤخذ على فترة وزارته أنها شهد أكبر نسبة لتدخل الحكومة فى أعمال القضاة، وبروز خطورة وتوحش اختيار قاض معين لنظر قضية معينة، وسيف النصر كانت له يد طولى فى تنفيذ سياسة الحكومة داخل القضاء. ■ سيادة المستشار فى رأيك هل سيتحقق مشروع التوريث؟ - التوريث يسير بخطى سريعة وثابتة فى مصر، وذلك ما يرعبنى، ولا يعجبنى قول الرئيس بأنه لم يتحدث مع ابنه فى هذا الشأن، لأنه من غير المنطقى أن تدور كل تلك الأحاديث بين جميع فئات الشعب، من الفلاحين والعمال وحتى المثقفين وصفوة المجتمع، كما أن جميع الصحف المحلية والدولية تناولت هذا الملف، فكيف لا يكون هذا موضع حديث بين الرئيس ونجله. ■ لو تم تمرير ملف التوريث هل سيواجه باعتراضات؟ - أعتقد أنه يمكن أن يواجه باعتراضات شديدة من الشعب بصفة عامة، ولن يمر بشكل طبيعى دون مشاكل، لكن ما يزعجنى حقيقة أن تلك المعارضة لا تكفى لإيقافه تماما، فيجب أن تكون هناك معارضة شديدة يشعر من خلالها الرئيس أن البلد فى خطر إذا لم يتوقف ذلك المشروع. ■ لكن هناك اعتقادا بأن المشكلة ليست فى الشعب بل فى المؤسسات السيادية التى لها دور فى الموافقة أو الرفض؟ - أختلف وأتفق مع ذلك الرأى، فالعامل الرئيسى هنا هو الشعب، بصفته مصدر السلطات، لكن مع الأسف، الشعب غير منظم، ويبقى عامل مهم وهو الجهات الأمنية التى يبدو أن لها دورا كبيرا فى تمريره، ومستقبلنا جميعا مرهون بما سنقوم به من فعل، فالمظاهرات الشعبية والاحتجاجات العارمة يمكنها أن تساهم بفاعلية فى إيقاف هذا المشروع. ■ ما هى تحفظاتك على مشروع التوريث؟ - كثيرة وسأذكر منها فقط المعاناة التى نعانيها جميعا من النظام الحالى وحكوماته طوال أكثر من ٢٨ سنة، ومن غير المنطقى أن نوافق على استمرار تلك المعاناة واستمرار البطالة، والفقر، والأمراض، والتراجع الذى نشهده حاليا على جميع المستويات، وأعتقد أنه إذا تقدم ملف التوريث خطوة إلى الأمام، فإن عجلة السوء التى تحكم حياتنا ستدور مئات الخطوات إلى الخلف، والتأخير فى مواجهة هذا المشروع يمكن أن يتسارع بنا للأسوأ. ■ كيف سيتم التوريث فى اعتقادك؟ - أعتقد أنه لن يأتى فى الانتخابات المقبلة، وأتصور أنه إذا لم يأت فى عهد أبيه فلن يأتى وهو يتعجل الفوز بالكرسى، لأن التأخير فى الاستحواذ على المنصب ليس فى مصلحته، خصوصا وقد يظهر من داخل النظام من يريد الفوز بالكرسى، وفى نفس الوقت الإسراع قد يعرضه للخطر. ■ هل تعتقد أن أزمة مصر فى عدم وجود مؤسسات حقيقية؟ - فعلا، لكن الأزمة الأخطر أن السلطة التنفيذية تسعى حثيثا للتغول على السلطتين التشريعية والقضائية، فتريد إخضاع السلطتين، وللأسف فقد أصبحت الرقابة التشريعية غير موجودة أصلا، فمثلا مجلس الشعب أصبح تابعا للسلطة التنفيذية. ■ بمعنى أنه لا يقوم بدوره المنوط به دستوريا؟ - مجلس الشعب تابع للسلطة التنفيذية والحكومة، وأنا انتقدت المجلس الذى لا يقوم بدوره ويترك الساحة خالية للحكومة للتدخل بتشريعات شاذة ولقيطة ومخالفة للقانون. ■ وهل ندمت على نقدك مجلس الشعب الذى جلب عليك متاعب عديدة واضطررت لتقديم اعتذار للدكتور فتحى سرور؟ - «تنهد قائلا» لم أندم على شىء فى حياتى أكثر من ندمى على ذهابى إلى فتحى سرور رئيس مجلس الشعب للاعتذار، وأقسم بالله أن هذا الموقف كان من أصعب المواقف، وكان ذلك بضغط من زميلىَّ المستشارين الجليلين أحمد مكى وزكريا عبد العزيز، كما كانت خشيتنا أن هناك مؤامرة تحاك للإيقاع بالنادى وكنت رئيسه وقتها، وبالفعل ذهبنا إليه فى الساحل الشمالى ورغم أن د.سرور استقبلنا بحفاوة وود شديدين، لكن شباب القضاة حزنوا بشدة لاعتذارى وقالوا لى إنهم كانوا على استعداد لتحمل أى نتائج ولا أعتذر. ■ بصراحة ماذا كنت تقصد بكلمة «منبطح» التى تسببت فى الأزمة؟ - لم أقصد بكلمة منبطح أى معان قبيحة، كما روج البعض، بل لم يرد على ذهنى ذلك، وعندما التقيت بالدكتور سرور قلت له لم أقصد المعانى غير المهذبة التى قد ذكرها البعض، ووجدته متفهما للغاية. ■ وماذا كان سيحدث؟ - لن يحدث شىء وخفت من الانقسام داخل القضاة بين مؤيد ومعارض، وقلت آجى على نفسى، وندمت بشدة، وضايقنى هذا الموقف. ■ بمناسبة ذكر الندم هل ندمت على أى تصرف قمت به فى القضاء؟ - بالنسبة لعملى القضائى، لا أشعر بأى ندم، أما عن مواقفى فأنا مقتنع بها ولا أخجل منها وسأكررها لو عادت بى الأيام، كما أننى أشعر بأننى أديت مهمتى، وأفاخر بأنى نجحت فى أن أجعل محكمة النقض تعدل عن ٥ مبادئ كان العمل مستقرا عليها. ■ يتردد أن لك علاقة وثيقة بجماعة الإخوان بل يذهب البعض إلى اتهامك بالانتماء إليهم وخاصة بعد الاستقالة وعزمك الاشتغال بالمحاماة؟ - الإخوان المسلمون جماعة محترمة وفيها بعض الأصدقاء، وأرى أنها الفصيل الوحيد المعارض الحقيقى والمنظم فى مصر، وما يهمنى أن أوضحه هنا أننى لم أكن فى يوم من الأيام منتميا لأى تيار أو فصيل سياسى سواء أكان الأخوان أو غيرهم لأن هذا يتعارض مع عملى فى القضاء، كما أنه يتعارض مع مبادئ استقلال القضاء الذى أدافع عنه، وقانون السلطة القضائية، ومسألة اتهامى بالانضمام إليهم مردود عليها بأنه لا توجد أى صلة عضوية بالجماعة من قريب أو بعيد. ■ لكنك قد تكون متعاطفا معهم؟ - تعاطفى يكون مع كل صاحب حق وأنا متعاطف معهم فيما يقع ضدهم من تزوير وفيما يحدث من اعتقالات والإجراءات البوليسية المخالفة للقانون، وأنا كقاضٍ كان يؤلمنى إحالة الإخوان بصفتهم مدنيين إلى القضاء العسكرى، ويؤلمنى كثيرا اعتقال شخصية بارزة مثل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والذى كان يجمع تبرعات لأهلنا فى غزة فى حين أننا جميعا كنا نقوم بذلك. ■ بصراحة.. يتردد بقوة أنك عازم على الانضمام للجماعة بعد استقالتك؟ - هذا غير صحيح بالمرة، وليس فى نيتى الانضمام إلى الإخوان أو إلى أى حزب أو تيار أو جماعة سياسية، وسأحافظ على استقلالى الكامل بحيث لا يختلف مسلكى فى هذا الأمر عن مسلكى وأنا قاضٍ، لأن الاستقلال يعطينى ميزة قول الحق بكل حرية دون مجاملة أو محاباة أو التقيد بمبادئ أو أفكار معينة تحول بينى وبين قول الحق بحرية، وأقولها صريحة وأكررها: سواء أكنت داخل القضاء أو خارجه، لن أنضم إلى الجماعة فى أى وقت من الأوقات. رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
مدام محمود بتاريخ: 26 سبتمبر 2009 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 26 سبتمبر 2009 سيدي الفاضل انا ليا تعليق واحد عن استقاله رجل عظيم زي المستشار محمود الخضيري ان الاستقاله دي ان دلت علي شئ يبقي بتدل علي ان البلد فعلا خربااااااااااااااااااااااااانه عارف لما سألوا سياده المستشار في دعابه انت معاشك هيكون كام قال ايه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ 1800 جنيه مصري :blink: مع العلم ان منصبه اعلي المناصب القضائيه فيكي يامصر كلمه اخيره لالالالالالالالالالازم اقوله لكي الله يامصر انتي وشعبك :D :lol: :hi: رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان