اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الامن


Mohammad Abouzied

Recommended Posts

مفهوم الامن

الامنُ، لغنةً: هو الاطمئنان والسّكينة. وفي المعجم الوسيط (أمن أمناً، وأمانةً، وأمنةً: اطمأنّ ولم يخَف، فهو آمن، يقال لك الامان: أي قد آمنتك) وفي القرآن الكريم: (قالَ هل آمنُكم عليه الا كمَا أَمنتكُم على أخيهِ مِن قَبل) (2). والامنة: الامنُ، منه قوله تعالى: (أمنةً نُعاسا)(3). والبلد الامن: هو البلد الذي امأن فيه أهله. (والتّينِ والرّيتُونِ. وطُورِ سِنينَ. وهذا البلدِ الامين)(4). واستأمنهُ: طلب منه الامانَ. والامنَة: الاطمئنان وسكون القلب. والامون: المطّية المأمونة العثار. ولامأمنُ: موضع الامن. والامن هو نقيض الخوف... قال تعالى: (وليُبدّلنّهُم مِن بعدِ خوفِهِم أمناً)(5). والامن للانسان هو الطُمأنينة والسّكينة وانتفاء الخوف عن نفسه، ما يجعله مقبلاً على الحياة بروح معنوى عال، وثقة بالنّفس.

والامن، اصطلاحاً: يعني الاجراءات الامنيّة التي تُتخَذ لحفظ أسرار الدّولة وتأمين أفرادها ومنشآتها ومصالحها الحيوية في الدّاخل والخارج. والاجراءات الامنيّة تتطّلب درجةً عاليةً من التّدريب واليقظة والحذر والمهارة، للوقاية من نشاط العدوّ المتربّص، يقول الله تعالى: (ودط الذّين كفرُوا لو تغفُلُون عن أسلحتكُم وأمتعتكم فيميلُون عليكم مّيلةً واحدةً...)(6).

و نظراً الى الوسائل المتطوّرة والمعقّدة، والى السّرية المتناهية التي يستخدمها العدوّ لتجنيد عملائه وتنفيذ مخطّطاته، أصبح لزاماً على الدّولة اتّخاذ الحيطة والحذر، واعمال الاجراءات كافّةً، لمواجهة خطط العدو.

وبما أنّ امكانات وقدرات الاجهزة المتخحصة في بلادنا الاسلامية محدودة العدد والعُدة والانتشار، فلا مناص من أن يتحلى أفراد المجتمع بالوعي الامني، ليكونوا عوناً للدولة، فالامن مسئولية الجميع، وليس عملاً تخصيصاً ضيقاً مقصوراً على أجهزة محددة وأفراد بعينهم، بل ان على كل فرد في المجتمع المبادرة بالتبليغ عن أي عمل يقدر أنه يمس الامن، لانه- حتما- سيمس مصلحة الجمهور ذاته، لذا فالعمل الامني يردُ ضمن الاعداد المطلوب لمكافحة العدو (وأَعدُّدوا لهُم مّا استطعُتم من قُوّة ومن رآباط الخيلِ ترهبونَ به عدوّ اللهِ وعدوكُم وآخرينَ من دونهِم لا تعلمونهم اللهُ يعلمهُم)(7) والخطاب فيى هذه الآية شاملٌ، يؤكد ضرورة الاستعداد والحذر، وفيه تنبيه واضح للمندسّين والمتعاونين مع العدو.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

تعريف الامن:

هناك تتعريفات كثيرة للامن، منها: أن الامن هو: «الطمونينة والهدوء والقدرة على مواجهة الاحداث والطوارىء دون اضطراب). ويقول وولتر ليمبان: «ان الدولة تكون آمنة حينما لا تضطر للتضحية بمصالحها المشروعة». ويقول روبرت ماكنمارا: «ان أمن الدول يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنمية والرفاهية الاجتماعية، وبذلك يكون الامن هو القضاء على الجوع والفقر». ويقول خبراء الامن: ان الامن هو حالة ذهنية ونفيسة وعقلية (security is a state of mind)وفي تراث العرب ورد معنى قريبٌ من ذلك، اذ يقول الشاعر المتني:

وما الخوفُ الا ما تخوّفه الفتى وما الامنُ الا ما رآهُ الفتى أَمنا

وبالتمعن في هذه التعريفات المختلفة، نجد أن المعاني المشتركة والمتلازمة التي تسبب انعدام الامن هي: الجوع، والفقر، والخوف، والظلم، وتردى الحالة النفسية والذهنية لدى الفرد والجماعة على السواء.

وقد أكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهمية الامن في حديث جامع، يقول: «من باتَ آمناً في سرِه، مُعافي فيى بدنه عنده قُوتُ يومه، فكانما حيزت له الدّنيا بحذافيرها». ومنذ أن أهبط آدم وزوجه من الجنة الى الارض تقصمها توقٌ فطرىٌّ الى الامن، وسعىٌ حثيث للتحرر من الخوف والشقاء، وبحث مضين عن الطريق المؤدي الى ذلك، وقد بين الله سبحانه وتعالى هذا السبيل في قوله الكريم: (قالَ اهبطا منها جميعاً بعضكُم لبعض عدوٌّ فامّا يأتينكُم مّني هُدى فمن اتّبع هُداي فلا يضلُّ ولا يشقى)(8). فالابتعاد عن هُدى الرّحمن يورث البغضاء والشك والحيرة والاضطراب، واتباع هدى الرحمن يُورث الامن والطمأنينة والتثبيت. ولذا كان الامن- والاحساس بوجوده أو عدمه- حالة نفيسة وعقلية، لان الامن تدخل فيه عناصر روحية وأخلاقية، ويتأثر بالدين والثقافة والتقاليد وغيرها من العناصر التي تشكل الفرد والجماعة، ولعل من أهم المشاكل التي تؤثر فيى الانسان ذهنياً ونفسياً، مشكلتي الجوع والخوف، دعنا نتأمل قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام، الذيى أنزل ذريته بواد غير ذي زرع، فشعر بانتفاء الامن فيى ذلك الموطن ودعا ربه: (ربّ اجعل هذا بلداً آمِنا وارزُق أهلهُ من الثّمراتِ من آمنَ منهُم باللهِ واليومِ الاخر)(9). وقد امتن الله تعالى على قريش بأن منحهم نعمتي الطعام والامن، فقال سبحانه: (لايلافِ قريش. ايلافهم رِحلةَ الشّتِاءِ والصيّفِ. فليعبُدُوا ربّ هذا البيت. الّذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)(10). ويضرب الله لنا مثلاً آخر يرتبط فيه الامن والاطمئنان بالجوع والخوف والظلم، اذ يقول: (وضربَ اللهُ مثلاً قريةً كانت امنةً مُّطمئنة ياتيها رزقُها رغَداً من كُل مكان فكفَرت بأنعُم اللّهِ فأذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الجوعِ والخَوَفِ بِمكا كانوا يصنعُون)(11). ومع تطور الحياة وأساليبها استُحدثت مسمياتٌ كبيرةٌ للامن، مثل: الامن القومي، والامن الجماعي، والامن الاقليمي، والامن الدولي. كما برزت مفاهيم جديدة مع اختراع اسلحة الدمار الشامل، فصرنا نسمع عن توازن الرعب- أو تبادل الرعب- وعن استراتيجيات الردع وسباق التسلح، فيبدو، لاول وهلة، أن هناك تناقضاً في أسلوب تحقيق الامن بواسطة الخوف، ويبدو هذا المنطق شبيهاً بمنطق أبي نواس:

دَع عنكَ لومي فانّ اللومَ اغراءُ وداوني بالتي كانت هي الدّاءُ

انّ أسلوب الرعب، في واقع الامر، أسلوب غريزي، واننا لنشاهده يومياً لدى الطيور والحيوانات، حين تضخم ريشها، أو تنفخ أوداجها، أو تفرد أجنحتها، وهي أساليب غريزية لاظهار القوة كيلا تحتاج الى استخدامها. كما نشاهد ذلك فيى عالم الاسنان، حين تستخدم بعض دور العرض الجاهيري في خدمتها حراساً مفتولي العضلات بقصد الردع النفسي لمن تحدّثه نفسه أن يخل بالامن. والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «نُصرتُ بالرُّعب مسيرة شهر»، ويفهم من هذا الحديث الشريف أن اظهار القوة للاعداء يُعدُّ من عوامل النصر عليهم. واذا قرأنا هذا الحديث مع الآية: (وأعدُّوا لهُم ما استطعُتم مآن قُوة ومن رّباطِ الخيلِ ترهبونَ به عدوّ اللهِ وعدوكُم وآخرين مِن دونهِم لا تعلمونُهم اللهُ يعلمهُم)(12)، يتضح ما لاعداد القوة، واظهارها من أثر في اخافة العدو. وقد قاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه بضعاً وعشرين غزوة، قاتل العدو في تسع منها، وفر المشركون في تسع عشرة غزوة دون قتال. وفي العام الثاني لموقعة مؤتة- في السنة التاسعة الهجرية- قاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه غزوة تبوك، فأظهر قوة المسلمين للروم، ثم عاد الى المدينة المنورة، فكان لتلك الغزوة أثرها المعنوي السلبي في الروم وحلفائهم الغساسنة.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

الامن القومي:

يختلف مفهوم الامن القومي من دولة الى أخرى، تبعاً لقوة اقتصاد الدولة وآلتها الحربية وأهميتها السياسية والاستراتيجية، وغير ذلك من العوامل. ولكن ما تعارفت عليه الدول هو أن حدود الامن القومي للدولة تجسدها الحدود السياسية والطبيعية لتلك الدولة، وهذه الصيغة أفضل من الصيغة التي تحدد مجال أمن دولة ما، بالمدى الذي تصل اليه مدافعها وأسلحتها، وهي صيغة سادت في الماضي ثم بادت بقيام عصبة الامم ثم هيئة الامم من بعدها. ولكن من المؤسف أن الصيغة القديمة بدأت تُطل برأسها من جديد، اذ نرى في عالم اليوم أن بعض الدول تعتبر أن حدود أمنها القومي تشمل العالم أجمع، ويحدث هذا، عادة، عندما تنفرد دولة ما بالسيادة، فعتبر نفسها- ويقر لها آخرون بذلك- الدولة الاعظم فيى العالم. ومثل هذا الاعتقاد هو أخطر الصيغ على الامن والسلم الدوليين، لانه يؤدي الى التدخل في شئون الاخرين وملاحقتهم الى الحد الذيى يمكن أن ينجم عنده انفراط أمن المجتمع الدولي. والدول عادة توازن موازنة دقيقة بين أمنها القومي وحدوده من جهة، والتعايش السلمي مع الاخرين وعدم المساس بأمنهم القومي وحدوده من جهة اخرى.

ولعل أسباب كثير من التوتر والحروب والصراعات بين الدول مردُّها الى الطموحات غير المشروعة، والاعتقادات غير المبررة التي تؤدي الى التعدي على الآخرين وظلمهم.

ويلجأ كثير من الدول الى صيغ مختلفة لتعزيز الامن، مثل ابرام الاتفاقات الدفاعية والامنية، وعقد الاحلاف العسكرية ومعاهدات عدم الاعتداء، واتفاقيات تبادل المعلومات، وغير ذلك، بينما يلجأ بعض الدول الى عزلة اقليمية كصيغة من صيغ الحفاظ على الامن القومي. ومهما اختلفت الطرق التي تنتهجها الدول فان الهدف واحد، هو: الحفاظ على المصالح العليا.

ويقول هارولد براون- أحد وزراء دفاع الولايات المتحدة السابقين-: ان الامن القومي هو: (القدرة على صياغة وحدة الامة ووحدة أراضيها، والحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم بشروط معقولة).

ويقول غيره بأن الامن القومي هو: (قدرة الدولة على حماية كيانها ضد الاخطار الماثلة أو المحتملة، وقدرتها على حماية مجموع مصالحها القومية، وادارة مواردها بما يحقق الاهداف القومية من أجل رفاهية الشعب).

وفى تراثنا الاسلامي شواهد كثيرة تدلل على مشروعية المعاهدات والاحلاف، والاتفاق على التعايش السلمي، قال تعالى: (وأذانٌ مِن اللّه ورسُوله الَى النّاس يومَ الحجّ الاكبرِ أنّ اللهَ بريءٌ مّن المُشركينَ ورسولُهُ فإِن تبتُم فهُو خيرٌ لّكُم وان توليتُم فاعلمُوا انّكم غيرُ معجزي اللّه وبشّر الّذين كفرُوا بعداب أليم. الا الّذين عاهدتُم من المشركينَ ثمّ لم ينقصوكُم شيئاً ولم يظاهرّوا عليكُم أحداً فأتمُّوا اليهم عهدهُم الى مدتهِمِ انّ اللّه يُحب المُتقينَ. فاذا انسلخَ الاشهُرُ الحُرُمُ فاقتلُوا المُشركين حيثُ وجدتموهُم وخذوهُم واحصروهُم واقعدُوا لهُم كلّ مرصد فان تابُوا وأقامُوا الصلاةَ وآتوُا الزّكاة فخلّوا سبيهلُهم ان اللّه غفورٌ رحيمٌ. وان أحدٌ مّن المشركِينَ استجاركَ فأجرهُ حّتى يسمَعَ كلامَ اللّه ثُم أبلغه مأمنهُ ذلكِ بأنهُم قومٌ لا يعلمُونَ. كيف يكونُ للمُشركينَ عهدٌ عند اللهِ وعند رسولهِ الا الذينَ عاهدتُم عند المسجدِ الحرامِ فمَا استقاموا لكُم فاستقيموا لهُم انّ اللهَ يحبُّ المتقينَ)(13).

وقد عقد الرسول الكريم العديد من المعاهدات مع اليهود ومع الكفار والمشركين، منها معاهدته مع يهود بني عاديا من تيماء، التي جاء فيها:

«بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتابٌ من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبن عاديا: أنّ لهم الذمة وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد والنهار شد».

ومعاهدته صلى الله عليه وسلم مع يهود بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع، التي جاء فيها:

«وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتَهم، وأنّ بينهم على من حارب أهلَ هذه الصّحيفة وأنّ بينهم النصح والنصيحة والبر، دون الاثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وأنّ النصر للمظلوم، وأنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأنّ يثربَ حرامٌ جوفها لاهل هذه الصحيفة».

وفي هذه المعاهدة- كما يبتدى- اتفاق جلى على الدفاع المشترك عن يثرب، وهو اتفاق سبّاق في هذا المجال.

كذلك أقام الرسول صلى الله عليه وسلم صُلحاً مع قريش هو (صلح الحديبة)، الذي قاد الى تأمين الجبهة الداخلية، والتفرغ لمجابهة اليهود، وكاتن أن أسفر ذلك الصلح عن فتح تاريخي للاسلام.

وقد أوجب الاسلام الوفاء بالعهود والاتفاقات وحذر من نقضها، الا بالاسباب الموجبة التي تجوّز نقضها، قال تعالى: «يا أَيّها الّذين آمنُوا أوفُوا بِالعقُودِ)(14). أو (فمَا استقامُوا لكُم فاستقيمُوا لهُم)(15).

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

مصادر تهديد الامن

يتخذ تهديد الامن ونماطاً متعددة، بحسب تعدد المجالات المرتبطة بالامن ذاته، اذ يكفي أيٌ منها لاحداث خلل في مسيرة الدولة، لما يترتب على ذلك من تأثير في استقرارها، وفيما يلي نعرض لتلك الانماط بمجالاتها المختلفة.

التهديد العسكري والامني:

أ - النمط الداخلي.

ومن مهدداته:

* وجود مليشات مسلحة معارضة.

* وجود تنافس ضَار بين مختلف قوى الدولة، خاصة في قوى الامن المتعددة، عند غيبة التنسيق بينها.

* عدم قدرة الدولة على توفير أمن المواطن وحمايته.

* انتشار الفساد وسط قوى الامن.

* الظلم الاجتماعي، واشتراك قوى الامن في تكريسه.

* ضعف الانتاج الحربي في الذخائر وقطع الغيار والمعدات.

* انخفاض المستوى التّقني في المعدات.

* عدم قدرة الدولة على تعبئة امكاناتها العسكرية والمدنية.

ب - النمط الخارجي:

ومن مهددادته:

* الغزو المسلح.

* الحشود المسلحة.

* المناورات أو التدريب على الحدود أثناء التوتر السياسي.

* امتلاك الدول المجاورة أسلحة هجومية متقدمة.

* دخول دولة مجاورة في حلف عسكريى أو أمني مع العدو، خاصة عندما يكون ضمن نصوص الحلف ما يهدد أمن الدولة ومصالحها.

* فرض الحظر على إمدادات الاسلحة والذخائر والطاقة وقطع الغيار والسلع الاستراتيجية، وتجميد أرصدة الدولة بالخارج.

* اضطراب امن دول الجوار وآثاره السلبية، مثل تدفق اللاجئين والاسلحة.

وفي دراسة هذه التهديدات، ينبغي تحديد العدو المحتمل، ودراسة انماط العمل العدائي التي سلكها في الماضي، والاحتمالات التي قد يسلكها في المستقبل، ودراسة مدى رفض او قبول الرأي العام - العالمي والمحلي والاقليمي - اعمال العدو، وادعاءاته.

التهديد السياسي:

وله ايضا وجهان:

أ - النمط الداخلي:

* ضعف المشاركة الشعبية في النظام السياسي، وعمق الشعور بعدم الانتماء والولاء.

* وجود تأثير ضار وضغوط من جماعات المصالح على النظام السياسي.

* ضعف السلطة التنفيذية.

* تناقض الاهداف وعدم وضوحها.

* انتفاء الاستقرار السياسي، وكثرة تعديل القرارات، والتعديلات الوزارية.

* الاستقطاب والصراع الاجتماعي والفئوى والقبلى الحاد.

ب - النمط الخارجي:

* تمجيد عضوية الدولة في المنظمات السياسية والدولية، او فصلها من المنظمات والهيئات الدولية.

* فرض العقوبات من المنظمات السياسية الدولية.

* التحالف والتكتل السياسي ضد الدولة.

* قطع العلاقات الدبلوماسية.

* اعمال الجاسوسية والتخريب.

* ترويج الدعاية والشائعات ضد الدولة، لعزلها عن المجتمع الدولي.

التهديد الاقتصادي:

أ - النمط الداخلي:

* الفقر وانخفاض مستوى العيش، وضمور الناتج القومي.

* انتفاء العدالة في توزيع الثروة ووجود فوارق طبقية هائلة.

* ارتفاع نسبة البطالة.

* ضعف توفر الطاقة والمواد الاولية للصناعات.

* خلل التموين، وقلة الانتاج، وتوقف الاستيراد لتلبية النقص في الحاجات الاساسية.

* عدم الاكتفاء من المواد الاستراتيجية.

* غياب - او ضعف - الرقابة الحكومية على الحركة الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص في: المصارف الخاصة والاجنبية، والشركات متعددة الجنسيات.

ب - النمط الخارجي:

* فرض الحصار الاقتصادي على الدولة.

* المقاطعة الاقتصادية.

* التكتلات الاقتصادية المعادية.

* ايقاف المعونات.

* التدخل الخارجي لفرض اوضاع اقتصادية لا تتفق ومصالح الدولة.

* رصد نقاط الضعف في التخزين، والنقص في المواد الاستراتيجية.

التهديد الاجتماعي:

ويتمثل في:

* الاستلاب، ونشر ايديولوجيات وعادات وتقاليد اجتماعية وسلوكية ضارة بالمجتمع.

* استخدام الحرب النفسية ضد الدولة عن طريق الاعلام المضاد.

* تصدير اللاجئين.

* كسب جماعات سياسية موالية للاجنبي.

* اثارة النعرات القبلية والطائفية.

* تنافر التركيبة الاجتماعية واشتعال الحروب القبلية او الاهلية.

* تدنى مستوى التعليم والصحة.

* تدنى مستوى الارادة والانضباط.

* الاغتراب، والنُّزُوح، والهجرة العشوائية.

* وجود خلل في النمو السكاني.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

وسائل تحقيق الامن:

ان الوسائل التي تحقق الامن للدول والمجتمعات والافراد كثيرة، فمنها ما هو اجرائي، مثل تشكيل المجالس الامنية الدفاعية المتخصصة ولجانها الفنية، وتكوين اجهزة متخصصة في شؤون الامن، وقوى امنية مختلفة يُعهد اليها بحفظ الامن، وهي قوى عادة ما تكون مسلحة ولها سلطات تنفيذية، مثل اطلاق النار، واستخدام القوة، والاعتقال والتحرى والتفتيش.

ومن الوسائل ما هو سلوكي واخلاقي، مثل تحقيق العدالة الاجتماعية، ومراعاة حقوق الاقليات، واشاعة الحرية والسلوك الرشيد في قيادة البلاد.

ولا تختلف الدول والمجتمعات في تقدير قيمة الاجراءات الامنية والجانب الاخلاقي والسلوكي في تحقيق الامن، ولكن الاختلاف يأتي من اساليب التنفيذ، وانماط السلوك، وسوف نستعرض صحائف من هدى التجربة الاسلامية في تفصيلنا الحديث عن وسائل تحقيق الامن التي تردُ كما يلي:

اولاً: تكوين مجالس متخصصة:

تقوم الدول بتكوين مجالس متخصصة للامن، تُسمى مجالس الامن القومي ومجالس الدفاع الوطني، كجزء اساسي من الادارة الحكومية العامة. وكل دولة تنظم مجالسها وفقا لنظام الحكم فيها، واسلوب اتخاذ القرار لديها، وبناءً على تخطيط الهيكل التنظيمي للدولة. وغالبا ما تتحكم في طريقة تكوين مثل هذه المجالس واختصاصاتها عوامل اخرى، مثل التهديدات المتوقعة والطوارىء المحتملة، وامكانات الدولة، ونواياها، وطموحاتها، واهدافها.

وكما تتباين هذه المجالس في شكل تكوينها، تتباين ايضا في اختصاصاتها، غير ان اختصاصاتها العامة تتمحور في تقديم النصح والمشورة لصانع القرار ومتخذه، دون ان تتعدى ذلك الى وضع القرارات وصياغة السياسة، على الرغم من ان المجلس قد يضم احياناً رئيس الدولة ووزراءه الاساسيين، ولكن ذلك لا ينفى ان ادق مهام المجالس المتخصصة، المشاركة في وضع خطط الامن والدفاع عن البلاد، والاشراف على المسائل المتعلقة بتكوين اجهزة الامن والقوات النظامية، وتنظيم قوات الاحتياطي والدفاع الشعبي، والتنسيق بين هذه القوى المختلفة، واعداد خطط التعبئة العامة وبرامجها، وخطط الطوارىء والحروب، للاستفادة منها في دعم احتياجات التعبئة العامة او اعلان الحرب.

كما تختص مجالس الامن القومي بوضع السياسات التنفيذية، والخطط والبرامج الهادفة للحفاظ على امن الدولة وسلامتها، والاشراف على اجهزة الامن ونشاطها في الداخل والخارج. وتتبع مجالس الامن عادة لجان فنية للقيام بمهام البحث والدراسة، وتقصى القضايا المتعلقة بالامن القومي او الدفاع الوطني.

ونجد - احياناً - حدوداً فاصلة بين الامن ومهامه، والمخابرات ومهامها، كما قد نجد تطابقا في المهام بقدر محدود، وهنا تقوم المجالس المتخصصة بالدور التنسيقي لكيلا تتضارب الاختصاصات.

ونظام المجالس المتخصصة يهدف الى تعامل الدولة مع الموضوعات التي تهدد امن الدولة وسلامتها، بأسلوب يحقق تحمل المسؤولية - تشاركاً - بين مصادر القوة الثلاثة: السلطة السياسية، والسلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية.

ومعظم المجالس المتخصصة تتكون من:

رئيس الدولة (او نائب رئيس الدولة)، وزير الدفاع، وزير الخارجية، رئيس المخابرات، وزير الداخلية، مستشار رئيس الجمهورية للامن، مستشار قانوني، وزير الحكومات المحلية، وتتكون اللجان الفنية من:

مستشار رئيس الجمهورية للامن، مدير العمليات الحربية، مدير الخطط السياسية، مدير الميزانية - وربما المراجع العام، او نائبه - موظفين فنيين من الامن ورئاسة الجمهورية.

مهام مجلس الامن القومي:

لمجلس الامن القومي عدد من المهام بالغة الخطورة، تتجسد في:

* التنسيق: لخلق تماسك بين الاتجاهات الرئيسية لحركة قوى الدولة، ضماناً لتجانس الجهود والاقتصاد في الوقت.

* الربط بين الهدف القومي والسياسة، ومصادر القوة، بطريقة افضل.

* الربط بين السياسات العسكرية الداخلية والخارجية.

* القيام بتقديم النصح والمشورة لصناع القرار فيما يتعلق بتكامل السياسات الداخلية والخارجية المرتبطة بالامن القومي، تحقيقاً لتضافر الجهود العسكرية والمدنية بشكل فعال في المسائل المتعلقة بالامن القومي.

* تحليل وتقويم الاهداف والارتباطات السياسية، وتحديد المخاطر التي تتعرض لها الدولة.

* مراجعة ميزانيات اجهزة الامن والمجهودات الامنية والحربية.

وحين نستطلع التجربة الاسلامية نجد ان مجالس الشورى تُشكل ضمانة، باشراك فئة اوسع من اهل الرأي والمشورة، تضمن سلامة القرار سياسيا واجتماعيا وشرعيا، اضافة الى تقديرات الدولة، حتى لا يتقيد وليُّ الامر بخيارات محدودة، تجعله اسير معلومات محجوبة من بعض الجهات - كمراكز القوى - لغرض او هوى. كما ان على اجهزة الامن، في التجربة الاسلامية، ان تستفيد من الشعب كله: ناصحا ومعينا لها. فجهاز الامن الاسلامي لا يكافح العدو بمفرده ولكن المجتمع المسلم كله يغدو عيونا حارسة، تدفعه في ذلك دواعي الايمان، تعاونا على البر والتقوى ضد الاثم والعدوان. لذا فان على الاجهزة الامنية ألا تلغى دور الجمهور بحجة السرية او الاختصاص، وان تستفيد من المجتمع، لانه اوسع انتشارا ولا يحتاج سوى جرعات من الوعى الامني ليؤدي دورا احرى به ان يؤديه في حفظ امن بلاده، ففي تجارب الامن نجد كثيرا من القضايا الخطيرة تُكشف مصادفةً، بواسطة مواطنين لا يعملون في الاجهزة الامنية. ونحن هنا لا ندعو الى مجتمع بوليسي، ولكن الى وحدة المجتمع في حمل تبعات الوطن.

وفي التجربة الاسلامية - كذلك - مجالس للشورى تنظر في القضايا قيد النظر والدراسة من جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشرعية كافة، لتمكن صانع القرار من اتخاذ القرار السليم: (وشاورهُم في الامرِ فإذَا عزمتَ فتوكَّل علَى اللهِ)(16). وتتسع في النظام الاسلامي دائرة الشورى والمناصحة والحوار، وهي مسؤولية كل المسلمين، فالنظام الاسلامي مؤسس على حرية الرأي والوحدة، وعلاقات المجتمع الاسلامي في ممارسته سلطة الحكم تتحرى اجماع المسلمين في اتخاذ القرار، بعيدا عن المناورات، والعصبيات، قال تعالى: (فبمَا رحمة منَ اللهِ لنتَ لهُم ولَو كنتَ فظاً غليظَ القلبِ لانفضُّوا مِن حولكَ فاعفُ عنهُم واستغفِر لهُم وشاورهُم في الامرِ فإذَا عزمتَ فتوكَّل علَى اللهِ انَّ اللهَ يحبُّ المتوكلِين)(17).

ويمكن ان تتدرج الشورى هرميا، صعودا من القاعدة العريضة الى قمة الهرم. ومجالس القمة يختار لها المسلم القويُّ الامين، الذي اشتُهِر بالعلم والعمل والصدق، ورجاحة الرأي، والفطنة والخبرة والمران. قال الشاعر:

وانفع من شاورت من كان ناصحا *** لبيبا فأبصر بعد ذا من تُشاورُ

فليس بشافيك الصديق ورأيه *** عدو، ولا ذو الرأي والصدر واغر

وقال بعض العلماء: ان الاراء هي قياس امور مستقبلة على امور ماضية، وان مادة الرأي التجارب، مباشرة او سماعا، فلكثرة التجارب نُدب الى استشارة المشايخ.

وقال المأمون لولده موصيا ومعلما: «استشيروا ذوي الرأي والتجربة والحنكة، فانهم اعلم بمصارف الامور وتقلبات الدهور، واطيعوهم وتحملوا ما يُغلظون به من قول، وما يكشفونه من عيب، لما ترجونه من حالة تُصلح، وفتق يُرتق، فان من جرعكم المرارة لشفائكم اشفق ممن اطعمكم الحلاوة لسقامكم».

وفي زماننا هذا الذي نبغ فيه ابناء المسلمين في كل علم وفن، يحسن الاخذ بمجالس الشورى المتخصصة، المكونة من علماء حاذقين في علمهم وتخصصهم، وحبذا لو اختيرت هذه المجالس من اشخاص متوافقين ذهنيا، وممن وهبهم الله قدرات ومواهب تفوق القدرات العادية، مثل الادراك فوق الحسى، والشفافية، والحضور، وسرعة البديهة، والقدرة على تكوين صور ذهنية واضحة عن احتمالات المستقبل.

وفي تقديرنا، ان مثل هذه المجالس الشورية اذا توفرت فان رأيها يكون اقرب الى الصواب، فالدول العلمانية، نفسها، تكون جماعات من هذا النوع، ممن تتوافر فيهم درجات ذكاء عالية، ومواهب استثنائية.

قال البلخي: «شاور في امرك من جرب الامور وخبرها، وتقلبت عليه الحوادث وباشرها، من لم يوهنه ضعف الهرم، ولم يغيره حادث السقم» ويروي ان اكثم الصيفي «حكيم العرب» اجتمعت عليه بنو تميم في حرب يوم كلاب فقالوا: «اشر علينا بالصواب فانك شيخنا، وموضع الرأي منا»، فقال لهم: «ان الكبر قد شاع في جميع بدني، وانما قلبي بضعة منى، وليس معي من حدة الذهن ما ابتدىء له من الرأي، ولكنكم تقولون فأسلمه، لاني اعرف الصواب اذا مر بي».

وقال احد حكماء العرب يصف آخر: «فلان له فكر عميق، ورأي دقيق، يعرف من مبادىء الافعال خواتم الاعمال، ومن صدور الامور اعجاز ما في الصدور، ورأيه طبيب المملكة، وراقيها وراقع خرق الدولة ورافيها».

وقال آخر:

موفق الرأي ما زالت عزيمته *** تكاد منها الجبال اصم تنصدعُ

كأنما كانت الاراء منزلها *** بواطن في قلوب الدهر تطلع

وفي وصف الشفافية، والاستبصار يقول احدهم:

بصير بأعقاب الامور كأنما *** يرى بصواب الرأي ما هو واقع

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

ثانياً: الاجراءات الامنية والمخابرات المضادة:

ويشمل هذا الجانب كل الاجراءات الامنية الوقائية ومكافحة التجسس، والاجراءات الوقائية التي تقوم بها الاجهزة الامنية.

ونظرا الى ان اجراءات الامن التي تقوم بها الاجهرة هي التي تواجه نقدا كثيرا، وتحدث فيها بعض التجاوزات وتسبب حرجا كبيرا للسلطة، فسوف نسترسل - هنا - في سرد بعض الضوابط التي يجب ان تصحب هذه الاجراءات.

* ينبغي ان تلتزم اجهزة الامن بحدود الشرع ازاء المواطنين والرعايا الاجانب، وان ترعى حرماتهم في الخصوصية والمال والعرض والنفس، وان تسلك مع الناس سلوكا يوضح لهم البون الشاسع بين اجهزة الاستبداد والتجبُّر، والاجهزة التي تخدم اهدافاً اسلامية نبيلة. كما يجدر ان يتحلى افراد هذه الاجهزة بالادب والتهذيب حتى عند توقيف المشتبه فيهم، وان يتحلوا بالانضباط والسرعة في انجاز المعاملات المتعلقة بالجمهور. ومعروف ان المعاملات المدنية عندما ترسل الى اجهزة الامن لا يجرؤ الكثيرون على استعجالها، لذا فان على هذه الاجهزة انجاز معاملات الناس دون ابطاء، وتفادى تعطيل المصالح.

* اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الامن، والاحتراز والحيطة من الاجراءات التي لا غنى للدولة عنها، خاصة في المطارات والموانىء وكل ثغور الدولة. وعلى اجهزة الدولة ان تُحكم التدابير وتعمل جميع الاجراءات - في سرية تامة، وسرعة وانضباط - للكشف عن محتويات الحقائب والطرود، بل يمكن ان تمر الحقائب والطرود الى مكان آمن يجري فيه الفحص وضبط المحظورات واتخاذ الاجراءات ضد المخالفين، بدلا عن اخضاع الجميع لاجراءات تعسفية وتأخيرهم ساعات طوالا بدواعي الامن. ولقد سبقنا الغربيون في ذلك، فنحن نعلم ان افلات المجرم في موانئهم ومطاراتهم من ضروب المستحيل، وبرغم ذلك فان اجراءاتهم سريعة، ولا يكاد يشعر المواطن او الزائر انه تحت رقابة دقيقة.

* ان الرصد الامني وسيلة اقتضتها الضرورات التي تبيح المحظورات، ولا ينبغي لاجهزة الامن ان تترصد او تتجسس على احد الا لضرورة تستدعي دفع الخطر عن الصالح العام. وفي هذه الحالة ينبغي وضع ضوابط دقيقة تمنع افراد الامن من الاطلاع على خصوصيات الناس وعوراتهم، واذا جرى اطلاع على ما لا يجوز الاطلاع عليه يُشترط وضع الضوابط التي تمنع استخدام المعلومات المطلع عليها ضد الشخص المعنى، وعادة ما تُكلف جهة قانونية وامنية عليا لتقدير ضرورة البدء بالرصد، وتحديد الافراد الذين يُسمح لهم بالاطلاع على نتائج الرصد، واستخدام اكفأ الوسائل والطف السبل التي تضمن سريته، تفادياً للحرج مع المرصود، لان نتيجة الرصد قد تُسفر عن براءة ساحته، ولأنه، ان كان مذنباً، فسوف يفلت من العقاب اذا شعر بأنه مرصود، فتختفي معالم جريمته.

* رغم التوثيق والتحوط عند اختيار العاملين في الاجهزة الامنية، فان مهنة الامن فيها من الفتن والمغريات ما قد يسبب انحرافات خطيرة، فينبغي تشكيل قوة سرية مهمتها مراقبة افراد الجهاز انفسهم، واعادة فحصهم حين تبدو شبهة انحراف مالي او اخلاقي او امني. وقد تُعين هذه القوة من غير العاملين يومياً في اجهزة الامن، وتُحط بقدر عال من السرية، وتسنُّ قوانين رادعة تحاسب وتعالج حالات التجاوز من العاملين في اجهزة الامن.

* ينبغي ابتداع اسلوب لتحقيق رقابة صارمة على الاجهزة الامنية من قبل الدولة والشعب، لئلا تحتكر الاجهزة هذه المعلومات وتؤسس عليها وحدها الرأي والنصح لصُناع القرار، ما يجعلهم امام خيارات محدودة. وينبغي ان يحدد الاسلوب المبتدع وسيلة للرقابة على اجراءات الامن وعملياته، والميزانيات المالية المخصصة، واستغلالها الاستغلال الامثل، ومراجعة الاهداف الموضوعة للاجهزة ومدى النجاح في تحقيق تلك الاهداف، ومحاسبة المسؤولين عند الانحراف عما هو مقرر.

* غالباً ما تنزع الحكومات التي تنشأ عن ثورة الى ابتلاع الثورة، والترفع على المجتمع واخضاعه لاحكامها، بينما تحاول الثورة تثبيت سلطتها ومفاهيمها في التثوير والتجديد، ولتفادي التضارب هنا، ينبغي الا يُعاد تكوين الاجهزة على ذات الاسس العلمية التي كانت قائمة قبل الثورة ذاتها، كما ينبغي تفادي الاحتفاظ بالادارات السابقة.

* لا شك في ان تغييراً هاماً يكون قد نشأ حين تنتقل اجهزة الدولة الى ايدي الثورة. ولا شك في ان هذا التغيير يُلحق اضراراً بمصالح عدد من القوى السياسية والاجتماعية الفاسدة او العميلة، من ذوي النفوذ في الدولة السابقة، ولا شك في ان بعض الدول المجاورة والقوى الدولية الكبرى ستجد ان التغيير يطرد في غير مصلحتها، الامر الذي يجعل من المحتم ان تجري محاولات للعودة الى الوضع السابق، اي انه لا مفر من محاولة القيام بانقلاب عسكري، او تمرد مسلح او تخريب داخلي، او هجوم خارجي، او حصار دولي (جزئي او كلي)، ففي هذه الحالات تهبُّ الاجهزة لتردع المعادين بكل قوة، وينبغي - هنا - الانتباه الى الا يمتد الوضع الاستثنائي عند عودة حالة الامن، وينبغي الا يتجاوز الردع هدفه ومداه.

* في حالات الامن الاستثنائية - مثل الانقلابات او الهجوم المسلح، او غيرها من حالات اضطراب الامن الخطيرة - كثيراً ما نجد بعض افراد الامن يلجأون الى التوسل بوسائل ليست شرعية ولا انسانية، كأعمال التعذيب والتنكيل - وربما القتل - فيجب، عاجلاً، وضع حدٍّ لهذا السلوك، ومحاسبة مرتكبيه، مهما كانت مبررات مسلكهم.

* من الضروري وضع قوانين ولوائح تحكم اعتقال النساء والتحقيق معهن، بحيث يُراعى الشرع في هذه القوانين واللوائح.

* حقيق بالدولة ان تنشىء جهاز الامن بقانون علني منشور يطلع عليه من يشاء، فهو قانون غير سري، وان يكون الجهاز جزءاً من الحكومة المركزية، منعاً للشائعات المغرضة التي تسرى عن اهداف الجهاز واسلوب عمله، وعن وجود اجهزة سرية تعمل في الخفاء، لان مثل هذه الشائعات تعرقل تعاون المواطنين مع جهاز الدولة الرسمي، ثم ان هذه الشائعات ترمى الى زعزعة الامن والطمأنينة لدى المواطنين.

* حفاظاً على امن المعلومات يتحتم مراعاة الحيطة عند مراجعة ونقاش اعمال واداء الجهاز، وان يكون ذلك في جلسات سرية.

* ان مركزية الامن ضرورية جداً. وعند انشاء مكاتب امن بالولايات او الاقاليم المختلفة ينبغي ان تكون تبعية تلك المكاتب لرئاسة الجهاز - لا لحاكم الاقليم - وذلك ضماناً للسرعة والكفاءة والفعالية وتدابير الرقابة على الجهاز من قبل سلطة الدولة المركزية.

* يجب ان يكون ضمن تنظيم الجهاز مستشار شرعي قانوني، للتثبت من شرعية وقانونية التصرفات والاجراءات، وحبذا لو كان المستشار مجلساً متكاملاً.

* يسمح لرئيس الجهاز وكبار المسؤولين بالاتصال المباشر بأعلى السلطات في الدولة، لان في عمل الامن ظروفاً تستدعي السرعة والاجراء العاجل والسرية.

* يجب الاهتمام بان يُنص في لوائح الجهاز على التنسيق بين قوى الامن المختلفة وطريقة التنسيق وزمانه ومكانه.

* تُكوَّن وحدة حسابية سرية لمواجهة الميزانيات وتدقيق الحسابات، ورفع تقارير عما يسفر عنه عملها.

* لتقليل عدد العاملين غير المتخصصين، يُنصح بتدريب العامل الواحد على اكثر من حرفة لرفع راتبه والافادة من وقته، وذلك يجعله اقل عرضة لاغراءات الاعداء.

* كلُّ قضية يُتعامل معها ينبغي ان تكون مكتوبة ومصدقة، لئلا ينحرف الاعضاء، ولكيلا يُسخِّروا سلطاتهم لاغراض شخصية.

* لا بد من تقنين التعاون بين جهاز الامن واجهزة الامن الصديقة، وتقنين الموارد المادية، وغيرها من المساعدات التي قد تردُ الى الاجهزة من الخارج.

* يُنصح بوضع مشروعات امن مُعدة سلفاً للتعامل مع حالات الطوارىء، وان يكون مصدقاً عليها من السلطات العليا، على ان تُفصل فيها واجبات كل جهة. ومن هذه المشاريع، مثلاً (مشروع امن العاصمة والاقاليم، وامن الشخصيات المهمة، والمؤتمرات العامة والاحتفالات).

* غالباً ما تتحول القضايا المهملة الى قضايا امنية، مثل: الازمات التموينية، عدم توفر الوقود.. الاسعار.. الضرائب.. المرتبات، وهنا لا بد من منح المجلس المختص بالامن السلطة في تنبيه الجهاز التنفيذي لمثل هذه القضايا، كما لا بد من منحه سلطة عقد اجتماعات مشتركة، والاتفاق على اسلوب تنفيذ ذلك.

* لتأكيد مبدأ «الامن مسئولية الجميع وليس مسئولية تخصصية منوطة بأجهزة الامن» يُستحسن ان يكون امن الوزارات الحكومية والمصالح مسؤولية وزارية ومصلحية، وان يعاون الجهاز في التدريب والارشاد والعمليات الكبرى.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

ثالثاً: العدالة الاجتماعية:

من اهم الاسباب التي تحقق الامن القومي، عنصر العدالة الاجتماعية، وقد عرف هذه الحقيقة معظم الحكام، ولكن غابت عن كثير منهم طرق تحقيقها. ففي عهد الاكاسرة نقش حاكمهم «أنو شروان» على خاتمه: «لا يكون العمران حيث يُوجد السلطان»، ولكن الاكاسرة جاروا فبادوا، حتى قال عنهم الشاعر:

أين الاكاسرة الجبابرة الألى *** كنزوا الكنوز فما بقين وما بقوا

من كل من ضاق الفضاء بجيشه *** حتى ثوى فحواه لحد ضيق

ولقد عرف قيمة العدالة في ارساء الملك الاحباش. فمن مآثر ما قال مليكهم «النجاشى»: (الملك يبقى على الكفر.. ولا يبقى على الظلم).

ولقد سعى ماركس ورفيقه انجلز في منشوراتهما الشيوعية الى ترسيخ ادارة واستثمار الاموال العامة، ثم توزيعها، بأكبر قدر من التساوي، وفق شعارهم (لكل حسب حاجته وعلى كلٍّ حسب طاقته)، وانتهت الشيوعية الى ما يعرفه الجميع اليوم، وما ذاك الا لخلل كامن بين النظرية والتطبيق.

اما النظرة الغربية الحديثة فترى في العدالة الاجتماعية اساس تحقيق الامن، ولكننا نلاحظ ضيق هذه النظرية وتناقضها عند التطبيق. فالغربيون يرون ان الهدف القومي الاعلى لدولتهم هو تحقيق الرفاهية، ولكنهم يقصدون الرفاهية لشعوبهم دون الشعوب الاخرى، بل يسعون الى تحقيقها حتى ولو على حساب الآخرين، ونجد منهم من يعرف وسائل تحقيق الامن «بقوة الردع»، ويحق للمرء ان يتشكك في جدوى هذا المفهوم، فالعالم كله شهد اليابان والمانيا وقد هُزمتا وباد امنهما وهما في اوج العظمة الحربية، ثم انتعشتا ثانية، وهما مجردتان من قوة الردع، وقد رأينا ان الاتحاد السوفيتي تفكك واضمحل وهو عملاق لا يُداني في قوة الردع.

اما الشريعة الاسلامية - بخصائصها الشمولية - فتؤكد ان للعدل شأناً عظيماً في تحقيق الامن وثباته: (الذينَ آمنُوا ولَم يلبسُوا ايمانهُم بظلم اولئكَ لهمُ الامنُ وهُم مهتدونَ)(18). ومثلما ينهي الله عن الظلم فانه يأمر بالعدل: (انَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والاحسانِ)(19). ويسعى الاسلام الى تجذير ضرورة العدالة، دون تحيز او محاباة، ونجد ذلك في القول الكريم: (يا ايهَا الذينَ آمنُوا كونُوا قوامينَ للَّه شهداءَ بالقسطِ ولا يجرمنكُم شنآنُ قوم على ألاَّ تعدلُوا اعدلُوا هُوَ اقربُ للتقوَى واتقُوا اللهَ انَّ اللهَ خبيرٌ بمَا تعملونَ)(20). وكذلك في قوله تعالى: (واوفُوا الكيلَ والميزانَ بالقسطِ لا نكلفُ نفساً الاَّ وسعهَا واذَا قلتُم فاعدلُوا ولَو كانَ ذا قربَى)(21). وفي القول الكريم: (انَّ اللهَ يأمركُم ان تؤدُّوا الامانَاتِ الى اهلهَا واذَا حكمتُم بينَ الناسِ ان تحكمُوا بالعدل)(22). او قوله تعالى: (وممَّن خلقنَا امةٌ يهدونَ بالحقِ وبهِ يعدلُون)(23).

وقد طالما أرسى الرسول الكريم قيمة العدل في الحكم وشدد على ضرورة التمسك بها، فهو هنا يقول لرجل ارتعد امامه: «هون عليك، فاني لست ملكاً انما انا ابن امرأة تأكل القديد». وقد اغلظ رجل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ذات يوم، قائلاً: اعدل يا محمد فان المال ليس مالك ولا مال ابيك، فهم عمر ان يؤدبه بسيفه، فنهاه النبي قائلاً: «اتركه يا عمر فان لصاحب الحق مقالاً»، ولم يكن - في واقع الامر - لذلك الرجل حق، ولكن الرسول العادل اراد ان يعلم الناس قيمة العدل.

ثم جاء الخلفاء الراشدون: يقول ابو بكر الصديق في اول خطبة له بعد الخلافة: (أيها الناس اني قد وليتُ عليكم ولستُ بخيركم)، اما عمر بن الخطاب فقد عرف «ان العدل اساس الحكم» وان الحاكم العادل ينام ملء جفونه، لذا فقد اعتاد ان ينام تحت ظل شجرة، حتى قال فيه فارسي، هو الهرمزان: «حكمت فعدلت فنمت يا عمر» ليصوغ حافظ ابراهيم هذا المعنى الجليل شعراً في قصيدته العُمريَّة الشهيرة:

وقال قولةَ حقٍّ اصبحت مثلاً *** واصبح الجيلُ بعد الجيلِ يرويها

أمنتَ لما اقمت العدلَ بينهمو *** فنمتَ نومَ قريرِ العين هانيها

وان العدل ليتحقق في المجتمع الاسلامي عبر ادوار اجتماعية شاملة، اهمُّها:

توزيعُ الثروة:

فالرفاهية التي تنشدها المدنيات الغربية الحديثة، والترف والثراء المثيرين لنوازع البغضاء، كلها ظواهر تناقض فكرة العدالة الاجتماعية. وقد عالج الاسلام هذه الظواهر من منطلق نظرته اليها باعتبارها امراضاً فتاكةً في المجتمع: (واذَا أردنَا ان نهلكَ قريةً امرنَا مترفيهَا ففسقُوا فيهَا فحقَّ عليهَا القولُ فدمرناهَا تدميراً)(24). والثراء الفاحش الذي لا يؤدي فيه حقُّ الله مدعاة للطغيان والظلم: (كلاَّ انَّ الانسانَ ليطغَى. أن رآهُ استغنَى)(25).

* مكافحة الجوع والفقر:

يدعو الاسلام الى اطعام الفقراء والمساكين وتلبية حاجاتهم الاساسية، لهذا شرع فريضة الزكاة، وحث على الصدقات والانفاق، والتكافل الاجتماعي، وغير ذلك من العطاء الذي يمارسه المسلم ازاء الفقراء والمساكين بما يحقق التوازن الاجتماعي والترابط، ويرسخ العدالة بين افراد المجتمع.

ويؤكد القرآن الكريم انَّ ما يُعطاه الفقير والمسكين ليس منةً ولا تبرُّعاً، لكنه حق من حقوقه: (وآتِ ذَا القربَى حقهُ والمسكينَ وابنَ السبِيل)(26). وكذا في قول الله: (وفِي اموالهِم حقٌّ للسائلِ والمحرومِ)(27).

* نصرة المظلوم:

يأمر الاسلام المسلمين بأن يهبُّوا مجاهدين لنصرة المظلومين والمستضعفين وفك اسارهم من ظالميهم، فيقول الله تعالى: (ومَا لكُم لا تقاتلونَ في سبيلِ اللَّه والمستضعفينَ منَ الرجالِ والنساءِ والولدانِ الذينَ يقولونَ ربنَا اخرجنَا مِن هذهِ القريةِ الظالِم اهلهَا واجعل لنَا مِن لدنكَ وليّاً واجعَل لنَا مِن لدنكَ نصيراً)(28). والظالم اذا لم يُردع فسوف يمتدُّ خطره من شخص الى آخر ومن جماعة الى جماعة، ومن دولة الى اخرى. وترك الظالم دون معاقبة ظلم في حد ذاته، لانه - فوق ان ذلك يغريه بتكرار ظلمه - يحرِّك الغبن والحقد في نفوس من اعتدى عليهم، فينتفى نتيجة لذلك الامن، ويعمُّ الاضطراب والخوف بين الافراد والمجتمعات.

* التعاون ونبذ الفرقة:

انَّ من اسباب انفراط عقد الامن، الصراعات العرقية والطبقية، والتمايز بين المجتمعات والدول. وقد حث الاسلام على الوحدة والتماسك والتعاون على البر، ونهى عن التعاون على العدوان، وحث على التعارف بين الشُّعوب: (يَا أيهَا الناسُ انَّا خلقناكُم مِن ذكر وانثَى وجعلناكُم شعوباً وقبائِلَ لتعارفُوا انَّ اكرمكُم عندَ اللهِ اتقاكُم انَّ اللهَ عليمٌ خبيرٌ)(29).

والمجتمع المؤمن لا يمس ولا يكدر امن وطمأنينة المجتمعات الاخرى، لان قيمة التفاضل في المجتمع المؤمن ليست بالكسب المادي او اللون او العرق او التراث، بل هو مجتمع معصوم عن هذه الاهواء، ومأمورٌ بمراعاة تعاليم الدين: (واعتصمُوا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تفرقُوا واذكرُوا نعمتَ اللهِ عليكُم اذ كنتُم اعداءً فألَّفَ بينَ قلوبكُم فأصبحتُم بنعمتهِ اخواناً وكنتُم علَى شفَا حفرة منَ النارِ فأنقذكُم منهَا كذلكَ يبينُ اللهُ لكُم آياتهِ لعلكُم تهتدونَ)(30).

ولقد كان مجتمع المدينة مركباً من المهاجرين والانصار، ومن الميسورين والمعسرين، فآخى الرسول بينهم، فصاروا جماعةً متضامنةً بما لم تشهد له البشرية مثيلاً.

والشرع الاسلاميُّ ينهى عن كل ما يروع الفرد والجماعة في المجتمع، ويضع ضوابط لضمان وحدة المجتمع، منها: تهذيب اخلاق الفرد، وقيام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: (انَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والاحسانِ وايتاءِ ذي القربَى وينهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظكُم لعلكُم تذكرُونَ)(31). وفي كتاب الله الكريم منه متكامل يوضح العناصر الاساسية لسلامة المجتمع وتجانسه: (إنمَا المؤمنونَ اخوةٌ فأصلحُوا بينَ أخويكُم واتقُوا اللهَ لعلكُم ترحمونَ. يا أيهَا الذينَ آمنُوا لا يسخَر قومٌ من قوم عسَى ان يكونُوا خيراً منهُم ولا نساءٌ من نساء عسى ان يكنَّ خيراً منهنَّ ولا تلمزُوا انفسكُم ولا تنابزُوا بالالقابِ بئسَ الاسمُ الفسوقُ بعدَ الايمانِ ومَن لَّم يتُب فأولئكَ همُ الظالمونَ. يا أيهَا الذينَ آمنُوا اجتنبُوا كثيراً منَ الظنِ انَّ بعضَ الظنِ اثمٌ ولا تجسسُوا ولا يغتَب بعضكُم بعضاً أيحبُّ احدكُم أن يأكلَ لحمَ أخيهِ ميتاً فكرهتموهُ واتقُوا اللهَ انَّ اللهَ توابٌ رحيمٌ)(32).

* مراعاة حقوق الاقليات:

تصبح الاقليات:

تصبح الاقليّات المظلومة في المجتمع ثغرةً أمنيّة فيه، بما تختزنه من دوافع حقدها عليه، فتعمل على تخريبه من داخله، وتؤلّب عليه آخرين من خارجه. وقد حرص الاسلام على رعاية المستوطنين من الاقليّات بحفظ أمنهم وحرّيتهم في عقيدتهم وعبادتهم وثقافتهم وحرماتهم في النفّس والمال، وبيّن خصوصيتهم في الاوضاع الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات ونص على ذلك شرعاً، ما لم يخرجوا على المجتمع، ولم يهددّوا مصالحه وأمنه. ويحرص الاسلام على البرّ بغير المسلمين، والعدل في معاملتهم، يقول تعالى: (لا ينهاكمُ اللهُ عن الذّينَ لم يقاتلُوكم في الدّينِ ولم يخرجوكُم من دياركُم أن تبروهُم وتقسطُوا اليهم انّ الله يحبُ المقسطين. انّما ينهاكمُ اللهُ عن الّذينَ قاتلوكُم في الدّين وأخرجوكُم من دياركُم وظاهرُوا على اخراجِكم أن تولوهُم ومن يتولهُم فأولئِك همُ الظّالمون)(33).

ويرفض الاسلام اكراه النّاس على اعتناقه: ( لا اكراهَ في الدينِ قَد تبينَ الرشدُ من الغَي)(34). وقيل انّ هذه الآية نزلت في رجل من الانصار كان له ابنان تنصرّا على أيدي تجّار من الشّام، وكان أبوهما مسلماً، فأراد أن يستكرههما على ترك النّصرانية والدّخول في الاسلام فنزل الوحي بالنهي عن ذلك. و يقول تبارك وتعالى: (قُل يا أهلَ الكتابِ تعالَوا الى كلمة سوء بيننا وبينكُم ألا نعبُد الا اللهَ ولا نُشرك به شيئاً ولا يتخذَ بعضُنا بعضاً أرباباً مِن دونِ اللهِ فان تولّوا فقولُوا اشهدُوا بأنا مسلمونَ)(35).

وقد بّين الاسلام العلاقات مع الذمّيين، وحرّم الاعتداء على أنفسهم، ففي الحديث: «من قتلَ نفساً مُعاهداً لم يُرح رائحة الجنّةِ، وان ريحها يوجدُ من مسيرة أربعين عاماً». كما لا يجوز الاعتداء على أموال المعاهدين، وأغراضهم، بل اشترط في أمر الدّعوة الى الاسلام المجادلة بالحسنى، دونما عنف: «ادعُ الى سبيلِ ربكَ بالحكمةِ والموعِظة الحسنةَ وجادلهُم بالّتي هي أحسنُ)(36). ويقول تعالى: (ولا تُجادلوا أَهل الكتابِ الا بالّتي هي أحسنُ)(37).

* التحررُّ من الخوف:

الخوف الذي نتحدّث عنه هنا هو الذي ينجم عن خشية الانسان من نقص في الاموال والانفس، ومن الرؤساء والاعداء، ومن المجهول. وقد أوجد الاسلام نهجاً قويماً للطمأنة من مثل هذا الخوف، اذ مضى يعمّق احساس الانسان يالثّقة، والا يخشى النّاس، مهما كانت مناصبهم وسطوتهم. ويحذّر الاسلامن من النّفاق والرّياء، فيقول الحديث الشّريف: «من أحبّ أن يكون أقوى النّاس فليتوكّل على الله». ويقول تعالى: «فلا تخشوّا النّاس واخشونِ ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لّم يحكاًم بِما أ نزلَ اللهُ فأولئكِ همُ الكافرُونَ)(38).

* الحرية:

تعدُ الحرّية من أهم العوامل التي تحقّق الامن القوميُ، وقد أقرّ الاسلام مبدأ الحرية- بل أوجبها وحضّ عليها- فالاصل في التّشريع الاسلاميّ هو حرّية الانسان، ما لم تتضمّن عدواناً أو انتهاكاً لحرمات الاخرينِ ومصالحهم. فقد اقرّ الاسلام حرية العقيدة بأن: (لا اكراه فِي الدينِ قَد تبيّن الرّشدُ مِن الغَي)(39). وبذا لا يحقُّ لاحد أن يُكره غيره على اعتناق فكرة أو عقيدة، (أفأنتَ تكرهُ الناسَ حتّى يكونُوا مؤمنِينَ)(40)، وأقر الاسلام حرية الفكر، بل ان القرآن ليطالب بالتفكر، وأصالة الرأي، ويحذر من الاتباع الاعمى، ويحضُ على الابداع العلمي والاجتهاد في كل مجال من مجالات الفكر، فالمجتهد له أجرٌ ان أخطأ وأجران ان أصاب.

ولقد رسخ الاسلام الحرية السياسية، ومنح المواطن الحق في محاسبة المسؤول ومراقبته. فحين اعتلى خليفة المسلمين عمر المنبر وابتدر الناس قائلاً: «اسمعوا وأطيعوا» تصدى له أحدهم قائلاً: «لا سمعَ ولا طاعة»، مسائلاً ابن الخطاب على ثوبه الطويل: من أين أتى به؟. فأخبره عمر بأن ابنه عبد الله تبرع له بجزء من ثو به، فينجلي الموقف عن عدل ولا يجاري. وفيى موفق آخر يقول أمير المؤمنين للرعية: (ان رأيتم في اعوجاجاً فقوموني)، فتصدى له من يحدثه بأنهم ان رأوا اعوجاجاً فسوف يقومونه بحد السيف، وهنا يحمد الله أميرُ المؤمنين: «أن جعلَ في امة محمد من يقومه بالسيف».

* القدوة الحَسنة:

تحدثنا عن العدالة الاجتماعية، كركيزة هامة من ركائز تحقيق الامن القومي. والقدوة الحسنة تجسد ركيزة أخرى لا تقل أهمية عن العدالة الاجتماعية. فالحكام يلزمهم أن يتحآلوا بهذه الفضيلة اذا أرادوا تحقيق الامن لمجتمعاتهم ومؤسساتهم. وللمسلمين قدوةٌ كاملةٌ في الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقَد كانَ لكُم فِي رسول اللهِ أسوةٌ حسنةٌ لمن كانَ يرجو اللهَ واليومَ الاخر)(41). وقد «كان خلقه القرآن» كما حدثت زوجه عائشة رضي الله عنها. وقد وصفه سبحانه وتعالى فقال: (وانّك لعلى خلُق عظيم)(42)، وقال: (لقَد جَاءكم رسُول من أنفُسكم عزيزٌ عليهِ ما عنتُم حريصٌ عليكُم بالمؤمنِينَ رءوفٌ رحيمٌ)(43). ولقبته قريش «بالامين» يوم كان عدوّها.

والناس عندمنا يلمسون في قيادتهم القدوة الحسنة، فانهم يُضحون بكل نفيس في سبيل نصرة تلك القيادة، ويصبرون على كيد الاعداء، وكذب شائعاتهم ودعاياتهم، ولا يتآمرون على الدولة ولا يسكتون عن متآمر، ويجدون في حماية بلادهم وقادتهم بشتى السبل.

صفات رجل الامن

اعتاد الناس التوجس خيفةً من أجهزة الامن والمخابرات، لان الانسان بطبعه تواقٌ للحرية، نزاعٌ الى الطلاقة، يحاذر حتى من رجل الشرطة الذي يرتدي الزي الرسمي، لان لديه من السلطات التنفيذية ما يمكنه من تقييد حرية الاخرين، لذا فعندما يكون الامر متعلقاً بشخص له ذات سلطات الشرطة ولكنه في زي مدني يتضاعف التوجس والخوف منه، لما سمعه الناس وألفوه من الشائعات والحقائق عن بعض أفراد أجهزة الامن المخابراتية، أولئك الذين يسيئون استخدام ما اؤتمنوا عليه.

ولما كانت حاجة أجهزة الامن لافراد المجتمع حاجة أساسية، فان جميع أجهزة الامن تسعى لكسب ثقة الجمهور ليكون عوناً لها في تحمل المسؤولية الجسمية التي تتطلب أولى القوة ممن يتصفون بصفات رفيعة، نذكر منها:

التدين والخُلق: بادىء ذي بدء، يجدر الاختيار من العناصر ذات الدين والخلق، التي تخشيى مراقبة الله قبل أن تٌعني بمراقبة الناس، ولا يكفي أن يكون رجل الامن ذا دين فحسب، فيكلف من ذوى الدين من لا يصلح لمثل هذا العمل: لضعف أو غفلة أو تهاون، بل من الواجب اجراء تحر واسع ودقيق في الاختيار، وبفراسة لا تخطىء، قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: «ان أفرس الناس ثلاثةٌ: أبو بكر حين تفرس في عمر، وصاحب يوسف قال: (أكرمي مثواهُ)(44)، وصاحبة موسي قالت: (يا أبتِ استأجِرهُ ان خيرَ منِ استأجرتَ القويُ الامينُ)(45). كذلك يجب البحث عمن يجمعون بين تخصصهم الاساسي واحتياجات أجهزة الامن، فالكاتب الموهوب، مثلاً، يصلح في مهمة التحليل والتقديم وصياغة التقارير بتعبير واضح ومختصر ومشوق، وهذا من صميم ما تحتاجه الاجهزة الامنية، كما أن مهام الامن تستدعي اختيار ذوى التخصصات الفنية، مثل: المتخصصين في الكيمياء والفيزياء.

الطاعة والتقيد بالاوامر: بتطلب عمل الامن سرعة التنفيذ، والسرية، والحذر، لذلك تصبح صفة الطاعة ضرورية، ما لم يؤمر الفرد بمعصية، فاذا أمر بمعصية «فلا سمعَ ولا طاعة»، كما جاء في الحديث وقال تعالى: (يا أيهَا الّذين آمنوا أطيعُوا اللهَ وأطيعُوا الرسُولَ وأولى الامر منكُم فان تنازعتُم في شيء فردوهُ الى الله والرسولِ ان كنتُم تؤمنونَ باللهِ واليومِ الاخرِ ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً)(46)، وعلى العاملين أن يثقوا بقادتهم ويحسنوا الظن بهم: (من يشفَع شفاعة حسنةً يكُن لهُ نصيبٌ منهَا ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكُن لهُ كفلٌ مّنها وكانَ اللهُ على كُلِ شيء مقيتاً)(47).

حب العمل والتحلي بروح المسئولية: تقتضي خطورة عمل الامن والمخابرات التحلي بروح المسؤولية وحب العمل، اذا أون أخطاء الاهمال في مثل هذا المجال تلحق أضراراً كبيرةً بمصالح البلاد والعباد، لذا كان لزاماً على رجل الامن ألا ينتظر من يحثُه على البذل بل ان عليه أن ينزع اليه بحافز داخلي، يرجو به مرضاة الله.

الخبرة والمهارة والاتقان: ان العمل في أجهزة الامن والمخابرات عملٌ فنيٌ يتطلب مهارةً عاليةً وكفاية فنية متخصصةً واتقان في الاداء. فهذه الاجهزة تتعامل مع عدو ماكر و ماهر، مزدود من أدوات التقانة بما يمكنه من كشف الاسرار، وتجاوز الاستار: باستشعار من البعد، وتسجيل وتصوير سريين، وتزوير للوثائق مريع، لذا يلزم المتصدى لمثل هذا العدو أن يكون خبيراً ماهراً متقناً لعمله، ففي الحديث النبوي: «ان الله يحبُ اذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ويقول تعالى: (وقُل اعملُوا فسيرى اللهُ عملكُم ورسولهُ والمؤمنونَ وستردونَ الى عالمِ الغيبِ والشهادة فينبكُم بما كنتُم تعملُونَ)(48). والمسلم مؤمورٌ باحكام صنعته: (أنِ اعمَل سابغات وقدر فِي السرد واعملُوا صالحاً انّي بما تعملُون بصيرٌ)(49). ويقول المفسرون هنا: ان قدر في السرد تعني: «أحكم صنعتَك»، وصنعة ضابط الامن والمخابرات تتطلب الصبر والاناه: (يا أيها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقٌوا اللّه لعلكُم تُفلحونَ)(50). كما أن على رجل الامن تعلُم المهارات، مثل الرماية، وكذا الحرف المتعلقة بتخصصه، مثل: التصوير وقراءة الصور الجوية، وتحليل وتقويم المعلومات، والشفرة، والمراقبة، وغيرها من علوم الامن والمخابرات. وتعلم اللغات الاجنبية من الضرورات لرجل الامن، لانها تمكنه من التعلم والاستماع والاتصال بالاخرين، كما تمكنه من الاطلاع على الوثائق الخطيرة دون الاستعانة بمترجمين. وتعلم اللغات الاجنبية من سنن الاسلام التي حض عليها- خاضة لغة العدو- فلقد أمر صلى الله عليه وسلم كاتبه زيد بن ثابت بإجادة السريانية، قال زيد: «أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فتعلمتُ له كتاب يهودي بالسريانية. وقال: اني والله ما آمنُ يهوداً على كتابي».

الامانة:

رجل الامن مسؤولٌ عن صون حقوق الناس وأمنهم، وحراسة الاعمال المعلومات والمنشآت من الاهمال والتفريط، وهو، لذلك، مزود بامكانات لا تتوفر للمواطن العادي، من سلاح ومعدات وسلطات. ويجب ألا تفتن رجل الامن هذه الامكانات والسلطات، والا تحمله على ابتزاز الناس والاستهتار بهم، بل يجب عليه أن يكون أميناً يشعر بتبعة كل أمر يوكل اليه، وأنه مسؤول عنه أمام ربه، يقول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤولُ عن رعيته، فالامام راع وهو مسؤولٌ عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعيةً وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئولٌ عن رعيته».

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يلقب بين قومه بالامين، وهو القائل: «من ولى من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباةً فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يُدخله جهنم). وقال عليه السلام: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» أي: أنه اختلاس من المال العام، يقول تعالى: «ومَن يغلُل يأتِ بما غلّ يوم القيامة ثُم توفُى كل نفس ما كسبت وهُم لا يُظلمونَ)(51). ويحذر الحق تعالى: (يا أيُها الذين آمنوا لا تخونُوا اللهَ والرسولَ وتخونُوا أماناتكُم وأنتُم تعلمُون. واعلمُوا أنّما أموالكُم وأولادكُم فتنةٌ وأن الله عندهُ أجرٌ عظيمٌ)(52).

وصدق رجل الامن فيما يتحرى وما يقول وما يكتب من تقارير، يؤوى الى الصدق في القرارات والاعمال التي تقوم بها الدولة، وفي ذلك، بالضرورة، انصلاح الاحوال. يقول الله عز وجل: (يا أيُها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولُوا قولاً سديداً. يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكُم ومن يُطع اللهَ ورسولهُ فقد فاز قوزاً عظيماً)(53). وقد بعث الخليفة عمر بن الخطاب رسالةً الى سعد بن أبي وقاص يوصية فيها بتحري صفة الصدق فيمن يرسل من العيون، يقول: «اذا وطئت أرض عدوك فازك العيونَ بينكَ وبينهم، وليكُن عندكَ من العربِ أو مِن أهلِ الارضِ من تطمئنُ الى نصيحته وصدقه، فان الكذوب لا ينفعك خبره، وان صدقك في بعضه، والفاشي عينٌ عليكَ وليس عيناً لك».

وفى شعر التراث العربي الاسلامي:

واجعل من الطلاع أهلَ شهامة للصدق فيهم شيمةٌ لا تخدعُ

لا تسمعِ الكذاب جاءكَ مُرجفاً لا رأىَ للكذاب فيما ينصعُ

الاعتدال في الامور:

تسعى مخابرات العدو الى تجنيد أعضاء أجهزة الامن والمخابرات الاخرى عملاء لها. ويعتمد الاعداء في ذلك على نقاط الضعف التي يكتشفونها في من ينوون تجنيده- وهي كثيرةٌ- ومن نقاط الضعف المشهورة في عالم المخابرات صفتا التطرف والهوس- حتى في ممارسة الهوايات- وحب الظهور والشذوذ، بشتى ألوانه، والتعلق بمظاهر الاشياء، وحب المال والجاه. وان الدين ليوصى بنقيض ذلك كله، اذ يثنى الله تعالى على أولئك المتصفين بالتوسط في تعاملهم مع الاشياء، فيقول: (والذينَ اذا أنفقُوا لَم يُسرفوا ولَم يقتروا وكانَ بين ذلِك قواماً)(54).

الكتمان وحفظ الاسرار:

ان الكتمان من أساسيات العمل الاستخباري، اذ يترتب على افشاء المعلومات السرية وتسريبها مخاطر جمةٌ قد تفضى الى انهيار الدولة. وتشديداً على قيمة الاعتداد بالسرية في أداء المهام، يقول صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». وقد عُرف عنه صلى الله عليه وسلم توخى الكتمان والسرية في حروبه وغزواته جميعا. فعندما دنا من موقع بدر- الغزوة - أمر أصحابه ان يقطعوا الاجراس التي كانت معلقةً على اعناق ابلهم لئلاً يسمع العدوُّ اصواتها. ورُوى عنه ص انه بعث عبد الله بن جحش في السنة الثانية للهجرة في اثنى عشر رجلاً من المهاجرين، وزودَّه بكتاب مختوم امره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين كاملين، يبلغ بعدهما موقعاً معلوماً حدده له. فاذا كان هذا نمط التعامل النبوي مع الصحابة الاجلاء - وكلُّهم مؤتمن - فكيف بسواهم ممن لم تمحصهم تجارب كتجارب اولئك؟!

[آ‌1] الاحساس بقيمة الزمن:

ان من اهم اعمال الامن، جمع المعلومات، وتصنيفها، وتحليلها، وايصالها للمسئول المناسب، ليتخذ القرار في الوقت المناسب. فالمعلومات التي تصل قبل الحدث بكثير - او بعده - تمسى قليلة النفع. والوقت المفقود يستحيل ارجاعه، فالاحداث في عالم الامن متلاحقة، وعلى رجال الامن أن يكونوا ذوي احساس قوي بالوقت، لئلا تفاجئهم الوقائع، وكما قيل: «الوقتُ كالسيف ان لم تقطعه قطعك».

الصدِّق:

الصدق في القول والعمل، لازمٌ لنجاح العمل الاستخباري، لكيلا تُبنى الاجراءات والخطط على اكاذيب واوهام. ومن هنا تنهض ضرورة الاستمساك بالصدق في كل معلومة وكل قضية، ولا يكون ذلك الا بالتحرى والتمحيص والمقارنة، لابعاد الظنون ونبذ الشائعات، وتثبيت الحقائق، ليشمخ عليها القرار السليم. قال ص: «اياكم والظنَّ فإن الظنَّ أكذبُ الحديث». وقال: «دع ما يريبك الى ما لا يُريبك، فان الصدق طمأنينةٌ والكذب ريبة». وقد عاب القرآن الجري وراء الظنون: (إن يتبعُون الا الظنَّ وما تهوى الانفسُ ولقَد جاءهُم مِن ربهِم الهدَى)(55)، وقد حذر القرآن من اتخاذ الاجراءات بناءً على اقوال الفاسقين: (يَا أيهَا الذينَ آمنُوا إن جاءكُم فاسقٌ بنبأ فتبينُوا أن تُصيبُوا قوماً بجهالة فتصبحُوا علَى ما فعلتُم نادمينَ)(56).

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

امن الافراد

يُقصد بأمن الافراد، كل الاجراءات التي تُتَّخذ لحماية الافراد من محاولات العدو الحصول على المعلومات منهم، او تجنيدهم، او استلاب ولائهم، او اختطافهم او قتلهم، فالفرد هو اساس الامن.

وفي العمل الاستخباري الايجابي المعادي، يسعى العدو للحصول على المعلومات: بالملاحظة والمتابعة والتجسُّس، كما يقوم بأعمال التخريب، والاعمال السياسية والمظاهرات والدعاية والشائعات، والافراد - عند كل ذلك - هم هدف العدو وأداته في آن واحد.

ودور الفرد أساسيٌ وحاسمُ في العمل الاستخباري الوقائي، لحماية أسرار الدولة من نشاط الجواسيس، ومن التخريب المادي والمعنوي، كما أنه ضروري في مكافحة كل الانشطة الهدامة التي تقوم بها المخابرات الاجنبية، ومن هنا كان سعى العدو نحو الافراد - ومن هنا أيضا - تثب ضرورة تأمين الفرد وتوعيته امنياً، ليكون فاعلاً في حالتي الامن الوقائي والايجابي. ونعني بالفرد هنا: كل من يعمل في مجال الامن، لانه مستهدفٌ استهدافاً اساسياً من قبل العدو.

اجراءات امن الافراد:

مرحلة ما قبل الاستيعاب:

تبدأ اجراءات أمن الافراد بمرحلة ما قبل الاستيعاب، اذ يغدو من الاهمية بمكان البدء بعملية تحر واف تُعرف بشخصية الافراد المرشحين للعمل في الوظائف الحساسة، شاملةً اكبر قدر من المعلومات عن تاريخ حياتهم، لاستبعاد غير الموالين ممن يدينون بالولاء لجهة اجنبية، او يعتنقون افكاراً غريبةً عن مجتمعاتهم، واستبعاد الافراد غير المؤتمنين - لسبب او لاخر - ثم تأتي بعد التحري مرحلة اختيار الافراد بالفحص الطبي والنفسي للتأكد من لياقتهم البدنية والنفسية، نظراً للمشاق الجسيمة التي سيتعرضوه - حتما - لها.

اما مرحلة ما بعد الاستيعاب فانها تتضمن خطوات متعددة، تشمل:

(أ) التلقين:

وهو يحوي:

* القوانين واللوائح والتعليمات التي تحدد المسئوليات والعقوبات.

* شرح طبيعة الاسرار الموجودة في مكان العمل.

* شرح المشاكل الامنية التي تواجه الافراد، وكيفية التصرُّف حيالها، مثل: الشائعات، كيف يتعامل ازاءها ويمنع ترويجها، ويبلغ عنها. هذا بجانب التمكن من معرفة طرق التصرف حيال النشرات المعادية، والاتصال بالاجانب، وطرق التعامل تجاه ما يعكر صفو الامن.

(ب) التدريب:

وهو يشمل:

* التدريب العسكري.

* التدريب الامني.

* التوعية الامنية المستمرة عن طريق:

نشرات الامن: وهي تصدر من وقت لاخر لسد الثُّغرات الانية، والتنبيه للمخاطر.

ملصقات الامن: وهي شعاراتٌ امنيةٌ للتذكير الدائم بمبادىء الامن.

التنوير الامني: وهو يهدف الى تثقيف الافراد امنبياً وسياسياً، عبر دورات ومحاضرات عن الاحداث الجارية وقضايا الساعة.

(ج) الرقابة:

وتتمثل في:

* التفتيش المفاجىء للتأكُّد من الحضور والاداء الفاعل، وتنفيذ تعليمات الامن، قال تعالى: (وتفقدَ الطيرَ فقالَ مَا ليَ لا أرَى الهُدهُدَ أم كانَ مِنَ الغائبِين)(57).

* اختيار الافراد لمعرفة إلمامهم بأحداث تعليمات الامن.

* مراجعة تصاريح المرور.

* تفقُّد الافراد، وحلُّ مشاكلهم اولاً بأول.

(هـ) التحفيز والجزاءات:

يجب الاهتمام بتحفيز من يحسنون أداء واجباتهم من الافراد، وايقاع الجزاء على المقصرين منهم، فالترغيب والترهيب، كلاهما، يحسن الاداء ويطوره.

وقد اشتمل الدين الاسلامي بمصدريه الاساسيين - القرآن والسنة - على منهج رفيع في الدعوة يوازن بين عنصري الترغيب والترهيب، ليجعل من المسلم كائناً شفافاً يتقلب بين حالتي الخوف والرجاء، وحرى بالمسلمين ان يعتبروا بهذا المنهج في حياتهم العملية.

وعند ايقاع الجزاءات ينبغي ان يكون الجزاء مناسباً للجرم المرتكب، ليبلغ مرحلة ابعاد كل من يثبت انه خطيرٌ على الامن.

نماذج من السنة في امن الافراد

* مبيتُ عليٍّ بن ابي طالب في فراش النبيِّ: وكان ذلك في ليلة خروج النبي ص من مكة والكفار يترصدونه لقتله، فسأله النبيُّ الكريم ان ينام على فراشه ويتغطى ببردته.

* الخروج في النهار وقت الحر: قالت عائشة: (كان لا يخطىء رسول الله ان يأتي بيت ابي بكر احد طرفي النهار، اما بكرةً وإما عشيةً). واختيار النهار في مكة ذات الحر الشديد نهارا كان ادعى للسرية واضمن ان يُخفى عن العيون.

* اللجوء الى غار ثور: فقد لجأ الرسول ص ورفيقه ابو بكر الى غار ثور في جنوبي مكة، وهو اتجاه معاكسٌ لطريق المدينة، امعاناً في تضليل قريش، وقد حقق غار ثور لهما موقعاً آمنا من حيث وعورة المكان، وسهولة الاختفاء بعيداً عن احتمالات الرصد لان الكافرين توجهت توقعاتهم صوب الطريق المؤدي الى المدينة.

* وفي هجرة المسلمين الى الحبشة والمدينة، عظاتٌ وعبر باهراتٌ من حيث امن الافراد الجماعي. فعندما اشتد البلاء والتعذيب بالمسلمين من قبل قريش، اذن لهم الرسول بالهجرة بحثاً عن مكان آمن غير مكة، فكان الخيار أرض الحبشة. ثم جاءت الهجرة الى يثرب، وقد كانت معرضة لغزو الكفار، الذين حاولوا ذلك خمس سنوات، كان آخرها في غزوة الخندق التي تجمع فيها عشرة آلاف مقاتل لاستئصال شأفة المسلمين. وكان حفر الخندق بمثابة تعميق الدفاع، وتأمين المقاتلين. وبعد انتهاء الخطر الامني بعد غزوة الخندق، وبعد ان اطمأن الرسول الى ان المدينة اصبحت حصناً اميناً، اعاد المهاجرين من الحبشة، التي كانت قاعدةً احتياطيةً وعمقاً استراتيجياً للمسلمين.

تعليمات امن الافراد:

تتضمن تعليمات امن الافراد ما يلي:

* الكتمان: ويأتي بعدم الحديث عن النفس والعمل وعن الآخرين واعمالهم.

* مراعاة «مبدأ المعرفة على قدر الحاجة» (need to know)

* تجنُّب الاثارة.

* الحذر من الاستدراج.

* الحذر من وسائل التصنُّت.

* ترك كل ما يتعلق بالعمل من اوراق وادوات في المكتب، مع احكام الاقفال وتسليم المفاتيح للجهة المسئولة.

* اتباع السُّلوك المستقيم.

اثر العقيدة في تحقيق امن الفرد:

* يُكسب الايمان الانسان السكينة والطمأنينة والامان، وتتذبذب هذه الحالة، ضعفاً وقوةً، بقدر اعتصام الانسان بشعب الايمان او ابتعاده عنها، لان الايمان، وحده العاصم من البطر بخير الدنيا او الجزع من نصبها ولاوائها، فالمؤمن الحقُّ عادةً ما يكون متوسط المشاعر في حالتي الخير والشر: (لكيلا تأسَوا علَى مَا فاتكُم ولا تفرحُوا بمَا آتاكُم)(58)، (ولا تجعَل يدكَ مغلولةً الى عنقكَ ولا تبسطهَا كلَّ البسطِ فتقعدَ ملوماً محسوراً)(59).

* ولما كانت قوى الطبيعة، وقوى المجتمع الشريرة، تثير قلق الانسان وخوفه، فان النجاة منها نصيب الانسان المعتصم بذكر الله، (الذينَ آمنُوا وتطمئنُّ قلوبهُم بذكرِ اللهِ ألا بذكرِ اللهِ تطمئنُّ القلوبُ)(60). وحالة الامن والطمأنينة الشافية لا تتم الا اذا نزع المؤمن من قلبه كل انواع الشرك: (الذينَ آمنُوا ولَم يلبسُوا ايمانهُم بظلم أولئكَ لهمُ الامنُ وهُم مهتدونَ)(61)، ويقول مفسرو هذه الآية: ان الظلم هنا هو الشرك، وان هذه الآية لما نزلت شق ذلك على اصحاب النبي ص، فقال لهم: «ألم تروا الى قوله تعالى: (انَّ الشركَ لظلمٌ عظيمٌ)(62)».

* ومن مذهبات الامن والطمأنينة: الموت والجوع والخوف، وهي المنغصات الثلاث التي ما فتئت تطارد الانسان بالقلق، ولكن المؤمن يعتبرها - جميعاً - ابتلاءً من الله، فيصبر عليها انتظاراً لثوابه، (ولنبلونكُم بشيء منَ الخوفِ والجوعِ ونقص منَ الاموالِ والانفسِ والثمراتِ وبشرِ الصابرينَ. الذينَ اذَا أصابتهُم مصيبةٌ قالُوا إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ)(63).

* ومما يصيب الانسان بالخوف والجزع، الحرب وساحات الوغى. والايمان يهيئ المؤمن للثبات في الحرب، بإشاعة روح الجهاد وجعل الشهادة في سبيل الله غايةً رفيعة، (يَا أيهَا الذينَ آمنُوا إذا لقيتُم فئةً فاثبتُوا واذكرُوا اللهَ كثيراً لعلكُم تفلحونَ)(64).

لذلك نجد المؤمن لا يخشى حشود الاعداء ولا يأبه لتقصدهم اياه بالشائعات والدعايات، قال تعالى: (الذينَ قالَ لهمُ الناسُ انَّ الناسَ قَد جمعُوا لكُم فاخشوهُم فزادهُم ايماناً وقالُوا حسبنَا اللهُ ونعمَ الوكيلُ)(65). وليست طمأنينة المؤمن بوقف على حالة التهديد من الاعداء قبل خوض المعترك، بل نجده في معمعان المعركة يغشاه النعاس بفضل ايمانه، وبفضل الله على عباده المؤمنين، (ثمَّ انزلَ عليكُم مِن بعدِ الغمِ أمنةً نعاساً يغشَى طائفةً منكُم)(66).

الاستقامة:

يقول تعالى في محكم تنزيله: (فاستقِم كمَا أُمرتَ ومَن تابَ معكَ ولا تطغَوا انهُ بمَا تعملونَ بصيرٌ)(67)، وفي القرآن: (قالَ قد أُجيبَت دعوتكُمَا فاستقيمَا ولا تتبعانِّ سبيلَ الذينَ لا يعلمُون)(68)، وقال تعالى: (انَّ الذينَ قالُوا ربنَا اللهُ ثمَّ استقامُوا تتنزلُ عليهُم الملائكةُ ألاَّ تخافُوا ولا تحزنُوا وأبشرُوا بالجنةِ التي كنتُم توعدُون)(69). انَّ هذه الايات - جميعاً - تشير الى قيمة الاستقامة في تثبيت القلوب وطمأنتها، ومن ثم، فالاستقامة شرطٌ حتمٌ لتحقيق الامن.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

امن المعلومات والوثائق

يقصد بأمن المعلومات، جميع الاجراءات الوقائية التي تُتخذ للحفاظ على المعلومات، ويشمل ذلك الجهود والقرارات ذات السرية، ضماناً لصونها من التسرب الى الاعداء او الجهات غير المسموح لها بالاطلاع عليها، ويدخل ضمن هذه الاجراءات، الخداع وتضليل العدو عن طريق نشر وترويج معلومات غير صحيحة.

والعدوُّ يسعى للحصول على المعلومات بشتى الوسائل، سواءٌ بالمصادر العلنية، مثل وسائل الاعلام، التي تشكل الجزء الاساس من وسائل المعلومات، او بتجنيد العملاء والجواسيس.

ومع تطور الوسائل التقنية، عُرفت وسائل رصد وتسجيل الرسائل المتبادلة عبر الهاتف السلكي واللاسلكي، ووسائل اكتشاف الرسائل السرية، وفك رموز الشفرة، واستخدام الاقمار الصناعية في عمليات الاستطلاع، وبالونات المراقبة، وتقنية الاستشعار من بعد، والتصوير الجوي البعيد المدى. ورغم هذا التطور التقني في معدات ووسائل التجسس تظل الوثائق السرية، بما تحويه من تفاصيل، هي الهدف الرئيسي للعدو، ويظلُّ التجسس بواسطة الانسان هو الخطر الاكبر، كما تظل الاجراءات التقليدية هي الضمانة الاساسية لتعطيل جهد العدو.

اجراءات تحقيق امن المعلومات والوثائق:

أولاً: الطباعة: -

لما كانت الطباعة طريقة معهودة في حركة الجهود الامنية، فان من الضرورة الاعتناء بها كعملية جد خطيرة ربما تكون منفذاً للاختراق الامني، لذا فان من شروط سلامتها:

* اختيار اشخاص مؤتمنين لطباعة الوثائق السرية، وحفظها وتداولها.

* يستحسن توحيد مكان طباعة الوثائق السرية وتوحيد الالات الطابعة لتيسير اجراءات تأمين المكان، من حيث موقعه وتحصينه.

* تجهيز مكان مأمون لحرق واتلاف المسودات، والكربون، والنسخ الزائدة من الوثائق السرية.

* عدم استنساخ صور اضافية من الوثائق السرية تزيد عن الحاجة.

* وضع درجة السرية المناسبة في اعلى واسفل كل صفحة.

ثانياً: التصنيف: -

يعني التصنيف، اعطاء الوثيقة درجة سرية معينة، توضع، عادة، في بداية الوثيقة ونهايتها. ففي حالة الاوراق والصور توضع درجة السرية في بداية الصفحة، وفي اسفلها، وعلى كل صفحة - وباللون الاحمر - وترقم الاوراق. وفي حالة الاشرطة المسجلة، تكتب على الشريط - وتقال - درجة السرية، قبل بداية التسجيل وفي نهايته. ويجب ان توضع الدرجة المناسبة دون مغالاة ولا تخفيف، لان المغالاة في درجة السرية ترهق الجهات المختصة بحفظ اكداس من الوثائق، بينما يتيح التخفيف للعدو فرصة الحصول على وثائق سرية بسهولة.

أهمية التصنيف:

هنالك عدد من الفوائد التي تحققها عملية التصنيف، وغالباً ما تنزع اليها الاجهزة الامنية، فهي تحقق:

* الدلالة على اهمية الوثيقة وخطورتها.

* تحديد درجة الحماية المطلوبة للوثيقة.

* تحديد الجهات المخول لها فض الوثيقة وتداولها.

* تحديد طريقة تظريف الوثيقة.

درجات التصنيف:

هنالك خمس درجات للتصيف ينمُّ تسلسلها عن تفاوت بينها في مستوى الاهمية ومجال التداول، وهي ترد على النحو التالي:

(سرى للغاية)

ويُعطى هذا التصنيف للوثائق التي تحتوي على معلومات غاية في السرية، فاذا حصل عليها العدو سبب خطرا كبيرا ومؤكدا على سلامة البلاد وأمنها. وتحفظ مثل هذه الوثائق في خزائن حديدية متينة ذات أقفال قوية لها روافع، وتوضع عليها حراسة. وتشمل مثل هذه المعلومات: المعلومات الاستراتيجية عن الدولة وعن العدو، والقرارات الهامة في الدولة.

(سرى)

وتُعطى هذه الدرجة للوثائق التي تحوى معلومات عن العمليات والسياسات والقرارات الراهنة ذات الاهمية، فاذا طالتها ايدي العدو نجمت عنها اضرار بالغة بالدولة، ومعهود في مثل هذه المعلومات ان تحفظ في خزائن حديدية.

(مكتوم)

وتُعطى هذه الدرجة للوثائق التي تحوي معلومات ينبغي ألا يتداولها سوى الاشخاص المسئولين وهي المعلومات التي اذا اطلع عليها العدو تؤثر في كفاءة الاداء، وتُحفظ - عادة - معلومات هذا التصنيف في دواليب حديدية مغلقة.

(محظور)

وتُعطى هذه الدرجة للوثائق التي تحوي معلومات معدة للتداول الرسمي، وهي ليست ذات سرية عالية، ولكنها ليست للنشر بين افراد الجمهور، وعادة ما توضع في دواليب مغلقة، وهي تشمل المجلات والكتب المحظورة.

(غير سرى)

وهي معلومات عامة، يكتب عليها احيانا: (غ. ذ. س)، او يهمل كتابة أي درجة عليها.

ويخصص لكل درجة سرية من يحق له وضعها، ويقوم الشخص المحدد بوضع درجة السرية على الوثيقة ويوقع عليها بنفسه، وهو المسئول عن مراجعة درجتها لتحقيقها او الغائها. ويٌراعى في الوثائق التي تحوي درجة سرية عالية - مثل: سرى وسرى للغاية، التوضيح في أعلى الوثيقة، من جهة اليسار، عدد الصفحات، وعدد النسخ، ورقم كل نسخة، والجهة المعنون اليها. ولا يجوز استنساخ نسخ اضافية من الوثيقة ذات السرية العالية، الا بواسطة جهة الاصدار، او من يخول كتابة ذلك.

ثالثاً: تداول الوثائق: -

نعرض هنا عدداً من الاسس التي ينبغي ان تُراعى في تداول الوثائق، لان في ذلك ما يضمن سلامتها وصونها:

* اذا كانت الوثيقة ذات درجة سرية عالية، فمن المتوجب ان يرفق معها ورقة سيرة تاريخية للوثيقة توضح من يسمح لهم بتداولها، ومن اطلع عليها، وتاريخ ذلك، وحركة الوثيقة، وذلك لسهولة حصر اي تسرب.

* لا تُفض المظاريف المعنونة بكلمة «شخصي» الا بواسطة الشخص المعني، او من ينوب عنه في حالة غيابه.

* عند اطلاع شخص على الوثيقة ذات السرية، يُوقع من اطلع عليها في ورقة السيرة التاريخية للوثيقة، ويوضح زمن الاطلاع وتاريخه، وزمن اعادتها وتاريخها.

* لا يُسمح بنقل الوثيقة السرية من مكان حفظها وتداولها الى أماكن شخصية اخرى.

* عند نقل الشخص المسئول عن حفظ الوثائق، تؤخذ الوثائق منه بموجب شهادة تُعتمد من الرئيس المباشر.

* ينبغي أن يجرى تداول الوثائق السرية باليد، وبواسطة الاشخاص المعنيين.

* عند ارسال وثيقة «غاية في السرية»، تُوضع في مظروفين: يُكتب على المظروف الخارجي «سري»، ويُكتب على الداخلي «سري للغاية» لئلا يلفت نظر الغرباء الى الوثيقة.

* تُختم الوثائق السرية بالشمع الاحمر عند ارسالها لجهات خارج مكان حفظها.

اتلاف الوثائق:

قد يبدو - للوهلة الاولى - ان اتلاف الوثائق امر عادي لا يتطلب نهجاً معيناً، غير ان هناك طرائق مرعية في هذا الصدد، تردُ على النحو التالي:

* لا يجوز اتلاف اي وثيقة سرية الا بموافقة جهة الاصدار.

* تُتلف الوثائق بحيث يستحيل اعادة تجميعها، ويُستخدم في هذا آلات اتلاف الوثائق، ويُحدد مكان خاص لحرقها - وبواسطة لجنة - على ان يوقع ايصال بذلك.

* لا تُخفض درجة سرية «الوثائق السرية» الا بموافقة جهة الاصدار.

* تُراجع درجة السرية مع الجهة المصدرة، حسب سرية الوثيقة.

فقدان الوثائق:

عند فقدان آية وثيقة يلزم اتباع الاجراءات التالية:

*يُبلغ دون ابطاء، عند الاشتباه في احتمال تسرب الوثيقة السرية.

* عند فقدان أية وثيقة سرية يجري تشكيل لجنة تحقيق فوراً.

* عند اطلاع شخص - او جهة غير مخولة - على وثيقة سرية، تُخطر الرئاسة وجهة الاصدار فوراً.

* تبحث لجنة التحقيق عن ظروف فقدان الوثيقة، ونقاط الضعف والاهمال في حفظها وتداولها، ثم توجه بالتصرف حيال المعلومات التي تحتويها الوثيقة المفقودة، والاجراءات المطلوبة لضمان ألا يتكرر ما حدث.

* تفقد المعلومات سريتها بمضى الزمن، ويتفاوت زمن فقدان السرية تبعاً لنوع المعلومات. فالمعلومات المتعلقة بتحرك شخصية هامة، تنتهي بوصول هذه الشخصية الى الجهة المقصودة. ومعلومات القتال تنتهي سريتها بانتهاء العمليات.. وهكذا. لذلك يجب متابعة درجات السرية وازالتها متى زالت الحاجة اليها، لئلا تتكدس معلومات تحمل درجات سرية لا قيمة لها.

اجراءات التحقيق في فقدان الوثائق:

عند تعيين لجنة للتحقيق في فقدان وثيقة ما، يجب مراعاة التالي:

* الاطلاع على الاوامر الدائمة والتعليمات الخاصة بأمن الوثائق.

* جمع معلومات عن الوثيقة التي فقدت: موضوعها، ودرجة سريتها، ورقمها، وتاريخها، والوثيقة التاريخية التي تليها.

* معرفة المرفقات التي أرسلت مع الوثيقة.

* معرفة الجهة التي تسربت منها الوثيقة، وذلك بمراجعة النسخ والتوزيع.

* معرفة تاريخ وصول الوثيقة.

* معرفة المسئول عن حفظها وتداولها، وطريقة حفظها وتداولها.

* الاجابة عن: أين كانت الوثيقة؟ ومن هو آخر من اطلع عليها؟

* معرفة ظروف اكتشاف فقدان الوثيقة، او تسربها، والاجراءات التي اتخذت فوراً.

* استقصاء اجراءات حفظ الوثيقة لحظة فقدانها، او تسربها.

* استقصاء طريقة الحراسة والقفل والخزائن.

* تحديد الاخطاء التي أدت الى الفقدان والتسرب.

* تحديد الجهات، او الاشخاص المقصرين.

* وضع اجراءات لضمان ألا يتكرر الخطأ، عبر سد الثغرات الامنية.

حفظ الوثائق:

تحفظ الوثائق السرية وفقاً لدرجة سريتها- التي أوضحناها في درجات التصنيف- وينبغي أن تكون اجراءات التأمين كاملة ومتدرجة، تبدأ- مثلاً- بالاسلاك الشائكة، ثم الحيطان العالية، ثم الغرف الحصينة المزودة بنوافذ وأبواب قوية، ثم الخزائن الحديدية الصلدة والاقفال المتينة، ثم تركيب أجهزة الانذار والمراقبة ووضع حراسة على المنطقة.

كما يجب اتخاذ اجراءات ضد الحريق، واختيار غرف بعيدة عن الزوار لطبع الوثائق، وغرف مؤمنة وبعيدة لحفظها، ويلزم الاعتناء بحفظ المفاتيح في مكان أمين، وحرق المسودات والكربون وأشرطة الماكينات التي طُبعت بها الوثائق «السرية» و«الرسية للغاية»، ومحاذرة التفوه بأرقام الخزائن ذات الارقام أثناء فتح تلك الحزائن، خشية وجوئ تسجيل أو استراق سمع. ومن الجديد بالمراعاة ملاحظة أي آثار توحى بأن الوثيقة قد عُبث بها، أو أنها قد سُربت أو سرق جرء منها.

رابعاً: المحافظة على الاسرار-:

ان افشاء المعلومات السرية التي تضر بالمصلحة العامة أمر في غاية الخطورة، وقد يحدث تسرب المعلومات الى العدو- بحسن نية أيحاناً- من بعض المواطنين، أو موظفي الخدمة المدنية، أو الصحفيين الذين لا يقدرون خطورة المعلومات. وكثيراً ما ينجم الافشاء وسعى من العدو الذي يجند أفراده وعملاءه ووسائله للحصول على المعلومات. ولتفادى تسرب المعلومات يجدر الاهتمام بتوعية المواطنين لانماء الحس الامني لديهم، خاصة العاملين في الدولة وأولئك الذين يتداولون معلومات سرية بحكم عملهم.

ولتجنب تسرب المعلومات المتعمد، فان اجراءات الامن تبدأ بعدم تمكين المشكوك في ولائهم وسلوكهم من الوثائق السرية، مضياً الى سائر الاجراءات الامنية الاخرى، التي تشمل سنّ قوانين لمحاربة الجاسوسية، لان اثبات تهمة التجسس بالقوانين العادية ليس سراً، فالجاسوس، أو العميل، يستخدم وسائل خاصة، وهو مدرب تدريباً متميزاً للافلات من الاعتقال والكشف عن جرمه. ويتوجّب اقامة مكاتب للامن بكل الادارات والمصالح والوزارات الحساسة، لتولى مسئولية الامن بها، وتنفيذ تعليمات الامن المتسديمة التي تصنفها الاجهزة المختصة، وهي تشمل: المصالح، والوزارات، ومؤسسات الدولة خارج أرض الوطن، بما فيها السفارات، ومكاتب الخطوط الجوية، والمكاتب الحكومية الخارجية، والمكاتب الاقتصادية والتجارية.

ولان الاسرار أمانة، والبوح بها خيانة، فقد حذر الله قائلاً: (يَا أيُها الذينَ آمنُوا لا تخونُوا اللهَ والرسولَ وتخونُوا أماناتكُم وأنتُم تعلمونَ)(70).

ومن الدوافع التيى تدعو الانسان الى افشاء الاسرار والخيانة، ضعفه أمام المال واغرائه أو خوفه على أولاده، وقد قال تعالى - عقب الآية السابقة-: (واعلمُوا انّما موالكُم وأولادكُم فتنقةٌ وأنَ اللهَ عندهُ أجرٌ عظيمٌ.)(71).

وقال تعالى: (يَا أيهَا الذينَ آمنُوا لا تتخذُوا عدِوي وعدوكُم أولياءَ)(72).

وقد ذكر أهل التفسير أن هذه الاآية نزلت في حاطب بن أبى بلتعة، ذلك: أن أمرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة اتلى المدينة وهو يتجهز لتفح مكة فقال لها بلتعة: «أمسلمة جئت»، قالت: لا، قال: «فما جاء بك؟» قالت: أنتم الاهل والعشيرة وقد احتجتٌ حاجةً شديدة فقدمتُ اليكم لتعطوني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين أنت من شباب أهل مكة؟»- وكانت مُغنية- فقالت: ما طلب مني شيء من بعد موقعة بدر، فحث الرسول بني عبد المطلب بكسوها، وأعطوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة، فكتب معها كتاباً الى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير لتوصل الكتاب فيخبرهم بنوايا الرسول صلى الله عليه وسلم تجاههم ويحذرهم، ونزلت الآية تنهي حاطباً عن فعله وتنهي المؤمنين عن فعلة حاطب.

نماذج من السيرة في أمن المعلومات:

وردت في السيرة النبوية اشارات بديعة تنمُ عن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأمن المعلومات، نقتطف منها:

* أمرُ أبي بكر ابنه عبد الله أن يستمع الى ما يقوله الناس في مكة عن الرسول وأبي بكر، وأن ياتيهما ليلاً بالمعلومات. وقد أخفي الرسول الكريم، ورفيقه أبو بكر معلومة الخروج عن الناس الا من يحتاجان اليهم في تأمين الزاد، مثل أسماء بنت أبي بكر، ومن يؤمن الخرج، مثل علي بن أبي طالب، وقلة ممن كان علمهم ضرورة لانجاح المهمة.

* لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق على أمن المعلومات كثيراً، فرغم اختيارهم غار ثور- كمكان آمن- فانهما كانا حريصين على ازالة أثر عبد الله وأسماء. تقول سيرة ابن هشام:(.... وأمر عامر بن فُهيرة مولاه أن يرعي غنمَه نهاراً ثم يريحها عليه) لاخفاء الاثر، الذي كانت العرب تجيد اقتفاءه.

* جاء في الحديث الشريف: «ان في المعاريض لمندوحة عن الكذب»، وقد استخدم أبو بكر رضي الله عنه هذا الاسلوب عندما سأله أحد الارعاب عن رفيقه- وهو الرسول الكريم- فقال له: (هذا رجل يهديني الطريق»، وقد عنىَ أبو بكر طريق الاسلام والخير، بينما حسب الاعرابي أنه يعني الطريق في السفر.

من أمن المعلومات في القرآن الكريم:

* (ما يلفظٌ من قول الا لديهِ رقيبٌ عتيدٌ)(73).

* (ولا تطِع كلّ حلاف مهين. هماز مشّاة بنمِيم)(74).

* (لا خيرَ في كثير من نجواهُم الا مَن أمرَ بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس)(75).

* (وقد نزلَ عليكُم في الكتابِ أن اذَا سمعتُم آيات اللّه يُكفرُ بها ويُستهزأُ بهَا فَلا تقعدُوا معهُم حتّى يخوضُوا في حديث غيره انّكم اذاً مثلهُم)(76).

* (ولا تقفُ ملا ليس ليكَ بهِ علمٌ انّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُ أولئِك كانَ عنهُ مسؤُولاً)(77).

* (ويلٌ لكلِ هُمزة لُمزة)(78).

من أمن المعلومات في الحديث الشريف:

* «من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

* «عليك بالصمت الا من خير فانه مطردة للشيطان».

* «لا يدخُل الجنة نمام».

* «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتُك، وابكِ على خطيئتك).

* «من صمت نجا».

* «الصمتُ حكيمٌ وقليلٌ فاعله».

* «من كفّ لسانه ستر عورته، ومن ملك غضبه وقاهُ الله عذابه، ومن اعتذر الى الله قبل الله عُذره».

* «من كثُر كلامه كثر سقطُه، ومن كثُر سقطُه كثُرت ذنوبه، ومن كثُرت ذنوبه، كانت النارُ أولى به».

* «الحديثُ بينكم أمانةٌ».

* «كفى بالمرء كذباً أن يُحدث بكُل ما سمع».

من أمن المعلومات في الشعر العربي:

جاء رجل الى سيف الدولة الحمداني يحمل بيتين من الشعر من العباس ابن الاحنف- الذي كان قد اتهمه سيف الدولة بافشاء أسرار الدولة (خرق أمن المعلومات)- والبيتان هما:

أمني تخافُ انتشار الحديثِ وحظىَ في سترِه أوفرُ

فان لم أصنهُ لبُقيا عليكَ نظرتُ لنفسي كما تنظرُ

وقد أجاز البيتين الشاعر أبو الطيب المتنبي- وكان حاضراً بالمجلس- فقال:

رضاكَ رضايَ الذي أوثُر وسرّك سري فما أظهرُ

وسركُم في الحشا ميتٌ اذا نُشر السرُ لا يُنشر

وافشاءُ ما أنا مُستودعٌ من الغدر، والحرُ لا يغدرُ

اذا ما قدرتُ على نُطقه فاني على تركِه أقدرُ

أصرَف نقسي كما أشتهي وأملكها والقنا أحمرُ

ويقول آخر:

يموتُ الفتى من عيرة بلسانه وليس يموتُ المرءُ من عثرةِ الرجل

من أمن المعلومات من المأثورات:

* قال أعرابىٌ: ربّ منطق صدعَ جمعا، وسكوت شعبَ صدعا.

* وجاء في المثل: اللسانُ لا يندملُ جرحُه.

* وقال الحسن بن علي: (سترُ ما عاينت أحسنُ من اشاعة ما ظننت).

* وقال عمر رضي الله عنه: (لا تتعرّض لما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحذر صديقك من القوم الا الامين، ولا أمين الا من خشى الله، ولا تصحبِ الفاجرَ فتتعلّم فجورَه، ولا تُطلعهُ على سرك. واستشرِ في أمركَ الذين يخشون الله).

* وقال الامام النّووي: (اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، الا كلاماً تظهر المصلحة فيه. ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الامساكُ عنه لانه قد ينجرُ الكلام المباح الى حرام أو مكروه، بل هذا كثيرٌ أو غالبٌ في العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء).

أمن الحاسوب

صار الحاسوب (الكمبيوتر) أداةً رئيسية في حفظ المعلومات وتداولها، وهو ما ينفكُ يكسب، يوماً بعد يوم، أهميةً خاصةً في هذا المضمار.

ومع بروز قيمة الحاسب الآلي وانتشاره، برزت الحاجة الى حماية سرية المعلومات التي يتضمنها، خوفاً من أن تمتدّ يدٌ الى مغاليقه فتصل الى تلك المعلومات، ومن هنا ظهر مفهوم «أمن الحاسوب».

ويُقصد بأمن الحاسوب: جميع الاجراءات التي تُتخذ للحفاظ على المعلومات السرية داخل جهاز الحاسب الآلي، ويشمل ذلك كلّ اجراء في المجالين الفني والوقائي لصيانة المعلومات.

مهددات أمن الحاسوب:

منها:

* الكوارث الطبيعيّة، مثل: الحرائق، والزّلازل، والفيضانات، والصّواعق.

* التجسُس، وسرقة المعلومات، والتدخلات التي تحدث عرضاً أو قصدا.ً

* الفبروسات الوبائية لاتلاف البرامج.

* وجود خلل في بعض البرامج.

* فقدان البيانات بسبب عطل الاجهزة.

* الاخطاء العفوية أو المتعمدة، التي تتلف المعلومات.

اجراءات أمن الحاسوب:

يستدعى صون المعلومات التي يحتويها الحاسوب اتّباع ما يلي:

* تطبيق اجراءات أمن المنشآت بحيث يوضع الحاسوب في غرفة حصينة (storong room) لا يدخلها الا المصرّح لهم بذلك، اضافة الى تطبيق اجراءات الامن من الحرائق الكوارث الطّبيعية.

* تطبيق اجراءات أمن المعلومات، قبل وأثناء ادخال المعلومات في الحاسب الآلي، وتحديد كلمات مرور (pass words) الى البرامج، وتغيير هذه الكلمات بعد مضي كل فترة، وعدم اظهار هذه الكلمات على الشاشات، وتحديد الاشخاص المخوّل لهم استخدام الحاسوب، ودرجات التخويل، مثل:

- درجة الوصول غير المشروط الى المعلومات واجراء أي عمليات عليها.

- درجة الوصول المشروط بالاستفادة وقراءة المعلومة، وفي هذه الدرجة ليس مسموحاً بجراء تعديلات: حذفاً أو اضافةً.

- الوصول الى وثيقة معينة فقط، ولا يحق هنا اجراء أي تعديل.

* وضع أجهزة الكترونية لمكافحة التجسُس على المعلومات، مثل اتستخدام (البطاقات الذّكيّة) التي يقصد مننها الوصول غير المصرح للبيانات، ومثل النظام المتري الحيوي (biometre) ، وهي معدات ذات تقانة عالية تفحص بصمات الاصابع، وتقيس النظام المتري التعريفي الذي يحدد مدى صلاحية الشخص المستخدم النظام لتعطيه اذناً بالدخول، مثل اصدار بطاقات شخصية للعاملين في برمجة الحاسوب، تحدد صلاحية الدخول للمو قع وصلاحية استخدام الحاسوب، ودرجة استخدام النّظام، وصلاحية ادخال واسترجاع وتداول البيانات.

* وضع نسخ احتياطية من المعلومات السرية الهامة، وكذلك نسخ اضافية من البرامج الهامة (back - copis) خوفاً من ضياع المعلومات نتيجةً للكوارث الطبيعية أو أي خلل مفاجىء.

* التوقيع الالكتروني، وهو بديل للتوقيع اليدوي، ومؤداه استخدام رقم أو حرف أو رمز معين، يُضع بحيث يكون معقداً لا يسهل تخمينه، مثل تاريخ الميلاد أو الزواج، ويُستخدم هذا التوقيع الالكتروني تجارياً في المصارف ذات أجهزة الصرف الآلي.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

أمن المنشآت

أمن المنشآت - أو الامن المادي - يعني جميع الاجراءات والتدابير التي تُنتهج لحماية المنشآت والمرافق الحيوية للدولة من التدمير. و المقصود بالمنشآت: كل غرفة أو مبنى أو مخزن أو معسكر يستهدفه العدو، مثل الغرف والمباني التي بها معلومات سرية، والوزارات والمصالح، وأمكنة اقامة الشخصيات المهمة، ومصادر المياه، ومحطات الطاقة والوقود، والمصانع ومصادر الانتاج الكبيرة، ووسائل المواصلات، والفنادق ومقار المؤتمرات والاجتماعات، وكل المرافق التي تؤثر فيى المصالح العليا للبلاد، فالعدو - كما أنه - يسعى، دائماً، صوب المعلومات السرية، فانه يسعى الى تخريب الاقتصاد الوطني، وهدد المجهود الحربي، وتدمير مؤسسات المجتمع المدني.

واحباط أهداف العدو لا يمكن الا بتطبيق اجراءات أمن المنشآت، الذي يعدُ ركناً ركيناً في منظومة أمن البلاد بما تقدم من تسمية مواقعه ومآلاته.

مهددات أمن المنشآت:

* الجاسوسية:

وتنفذُ الجاسوسية عبر اختراق المؤسسات والتسلسل الى داخلها - بواسطة العلماء أو بواسطة الوسائل التقنية - للحصول على المعلومات.

* التخريب:

ويشمل:

- الاحراق.

- التفجير.

- استخدام وسائل العنف داخل المنشأة.

- استخدام وسائل فنيّة كهربائية أو كيميائية.

- اهدار المياه بنسف السُدود، أو استخدام قوّة الماء لتخريب المرافق.

* السّرقة والنهب.

* الهجوم المسلّح.

ولما كانت مرامى العدو في التخريب لا حدود لها فان الله سبحانه وتعالى يأمر المومنين بالحذر من مخططاته وحيله، (يأيُها الذينَ آمنُوا خذُوا حذركُم)(79). والحذر من العدو مطلوب حتى عندما يذهب المسلم للصلاة: (فليصلُوا معكَ وليأخذُوا حذرهُم وأسلحتهُم)(80).

الموجهات الاساسية لامن المنشآت

عند الشروع في تطبيق أمن المنشآت يجب الانطلاق من جوهات أساسية، تتبلور في:

أولاً:

أن يكون الدفاع عن المنشأة متدرجاً (بعمق) أي في خطوط دفاع وحماية متتالية، تبدأ من الخط الاول «الانذار المبكر»، وتتابع حتى آخر خطوط الدفاع. وأهمية الخط الاول تكمن في الحيلولة دون مفاجآت الاعداء، والله يقول: (ودّ الذينَ كفروا لو تغفلون عن أسلحتكُم وأمتعتكُم فيميلُون عليكُم ميلةً واحدَة)(81)، ويقول سبحانه (لينذرُوا قومهُم اذا رجعُوا اليهِم لعلهُم يحذرُون)(82).

ثانياً:

أن يحقق أمن المنشآت الوقاية من الضرر الذي يسببه العدو بدخوله منطقة الهدف بطريقة مفاجئة وسرية أو مكشوفة، بقصد اتلاف الممتلكات، أو افسادها، أو الحصول على المعلومات، وكلها من مساعي الاعداء، كما يخبر القرآن: (واذا تولّى سعَى في الارضِ ليُفسدَ فيها ويهلكَ الحرثَ والنشلَ واللهُ لا يحبُ الفسَاد)(83).

ثالثاً:

لان اجراءات أمن المنشآت - في جملتها - لا تحقق التأمين التام، بسبب ما قد يحدث في الحواجز الامنية من ثغرات بسبب الاهمال أو التراخي، أو بعامل الزمن والعوامل الطبيعية.

رابعاً:

أن يُدرس وضع كل منشأة على حدة لمعرفة نقاط ضعفها، ثم تأمينها، لان مشروع أمن حماية منشأة ما قد لا يصلح لمنشأة أخرى.

أنواع الحواجز الامنية.

الحواجز الطبيعية.

من الحواجز الطبيعية: الانهار والجبال والاودية والمستنقعات. وعند دراسة وضع أي مشروع لامن منشأة ما، يُستفاد من مثل هذه الجواحز الطبيعية.

وقد أوصى الخليفة عمر بن الخطاب قائد القادسية سعد بن أبى وقاص، بالاستفادة من الحواجز الطبيعية، فقد قال له: (... فاذا انتهيت الى القادسية فتكون مسالحك على أبقابها، ويكون اذلناسُ بين الحجرِ والمدرِ على حافات الحجر وحافات المدر).

الحواجز الصناعية:

ومن هذا القبيل: الاسوار والقلاع والاسلاك الشائكة، والخنادق التي تحفر ضمن الدفاعات عن المواقع والمنشآت لتحصينها، ويمكن أن تكون منفردة أو مزدوجة، حسب طبيعة المنشأة أو الوقع.

وقد استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم الخندق في الموقعة التي اشتهرت بذات الاسم، كما أقام المسلمون - على مر تاريخهم - الحصون والقلاع مثل حصن وقلعة صلاح الدين الايوبي في عجلون - بالاردن - وغيرها من الحصون الاسلامية

الحواجز البشرية:

وهم الافراد الذي يكونون الحراسات الثابتة، والدوريات المتحركة ونقاط المراقبة والانذار.

وعادة ما يوضح الجند فيى النقاط المتقدمة لتوفير المعلومات عن نوايا العدو وتحركاته. قال أبو يوسف: (ينبغي للامام أن تكون له مسالح على المواضع التي تنفذ الى بلاد أهل الشرك من الطٌرق، فيفتشون من مر بهم من التجار، فمن كان معه سلاح أخذ منه ورد. ومن كان معه كتاب قُرئت كتبه، فمكا كان من أخبار المسلمين قد كتب به أخذ الذي صيب معه الكتاب وبعث به الى الامام ليرى فيه رأيه).

الحواجز الحيوانية:

كثيراً ما تستخدم الحيوانات فيى تكثيف الحراسات، كالكلاب، والطيور ذات الحساسية والانتباه ومنها البط والببغاوات.

الحواجز الاخرى:

هنالك حواجز تقاوم من الاحزمة الكهربائية أو الاشعاعية، وتشكل انذاراً لاى اختراق. ومع تقدم العلم ظهرت وسائل فعالةً، مثل الدوائر التلفزيونية المغلقة، ومثل أنواع مختلفة من أجهزة الانذار. ونظراً الى محدودية الاجهزة وعدم ضمان كفاءة وفاعلية الاجراءات، فمن الخير توعية الجمهور وتنمية الحس الامني لديه، ليجسد المجتمع بنفسه حاجزاً تتكسر عليه مخططات المرتبصين، وقد وصف القرآن سلوك العدو تجاه المنشآت ومخازن المؤن والاغذية وغيرها قائلاً: «واذا تولّى سعَى فِي الارضِ ليُفسد فيها ويُهلكَ الحرثَ والنسلَ واللهُ لا يحبُ الفسَاد)(84).

أما من جانب قوات المسلمين، فلا يجوز اتلاف المزروعات والمباني وقتل الاطفال والتمثيل بجثث الموتى، ( ولا تعثَوا في الارضِ مُفسدين)(85). ويقول الرسل الكريم موجهاً قادة جيشه: «لا تهدموا بيتاً، ولا تقعرن شجراً، الا شجراً يمنعكم قتالاً أو يحجز بينكم وبين المشركين». واتلاف منشآت العدو وحرثه وآلياته يقدر بقدره، فلا يزيد عن حاجة القتال والظفر بالعدو، أو تحطيم روحه المعنوي. يقول تعالى: (يخربونَ بيوتهُم بأيديهِم وأيدِي المؤمنينَ)(86). كما أجاز القرآن عند الضرورة القتالية - فقط - قطع الثمار والحرث: (ما قطعتُم من لينة أو تركتموهَا قائمةً على أُصولِها فبإذانِ اللهِ وليخزى الفاسقين)(87). ويردُ ضمن تخريب المجهود الحربي للعدو، نسف الجسور، والسكك الحديدة، والطرق المعبدة، وغير ذلك، تمهيداً للقضاء عليه بعد اضعافه.

الفصل السادس

الامن الغذائي والمائي

ان بين الغذاء ومفهوم الامن تلازماً وشيجاً يتأتى من قيمة الغذاء ذاتها في حياة البشر، فيطرد الامن لديهم ما توفر الغذاء، ويعتورهم دائماً الخوف من نقصه والجزع من انعدامه. ويتجلى تلازم الغذاء والامن، كأوضح ما يكون في الاشارة القرآنية المعجزة: (فليعبدُوا ربّ هذَا البيتِ. الذِي أطعمهُم من جوع وآمننهُم مِنّ خوف)(88).

ولعل من أكثر مظاهر اضطراب الامن ذيوعاً في عصرنا هذا، أن كثيراً من الافراد والجماعات يموتون جوعاً، في حين أن بعضاً من الافراد والجماعات يموتون تخمةً!! والرسول الكريم يقول: «من بات امناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». فمجتمع الايمان أقرب المجتمعات الى الكفاية في القوت، لهذا فهو آمن من الاضطراب الامني الذي يحدثه الجوع، وماذاك الا بوازع القناعة والزهد، لان، من ضمن قوت يومه فقد اكتفى، ومن بعد ذا فهو مكلفٌ - ضمن المجتمع المسلم - بالسعي لترسيخ قيم التكافل.

ويرتبط بالامن الغذائي - تلازماً - مفهوم الامن المائي، فالماء هو أساس الانتاج الغذائي، وهذا ما أبانه الله في كتابه: (وجعلنَا من الماءِ كل شيء حي)(89).

ويقتضي تأمين حاجة الدولة من المياه أن يتعهد أبناؤها مصادر الماء بالرعاية والتنمية اذا كانت الدولة تتمتع بموارد مائية، أما اذا كانت الدولة تعاني نقصاً في مصادر المياه، فما من سبيل أمامها سوى البحث والتنقيب وابتداع السياسات الكفيلة باستيفائها حاجتها من الماء.

ويغدو الامن المائي بالغ الخطورة مع ما تشير اليه التوقعات من أن المياه ستصبح محوراً للصراعات السياسية والعسكرية بين الدول، استناداً الى تزايد معدلات الاستهلاك البشري من المياه، وتسارع الخطط الطموحة بين الدول لامتلاك أكبر قدر من المصادر المائية، كل ذلك في غياب القواعد القانونية الدولية الحاسمة في تسوية قضايا المياه.

ممهدات الامن المائي:

ويمكن التطرق لاهم مهددات الامن المائي فيما يلي:

* طموحات بعض الدول في الافادة من مياه الاخرين، كالطموحات الاسرائيلية في مد مياه النيل الى صحراء النقب.

* وجود بعض أهم المنابع خارج الحدود السياسية للدولة.

* غياب قانون دولي شامل يغطي مشاكل المياه كافةً.

* ما يتطلبه مجال المياه من استثمارات هائلة غير متوفرة، غالباً.

* عدم احترام بعض الدول المصالح المائية لدى الاخرين، مثل:

اقامة منشآت تستهلك كميات من المياه.

انتهاك حقوق الملاحة المائية في الانهار والبحار.

التعدي علي الثروات المائية، كالاسماك، مثلاً.

اقامة مشروعات تضر بمصالح دول أخرى.

عدم احترام الاتفاقيات الثنائية أو الجماعية.

وسائل تحقيق الامن الغذائي:

تتعدد الوسائل التي يمكن عبرها تحقيق الامن الغذائي، تبعاً لاهمية الغذاء وتعدد محاولات الانسان وحيله في الوفاء بحاجته منه، ونذكر هنا أهم تلك الوسائل:

أولاً: الاعتماد على الانتاج المحلي:

وذلك لئلا تقع الدولة تحت طائلة الضغوط الخارجية، فتُضطر الى الرضوح للاملاءات والشروط الخارجية. والاعتماد على الانتاج المحلي يقتضي:

(أ) الاهتمام بالزراعة والري:

ان الزراعة والري هما أساس انتاج الغذاء، لذا وجب الاهتمام بزيادة المساحات المزروعة، واستصلاح الاراضي التي تتسرب اليها العيوب لتصبح احتياطاً في المستقبل، والمحافظة على مصادر المياه واصلاحها والاقتصاد في استخدامها وانشاء السدود على مجاريها، ومعالجة مشاكل الاطماء، وتطوير وسائل الري، وتكثيف الافادة من المياه الجوفية. وفي القرآن الكريم اشارات واضحة لاهمية الماء في العمران البشري، يقول تعالى: (هوَ الذي أنزلَ منَ السمَاء ماءً لكُم منهُ شرابٌ ومنهُ شجرٌ فيه تسيمونَ. ينبتُ لكُم بهِ الزرعَ والزيتونَ والنخيلَ والاعنابَ ومِن كلِ الثمراتِ ان في ذلك لآية لقوم يتفكرونَ)(90).

ونجد الدول ـ اليوم ـ تضع ضمن حدود أمنها القومي مصادر المياه ومنابعها، فاذا هددت هذه المصادر تضطر الدولة الى خوض حرب ضدّ المهددين. أما الزرع فانه يتطلب مكافحة كل ما يتهدده من الافات، باستخدام الوسائل العلمية، والحرص على ألا تتلفه المواشي، والله يسوق لنا ضرباً من ذلك في كتابه: (وداودَ وسليمانَ اذ يحكمَانِ في الحرثِ اذ نفشَت فيه غنمُ القومِ وكنَا لحُكمهِم شاهدِينَ)(91). وعلى الدولة أن تجد في استخدام الموارد استخداماً أمثل في سبيل انتاج زراعي متميز، بما يتهيأ لها من مدخلات انتاج عالية الكفاءة، كما يحسن التركيز على زراعة القوت الرئيسي للشعب وزراعته بأضمن وسائل الري، والا يُعتمد على الامطار في الاحتياج الاساسي منه، تحوطاً لتقلبات الطقس واحتمالات الجفاف. ويلزم كذلك، تكثيف الجهود لزيادة الانتاج باستخدام الآلات الحديثة، والبذور المحسنة، ووسائل الري الحديث، ومخصبات التربة، وتحسين السلالات في الحيوان وتطوير الثروة السمكية.

(ب) تشجيع المنتجين:

ان تخصيص الارض الزراعية والصناعية للمنتجين من المواطنين، فيه تحقيق «للمصلحة العامة»، الارض الاستغلال الامثل لانتاج الغذاء. وقد أوجب الاسلام الانتاج وشجع الناس عليه، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وان نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» وقال تعالى: (فاذَا قُضيتِ الصلاةُ فانتشرُوا في الارضِ وابتغوا من فضلِ اللّه)(92). ويحثُ الاسلام على تشجيع العامل المنتج واعطاءه اجره دون ابطاء، ففي الحديث «اعطوا الاجير اجره قبل ان يجف عرقه». ومثلما حث الاسلام على حق العمل، حث العامل نفسه على التجويد والاتقان فيما يعمل. قال ص: «خير الكسب كسب العامل اذا نصح»، وقال: «ان الله يحب اذا عمل احدكم عملاً ان يتقنه»، وفي القرآن: (قالَ اجعلنِي علَى خزائنِ الارضِ انِي حفيظٌ عليم)(93) والحفظ والعلم - كلاهما - من علائم الاتقان والتجويد.

ثانياً: حماية المستهلك:

ان حماية المستهلك من جشع التُّجار والسماسرة لمن اهم وسائل تحقيق الامن الغذائي. وقد الزمت الشريعة الاسلامية التاجر ان يتصف بالامانة والصدق في تجارته وكيله وميزانه وعقوده، قال ص: «التاجر الصدوق الامين يُحشر مع النبيين والصديقين والشهداء»، وقال تعالى: (أوفُوا الكيلِ ولا تكونُوا منَ المخسرينَ. وزنُوا بالقسطاسِ المستقيمِ. ولا تبخسُوا الناسَ اشياءهُم)(94). وقال تعالى: (وأقيمُوا الوزنَ بالقسطِ ولا تخسرُوا الميزانَ)(95). وقال تعالى: (ويلٌ للمطففينَ. الذينَ اذا اكتالُوا علَى الناسِ يستوفونَ. واذا كالوهُم أو زنوهُم يخسرونَ)(96).

ومن وسائل استغلال الناس في عالم اليوم ظاهرة الربا، وهي ضرب من أكل أموال الناس بالباطل، وقد حرمه الشرع، قال تعالى: (الذينَ يأكلونَ الربَا لا يقومونَ الاَّ كمَا يقومُ الذي يتخبطهُ الشيطانُ منَ المسِ ذلكَ بأنهُم قالُوا انمَا البيعُ مثلُ الربَا وأحلَّ اللهُ البيعَ وحرمَ الربَا فمَن جاءهُ موعظةٌ مِن ربهِ فانتهى فلهُ ما سلفَ وأمرهُ الَى اللهِ ومَن عادَ فأولئكَ أصحابُ النارِ هُم فيهَا خالدونَ)(97). وقد قيد الاسلام التجارة بخدمة الناس ونفعهم، وكلف أولى الامر بتيسير سلبها لفائدة الناس.

ثالثاً: محاربة الاحتكار:

المقصود بالاحتكار: تخزين الاطعمة واخفاؤها لرفع اسعارها ومضاعفة الارباح في وقت الغلاء. وقد حرم الاسلام احتكار الاطعمة، فقال ص: «من احتكر طعاماً أربعين يوماً فقد برىء من الله تبارك وتعالى وبرىء الله تبارك وتعالى منه، وأيما اهل عرصة أصبح منهم امرؤٌ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى». ولا شك في ان الاحتكار يؤثر سلبياً في الانتاج، ومن ثم في الامن الغذائي، اذ تتعطل به الاعمال في المجتمع، وتتفشى البطالة وتضيق على الناس اقواتهم.

والاحتكار يقوم به، عادة، قلةٌ من المسيطرين على رأس المال: يحتكرون السوق ووسائل الانتاج، ويحاربون صغار المزارعين، ويوقفون نشاطهم بامتلاك الاراضي الشاسعة ورفع سعر الارض.

وعلى الدولة الرشيدة التدخل لمنع ذلك بالرقابة على الاسعار، وردع المستهترين بالمواطنين وقوتهم.

رابعاً: ترشيد الاستهلاك:

الاسراف - او السرف - هو نقيض القصد او الاقتصاد. والقصد يساعد في تحقيق الامن الغذائي اذ يقول الله تعالى: (ولا تسرفُوا انهُ لا يحبُّ المسرفيِن)(98)، وقال ص: «ما عال من اقتصد». والاسراف ممنوع في الشريعة الاسلامية لان ضرره مؤكد، بينما القصد هو مطلب الاسلام، يقول تعالى: (ولا تجعَل يدكَ مغلولةً الَى عنقكَ ولا تبسطهَا كلَّ البسطِ فتقعدَ ملوماً محسوراً)(99). وما أشد حسرة المسرف - دولاً وافراداً - في هذا الزمان الذي أصبح الغذاء فيه سلاحاً فتاكاً في يد الاعداء، يستخدمونه في الحصار وفي الضغط على الدول والشعوب، وان هذا ليستدعي التخطيط للمستقبل، بتحسين المخزون وزيادة الاحتياطي الاستراتيجي من الغذاء.

خامساً: حماية الانتاج:

ان الاجتهاد في الاكتفاء الذاتي من الغذاء يجب ان تتبعه اجراءات لمنع تعويق هذا الجهد من قبل الاعداء، وذلك بالحرص على مكافحة الافات الطبيعية، ومكافحة الحرائق، وتأمين وسائل التخزين والمواصلات، وتأمين الامداد بمدخلات الانتاج في الوقت المناسب، واتباع سياسات مشجعة في التمويل والتسويق والمرابحات والمزارعات وغيرها من السياسات التي تحفز على المزيد من الانتاج.

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

ايه يا أستاذ/محمد

انت هتستفرد بينا والا ايه

ده كتاب كامل.... والا بحث ...والا ايه ده....وبعدين ده هيتناقش فيه ايه ده؟؟؟

اهو ينفع ........بس الموقع المأخوذ منه....اسمه يخوف حبتين...

....

تم تعديل بواسطة sos

لا

==================================

كل شيىء لابد ان يكون بسيط ولكن ليس ابسط....من اقوال اينشتين

رابط هذا التعليق
شارك

فيه مواضيع مش للمناقشة ولكنه سرد معلومات ليس الا ممكن تساعد على اسراء المناقشات فقط تحت المفاهيم المعمول بها في الدول

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

بس الموضوع ده كبير بشكل ممكن يجعلك عضو السنة كلها وليس عضو اليوم وعضو الاسبوع وعضو الشهر بس :unsure: :rolleyes:

لا

==================================

كل شيىء لابد ان يكون بسيط ولكن ليس ابسط....من اقوال اينشتين

رابط هذا التعليق
شارك

بس الموضوع ده كبير بشكل ممكن يجعلك عضو السنة كلها وليس عضو اليوم وعضو الاسبوع وعضو الشهر بس :unsure:  :rolleyes:

هي فكرة برضوا

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 2
      من تويتر اليوم    ارقام الأمن الوطني أهي اي حد تشك فيه او تعرف انه بيهدد امن البلد تليفون صغير وهما هيتصرفوا ومحدش يخاف البلاغات في سريه تامه ✋??? «22647000 – 22646000 - 22645000».
    • 36
      http://www.youtube.com/watch?v=Mw3sXGg_sN4 خطوة تأخرت كثيرا ... خذلكم الله
    • 3
      السلام عليكم و رحمة الله و بركاته http://www.youtube.com/watch?v=mkOSACJyZDE مظاهرات الامن المركزي تقطع طريق الاسماعيلية افراد الامن المركزي يقطعون طريق الاسماعيلية في مظاهرات غاضبة السبت 5/5/5012 الساعه 11:30 مساءا و ذلك بعد قتل ضابط لاحد زملائهم و في رواية ثلاثة مفيش لا حس و لا خبر في اي وسيلة إعلام هحاول اعرف اكثر
    • 11
      فى المدرسه تعلمنا ان عدد الدول العربيه هى 22 دوله بالتمام و الكمال و مع استبعاد الدول ذات الحضور المحدود على الساحه السياسيه فى المنطقه كجيبوتى و موريتانيا و جزر القمر و الصومال سنجد ان العدد الاهم تقلص الى 18 دوله و لكن باستعراض تواريخ ميلاد معظم القاده العرب سنجد الاتى الملك عبد الله بن عبدالعزيز - السعودية – ولد عام 1921م الشيخ صباح الأحمد الصباح – الكويت – ولد عام 1929م السلطان قابوس بن سعيد – عُمان – ولد عام 1940م الرئيس علي عبدالله صالح – اليمن – ولد عام 1942م الرئيس جلال طالباني – ا
    • 14
      القت مباحث الإسكندرية القبض على عدد من جماهير الاتحاد الذين تسببوا في احداث شغب خلال وبعد لقاء الاتحاد وضيفه وادي دجلة الاربعاء في الدوري الممتاز. والغيت مباراة الاتحاد وضيفه وادي دجلة المؤجلة من الاسبوع الـ22 للدوري الممتاز بعد اجتياح جماهير الفريق السكندري ارض ملعب الاسكندرية في الدقائق الاخيرة للمباراة. وقال فيصل دويدار مدير مباحث الاسكندرية في تصريحات اذاعية " تم القاء القبض على عدد من الجماهير التي ارتكبت احداث شغب." وتابع " سيطرنا على الموقف تماما وسيتم معاقبة الجماهير على التلفيات التي
×
×
  • أضف...