الزوار Guest Mohd Gramoun بتاريخ: 15 يناير 2004 الزوار تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 يناير 2004 قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةً في " الفتاوي " (3/278) : وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ .ا.هـ. الحمدُ للهِ وبعدُ ؛ الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ اسمٌ معروفٌ في تاريخِ الأمةِ الإسلاميةِ ، اسمٌ اقترنَ بسفكِ الدمِ والبطشِ والجبروتِ ، اسمٌ لا يكادُ كتابٌ من كتبِ التاريخِ إلا ولهُ فيه ذكرٌ ، ولكن هل للرجلِ حسناتٌ تذكرُ في بحرِ ذنوبهِ ؟ يجيبُ الإمامُ الذهبي في " السير " (4/344) فيقولُ في ترجمتهِ : وَكَانَ ظَلُوْماً ، جَبَّاراً ، نَاصِبِيّاً ، خَبِيْثاً ، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ ، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ ، وَإِقْدَامٍ ، وَمَكْرٍ ، وَدَهَاءٍ ، وَفَصَاحَةٍ ، وَبَلاَغَةٍ ، وَتعَظِيْمٍ لِلْقُرَآنِ ... وَلَهُ حَسَنَاتٌ مَغْمُوْرَةٌ فِي بَحْرِ ذُنُوْبِهِ ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، وَلَهُ تَوْحِيْدٌ فِي الجُمْلَةِ ، وَنُظَرَاءُ مِنْ ظَلَمَةِ الجَبَابِرَةِ وَالأُمَرَاءِ .ا.هـ. فانظروا كيف ينصفُ أهلُ السنةِ أمثالَ الحجاجِ ؟ ويكلون أمرهُ إلى اللهِ ؟ للهِ درك أيها الإمامُ الذهبي . وقد كثرُ الكلامُ في هذهِ الأيامِ المباركةِ من شهرِ رمضان عن الحجاجِ ، فمن مسلسلٍ يبثُ في بعضِ القنواتِ الفضائيةِ عن سيرتهِ ، ويقومُ بالتمثيلِ للمسلسلِ سقطُ المتاعِ من أهلِ الفسقِ والمجونِ ، ويقومون بتشويهٍ لصورةِ التاريخِ الإسلامي لدولةِ بني أميةَ من خلالِ سيرةِ الحجاجِ بن يوسف ، إلى جانبِ تمثيلِ الصحابةِ مثل عبد الله بن الزبير وأسماء بنت أبي بكر ، وهذا - واللهِ - منتهى السخف ، وكما يعلمُ الجميعُ أن العلماءَ قد منعوا من تمثيلِ أدوار الصحابةِ في هذه المسلسلات التي يقومُ بها الفسقةُ والماجنين ، وحتى لو قام بهذه ألأدوار أهلُ الصلاحِ والاستقامةِ فإنه لا يقبلُ منهم لأمور عدةٍ لا مجال لذكرها هنا . وتقومُ أيضاً " قناةُ المستقلةِ " بإلقاءِ الضوءِ على سيرةِ الحجاجِ من خلالِ استضافةِ الرافضي والعلماني والبعثي والزيدي ، وهذه مهزلةٌ لم يسبق لها نظيرٌ ، فكيف يعرفُ تاريخُ الحجاجِ من هؤلاءِ الزنادقةِ ؟! ولماذا يركزُ على الحجاجِ ؟ فقد وجد في تاريخِ الأممِ من هو أشدُ من الحجاجِ . أين أنتم من هولاكو ؟ أين أنتم من ستالين ؟ أين أنتم من هتلر ؟ وأين أنتم ... ؟ وأين أنتم .... ؟ وسلسلة لا تنتهي . وفي مقالي هذا أريدُ أن ألقي الضوءَ على سيرةِ الحجاجِ بنِ يوسف من خلالِ منظارِ أهل السنةِ والجماعةِ ، لا من خلالِ التاريخِ الذي دخل فيه التشيعُ ، ولا من خلالِ النظرةِ الحاقدةِ على تاريخِ بني أميةَ من قبل الرافضةِ والزيديةِ . وأسألُ اللهَ ان يجعلَ في مقالي هذا النفعَ والفائدةَ ، ومن كان لهُ تعقيبٌ أو إضافةٌ فلا يبخل بها علينا هنا ، وله مني الشكرُ ، ومن اللهِ الأجرُ . من هو " المُبِيرٌُ " الذي ورد ذكرهُ في الحديثِ ؟ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ : رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ قَالَ : فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا ، قَوَّامًا ، وَصُولًا لِلرَّحِمِ ، أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لَأُمَّةٌ خَيْرٌ ، ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ؛ فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ ؛ فَأَعَادَ عَلَيْهَاالرَّسُولَ : لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ ، قَالَ : فَأَبَتْ ؛ وَقَالَتْ : وَاللَّهِ لَا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي ، قَالَ ، فَقَالَ : أَرُونِي سِبْتَيَّ فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ : كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ ، قَالَتْ : رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ : يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ ، أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ . أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الدَّوَابِّ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا ؛ فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ قَالَ : فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا . رواهُ مسلمٌ . " وَمُبِيرٌ " : أَيْ مُهْلِكٌ يُسْرِفُ فِي إِهْلَاكِ النَّاسِ يُقَالُ : بَارَ الرَّجُلُ يَبُورُ بَوْرًا . فَهُوَ بَائِرٌ , وَأَبَارَ غَيْرَهُ , فَهُوَ مُبِيرٌ وَهُوَ الْحَجَّاجُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي الْإِهْلَاكِ مِثْلَهُ . فوائدُ من القصةِ : سأنقلُ بعضَ تعليقاتِ الإمامِ النووي على القصةِ من " شرح مسلم " . 1 - قولُ ابنِ عمرَ : أَبَا خُبَيْبٍ . قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم " : بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة كُنْيَة اِبْن الزُّبَيْر , كُنِّيَ بِابْنِهِ خُبَيْب , وَكَانَ أَكْبَر أَوْلَاده , وَلَهُ ثَلَاث كُنًى ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَآخَرُونَ : أَبُو خُبَيْب , وَأَبُو بَكْر , وَأَبُو بُكَيْرٍ .ا.هـ. 2 - فِيهِ اِسْتِحْبَاب السَّلَام عَلَى الْمَيِّت فِي قَبْره وَغَيْره , تَكْرِير السَّلَام ثَلَاثًا كَمَا كَرَّرَ اِبْن عُمَر .ا.هـ. 3 - وَفِيهِ الثَّنَاء عَلَى الْمَوْتَى بِجَمِيلِ صِفَاتهمْ الْمَعْرُوفَة .ا.هـ. 4 - وَفِيهِ مَنْقَبَة لِابْنِ عُمَر لِقَوْلِهِ بِالْحَقِّ فِي الْمَلَأ , وَعَدَم اِكْتِرَاثه بِالْحَجَّاجِ ; لِأَنَّهُ يَعْلَم أَنَّهُ يَبْلُغهُ مَقَامه عَلَيْهِ , وَقَوْله , وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ , فَلَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُول الْحَقّ , يَشْهَد لِابْنِ الزُّبَيْر بِمَا يَعْلَمهُ فِيهِ مِنْ الْخَيْر , وَبُطْلَان مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاج مِنْ قَوْله : إِنَّهُ عَدُوّ اللَّه , وَظَالِم , وَنَحْوه , فَأَرَادَ اِبْن عُمَر بَرَاءَة اِبْن الزُّبَيْر مِنْ ذَلِكَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْحَجَّاج , وَأَعْلَم النَّاس بِمَحَاسِنِهِ , وَأَنَّهُ ضِدّ مَا قَالَهُ الْحَجَّاج .ا.هـ. 5 - وَصُولًا لِلرَّحِمِ : وَهُوَ الْمَعْرُوف مِنْ أَحْوَاله .ا.هـ. 6 - وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَذَّابِ هُنَا الْمُخْتَار بْن أَبِي عُبَيْد , وَبِالْمُبِيرِ الْحَجَّاج بْن يُوسُف . وَاَللَّه أَعْلَم .ا.هـ. الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ عذابُ اللهِ : قال عنه الحسن البصري : إن الحجاجَ عذابُ اللهِ ، فلا تدفعوا عذابَ اللهِ بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانةِ والتضرعِ ، فإنه تعالى يقول : " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " [ المؤمنون :76] . الطبقات لابن سعد (7/164) بإسناد صحيح . وبعد هذه النصوصِ في بيانِ بطشِ الحجاجِ وجبروتهِ ، سؤالٌ يطرحُ : هل كلُ ما قيل عن الحجاجِ صحيحٌ ؟ أم أن فيهِ بعضُ التحاملِ على الرجلِ مما بالغت فيه بعضُ الطوائفِ والفرقِ ؟ يجيبُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ - وهو من هو في التاريخِ ؟؟ ويكفيك كتاب " البدايةِ والنهايةِ " لتعلمَ مدى معرفة الرجلِ بالتاريخِ - فيقول : وقد تقدم الحديث : " إن في ثقيف كذاباً ومبيراً " وكان المختار هو الكذاب المذكور في هذا الحديث ، وقد كان يظهر الرفض أولاً ويبطن الكفر المحض ، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف هذا ، وقد كان ناصبياً يبغض علياً وشيعته في هوى آل مروان بني أمية ، وكان جباراً عنيداً ، مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة . وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر كما قدمنا ، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها ، وإلا فهو باق في عهدتها ، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه ، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جداً لوجوه ، وربما حرفوا عليه بعض الكلم ، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات . وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر ، وكان يكثر تلاوة القرآن ، ويتجنب المحارم ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج ، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء ، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها ، وخفيات الصدور وضمائرها . قلت : الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء ، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل ، وقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد ، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن ، فكان يعطي على القرآن كثيراً ، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلثمائة درهم ، والله أعلم .ا.هـ. وأترككم مع كلامٍ كتبهُ الأخ الفاضلُ أبو عبد الله الذهبي عن الحجاجِ بنِ يوسف في جوابٍ عن الحجاجِ : إن من أكثر الشخصيات التي لم تنل حقها في البحث والدراسة شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي .. لقد كان لهذه الشخصية المكان والمرتع الخصب لأصحاب الشهوات و أهل الأهواء للطعن في العصر الأموي بوصفه عصر سفك للدماء و تسلط للأمراء .. و لقد كان لشخص الحجاج النصيب الأوفر من هذه التهم .. فالحجاج كان ضحية المؤرخين الذين افتروا عليه شتى المفتريات تمشياً مع روح العصر الذي يكتبون فيه ؛ ونرى أننا كلما بعدنا عن عصر الحجاج كثرت المفتريات والأباطيل .. و من الإنصاف أن يسجل المؤرخ لمن يؤرخ له ما أصاب فيه بمثل ما يسجل عليه ما أخطأ فيه .. واضعاً قول الله تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى } نصب عينيه . فإن الحجاج قد شوهت صورته و نسجت حولها الخرافات بشكل يجعلها أقرب إلى الأسطورة من الحقيقة .. نعم كان الحجاج كما قال عنه الحسن البصري : إن الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإنه تعالى يقول { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }[المؤمنون /76] . الطبقات لابن سعد (7/164) بإسناد صحيح . فالحجاج كان من الولاة الذين اشتهروا بالظلم والقسوة في المعاملة ، و هي شدة كان للظروف التي تولى فيها هي السبب الرئيسي في أن يكون بهذه الصفة .. فثورات الخوارج المتتالية والتي أنهكت الدولة الأموية .. و الفتن الداخلية .. كان للحجاج الفضل بعد الله في القضاء عليها ، و هذه لا ينكرها أحد حتى الأعداء .. و لا ننسى ثورة ابن الأشعث التي كادت أن تلغي و تقضي على الخلافة الإسلامية .. و مع هذا نقول : ليس كل ما يشاع عن شخص قد ثبت فعلاً .. و ليس كل ما هو مشهور معروف .. فكم سمعنا و قرأنا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تنصح الخارجين بالثورة على عثمان و قتله !! فهل نصدق هذا ، و كم سمعنا أن عثمان رضي الله عنه قد استحدث أموراً خرج بسببها من الإسلام !! فهل نصدق هذه أيضاً .. و كذلك ما اشتهر من أن عمر رضي الله عنه أمر بقتل الستة الذين اختارهم ليكون أحدهم خليفة من بعده إن تخلف أحدهم تضرب عنقه !! و هكذا .. فليس كل ما هو مشهور صحيح .. و إني لأستغرب من قولك بأن المناظرة التي حدثت بين طالب العلم و ذلك الشيخ ، لم تنتهي على اتفاق بل و قولك بأن طالب العلم يصر على أنه إذا جمع أخبث الخبثاء .. الخ . و استدلاله به على صحة ما أشيع عن الحجاج .. أقول : هل ثبت كفر الحجاج حتى نقارن بينه و بين الخبثاء من الأمم السابقة ؟! و الله تعالى يقول { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } !! و المؤمن خير من ملئ الأرض من الكافر فكيف تكون هناك مقارنة .. وعلى فرض ثبوت صحة ما أشيع حول الحجاج - ولا ننكر بعضها - فهل يعني هذا أنه قد خرج بموجبها من دائرة الإيمان ؟؟!! لقد ثبتت للحجاج سيئات كثيرة جعلته في نظر الناس من الذين لا يمكن أن يغفر الله لهم .. سبحان الله !! هل جعلنا الله موكلين بتصنيف الناس هذا مغفور له و هذا مغضوب عليه ؟! فهل نسي هذا الطالب أن فتح بلاد السند و ما وراء النهر قد تم بعد فضل الله تعالى على يد أبطال قد أرسلهم الحجاج من أجل نشر الإسلام في تلك المناطق .. و ما يدريك لعل الله أراد أن يجعل له باباً آخر للأجر و تكون أعمال أولئك القوم الذين دخلوا في الإسلام في ميزان حسنات الحجاج .. إن الله على كل شيء قدير فلا نحجر واسعاً .. واسمع إلى ما ورد عن الحجاج حول موته .. وكما يستدلون بالصورة السيئة حول شخصه .. فإنه قد ثبتت كذلك صورة حسنة أيضاً .. أن الحجاج عندما اشتدت عليه العلة عمل على تدبير شؤون العراق من بعده بما يحفظه من الاضطراب والفتن ، و يبقيه جزءً من الدولة الأموية ، حتى إذا اطمأن إلى ذلك كتب وصيته ليبرئ فيها نفسه و ذمته تجاه خالقه وخليفته المسؤول أمامه في الدنيا حتى آخر لحظة من حياته ، فكتب يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف : أوصى بأنه يشهد أن لا إليه إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده و رسوله ، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك ، عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث .. الخ . تهذيب تاريخ دمشق (4/68 ) . و يروى أنه قيل له قبل وفاته : ألا تتوب ؟ فقال : إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة ، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع . محاضرات الأدباء (4/495 ) . و قد ورد أيضاً أنه دعا فقال : اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل . تاريخ دمشق (4/82) . والبداية والنهاية (9/138) . ونقول للذين يطعنون في نيات الناس اسمعوا إلى قول الحسن رحمه الله حينما سمع أحد جلاسه يسب الحجاج بعد وفاته ، فأقبل مغضباً و قال : يا ابن أخي فقد مضى الحجاج إلى ربه ، و إنك حين تقدم على الله ستجد إن أحقر ذنبٍ ارتكبته في الدنيا أشد على نفسك من أعظم ذنبٍ اجترحه الحجاج ، و لكل منكما يومئذٍ شأن يغنيه ، و اعلم يا ابن أخي أن الله عز وجل سوف يقتص من الحجاج لمن ظلمهم ، كما سيقتص للحجاج ممن ظلموه فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسب أحد . ذكره أبو نعيم في الحلية (2/271) . والله أعلم .. أما عن الدراسات التي كتبت عن الحجاج فقد قدمت عدد من الرسائل الجامعية في دراسة شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي و منجزاته الحضارية و أعماله .. و ذلك من أجل إظهار الصورة الأخرى التي كادت أن تنمحي من الوجود بسبب ما اشتهر عنه من أباطيل .. فمن الدراسات كتاب بعنوان : ( الحجاج بن يوسف الثقفي المفترى عليه ) للدكتور : محمود زيادة . و كذلك كتاب آخر بنفس العنوان تقريباً للدكتور إحسان صدقي العمد .. و هما من أفضل ما كتب عن الحجاج .. و أيضاً هناك رسائل أخرى صغيرة تتحدث كذلك عن بعض ما أشيع حول الحجاج .. أخوكم : أبو عبد الله الذهبي .. قصةٌ منكرةٌ : عُرف الحجاجُ كما ذكرنا سابقاً بأنهُ سفاكٌ للدماءِ ، ومن أشهرِ من قُتل بين يديهِ العالمُ النحريرُ سعيدُ بنُ حبير ، وقد وردت قصةٌ منكرةٌ في طريقةِ قتلِ الحجاجِ لسعيدِ بنِ جبير ، تذكرُ في ترجمةِ الحجاجِ ، وهذا لا يعني أن الحجاجَ لم يقتل سعيدَ بنَ جبير ، وإنما إيرادُ القصةِ بهذا السياقِ هو الذي ينكرُ فيها ، وإليكم القصة كما ذكرها الحافظُ الذهبي في " السير " (4/329 - 332) : حَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ : حَدَّثَنَا حَفْصٌ أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ أَبِي شَدَّادٍ : بَلَغَنِي أَنَّ الحَجَّاجَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِداً يُسَمَّى المُتَلَمِّسَ بنَ أَحْوَصَ فِي عِشْرِيْنَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُوْنَهُ ، إِذَا هُمْ برَاهِبٍ فِي صَوْمَعَتِهِ ، فَسَأَلُوْهُ عَنْهُ ؟ فَقَالَ: صِفُوْهُ لِي . فَوَصَفُوْهُ ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، فَانْطَلقُوا ، فَوَجَدُوْهُ سَاجِداً يُنَاجِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ، فَدَنَوْا ، وَسَلَّمُوا ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ، فَقَالُوا : إِنَّا رُسُلُ الحَجَّاجِ إِلَيْكَ ، فَأَجِبْهُ . قَالَ : وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِجَابَةِ ؟ قَالُوا : لاَ بُدَّ . فَحَمِدَ اللهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَامَ مَعَهُم ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَيْرِ الرَّاهِبِ ، فَقَالَ الرَّاهِبُ : يَا مَعْشَرَ الفُرْسَانِ أَصَبْتُمْ صَاحِبَكُم ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَقَالَ : اصْعَدُوا ، فَإِنَّ اللَّبْوَةَ وَالأَسَدَ يَأْوِيَانِ حَوْلَ الدَّيْرِ . فَفَعَلُوا ، وَأَبَى سَعِيْدٌ أَنْ يَدْخُلَ ، فَقَالُوا : مَا نَرَاكَ إِلاَّ وَأَنْتَ تُرِيْدُ الهَرَبَ مِنَّا . قَالَ: لاَ ، وَلَكِنْ لاَ أَدْخُلُ مَنْزِلَ مُشْرِكٍ أَبَداً . قَالُوا : فَإِنَّا لاَ نَدَعُكَ ، فَإِنَّ السِّبَاعَ تَقْتُلُكَ . قَالَ : لاَ ضَيْرَ، إِنَّ مَعِيَ رَبِّي يَصْرِفُهَا عَنِّي ، وَيَجْعَلُهَا حَرَساً تَحْرُسُنِي . قَالُوا : فَأَنْتَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، وَلَكِنْ عَبْدٌ مِنْ عَبِيْدِ اللهِ مُذْنِبٌ . قَالَ الرَّاهِبُ : فَلْيُعْطِنِي مَا أَثِقُ بِهِ عَلَى طُمَأْنِيْنَةٍ . فَعَرَضُوا عَلَى سَعِيْدٍ أَنْ يُعْطِيَ الرَّاهِبَ مَا يُرِيْدُ . قَالَ : إِنِّي أُعْطِي العَظِيْمَ الَّذِي لاَ شَرِيْكَ لَهُ ، لاَ أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى أُصْبِحَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - . فَرَضِيَ الرَّاهِبُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُم : اصْعَدُوا ، وَأَوْتِرُوا القِسِّيَّ ، لِتُنَفِّرُوا السِّبَاعَ عَنْ هَذَا العَبْدِ الصَّالِحِ ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الدُّخُوْلَ فِي الصَّوْمَعَةِ لِمَكَانِكُمْ . فَلَمَّا صَعِدُوا ، وَأَوْتَرُوا القِسِّيَّ ، إِذَا هُمْ بِلَبْوَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْ سَعِيْدٍ ، تَحَكَّكَتْ بِهِ ، وَتَمَسَّحَتْ بِهِ ، ثُمَّ رَبَضَتْ قَرِيْباً مِنْهُ ، وَأَقْبَلَ الأَسَدُ يَصْنَعُ كَذَلِكَ . فَلَمَّا رَأَى الرَّاهِبُ ذَلِكَ ، وَأَصْبَحُوا ، نَزَلَ إِلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَرَائِعِ دِيْنِهِ ، وَسُنَنِ رَسُوْلِهِ ، فَفَسَّرَ لَهُ سَعِيْدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ ، فَأَسْلَمَ ، وَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَى سَعِيْدٍ يَعْتَذِرُوْنَ إِلَيْهِ ، وَيُقَبِّلُوْنَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، وَيَأْخُذُوْنَ التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ ، فَيَقُوْلُوْنَ : يَا سَعِيْدُ ، حَلَّفَنَا الحَجَّاجُ بِالطَّلاَقِ وَالعَتَاقِ ، إِنْ نَحْنُ رَأَيْنَاكَ لاَ نَدَعُكَ حَتَّى نُشْخِصَكَ إِلَيْهِ ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ . قَالَ : امْضُوا لأَمْرِكُم ، فَإِنِّي لاَئِذٌ بِخَالِقِي ، وَلاَ رَادَّ لِقَضَائِهِ . فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا وَاسِطَ ، فَقَالَ سَعِيْدٌ : قَدْ تَحَرَّمْتُ بِكُم وَصَحِبْتُكُم ، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ ، فَدَعُوْنِي اللَّيْلَةَ آخُذْ أُهْبَةَ المَوْتِ ، وَأَسْتَعِدَّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِيْرٍ ، وَأَذْكُرْ عَذَابَ القَبْرِ ، فَإِذَا أَصْبَحْتُم ، فَالمِيْعَادُ بَيْنَنَا المَكَانُ الَّذِي تُرِيْدُوْنَ . فَقَالَ بَعْضُهُم : لاَ تُرِيْدُوْنَ أَثَراً بَعْد عَيْنٍ .وَقَالَ بَعْضُهُم : قَدْ بَلَغْتُم أَمْنَكُم ، وَاسْتَوْجَبْتُم جَوَائِزَ الأَمِيْرِ ، فَلاَ تَعْجَزُوا عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُم : يُعْطِيْكُم مَا أَعْطَى الرَّاهِبَ ، وَيْلَكُم ! أَمَا لَكُم عِبْرَةٌ بِالأَسَدِ . وَنَظَرُوا إِلَى سَعِيْدٍ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ ، وَشَعِثَ رَأْسُهُ ، وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ ، وَلَمْ يَأْكُلْ ، وَلَمْ يَشْرَبْ ، وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ يَوْمِ لَقُوْهُ وَصَحِبُوْهُ ، فَقَالُوا : يَا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ ، لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ ، وَلَمْ نُسَرَّحْ إِلَيْكَ ، الوَيْلُ لَنَا وَيْلاً طَوِيْلاً ، كَيْفَ ابْتُلِيْنَا بِكَ ! اعْذُرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الحَشْرِ الأَكْبَرِ ، فَإِنَّهُ القَاضِي الأَكْبَرُ ، وَالعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُوْرُ . قَالَ : مَا أَعْذَرَنِي لَكُم وَأَرْضَانِي لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِ اللهِ فِيَّ . فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ البُكَاءِ وَالمُجَاوَبَةِ ، قَالَ كَفِيْلُهُ : أَسْأَلُكَ بِاللهِ لَمَا زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ وَكَلاَمِكَ ، فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَداً . فَفَعَلَ ذَلِكَ ، فَخَلَّوْا سَبِيْلَهُ ، فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءهُ ، وَهُم مُحْتَفُوْنَ اللَّيْلَ كُلَّهُ ، يُنَادُوْنَ بِالوَيْلِ وَاللَّهْفِ . فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُوْدُ الصُّبْحِ ، جَاءهُم سَعِيْدٌ ، فَقَرَعَ البَابَ ، فَنَزَلُوا ، وَبَكَوْا مَعَهُ ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الحَجَّاجِ ، وَآخَرَ مَعَهُ ، فَدَخَلاَ ، فَقَالَ الحَجَّاجُ : أَتَيْتُمُوْنِي بِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، وَعَايَنَّا مِنَّا العَجَبَ . فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْهُم ، فَقَالَ : أَدْخِلُوْهُ عَلَيَّ . فَخَرَجَ المُتَلَمِّسُ ، فَقَالَ لِسَعِيْدٍ : أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ . فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ . قَالَ : أَنْتَ شَقِيُّ بنُ كُسَيْرٍ . قَالَ : بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ . قَالَ : شَقِيْتَ أَنْتَ ، وَشَقِيَتْ أُمُّكَ . قَالَ : الغَيْبُ يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ . قَالَ : لأُبْدِلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَاراً تَلَظَّى . قَالَ : لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِكَ لاتَّخَذْتُكَ إِلَهاً . قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ : نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، إِمَامُ الهُدَى . قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ ؟ قَالَ : لَوْ دَخَلْتُهَا ، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا ، عَرَفْتُ . قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي الخُلَفَاءِ ؟ قَالَ: لَسْتُ عَلَيْهِم بِوَكِيْلٍ . قَالَ : فَأَيُّهُم أَعْجَبُ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : أَرْضَاهُم لِخَالِقِي . قَالَ: فَأَيُّهُم أَرْضَى لِلْخَالِقِ ؟ قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُ . قَالَ : أَبَيْتَ أَنْ تَصْدُقَنِي . قَالَ : إِنِّي لَمْ أُحِبَّ أَنْ أَكْذِبَكَ . قَالَ : فَمَا بَالُكَ لَمْ تَضْحَكْ ؟ قَالَ : لَمْ تَسْتَوِ القُلُوْبُ . قَالَ : ثُمَّ أَمَرَ الحَجَّاجُ بِاللُّؤْلُؤِ وَاليَاقُوْتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَجَمَعَهُ بنُ يَدَيْ سَعِيْدٍ ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ جَمَعْتَهُ لِتَفْتَدِيَ بِهِ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَصَالِحٌ ، وَإِلاَّ فَفَزْعَةٌ وَاحِدَةٌ تُذْهِلُ كُلَّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ، وَلاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ جُمِعَ لِلدُّنْيَا إِلاَّ مَا طَابَ وَزَكَا . ثُمَّ دَعَا الحَجَّاجُ بِالعُوْدِ وَالنَّايِ ، فَلَمَّا ضُرِبَ بِالعُوْدِ وَنُفِخَ فِي النَّايِ ، بَكَى ، فَقَالَ الحَجَّاجُ : مَا يُبْكِيْكَ ؟ هُوَ اللَّهْوُ . قَالَ : بَلْ هُوَ الحُزْنُ ، أَمَّا النَّفْخُ فَذَكَّرَنِي يَوْمَ نَفْخِ الصُّوْرِ ، وَأَمَّا العُوْدُ فَشَجَرَةٌ قُطِعَتْ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ ، وَأَمَّا الأَوْتَارُ فَأَمْعَاءُ شَاةٍ يُبْعَثُ بِهَا مَعَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ . فَقَالَ الحَجَّاجُ : وَيْلَكَ يَا سَعِيْدُ ! قَالَ : الوَيْلُ لِمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الجَنَّةِ ، وَأُدْخِلَ النَّارُ . قَالَ : اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيْدُ أَنْ أَقْتُلَكَ ؟ قَالَ : اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ ، فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُنِي قِتْلَةً ، إِلاَّ قَتَلْتُكَ قَتْلَةً فِي الآخِرَةِ . قَالَ : فَتُرِيْدُ أَنْ أَعْفُوَ عَنْكَ ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ العَفْوُ ، فَمِنَ اللهِ ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلاَ بَرَاءةَ لَكَ وَلاَ عُذْرَ . قَالَ : اذْهبُوا بِهِ ، فَاقْتُلُوْهُ . فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ البَابِ ، ضَحِكَ ، فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِكَ ، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ ، فَقَالَ : مَا أَضْحَكَكَ ؟ قَالَ : عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ ، وَحِلْمِهِ عَنْكَ ! فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ، فَبُسِطَ ، فَقَالَ : اقْتُلُوْهُ . فَقَالَ : " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ " . قَالَ : شُدُّوا بِهِ لِغَيْرِ القِبْلَةِ . قَالَ : " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ " . قَالَ : كُبُّوْهُ لِوَجْهِهِ . قَالَ : " مِنْهَا خَلَقْنَاكُم، وَفِيْهَا نُعِيْدُكُم " . قَالَ: اذْبَحُوْهُ . قَالَ : إِنِّي أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ القِيَامَةِ . ثُمَّ دَعَا اللهَ سَعِيْدٌ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ لاَ تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي . فَذُبِحَ عَلَى النِّطْعِ . وَبَلَغَنَا : أَنَّ الحَجَّاجَ عَاشَ بَعْدَهُ خَمْسَ عَشَرةَ لَيْلَةً ، وَقَعَتْ فِي بَطْنِهِ الأَكِلَةُ ، فَدَعَا بِالطَّبِيْبِ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ دَعَا بِلَحْمٍ مُنْتِنٍ ، فَعَلَّقَهُ فِي خَيْطٍ ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ ، فَتَرَكَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَهُ ، وَقَدْ لَزِقَ بِهِ مِنَ الدَّمِ ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاجٍ .ا.هـ. قال الإمامُ الذهبي بعد ذكر الروايةِ : هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ ، غَيْرُ صَحِيْحَةٍ .ا.هـ. والقصةُ في سندها حَفْصُ بنُ سليم أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ . قال الذهبي في " الميزان " (1/557) : وهاه قتيبة شديداً ، وكذبهُ ابنُ مهدي لكونهِ روى عن عبيدِ الله عن نافع عن ابنِ عمر مرفوعاً : من زار قبرَ أمهِ كان كعمرةٍ . وسئل عنه إبراهيمُ بنُ طهمان فقال : خذوا عنهُ عبادتهِ وحسبكم . وذكر بعضاً من رواياتهِ .ا.هـ. وقال الحافظُ ابنُ حجر في " اللسان " (2/393) : قلتُ : ووهاهُ الدارقطني أيضاً . وقال الخليلي : مشهورٌ بالصدقِ ، غيرُ مخرجٌ في الصحيحِ ، وكان يفتي ، ولهُ في الفقهِ محلٌ ، وتعنى بجمع حديثهُ . ولهُ ذكرٌ في العللِ التي في آخرِ الترمذي ، وأغفلهُ المزي . قال الترمذي : حدثنا موسى بنُ حزام ، سمعتُ صالحَ بنُ عبدِ اللهِ قال : كنا عند أبي مقاتل السمرقندي ، فجعل يروي عن عونِ بنِ شداد الأحاديثَ الطوال التي كانت تروى في وصيةِ لقمان ، وقتلِ سعيدِ بنِ جبير ، وما أشبه ذلك ، فقال له ابنُ أخيه : يا عمُ لا تقل حدثنا عون ، فإنك لم تسمع هذه الأشياء ، فقال : بلى ؛ هو كلامٌ حسنٌ .ا.هـ. وقال الإمامُ ابنُ كثيرِ في " البداية والنهاية " (9/117) : وقال أبو نعيم في كتابه الحلية ، ثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن أحمد ابن أبي خلف ، ثنا شعبان ، عن سالم بن أبي حفصة ، قال : لما أتى بسعيد بن جبير إلى الحجاج قال له : أنت الشقي بن كسير؟ قال : لا ! إنما أنا سعيد بن جبير ، قال: لأقتلنك ، قال : أنا إذا كما سمتني أمي سعيداً ! قال : شقيت وشقيت أمك ، قال : الأمر ليس إليك ، ثم قال : اضربوا عنقه ، فقال : دعوني أصلي ركعتين ، قال : وجهوه إلى قبلة النصارى ، قال: " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " [ البقرة : 115 ] قال : إني أستعيذ منك بما استعاذت به مريم ، قال : وما عاذت به ؟ قال : قالت : " إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً " [ مريم : 17 ] قال سفيان : لم يقتل بعده إلا واحداً . وفي رواية أنه قال له : لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى ، قال : لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً. وفي رواية : أنه لما أراد قتله قال : وجهوه إلى قبلة النصارى ، فقال : " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " فقال : اجلدوا به الأرض ، فقال : " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى " [ طه : 55 ] فقال : اذبح فما أنزعه لآيات الله منذ اليوم . فقال : اللهم لا تسلطه على أحد بعدي. وقد ذكر أبو نعيم هنا كلاماً كثيراً في مقتل سعيد ابن جبير أحسنه هذا ، والله أعلم . وقد ذكرنا صفة مقتله إياه ، وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله ، أكثرها لا يصح .ا.هـ. والنكارةُ في القصةِ واضحةٌ جداً ، ومن أوجهِ النكارةِ فيها : 1 - قولِ عَوْنِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ : بَلَغَنِي . فمن الذي أبلغهُ ؟ فالواسطةُ مجهولةٌ . 2 - قصةٌ اللَّبْوَةِ وَالأَسَدِ ، فأين الأخذُ بالأسبابِ ؟ وقد جاء في ترجمةِ سعيدِ بنِ جبير أنهُ تنقل بين البلادِ فراراً من بطشِ الحجاجِ حتى قال : وَاللهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللهِ . قال الإمامُ الذهبي في " السير " (4/338) معلقاً على كلامِ سعيدِ بنِ جبير : " قُلْتُ : طَالَ اخْتِفَاؤُهُ ، فَإِنَّ قِيَامَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ ، وَمَا ظَفِرُوا بِسَعِيْدٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ ؛ السَّنَةِ الَّتِي قَلَعَ اللهُ فِيْهَا الحَجَّاجَ .ا.هـ. فهل يُعقلُ أن يفرَ سعيدُ بنُ جبير ثلاثَ سنواتٍ من الحجاجِ ويأخذُ بالأسبابِ ثم يأتي على أمرٍ ذكر في القصةِ ولا يفعلهُ ؟ هذا أمرٌ مستبعدٌ جداً . 3 - سؤالُ الحجاجِ لسعيدِ بن جبير عن الخليفةِ الرابعِ على بنِ أبي طالب رضي اللهُ عنه عندما قال له : فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ ؟ قَالَ : لَوْ دَخَلْتُهَا ، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا ، عَرَفْتُ . يلتمسُ منهُ إثباتُ تهمةِ الحجاجِ بأنهُ ناصبي ، وهذا أمرٌ قد يكونُ من فعلِ الرافضةِ ، وقد رد الإمامُ ابنُ كثيرٍ هذه الفريةِ عن الحجاجِ في " البداية والنهاية " كما تقدم في عنوان : " الحجاجُ عذابُ اللهِ " . فليرجع إليهِ . 4 - تقديمُ العودِ والناي بين يدي سعيدِ بنِ جبير . وأكنفي بهذه الأوجه . هل يُلعنُ الحجاج بن يوسف : هل يُلعنُ الحجاج بن يوسف : قد يقومُ بعضُ الناسِ بلعنِ الحجاجِ بنِ يوسف كلما ورد اسمهُ عليه ، فهل هذا الفعلُ من الشرعِ في شيءٍ ؟ قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ؛ بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَامًّا . كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا " وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ . كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ : " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِدُهُ . فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً . فَلَعَنَهُ رَجُلٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنْهُ . فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " . وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْوَعِيدُ الْعَامُّ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ : مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ .ا.هـ. فتاوى أهلِ العلمِ في الحجاجِ بنِ يوسف : الســؤال بعض الناس عندما يتعرض لسيرة الحجاج يسبة ويلعنه، فهل ذلك يصح، علما بأنه كانت له بعض فتوحات إسلامية لأراضٍ غير إسلامية، وهل هو يعتبر من الفئة الباغية؟ الفتــوى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد : فأما لعن الحجاج بن يوسف فينبغي تركه بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه إما تحريماً أو تنزيها، وإذا قال قائل ألم يك ظالماً ؟ ألم يقتل الصحابة فلماذا لا نلعنه ؟ نجيبه بما قال شيخ الإسلام ابن تيمية قال : نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن "ألا لعنة الله على الظالمين" ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه وقد لعنه-أي يزيد بن معاوية - قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن... انتهى . وأما ذكر مثالبه وظلمه وفجوره، فلا مانع من ذكر ذلك وإن كانت له حسنات وفتوحات، وقد ترجم له الذهبي فقال: الحجاج أهلكه الله في رمضان سنة 95 كهلاً، كان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء.... فنسبُّه ولا نحبه بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله.... انتهى. والحجاج لم يك من الفئة الباغية، بل كان حاكماً على العراق والمشرق كله من قبل أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان. والله أعلم. المفتـــي : مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه http://www.islamweb.net/web/fatwa.showSing...جاج%20بن%20يوسف _________________________________________________________________ السؤال: أرجو أن تجيب على هذا السؤال فهو مهم بالنسبة لي ، فقد كنت أقرأ في صفحة معادية للإسلام على الإنترنت حيث قال أحد النصارى بأن الشيخ السجستاني قال في كتابه " المصاحف " بأن الحجاج قد غيَّر في حروف المصحف وغيَّر على الأقل عشر كلمات ، يدَّعي بأن السجستاني قد ألَّف كتاب اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان " وقد ادَّعى هذا النصراني بأنَّه جمع الكلمات العشر التي تم تغييرها باللغة العربية . حاولتُ الحصول على نسخةٍ من هذا الكتاب دون جدوى فأرجو التوضيح ، فأنا لا أتخيَّل أنَّ جميع العلماء والحفَّاظ يسمحون لشخصٍ بأن يغيِّر القرآن ولا يقولوا شيئاً ، حتى ولو أن السجستاني روى هذا . هذا الأمر لا يُعقل أبداً لأننا لسنا كاليهود والنصارى لا نحفظ كتابنا ونتركه لرجال الدين ، فالمسلمون يحفظ كثير منهم القرآن وكلهم يتلوه فلا يعقل أن لا يلاحظ أحد الفروق والاختلافات . الجواب: الحمد لله أولاً : لا يمكن أن يتطرق الشك بالنسبة للمسلم في ثبوت القرآن ، فقد تكفَّل الله تعالى بحفظ القرآن فقال تعالى : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [ الحجر : 9 ] ، وقد كان القرآن محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة وعلى جذوع الأشجار واللخاف ( الخزف ) إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه -أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة ، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى محفوظاً من الضياع ، وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت وغيره من كتاب الوحي فأخرج البخاري في " صحيحه " ( 4986 ) عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : " أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال عمر : هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم } حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنهما ". ثانياً : وأما الحجاج فلم يباشر بنفسه كتابة المصحف ، بل أمره بعض الحاذقين بذلك ، وإليك القصة كاملة : قال الزرقاني : والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً … وسواء أكان هذا أم ذاك فإن إعجام – أي : تنقيط - المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان ، إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت واختلط العرب بالعجم وكادت العجمة تمس سلامة اللغة وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف يلح بالناس حتى ليشق على السواد منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين حروف المصحف وكلماته وهي غير معجمة ، هنالك رأى بثاقب نظره أن يتقدم للإنقاذ فأمر الحجاج أن يُعنى بهذا الأمر الجلل ، وندب " الحجاج " طاعة لأمير المؤمنين رجلين يعالجان هذا المشكل هما : نصر بن عاصم الليثي ، ويحيى بن يعمر العدواني ، وكلاهما كفء قدير على ما ندب له ، إذ جمعا بين العلم والعمل والصلاح والورع والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن ، وقد اشتركا أيضاً في التلمذة والأخذ عن أبي الأسود الدؤلي ، ويرحم الله هذين الشيخين فقد نجحا في هذه المحاولة وأعجما المصحف الشريف لأول مرة ونقطا جميع حروفه المتشابهة ، والتزما ألا تزيد النقط في أي حرف على ثلاث ، وشاع ذلك في الناس بعدُ فكان له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف . وقيل : إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي ، وإن ابن سيرين كان له مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر ، ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية ، ثم تبعه ابن سيرين ، وأن عبد الملك أول من نقط المصحف ، ولكن بصفة رسميَّة عامَّة ذاعت وشاعت بين الناس دفعاً للبس ، والإشكال عنهم في قراءة القرآن . " مناهل العرفان " ( 1 / 280 ، 281 ) . ثالثاً : وأما ما جاء في السؤال نقلاً عن كتاب " المصاحف " لابن أبي داود : فإليك الرواية فيه والحكم عليها : عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً ، قال : كانت في البقرة : 259 { لم يتسن وانظر } بغير هاء ، فغيرها " لَم يَتَسَنه " . وكانت في المائدة : 48 { شريعة ومنهاجاً } ، فغيّرها " شِرعَةً وَمِنهاجَاً ". وكانت في يونس : 22 { هو الذي ينشركم } ، فغيَّرها " يُسَيّرُكُم " . وكانت في يوسف : 45 { أنا آتيكم بتأويله } ، فغيَّرها " أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ " . وكانت في الزخرف : 32 { نحن قسمنا بينهم معايشهم } ، فغيّرها " مَعِيشَتَهُم " . وكانت في التكوير : 24 { وما هو على الغيب بظنين } ، فغيّرها { بِضَنينٍ }… الخ .. كتاب " المصاحف " للسجستاني ( ص 49 ) . وهذه الرواية ضعيفة جدّاً أو موضوعة ؛ إذ فيها " عبَّاد بن صهيب " وهو متروك الحديث . قال علي بن المديني : ذهب حديثه ، وقال البخاري والنسائي وغيرهما : متروك ، وقال ابن حبان : كان قدريّاً داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع ، وقال الذهبي : أحد المتروكين . انظر " ميزان الاعتدال " للذهبي ( 4 / 28 ) . ومتن الرواية منكر باطل ، إذ لا يعقل أن يغيِّر شيئاً من القرآن فيمشي هذا التغيير على نسخ العالم كله ، بل إن بعض من يرى أن القرآن ناقص غير كامل من غير المسلمين كالرافضة - الشيعة – أنكرها ونقد متنها : قال الخوئي – وهو من الرافضة - : هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والأطفال ، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية ، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الإسلامية ، فكيف يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة ؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها ؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه ، ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الأهمية ، وكثرة الدواعي إلى نقله ؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته ؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها ، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة ، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله . " البيان في تفسير القرآن " ( ص 219 ) . وما نقله السائل عن الإمام السجستاني من أنه ألَّف كتاباً اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان " : غير صحيح بل كذب ظاهر ، وكل ما هنالك أن الإمام السجستاني ترجم للرواية سالفة الذكر عن الحجاج بقوله : ( باب ما كتب الحجَّاج بن يوسف في المصحف ) . وعلى هذا فإنه لا يمكن أن يعتمد على هذا الرواية بحال من الأحوال ، ويكفي في تكذيبها أنه لم يثبت حتى الآن أن أحداً نجح في محاولة لتغيير حرف واحد ، فلو كان ما روي صحيحاً لأمكن تكراره خاصة في عصور ضعف المسلمين وشدة الكيد من أعدائهم ، بل مثل هذه الشبهات التي تثار هي أحد الأدلة على بطلان هذه الدعاوى ، وأن الأعداء قد عجزوا عن مقارعة حجج القرآن وبيانه فلجؤوا للطعن فيه . والله أعلم فريةً على الحجاجِ تتعلقُ بكتابِ اللهِ : من الأمورِ التي نُقلت عن الحجاجِ أنه غير في مصحفِ عثمانَ أحد عشر حرفاً ، فما صحةُ الخبرِ الواردِ في ذلك ؟ عن عوفِ بنِ أبي جميلةَ أن الحجاجَ بنَ يوسف غيرَ في مصحفِ عثمانَ أحد عشر حرفاً . قال : كانت في البقرةِ : " لَمْ يَتَسَنَّ وَانْظُرْ " [ 259 ] بغيرِ هاءٍ ، فغيرها " لَمْ يَتَسَنَّهْ " بالهاء . وكانت في المائدةِ : " شَرِيْعَةً وَمِنْهَاجًا " [ 48 ] ، فغيرها " شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " . وكانت في يونس : " هُوَ الَّذِي يَنْشُرُكُمْ " [ 22 ] ، فغيرهُ " يُسَيِّرُكُمْ " . وكانت في يوسف : " أَنَا آتِيْكُم بِتَأْوِيلِهِ " [ 45 ] ، فغيرها " أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ " ، وكانت في المؤمنين : " سَيَقُولُونَ لِلَّهِ لِلَّهِ لِلَّهِ " [ 85 ، 87 ، 89 ] ثلاثتهن ، فجعل الأخيرين " اللّه اللّه " . وكانت في الشعراء ، في قصة نوح : " مِنْ الْمُخْرَجِينَ " [ 116 ] ، وفي قصةِ لوط : " مِنْ الْمَرْجُومِينَ " [ 167 ] ، فغير قصةِ نوح " مِنْ الْمَرْجُومِينَ " وقصة لوط " مِنْ الْمُخْرَجِينَ " . وكانت في الزخرف : " نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعَايشَهُمْ " [ 32 ] فغيرها " مَعِيشَتَهُمْ " . وكانت في الذين كفروا " مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ " [ محمد : 15 ] ، فغيرها " مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ " . وكانت في الحديد : " فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَاتّقَوْا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ " [ 7 ] فغيرها " وَأَنْفَقُوا " ، وكانت في إذا الشمس كورت " وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ " [ التكوير : 24 ] ، فغيرها " بِضَنِينٍ " . أخرجهُ ابنُ أبي داود في " المصاحف " (142 ، 348) . وفي سندِ الروايةِ عبادُ بنُ صهيب البصري ، ذكره الذهبي في " الميزان " (2/367 رقم 4122) وقال : أحدُ المتروكين ... قال ابن المديني : ذهب حديثه . وقال البخاري والنسائي وغيرهما : متروك . وقال ابنُ حبان : كان قدرياً داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياءَ إذا سمعها المبتدىء في هذه الصناعةِ شهد له بالوضعِ .ا.هـ. وقال الشيخُ عبدُ اللهِ الجديع في " المقدمات الأساسية في علوم القرآن " ( ص161 حاشية ) عن الخبر : هذا خبرٌ كذبٌ ، فإن مُصحف عثمانَ زمن الحجاجِ قد طبق ديارَ الإسلامِ ، وما كان الحجاجُ ليُغيِّرَ حرفاً من كتابِ اللهِ والمصاحفُ العثمانيةُ قد وقعت لكلِ الأمصارِ ، وانتسخ الناسُ منها مصاحفهم ، والقراءُ يومئذٍ من الذين يرجعُ إليهم الناسُ في القراءةِ موجودون ، فإن كان الحجاجُ غيرَ حرفاً في مصحفٍ فوالله ما كان ليقدرَ أن يفعلهُ في جميعِ تلك المصاحفِ ، وإن كان أرهب كثيراً من الناسِ يومئذٍ بظلمهِ وطغيانهِ ، فما كان ليقدر أن يصمِّتَ جميعَ أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم فيُحرف القرآنَ على مرأى من جميع المسلمين ، ثم هب أن ذلك قد وقع من الحجاجِ ، فأين النقلةَ لم يجمعوا على نقلهِ ، ولماذا لم يأتِ إلا من طريقِ عبادِ بنِ صهيبٍ رجلٍ من المتروكين الهلكى ؟ كيف وقد ثبتت الأسانيدُ الدالةُ على بطلانِ هذه الحكايةِ بخصوص كتابةِ تلك الأحرفِ ؟ ومثل هذا لا يستحقُ الإطالةَ الإطالةَ بأكثرَ مما ذكرتُ لظهورِ فسادهِ .ا.هـ. ما نسب إليهِ من غلوٍ في عثمانَ رضي اللهُ عنه : ورد خبرٌ أن الحجاجَ كان عثمانياً غالياً فيه فلننظر فيه . عَنْ عَوْفٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ : إِنَّ مَثَلَ عُثْمَانَ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَقْرَؤُهَا وَيُفَسِّرُهَا : " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا " [ آل عمران : 55 ] يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ وَإِلَى أَهْلِ الشَّامِ . أخرجه أبو داود (4641) ، وقال عنه العلامة الألباني في " ضعيف سنن أبي داود " (1006) : ضعيف مقطوع . قال صاحبُ " عون المعبود " تعليقا على الحديث : وَمَقْصُود الْحَجَّاج مِنْ تَمْثِيل عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِظْهَار عَظَمَة الشَّأْن لِعُثْمَان وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَرَاء بَنِي أُمَيَّة وَمَنْ تَبِعَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الشَّام وَالْعِرَاق وَتَنْقِيص غَيْرهمْ , يَعْنِي مَثَل عُثْمَان كَمَثَلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمَثَل مُتَّبِعِيهِ كَمَثَلِ مُتَّبِعِيهِ , فَكَمَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ مُتَّبِعِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا كَذَلِكَ حَمْل مُتَّبِعِي عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ أَهْل الشَّام وَأَهْل الْعِرَاق فَوْق غَيْرهمْ , بِحَيْثُ جَعَلَ فِيهِمْ الْخِلَافَة وَرَفَعَهَا عَنْ غَيْرهمْ فَصَارُوا غَالِبِينَ عَلَى غَيْرهمْ . قَالَ السِّنْدِيُّ : لَعَلَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ الْإِشَارَة عِنْد قَوْله تَعَالَى " وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك " وَأَرَادَ بِهَذَا أَنَّ أَهْل الشَّام تَبِعُوا عُثْمَان فَرَفَعَهُمْ وَوَضَعَ فِيهِمْ الْخِلَافَة , وَغَيْرهمْ اِتَّبَعُوا عَلِيًّا فَأَذَلَّهُمْ اللَّه وَرَفَعَ عَنْهُمْ الْخِلَافَة اِنْتَهَى .ا.هـ. فراسةُ والدِ الحجاجِ في ابنهِ : تفرس والدُ الحجاجِ في ابنه من خلالِ قصة نقلها الحافظُ ابن كثير في " البداية والنهاية " (9/119) نقلها عن ابنِ عساكر صاحبِ " تاريخ دمشق " فقال : وقد ذكر ابنُ عساكر في ترجمةِ سليم بن عنز قاضي مصر ، وكان من كبار التابعين ، وكان ممن شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية ، وكان من الزهادةِ والعبادةِ على جانب عظيم ، وكان يختم القرآن في كل ليلة ثلاث ختمات في الصلاة وغيرها . والمقصود أن الحجاج كان مع أبيه بمصر في جامعها فاجتاز بهما سليم بن عنز هذا فنهض إليه أبو الحجاج فسلم عليه ، وقال له : إني ذاهب إلى أمير المؤمنين ، فهل من حاجة لك عنده ؟ قال : نعم ! تسأله أن يعزلني عن القضاء . فقال : سبحان الله !! والله لا أعلم قاضياً اليوم خيراً منك . ثم رجع إلى ابنه الحجاج فقال له ابنه : يا أبت أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت ثقفي ؟ فقال له : يا بني ، والله إني لأحسب أن الناس يرحمون بهذا وأمثاله . فقال : والله ما على أمير المؤمنين أضر من هذا وأمثاله ، فقال : ولم يا بني ؟ قال : لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم ، فيحدثونهم عن سيرة أبي بكر وعمر ، فيحقر الناس سيرة أمير المؤمنين ، ولا يرونها شيئاً عند سيرتهما ، فيخلعونه ويخرجون عليه ويبغضونه ، ولا يرون طاعته ، والله لو خلص لي من الأمر شيء لأضربن عنق هذا وأمثاله . فقال له أبوه : يا بني والله إني لأظن أن الله عزَّ و جلَّ خلقك شقياً . علق ابنُ كثير على القصة فقال : وهذا يدل على أن أباه كان ذا وجاهة عند الخليفة ، وأنه كان ذا فراسة صحيحة ، فإنه تفرس في ابنه ما آل إليه أمره بعد ذلك .ا.هـ. أسألُ اللهَ أن يكونَ في هذا البيانِ كفايةٌ في موضوعِ الحجاجِ بنِ يوسف الثقفي ، وإذا وجدتُ إضافةً سأضعها . كتبهُ عبدُ الله زُقَيْل 17 رمضان 1424 هـ رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان