اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

وترجل أبو الطيب


Recommended Posts

الدجاني .. رجل الفكر والنضال .. داعية العروبة والإسلام

بقلم أ‚د‚ يوسف القرضاوي

قبل ان نودع العام الميلادي 2003م ويودعنا بما حملت امواجه المتلاطمة من اهوال وكروب ومفاجآت لامة العروبة والاسلام ابى ان يختم ايامه الا بتوديع رجل من رجالات الامة المعدودين ظل يحمل همومها ويعاني آلامها ويجسد آمالها: مجاهدا في سبيل الله مناضلا عن حقوق الامة ذائدا عن حماها يرفع اللواء ويلبي النداء ويقاوم الاعداء بشجاعة الفارس النبيل الذي لا يستسلم ولا يرفع الراية البيضاء وان رأى من حوله يستأسرون ويسلمون مستمسكا بالحق الذي آمن به وان رأى من حوله يتنازلون عنه واحدا بعد الآخر.

انه الاخ المفكر المناضل الدكتور احمد صدقي الدجاني الذي انتقل الى رحمة الله مساء الاثنين السادس من ذي القعدة 1424هـ التاسع والعشرين من ديسمبر 2003م.

ابن يافا وفلسطين البار

انه ابن فلسطين ابن يافا ولد في ارضها ونشأ وترعرع بين ربوعها واستنشق شذاها وشاهد بياراتها واكل من برتقالها وفواكهها وصلى في جوامعها واستمع الى الأذان والتكبير من مآذنها وتعلم في مدرسة «النهضة الاسلامية» بها ورآها تسقط امام عينيه وهو ابن الثانية عشرة‚ وتركها مجبورا مقهورا وعينه تذرف العبرات وصدره يصعد الزفرات‚ رأى الفتى الصهيونية الغازية تقتحم عليه مدينته وتغتصب منه داره وتسرق مرتع صباه ومهوى فؤاده وملتقى احبائه وتشرده واهله في الآفاق من سنة 1948 الى اليوم‚ ترك منزله في يافا الذي لا يزال يحتفظ بمفتاحه داخل منزله بالقاهرة حتى اليوم ليذكر ابناءه وأحفاده بالوطن المسلوب وكان حريصا على ان يبرزه امام اعين الاعلاميين والاصدقاء كل حين ليؤكد لهم بأن العودة قضية لا تموت.

وعائلة الدجاني عائلة يافوية معروفة: دينية صوفية فقد كان جد احمد صدقي ـ الشيخ محمود ـ قاضيا شرعيا في الدولة العثمانية وقد مات قبل ولادته بعامين وهو الذي اوصى امه اذا جاءها ابن ان تسميه احمد صدقي‚ عين الشيخ محمود الدجاني قاضيا في ليبيا في اوائل القرن العشرين قبل الانقلاب على السلطان عبدالحميد 1908 وكانت اقامته بين طرابلس وزليطن والخمس وقد كانت ليبيا كما كانت فلسطين: جزءا من دولة واحدة هي دولة الخلافة العثمانية وقد غرس هذا في نفسية الطفل احمد صدقي وحدة بلاد العروبة والاسلام التي كانت تمثل دولة واحدة يحكمها الخليفة وكان جده ينتقل بين ربوعها بحرية واطمئنان وقد اورثه هذا النزعة العروبية الاسلامية التي لا ترى تعارضا بين الاسلام والعروبة على غرار ما سبقه به الاصلاحيون العرب في اواخر عهد الدولة العثمانية من امثال الشيخ رشيد رضا والشيخ طاهر الجزائري وامثالهما من دعاة التجديد والاصلاح في ظل الدولة الاسلامية والخلافة الاسلامية التي تجمع العرب والاتراك تحت راية القرآن.

وهذا ايضا ما شده الى الاهتمام بأمر ليبيا وتاريخها وجهادها وخصوصا بعد ان تعاقد مع وزارة التربية والتعليم في ليبيا للعمل بها من سنة 1958 الى سنة 1965 وهو يعتبر هذه السنوات من اغنى سنوات عمره وأمها في تكوينه العلمي‚ وكان من رواد الدراسات الليبية‚ وتأليف عدة كتب عنها‚ منها: كتابه عن «الحركة السنوسية» كما تأثر باستشهاد البطل العربي المسلم عمر المختار الذي لم تلن قناته في جهاد الايطاليين حتى اسر وحكموا عليه بالاعدام‚ وسجل ذلك شعراء مرموقون مثل ابراهيم طوقان من فلسطين واحمد شوقي من مصر.

في معمعة النضال الفلسطيني

كان أحمد صدقي أحد المؤسسين لمنظمة التحرير منذ عهد رئيسها الأول أحمد الشقيري وقد اتجهت الأنظار إليه - وهو في ريعان الشباب ــ لتحمله المسؤولية وهي واثقة بأنه أهل لها‚ فلا غرو ان كان عضوا بالمجلس الوطني الفلسطيني‚ وعضوا بالمجلس المركزي وعضوا باللجنة التنفيذية في منظمة التحرير‚ كما كان رئيسا للمجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم بها‚ ولم يتركه إلا منذ سنة 2002 بعد أن ازدادت متاعبه الصحية‚ رحمه الله‚ كما مثل فلسطين في مؤتمرات الحوار العربي - الأوروبي‚ وقد قدر الرئيس الفلسطيني عطاءه في مجال الفكر والثقافة والنضال فمنحه وسام فلسطين.

معارضته خط «أوسلو»

ظل الدجاني يعمل في المجال النضالي الفلسطيني الرسمي بجهده وفكره وقلمه ولسانه حتى تغير مسار القضية الفلسطينية من بعد نكبة يونيو 1967 شيئا فشيئا‚ حتى انتهت الى مسيرة أوسلو وما تحمله من تنازلات أساسية لا يقبلها‚ فرأى ان الميدان لم يعد ميدانه‚ وان لكل زمان دولة ورجالا‚ وهو ليس من رجال هذا الدور‚ والحمد لله الذي عافاه من ذلك فقدم استقالته من اللجنة التنفيذية احتجاجا‚ ومعه اثنان من المناضلين المعروفين: شفيق الحوت‚ ومحمود درويش الشاعر المعروف‚ وظل يعمل وحده في معركة سلاحها القلم‚ وحلبتها الفكر‚ وجنودها الأحرار الذين يجمعون بين الصلابة والإخلاص والصبر وان طال المدى‚ ومع معارضته لمهندسي أوسلو‚ ظل يدعو الى وحدة الصف الفلسطيني‚ ويتعامل مع الفصائل الفلسطينية كلها بروح الأبوة والأخوة للجميع‚ ولا يرضى بأي شق للصف فليس يؤذي العدو شيء مثل التوحد والتلاحم.

لقد كسبه ميدان الفكر

واعتقد ان البعد عن مجال النضال الرسمي‚ كان من ناحية اخرى خيرا وبركة‚ فقد كسبه ميدان العلم والفكر الذي تفرغ له‚ فنما انتاجه‚ وازداد عطاؤه‚ واتسعت دائرة اتصالاته على المستوى العربي‚ والمستوى الاسلامي‚ والمستوى العالمي‚ واصبح عضوا في اكثر من مجمع لغوي‚ ومن مؤسسة علمية ومن مركز ثقافي‚ وكان من ثمرات ذلك خمسون كتابا في مختلف جوانب الثقافة تلقاها اهل الفكر بالقبول والثناء.

كان الدجاني فارسا من فرسان الكلمة وعلما من اعلام الفكر ورائدا من رواد النضال الفلسطيني وبطلا من ابطال العروبة والاسلام‚ رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في الصالحين من عباده الابرار.

كيف عرفت الدجاني؟

عرفت الدكتور الدجاني منذ اكثر من عشرين سنة قارئا لكتبه ومقالاته فوجدته رجلا يجمع بين عقلانية العالم‚ وعاطفية الفنان وشفافية الاديب وروحانية المتصوف وجندية المجاهد‚ ثم اقتربت منه اكثر حين لقيته في المؤتمرات والندوات فعرفت فيه العقل النافذ والنفس الهادىء والبصيرة النافذة والرؤية المتوازنة والمتكاملة للاحداث والتاريخ والواقع‚ كما لمست فيه الخلق الكريم والادب العالي والذوق الرفيع والحس الرهيف والسلوك القويم‚ انه ـ في كلمة واحدة ـ رجل مثقف مهذب.

واذا كان النابغة الذبياني يقول في شعره:

ولست بمستبق أخا لا تلمه

على شعث أي الرجل المهذب؟

فأنا أقول: أحمد صدقي الدجاني كان أنموذج (الرجل المهذب) الذي افتقده الذبياني وافتقده الكثيرون.

وقد قال حافظ:

فإذا رزقت خليفة محمودة

فقد اصطفاك مقسم الارزاق!

فكيف بمن رزق جملة من الخلائق المحمودة‚ والفضائل المشهودة قربته الى الناس وحببته الى الناس‚ وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء‚ كان رجلا يتميز بالعذوبة في شخصيته: في لقائه‚ في حديثه‚ في خلقه‚ في علاقاته وكأنما خلق من نسمات الفجر‚ او من نفحات الزهر او من رشحات العطر!

رجل جدير بالحب والاحترام

اجل انه رجل يملك من المواهب والقدرات والفضائل ما يرغمك على ان تحترمه وان تحبه معا‚ وقل من الناس من تجمع له بين الحب والاحترام‚ انه رجل يحبه العلماء والباحثون لانه عالم بحاثة يحترم نفسه وقرّاءه بفكر يجلّه العالم الذي يعيش في عصره‚

ويحبه الادباء لأنه اديب‚ يكتب بأسلوب الاديب وبيان الاديب ولغة الاديب.

ويحبه المناضلون لانه مناضل اصيل لم يهن عزمه‚ ولم يستسلم كما استسلم غيره من المناضلين القدامى.

ويحبه العروبيون لانه عربي مخلص يعتز بعروبيته وبقومه وبلغته فلا يتكلم الا بالعربية الفصحى ولا تعرف العامية الى لسانه سبيلا.

ويحبه الاسلاميون لأنه مسلم مستنير يحسن الفهم للاسلام‚ كما يحسن الالتزام به‚ والدعوة اليه على بصيرة والحماس لقضايا أمته.

تم تعديل بواسطة أسامة الكباريتي

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

د. صدقي الدجاني .. رجل أحبه كل الناس

أ.د. يوسف القرضاوي

دوره في تلاقي العروبيين والإسلاميين

وحين رأى القوميون المخلصون من دعاة العروبة والاسلاميون المخلصون من دعاة الاسلام: ان لا معنى للقطيعة القائمة بينهما‚ وان هناك قضايا مهمة تجمع بين التيارين وتفرض عليهما التفاهم والتضامن لمواجهة الخطر الذي يهدد الأمة وانه لا بد من عقد مؤتمر يضم المعتدلين من الاسلاميين والقوميين الذين يرون التلاقي بينهم فريضة وضرورة: فريضة يوجبها الدين‚ وضرورة تحتمها مصلحة الأمة‚ وعندئذ تقرر عقد المؤتمر القومي الاسلامي الاول في بيروت‚ وكان المطلوب ان تعد ورقتان: ورقة تمثل القوميين وأهدافهم وتوجهاتهم وطموحاتهم‚ وأخرى تمثل الاسلاميين وأهدافهم وتوجهاتهم وطموحاتهم‚ وتجسد كلتاهما القاسم المشترك بين الفريقين: كان الدجاني عضوا في كل من اللجنتين التحضيريتين للاسلاميين والقوميين جميعا‚

وحين التقى الفريقان وبحثوا عن منسق عام يقوم على هذا المؤتمر يرضى عنه الطرفان ويصلح همزة وصل بينهما: لم يجدوا أفضل من الدكتور أحمد صدقي الدجاني الذي كان موضع اجماع من الحضور‚ لم يختلف عليه اثنان‚ ولم تنتطح فيه عنزتان كما يقال: والحق ان الرجل بذل من جهده ووقته وفكره الكثير‚ في سبيل انجاح هذه الفكرة واستمرارها وامدادها بالزاد والوقود‚ حتى لا تتوقف مسيرتها أو تخمد جذوتها‚ وخصوصا في هذا الوقت الذي يسعى فيه اناس للتطبيع مع اسرائيل!

لقاءاتنا في الصيف وعلاقته الحميمة بعبد الرحمن

وكنت حريصا على لقائه كل عام في اجازة الصيف حين انزل الى مصر‚ وكان هو أبدا صاحب الفضل‚ فهو الذي يسعى الى زيارتي في منزلنا بمدينة نصر‚ باعتباري ضيفا على القاهرة‚ وهو مقيم بها: حاملا من ثمار قلمه آخر ما انتجه حول قضيته الأولى (فلسطين) أو قضايا (العروبة والاسلام) ولا انفصال بينهما عنده‚ أو قضايا العالم الذي نحيا فيه‚ وكنت أهدي اليه من بضاعتي المزجاة آخر انتاجي‚ وكله يدخل في أفق اهتمامه.

ومن خلال زياراته ولقاءاته بي تعرف عليه ابني الشاعر الأديب عبد الرحمن فأعجب به ودعاه الى زيارته‚ فانعقدت بينهما مودة وثيقة وصلة عميقة استمرت سنين في لقاء وتفاهم وحوار‚ يسمعه عبد الرحمن من شعره ما لا يقوله للآخرين من شعر السياسة أو شعر الغزل الذي عبر عنه عبد الرحمن بأن نصف شعره: يدخل السجن والنصف الآخر يدخل النار!! ويحاوره في قضايا الدين وقضايا الثقافة وقضايا السياسة بحرية وصراحة‚ وقد قال لي الدكتور الدجاني في لقاء قريب: ان عبد الرحمن: كنز ثمين لم يستفد منه بعد! وقد أهدى عبد الرحمن اليه ديوانه الثاني (أمام المرآة) وقال في اهدائه: الى استاذي ووالدي وصديقي الدكتور أحمد صدقي الدجاني أطال الله عمره ثمرة سنوات من اللقاءات الطويلة حوار بين جيلين!

مناسبات فكرية ونضالية تجمعنا

كانت هناك مناسبات مختلفة تجمعنا منها: المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية أو مؤسسة الفكر الاسلامي لآل البيت وقد كان كلانا عضوا فيها‚

كما تضمنا جلسات المؤتمر القومي الاسلامي الذي كان أحد مؤسسيه والداعين اليه.

وكذلك مجلس (أمناء مؤسسة القدس) الذي التقى مؤسسوها في بيروت في نحو خمسمائة شخصية من العرب مسلميهم ومسيحييهم‚ ومن المسلمين عربهم وعجمهم من كل من يهمه أمرالقدس وأمر فلسطين‚ وما القدس الا رمز لفلسطين‚ وقد اتجه جمع من صفوة المشاركين في المؤتمر الى ان يرشحوني لرئاسة مجلس أمناء هذه المؤسسة الوليدة والمرجوة‚ وقد اعتذرت لهم أول الأمر لما أحمله من أعباء أنوء بها‚ فكيف اضيف اليها عبئا جديدا؟ وكان رأيه رحمه الله مع عدد من الاحبة: أنك الوحيد الذي يمكن ان يوافق عليه من المسلمين: العرب والعجم‚ ويوافق عليه من العرب: المسلمون والمسيحيون‚ ويوافق عليه من المسلمين: السنيون والشيعيون‚ ويوافق عليه من العرب: القوميون والاسلاميون‚ نرجوك ان تقبل هذه المهمة مستعينا بالله‚ لتجتمع عليك الكلمة!

وقد سافرت قبل انفضاض المؤتمر واختيار مجلس الأمناء ورئيسه‚ وقد اختاروني في غيابي والخيرة فيما اختاره الله لنا‚ وقد التقينا بعد ذلك في مؤتمرات لمؤسسة القدس هذه أولها كان في اليمن‚ وكان لقاء خصبا مباركا والثاني كان في بيروت‚ وكان له أثره ودوره في مد المسيرة بالوفود‚ والدكتور الدجاني في كل ذلك يعطي بغير كلل ولا ملل‚ ولا منّ ولا أذى.

وما من مرة ألقاه فيها في ندوة أو مؤتمر أو لقاء خاص الا أجده متألقا لم ينطفىء له سنا‚ ومسمعا لم يخفض له صوت‚ وآخر مرة سعدت بلقائه فيها كانت في مملكة البحرين‚ في مؤتمر التقريب بين المذاهب الاسلامية وعلى العهد به كان معطاء كالنبع الدافق لا يملك إلا أن يسقي ويحيي وان كنت لحظت عليه شيئا من الجهد والتعب‚ كان يغذي الحوار بالجديد من الافكار‚ وكان يسدد الحوار إذا شط عن سواء الصراط‚ ولقد قرأ بحثي عن التقريب بين المذاهب وابدى اعجابه به لانه تعرض لنقاط حساسة عالجها بصراحة واستنارة ورفق‚ وحين اختمرت عندي فكرة انشاء اتحاد علماء المسلمين كان هو في مقدمة الشخصيات التي دعوتها للانضمام الى هذا الاتحاد فقد رأيت ان اوسع مفهوم العلماء بحيث لا يقتصر على خريجي الكليات الشرعية والجامعات الدينية بل تشمل كل من له عطاء يتصل بالثقافة الاسلامية وان لم يكن من المشايخ وقد استجاب بسرعة لندائي وان كان قد اقترح ان نعرف العالم المسلم بانه كل من يمارس اختصاصه برؤية مؤمنة مسلمة.

خسارة الأمة بفقد الدجاني

ان فقد الرجال خسارة كبيرة ونكبة عظيمة فانما الامة برجالها والرجال قليل فكيف اذا كان هذا الرجل عالما وقد قال ابن مسعود: سيأتي على الناس زمان كثير خطباؤه قليل علماؤه! فاذا كان الرجال قليلا فالعلماء قليل من قليل‚ وكيف اذا كان هذا العالم مفكرا له رؤيته الخاصة ونظرته المستقلة‚ الى العالم من حوله‚ والى قضايا الامة‚ فليس هو مقلدا لاحد‚ ولا ذيلا لاحد‚ فإذا كان العالم قليلا من قليل‚ فالعالم المفكر قليل من قليل‚ من قليل‚ ثم كيف اذا كان هذا المفكر مناضلا فهو لم يعش لفكره في برج عاجي او في صومعة منعزلة‚ مستغرقا في تأملاته الصوفية‚ محلقا في احلامه الطوباوية‚ بل نزل الى معترك الحياة كما هي بوردها وشوكها وحلوها ومرها وبهذا يكون هذا النوع قليلا من قليل من قليل من قليل‚ ولا عجب ان يختار هذا الرجل في كل منتدى للحوار الداخلي والخارجي فهو يملك من المواهب والقدرات الفكرية والنفسية والخلقية ما حرم منه الاكثرون «وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم»‚ فصلت 35.

إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر

ومنذ اسابيع اتصل ابني عبدالرحمن ـ وهو حبيبه الاثير لديه ـ وطلب مني وانا مسافر الى مكة‚ ان اخص الدكتور الدجاني بالدعاء‚ فقد اشتد عليه المرض‚ وادخل المستشفى‚ ويحتاج الى دعاد المحبين ان يمن الله عليه بالشفاء‚ ويتم عليه العافية‚ وكم والله دعوت له من اعماق قلبي‚ وتضرعت الى ربي ان يكشف عنه الضر كما كشفه عن ايوب‚ ولكن اجل الله اذا جاء لا يؤخر‚ واذا كان الداء من السماء‚ بطل الدواء‚ وعجز الاطباء‚ حتى ينفذ القضاء.

ان الطبيب له علم يدل به

ما دام في أجل الانسان تأخير

حتى اذا ما انقضت ايام مهلته

حار الطبيب وخانته العقاقير!

وفي مساء الاثنين 29/12 اتصل ابني عبدالرحمن هاتفيا‚ وحين سمعت صوته يحمل رنة الحزن‚ عرفت ان قدر الله نفذ‚ واخبرني وهو بجواره في المستشفى وهو يجهش بالبكاء ان استاذه الحبيب قد فارق الدنيا‚ وما اشد مرارة فراق الانسان لمن يحب‚ وخصوصا اذا كان فراقا سيطول وكما تقول الخنساء:

نأي الحبيبين كون الارض بينهما

هذا عليها وهذا تحتها سكنا!

رحمة الله عليك ابا الطيب‚ وطبت حيا وميتا‚ وغفر الله لك ورحمك ورفع درجاتك في الصالحين من عباده‚ وجزاك عن دينك ووطنك وامتك خير ما يجزي به العالمين الصادقين الموفين بعهدهم اذا عاهدوا «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» الاحزاب 23.

...............................................

وبعد ..

نقلت لكم رثاء شيخنا العلامة لهذا الرجل .. فقد كان خير ما قرأت في الرجل منذ وفاته ..

وكان الشيخ الجليل يعزي نفسه ويواسيها بكتابته هذه ..

أحسست بنبض قلبه الكبير وهو ينعي الصديق الصدوق ..

وإنني لا أخفي مدى الحزن لفقد هذا الرجل .. لا اعتراض على حكم الله ..

فقد مثل بشخصه البسيط الأمة بآلامها وآمالها ..

أحببته من صميم قلبي ..

كنت شغوفا للاستماع إليه سواء في ندواته المميزة و من خلال مقابلات تلفزيونية ..

كان رحمه الله مدرسة حية في الإسلام والإنسانية والأخلاق ..

فرض احترامه قبل محبته على كل من عرفه ..

ولا أدعي معرفتي الشاملة به ..

لكنني عرفت فيه ما يلزمني بمحبته واحترامه ..

والترحم عليه ما حييت ..

أسامة

يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا

صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا

2_471137_1_209.jpg

حسبنا الله ونعم الوكيل

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...