موسكو تكشف عن وثائق خطيرة الصراع العربي ‏الاسرائ

[Mohammad Abouzied]

موسكو تكشف عن وثائق خطيرة بشأن الصراع العربي ‏ ‏الاسرائيلي‏ (2003-07-03 02:00)

صدر في العاصمة الروسية أخيرا كتاب فريد من نوعه تحت ‏ ‏عنوان (الصراع في الشرق الأوسط من عام 1947 حتى 1967) يكشف من خلال وثائق تاريخية ‏ ‏وسياسية تطور السياسة السوفيتية في المنطقة وخفايا الصراع العربي الاسرائيلي

ويحتوي المؤلف الذي صدر في مجلدين بواقع 1300 صفحة على 642 وثيقة من سكرتارية ‏ ‏وزراء الخارجية السوفيت ونوابهم ووثائق السفارات السوفيتية في مصر واسرائيل ‏ ‏وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن والممثلية السوفياتية في الأمم المتحدة اضافة إلى ‏ ‏رسائل تم تبادلها بالتلغراف

وتكمن قيمة هذا المؤلف الذي وضعته مجموعة من المستشرقين الروس برئاسة ‏ ‏البروفيسور فياتشيسلاف ناؤومكين في كونه يضم كمية كبيرة من الوثائق التي تنشر ‏ ‏للمرة الأولى وقدر هائل من المعلومات والتفاصيل الدقيقة لاكثر الاتصالات ‏ ‏الديبلوماسية سرية ويعتبر مادة ذات قيمة ليس فقط من الناحية التاريخية بل ‏ ‏ولمعالجة قضايا المنطقة الحالية

ويأتي هذا الكتاب الذي ينضح بمئات الوثائق بمثابة مرجع لا غنى عنه للسياسيين ‏ ‏والمؤرخين والباحثين فى مجال العلاقات العربية الروسية والاسرائيلية الروسية ‏ ‏والسياسة السوفيتية فى الشرق الاوسط

ويسلط الكتاب الضوء على السياسة الخارجية السوفيتية منذ اتخاذ الجمعية ‏ ‏العمومية للأمم المتحدة لقرار تقسيم فلسطين في عام 1947 وحتى نهاية عام 1967 ‏ ‏وعلاقات موسكو سواء مع دول المنطقة والدول الغربية

ويكشف الكتاب النقاب عن الوثائق التي نقلت بصورة حرفية عن المباحثات التي ‏ ‏أجراها الدبلوماسيون السوفيت مع نظرائهم العرب والاسرائيليين في الأمم المتحدة ‏ ‏والخاصة بقرار التقسيم وتحديد وضع القدس

ويميط الكتاب اللثام كذلك عن التقارير السرية التي بعث بها الدبلوماسيون الروس ‏ ‏وتضمنت تقييماتهم للمباحثات مع الجانب العربي ‏وتضمن الكتاب على سبيل المثال عرضا لوثيقة أعدها قسم الشرق الأوسط في ‏ ‏وزارة الخارجية السوفيتية في سبتمبر عام 1949 جاء فيها أن العدوان العربي في ‏ ‏فلسطين الذي حرضت عليه الامبريالية البريطانية كشف عن العجز العسكري للدول ‏ ‏العربية وعمق من حجم الخلافات في المعسكر العربي وقلل من مكانة لندن في المنطقة

وقد جاء هذا التقييم في الوقت الذي كانت تراهن فيه موسكو على إقامة أول ‏ ‏دولة اشتراكية في المنطقة من خلال اسرائيل

وفي تقرير آخر أعده النائب الأول لوزير الخارجية السوفيتي أندريه جروميكو عن ‏ ‏نتائج لقائه مع مبعوث سوري يدعى فريد زين الدين في أكتوبر من عام 1949 يقول ‏ ‏جروميكو : انني نقلت لعلم المبعوث السوري أن الاتحاد السوفيتي لم يساهم في خلق ‏ ‏مشكلة اللاجئين العرب بل تتحمل المسؤولية الدول الأخرى التي اشعلت حربا مسلحة في ‏ ‏فلسطين

ولكن سرعان ما تغير موقف الاتحاد السوفيتي من اسرائيل بعد ما أدرك الأهداف ‏ ‏الحقيقية من وراء اقامة الكيان الصهيوني الأمر الذي انعكس في مذكرة شديدة اللهجة ‏ ‏أرسلتها الحكومة السوفيتية الى حكومة اسرائيل في فبراير عام 1953 ترفض فيها ‏ ‏اعتذار الجانب الاسرائيلي عن حادث الهجوم الذي تعرض له المبعوث السوفيتي في ‏ ‏اسرائيل قسطنطين يرشوف وتعلن عن تجميد العلاقات مع الحكومة الاسرائيلية

وقدم الكتاب عرضا للتقارير السرية التي تحدثت عن المباحثات التي أجراها جمال ‏ ‏عبدالناصر أثناء توليه منصب رئاسة الوزراء في مصر مع المسؤولين السوفييت للحصول ‏ ‏على أسلحة سوفيتية

وتضمن الكتاب عرضا للوثائق حول المباحثات التي أجراها الجانب السوفيتي مع ‏ ‏المسؤولين العرب والتي تضمنت الكثير من المسائل الحساسة حول العلاقات العربية ‏ ‏العربية ومتابعة الأوضاع في الدول العربية نفسها

وتبين الوثائق المتعلقة بالعلاقات السوفيتية الاسرائيلية وبخاصة ‏ ‏الرسائل واللقاءات بين ممثلي البلدين أن تل أبيب تبنت منذ نشأتها سياسة التحريض ‏ ‏ضد الدول العربية وبخاصة مصر وسوريا على مختلف المستويات

وثمة مجموعة أخرى من الوثائق التي تدل بلا غموض على التحريض الذي مارسه وزير ‏ ‏الخارجية الأمريكي جورج دالاس ضد تزويد مصر بالسلاح السوفيتي عام 1955

وكشف تقرير أعده وزير الخارجية السوفيتي فياتشيسلاف مولوتوف عن أن دالاس أكد ‏ ‏له في لقاء جمعهما على أن سمعة الاتحاد السوفيتي في أمريكا مرتبطة بموقف موسكو من ‏ ‏اسرائيل وان واشنطن لن تستطيع منع اسرائيل من شن حرب وقائية اذا استمرت صفقات ‏ ‏الأسلحة لمصر

ويقول مولوتوف في التقرير ذاته ان دالاس مارس ضغطا على الجانب السوفيتي لايقاف ‏ ‏تزويد مصر بالسلاح والحيلولة دون تزويد سوريا والمملكة العربية السعودية بأي ‏ ‏صفقات أسلحة

ويبدو من وثيقة البرقية التي تضمنها الكتاب والتي أرسلها السفير السوفيتي في ‏ ‏مصر ايجور كيسليوف الى وزير الخارجية السوفيتي في 14 ابريل 1956 أن الرئيس جمال ‏ ‏عبد الناصر كان يرى امكانية للتوصل الى تسوية سياسية مع اسرائيل على أساس قرار ‏ ‏التقسيم وخطة المبعوث الدولي برنادوت المعروفة لكنه أعرب عن مخاوفه من أن اسرائيل ‏ ‏تحولت بالنسبة لجميع العرب الى مصدر للتهديد والضغوط وتشير البرقية ذاتها الى توسط عبدالناصر لتنظيم لقاء بين السفير السعودي ‏ ‏في مصر في ذلك الوقت يوسف ياسين مع السفير السوفيتي

وكشف الكتاب النقاب عن مجموعة ثالثة من الوثائق الخاصة بالاتصالات الدبلوماسية ‏ ‏التي قامت بها الحكومة البريطانية مع موسكو قبيل العدوان الثلاثي على مصر في ‏ ‏محاولة لاقناع القيادة السوفيتية بأهمية قناة السويس بالنسبة لبريطانيا

وفي برقية أرسلها وزير الخارجية السوفيتي دميتري شيبيلوف للرئيس جمال ‏ ‏عبدالناصر عبر السفير السوفيتي في مصر في 10 أغسطس 1956 تضمنت تحذيرا مباشرا من ‏ ‏امكانية التعرض لحياة ناصر ومحاولة إزاحته عن السلطة بالقوة من قبل قوى امبريالية ‏ ‏عميلة ونصحته بعدم التوجه الى لندن للمشاركة فى مؤتمر دولى حول قناة السويس

وفي برقية أرسلها النائب الأول لوزير الخارجية السوفيتي أندريه ‏ ‏جروميكو للرئيس عبدالناصر في 9 نوفمبر عام 1956 حث السوفيت الجانب المصري على ‏ ‏الدعوة لتشكيل محكمة دولية لمحاكمة المسؤولين عن العدوان الثلاثي الذي تعرضت له ‏ ‏مصر في العام ذاته

ويضم الكتاب وثائق تتعلق بالأحداث التي عصفت بالأردن عام 1957 وما رافقها من ‏ ‏تحركات واتصالات دبلوماسية شملت مصر واسرائيل وسوريا وبريطانيا

وتكتسب التقارير الدورية التي كانت تصل الى وزارة الخارجية ‏ ‏السوفيتية من سفاراتها في الدول العربية أهمية خاصة حيث تتضمن في بعض الأحيان معلومات ‏ ‏وتفاصيل دقيقة قد لاتكون معروفة حتى بالنسبة للنخبة السياسية في تلك الدول نفسها ‏ ‏من جهة وتظهر في الوقت نفسه مدى نشاط الدبلوماسية السوفيتية وصلاتها في العواصم ‏ ‏العربية

وكشف الكتاب كذلك النقاب عن مجموعة الوثائق المتصلة بالمباحثات التي أجرتها ‏ ‏وزيرة الخارجية الاسرائيلية جولدا مائير مع المسؤولين السوفيت وتظهر مدى الصلف ‏ ‏والابتزاز الذي تميزت به الدبلوماسية الاسرائيلية في ذلك الحين والذي لا يزال ‏ ‏مستمرا حتى الآن

من جهة أخرى تلقي الوثائق الضوء على المحاولات المستمرة للتوصل الى تسوية ‏ ‏سياسية بين العرب واسرائيل والتي شاركت فيها بنشاط جميع عواصم المنطقة بما في ذلك ‏ ‏القاهرة ودمشق والتي لا تتناول الاطار الهام بل ودخلت في الكثير من الأحيان في ‏ ‏التفاصيل

وفي الوقت نفسه أظهرت الوثائق ذاتها سعي موسكو بالرغم من التنافس والمجابهة مع ‏ ‏الغرب الى تجنب حدوث مجابهة مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب النزاع في الشرق ‏ ‏الأوسط

ويستشف من الوثائق أن موسكو كانت تقبل بتردد تزويد الدول العربية وبخاصة مصر ‏ ‏وسوريا بأسلحة نوعية جديدة آخذة في عين الاعتبار الاستفزازات والتهديدات المستمرة ‏ ‏من قبل واشنطن وتل أبيب التي تنظر الى هذه الامدادات كتحريض للعرب على العدوان ضد ‏ ‏اسرائيل

ونسبت وثيقة أخرى أعدتها وزارة الخارجية السوفيتية في 13 مايو 1967 ‏ ‏الى رئيس مجلس الشعب في ذلك الحين أنور السادات قوله خلال لقاء مع وزير ‏ ‏الخارجية أندريه جروميكو ان السوريين يطلقون العنان للتصريحات ضد اسرائيل مضيفا ‏ ‏انه على من يريد أن يدمر اسرائيل ألا يكثر الكلام بل الأفعال‏ وشكا السادات من أن السوريين الذين طلبوا استخدام الطائرات المصرية ضد اسرائيل ‏ ‏يخشون من مرابطة الطائرات المصرية في الاراضي السورية نفسها

وفي محاولة منه لتجنب وقوع حرب في المنطقة دعا الرئيس عبدالناصر خلال لقاء ‏ ‏عقده في مايو 1967 مع السفير السوفيتي القيادة السوفيتية الى اصدار تحذير شديد ‏ ‏اللهجة مشابه للتحذير الذي صدر في عام 1956 بحيث يكون موجها بالدرجة الأولى ‏ ‏للولايات المتحدة الأمريكية التي اتهمها ناصر بأنها تحاول فرض الهيمنة على ‏ ‏العرب

ووفقا لوثيقة سوفيتية تعود الى الأول من يونيو 1967 انضم ناصر الى القيادة ‏ ‏السورية في الطلب من موسكو رفض استقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي ليفي اشكول لأن ‏ ‏من شأن هذه الزيارة أن تثير عدم ارتياح في العواصم العربية

وتظهر الوثيقة ذاتها أن الادارة الأمريكية طلبت من الرئيس ناصر ارسال وزير ‏ ‏الدفاع المشير عبد الحكيم عامر الى واشنطن من أجل اجراء مباحثات سرية مع ‏ ‏الأمريكيين على هامش أعمال الأمم المتحدة

ومن الملفت للنظر أن الاقتراح الأمريكي جاء قبل ستة أيام فقط من حرب الأيام ‏ ‏الستة التي شنتها اسرائيل ضد الدول العربية‏ وتظهر الوثائق أن جميع اللقاءات التي أجراها الرئيس ناصر وكذلك اتصالاته ‏ ‏الدبلوماسية كانت بعيدة كل البعد عن التطرف والرغبة في شن الحرب وكانت تهدف الى ‏ ‏توحيد الجهود للحيلولة دون وقوع الحرب التي شكلت كارثة بالنسبة للدول العربية