أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 يناير 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 يناير 2004 (معدل) التخطيط العمراني لمدينة القدس واثر قبة الصخرة على المدن الايطالية في القرون الوسطى وعصر النهظة قبة الصخرة للهوية المعمارية للديانات السماوية الثلاث الدكتور بديع العابد فهرست: 1 المقدمـــــة 2 الأهداف والمنهجية 3 الأسس الدينية لتأثير القدس على المدن الإيطالية 4 التخطيط العمراني للقدس 5 الأسس العمرانية والمعمارية لتأثير القدس الأرضية على المدن الإيطالية 6 تأثير القدس على المدن الإيطالية في عصر النهضة 7 خاتمة 8 الهوامش مقدمة ارتبطت إيطاليا ارتباطا وثيقا بفلسطين، فالبحر المتوسط كان في عرف القدماء بحرا مغلقا، تتنازع السيطرة عليه دول الجنوب تارة، ودول الشمال تارة أخرى. وقبل ظهور الديانة المسيحية كانت فلسطين خاضعة لسلطة روما السياسية، وبقيت كذلك إلى أن تحررت على يد المسلمين سنة 636م (15هـ). فكان التواصل بجميع أشكاله قائما بين المركز روما والطرف فلسطين. وهذا الاتصال يسر انتقال المسيحية منذ نشأتها إلى روما، حيث انتقل "الرسول" بطرس Peter إليها وبدأ بتأسيس الكنيسة بها. ومع هذا الانتقال بدأ مركز المسيحية يتحول شيئا فشيئا من القدس إلى روما. حيث اكتسبت بداية صفتها المؤسسية بعد مؤتمر نيقية(1) سنة 325م، فأصبحت روما مع مرور الوقت مركز السلطة الدينية المسيحية في العالم. ولم يبق للقدس إلا مكانتها الروحية، التي لم تستطع روما والفاتيكان فيما بعد نزعها عن القدس، وذلك لسببين: أولهما أن القدس هي موطن المسيح ومركز دعوته، وثانيهما أن المسيح صلب ودفن بها وقام منها في العرف المسيحي، مما جعلها قبلة أنظار المسيحيين. وبزوال الخطر اليهودي من القدس، وتمكن المسيحية (الكنائس الشرقية) من تأكيد حضورها في المدينة والسيطرة على كنيسة القيامة، تحولت أنظار روما والفاتيكان إلى القدس مرة أخرى للسيطرة على كنسية القيامة، أو على الأقل مشاركة الكنائس الشرقية في إدارة الكنيسة، وباقي الأماكن المسيحية المقدسة في المدينة. فكانت الحروب الصليبية، واحتلت القدس سنة 1099م. وسيطر الفاتيكان على كنيسة القيامة وانفرد بإدارتها. وحول الصليبيون المسجد الأقصى إلى سكن لجنودهم، الذي عرفوا "بفرسان الهيكل". كما حول الصليبيون قبة الصخرة إلى كنيسة، وأطلقوا عليها اسم هيكل سليمان Solomon Temple أو Templum Salomonis أو Templum Domini . والواقع أن هذه التسمية الخاطئة، أي تسمية قبة الصخرة بالهيكل(2) المزعوم تعود إلى القرن التاسع الميلادي، أي قبل الاحتلال الصليبي، وذلك من قبل بعض الحجاج المسيحيين، كما سيتضح لنا لاحقا في هذا البحث. وبقيت سيطرة الصليبيين على القدس حتى سنة 1187م، حيث حررها صلاح الدين، وطهر الحرم الشريف ورفع الصليب عن قبة الصخرة، وأعاد للقدس هويتها العربية الإسلامية، وغادر البطريرك الكاثوليكي القدس، وعاد البطريرك الأرثوذكسي ليتولى إدارة كنيسة القيامة مع باقي الكنائس الشرقية. في هذه الفترة الزمنية، وتحديدا منذ تأسيس الكنيسة وحتى تحرير القدس، تنازع الخيال أو الوعي المسيحي مفهومين(3) للقدس: أحدهما سماوي والآخر دنيوي، وعرفت القدس فيهما بالقدس السماوية والقدس الأرضية (الحقيقية). كان المفهوم الأول نتاج رؤى دينية(4)، أما الآخر فكان أمرا واقعا ملموسا، ممثلا بعناصر حضرية: مبان وطرق وأسوار وإدارة، وكذلك بنسيج عمراني يحوي المباني السكنية والتجارية والإدارية والدينية … الخ. فالقدس الأرضية كانت في العرف المسيحي واقعا يعاش، أما القدس السماوية فهي رؤيا وتصور غير محددة العناصر الحضرية والعمرانية والمعمارية. بل ترك هذا التحديد لرجال الدين وللمصورين والمعماريين. وكانت تصوراتهم في الأعم الأغلب خاضعة للتخطيط العمراني للقدس الأرضية ومتأثرة به. فكانت مصدر إلهام للمعماريين والمصورين الإيطاليين بصفة خاصة والأوروبيين بصفة عامة، وذلك في الفترة الواقعة في نهاية القرون الوسطى (476م- 1453م) وعصر النهضة (القرن 14-16م). ولما كانت القدس الأرضية (في العرف المسيحي) مدينة عربية إسلامية، لها هويتها المعمارية العربية الإسلامية، المميزة بقبة الصخرة والمسجد الأقصى. ولما كانت قبة الصخرة بشخصيتها البصرية، العنصر الأكثر حضورا في النسيج العمراني للمدينة، وهي العنصر الذي ادعى الحجاج المسيحيون خطأ بأنه الهيكل المزعوم في القرن التاسع الميلادي، وهي نفس العنصر الذي حوله الصليبيون إلى كنيسة وسموه "هيكل سليمان"، كما أسلفت. فلم يخل تصور معماري أو فني لمدينة القدس من سيطرة قبة الصخرة عليه. كما سيطرت قبة الصخرة إما بشكلها المعماري أو بموضعتها الحضرية وشخصيتها البصرية على معظم التخطيط العمراني للمدن الإيطالية وهذا ما سأعرض له في هذا البحث. ............................................................. الأهداف والمنهجية يهدف هذا البحث إلى بيان تأثير التخطيط العمراني للقدس على المدن الإيطالية، ولتأثير قبة الصخرة على النسيج المعماري للمدن الإيطالية في العصور الوسطى وعصر النهضة. ولتحقيق ذلك سيعرض البحث للأسس الدينية والعمرانية التي جعلت مدينة القدس تؤثر على المدن الإيطالية.وسيعرض البحث، في الأسس الدينية، لمكانة القدس في الديانات السماوية الثلاث، ويبين الارتباط الروحي لكل ديانة بها. كما سيبين البحث كيف أثر هذا الارتباط على التخطيط العمراني للمدينة وهويتها المعمارية سلبا أو إيجابا. كما سيعرض البحث لمفهومي القدس السماوية والأرضية في الديانات: اليهودية، المسيحية والإسلامية. وسيبين البحث أن مفهوم القدس السماوية مفهوم غيبي وأمره بيد الله عز وجل، وهو خاص بالديانتين اليهودية والمسيحية. وأما مفهوم القدس الأرضية فهو إنتاج بشري مر بمراحل تاريخية متعددة حسمته الحضارة العربية الإسلامية لصالحها وأسبغت عليه هوية معمارية عربية إسلامية. ثم يبين البحث كيف فرض المفهوم الأرضي للقدس حضوره على المفهوم السماوي وذلك من خلال توظيف قبة الصخرة باعتبارها الهيكل المزعوم في التصورات التي وضعت للقدس السماوية. ثم يبين البحث كيف شاع خطأً في الأوساط المسيحية الغربية اعتبار قبة الصخرة الهيكل المزعوم. ثم يحاول البحث التعرف على التخطيط العمراني للقدس الأرضية، وذلك من خلال استعراض تاريخ المدينة منذ نشأتها سنة 3000 ق. م وحتى القرن 16م وهذا يتزامن مع عصر النهضة. وسيقسم البحث هذه الفترة الزمنية إلى أربعة مراحل، تغطي المرحلة الأولى نشأة المدينة والمعروفة بيبوس أو سالم وتمتد من سنة 3000 ق.م وحتى الاحتلال اليهودي لها حوالي سنة 993 ق.م. وتعرض المرحلة الثانية للوجود اليهودي في يبوس والممتد من سنة (993 ق.م – 70م)، والتي غيروا اسمها إلى مدينة داود ثم إلى أورشليم، كما تعرض إلى الوجود اليوناني البطلمي والسلوقي ضمن هذه المرحلة. أما المرحلة الثالثة فتعرض إلى الوجود الروماني إلى جانب الوجود المسيحي من سنة (70م- 636م). حيث يبين البحث أنه في هذه المرحلة تم أول تخطيط عمراني للمدينة سنة 135م، وغير اسمها إلى إيليا كابتولينا Aelia Capitolina ، كما يبين البحث أن هذه المرحلة أرست أسس التخطيط العمراني للقدس الأرضية. ثم يعرض البحث للمرحلة الرابعة وهي المرحلة العربية الإسلامية الممتدة من سنة (636م- الآن)، ويعرض من خلالها لدور العهدة العمرية في حفظ النسيج المعماري والتركيبة السكانية لإيليا كابتولينا والتي أصبح اسمها بيت المقدس. كما يوضح البحث كيف تم إعادة تشكيل النسيج المعماري للمدينة بحيث أصبحت القدس الأرضية، منتج عربي إسلامي، ذات هوية معمارية عربية إسلامية، ومصدرا لإلهام المعماريين والفنانين الإيطاليين والأوروبيين في استلهام عناصرها المعمارية، خاصة قبة الصخرة، في وضع تصورات القدس السماوية والتي سيعرض لها البحث من مصادرها الدينية والفنية. ثم يبين البحث مفاهيم التخطيط العمراني للقدس الأرضية وعناصره الرئيسية، وليست التفصيلية، التي تأثرت بها المدن الإيطالية، وسيعتمد البحث في التعرف على هذه المفاهيم من خلال المصادر الدينية والتاريخية والفنية والمعمارية ويقابلها ما أمكن بالتنقيبات الآثارية. ثم ينتقل البحث ليعرض للأسس العمرانية والمعمارية للقدس الأرضية التي أثرت على المدن الإيطالية في العصور الوسطى، وكيف تأثرت هذه المدن عمرانيا وبيئيا بالقدس، لدرجة أن معظم المدن الإيطالية ادعت أنها القدس الجديدة. ثم يوضح البحث كيف عزز هذا التأثر تبني المدن الإيطالية للشكل المعماري لقبة الصخرة باعتبارها الهيكل المزعوم في نسيجها المعماري. ثم يبين البحث كيف أخذ هذا التأثر بعدا نظريا وتطبيقيا وفنيا أكبر في عصر النهضة، ويوضح كيف أصبحت العناصر المعمارية والعمرانية أكثر وضوحا في التخطيط العمراني والنسيج المعماري وكذلك في الأدب المعماري لعصر النهضة. ثم يبين البحث كيف تبنى يهود البندقية في إيطاليا هذا الخطأ الشائع، أي اعتبار قبة الصخرة هي الهيكل المزعوم، وكيف وظفوه لخدمة أغراضهم الدينية والسياسية المستقبلية. ثم يخلص البحث إلى أن الصراع الحضاري على القدس حسم لصالح الحضارة العربية الإسلامية، وأن هويتها المعمارية العربية الإسلامية ممثلة بقبة الصخرة قد فرضت نفسها على الديانتين اليهودية والمسيحية. وسأعرض فيما يلي للأسس الدينية لمدينة القدس التي أثرت على المدن الإيطالية مبتدئا بمكانة مدينة القدس في الديانات السماوية الثلاث وأثرها على هويتها المعمارية ثم استعرض مراحل تخطيطها العمراني. تم تعديل 24 يناير 2004 بواسطة أسامة الكباريتي يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 يناير 2004 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 يناير 2004 الأسس الدينية لتأثير القدس على المدن الإيطالية 1- مكانة القدس الدينية وأثره على هويتها المعمارية القدس هي المدينة اليبوسية الكنعانية العربية التي شيدت حوالي سنة 3000ق.م. وتعاقبت عليها ديانات سماوية ثلاث، وهي: اليهودية حوالي (993ق.م- 70م) منها 73 سنة كحضور سياسي، ممثلا بحكم النبيين داود وسليمان، وباقي المدة عبارة عن حضور شعائري بشري ضمن التركيبة السكانية للمدينة التي شملت السكان الأصليين وهم اليبوسيون العرب والبابليون (حيث أخليث المدينة من اليهود طوال فترة الاحتلال البابلي 586ق.م- 539ق.م) واليونانيون والرومان. والمسيحية (القرن الأول الميلادي وحتى سنة 636م) حظيت في القرون الثلاث الأخيرة منها باعتراف سياسي من البيزنطيين، وتواصل حظورها حتى الآن كما سأبين لاحقا. والإسلام (636- حتى الآن)، حيث حسم الصراع الحضاري على المدينة وكل فلسطين لصالح الحضارة العربية الإسلامية، على الرغم من اعتراف الإسلام بالحضور المسيحي في المدينة ومشاركتهم الفعلية في إدارة شؤونها، وعلى الرغم من الاحتلال الصليبي لها (1099-1187م)، والاحتلال اليهودي لها منذ سنة(1967م – الآن) وعلى الرغم من كل محاولات اليهود تغيير تخطيطها العمراني، وتحجيم الحضور العربي والإسلامي بها. فالقدس إذن لها مكانة مركزية في الديانات السماوية الثلاث، وكما هو معروف فإن المدينة اكتسبت هويتها المعمارية من هويتها الدينية، فالمباني الدينية هي الأكثر دلالة والأقوى حضورا في النسيج المعماري لأي مدينة، ولما كانت القدس مركزا دينيا، فإن مبانيها الدينية هي الأقوى تعبيرا عن هويتها المعمارية، والتي سأحددها من خلال تعاقب الديانات السماوية الثلاث عليها مبتدئا باليهودية. وسأبين فيما يلي من عرض وتحليل أن المركزية اليهودية مزعومة ومدعاة، وأنها حاجة نفسية وليس ضرورة دينية، على النقيض من المسيحية والإسلام. اليهودية إن الوجود اليهودي في القدس حصل بعد حوالي خمسة قرون من نشأة الديانة اليهودية في التيه. فبناء الهيكل المزعوم تم حسب الزعم اليهودي، في عهد النبي سليمان، وبعد 480 سنة من خروج اليهود من مصر (ملوك أول 6: 1). ولقد فندنا الإدعاء اليهودي بوجود الهيكل المزعوم، بالبراهين الهندسية والأدلة المنطقية في بحثنا الموسوم(5): بالهوية المعمارية وأثرها في تحديد الهوية السياسية لمدينة القدس- قبة الصخرة أم الهيكل المزعوم، وبينت أنه حاجة نفسية أكثر منه ضرورة دينية، أضف إلى ذلك أن القدس لم يرد ذكرها في التوراة أي الأسفار الخمسة التي نزلت على النبي موسى، وهي الخاصة بسن الشريعة وطقوس العبادة اليهودية. وإنما ورد متأخرا في أسفار(6) الأنبياء والأسفار التاريخية المتأخرة. فلو كان للقدس مكانة حقيقية في الدين اليهودي لورد ذكرها في الأسفار الخمسة الأولى (التوراة)، وليس في الأسفار المتأخرة والموضوعة، أي غير المنزلة من الله عز وجل. والقارئ للمزامير الخاصة بالقدس يخلص إلى أن مكانة القدس عند اليهود عاطفية وليست دينية. كما أن جميع التنقيبات الآثارية والتي بدأت سنة 1838م وحتى وقتنا الحاضر، لم تسفر عن اكتشاف أي دليل مادي مقنع يدل على الوجود اليهودي في القدس. استنادا إلى ما سبق فإن الوجود اليهودي في القدس لم ينشأ عنه لا مبان دينية، ولا حتى مبان عامة أو سكنية، يمكن من خلالها تحديد هوية معمارية ووصفها باليهودية. وحتى لو افترضنا جدلا وجود الهيكل المزعوم، فهو بحد ذاته لا يشكل هوية معمارية، لأن اقتصار الديانة اليهودية على مبنى عبادة واحد لا يشكل حضورا مميزا في النسيج المعماري للمدينة. كما أن اليهود لم يكونوا العنصر البشري الوحيد الذي يسكن في المدينة بل كان يسكنها العرب اليبوسيون، وسكنها اليونانيون والرومانيون، كما أن اليهود لم يأثروا على هاتين الثقافتين بل تأثروا بهما. وعليه فإن الوجود اليهودي كان وجودا عابرا لم يخلف أي آثار معمارية أو مادية، والسبب في ذلك هو أن اليهود لم يكونوا أصحاب صنائع، ناهيك عن أن تكوينهم النفسي القلق، لا يساعدهم على الاستقرار ومن ثم على الإنتاج. فبقي ارتباطهم بالقدس عاطفيا إلى أن استطاعوا أن يقحموا أنفسهم في قدسية المدينة من خلال تبني الديانة المسيحية للتوراة اليهودية وباقي أسفار العهد القديم. فالمسيحية إذن هي التي وفرت لهم ارتباط ديني في القدس، فقوت الارتباط العاطفي بها إلى أن تمكنوا من تحويل الارتباط العاطفي إلى ارتباط مادي، بمساعدة المسيحية البروتستنتينية كما سأبين في عرضي للمسيحية والتي ستكون موضوعنا التالي. المسيحية نشأت الديانة المسيحية في بداية القرن الأول الميلادي، وفي الوسط اليهودي الذي لم يتقبل الديانة الجديدة فاضطهدوا المسيح عليه السلام وصلبوه في مدينة القدس. وكان من جملة من اعتنق المسيحية الحواريين الاثنى عشر (الرسل)، ولقد أخذ الحواريون على عاتقهم نشر الدين المسيحي خارج القدس وفلسطين نتيجة لاضطهادهم وملاحقتهم، وكان ينظر للمسيحية في بدايتها على أنها حركة إصلاح(7) يهودية وليست ديانة جديدة. وبقيت المسيحية غير معترف بها، واتباعها مطاردون، إلى أن اعتنق الإمبراطور الروماني قسطنطين (280-337م) المسيحية في سنة 306م، وبنى أول كنيسة في القدس، وهي كنيسة القيامة سنة 326م. وبهذا اكتسبت المسيحية أول اعتراف سياسي بها، وأصبحت القدس مركزا للمسيحية إلى جانب المراكز المسيحية التي تأسست في روما وإنطاكية والإسكندرية. وبعد الخلافات التي حصلت في مؤتمر نيقيه سنة 325م حول طبيعة المسيح، انقسمت الكنيسة إلى قسمين رئيسيين هما الكنسية الغربية الكاثوليكية ومركزها روما، والكنيسة الشرقية الأرثذوكسية التي تعددت مراكزها في الشرق. ثم انشق عن الكاثوليكية كنيسة جديدة في بداية القرن السادس عشر، حيث عرفت بالكنيسة البروتستنتينية. بعد الانقسام الأول في الكنيسة بدأ البحث في صحة الأناجيل وفي قانونية الكتب اليهودية التي استشهد ببعضها المسيح. فتم الاتفاق على أربعة أناجيل(8) هي: انجيل مرقس وانجيل لوقا، ثم انجيل متى وأخيرا انجيل يوحنا، وأهملت باقي الاناجيل(9) كإنجيل الناصرين وأنجيل الأبيونيين، وانجيل العبرانيين، وانجيل المصريين وانجيل بطرس وانجيل برنابا وغيرها. وبعد الاتفاق على الأناجيل والأسفار كسفر الرسل، وسفر يوحنا اللاهوتي ورسائل الرسول بولس وغيرها تم جمعها وتسميتها بالعهد الجديد والذي يتكون من 27 سفرا. وأضافوا العهد الجديد إلى العهد القديم. والذي يتكون من التوراة الأسفار الخمسة الأولى التي نزلت على موسى، وأسفار الأنبياء وبعض الأسفار التاريخية اليهودية. والعهد القديم يتكون من 46 سفرا في الكنيستين الكاثوليكية والأرثذوكسية. أما البروتستنتينية فقد اختصرته إلى 39 سفرا كما هو الحال في الديانة اليهودية. تعاملت الكنيستين الكاثوليكية والأرثذوكسية مع العهد القديم كرموز وليس كطقوس وممارسات. أما البروتستنتينية فقد تبنت(10) معظم كنائسها المزاعم والدعاوى اليهودية، وخاصة دعاواهم في القدس التي فشلوا في جعل الكنيستين الكاثوليكية والأرثذوكسية تتبناها، وإن كانوا قد حققوا بعض الاختراقات فيهما أهمها: إقحام صلاة دمار القدس(11) في الكنيستين وخصصوا لها يوم في السنة، سموه أحد دمار القدس Destruction of Jerusalem Sunday في القرن الرابع الميلادي في بعض الكنائس الغربية، وبحلول القرن الحادي عشر كانت جميع الكنائس الغربية، واتباعها في الشرق، يقيمون هذه الصلاة. واللافت للنظر أن القدس كانت مدينة عامرة وتحت السيطرة المسيحية، وبقي المسيحيون يحكمونها إلى أن حررها العرب المسلمون سنة 636م من البيزنطيين، حيث استمر الحضور المسيحي في المدينة (باعتراف إسلامي كما سأبين لاحقا) يمارس كامل حريته الدينية ومشاركا في إدارة المدينة. فكيف كان المسيحيون يصلون على دمار مدينة عامرة هم يسكونها وكانوا يحكموها، حتى القرن السابع الميلادي!؟ ثم شاركوا في إدارتها وما زالوا!؟ كما أن مثل هذا المفهوم، حتى لو كان رمزا، أي تصوير القدس وكأنها مدينة مدمرة ومهجورة (لم يسكنها المسيحيون العرب ويحكمها المسيحيون البيزنطيون) ولم يمارسوا حريتهم الدينية ويشاركوا في إدارتها بعد أن حررها العرب المسلمون سنة 636م، يتكرر في صلاة السحر(12) حيث يقرؤون من سفر (إشعيا 45: 8) ثم يرددون بعد القراءة: "سيشرق الرب عليك يا أورشليم". ويتكرر هذا المفهوم أيضا في صلاة الغروب(13) الثانية، إذ يقرؤون المزمور 109: "… بسط الرب سلطانك من أورشليم…". هذا الحضور اليهودي في المسيحية لم يقتصر على ما سبق فحسب بل تجاوز ذلك، إلى درجة أن الكنيسة في إنكلترا خصصت سنة 1188م (بعد تحرير المسلمين للقدس بعام) طقوسا جديدة للعبادة، حيث وجدوا أن الطقوس القديمة لم تكن مقنعة في تحديد مواقفهم من القدس ومن المسلمين. فابتدعت الكنيسة طقسا جديدا أسمته (14) The Clamor Pro Terra Sancta ، يتكون من برنامج أسبوعي "لتحرير القدس". والمرجح أن ممارسته بدأت في إنكلترا بكنيسة Westminster Abbey ، يقرؤون فيه مزمورا كل يوم على مدى أسبوع. وعمت ممارسة هذا الطقس دول أوروبا حيث ظل سائدا وممارسا حتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي. فقراءة المزامير توضح مدى الحضور اليهودي في المسيحية. هذا الحضور اليهودي في المسيحية لم يقتصر على الصلاة، بل تجاوز ذلك إلى الزعم بأن قبة الصخرة هي الهيكل المزعوم(15). حيث باشر اليهود بزراعة هذه الأكذوبة في الوعي المسيحي، ابتداء من القرن التاسع الميلادي. وقد تعزز هذا الزعم بعد احتلال الصليبين للقدس سنة 1099م، وتحويلهم قبة الصخرة إلى كنيسة سموهاTemple Solomon أو Templum Domini وبقيت قبة الصخرة كنيسة (شكل-8أ) إلى أن حرر صلاح الدين القدس سنة 1187م، إلا أنها بقيت في الوعي المسيحي هيكل سليمان حتى نهاية عصر النهضة كما سأبين لاحقا. والحقيقة أن الحضور اليهودي في المسيحية أكبر من أن يحصر في هذا البحث، ولكن سأكتفي بالإشارة إلى دور الكنيسة البروتستنتينية التي فجرت الانطلاقة الكبرى "للمسيحية اليهودية"، "وأعادت الاعتبار لليهود، باعتبارهم هم الأصل وأبناء الرب"(16). وبنشاط المسيحية اليهودية ظهرت في بداية القرن التاسع عشر حركتان(17) دينيتان، انبثقتا من دراسة النبؤات في العهدين القديم والجديد، وكان محور اهتمامها هو التسريع بالمجيء الثاني للمسيح وهما: الحركة الألفية Millennialist والحركة الأخروية Eschatology. ولما كانت نبؤات حزقيال ودانيال ويوحنا اللاهوتي تنصبان على عودة اليهود إلى القدس، فالأولان حزقيال ودانيال يتنبأن بمجيء المسيح اليهودي المخلص، الذي سيقود اليهود ليحكموا العالم. والثاني، يوحنا اللاهوتي، يتنبأ بالمجيء الثاني للمسيح النصراني الذي سيحول العالم إلى المسيحية، وأولهم اليهود حيث تشترط النبؤة أن يكونوا موجودين في القدس وفلسطين قبل مجيئه ليبشر بينهم، وينصر منهم (144.000) شخص لينضموا إليه في "محاربة الشر القادم من الشرق في معركة هرمجدون (مجدو) (يوحنا اللاهوتي 4:7- 5،14: 1-2) حيث سينتصر المسيح ويحكم العالم ألف سنة والتي يسمونها بالألف السعيدة (يوحنا اللاهوتي 20: 2-7). والنبؤة تذكر أن يوحنا اللاهوتي لم ير في القدس النازلة من السماء هيكلا (يوحنا اللاهوتي 21: 22-23). واللافت للنظر أن النبؤتين تعطيان لليهود "دورا مركزيا في خطة الرب لنهاية العالم!؟".(18) إن ما يعنيني هنا هو أن المسيحية بتبنيها العهد القديم سواء على مستوى الرمز(19) كما هو الحال في الكاثوليكية والأرثوذكسية، أو بالاعتقاد كما هو الحال في البروتستنتينية قد عززت دعاوى اليهود في القدس وجعلت مكانتها في اليهودية مساوية لمكانتها في المسيحية على الرغم من زيف دعاوى اليهودية وعدم قدرتها على خلق هوية معمارية في القدس كما بينت سابقا. بقي أن أشير إلى أن مفهوم مجيء المسيح المخلص في اليهودية ونزول الهيكل مبنيا معه من السماء، وكذلك فكرة المجيء الثاني للمسيح النصراني، قد ولدا فكرة القدس السماوية والقدس الأرضية. حيث بدأ مفهوم القدس السماوية كنبؤة في سفر (يوحنا اللاهوتي 2: 1-26) ثم تطورت لتصبح مفهوما لاهوتيا وفلسفيا عند القديس اغسطين في مؤلفه مدينة الله(20)، ثم انتهت بمفهوم مادي. أما الفلسفي فهو كما يحدده أغسطين أن هناك مدينتان تكونها محبتان: محبة الذات لدرجة الاستخفاف بالله، ومحبة الله لدرجة ازدراء الذات. فالأولى أرضية والثانية سماوية، ومهمة الأولى حفظ الأمن والنظام، وتمهيد الطريق للمدينة السماوية وهي الكنيسة التي تتكون من الذين اختارهم الله للخلاص. ومن خلال وصف رؤيا يوحنا اللاهوتي، والمفهوم الفلسفي لأغسطين، اجتهد المعماريون والمخططون والنقاد والمؤرخون في وضع تصور مادي للمدينة السماوية، التي هي القدس السماوية. أما الأرضية فهي القدس الكائنة في فلسطين بأسوارها وشوارعها ومبانيها وتضاريسها، أي بنسيجها المعماري وعناصرها الحضرية. أما مجمل التصورات الحسية والمادية للقدس السماوية(21) فهي: مجاز أو رمز وليست نموذجا محددا، كما أنها ليست تصورا لوصف محدد. ويمكن تصورها "ككنيسة" أو "قصر" أو "مدينة" أو "بوابات السماء"، وقد تكون "مجموعات كنائس"، لكن في كل الأحوال ليست ذات صفات شكلية محددة، أي أنها ليست نموذجا لشيء محدد، وبتعبير آخر ليست طرازا. وهذا يخالف رؤية يوحنا اللاهوتي الذي وضع لها وصفا مجردا فحددها كمدينة مربعة، ارتفاعها مساو لطول ضلع مربعها ويبلغ 12000 غلوة، وطول سورها 144 ذراع إنسان. ولها اثني عشر أساسا، واثنى عشر بابا، ثلاثة في كل ضلع (شكل-7ج) ومكتوب عليها أسماء بني إسرائيل... لكنه لم يصف أو يحدد نسيج معماري للمدينة سوى أنه لم يرى هيكلا بها، كما ذكرت سابقا (يوحنا اللاهوتي 21: 9-36). واللافت للنظر أن هناك تناقضا بين طول محيط المدينة والبالغ (4×12000)= 48000غلوة، وبين طول سورها البالغ 144 ذراعا؟ كما أن هناك تناقضا آخر وهو ارتفاع المدينة والمقصود هو ارتفاع السور مساو لطول ضلعها والبالغ 12000 غلوة؟ وكذلك الأمر بالنسبة لعدد الأساسات والبالغ 12 أساسا؟ على أن ما يعنيني هنا ليس التناقضات بل أنه من فكرة القدس السماوية والقدس الأرضية تكونت فكرة المدينة المثالية(22) في القرون الوسطى خاصة (القرون 11-14) وعصر النهضة. وكان لتزاوج هذين المفهومين تأثير كبير على المدن الإيطالية في القرون الوسطى وعصر النهضة، ولما كانت القدس العربية الإسلامية، بتخطيطها العمراني ونسيجها المعماري وهويتها المعمارية العربية الإسلامية هي القدس الأرضية، فإن تأثيرها كان واضحا في المدن الإيطالية في القرون الوسطى وعصر النهضة، كما سأوضح لاحقا. وبهذا يتضح لنا أن مكانة القدس في المسيحية مرت في ثلاث مراحل: الأولى تمتد من بداية المسيحية وحتى اعتراف الإمبراطور قسطنطين بها سنة 306م، ولم يتمكن المسيحيون فيها من إحراز أي حضور في القدس، كما لم يتمكنوا من إحداث أي وجود مادي لهم بها. والمرحلة الثانية من سنة 306م وحتى سنة 636م عندما حررها العرب المسلمون، وقد استطاعت المسيحية تحقيق حضور سياسي وإحداث وجود مادي كثيف كان أهمه بناء كنيسة القيامة، ومجموعة أخرى من الكنائس، بحيث أصبح للقدس هوية معمارية مسيحية. وأما المرحلة الثالثة فتمتد من سنة 636م وحتى وقتنا الحالي، وفيها تحولت الهوية المعمارية من مسيحية إلى عربية إسلامية، دون المساس بالوجود المسيحي بشريا أو ماديا، فبقيت للقدس مكانتها الروحية في المسيحية، لكن انحسرت هويتها المعمارية المسيحية لتصبح عربية إسلامية، على الرغم من الاحتلال الصليبي لها (1099-1187م)، وعلى الرغم من احتلال اليهود لها من سنة (1967- الآن)، كما سنرى على مدار هذا البحث. لكن المسيحية ومن خلال قناعتها الدينية أولا، ومساعدتها السياسية والمادية لليهود ثانيا، وفرت لليهودية موطأ قدم في القدس خاصة وفلسطين عامة. أي أن المسيحية، خاصة المسيحية الصهيونية منها، عززت دعاوى اتباع اليهودية في القدس، بحجة خدمة دعاوى المسيحية الصهيونية الممثلة بالتسريع بالمجيء الثاني للمسيح كما بينت سابقا. كما أن مجمل دعاوى اليهودية والتبني المسيحي لها جعل للقدس مكانة مركزية جغرافية إضافة إلى مركزيتها الروحية، فالقدس هي مركز العالم جغرافيا ، كما صورها هنريك بونتنك Heinrich Bunting سنة 1581م. (شكل-1) فمكانة القدس في المسيحية إذن مكانة روحية وعاطفية، ذات وجود مادي، وحضور سياسي، مكنها من خلق هوية معمارية مسيحية في القدس، في الفترة (326-636م)، انحسرت بعدها لصالح الحضارة العربية الإسلامية، وانطوت تحت هويتها المعمارية العربية الإسلامية، والتي ستكون موضوعنا التالي. الإســـلام للقدس مكانة خاصة ومميزة في الإسلام، فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومكان عروجه إلى السماء حررها العرب المسلمون سنة 636م-15هـ، وحسموا الصراع الحضاري حولها لصالح الحضارة العربية الإسلامية. وتنوع النسيج المعماري في المدينة، فظهرت المساجد والمدارس والخانات والزوايا والتكايا والبيمارستانات والأضرحة والأسبلة والأسواق، وأصبحت الهوية المعمارية للمدينة هوية عربية إسلامية، على الرغم من الحضور العمراني المسيحي الممثل بالكنائس. وبقيت هذه الهوية مسيطرة على الرغم من الاحتلال الصليبي واليهودي، اللذان أشرت اليهما سابقا، والحضور المسيحي واليهودي المكثفين. فالأول ازداد نشاطا مع الإرساليات التبشيرية منذ منتصف القرن التاسع عشر، والذي حاول جاهدا تغيير الواقع المعماري للقدس ليضعف الهوية المعمارية العربية الإسلامية، حيث زاد عدد الكنائس الغربية في المدينة وتوزعت داخل نسيجها المعماري، وبولغ في حجمها وفي إظهار عناصرها المعمارية، فالإمبراطور الألماني وليم الثاني، صمم بنفسه برج كنيسة المخلص Redeemer أثناء زيارته للقدس سنة 1898م، وزاد في ارتفاعه(23) ليصبح أعلى بناء في المدينة، بالرغم من عدم تناسبه مع حجم الكنيسة. وكان الهدف من ذلك هو إظهارها معماريا وجعلها نقطة الاستقطاب البصري في المدينة بدلا من قبة الصخرة المشرفة. ولكن النتيجة كانت سلبية لانعدام النسب بين البرج والكنيسة الأمر الذي دفع المعماري الإنجليزي(24) بيرسفورد بايت Beresford Pite ليصفه بأنه بشع، وتمنى على الجيش البريطاني الذي احتل فلسطين سنة 1916م، أن يهدم البرج حتى يزول التشويه الذي أحدثه في النسيج المعماري للقدس. أما الحضور اليهودي فقد تزامن مع الحضور المسيحي الغربي، لكنه تركز خارج الأسوار وباتجاه الغرب فنشأت عدة أحياء يهودية(25) كان هدفها تغيير التركيبة السكانية (الواقع الديمغرافي) للمدينة، ومن ثم التخطيط العمراني ونسيجها المعماري، تمهيدا لإزالة هويتها المعمارية العربية الإسلامية، أو على الأقل مزاحمتها.وهذا لم يتحقق، ولن يتحقق، لأن موضعة الحرم الشريف، وقبة الصخرة تحديدا جعلها العنصر الأقوى حضورا في النسيج المعماري للقدس. فهي نقطة الاستقطاب البصري دون منازع، فالفضاء المحيط بها يعزز شخصيتها البصرية ويؤكد الهوية المعمارية العربية الإسلامية للقدس، ناهيك عن الأداء الوظيفي اليومي والمتواصل للحرم الشريف مع السكان، والذي بدوره يعزز حضور الهوية المعمارية العربية الإسلامية، خاصة إذا أضفنا توافد المصلين المسلمين إلى الحرم أيام الجمع بواقع 250.000- 300.000 مصلي، حيث يطغى الحضور الإسلامي على ما عداه. وتتأكد الهوية المعمارية العربية الإسلامية بجميع عناصرها وبأجلى صورها. عرضت فيما سبق لمكانة القدس الروحية في الديانات الثلاث وبينت انعكاساتها المعمارية وتأثير كل دين في تشكيل هويتها المعمارية، ووضحت أن اليهودية عجزت عن خلق هوية معمارية، وأن المسيحية استطاعت تشكيل هوية معمارية في الفترة المحصورة بين القرنين الرابع والسابع الميلادي، وأنها بتبنيها العهد القديم، ومساعدة اليهود سياسيا وماديا عززت دعاوى اليهود في القدس خاصة وفلسطين عامة. ثم عرضت للإسلام وبينت أن الصراع الحضاري حسم لصالح الحضارة العربية الإسلامية التي شكلت هوية معمارية عربية إسلامية مميزة لم يستطع لا الاحتلال الصليبي، ولا اليهودي نزعها أو حتى مزاحماتها. وبهذا أكون قد بينت الارتباط الروحي بالمدينة الذي شكل وما زال يشكل الخلفية النظرية التي حكمت تخطيطها العمراني ونسيجها المعماري، واللذان سنتعرف عليهما من خلال استعراض تاريخ المدينة، وبيان كيف اكتمل تخطيطها العمراني في الحضارة العربية الإسلامية، وكيف أصبحت القدس العربية الإسلامية هي القدس الأرضية التي فرضت حضورها على المدن الأوروبية، والإيطالية بصفة خاصة. وسأعرض فيما يلي للمراحل الأربعة التي مر بها تاريخ المدينة. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 يناير 2004 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 يناير 2004 (معدل) - التخطيط العمراني للقدس المرحلة الأولى يعود تاريخ القدس إلى 3000 سنة ق. م. وورد ذكرها في سفر القضاة (19: 10-11) باسم يبوس، وكذلك في سفر الأيام الأول (11: 4-5). كما ورد ذكرها باسم سالم بإحدى رسائل تل العمارنة(26) المرسلة من حاكمها عبد خيبيا إلى فرعون مصر، ويعود تاريخها إلى القرن 14 ق.م. كما ورد ذكرها في حوليات الملك الآشوري تغلات بلاسر الثالث (744-727ق.م) باسم أورشالم(27). ثم توالى بعد ذلك ذكرها في المصادر التاريخية. أما ما زعم به العهد القديم (التوراة) بأن سبط يهودا حاربوا "اورشليم"(28)، وأخذوها وخربوها بحد السيف وأشعلوا النار بالمدينة، قضاة (1: 8)، وأن النبي داود احتل "أورشليم" التي يسكنها اليبوسيون (صموئيل الثاني 5: 6-9) وسماها مدينة داود وغير اسم حصنها من حصن(29) صهيون إلى حصن داود، فلا سند له من تاريخ، وسأتعامل مع هذا الإدعاء كما لو كان صحيحا لأن جميع المؤرخين يسلمون بهذا الزعم. إن ما يعنيني مما سبق هو التعرف على طبيعة التخطيط العمراني لمدينة يبوس منذ نشأتها وحتى الاحتلال اليهودي لها كمرحلة أولى في التعرف على تخطيطها العمراني، على الرغم من أن العهد القديم لا يشكل في قناعتي مصدرا تاريخيا. واستشهادي به ينصب على الفكرة وليس على السند التاريخي لأنه ليس مصدراً تاريخياً، والتي سأحاول تفنيدها وبيان عدم صحتها على مدار هذا البحث وعليه فإن المعلومات التي وردت في العهد القديم تشير إلى وجود مدينة باسم يبوس، حيث عرفت في المصادر التاريخية الكلاسيكية (اللاتينية واليونانية والرومانية) باسم سالم وأورسالم، وبعد الاحتلال اليهودي باسم أورشالم. وأن هذه المدينة يحيط بها سور وبها حصن ومساكن. وأن الموقع الجغرافي لهذه المدينة كما حدده علماء الآثار(30) هو تل الظهور (أوفل Ophel) (شكل –2أ) و (شكل-2ب) ويقع جنوبي الحرم الشريف، وأن هذه الاكتشافات حددت طول المدينة(31) بـ (350-420) مترا وأفصىعرض لها 150 مترا. علما أن الموقع القديم للقدس كان جبل صهيون، أي التلة الغربية المقابلة للزاوية الجنوبية الغربية للحرم الشريف، وغير الموقع لأسباب دينية وسياسية تتعلق بمزاعم اليهود في الحرم الشريف. وأن تحديد الآثاريين لموقع يبوس الجغرافي استند من ناحية إلى الدعاوى السابقة لقربها من الحرم الشريف، واستند من ناحية أخرى إلى مجموعة من السلاسل الحجرية التي اكتشفت في تل الظهور من قبل الآثاريين الغربيين، أخص منهم الآثارية الإنجليزية كاتلين كينيون Kathleen Kenyon ، التي اعتقدت بأن هذه السلاسل عملت لحماية المساكن من انهيار التربة ولتسهيل بنائها على منحدر تل الظهور. وربما لم يرد في خلد هؤلاء الآثاريين، بأن السلاسل إنشاءات شائعة في فلسطين وكل بلاد الشام، وتعمل لمنع انجراف التربة حتى تبقى صالحة للزراعة. وعليه فإنني لا أميل إلى الرأي القائل بأن يبوس أو سالم كان موقعها الجغرافي هو تل الظهور ومما يعزز عدم قناعتي بهذا الموقع هو ضيق مساحته، فلا يعقل أن يتسع هذا المكان بالأبعاد التي ذكرتها سابقا لكل من سكان المدينة الأصليين والمحتلين اليهود والعمال الأجانب الذين ورد ذكرهم في العهد القديم. وبعملية حسابية بسيطة سنرى أنه من غير الممكن أن تستوعب يبوس هذه الأعداد. ولكي نتعرف على عدد اليهود الذين أقاموا في يبوس علينا ابتداء أن نقدر عدد اليهود. ففي سفر الخروج من التوراة نجد أن عدد اليهود الذين خرجوا مع النبي موسى هو 600.000 "من الرجال عدا الأولاد"، (خروج 12:39). فلو افترضنا أن لكل فرد من الرجال أم أو امرأة وولد أو بنت فقط ، لكان عدد كل اليهود الذين خرجوا مع موسى هو 1,800,000 فإذا قسمنا هذا العدد على أسباط بني إسرائيل الإثنا عشر لأصبح عدد كل سبط 150,000 نسمة. ولما كانت يبوس، حسب زعم العهد القديم، من المدن التي سكنها سبطي يهوذا (يشوع 15 – 63) وبنيامين (يشوع 18 – 36). فإن مجمل عدد السبطين هو 300,000 نسمة. هذه الإحصائية التقريبية خاصة بعدد اليهود في زمن النبي موسى، وقبل دخولهم فلسطين. ولما كان اليهود لم يدخلوا يبوس (القدس) إلا في زمن داود، بعد حوالي 440 سنة من خروجهم، أي قبل بناء هيكلهم المزعوم بحوالي40سنة، لأن هيكلهم المزعوم بني في زمن النبي سليمان وبعد 480سنة من خروجهم،(ملوك أول 6:1). وهذا يعني أنهم تكاثروا 11 مرة منذ خروجهم،باعتبار كل مرة جيلا واحدا، واعتبار الجيل 40 سنة. فلو افترضنا أن معدل تكاثرهم مساويا لمعدل وفياتهم، وتبثنا عدد السبطين الذان سكنا يبوس، والذي قدرته بـ 300،000 نسمة، وافترضنا أن نصف هذا العدد أقام في يبوس، وأضفنا إليه عدد العمال الأجانب والبالغ عددهم 153,600 عامل (أخبار أيام ثاني 2 : 18)، لأصبح عدد اليهود والعمال الأجانب فقط وبدون اليبوسيين 303,600 نسمة. فهل يعقل أن تستوعب مدينة كيبوس لا تتجاوز مساحتها 64 دونما هذا العدد من السكان!؟ وهل يعقل أن يقيم مثل هذا العدد من البشر، في مكان ما، ولم يتركوا أي دليل مادي على وجودهم!؟ وهذا بدوره يؤكد أن موقع يبوس كما حدده الأثاريون غير صحيح. فلو دقق الآثاريون الغربيون ومن حذا حذوهم من الآثاريين العرب، في التناقضات بين المصادر الكتابية اليهودية ونتائج الاكتشافات الآثارية، لما وقعوا في هذه الأخطاء الواضحة والصريحة. ولكن وبصرف النظر عن صحة الموقع الجغرافي من عدمه فإن يبوس أو سالم كما ورد اسمها في المصادرالكتابية والكلاسيكية، هي مدينة مسورة، تقع على جبل سواء كان صهيون أو تل الظهور أو أي مكان آخر وأن نسيجها المعماري يتكون من حصن ومبان سكنية تقع على منحدرات الجبل أو التل. هذا إذن كل ما يمكن أن نستنتجه عن طبيعة التخطيط العمراني ليبوس وهويتها المعمارية الكنعانية الفينيقية قبل الاحتلال اليهودي لها وبهذا أكون قد غطيت المرحلة الأولى في محاولتي للتعرف على تطور التخطيط العمراني للمدينة، وأما المرحلة الثانية فهي فترة الاحتلال اليهودي والتي ستكون موضوعنا التالي. المرحلة الثانية وتمتد هذه المرحلة من حوالي سنة (993ق. م- 70م) تخللها الاحتلال البابلي والفارسي واليوناني البطلمي (323-198ق.م) واليوناني السلوقي (198-63ق.م)، والروماني (63ق.م-663م)، حيث أحدثت هذه الاحتلالات إضافات وتغييرات معمارية في النسيج المعماري للمدينة، سأعرض لها ولكن دون اعتبارها مرحلة مستقلة، باستثناء الاحتلال الروماني، وذلك لاندثار إضافاتهم المعمارية من ناحية، ولعدم إدعائهم بأي حضور في القدس من ناحية أخرى، كما يزعم اليهود الذين ادعوا تواصل حضورهم في القدس خلال الاحتلال اليوناني والروماني. إن المصدر الرئيسي للتعرف على طبيعة التخطيط العمراني في المرحلة الثانية هو العهد القديم، وبعض المصادر التاريخية الكلاسيكية. أما التنقيبات الآثارية فلم تسفر عن أي دليل مادي يعود تاريخه إلى الوجود اليهودي في يبوس أو سالم والتي غير اليهود اسمها إلى أورشليم أو يوروشلايم. وكل ما دونه العهد القديم عن داود أنه بنى بيتا (صموئيل الثاني5 : 11)، وحول حصن يبوس إلى حصن صهيون، وغير اسم يبوس إلى مدينة داود، وكذلك أقام مذبحا خارج سور يبوس باتجاه الشمال على جبل الموريا (جبل الأقصى) على بيدر اشتراه من يبوسي اسمه أرونة (ارنان)، (صموئيل الثاني 34: 17-24). إذن فالتخطيط العمراني في زمن داود لم يتغير في يبوس. ولكن إذا أخذنا بزعم العهد القديم، فإن نموا عمرانيا خارج سور يبوس قد بدأ ممثلا بالمذبح، هذا إذا جاز اعتبار المذبح مبنى، علما أن المذبح عبارة عن منصة أشبه بمنصة حلبة المصارعة. وحسب زعم العهد القديم فإن ما بدأه النبي داود استكمله النبي سليمان، إذ زعم العهد القديم بأن سليمان قد بنى الهيكل المزعوم أو بيت للرب لسكناه على جبل الموريا (جبل الأقصى)، أي مكان المذبح الذي أقامه داود، (ملوك أول 6: 38)، في الفترة من (957-950 ق.م) تقريبا. كما زعم العهد القديم بناء بيتا له وسور لأورشليم (ملوك أول 3: 1-2)، وكذلك بنى بيت أسماه "بيت وعر لبنان"، أي أرز لبنان، (ملوك أول 7: 1) وبيتا آخر لزوجته ابنة فرعون (ملوك أول 7: 8)، وجميع هذه الأعمال شيدها مهندس صوري فينيقي اسمه حيرام (ملوك أول 7: 12) ولقد فندت هذه المزاعم ونفيتها بالأدلة الهندسية والبيانات المنطقية في بحثي الموسوم: الهوية المعمارية وأثرها في تحديد الهوية السياسية لمدينة القدس، قبة الصخرة أم الهيكل المزعوم. ولو سلمنا جدلا بصحة ما نسبه العهد القديم إلى سليمان، فإن هذه الإنشاءات تأثرت(32) بالعمارة المحلية الفينيقية، وعليه فإن التخطيط العمراني ومفرداته من النسيج المعماري في أورشليم الممتدة شمالا، يحمل الهوية المعمارية المحلية الكنعانية الفينيقية، هذا لو سلمنا جدلا بصحة مزاعم العهد القديم. ومما يدلل على عدم صحة هذه المزاعم أيضا هو أن النمو المزعوم لأورشليم في عهد سليمان لا يحل مشكلة التزاحم السكاني الذي أشرت إليه سابقا. لأن التوسعة الجديدة والتي مساحتها حوالي 143 دونما (أي مساحة الحرم الشريف) والتي تبلغ أكثر من ضعفي مساحة يبوس (شكل-3) خصصت للاستعمالات الدينية والملكية وليس للسكن. استنادا إلى ما سبق، وعلى افتراض صحة مزاعم العهد القديم، فإن يبوس أو "مدينة داود"، أو أورشليم توسعت باتجاه الشمال وأن الإضافات المعمارية المزعومة كانت صورية فينيقية الهوية وليست يهودية. ولما كانت يبوس أصلا كنعانية فينيقية الهوية المعمارية، فإن الوجود اليهودي في أورشليم وفي أوج عظمته، أي عندما كانت أورشليم عاصمة المملكة اليهودية المتحدة، لم يتطور تخطيطها العمراني وفقا لحاجات اجتماعية، بل تلبية لحاجة دينية، وبأمر الرب كما يزعم العهد القديم. كما أن هويتها المعمارية بقيت كنعانية فينيقية على الرغم من الوجود السياسي اليهودي الممثل بداود وسليمان، حيث تفككت المملكة اليهودية بعد سليمان، وأصبحت أورشليم عاصمة مملكة يهودا، ولم يخبرنا العهد القديم عن أي تطور عمراني للمدينة، وبقيت على ما هي عليه حتى دمارها على يد الملك البابلي نبوخذ نصر سنة 586م. ثم يخبرنا العهد القديم عن محاولة إعادة بناء الهيكل المزعوم سنة 516ق.م (عزرا 30: 8)، وكذلك إعادة بناء أسوار أورشليم (عزرا 4: 12-13)، (نحميا 3: 1-33، 4: 7-8، 6: 1-2)، ويخبرنا (نحميا 7: 4) أن المدينة كانت "واسعة الجناب وعظيمة والشعب قليلا في وسطها ولم تكن البيوت قد بنيت". وبهذا يتضح أن المدينة قد اضطرب تخطيطها العمراني وفقدت هويتها المعمارية وأن محاولات قد بذلت لإعادة أعمارها ممثلة في إعادة بناء أسوارها، وهي الأسوار المحيطة بيبوس (مدينة داود) وتوسعة سليمان على جبل الموريا (الحرم الشريف). وكذلك في محاولة إعادة بناء الهيكل المزعوم، كما ورد في سفري عزرا ونحميا وهذه المحاولات ما هي إلا ادعاءات لتعزيز الوجود اليهودي بها، ولا صباغ هوية معمارية يهودية على المدينة بدلا من هويتها المعمارية الكنعانية الفينيقية. والشائع بين الآثاريين(33) أن الأسوار التي أعاد بنائها نحميا بقيت حتى القرن 2 ق.م. أي بقيت طوال حكم البطالمة (353-198ق.م)، وبداية حكم السلوقيين (198-63ق.م). ولم تذكر المصادر الدينية أو التاريخية أي تطور عمراني في أورشليم في الفترة الممتدة بين العودة من السبي البابلي والاحتلال اليوناني حتى بداية الحكم السلوقي، سوى ما أشرت إليه سابقا. ولكن مع بداية القرن 2 ق.م، أي أثناء الحكم السلوقي، ذكر المؤرخ اليهودي جوزيفيوس فلافيوس(34) نقلا عن المؤرخ هيكاتيوس أن كبير الكهنة سيمون قام ببناء سور حول الهيكل المزعوم، وتمكن من فصل منطقة الهيكل عن يبوس التي يسيطر عليها السلوقيين. فأصبحت أورشليم بشخصيتين يهودية في منطقة الهيكل المزعوم، ويونانية بطلمية ثم سلوقية في يبوس، مع هوية معمارية كنعانية فينيقية في قسمي أورشليم. وفي سنة 167 ق.م(35) هدم الملك السلوقي انطونيوس الرابع أسوار الهيكل المزعوم، وأقام في ساحته تمثالاً للإله زيوس، وبنى قلعة أكرا Akra جنوب شرق الحرم. وفي هذه الفترة تشير المصادر اليهودية إلى انفصال اليهود المتعصبين عن السلوقين وأنهم سكنوا على الهضبة الغربية المقابلة ليبوس والمسماة بصهيون(36). كما تشير هذه المصادر إلى أن اليهود المكابيون الحسمونيون قاموا بثورة على السلوقيين سنة 164ق.م، واحكموا سيطرتهم على صهيون وجبل الموريا (جبل الأقصى) والحرم الشريف. وأنهم شيدوا قصرا وأبراج في شمال غرب أورشليم. وتتبادل السيطرة بين اليهود والسلوقيين إلى أن تمكن السلوقيون من القضاء كليا على المكابين، حيث استمرت سيطرتهم على القدس إلى سنة 63 ق.م عندما احتلها الرومان بقيادة بومبي. إن ما يعنيني هنا هو التوسعة التي حصلت باتجاه الغرب على جبل صهيون (هذا مع عدم التسليم بصحة موقع يبوس كما أشرت إليه سابقا) والسور الذي بناه كبيرا الكهنة جونتان Jonathan وسيمون Simon حول الهضبة الغربية، كما يزعم المؤرخ اليهودي جوزيفيوس. وكذلك تمثال الاله زيوس، في موقع الهيكل المزعوم، وقلعة أكرا Akra التي بناها السلوقيون، وهذا يعني أن السلوقيين قد أحدثوا تغييرا نوعيا في النسيج العمراني لأورشليم، وهو إضافة القلاع والنصب التذكارية، وبالتالي صبغ الهوية المعمارية لأورشليم بالصبغة اليونانية. وكذلك إضافة الأسوار كوسيلة دفاعية حول المدينة وكعنصر مادي وبصري في تخطيطها العمراني، هذا بالإضافة إلى الهوية الثقافية اليونانية التي صبغوا بها المدينة، وهذا بدوره يوضح عدم فاعلية الحضور اليهودي في المدينة. وفي هذه الفترة من الصراعات والحروب بين اليهود والسلوقيين واليهود والرومان فيما بعد، يذكر جوزيفيوس(37) أن سورا ثالثا قد تم إنشاءه كما هو موضح (بالشكل-4) والحقيقة أن المصادر التي استند إليها الآثاريون والمؤرخون غير مقنعة، إذ لا يوجد أي شواهد مادية أو بقايا آثارية تؤكد صحة مزاعم سفر المكابين وجوزيفيوس، وأن جل آرائهم انحصرت في التخمين. وعليه فإن تسجيلي لهذه الآراء، وتحليلي لها ليس من باب القناعة بها، ولكن مجاراة لهذه المزاعم لأبرهن عدم صحة ادعاءات اليهود بوجود حضور عمراني لهم في القدس، وأن وجودهم لم يكن أكثر من إضافة بشرية غير ذات تأثير حضاري، وتحديدا معماري أو عمراني في المدينة. أما الإنشاءات المنسوبة لهيرود فهي إنشاءات رومانية وليست يهودية، وأما إعادة بناء الهيكل المزعوم فقد فندت هذا الإدعاء كما بينت سابقا. أما الاحتلال الروماني فيشكل نقلة نوعية في التخطيط العمراني للقدس، لكن لن اعتبره مرحلة مستقلة بل تمهيدا للمرحلة المسيحية، وذلك لأن الاحتلال الروماني عاصر نشأة المسيحية، والرومان هم الذين اعترفوا بالمسيحية في بداية القرن الرابع الميلادي، فأعطوها حضورا سياسيا في المدينة. المرحلة الثالثة كان الاحتلال الروماني حدثا مميزا في التخطيط العمراني للمدينة سواء قبل اعتراف الرومان بالمسيحية وتبنيها سنة 306ق.م، أو بعد هذا التاريخ. فالتخطيط العمراني الموثق بدأ مع احتلال الإمبراطور الروماني هدريان لأورشليم سنة 135م، والذي غير اسمها ليصبح ايليا كابتولينا Aelia Capitolina على الرغم من أن بومبي الروماني احتل القدس سنة 63ق.م، وأعاد الإمبراطور تيطس احتلالها سنة 70ق.م. ودمرها. إلا أن الأمور حسمت لصالح الرومان على يد هدريان، فقد دمر المدينة وأعاد تخطيطها(38) فتحددت عناصرها العمرانية والحضرية بوضوح وكذلك نسيجها المعماري و (الشكل-5) يوضح تخطيط إيليا كابتولينا. حيث تظهر شبكة الطرق وأهمها الكاردوا Cardo، وهو الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب، أي من باب دمشق إلى باب صهيون، وكذلك يظهر الشارعين العرضين في شمال وجنوب المدينة. كما يظهر موقع الحرم الشريف في شرق المدينة خالية من أي بناء باستثناء تمثال جوبيتر(39) الذي أقامه هدريان. واللافت للنظر أن محاولة إعادة رسم مخطط إيليا كابتولينا بناء على المعلومات المتوفرة في المصادر الكلاسيكية (شكل-5) أو بناء على خارطة مأدبا الفسيفسائية والتي عملت سنة 570 (شكل-6)، لم تظهر أي وجود ليبوس (مدينة داود) كجزء من إيليا كابتولينا وكذلك لم تظهر أي وجود للهضبة الغربية (صهيون) كجزء من إيليا كابتولينا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الادعاء بوجود يبوس على تل الظهور، أو أوفل Ophel، كما هو وارد في المصادر اليهودية والغربية ليس صحيحا. إذ لا يعقل أن تتقلص المدينة بهذا الشكل، كما أنه من غير المعقول أن يتلاشى أصل المدينة وان تندثر نواتها، فهذا أمر غير مسبوق في تاريخ العمران، والتاريخ الحضري بصفة عامة. ناهيك عن أن موقع يبوس لم يسكن ولم يلحق بالقدس إلا بعد التوسعات التي حصلت في منتصف القرن التاسع عشر، وحتى بعد أن ألحق بقي موقعا فارغا غير مخصص لأي استعمال حضري!؟ وهذا أيضا يعزز رأينا بأن يبوس لم تكن في هذا الموقع أي في تل الظهور. وان التوسعات التي أشرت إليها سابقا ليست إلا ادعاءات لا أساس لها من واقع ولا سند لها من تاريخ. مما سبق يمكننا القول أن بداية التخطيط العمراني لمدينة القدس تاريخيا وهندسيا هو مخطط إيليا كابتولينا (شكل-5). والتي بقيت رومانية الطابع حتى اعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية في بداية القرن الرابع الميلادي. وببناء كنيسة القيامة سنة 326م بدأ النسيج العمراني بالتحول تدريجيا في المدينة ليشكل هوية معمارية مسيحية بيزنطية. ومع تزايد عدد الكنائس، خاصة مع إنشاءات(40) الإمبراطور الروماني جستنيان (527-365م) والتي شملت كنيسة العذراء (نيا) Nea، وملجأ للعجزة وملجأ لإيواء الأغراب (حيث استعمل جستنيان أحجار ضخمة جدا صنع لها عربات خاصة، يجر كل عربة 40 ثورا سمينا. قام جستنيان برصف الشوارع لتسهيل حركة العربات). تكون إيليا كابتولينا قد اكتسبت هوية معمارية دينية مسيحية، وبقيت كذلك حتى سنة 614م، حيث احتلها الفرس ودمروا سورها وحرقوا كنائسها، فاختلت شخصيتها الحضرية، وتناقص نسيجها العمراني، واضطربت هويتها المعمارية، حتى سنة 629م عندما استردها البيزنطيون، وشرعوا في إعادة أعمارها والسيطرة عليها إلى أن حررها العرب المسلمون سنة 636م، الموافق 15هـ، وهي المرحلة الرابعة في التخطيط العمراني للمدينة والتي سأتناولها فيما يلي من عرض وتحليل. المرحلة الرابعة الفتح الإسلامي حسم الصراع الحضاري على القدس مرة وللأبد لصالح الحضارة العربية الإسلامية واللافت للنظر أنه للمرة الأولى في تاريخ القدس تتغير هويتها السياسية بسلام وبدون حرب وقتل ودمار. وللمرة الأولى يتم الحفاظ على نسيجها المعماري الديني المسيحي فالعهدة العمرية(41) نصت صراحة وبوضوح تام على حفظ هذا النسيج وعلى التركيبة السكانية للمدينة: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود….". فالقدس أصبحت مدينة ثنائية الديانة، مختلطة الأعراق، ولكن موحدة الهوية والثقافة، وتحكم العلاقة الثنائية معاهدة وأعراف. وما يعنيني هنا هو أن التخطيط العمراني للقدس استقر داخل أسوار إيليا كابتولينا، أي أن تخطيط بيت المقدس (القدس العربية الإسلامية) العمراني هو تخطيط إيليا كابتولينا، ولكن استعمالات الأراضي ومفردات النسيج المعماري وعناصره اختلفت وتغيرت، حيث استجد على الوضع القائم استعمالات جديدة أهمها الاستعمالات الدينية والاجتماعية والتجارية والدفاعية، حتى غلبت على التخطيط العمراني للمدينة، فأصبح النسيج المعماري وجميع مفرداته البصرية عربيا إسلاميا، حتى المباني غير الإسلامية أصبح الجزء الأكبر من عناصرها المعمارية ومفرداتها البصرية عربيا إسلاميا. فأهم موقع في المدينة هو الجزء الجنوبي الشرقي فمساحته تبلغ حوالي 143 دونما، وتعادل حوالي 18% من مساحة المدينة (القدس داخل الأسوار) والبالغة 800 دونم، خصص للاستعمالات الدينية وبني عليه ثالث أهم مبنى ديني في العالم الإسلامي، وهوالحرم القدسي الشريف، والذي يشمل المسجد الأقصى وقبة الصخرة. وميزة هذا الموقع هو أنه يتمتع بفضاء بصري واسع، اكسب المبنيين، خاصة قبة الصخرة، شخصية بصرية قوية، وحضور معماري مميز، مسيطر وطاغي على جميع عناصر النسيج المعماري في المدينة، يستحوذ على الأبصار ويأخذ بالعقول ويستأثر بالقلوب. ولقد وثقت القدس تخطيطا وعمرانيا في مؤلفات الجغرافيين العرب. وكان أدقهم وصفا هو ابن القدس، الجغرافي البشاري المقدسي، في مؤلفه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم في الفترة المبكرة (335-390هـ، 946-1000م) إذ يقول في مبانيها: "وأما الحسن فلا ترى أحسن من بنيانها ولا انظف منها ولا انزه من مسجدها"(42). كما يذكر في وصفها بعض مفردات النسيج المعماري كالحمامات والفنادق، ويعدد "أبوابها الثمانية"، ثم يصف الحرم الشريف، ويصف مداخله ويوثق جميع المباني فيه، ثم يصف قبة الصخرة والمسجد الأقصى فنيا وإنشائيا بدقة متناهية. لكن الوصف الدقيق لتخطيطها العمراني والتوثيق الشامل لنسيجها المعماري جاء في كتاب مجير الدين العليمي (890-928هـ) الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، فيقول في وصفها: (43) "وأما مدينة القدس الشريف في عصرنا: فهي مدينة عظيمة محكمة البناء بين جبال وأودية، وبعض بناء المدينة مرتفع على علو وبعضه منخفض في واد وغالب الأبنية التي في الأماكن العالية مشرفة على ما دونها من الأماكن المنخفضة وشوارع المدينة بعضها سهل وبعضها وعر وفي غالب الأماكن يوجد سفله أبنية قديمة، وقد بني فوقها بناء مستجد على بناء قديم والبناء مشحون بحيث لو تفرق على حكم غالب مدن مملكة الإسلام لكان حجم المدينة ضعف ما هو الآن، وهي كثيرة الآبار المعدة لخزن الماء لأن مائها يجمع من الأمطار …". ثم يعدد أسواقها ويحدد أماكنها ويذكر أسمائها ويحدد نوعية الأعمال التجارية التي تمارس بها. ثم يحدد حاراتها وخططها ويذكر أسمائها ومواقعها وطرقها الرئيسية والفرعية والمباني المشهورة بكل حارة وخط. ثم يذكر أبوابها ويحدد مواقعها، ثم يذكر آبارها وعيون الماء بها وخزاناتها، وكذلك مقابرها. ثم يصف نسيجها المعماري ويسجل جميع المباني المهمة كالجوامع، والزوايا، والتكايا والمدارس والأضرحة ودور القرآن ودور الحديث والترب والرباطات والبيمارستانات وخلاف ذلك. ثم يوثق المباني المسيحية من كنائس وديارات فيقول: "وفي القدس الشريف من الكنائس والديارات من زمن الروم نحو عشرين مكانا وعمدة النصارى منها: كنيسة القيامة فإنها عندهم بمكان عظيم وبناؤها في غاية الإحكام والإتقان...".(44) وبهذا يكون مجير الدين قد أعطانا صورة واضحة عن التخطيط العمراني لمدينة القدس في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وهذا يتزامن مع عصر النهضة Renaissance في إيطاليا، الذي كانت تعتبر فيه القدس العربية الإسلامية، القدس الأرضية (شكل-7أ) و (شكل- 7ب). حيث أخذ تقليد تخطيطها وعمارتها بعدا معماريا وفنيا أكثر من كونه بعدا دينيا في العصور الوسطى كما سأوضح لاحقا. فيما سبق بينت مكانة القدس الدينية والروحية في الديانات الثلاث وبينت زيف دعاوى اليهودية فيها، وحقيقة الوجود العربي المسيحي فيها، ومكانتها الروحية عند المسيحيين الغربيين. ثم بينت أن الصراع الحضاري والديني على المدينة، قد حسم لصالح الحضارة العربية الإسلامية. وأن ملكية القدس حسمت لصالح أبنائها العرب أحفاد الكنعانيين. وأن مكانة القدس تمثل في الوعي الإسلامي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فقدسيتها مصانة، وحرمتها مطلقة. وعلى الرغم من هذه المكانة إلا أن الإسلام اعترف بالوجود المسيحي دينيا وعمرانيا وبتركيبته السكانية بموجب العهدة العمرية. وإن هذه العهدة، وبناء على الطلب المسيحي، منعت اليهود من دخول القدس والعيش فيها، إلا أن اليهود استطاعوا أن يحققوا اختراقات في المسيحية الغربية مكنتهم من تحقيق حضور بشري في القدس، بل واحتلالها في سنة 1967م. وبالجملة فإن للديانتين اليهودية والمسيحية دعاوى في القدس: أرضية وغيبية. أما الدعاوى الأرضية فيقع تحقيقها على اتباع الديانتين أنفسهم، وأما الدعاوى الغيبية فيقع تحقيقها على الله. ولقد بينت أن الوجود اليهودي لم يترك أي أثر مادي في الماضي، وأما الوجود الحالي فهو وجود بشري سياسي، ليس له أي حضور عمراني أو معماري. فالهوية المعمارية الحالية للقدس هي عربية إسلامية، ممثلة بقبة الصخرة والمسجد الأقصى وباقي عناصر النسيج المعماري للمدينة. أي أن اليهود لم يستطيعوا تحقيق أي وجود دنيوي أرضي عمراني أو معماري في القدس. وأما دعواهم الغيبية فتعتمد على نبؤة دانيال الواردة في العهد القديم والتي تزعم بأن الهيكل سينزل من السماء مع المسيح المنتظر. ولكنهم وبمساعدة المسيحية الصهيونية يصرون على أن يكون لهم دور في مشيئة الرب كما بينت سابقا. وأما المسيحية فقد حققت لها وجودا دنيويا أرضيا قبل الإسلام، اعترف الإسلام به وأقره، وضمن سلامته كما بينت، وأصبح جزاء من القدس العربية الإسلامية. وأما الدعاوى الغيبية فتعتمد على نبؤة يوحنا اللاهوتي في العهد الجديد، والتي تقول بأن قدسا سماوية ستنزل من السماء مع المجيء الثاني للمسيح النصراني. هذان المفهومان للقدس: الدنيوي الأرضي والغيبي السماوي يشكلان مدينة الله عند القديس أغسطين والمدينة المثالية في القرون الوسطى كما أشرت سابقا. فالجزء الأرضي إذن، من مدينة الله هو القدس العربية الإسلامية، التي وضح تخطيطها العمراني ونسيجها المعماري، كل من المقدسي ومجير الدين العليمي في الفترة الممتدة بين القرون (10-16) الميلادية. وهي الفترة التي تأثرت بها المدن الإيطالية بالواقع العمراني لمدينة القدس العربية الإسلامية وبنسيجها المعماري، خاصة قبة الصخرة، باعتبارها الهيكل المزعوم كما روج له اليهود. ليعيدوا تشكيل الوعي المسيحي ويوهموه بأن حضورا يهوديا عمرانيا قائم وماثل في القدس الأرضية، وعنصرا مفترضا في مركز القدس السماوية قامت المدن الإيطالية بتقليده تخطيطا وعمارة وفنا. وبهذا أكون قد بينت الأسس الدينية التي شكلت الدافع الرئيسي للمدن الإيطالية للتأثر بالقدس وتقليدها. وسأبين فيما يلي من عرض وتحليل الأسس العمرانية والمعمارية القدس الأرضية التي تأثرت بها المدن الإيطالية وقلدتها كنتيجة للأسس الدينية، في العصور الوسطى وعصر النهضة. تم تعديل 24 يناير 2004 بواسطة أسامة الكباريتي يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 يناير 2004 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 يناير 2004 الأسس العمرانية والمعمارية لتأثير القدس الأرضية على المدن الإيطالية 1- تأثير القدس على المدن الإيطالية في العصور الوسطى بينت فيما سبق مكانة القدس الدينية والارتباط المسيحي بها، كما أشرت إلى مؤتمر نيقيه والى الخلافات التي حصلت في المسيحية والتي أسفرت بدورها عن تشكيل كنائس قوية خارج القدس، تحولت فيما بعد إلى مراكز دينية، نازعت القدس مركزيتها الدينية، وسلطتها الدنيوية. وكان من أقوى هذه الكنائس، كنيسة روما حيث تمكنت هذه الكنيسة من فرض وجودها وسيطرتها على القسم الأكبر من اتباع المسيحية. وشكلت ما يعرف بالكنيسة الكاثوليكية، التي سيطرت على أوروبا باستثناء روسيا واليونان حتى بداية القرن السادس عشر، حيث ظهرت حركة ما يسمى "بالإصلاح الديني" أو الكنيسة البروتستنتينية، والتي شاركت الكنيسة الكاثوليكية سيطرتها على أوروبا وأمريكا فيما بعد، بينما سيطرت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا واليونان والعالم العربي. ولكون مركز الكنيسة الكاثوليكية روما عاصمة إيطاليا، ذات التاريخ العريق والمراكز الحضرية (المدن) الكثيرة والكبيرة، ونظرا لارتباطها الديني بالقدس، تنازع إيطاليا في بداية تشكيل كنيستها مفهومين متناقضين هما: 1- اعتبار روما بديلا للقدس ونقل مركز المسيحية من فلسطين إلى روما. 2- ربط المدن الإيطالية، وبعض المدن الأوروبية، بالقدس لإعطائها هالة من القدسية تمكنها من دعم مركزية الوجود المسيحي في الغرب، وفي روما تحديدا. ومن خلال هذين المفهومين المتناقضين بدأ تأثير القدس على المدن الإيطالية، حيث أصبحت القدس(45) نموذجا ومثالا يحتذى لتطور المدن الإيطالية. فالبابوات(46) يعتقدون أن روما التي أنشأ كنيستها القديس بطرس Peter هي القدس الجديدة. كما اعتبرت كنيسة روما(47) مكان هيكل القدس القديمة. أضف إلى هذين المفهومين أن قبة الصخرة فرضت حضورا معماريا على معظم المدن الأوروبية وبصفة خاصة على المدن الإيطالية. فلقد شاع في أوروبا خطأ، واعتبارا من القرن التاسع الميلادي، بأن قبة الصخرة(48) هي الهيكل المزعوم، فلقد روج الحجاج المسيحيون لهذا الخطأ على الرغم من عدم مطابقة قبة الصخرة مع وصف الهيكل المزعوم الوارد في العهد القديم. ولقد شاع هذا المفهوم بين رجال الدين المسيحيين والقائمين على المدن في إيطاليا وألهب خيال المعماريين والفنانين الأوروبيين. ولقد تعزز هذا الإدعاء بعد احتلال الصليبين للقدس (1099-1187م)، وإنشاء المملكة اللاتينية، حيث حولوا المسجد الأقصى إلى سكن للجنود، والمصلى المرواني إلى إسطبل، وقبة الصخرة إلى كنيسة(49)، وأطلقوا عليها اسم: Solomon Temple أو Templum Domini ، كما في (الشكل-8أ) و (الشكل- 8ب) . واللافت للنظر أن الصليبين لم يغيروا الشكل المعماري لقبة الصخرة، بل غيروا فقط سطح الصخرة، فرصوفها بالبلاط، وأقاموا فوقها مذبحا، وبقيت كذلك إلى أن حررها صلاح الدين الأيوبي سنة 1187م، فأزال الصليب(50) من فوق قبتها، وأظهر المحراب، وأزال الإنشاءات الداخلية وجميع مظاهر الكنيسة وطهرها وأعادها مسجدا كما كانت عليه قبل الاحتلال. وربما يعود السبب في عدم هدم الصليبين لقبة الصخرة، والاكتفاء بتحويلها إلى كنيسة، هو قناعتهم بالخطأ الشائع وهو أن قبة الصخرة هي الهيكل المزعوم. أي أنها مبنى له قدسيته عند المسيحيين. ومما يعزز هذا السبب هو أن الصليبيين هددوا صلاح الدين أثناء حصاره للقدس بأنه إذا لم يقبل باستسلام المدينة وأصر على دخولها عنوة فإنهم سيهدمون قبة الصخرة، الأمر الذي دعا صلاح الدين إلى قبول استسلام الصليبين له وتحرير القدس بدون احتلالها عسكريا. أضف إلى ذلك أن الاحتلال الصليبي للقدس أكد مركزية روما الدينية وجعلها تنافس القدس على مكانتها الدنيوية. ففي الجدل البابوي(51) في القرن الرابع عشر اعتبرت روما القدس الجديدة. وفي الرسائل التي وجهها الكاتب الإيطالي دانتي اليجيري(52) Danti Alighieri سنة 1314م إلى رجال الدين (الكاردينلات) المسؤولين على انتخاب البابا، بأن الإيطاليين يجب أن يبكوا على روما كما بكا "اليهود على القدس"، لأن البابا كليمنت الرابع Clement IV هجرها وجعل مركز البابوية مدينة أفجنون Avignon، وحثهم على العودة إلى روما لأنها القدس الجديدة، أما أفجنون فهي بابل. كما أن كاتب إيطالي آخر هو بترراك(53) Petrarch أكد الربط بين روما والقدس، وأفجنون وبابل، واعتبر روما القدس الجديدة وأفجنون بابل، في إشارة واضحة إلى مدينة الله عند القديس أغسطين والذي يعتبر فيها القدس مدينة الخير وبابل مدينة الشر. والواقع أن النخبة الإيطالية عززت هذا المفهوم وأثرت على رجال الكنيسة ليعيدوا الكرسي البابوي إلى روما (القدس الجديدة)، وهذا ما حصل. وربما تكون استجابة رجال الكنيسة للعودة إلى روما راجع لقناعة الكنيسة، ومن تعاقب عليها من البابوات، بأن روما هي القدس الجديدة، اعتبار من تأسيس الرسول بطرس Peter للكنيسة في روما. وحقيقة الأمر أن تقليد روما للقدس عمرانيا ومعماريا يعود للقرن التاسع الميلادي، فقد بذلت محاولات لتصوير القدس فنيا وتقليدها(54) معماريا لاستحضار قدسيتها في الإيمان المسيحي، وذلك لعدم تمكن المسيحيين من زيارتها. ربما بسبب الظروف السياسية أو بسبب المركزية التي مارستها كنيسة روما. من هذه المحاولات(55) انجيل سان باولو San Paolo Bible، والذي عمل حوالي سنة 870م في شمال فرنسا في بلاط الملك شارلز ذي بالد Charles The Bald حفيد شارلمان، حيث صور الروح القدس التي نزلت على الرسل في "غرفة القدس" The Room Of Jerusalem ، (شكل-9). واللافت للنظر أن ما يسمى بغرفة القدس ليس إلا شكلا ثمانيا يمثل قبة الصخرة، خاصة مع ظهور قبة في الرسم يغطي الغرفة. أما الأبراج التي تحيط بالشكل الثماني، فترمز إلى أبراج القدس. والغرفة بمجملها ترمز إلى أن روما هي القدس الجديدة(56). أما الناس الذين يظهرون في أركان الغرفة من الخارج، فيرمزون إلى أن روما باعتبارها القدس الجديدة يأتيها الناس من جهات العالم الأربع، كما سيجيؤا إلى القدس في عيد العنصرة (أعمال الرسل 2: 1-16) كما أن اختيار الشكل الثماني والمسقف بقبة، يرمز بوضوح إلى قبة الصخرة باعتبارها الهيكل المزعوم. وهذا بدوره يوضح أن هذه الفكرة جاءت من الكنيسة قبل أن تأتي من الحجاج المسيحيين الذين زاروا القدس. لأن الروح القدس لم ينزل على الرسل مجتمعين حسب اللاهوت المسيحي إلا في القدس. ولكون الإنجيل أنتج في فرنسا الكاثوليكية في القرن التاسع الميلادي، ولأن الشكل الثماني يمثل قبة الصخرة، ولأن التركيز في الرسم أنصب على الرسول بطرس الذي أسس كنيسة روما، فالدعاوى بأن روما هي القدس الجديدة تبدو مؤكدة في الكنيسة الكاثوليكية منذ القرن التاسع الميلادي. أضف إلى ذلك أن بعض رجال الكنيسة في القدس قد قاموا بالاتصال بالإمبراطور شارلمان(57) وأهدوه مفتاح كنيسة القيامة، كما توالت الاتصالات بين القدس وفرنسا في الفترة الزمنية الممتدة من (813-881م) في محاولة لاستبدال الحماية البيزنطية الأرثوذكسية بحماية فرنسية لاتينية، الأمر الذي عزز دعاوى الكنيسة الكاثوليكية باعتبار نفسها بديلا للقدس. كما يحوي الإنجيل تصور آخر لبناية عيد العنصرة(58) (شكل-10)، والمبنى مقتبس عن القدس السماوية ذات الاثنا عشر بابا وبرجا لكن البناية تعلوها قبة، كما تعلوا الأبراج قباب، وهذا التصور في حد ذاته يجمع بين القدس السماوية والأرضية الممثلة هنا بعنصر واحد وهو قبة الصخرة. هذه المحاولات التي تصور "معجزة" عيد العنصرة في القدس مظهرة عناصر من نسيجها المعماري، تهدف في واقع الأمر إلى تعزيز مكانة القدس في الوعي المسيحي والى استحضار صورتها كمدينة مفقودة، خارج نطاق السيطرة المسيحية التي تتبع روما، كما تهدف إلى طرح روما كبديل(59) للقدس. أضف إلى ذلك أن المفهوم السائد للقدس في إيطاليا في القرون الوسطى كان مزيجا من القدس السماوية والقدس الأرضية. والقدس الأرضية التي تعرف عليها الإيطاليون في القرون الوسطى، أي بعد احتلال الصليبين لها هي القدس العربية الإسلامية. حيث سهل هذا الاحتلال الاتصال الأوروبي، والإيطالي منه بصورة خاصة الاتصال بالقدس الأرضية. ولما كانت المدن الإيطالية في هذا الوقت تشهد نموا حضريا(60)، فإن صورة القدس المكونة من القدس السماوية والقدس الأرضية كانت نموذجا(61) مثاليا قلدته أهم مدن إيطاليا مثل بولونيا Bologna ، بيزا Pisa ، فلورنسا Florence بورجوسان سبرلكرو Borg Sansepolcro، وسينا Siena، وميلانو Milan، وغيرها من المدن. ولقد بلغ من استحواذ القدس على الإيطاليين إلى درجة القناعة بأن تضاريس القدس(62) قابلة للانتقال، وأنه يمكن إعادة تكوينها في مواقع جديدة من خلال عملية تزاوج بين العمارة والطقوس الدينية. ففي حالة مدينة بولونيا نرى أن التشبه بالقدس كان تقليدا(63) معماريا، فإعادة بناء كنيسة سان ستيفانو S. Stefano سنة 1141م كان مزيجا من كنيسة القيامة وقبة الصخرة، فمسقط كنيسة سان سبرلكو S. Sepolcro داخل كنيسة سان ستيفانو كان شكلا ثمانيا، أما باقي الشكل فهو تقليد لكنيسة القيامة (شكل-11). واللافت للنظر أن تصوير(64) الهيكل المزعوم في القرون الوسطى وعصر النهضة كان إما إسقاطا مباشرا لقبة الصخرة أو مزيجا من عناصر معمارية منتقاة من كل من قبة الصخرة وكنيسة القيامة. أما في حالة مدينة بورجو Borgo والتي وجدت في نهاية القرن العاشر الميلادي، فكانت نتيجة رؤيا لمجموعة من الرهبان(65) الذين كانوا عائدين من القدس، حيث تصور لهم المسيح وطلب منهم "بناء بيت جديد لقبره"، ثم أصبح اسم المدينة القدس الجديدة لتحل محل القدس الحقيقية. أما مدينة فلورنسا فارتباطها بالقدس كان نتيجة لأسطورة(66) تقول بأن موقع فلورنسا هو موقع القدس الجديدة، كما تبنت مشروع لإقامة مجموعة من المباني تقلد فيها النسيج المعماري للقدس الأرضية، أما ارتباطها بالقدس السماوية فيتمثل في تقليص عدد أبواب أسوارها إلى 12 بابا بدلا من 15 بابا حقيقيا، وذلك ليتناسب مع أحد العناصر المعمارية للقدس السماوية. أما مدينة بيزا Pisa فكان ارتباطها بالقدس ارتباطا(67) بيئيا ومعماريا. فبيئيا تم فرش المقبرة الملحقة بكنيسة البابتستري Baptistery بقاذورات أحضرت من القدس، وذلك لكي يبدأ سكان بيزا حياتهم وينهوها وهم مرتبطون بالقدس. أما معماريا فكانت كنيسة البابتستري Baptistery تعكس ارتباطا بكل من القدس السماوية والأرضية، فموضعة الكنيسة في مركز المدينة يحقق هذا الارتباط. وموضعة الكنيسة في مركز المدينة كان تصورا إيطاليا يعبر عن تقليد معماري لكل من القدس السماوية والأرضية. وأقدم مثال(68) على هذا التصور يعود إلى القرن الثاني عشر، حيث صورت القدس السماوية بمسقط دائري يحيط به أسوار عليها 12 برجا وفي مركزها الهيكل المزعوم (شكل –12) والواقع أن اعتبار القدس السماوية دائرية المسقط يتعارض مع رؤيا يوحنا اللاهوتي التي نصت على أن المدينة مربعة الشكل، كما بينت سابقا. واللافت للنظر أن تصورا آخر للقدس الأرضية (شكل-13) قام بعمله الألماني ميشيل هارتمان(69) Michael Hartmann سنة 1493م (والذي لم يشاهد القدس في حياته)، كان مطابقا لتصور القدس السماوية بعض الشيء. فلقد صور هارتمان الهيكل المزعوم في مركز المدينة، وبشكل معماري شبيه بقبة الصخرة، وبنفس موضعتها الحضرية أي مرتفعة على منصة ويوصل إليها بدرج. أما المدينة فهي محاطة بثلاثة أسوار متوازية. وهذه الأسوار ترمز إلى ما ورد في العهد القديم، من أن نمو المدينة وتوسعتها صاحبه نمو في امتداد أسوارها، ومع عدم صحة هذه الدعاوى كما بينت سابقا، إلا أن هارتمان أخطأ في تصويرها متوازية لأن ما ورد في العهد القديم، على عدم صحته، لم يشر إلى نمو المدينة نموا حلقيا أو دائريا، بل أفقيا وفي الاتجاهات الشمالية والغربية والجنوبية، ولم يشر إلى أي نمو باتجاه الشرق. وهذا بدوره يؤكد أن تصور هارتمان لم يكن مبنيا على معلومات موثقة بل على التصور السائد في اوروبا للقدس الأرضية (القدس العربية الإسلامية) من أن المدينة محاطة بأسوار ثلاثة كما ورد في العهد القديم، وان الهيكل المزعوم، الذي هو قبة الصخرة المشرفة في مركزها (70). وهذا المفهوم الذي كان سائدا في القرون الوسطى خاصة (القرون: 11-14)، أخذ بعدا نظريا وتطبيقيا وفنيا أكبر في عصر النهضة والذي سأتناوله فيما يلي من عرض وتحليل. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 يناير 2004 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 يناير 2004 2- تأثير القدس على المدن الإيطالية في عصر النهضة من الواضح مما سبق أن التعايش مع القدس كان في القرون الوسطى تعايشا روحيا أكثر منه واقعيا وماديا بمعنى أن التقليد المادي والمعماري والفني منه بصفة خاصة كان محدودا إذا ما قورن بعصر النهضة، حيث أصبحت المشاركة الروحية أكثر مادية، وأن العناصر المعمارية للقدس الأرضية أصبحت أكثر وضوحا سواء في الأعمال الفنية أو الاقتباس المعماري أو في الأدب المعماري. ففي الأعمال الفنية كان التأثر بالتخطيط العمراني لمدينة القدس، خاصة بقبة الصخرة وموضعتها الحضرية، كان جليا وواضحا. ففي لوحة المدينة المثالية(71)، للفنان الإيطالي بيارو دالا فرانسسكا Piero Della Francesca، (شكل-14) والتي أنجزها سنة 1470م، والتي عرفت بأنها الصورة الإنسانية للقدس الجديدة ، تظهر قبة الصخرة في وسط اللوحة بوضوح تام. كما أن اللوحة تجمع بين العمارة الدينية القادمة من القدس والعمارة المحلية الرومانية. أما العمارة الدينية فتتمثل بقبة الصخرة باعتبارها الهيكل المزعوم، ولما كانت قبة الصخرة عنصر رئيسي في النسيج المعماري للقدس العربية الإسلامية، فإن اللوحة تجمع أيضا بين القدس السماوية والقدس الأرضية في شكل قبة الصخرة، وعليه فإن المدينة المثالية يجب أن تكون على صورة القدس الجديدة، التي تحوي على عناصر سماوية وأرضية، أي مزيج من القدس السماوية والأرضية الممثلة بقبة الصخرة. المقامة على منصة مكشوفة، لا يحيط بها مباني، يرتقي إليها بدرجات، مغطاة بقبة، وثمانية الشكل أو اسطوانية بالمواصفات السابقة. كما ظهر تصور آخر للمدينة المثالية (شكل-15) لفنان مجهول(72) ويعود تاريخها إلى نهاية القرن الخامس عشر، يتوسط مركزها ساحة مربعة الشكل مقام عليها هيكل اسطواني الشكل متأثر بقبة الصخرة(73). ولكن تأثير قبة الصخرة يظهر بوضوح تام في لوحة تسليم المفاتيح لبطرس Delivery Of Keys To St. Peter ، التي رسمها الفنان الإيطالي(74) بيرجينو Perugino سنة 1481م (شكل-16) ، حيث يظهر الهيكل المزعوم على شكل قبة الصخرة في وسط ساحة مكشوفة، ومرفوع على منصة يرتقى إليها بدرجات. كما يظهر في مقدمة اللوحة الرسول بطرس يتسلم المفاتيح في إشارة واضحة إلى أن روما هي القدس الجديدة. وأن الهيكل المزعوم الذي هو على شكل قبة الصخرة بخصائصها المعمارية، وموضعتها الحضرية في اللوحة، ليست إلا تقليد واضح للقدس الأرضية التي هي القدس العربية الإسلامية. ويتجلى تقليد القدس الأرضية وتأثير قبة الصخرة على النسيج المعماري للمدن الإيطالية في لوحة زواج العذراء (شكل-17) للفنان الإيطالي روفائيل(75) Raphael Sposalizio ، التي رسمها سنة 1504م، حيث يظهر الهيكل المزعوم، على شكل قبة الصخرة، وبوضوح أكثر من إظهارها في لوحة تسليم المفاتيح. كما أن وضع قبة الصخرة كخلفية لزواج العذراء يعزز دعاوى روما بأنها القدس الجديدة في صورتيها السماوية والأرضية. أما السماوية فبتصويرها للهيكل المزعوم في مركز المدينة، وأما الأرضية فبتقليدها لقبة الصخرة عمرانيا بموضعتها الحضرية، ومعماريا بشكلها المثمن الأضلاع وقبتها النصف دائرية. وبهذا يتضح لنا تأثير التخطيط العمراني للقدس العربية الإسلامية على التخطيط العمراني للمدن الإيطالية، وهذا ما دعا بعض رسامي الخرائط والمصورين الإيطاليين والأوروبيين إلى تصوير القدس وتوضيح نسيجها المعماري، والتركيز على عناصره الرئيسية، لتكون مرجعا لتقليدهم ومصدرا لإلهامهم. فكان من أهم هذه التصاوير، المنظور الجوي (شكل- 18) الذي رسمه الفنان بيرنارد فون بردنباخ(76) Bernhard von Bredenbach للقدس سنة 1486م، حيث سيطرت قبة الصخرة في اللوحة على النسيج المعماري للمدينة، ولكن باعتبارها الهيكل المزعوم. فإذا أخذنا بعين الاعتبار، أن السنة التي أنتجت فيها اللوحة هي 1486م، كانت القدس في أوج تطورها العمراني والمعماري العربي الإسلامي- كما بينت سابقا في عرضي للتخطيط العمراني للقدس- الأمر الذي يعني أن تأثيرها المادي العمراني على المدن الإيطالية، وغيرها من المدن الأوروبية، كان أقوى من تأثيرها الديني السماوي، وهذا يتضح من الحضور المعماري لقبة الصخرة في أعمال الفنانين والمعماريين الإيطاليين. كما يوضح أن الهوية المعمارية العربية الإسلامية للقدس قد فرضت حضورها في المدن الإيطالية سواء كان ذلك بتأثيرات دينية أو فنية، وهذا ما يقر به مؤرخو الفن والعمارة في الغرب، وما تبناه الأدب المعماري واقتبسه المعماريون في عصر النهضة. ففي الأدب المعماري نجد أن رجل الدين الإيطالي السابق البرتي(77) Alberti (1404-1472م)، (الذي كان يعمل كاتبا في قسم المحفوظات في البلاط البابوي) والذي أصبح معماريا فيما بعد، وأكبر منظر معماري في عصر النهضة، قام بإسقاط نظريات العمارة الكلاسيكية على الهيكل المزعوم باعتباره قبة الصخرة. كما اقتبس المعماري الإيطالي دوناتوا برامنتي(78) Donato Bramante (1444-1514م) الذي قام بتصميم كنيسة الهيكل الصغير Tempietto (The Small Temple) ، (شكل-19) سنة 1511م. والكنيسة وإن كانت اسطوانية الشكل، إلا أن موضعتها الحضرية في أقدس الأماكن في روما، وهو الموقع المفترض لصلب القديس بطرس، وهذا يربطها بالقدس باعتبار أن كنيسة القيامة شيدت على موقع صلب المسيح. كما أن موقعها المركزي في روما يربطها بموقع قبة الصخرة المركزي في القدس. وكذلك رفع الكنيسة على منصة والوصول إليها بدرجات، وتسقيفها بقبة، خلافا لأسقف الكنائس البازيلكية الجمالوني، ما هو إلا تقليد لقبة الصخرة واقتباسا منها باعتبارها الهيكل المزعوم. ناهيك عن أن البرتي اعتبرها الهيكل المزعوم الذي هو قبة الصخرة في تصوره وتصور غيره من معماريي عصر النهضة الإيطاليين(79) مثل: فرانسسكو جيورجي Francesco Giorgi وجياكومو سولداتي Giacomo Soldati. وبهذا يتضح لنا مدى تأثير قبة الصخرة على النسيج المعماري للمدن الإيطالية، ومدى حضور هذا التأثير في الأعمال الفنية، وفي الأدب المعماري (نظريات العمارة) والأعمال المعمارية لمعماريي عصر النهضة في المدن الإيطالية، وذلك نتيجة الخطأ الشائع باعتبار قبة الصخرة هي الهيكل المزعوم. إن هذا الخطأ يمكن استيعابه وتفسيره في المسيحية باعتبار أن ارتباطها بالهيكل المزعوم ارتباطا رمزيا، وليس طقسيا إيمانيا كما هو في اليهودية. أما ما يصعب تفسيره فهو تبني اليهودية لقبة الصخرة واعتبارها الهيكل المزعوم، وهذا سيكون موضوعنا التالي. تأثير قبة الصخرة على يهود البندقية اعتبارا من منتصف القرن السادس عشر، تبنت دار جستنياني للنشر في مدينة البندقية بإيطاليا صورة قبة الصخرة (باعتبارها الهيكل المزعوم) كشعار لها، حيث قامت واعتبارا من سنة 1545م بإصدار مجموعة كتب يهودية تضع على غلافها شعارها وهو قبة الصخرة باعتبارها الهيكل المزعوم، يعلوها شريط كتابات عبرية تقرأ: "المجد لهذا البيت الأخير"(80)، وعلى القبة كتب بالعبرية الهيكل، والشعار مؤطر من جوانبه الأربعة بنفس العبارة السابقة كما هو موضح في (شكل-20). ومن الكتب التي ظهرت على غلافها كتاب المشناة لموسى بن ميمون (1550-1551م) الذي صدر في البندقية (شكل –21). وظهرت أيضا في سنة 1609 على غلاف كتاب الهجاداة(81) Haggadah الخاص بيهود البندقية، ولكن ليست بصورة منفردة بل في وسط تجمع سكني، محاط بسور سداسي الشكل، به بابان وستة أبراج (شكل –22أ)و (شكل – 22ب) وفي مقابل أحد البابين صورة المسيح راكبا على حمار وأمامه النبي اليسع ينفخ بالبوق ويهمان بدخول المدينة، والتي عرفت بأنها القدس المسيانية، وذلك في إشارة واضحة إلى النبؤات اليهودية عن المخلص، المسيا المنتظر. كما ظهرت صورة قبة الصخرة باعتبارها الهيكل المزعوم على ستارة خزانة التوراة في كنيس البندقية، وكذلك على بعض المنتجات الحرفية كالصواني والأطباق. ولقد تكرر ظهور قبة الصخرة في أعمال الفنانين(82) اليهود حتى وقتنا الحاضر. ويبدو واضحا أن استعمال قبة الصخرة من قبل اليهود، أمر لافت للنظر ومستغرب، وذلك لأن اليهود يعرفون أن الشكل المعماري لقبة الصخرة مختلف عن وصف الهيكل المزعوم، الوارد في العهد القديم. وللتغلب على هذا التناقض وتبرير تبنيهم شكل قبة الصخرة لهيكلهم المزعوم، استندوا إلى نبؤة النبي حجي (حجي 2: 9)، والتي تنص على أن الهيكل القادم، الذي سينزل من السماء مع المسيح اليهودي، ليس على شكل الهيكل القديم!؟ وهذا التفسير غير صحيح لأنه يتعارض مع نبؤتي حزقيال ودانيال. حيث ورد في نبؤة الأول وصفا يتطابق مع وصف الهيكل القديم. كما أن بناء هيرود للهيكل المزعوم كان بعد نبؤات حزقيال ودانيال وحجي!؟ ولما كان هيرود لم يزد في مساحة الهيكل السابق، واعتمد مقاساته وشكله، أي انه لم يغير في شكله كما يزعم جوزيفيوس وكل المؤرخين والآثاريين اليهود، فإن التفسير اليهودي المستند إلى نبؤة حجي غير صحيح. أضف إلى ذلك أنه لا يوجد في النبؤات اليهودية ما يعرف بالقدس المسيانية أو قدس سماوية بل قدس أرضية سينزل عليها الهيكل ويتموضع في المكان المخصص له كما تزعم المصادر اليهودية. وعليه فإن تصوير اليهود لهيكلهم القادم المزعوم على شكل قبة الصخرة، له أبعاد ومرام دينية وسياسية ربما تهدف إلى تعزيز الحضور اليهودي في الكنيسة الكاثوليكية، من خلال موافقتها على تصوراتها الخاطئة باعتبار قبة الصخرة هي الهيكل المزعوم. بل ربما يكون اليهود هم وراء إشاعة هذا الخطأ تمهيدا لتسهيل عملية اختراقهم للكنيسة لتنفيذ مآربهم الدينية والسياسية اللاحقة، وهي الاستيطان في فلسطين وتهويدها، وتهويد القدس وجعلها عاصمة للدولة اليهودية، وهذا ما تحاول اليهودية تحقيقه في وقتنا الحاضر، بعد الاستيلاء على فلسطين، ولكن بمساعدة المسيحية اليهودية البروتستنتينية مع موافقة مسيحية غربية. إن ما يعنيني هنا هو أن القدس العربية الإسلامية فرضت حضورها العمراني والمعماري على المدن الأوروبية والإيطالية بصفة خاصة، وشكلت مصدرا لأسس التخطيط العمراني استند إليه المخططون والفنانون والمنظرون والمعماريون في إيطاليا وغيرها من البلدان الأوروبية. كما أن الديانتين السماويتين وظفتا أهم عنصر معماري في النسيج المعماري للقدس العربية الإسلامية وهي قبة الصخرة كرمز في إنتاجهم الفني والمعماري، وبهذا التوظيف تكون الديانتين السماويتين اليهودية والمسيحية قد اعترفتا بالهوية المعمارية العربية الإسلامية لمدينة القدس، وتبنتاها بكل صراحة ووضوح، كما بينت على مدار هذا البحث، وكما هو واضح في الإنتاج المعماري والفني للمعماريين والفنانين الإيطاليين ويهود البندقية. وهذا بدوره يؤكد رأينا بأن الصراع الحضاري على القدس قد حسم لصالح الحضارة العربية الإسلامية. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 يناير 2004 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 يناير 2004 خاتمة تناول البحث التخطيط العمراني لمدينة القدس، كأطر عامة وليس بصورة تفصيلية. فعرض البحث ابتداء لمكانة القدس في الديانات السماوية الثلاث، وبين دعاوى كل ديانة من هذه الديانات وارتباطها الروحي بالمدينة، وخلص البحث إلى أن هذا الارتباط هو الذي شكل وما زال يشكل الخلفية النظرية التي حكمت تخطيطها العمراني ونسيجها المعماري. كما بين البحث أن الارتباط الديني بالمدينة شكل في التقاليد اليهودية والمسيحية مفهومين للقدس: القدس السماوية والقدس الأرضية. أما الأولى فكانت نتاج رؤى دينية يهودية ومسيحية، فهي صورة ذهنية وغير حقيقية، لأنه لا وجود مادي لها على أرض الواقع. وأما الثانية القدس الأرضية فهي مدينة حقيقية لها وجودها المادي ممثلا بموقعها الجغرافي وهيكلها العمراني وتركيبتها السكانية ونسيجها المعماري، الذي تشكل على مدى تاريخها، الذي حسم لصالح الحضارة العربية الإسلامية. فأصبحت القدس الأرضية عربية إسلامية اعتبار من القرن السابع الميلادي وحتى الآن. فاستعادت بذلك هويتها اليبوسية الكنعانية العربية، وصبغتها بالهوية الإسلامية، الأمر الذي أسفر عن تشكيل هوية معمارية عربية إسلامية، ممثلة بقبة الصخرة. ثم عرض البحث للمفهوم الخاطئ، الذي شاع بين الحجاج المسيحيين في القرن التاسع الميلادي، والذي اعتبر قبة الصخرة هي الهيكل المزعوم. وبين البحث كيف كان هذا الخطأ مصدرا أساسيا في تشكيل التصور الفني للقدس السماوية. كما بين البحث مصدرا التأثير الرئيسي على المدن الإيطالية وهما: التصور الفني للقدس السماوية، والتخطيط العمراني للقدس الأرضية العربية الإسلامية. وأن قبة الصخرة باعتبارها الهيكل المزعوم كانت العنصر الأكثر تأثيرا في المدن الإيطالية في نهاية العصور الوسطى وعصر النهضة. ثم تابع البحث عرضه للتعرف على التخطيط العمراني لمدينة القدس، فقسم تاريخها إلى أربعة مراحل، تناول في المرحلة الأولى نشأة يبوس أو سالم الكنعانية العربية سنة 3000ق.م. وغطت هذه المرحلة تاريخ المدينة وحتى تاريخ احتلال اليهود لها سنة 993ق.م، كما يزعم العهد القديم، وبين البحث عدم صحة موقعها الجغرافي، كما بين عنصرين من عناصر تخطيطها العمراني هما: السور وحصن يبوس. وتناول البحث في المرحلة الثانية الوجود اليهودي في المدينة (993ق.م-70م)، فعرض للتوسعات المزعومة، ودحضها، وذلك من خلال بيان التناقضات بين المصادر الكتابية اليهودية والاكتشافات الآثارية. أما المرحلة الثالثة فعرض البحث بها للوجودين الروماني والمسيحي، وبين أن أول تخطيط عمراني حقيقي وموثق للمدينة تم سنة 135م على يد الإمبراطور الروماني هدريان وأن المدينة أصبح لها هوية معمارية مسيحية ابتداء من القرن الرابع الميلادي وحتى القرن السابع. وعرض البحث في المرحلة الرابعة للقدس العربية الإسلامية ابتداء من القرن السابع وحتى القرن السادس عشر الميلاديين، فبين البحث كيف تم الحفاظ، في هذه المرحلة على النسيج المعماري المسيحي والتركيبة السكانية في المدينة. كما بين البحث كيف تم إعادة تشكيل النسيج المعماري في المدينة لتكتسب هوية معمارية عربية إسلامية، لم يتمكن الاحتلال الصليبي من زعزعتها، كما لم يتمكن الاحتلال اليهودي الحالي من تغييرها. وتابع البحث عرضه في هذه المرحلة لعناصر التخطيط العمراني والنسيج المعماري للقدس العربية الإسلامية من خلال وصف كل من: الجغرافي العربي البشاري المقدسي في القرن العاشر الميلادي، ووصف مجير الدين الحنبلي في القرن السادس عشر الميلادي. ثم تابع البحث عرضه ليبين تأثير القدس على المدن الإيطالية في العصور الوسطى، فوضح ارتباط المسيحية الكاثوليكية بالقدس، وعرض للجدل البابوي والنخبة الثقافية الإيطالية، وبين كيف أسفر هذا الجدل عن اعتبار روما القدس الجديدة. كما بين كيف حذت باقي المدن الإيطالية حذو روما واعتبرت نفسها قدسا جديدة، أو تشبهت بها، سواء بتقليد تخطيطها العمراني أو بتقليد قبة الصخرة وكنيسة القيامة، كما فعلت فلورنسا وبولونيا وميلانو وبورجوسان سبرلكرو وغيرها… كما بين البحث أن تقليد القدس لم يقتصر على تخطيطها العمراني أو نسيجها المعماري بل شمل بيئتها أيضا، كما فعلت مدينة بيزا. كما بين البحث أن الاحتلال الصليبي للقدس عزز الخطأ الشائع بأن قبة الصخرة هي الهيكل المزعوم، كما سهل الاتصال، الأوروبي بصورة عامة والإيطالي بصورة خاصة، بالقدس الأرضية، والتي هي القدس العربية الإسلامية. الأمر الذي أدى إلى تأكيد حضور بعض عناصرها العمرانية كالأسوار والأبواب. والمعمارية كقبة الصخرة في التصورات التي وضعها المعماريون والفنانون الإيطاليون للقدس السماوية وللقدس المثالية التي تم تقليدها كليا أو جزئيا في المدن الإيطالية. كما بين البحث كيف تطور التقليد الإيطالي للقدس، الذي ساد في القرون الوسطى من كونه تقليدا ماديا شكليا ناتجا عن ارتباطات دينية وروحية بالمدينة، إلى تقليد فني وأطر ممارسة نظرية معمارية في عصر النهضة. حيث عرض البحث لتصورات المدينة المثالية كما تخيلها بعض المعماريون والفنانون الإيطاليون، وبين حضور بعض عناصر التخطيط العمراني للقدس الأرضية في هذه التصورات. حيث ركزوا على تقليد قبة الصخرة، وجعلوا منها ومن موضعتها الحضرية نقطة استقطاب بصري في وسط المدن المثالية، التي يجب أن تكون المدن الإيطالية على نموذجها. ثم بين البحث كيف أخذ تقليد القدس بعدا نظريا معماريا عند أشهر معماريي عصر النهضة وهو البرتي، وكيف تم تطبيق هذا الإطار النظري في تصميم كنيسة الهيكل الصغير في روما. وخلص البحث إلى أن الحضور الفني والمعماري لقبة الصخرة في أعمال فناني ومعماريي عصر النهضة أثبت أن التأثير الفني والمعماري لمدينة القدس الأرضية كان أقوى من التأثير الديني الممثل بالقدس السماوية. وأن الهوية المعمارية العربية الإسلامية للقدس، الممثلة بقبة الصخرة، وعناصر عمرانية وحضرية أخرى، فرضت حضورها على التخطيط العمراني، والنسيج المعماري لمعظم المدن الإيطالية. كما بين البحث أن هذا الحضور الفني المعماري العربي الإسلامي قد امتد إلى يهود إيطاليا المقيمين في البندقية. إذ وضح البحث كيف زعم يهود البندقية أن هيكلهم المزعوم هو قبة الصخرة، حيث وضعوا شكل قبة الصخرة شعارا لكتبهم الصادرة في البندقية منذ منتصف القرن السادس عشر. وفند البحث الإدعاء اليهودي ونوه بالدوافع الدينية والسياسية وراء هذا الإدعاء. وخلص البحث إلى أن التقليد العمراني والمعماري، خاصة تقليد قبة الصخرة، الذي قامت به الديانتان ما هو إلا اعتراف صريح وواضح بالهوية المعمارية العربية الإسلامية لمدينة القدس، وأن الصراع الحضاري على هذه المدينة حسم لصالح الحضارة العربية الإسلامية. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 يناير 2004 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 يناير 2004 الهوامش 1.انظر: جون لوريمر (1982م)، تاريخ الكنيسة، 3 أجزاء، بدون ذكر المترجم، دار الثقافة، القاهرة، ج3/46 2.See: Nardi-Rainer, P.V. (1998), Between Vatable & Villalpando: Aspects of Postmedival Reception of the Temple in the Christian Art, published in The Real and Ideal Jerusalem in Jewish, Christian and Islamic Art. Eidtor Bianca Kuhnel, published by the Journal of the Center for the Jewish Art, The Hebrew University of Jerusalem. pp.: 218 3.See: Saint Augustine (1984) The City Of God, translated by Marcus Dods, 22 Vols., The University of Chicago Press, Vol., 18, pp. 472- 474 انظر: جون لوريمر، (مرجع سابق)، ج3/204-205 4.انظر: العهد الجديد، سفر يوحنا اللاهوتي 5.انظر: بديع العابد (2001)، الهوية المعمارية وأثرها في تحديد الهوية السياسية لمدينة القدس قبة الصخرة أم الهيكل المزعوم، مجلة اتحاد الجامعات العربية للدراسات والأبحاث الهندسية، المجلد 8، العدد 1، كلية الهندسة، جامعة بغداد، العراق، ص: 1-70 6.العهد القديم هو مجموعة الكتب الدينية التي تدين بها الديانة اليهودية وتعرف باسم التناخ في الدين اليهودي وبالعهد القديم في الديانة المسيحية. وأما الإنجيل فيعرف بالعهد الجديد. والعهد القديم في الديانة اليهودية يتكون من: الأسفار الخمسة التي نزلت على موسى والمعروفة بالتوراة، وكذلك من أسفار الأنبياء وهي أسفار متأخرة نسبت إلى أنبياء بني إسرائيل ويبلغ عددها 23 سفرا، كما يضاف إليها الأسفار التاريخية ويبلغ عددها 11 سفرا. فيكون عدد أسفار التناخ (العهد القديم) في اليهودية 39 سفرا. ولقد تبنت الكنيسة البروتسنتنينية نفس الأسفار اليهودية. أما الكاثوليكية والأرثوذكسية فعدد أسفار العهد القديم التي تبنتاها هو 46 سفرا، حيث أضافت الكنيستان 7 أسفار اعتمدتها مما يسمى بالأسفار المنحولة. أما العهد الجديد فهو الأناجيل الأربعة وملحقاتها من أسفار القديسين ويبلغ عددها 27سفرا، وهو خاص بالمسيحيين ولا يؤمن به اليهود. أما المسيحيون فكتابهم المقدس يشمل العهدين القديم اليهودي والجديد المسيحي. انظر: جوش ماكدويل (2002)، كتاب وقرار ( بدون ذكر اسم المترجم)، مطابع ألف باء- الأديب، دمشق، ص: 25-37 7.انظر: جون لوريمر، تاريخ الكنيسة، (مرجع سابق)، ج3/59 8.انظر: المرجع السابق، ج1/83-84 9.انظر: المرجع السابق، ج1/83-84 10.انظر: شفيق مقار (1992)، المسيحية والتوراة، دار رياض الريس، لندن، ص: 65-83 : رضا هلال (2001)، المسيح اليهودي ونهاية العالم، المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا، مكتبة الشروق، القاهرة، ص: 77-105 11.See: Linder, A. (1998), The Loss of Christian Jerusalem In Late Medieval Liturgy published in The Real and Ideal Jerusalem, pp. 166-172 See: Smith K.A. (1998), The Destruction Of Jerusalem in the Neville of Hornby Hours And Their Visual, Literary And Devotional Contexts. Published in The Real and Ideal Jerusalem, pp. 188 12.انظر: صلاة التسبيح (1975)، أجازه الأب سليم الصائغ، مطبعة الآباء الفرنسيسيين، القدس، ص: 103 13.المرجع السابق، ص: 133 14.See: Linder, A. (1998), The Loss of Christian Jerusalem In Late Medieval Liturgy, (Former reference), pp.: 166-172 15.See: Nardi- Rainer, P.V., Between Vatable And Villapando, (Former reference) pp. : 218 See: Sabar, S. (1998), Messianic Aspirations And Renaissance Urban Ideals: The Image of Jerusalem in the Venice Haggadah, published in The Real And Ideal Jerusalem, pp.: 301 See: Silver, L. (1998), Mapped And Marginalized: Early Printed Images Of Jerusalem, published in The Real And Ideal Jerusalem, pp.: 314 : Ousterhout, R. (1998), Flexible Geography And Transportable Topography, published in The Real And Ideal Jerusalem, pp.: 402 16.انظر: رضا هلال، المسيحية والتوراة (مرجع سابق)، ص:16 See: Collins, J. J. (Editor 2000), The Encyclopedia of Apocalypticism, 3 Vols. Continuum, New York, London. See vol. 1, pp.: 267-453 17.See: Moscrop, J.J. (2000), Measuring Jerusalem, Leicester University Press, London, pp.: 14-15 انظر: رضا هلال، المسيحية والتوراة، (مرجع سابق)، ص: 16-19، 61-62 18.انظر: رضا هلال، المسيحية والتوراة (مرجع سابق)، ص: 16 19.انظر: هيربرت لوكير (2000)، كل الوعود المسيانبة في الكتاب المقدس المتعلقة بالرب يسوع، ترجمة سليم اسكندر، دار الثقافة، القاهرة، ص: 1-480 20.انظر الهامش رقم: 3 21.See: Lidov, A. (1998), Heavenly Jerusalem: The Byzantine Approach, published in The Real And Ideal Jerusalem, pp.: 342 22.See: Ousterhout, R., Flexible Geography, (Former reference), pp.:394 23.See: Gilbert, M. (1985), Jerusalem, Rebirth Of A City, The Hogarth press, London. pp.: 220 24.Ibid, pp.: 220 25.Ibid, pp.: 105-220 26.انظر: فراس السواح (2001)، تاريخ أورشليم، دار علاء الدين للنشر والتوزيع، دمشق، ص: 40 27.انظر: المرجع السابق، ص: 41 28.إن تسمية يبوس بأورشليم في سفر (القضاة 1 :8) يتناقض مع ما جاء في سفر (صموئيل الثاني 5: 6-9) الذي يذكر أن داود احتل يبوس (سالم) وغير اسمها إلى مدينة داود ثم عرفت فيما بعد بأورشليم وهو تحريف لأورسالم، لأن حرف السين يلفظ شين في اللغة العبرية وهذا ربما يوضح بعض التناقضات في العهد القديم الأمر الذي يتعذر معه قبوله كمصدر تاريخي. 29.صهيون كلمة آرامية معناها التل أو الهضبة 30.كان موقع يبوس، المتفق عليه بين الآثاريين، هو تل صهيون، أي الهضبة الغربية الجنوبية في القدس. ولكن مع بداية القرن 19، قرر المؤرخ جورج آدم سميت George Adam Smith، إن موقع يبوس هو تل الظهور (أوفل)، وان مساحتها لا تتجاوز 14 فدانا أي حوالي 64 دونما. ومنذ ذلك الوقت أصبح موقع يبوس هو تل الظهور (أوفل) والذي يقع جنوب الحرم الشريف وحتى التقاء وادي الربابة مع وادي جهنم. See: Hopkins, I.W.J. (1970) Jerusalem A study In The Urban Geography, Baker Book house, Michigan, USA., pp.: 96-97 31.See: Ahlstrom, W.G. (1993), The History Of Ancient Palestine From Paleolithic Period To Alexander’s Conquest, Jost Press, Sheffield, England, pp.: 527 32.Ibid: pp.: 527-530 33.See: Wightman, G.J. (1993), The Walls of Jerusalem, Meditarch publisher, The University Of Sydney, Australia, pp. 184-191 34.:Ibid, pp.: 86 35.:Ibid, pp.: 86 36.:Ibid, pp.: 185-191 37.:Ibid, pp.: 186 38.:Ibid, pp.: 201 39.See: Peters, F.E (1985), Jerusalem, Princeton University Press, N.J., USA, pp.: 129-130 40.:Ibid, pp.: 130 41.See: Procopius (6th century), On Buildings, Vol., VII. Translated by Dewing, H.D., The Loeb Classical Library, Harvard University press, London, 1971, pp.: 345-349 42.انظر: الطبري (224-310هـ)، تاريخ الطبري- تاريخ الرسل والملوك، 11 جزء، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة، ج3/609 43.انظر: البشاري المقدسي (335-390هـ)، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مطبعة بريل، ليدن، هولندا، طبع سنة 1909م، ص: 165-171 44.انظر: مجير الدين العليمي (860-928هـ)، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، مكتبة المحتسب، عمان- الأردن، ج2/50 45.انظر: المرجع السابق، ج2/51 46.See: Ousterhout, R. Flexible Geography (Former reference), pp.: 407. 47.See: Fleck. C. (1998), Linking Jerusalem And Rome In the Fourteenth Century: The Italian Bible of Anti- Pope Clement V published in, The Real And Ideal Jerusalem, pp.: 448-452 48.See: Ibid, pp.: 452. 49.See: Nardi- Rainer, P.V., Between Vatable And Villapando (Former reference) pp.: 218 : Sabar, S., Messianic Aspiration, (Former reference), pp.: 301 50.: Ibid, pp.: 218-301 51.انظر: مجير الدين العليمي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل (مرجع سابق)، ج1/331 52.See: Fleck, C., Linking Jerusalem (Former reference), pp.: 448 53.: Ibid, pp.: 449 54.: Ibid, pp.: 450-451 55.See: Low, P. (1998), The City Refigured: A Pentecostal Jerusalem in the San Paolo Bible, published in The Real And Ideal Jerusalem, pp.: 265 56.: Ibid, pp.: 265-267 57.: Ibid, pp.: 271-272 58.See: Peters, F.E. Jerusalem (Former reference), pp.: 218 59.See: Low, P. The City Refigured, A Pentecostal Jerusalem, (Former reference) pp.: 272 60.: Ibid, pp.: 271 61.See: Ousterhout, R. Flexible Geography (Former reference), pp.: 394 62.: Ibid, pp.: 394 63.: Ibid, pp.: 394 64.: Ibid, pp.: 397-398 65.See: Fleck, C. Linking Jerusalem, (Former reference), pp.: 433 66.See: Ousterhout, R., Flexible Geography, (Former reference), pp.: 399 67.: Ibid, pp.: 401-402 68.: Ibid, pp.: 400-401 69.See: Kuhnel, B. (1998), The Use And Abuse, published in The Real And Ideal Jerusalem, pp.: XXVII 70.: Ibid, pp.: XXVII 71.See: Ousterhout, R., Flexible Geography (Former reference), pp.: 402 72.See: Sabar S., Messianic Jerusalem, (Former reference), pp.: 300-302 73.: Ibid, pp.: 306 74.: Ibid, pp.: 306 75.: Ibid, pp.: 305-306 76.: Ibid, pp.: 305-306 77.See: Silver, L. (1998), Mapped And Marginalized: Early Printed Images of Jerusalem, published in The Real And Ideal Jerusalem, pp.: 315 78.See: Naredi- Rainer, P.V. (1998), Between Vatable And Villapando, (Former reference), pp.: 218 : Sabar, S. Messianic Jerusalem, (Former reference),pp.: 304 : Fleck, C. Linking Jerusalem, (Former reference), pp.: 432- 433 79.See: Sabar, S. Messianic Jerusalem, (Former reference), pp.: 304 80.: Ibid, pp.: 304 81.: Ibid, pp.: 303 82.: Ibid, pp.: 300 83.See: Friedman, M. (1998) Chagall’s Jerusalem, published in, The Real And Ideal Jerusalem, pp.: 543. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان