أسامة الكباريتي بتاريخ: 20 ديسمبر 2009 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 20 ديسمبر 2009 (معدل) كي لا نقف مكتوفي الأيدي والقدس يجري تهويدها بغطاء او في العري .. والصمت من شيم العرب في وقت يكون فيه الكلام من ذهب .. ويسكت من أشبعونا نباحا على إخوتهم وأبناء عمومتهم .. وحتى لا يأتي يوم يقول فيه عربي بأن أحدا لم يلفت انتباهه لما جرى .. حيث أنني أعرف احدهم أصيب بالذهول قبل أعوام قلائل عندما سمع باغتصاب فلسطين يهوديا .. وكان تعقيبه على ذلك: هل سمع بذلك خادم الحرمين الملك فهد؟ وكان جوابنا : بكل تأكيد .. لأ لم يسمع قال : أدري ذلك .. فوالله لو وصله الخبر مابقي يهودي على الأرض علينا تناول القضية بشكل متعمق .. حول القدس بإيجاز شديد عزمي بشارة مقدمة من مهام علم التاريخ، حين يدعي العلمية، تفنيد الأسطورة بالبحث في أصل نشوئها ووظيفتها، وبكتابة تاريخ الوقائع في مقابلها، وبميل إلى معرفة الحقيقة كما كانت دون ادعائها، وبمنهجية تنزع نحو العلمية. ولا شك أن الأيديولوجية بما فيها من غايات وأهداف سياسية وزوايا نظر ومصالح، تتحكم في سردية التاريخ وفي الانتقائية (حتى غير الواعية للوقائع، ناهيك بالواعية) وفي الحجم والوزن الممنوح لهذه الواقعة في مقابل تلك. كما أن الأيديولوجية تتحكم وتتجلى بالتحقيب وتقسيم الزمان. فهذا التقسيم المحكوم بما تسمى خصائص كل حقبة هو غالبا عمل أيديولوجي. ومن هنا لا بد من تعرّض وتعريض عملية التأريخ والمؤرخين إلى نقد صارم. ومن هنا أهمية الحرية الأكاديمية في هذا السياق تحديدا، إذ لا بد من حوار أكاديمي حر بين المؤرخين لا يتوقف عند مقدسات ومحرمات. ولا بد من مراجعة عمليات التأريخ بين فترة وأخرى، ليس لمجرد اكتشاف وقائع جديدة أو الكشف عنها، ولا لمجرد اجتراح وسائل جديدة في النقد والبحث والتفكيك والتركيب، بل أيضا لأن خطابا سياسيا سائدا هُزِمَ حمَلتُه، أو ضعف داخليا وبات أكثر عرضة للنقد، أو أدى وظيفته، ولم يعد صاحب الشأن، الدولة، مثلا بحاجة له. فاكتشفنا فجأة أن هذا الخطاب قد صمم كتب التاريخ أيديولوجيًّا من وجهة نظره، فتحكم باختيار البداية والعصر الذهبي وعصر الانحطاط. واكتشفنا أن هذه ليست هي البداية بالضرورة، وأنه انتقى وقائع وأهمل غيرها. وبدل أن يفكك الأسطورة استخدمها أو تأثر بها وببنيتها وبسرديتها، فخدمها في عملية كتابة التاريخ، أو سخرها في خدمته. واكتشفنا أن كليهما كان مسخرا في خدمة هدف سياسي لحركات قومية أو دينية أو في خدمة نظام حكم. وانفضحت وما زالت تنفضح تواريخ أيديولوجية لدول تكتب تاريخا من زاوية نظر حدودها الموجودة، كأنه يوجد تاريخٌ موحدٌ لقطعة الأرض هذه بالتحديد يميزها عن وسواها على مر العصور، وكأن للجماعة البشرية التي تعيش عليها أيضا تاريخ موحد ومنفصل عن غيره.. والأهم من ذلك لموضوعنا أن التاريخ حين يكتب أيديولوجيّا يبدو في بعض الأحيان كمن يزيل القشور والوقائع الني تسمى عارضة. ويكتشف التاريخَ المضمر الذي يجب اكتشافُه ليبرر هذه الحدود السياسية، ودورَ هذه الأقلية أو الأكثرية الإثنية أو الطائفية الحاكمة بدلا من الأغلبية الديمقراطية. ومع ذلك فإن البنية المعرفية لهذا كله تمكِّنُ من الإثبات والنفي والتفنيد والمناقشة. وبذلك تختلف عن الأسطورة بحد ذاتها، وعن التاريخ المقدس ذاته. فالأخيران يعبّران عن إيمان منتشر عند جماعات بشريةٍ حول حكاية الأشياء وليس تاريخها. وتمنح الحكايةُ المتضمنةُ في كلِّ أسطورة معنى ومغزى لجماعات بشرية: أصلها ورسالتها، وسبب وجودها، و"حقها التاريخي" الممنوح لها والمشتق من الأسطورة. ولأنه قضية إيمانية فإن النقاش والمحاورة فيه أصعب. والإيمانُ مراتبٌ رغم كل شيء، هذا برأيي المتواضع. فهنالك فرق بين إيمان بحقائق بسيطة يمكن تكذيبها وإيمان بالله عز وجل. وعندما تُعرَض رواية تاريخية متماسكة بديلة لرواية تاريخية معتنقة اعتقادا يمكن زعزعةُ إيمانٍ بوقائعٍ جزئية عن جهل أو عن تقليد على خلاف الإيمان بقوة إلهية خارج الطبيعة لا حقائق تدحضها. وإذا ارتبط التاريخ المقدس بالدين نفسه، فإن المشكلة هنا هي التعامل مع الكتب المقدسة كأنها كتب تاريخ إذ يتم التعامل مع مغاز ومعان إلهية كأنها وقائع تاريخية. وهنا يشقُّ النقد، ويصعب النقاش. والوسيلة الأفضل طبعا هي ليست النقاش الصدامي، بل فصل التاريخ المقدس بوقائعه ورموزه وأماكنه وعجائبه ومآثره عن التاريخ الدنيوي الذي يحاول العقل البشري المحدود أن يستعيده بالوثائق والحفريات، وبمقارنة الأدلة والشهادات والمرويات والمذكرات وغير ذلك.. وقبل كل شيء بالعقل السليم الرافض للتسليم بالخرافات أو بالمعتقدات كأنها تاريخ حقيقي. ويبقى التاريخ المقدس كتاريخ يمنحُ معاني ومغازي، أو يولّدُ العبر كما تسمى في كتب التاريخ الإسلامية، وهي بامتياز كتب الأخبار والوقائع والعبر المتواشجة. ولكن السياسة تأبى هذا الفصل. والسياسة حالة دنيوية من القوى والمصالح. وهي تسخِّرُ الأسطورة والتاريخ المقدسَ، تسخِّرهما في التبرير والتعليل، وفي بناء الوعي والتعبئة والتجييش، وفي اكتساب الشرعية. وفي كل خطاب قومي، ناهيك بصراع قومي، يختلط التاريخ المقدس والتاريخ الدنيوي. وللتاريخ المقدس مناسبات ومعارك وأعوام، وأماكن للذاكرة، تتقاطع جميعها مع أحداث يريدها الوعي السياسي مفاصل تاريخية تشكّل وتصوغ الإدراكَ والشرعية. ولكن لا يختلطُ التاريخ المقدس بالتاريخ الدنيوي، لكي لا نقول المدَّنس، كما يختلطُ في القدس. ومصدر التاريخ المقدس هنا هو نصوص مقدّسة إلهية تروي قصةً، أو حكاية، عن المدينة. وقد ساهمت هذه النصوص وهذه القصص في تشكل وعي شعوب كاملة بعيدة وقريبة عن التاريخ والقوى المتصارعة فيه، وعن الخير والشر، وعن مسار التاريخ وصولا إلى القارئ نفسه. والمدينة حاضرة بشكل مركزي فيها. وقد أثَّرت بنيةُ هذه القصص على جيل كاملٍ من المؤرخين الغربيين والمستشرقين الذين نشؤوا على هذه القصص في البيت والمدرسة وفي الأدب والفن، وتعاملوا مع التوراة، وما يسمى مسيحيا بالعهد القديم كأنه كتاب تاريخ أو كأنه سيرة شعب. فبحثوا كعلماء ناضجين عن أدلة تثبته، وعن مواقع تأكّده. وحفروا في الأرض، وفي بالهم أن الموجودات هي مسميات لأسماء جاهزة في أذهانهم. الأداة منطق دائري يسند ذاته بأدلة تبدو مادية وعلمية. ولكن المنتوج أيديولوجي بشكل صارخ. وهو سياسي في خدمة سياسات ترى سكان البلاد الحاليين في فلسطين سكانا طارئين عابرين. فهم عابرون وطارئون على تاريخ البلاد الحقيقي القائم في أذهان هؤلاء. ولا يقوم الحق، ولا القانون الدولي، ولا العلاقات بين الشعوب إلا على أساس حق السكان على وطنهم الذي ولدوا فيه أبا عن جد، والذي فلحوا أرضه واستصلحوها، ورووها بعرقهم، وكتبوا فيها الملاحم والقصائد، وأقاموا فيه حاضراتهم وتوارثوها. وتخيلوا لو تعاملنا مع السكان في كل بلد في العالم كأنهم حالة طارئة على تاريخ هذا البلد القديم والحقيقي والمقدس، وأن لهذا التاريخ المقدس حملة آخرين، ومتشفين يرون في السكان ركاما فوضويا، أو مجرد ديكور، أو أداة حفر في أفضل الحالات. تخيلوا لو قررنا أن هذا التاريخ المقدس هو الذي يمنح الحق على البلد؟ طبعا لا يمكن تخيّل ذلك حتى بحق شعوب تعيش حيث تعيش منذ بضع مئات من السنين، ونعرف عينيا متى هاجرت ومتى توطنت، إذ إنها فعلت ذلك بعد أن نشأ علم تاريخ حديث مكتوب، ناهيك بدول لم تكن قائمة وأصبحت قائمة بفعل عمليات توحيد وانفصال طيلة القرنين الأخيرين في أوروبا وغيرها. فلسطين والتاريخ المقدس ولكن هذا ما يجري بشأن فلسطين وفيها. وهذه هي الإستراتيجية الأيديولوجية المتبعة إذا صح التعبير لمصادرة فلسطين من أهلها. إنها الاستعاضة بحق تاريخي مقدس عن حق السكان الموجوين بفعل وجودهم المتسلسل والمتواصل منذ مئات وآلاف السنين كما يفهمون هم "ذاتهم" ويعرّفونها. وهي الناتجة عن اختلاط الثقافات والشعوب وتلاقحها على أرضهم منذ كنعان وحتى هيمنت الثقافة العربية الإسلامية مشكِّلةً بوتقة صهر في الوقت ذاته. إنها استبدال التاريخ المعاش بتاريخ آخر، هو بنظر المستعمرين التاريخ الحقيقي والمقدس الذي يؤسس لكيان آخر غير الكيان القائم، وعلى أنقاضه. هؤلاء ينتجون خطابا أيديولوجيا يعاد استخدامه في خدمة سياسة توسعية استعمارية. ولا يجب أن يولد هذا المجهود المنتشر من المبعوثين المدنيين للدول الاستعمارية في أيام الإمبراطورية العثمانية، والمبشرين مرورا بالقادة الصهاينة، وحتى آخر مراسل صحفي وصل البلاد رد فعل علميا نقديا. فقد كاد يسيطر على الخطاب السياسي والإعلامي وحتى الجامعي الغربي، ناهيك عن الإسرائيلي، بخصوص فلسطين وحق اليهود التاريخي فيها. وتظهر الصهيونية الحديثة والمحدثة كممثل لهذا التاريخ اليهودي المفترض. ولا شك أن تفنيد هذا الخطاب بوسائل علمية تأريخية وبالحجة والمنطق هو رد الفعل الطبيعي، الذي لا بد من تشجيعه، خاصة حينما يأتي من علماء في أقسام التاريخ والأركيولوجيا في الجامعة التي تخون الأمانة عندما تؤسس للتاريخ المقدس لدين من الديانات كأنه هو التاريخ العالمي، وهي تدري كيف يجري تسخير ذلك سياسيا في احتلال بلد وطرد أهله. ولكن رد الفعل الآخر يأتي من المقموعين المصادرة أرضهم والمشردين والمحاصرين بالمستوطنين وبهذه الروايات والأساطير التي تقتحم بيوتهم وحاراتهم وتهدمها، أو تعيد تسميتها وتقسيمها، أو تشردهم وتقيم بدل قراهم مستوطنات بأسماء توراتية، أو تحوّلهم إلى أقلية في وطنهم، وتعتبرهم حرفيا مهاجرين وضيوفا دخلوا إسرائيل. خلافا للواقع الحاضر البديهي أنها هي دخلت عليهم. فمن يكتب تاريخا مزورا يميل عادة للكتابة المزروة عن الحاضر. وإذا كان يكذب ويشوه ما نشهده بأم العين فكيف نأتمنه على الماضي. ويكون رد الفعل أساسا بالمقاومة والصراع. وتستند المقاومة إلى شرعية الوجود على الأرض وإلى رفض الاستعمار باعتباره عملية سطو مسلح وعدوان. وهي لا تقوم لا على القانون الدولي من جهة، ولا على التاريخ المقدس من جهة أخرى. ولكن رد الفعل المقاوم هذا يستدعي أيضا مصادر شرعية ووطنية ودينية وخطابا مقابلا للخطاب التوراتي وتاريخا مقدسا آخر، أو قراءة مخالفة لنفس التاريخ المقدس، ولنفس الأمكنة. فهو يستثمر تراث الشعب وتاريخه ودينه في عملية المقاومة. والمشكلة أنه كلما تبيّن عجز الدول العربية، أو تبين عدم رغبتها في مواجهة أو مقاومة إسرائيل (كقوة دنيوية قامت بالفعل الحربي والاستيطاني وبالتخطيط السياسي وبالتطبيق الاستيطاني وبعملية بناء الأمة والمؤسسات وكلها أمور دنيوية جدا)، تضخم دور التاريخ المقدس المعارض والمناقض للتاريخ المقدس الصهيوني، وزاد دور الإيمان في عملية التعبئة والتجييش لجماهير تلك الدول التي تقاعست عن القيام بدورها. وبما أن القدس هي بؤرة التاريخ المقدس الصهيوني وعاصمته، خلافا لتاريخه الدنيوي من بودابس وفيينا وباريس ووارسو وبريست ليتوفسك وأوديسا إلى تل أبيب والكيبوتس والموشاف و"جيش الدفاع" الدنيوية جدا جميعها، فإن عملية التعبئة الصهيونية بشكل خاص منذ عام 67 تجري حول القدس. وكل ما يسمى قدسا بموجب الخطاب الصهيوني الذي يلتقي في القدس بشكل مطلق، ويتطابق مع الخطاب القومي الديني، يصبح مقدسا وغيرَ قابل للتفاوض. ولذلك فلا بد من توسيع القدس. وبعملية التوسيع هذه تتخذ الصهيونية وحكومة إسرائيل مكان الآلهة فهي تسمي مناطق تبعد عن القدس عشرة كيلومترات باسم القدس أو تعتبرها جزءا من القدس، فتصبح بذلك غير قابلة للتفاوض. وفي مقابل ذلك تجري تعبئة إسلامية تتمحور حول الحرم القدسي الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وحول المخططات الإسرائيلية العلنية والمخفية بشأنه.. ولا شك أن الشعب الواقع تحت الاحتلال احتاج القدس أيضا كرمز. وأصبح الحرم القدسي الشريف مركز حياة وهوية بالنسبة للمقدسيين بشكل خاص. فقد قُطِّعت أوصال مدينتهم، وتجري محاولة فصلهم عن الضفة الغربية، وحوّلوا إلى مجموعة غيتوات فقيرة داخل مدينة يهودية، وحرموا من المؤسسات الوطنية داخل المدينة، كما حوصروا اقتصاديا بقطعهم عن محيطهم الطبيعي في الضفة الغربية. ولم يبق من مركز يشدهم سوية سوى الحرم القدسي الشريف فالتفوا حوله، ينشدون كالعضلة في الدفاع. ولكن عربيا وإسلاميا برز قصور هائل. ففي الوقت الذي يتم فيه اختصار فلسطين إلى قدس بمعنى إهمال ما يجري في بقية فلسطين، وإذا اختزلت القدس إلى الحرم الشريف بمعنى عدم الاكتراث لما يجري في أحياء القدس من معاناة في ظل سياسة الأسرلة والتهويد، فإن هذا يصب في مصلحة إسرائيل التي أسرلت فلسطين والقدس كلها ما عدا الحرم القدسي الشريف، الذي تجري تحته الحفريات تحكى حوله قصة مدينة افتراضية تحته وحوله للسياحة الداخلية والخارجية. وبرأينا يجب أن يكون التوجه الديني الذي يلتقي مع الوطني والقومي في مقاومة الاحتلال معاكسا تماما. فكل القدس هي حرم شريف، وكل فلسطين هي قدس. والواجب الوطني والقومي والديني يقضي صدّ كل عدوان على فلسطين. حتى القرآن الكريم يتحدث عن المسجد الأقصى الذي باركنا حوله. وأنا أدعو إلى التركيز على معنى "حوله" هنا. ولنترك النقاش حول من بنى الهيكل: سليمان أم داود أم ملكي صادق، أم حتى سام ابن نوح، وأين امتحن الله إبراهيم بابنه على الصخرة؟ في القدس؟ أم عند الحجر الأسود في مكة المكرمة؟ فهذا النقاش لا يقلل من شرعية التاريخ المقدس اليهودي بل يؤكده من المنطلق النقيض طبعا، يؤكده كخصم له حاليا، حتى لو سمينا الهيكل المزعوم مسجدا. ومن هنا أدعوكم لرؤية ما جرى ويجري في القدس. حيث لا تعتمد إسرائيل الأسطورة فقط، بل أيضا القوة العسكرية والجرافة والبولدوزر والأمر الواقع والتخطيط والبناء وشق الشوارع وسكك الحديد لتكريس الواقع ولتحقيق الأهداف الدنيوية المبررة بالأسطورة وبالتاريخ المقدس. لقد تغيرت القدس جذريا في العقود الأخيرة. ولا شك أن من ولد فيها قبل عام 67 ويأتي لزيارتها يجد قدسا أخرى تماما. هذا هو الواقع السياسي الذي أسس لرسالة الضمانات من بوش إلى شارون من أبريل/نيسان 2004، ويؤكد فيها عدم واقعية عودة الواقع في القدس إلى ما كان عليه قبل عام 67، وهو أيضا ما دعا الأوروبيين مؤخرا بضغط إسرائيلي أميركي لتغيير اقتراح قرار سويدي أن تقسم القدس إلى عاصمتين، بحيث غدا الاقتراح بعد التعديل أن تكون القدس عاصمة لدولتين.. وأن يقرر الطرفان التغييرات والتعديلات على حدود الرابع من يونيو/حزيران. يجري في القدس حاليا اتبعت إسرائيل الآليات الإدارية والإجرائية التالية في عملية تهويد القدس وضمها: 1- اختراع مفهوم القدس غير القابلة للتفاوض بتحويل القداسة إلى مفهوم سياسي. 2- تتبع الرواية التاريخية التوراتية في كل حي وجبل وكهف في القدس بحيث تعاد تسميته ويستهدف بالاستيطان واعتبار سكانه ضيوفا تمهيدا للتضييق عليهم وطردهم. 3- توسيع حدود المدينة لكي تشمل القداسة الإسرائيلية المحتكرة وغير القابلة للتفاوض أكبر مساحة ممكنة من الأرض. 4- مصادرة الأرض من العرب وبناء المستوطنات. 5- تقليل عدد السكان العرب بالتهجير، وباعتبارهم مهاجرين دخلوا إسرائيل، ومصادرة "بطاقات الهوية"، كما تسمى في إسرائيل وثيقة الإقامة الدائمة في المدينة، بموجب قانون الدخول إلى إسرائيل. 6- فصل المدينة عن بقية الضفة الغربية بواسطة تغيير مكانتها القانونية، وتمييز مكانة سكانها عن باقي مناطق الضفة، وببناء حزام استيطاني حولها، ومؤخرا أيضا بواسطة الجدار العازل المحيط بالقدس والمسمى بالعبرية "غلاف القدس". منذ عام 1917 اعتبرت الخارطة الهيكلية البريطانية غربي القدس منطقة نمو وتطوير، في حين اعتبرت المناطق الواقعة شرقي المدينة خارج الأسوار مناطق بناء محدود، أما البلدة القديمة داخل الأسوار فقد حظر فيها البناء. وقد باشر الانتداب البريطاني ضمّ مستوطنات يهودية إلى القدس. أي أن فكرة توسيع المدينة لتشمل سكانا يهودا بأعداد أكبر، ومساحات بسكان عرب أقل، قائمة منذ تلك الفترة. فقد ضم الانتداب عام 1947 كل من مستوطنة بيت هكيريم ورمات راحيل إلى المدينة. وكانت وما زالت تبعد 4 كلم عن البلدة القديمة. في حين تركت قرى عربية متاخمة لأسوار البلدة القديمة مثل سلوان والطور وسور باهر كقرى خارج الخارطة الهيكلية للمدينة، أي خارج تعريف المدينة. وطبعا وسّعت إسرائيل المدينة فيما بعد لتصل إلى حدود بيت لحم جنوبا ورام الله شمالا. وباتت القدس هي الخارطة الهيكلية للقدس، أو مناطق نفوذ بلدية القدس. وخلط هذا كله بموقع أورشليم التوراتي، الذي كان اليهودي يختم صلاته به "إذا نسيتك يا أورشليم تنساني يميني". فهل كان المقصود قدسا سماوية تلتقي مع الأرض في يوم الدينونة، أم المقصود أورشليم أرضية غير معروفة الموقع، ويصعب تحديد أين كانت، إذا كانت؟ لا ندري. ولكن بالتأكيد لم يكن المقصود منطقة نفوذ بلدية القدس كما تتحكم بها الائتلافات الحكومية المختلفة في إسرائيل منذ الاحتلال. فور انتهاء معارك حرب يوينو/حزيران 1967 أعلن رئيس الحكومة ليفي أشكول عن توحيد شطري القدس. ولكن الإعلان لم يجر بالصراحة التي تتم فيها المجاهرة والمفاخرة بالقدس الموحدة في أيامنا. فقد كانت إسرائيل، وما زالت، متهيبة من أثر هذا الضم على الساحة الدولية. كما عارض أربعة وزارء من التحالف العمالي (المعراخ سابقا) عملية الضم باعتبارها قد تشكل عائقا أمام السلام. وقد أصر بيجن الذي كان وزيرا في حكومة الوحدة الوطنية تلك على الكلام جهارة عن توحيد القدس. ولكن كانت هنالك خشية من استفزاز المشاعر العربية والإسلامية والمسيحية أكثر مما ينبغي بعد هزيمة. هنا نجد الفن والمهنية الإسرائيلية في الصياغات التي تبدو إجرائية وجافة ومحايدة وعديمة الضرر. فكيف بدا نص القرار؟ هكذا قررت الحكومة الإسرائيلية في جلستها يوم 27 يونيو/حزيران 1967 التي ضمت فيها القدس الشرقية إلى إسرائيل في مخالفة صريحة قائمة على القوة لما يسمى القانون الدولي، الذي يحظر ضم الأراضي التي جرى الاستيلاء عليها بالقوة: "إن تلك المساحة من أرض إسرائيل التي سيتم توصيفها في الملحق سوف تعتبر مناطق تطبق فيها أحكام القوانين والقضاء والإدارة النافذة المعمول في الدولة". طبعا لن تجد في القرار كلمة القدس. وكل ما تجده في الخرائط الملحقة هو قطاعات صغيرة ملونة تدل على المناطق التي سوف "يطبق عليها القانون الإسرائيلي". ولن تجد كلمة القدس حتى في كلمة وزير العدل يعقوب شابيرا أمام الكنيست التعليلية لهذا المرسوم. لم يكن العناد ولا التباهي الإسرائيلي بشأن القدس قائما في حينه. ويبدو أنه ازداد مع مرور الزمن، وتناسب عكسيا مع الرغبة أو القدرة العربية على فعل شيء، وطرديا مع تلون ونفاق ما يسمى أيديولوجيا بالمجتمع الدولي. وصادق الكنيست على مرسوم الضم الحكومي. واكتفى بإدخال تعديلات على إجراءات الحكم والقضاء، المادة 11 (ب)، وكذلك على قانون البلديات بما يتلاءم وهذا المرسوم. في تلك الفترة كانت إسرائيل تبخل بالكلام، ولكنها كانت تخطط وتعمل وتصادر الأرض وتقيم المستوطنات. وكانت بموازاة ذلك وما زالت تدخل السكان العرب المحليين في متاهات العدالة والقوانين الإسرائيليين، حيث يصنع الإجراء بحد ذاته خبرا، أما النتيجة فدائما لصالح من يصادر الأرض. والنتيجة لا تصنع خبرا، فهي لا تدل على ديمقراطية إسرائيل. دولة الاحتلال تصادر بموجب قوانين، وهي نفسها التي وضعت القوانين التي تصادر بموجبها، وتهدم بموجبها البيوت، وتغير تضاريس المكان والسكان. ولكن في غياب أي فعل عربي وأي إستراتيجية مواجهة بعيدة المدى، كما هي إستراتيجية التخطيط الإسرائيلية، تحتكم الضحية لقوانين وضعها الفاعل. يوم 30 يوليو/تموز 1980، أي في عهد حكومة بيجن، أقر الكنيست قانون أساس (أي بالعربية قانونا دستوريا) هو قانون "القدس الموحدة عاصمة إسرائيل" الأبدية. (ولنترك جانبا للحظة ذلك "الأبد" الذي تحوله إسرائيل كما تحول "التاريخ" إلى موظف أو مراسل عندها). كان بيجن قد طالب بمثل هذا القرار منذ أن ضُمَّت، وذلك بعد توقيع أول اتفاق سلام مع دولة عربية هي أكبر دولة عربية. وعلى إثر هذا القرار وُسِّعَت مساحة القدس البلدية من 6.5 إلى 71 كلم2. وفي العام 1993 جرى توسيع مدينة القدس مرة أخرى إلى 130 كلم2. وفي العام 2005 أقرت الحكومة الإسرائيلية مخطط مدينة القدس حتى العام 2020 ويشمل أحياء استيطانية جديدة ومرافق وسكك حديد وشوارع ومناطق خضراء، وبتوسيع لمساحتها قدره 40% إضافية. وفي هذه الاثناء تحولت القدس الشرقية إلى مجموعة أحياء عربية تفصلها مستوطنات عن بعضها، ويحيط بها ما يقارب عشر مستوطنات. وشارك في هذا الجهد إضافة للدولة ولبلدية القدس مؤسسات يهودية عالمية وصناديق تموِّل شراءَ الأرض والمنازل حيث تصعبُ المصادرة، وجمعيات يهودية تخترق الأحياء العربية بيتا بيتا، وذلك بمتابعة أصحاب البيت المتوفين وورثته الموجودين في الخارج، وبتزوير الوثائق والإغراء المالي وغيره. لقد واجه سكان القدس العرب بدون مؤسسات حقيقية شبكة من المؤسسات القوية الغنية والطويلة النفس. وبقيت لجنة القدس التي أقامتها منظمة المؤتمر الإسلامي بعد الاعتداء على المسجد الأقصى بالحرق منصة للخطابات والبيانات. وحتى هذه شحت في الآونة الأخيرة. بين الأعوام 1948 و1967 صادرت إسرائيل الأراضي المملوكة من قبل عرب في القدس الغربية والبالغة 40% من مساحتها بموجب قانون أملاك الغائبين، الذي صادر أملاك العرب وجعلها في عهدة القيم على أملاك الغائبين. وهم المغيّبون المشرّدون في الحقيقة. وبعد عام 67 صادرت إسرائيل الأرض في القدس الشرقية. وما زالت تصادرها لبناء مستوطنات قسَّمت أحياء المدينة في شرقي القدس بمستوطنات مثل "رمات إشكول" والـ"جفعاة تسرفتيت"، و"هار هتسوفيم"، و"نفي يعقوب"، و"جيلو" وغيرها، وفي الموجة الثانية لغرض بناء مستوطنات تحيط بالقدس الشرقية من كل جانب مثل: "بسجات زئيف" و"متسودات زئيف"، و"هار حوماه"، ومعاليه أدوميم"، و"عطروت". وتفصلها عن باقي الضفة الغربية، بما في ذلك من تقطيع لأوصال الضفة كلها إلى قسمين، شمال وجنوب، يصعب التواصل بينها. وقد جرت هذه المصادرات بموجب قانون المصادرة لأغراض المنفعة العامة من العام 1953. وفي ظل الأيديولوجية الصهيونية يشكل بناء المستوطنات مصلحة عامة تبرّرُ مصادرة الأرض ممن لا يستفيدون منها بل تقوم المستوطنات على أنقاض منفعتهم العامة، لتعلّمك إسرائيل أن القانون يمثل أيديولوجية، ويخدمُ مصالح وأهدافا سياسية. وحتى لو تصرف القانونيون وكأن وظيفتهم غير سياسية، فهم سياسيون، ولكنهم سياسيون على سكة محددة، يسيرون عليها، لا يرون ولا يسمعون ما حولها. إن تفسير القانون الذي سنَّ لأهداف سياسية، والمرافعة بموجبه، والحكم بحسبه بشكل "موضوعي ومحايد"، هي نشاطات سياسية لا موضوعية ولا محايدة. وعندما تسلِّم المحكمة الإسرائيلية العليا بمثل هذه القوانين، وتحكم على أساسها فإنها لا تحكم بحيادية ولا بموضوعية، بل تحكم كمحكمة احتلال إسرائيلية هي أداة رئيسية في تبرير وتغطية وتنفيذ عملية الأسرلة والتهويد وإزالة العوائق من طريق الاحتلال والاستيطان. منذ العام 67 استولت إسرائيل على 85% من أراضي القدس الشرقية التي كانت تحت الحكم الأردني بفعل قوانين تملّك ومصادرة مختلفة. وقد تواطأ القانون والقضاء الإسرائيليان منذ ضم القدس في واحدة من أكثر عمليات الخداع القانوني فداحة في التاريخ. فقد وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية بمجرد الضم على أن يتم التعامل مع عرب هذه المدينة، سكانها الأصليين أبا عن جد، وأصحاب البيوت والأملاك فيها، كأنهم قد دخلوا إلى إسرائيل كمهاجرين لتوهم. وموعد هجرتهم إلى إسرائيل هو يوم ضمت القدس إليها. وبما أن القدس وبيوتهم نفسها صارت جزءًا من إسرائيل، فإنهم يعتبرون بسحر الفقه القانوني، في لحظة واحدة، وبين ليلة وضحاها، كأنهم دخلوا بيوتهم ذاتها كمهاجرين. وهكذا قررت المحكمة في قضية الدكتور مبارك عوض أن الولادة في القدس لا تمنح المواطن العربي إقامة فيها بالضرورة، ولا تمنع إبعاده عن المدينة بسحب إقامته المسماة في إسرائيل "بطاقة هوية". وبموجب قانون الدخول إلى إسرائيل يُمنَحُ المهاجرُ إقامةً، ولكن في حالة حصوله على إقامة في بلد آخر، أو في حالة حصوله على جواز سفر آخر، أو في حالة مكوثه خارج البلاد لمدة سبع سنوات فإنه يخسر كمهاجر إقامته في البلاد. (وفي هذه الحالة يخسر الإقامة في بلده). هكذا بدأت عملية تطهير إثني لسكان القدس. وقد بلغ عدد المقدسيين الذين حرموا من بطاقة الإقامة في بلدهم في العام 2008 وحده 4577 مواطنا. ومؤخرا في مايو/أيار 2006 وافقت المحكمة العليا أيضا على قانون بدأ كمرسوم يتجدد سنويا، ثم تحول إلى قانون لا يَمنَح بموجبه الزواجُ من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الحقَّ بلمِّ الشمل والإقامة في إسرائيل بما فيها القدس، أي أن المقدسي أو العربي من الداخل الذي يرتبط بابنة شعبه أو التي ترتبط بابن شعبها برابطة الزواج يجب عليه أن يغادر القدس عمليا إذا أراد أو أرادت العيش مع العائلة. وقد اتخذ القرار ببناء الجدار العازل حول القدس بطول 88 كلم في اللجنة الوزارية لشؤون القدس يوم 11 مايو/أيار 2002. وفيما عدا فصله للبيوت عن بعضها، وجانب من الشارع عن الجانب الآخر حرفيا، وإلغاء شوارع تاريخية مثل شارع القدس رام الله، وتحويل أحياء وقرى بكاملها إلى معازل، فإن الجدار أخرج من القدس 80 إلى 90 ألف عربي من حملة بطاقة الهوية المقدسية أو الإسرائيلية. وأخيرا يوم 11 مارس/آذار 2008 قررت الحكومة الإسرائيلية تسجيل عقارات فلسطينية في الطابو باسم اليهود الذين استولوا عليها من الحي المسمى مقدسيا باسم "حارة الشرف" وهو الملاصق لحائط البراق ويتاخم الحرم. لقد شرد سكان هذا الحي، وهجِّروا من بيوتهم لإقامة ساحة الصلاة عند حائط المبكى أو الحائط الغربي للهيكل كما يسميه اليهود، ولتوطين اليهود لإعادة أمجال الحي اليهودي. وأصبح اسم هذا القسم من البلدة القديمة داخل الأسوار "الحي اليهودي". وجرت مضاعفة مساحته عدة مرات. ولكن مع عملية التسجيل بالطابو حوّلت الأملاك المصادرة إلى ملكية خاصة للسكان اليهود كأفراد، وذلك في سابقة تتكرر حاليا في عملية خصخصة أملاك الغائبين، أي أملاك اللاجئين داخل المناطق التي احتلت عام 1948، وذلك في تصفية قضية اللاجئين والقدس حتى من الناحية الشكلية. إذ إن إسرائيل تقوم ببعثرتها إلى قضية ملكيات خاصة لأفراد مواطنين، بعد أن كانت أراضي دولة تعار لمواطنيها اليهود إعارة ولو لمدد 49 و99 عاما. ولكن هذه الخصخصة تتم بحماية الدولة وبتخطيطها. هذه الخصخصة هي مشروع عام لتصفية ما هو عالق مثل قضية أملاك اللاجئين ومصير القدس الشرقية. ولكن الخصخصة التي تقوم بها الأنظمة العربية هي ترك فلسطين للفلسطينيين، وما تقوم به السلطة الفلسطينية هو ترك القدس للمقدسيين ليصبحوا كالأيتام على موائد اللئام. ومن هنا لا بد من قلب المعادلة، لكي تصبح كل القدس هي حرم شريف وكل فلسطين هي قدس، ولكي تكون القدس وفلسطين قضايا الأمة بأكملها وليس قضية الفلسطينيين وحدهم. يصبح المنزل المعرض للهدم قضية كل المقدسيين إذا كانت القدس قضية الفلسطينيين، وقضية فلسطين هي قضية العرب، وهو النهج نفسه الذي لا يترك الفقر للفقراء ولا المرض للمرضى ولا التعليم للأهل وحدهم، إنه النهج نفسه الذي يبني أمما وشعوبا. تكتسب قضية القدس هنا رمزية من نوع آخر تماما. المصدر:الجزيرة تم تعديل 20 ديسمبر 2009 بواسطة أسامة الكباريتي يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 21 ديسمبر 2009 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 21 ديسمبر 2009 فلسطين والقدس والتاريخ زياد منى بداية لابد من كلمة صريحة عن الحاضر، قبل العودة إلى ماضي فلسطين القديم ملخصها: أننا على قناعة بأن مدينة القدس، ناهيك عن فلسطين، لا تحتل أي حيز في قلوب معظم الحكام العرب والمسلمين وعقولهم. فقد تخلوا عنها على نحو نهائي. التطورات في المنطقة منذ سقوطها للاستعمارين البريطاني والفرنسي تثبت ذلك على نحو لا يقبل الشك. قادة العرب والمسلمين، أداروا ظهورهم لفلسطين وللقدس ولا يكترثون بهما، حتى لفظيًّا. الآن، لقد شكل احتلال فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى منطلقًا جديدًا للإمبرياليات الأوروبية كي تقوم بتزوير تاريخ القدس وفلسطين القديم لصالح خطاب خلاصي (إنجيلي) يعتمد الأساطير والخرافات، وإن حاولوا صوغه بمقولات ومصطلحات شبه علمية. لكن المشكلة الكبرى تكمن في حقيقة أن الخطاب العربي والإسلامي عن تاريخ المدينة القديم لا يزال أسير مفردات ذلك الخطاب الخلاصي (الصهيوني) ومصطلحاته، بدلاً من أن يعتمد على مرجعية تاريخية متوافرة في الكتب والدوريات المتخصصة، وثمة علماء عرب وغير عرب عديدون قديرون يمكنهم المشاركة في النقاش من منطلق علمي رزين. فمن المفردات والمصطلحات الإنجيلية الصهيونية التي يحفل بها الخطاب العربي والإسلامي، على سبيل المثال: "هيكل سليمان"، "الهيكل الثاني"، "يبوس"، إضافة إلى تسمية المواقع الفلسطينية بأسماء توراتية أطلقها عليها علماء الآثار البريطانيون ومن بعدهم أثريو كيان العدو. ويبقى المصطلح "اليهود" هو المصطلح (الخلاصي) الأكثر استعمالاً، بينما يجب تمييز مختلف الطوائف "اليهودية" من بعضها، ولا ننسى هنا بالطبع ضرورة تمييز "بني إسرائيل" من "يهود"، وهو تمييز واضح في القرآن الكريم الذي يجب أن يشكل مرجعية الخطاب العربي والإسلامي عن المادة. إذا ما عدنا إلى المراجع التاريخية اليونانية واللاتينية عن فلسطين في القرون العشرة التي سبقت الفتح العربي الإسلامي، فإننا سنعثر فيها على معلومات مهمة للغاية تنقض "بدهيات" الخطاب الخلاصي "الإنجيلي-الصهيوني" الذي يتحدث عن سبي اليهود وما إلى ذلك من قصص التوراة. وبالمناسبة، فإن التوراة لا تتحدث أبدًا عن "سبي اليهود" وإنما عن سبي سكان مملكة يهوذا، والفرق بينهما، لو تعلمون، كبير. فعلى سبيل المثال، أقدم مرجع تاريخي متوافر عن "بلاد الشام" هو كتاب المؤرخ الإغريقي هِرُدُتْ "مكتبة التاريخ" المخصص على نحو خاص للحروب الإغريقية الفارسية. ولكن "أبو التاريخ" هذا كتب عن أمور كثيرة أخرى رآها أو سمع عنها خلال ترحاله في القرن الخامس قبل الميلاد من بلاد الإغريق إلى مصر، ومنها إلى بابل. فعلى سبيل المثال هِرُدُتْ الذي عاش وكتب في القرن الخامس قبل التأريخ المسيحي، لم يسمع عن "أورشليم" أو يهوذا، بل على العكس من ذلك فقد تحدث بصريح الكلمة عن "سوريو فلسطين"، وأوحى بأن فلسطين –هكذا حرفيًّا- تمتد من دمشق إلى صحراء سيناء، بينما يحدد الخطاب الخلاصي حدودها ضمن "قطاع غزة" الحالي تقريبًا. هِرُدُتْ لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى "إسرائيل" أو "يهوذا" أو "السامرة" أو "السبي" أو "أورشليم" أو "الهيكل". ولو كان سمع بذلك لكتب عن الموضوع حتى بكلمات مقتضبة، ذلك أنه تحدث عن مواقع وأقوام بعيدة، ومنها جنوبي جزيرة العرب ومنتجاتها الطبيعية، التي كما نعرف تبعد عن طريق مسيرته آلاف الأكيال. نحن لسنا في صدد الحديث عن جغرافية "الحدث التوراتي" وإنما تأكيد أمور بدهية وجب أن يعرفها القارئ غير المتخصص. أليس من الأمور المذهلة حقًّا أن يتحدث "أبو التاريخ" عن جغرافية فلسطين بهذه الكلمات، وأن يتجاهل الخطاب الخلاصي، الإنجيلي الصهيوني، هذه الحقيقة. أليس من المذهل حقًّا أن أبا التاريخ لم يسمع بالسبي ولا بأورشليم ولا بيهوذا.. !!، وهي أحداث من المفترض أنها وقعت في مدة قصيرة قُبَيل عهده. فلو كانت قائمة وقتها، حتى في الذاكرة العامة، لكتب عنها. هذه حقائق أساس لأنها تمدنا بمعلومة مهمة عن تاريخ المنطقة وأقوامها. لكن هِرُدُتْ لم يكن الوحيد الذي كتب عن المنطقة في تلك المرحلة، إغريقيًّا كان أو "لاتينيًّا"، وإن كان الأقدم. كل من كتب عن الإقليم في تلك المرحلة استخدموا المصطلح نفسه، أي: فلسطين. أرسطو وباليمو الإليومي وكاسيُس ديو العضو في مجلس شيوخ بالإمبراطورية الرومانية الذي رفض صراحة اسم "يهوذا" الرسمي، ويوليوس أفريقانوس وبطليموس وفيلو السكندري، جميعهم أطلقوا على الإقليم اسم فلسطين. والأمر ذاته فعله آباء الكنيسة ومنهم أسقف مدينة قيسارية يوزبيُس وأُرِغِنِس على سبيل المثال لا الحصر، مناقضين بذلك الوصف التوراتي لحدود "فلسطيا" التي من اسمها اشتق الاسم المعرب "فلسطين". مسألة أخرى جديرة بالالتفات إليها هنا، وإن على نحو سريع وهي ما يسمى "الهيكل". أولاً، قصة بناء هذا المعبد تردنا من كتب التاريخ والجغرافية الإغريقية واللاتينية التي تقول إن الوالي المحلي الذي عينه الرومان الذين احتلوا فلسطين في القرن الأول قبل التأريخ المسيحي حاكمًا على "ولاية" -وكان اسمه "هِرودس"، وهذه صيغة مؤغرقة للاسم الآرامي "حرد"، وكان عربيًّا من الأنباط وكان متزوجًا من ابنة أحد ملوكهم- بنى معبدًا، وهو المسمى "هيكلاً"، في مدينة القدس لإرضاء كهنة البلاد المسيطرين على مختلف الطوائف "الموحِّدة"، ومنها طوائف الصدوقيين والفريسيين والكتبة والسيكاريين وجماعة الفلسفة الرابعة والمندائيين.. إلخ المذكورين في أناجيل "العهد الجديد". في الوقت نفسه بنى حرد العربي قصرًا لنفسه وقلعة أعلى من ذلك "الهيكل" وتشرف عليه. ومن الأمور المعروفة أن الحكام، قديمًا وحاضرًا، يقيمون أفخم المباني "الدينية" تقربًا من العامة المؤمنة فطريًّا وللتغطية على فسادهم وجورهم وظلمهم.. إلخ وعندما تمردت بعض الطوائف في مدينة القدس قام الرومان بهدم معبد حرد، الذي يطلق عليه الخطاب الخلاصي اسم "الهيكل الثاني" تمامًا، وصكوا عملة بالمناسبة تظهر على أحد وجهيها ثيرانًا تحرث الأرض التي أقيم عليها. إن استشارة المراجع اليونانية والرومانية ذات العلاقة، إضافة إلى المجلات الأثرية المتخصصة توضح أنه من غير الصحيح إطلاقًا الحديث عن "الهيكل" –الأصح: المعبد. السبب أنه وجد ما لا يقل عن ستة "هياكل" في مختلف أنحاء المشرق العربي، من جزيرة الفيلة في صعيد مصر إلى بلدة الدامور الواقعة حاليًّا ضمن أراضي الدولة اللبنانية. وكما أنه من غير العلمي الحديث عن "الهيكل" فإنه من غير العلمي أيضًا الحديث عن اليهود. فـ"اليهودية"، التي هي ديانة انبثقت في القرن الثاني من التأريخ المسيحي الغربي من "اليَهْوِيَّة". فقد عرف العديد من الطوائف "اليهودية"، نسبة إلى قبيلة إقليم "يهوذا"، التوراتيين، المختلفة والمتناحرة ومنها القرائيون على سبيل المثال. إضافة إلى ذلك، فإن العرب اليهود، أو اليهود العرب، لم يعترفوا بالتلمود الذي هو نتاج غيتوات أوروبة الشرقية والغربية. نقول إن الديانة "اليهودية" تأسست على يد مجموعة من الكهنة الفريسيين الذين بادروا إبان حصار الرومان لمدينة القدس إلى الاتصال بهم وعقدوا معهم صفقة أداروا بموجبها ظهورهم لـ"أبناء ملتهم" المزعومين وخرجوا منها إلى مدينة يبنة الساحلية قرب اللد، حيث بدؤوا بتأسيس المدارس الدينية وتدوين تعاليمهم في سفر يعرف باسم "التلمود". فاليهودية ديانة بدأت في التبلور في القرن الثاني للميلاد أسسها فرع من ديانة توحيدية أو ربما أحادية (أي: تؤمن بإله واحد ولكنها لا تنفي وجود آلهة أخرى) أطلق عليها أهل الاختصاص اسم "اليَهْوِيَّة" نسبة إلى الإله "يَهْوَه" الذي عرفه سكان بلاد الشام منذ الألف الثالثة من التقويم المسيحي. و"اليهود" الغربيون القاطنون الآن في فلسطين المحتلة هم نتاج الفكر والحركة الصهيونية. قبل ولادة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، لم يكن هناك "يهود" كما يظهرون الآن. فلغة "يهود" أوروبة، أي الأشكناز، كانت اليِديش، أساسها اللغة الألمانية، مع خليط من لغات أخرى منها اللاتينية وبعض المفردات "العبرية". أما لغة "اليهود" الشرقيين-العرب، أي "المزراحيم" فكانت العربية. الحاخامات الأشكناز حظروا تداول "العبرية" لأنها "لغة مقدسة"، لغة إلههم يهوه. فقط الرجال سمح لهم باستعمالها في الصلوات فقط، أما نساء "اليهود" فكان محظورا عليهن استعمالها حتى في الصلوات. وما قلناه سابقًا عن مختلف التزويرات يسري على القدس، تاريخًا وحاضرًا. فهذه المدينة هي التعبير المكثف عن فلسطين، وفلسطين هي المدينة. تاريخ الإقليم والمدينة سارا جنبًا إلى جنب، وتزوير الخطاب الإسرائيلي الصهيوني، والخطاب الخلاصي (الكنسي) الغربي تاريخ فلسطين يؤدي بالضرورة إلى تزوير تاريخ مدينة القدس. وما التنقيبات المحمومة التي يقوم بها الإسرائيليون أسفل مدينة القدس القديمة إلا محاولة لتزوير التاريخ بهدف مصادرة الحاضر. الهدف هو محاولة إضفاء شرعية "علمية" على تاريخ وهمي وخيالي لم يعثر على أي دعم أثري له بعد نحو قرنين من التنقيبات المستمرة. هذا الموضوع معقد إلى درجة ما ولذا نؤثر تجنب الخوض في تفاصيل إضافية قد تربك غير المطلع. لكن ما كتبناه من حقائق مفيد من ناحية توضيح أن الكتابة في تاريخ فلسطين القديم علم قائم بذاته يتطلب معارف علمية واسعة وفي مقدمتها معرفة اللغات القديمة ومنها الآرامية والأكادية واليونانية واللاتينية والمصرية القديمة والعربية الجنوبية من سبئية ومعينية وحميرية.. إلخ، وكذلك اعتماد التنقيبات الأثرية مرجعًا وحيدًا. المشكلة التي تواجه الخطاب العربي السائد عن الموضوع تكمن في افتقاده إلى الحد الأدنى من هذه الشروط والمقومات، لذا نراه هزيلاً وبائسًا يعتمد الخطاب "التوراتي" والخلاصي مرجعًا، مع بعض التذاكي غير الموفق، خصوصًا عندما يجزم بأن الكنعانيين عرب واليبوسيين (المفترض أنهم سكنوا القدس القديمة قبل بني إسرائيل) عرب.. إلخ، مع أنه لم يعثر في بلاد الشام على أثر واحد يشير إلى "يبوس" التوراتية هذه، ولكن ثمة أكثر من يبوس خارج فلسطين، في سوريا مثلاً، وهي مركز الحدود السورية اللبنانية بمحاذاة بلدة المصنع اللبنانية، واسمها "جديدة يبوس" لتمييزها من جديدة أخرى، ليست يبوسية!. لذلك فإن الخدمة الكبرى التي يمكن تقديمها لمدينة القدس ولفلسطين عمومًا، تاريخًا وحاضرًا هي الامتناع عن الخوض في موضوع خطير كهذا من دون امتلاك الأدوات العلمية الأساس التي أشرنا إليها آنفًا. فليس من باب التحامل على الموضوع أطلق أهل الاختصاص على المادة مصطلح عش الأفاعي/عش العقارب. والمقصود أن ارتكاب أي خطأ سيؤدي إلى لسعة قاتلة، وكم من علماء ومدعين وأشباه علماء لسعتهم العقارب وأنهت حياتهم العلمية. وهنا نأمل أن تقوم قناة الجزيرة أو أي جهة أخرى متخصصة بإعطاء موضوع تاريخ القدس وفلسطين القديم ما يستحقه من اهتمام، على طريق تأسيس خطاب علمي عربي رصين عن المادة والابتعاد عن مصطلحات ولغة وخطاب عفا عليها الزمن. ولا حول ولا قوة إلا بالله. المصدر:الجزيرة يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان