اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

مصر, الوطن. حاضر أليم, وأمل في غد عظيم.


MaYousof

Recommended Posts

أخواتي وإخواني أبناء وطني الشرفاء,

أدعوكم, وانا على يقين ان من بينكم العادل, والمنصف, ومن بينكم من لا ينكر الحق, ولا يجحد المعروف. من بينكم ناس أحبوا وطنهم لأنهم تربوا في كنفه وأكلوا من خيره ونعموا بدفئه, فلم يكن منهم نكران للجميل ولا جفاء لما أعطاهم وطنهم لهم. أدعو منكم كل قادر على حمد الله عندما يذكر نعم الله عليه فلا يكفر ولا يقنط. أدعو فقط أولاء الذين يرغبون في أن يكونوا فعلا لخير وطنهم لا رد فعل ناقم عليه. أدعو منكم من يعرف أكثر من مجرد الدعاء على أخيه الذي ظلمه بأن يدعو له بصلاح الأمر, لا سلبية منه, وإنما إدراكا ويقينا بأن الله حرم على المسلم أكل لحم أخيه ميتا. فلا النعرة أطعمت ولا النقمة سقت. أدعو منكم كل من كان على استعداد أن ينفض من على كاهليه غبار الجاهلية فلا نفتأ نجهل فوق جهل الجاهلين. أدعو منكم كرامكم, من رضى أن يعطي لوجه ربه لا انتظارا منه أن يمجده وطنه على معروف صنعه من أجله وإنما صنعه عطاء منه لكرمه وحسن خلقه.

أولاء أدعوا. فإن كنت منهم فأهلا حللت وسهلا وصلت. وإن لم تكن فلن تضرك المطالعة, وأسألكم جميعا أدب الحوار, والبعد عن شخصنة المداخلات, لا عن زميل في نادينا هذا, ولا عن أي مصري, وزيرا كان أم غفير.

أبدأ هذا الموضوع يا أخواني وفي داخلي رجاء وأمل أن يطرح كل من دعوته منكم رؤيته الذاتية للحال الراهن, وتحديد أركان المشكلة, وبيان الصورة المرغوب ان يكون عليها الوطن واختلافها عن صورتها الراهنة, وبيان المتطلبات المقترحة لحدوث هذا التغير في وضع الوطن, ومناقشة طرق تحقيق هذه المتطلبات. فرب نقرة صغيرة لها وقع كبير.

لكم مني عميق التقدير والتحية, والحب.

تم تعديل بواسطة MaYousof
رابط هذا التعليق
شارك

Image13.jpg

مصر

الوطن .. حاضر أليم

اسمحولي ان أبدا بنفسي لأعرض عليكم رؤيتي وتصوري الشخصي عن المشكلة وبواطن الألم, عسى أن يكون هذا عونا لاستثارة العقول ومحفزا متواضعا لهذه التجربة. فربما تمخضت يوما عن غد يرجوه الشرفاء منا لأبنائهم وأحفادهم.

وطننا مصر ليس أرضا نعيش عليها فقط, فلو كانت أرضا فقط لكن هينا علينا تبديل أرض مكان أرض وانتهى مابدأ. مصر الوطن أعمق وأكثر, لكن اسمحوا لي أن أختزلها جزئيا في نقاط محددة ليكون هذا عونا لي في عرض المشكلة, ولنسبر أغوار وطننا العميقة ربما في مقام آخر.

مصر الوطن (النقاط الأساسية لعرض الصورة):

  • الأرض - أقصى يمين الشمال الأفريقي. اسمها الرسمي الحالي "جمهورية مصر العربية".
  • الشعب - قسمان, قسم عديم الوعي, وقسم يتميز بالوعي وتحري الحق.
  • الحكومة - كما والشعب قسمان, قسم مثقل بالفساد والتربح, وقسم يحكمه صوت الضمير.

هذه كانت أركان الصورة حسب تصوري. معظمنا يرى أن مشكلتنا تتلخص في نقطة واحدة, وهي القسم المثقل بالفساد والتربح في الحكومة. قد يكون هذا صحيحا, لكني أرى أن هناك ركن آخر من اركان الصورة يئن الوطن ألما مريرا تحت وطأته, ألا وهو عدم الوعي عند الشعب. فاختلطت عنده المفاهيم, وتشوشت الرؤية بعيدة المدى لدى الفرد بشكل اخطر مايكون.

يتبع

تم تعديل بواسطة MaYousof
رابط هذا التعليق
شارك

3765022761_2ec30ec0.jpg

عملة واحدة

ملك .. وكتابة

كثير منا يرى أن الشعب وادٍ والحكومة وادٍ آخر. وهنا يقع مربط الفرس. فكلاهما نفس الوادِ, وكلاهما ركن من أركان الوطن يسيران جانبا إلى جنب ليمثلا دوما عملة واحدة, ذات وجهان. وجه للملك, والآخر وجه الكتابة. فلا يمكن لوجه أن يكون ذهبا بينما الآخر يصنع من النحاس. إنها دوما سبيكة واحدة يمثل المعدن على أحد وجهيها نفس نوع المعدن على والوجه الآخر. فكلا الوجهان إما ذهبا غال, او كلاهما من النحاس الرخيص.

Image6.jpg

يعيب جزء لا بأس به من الشعب - أحد وجهيّ العملة - عدم الوعي. فاختلطت المفاهيم عنده, وتشوشت الرؤية بعيدة المدى لدى الفرد بشكل اخطر مايكون.

ولـّد عدم الوعي عند الفرد عادات تخطت في قبحها قبح حقيقة عدم الوعي ذاتها, وأضحت العادات الأكثر قبحا هذه غير مستهجنة بين غالب أفراد الشعب, ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

  • عدم نصر المظلوم والتهاون في رد الحق.
  • أنانية قصيرة النظر وغالبا عمياء تماما.
  • غوغائية تصل إلى حد البربرة.
  • نفاق تفوح منه رائحة عفنة.
  • غاية تبرر كل الوسائل.

يؤلمني أكثر مايؤلمني هنا أن في وطننا العديد الذي عماه عدم الوعي بالكلية عن القدرة على تمييز العادات القبيحة من دونها. لذا سأضرب أمثلة سريعة تبين أن إنكار اكتساب بعضنا لعادات قبيحة من النوع الذي فقدنا القدرة على استهجانه هو عمل يمارس يوميا.

عدم نصر المظلوم والتهاون في رد الحق - طيبة الشعب

قد لا يتبين لبعضنا من الوهلة الأولى أن كثيرا منا لا ينصر المظلوم, لكن هذا عين الواقع. في كل مرة يتسامح فيها أحدنا مع ظالم ظلم هو عدم نصر للمظلوم ومساوة بين الصالح والطالح. فسلَب بذلك المجتمع من الصالح أي دافع لعمل الحق وشجعه على الركون للباطل. ودخل عندها المجتمع تحت تأثير دوامة هبوطية المسار downward spiral تزيد الأمر تأزما مع الوقت. فعندما يرى أحدنا شابا يعاكس ابنة من بناتنا يشيح بوجهه كان الأمور التي تعني المجتمع لا تعنيه بشخصه مع أنه يعيش في هذا المجتمع ويتضرر منه إذا فسد. وهو بذلك لا ينصر المظلوم ولا يرد الحق. وعندما يخطئ أحد سيئي الأخلاق فيقصر في عمله أو يرمي مخلفات في بيئته المحيطة نتدافاع في مساعدته على عدم نيل عقابه. وهو دلالة واضحة أن قلة وعي الكثيرين منا عمتهم عن التفريق بين رد الحق وبين المسامحة. وبدلا من أن نقف على قلب رجل واحد لننصر أخانا الظالم بالأخذ على يده تركناه يعثوا فسادا, عشان احنا شعب طيب. فنقول: "ماجاتش على ده اللي لازم نعاقبه", غير مبصرين أن في هذا جورا على حق الشريف. أو نقول: "هي يعني جت عليّ أنا اللي لازم أرد الحق", غير مميزين أن عشعشة ثقافة عدم نصر المظلوم والتهاون في رد الحق هي ما دفعتنا إلى هذا النوع من الخذلان. وأصبحت طيبتنا سبب خمولنا ووهننا.

أنانية قصيرة النظر وغالبا عمياء تمام - غباء الشعب

في الأوطان التي لا يرزح شعبها في كل مناحي الحياة تحت وطأة الفساد يمتاز شعبها بأنانية من نوع آخر غير التي نجدها في وطننا. أنانية بعيدة النظر, يدرك ممارسها انها السبيل الأصلح له قبل أفراد مجتمعه. فالمرتشي في وطننا, وهم كثير, غير مدرك أن الرشوة تدور وتدور ثم تعود عليه وعلى أهله. يذهب يمينا, فيضطر هو نفسه لدفع رشوة, ويذهب يسارا, ويضطر للدفع تارة أخرى, وإبنه وأبوه وخاله وعمه وسيده هم أيضًا يضطرون لدفع رشى فوق رشى. يرتشي 20 فيدفعهم 200 وأهله يدفعونهم 2000. المرتشي فكره أنه ناصح لأنه ابتز احدهم وأخذ منه سبوبة, غير مبصر أنها عادت عليه وعلى أهله بالوبال.

إن من لا يرمي القمامة في عرض الشارع في الأوطان الأخرى أناني لكن من نوع آخر غير الأناني الذي يئن منه وطننا في زماننا هذا. يحافظ على النظام, يقف في الاشارة الحمراء, في الطابور, يلتزم, لا لأنه منظم, ولكن لأنه بيحب نفسه. أناني ذكي, ذكي بحق. فهو يعلم أن ثقافة الفهلوة والحذاقه والتضبيط واللحق ليست نصاحة وإنما عدم وعي وغباء مغلف بالاستنصاح. أنا لا أدعو أبناء وطني بالزهد في الدنيا وترك التمتع بها, وإنما أدعو كل فرد منهم بحب نفسه أكتر من غيره, لكن مع إعمال العقل. قصر نظر كثير من أفراد الشعب ونظرهم تحت اقدامهم لا تنفعهم. ولأن الشعب عمي عن إدراك الفرق بين النصاحة والاستنصاح فغدى فاقدا القدرة على التميز بينهما, سيبقي معتقدا حسب ثقافته الحالية أن الاستنصاح افيدله بشكل شخصي حتى لو حلفت له على المصحف والإنجيل إن حتى على النطاق الشخصي الضيق فالاستنصاح آثاره مدمرة عليه قبل غيره.

غوغائية تصل إلى حد البربرة - عنترية الشعب

قد يظن كثير منا أن ردع الباطل بالباطل نوع من أنواع رد الحق بالحق. ولا ألوم عدم قدرة أكثرنا على التميز بين استخدام الحق من الباطل بعدما عمى عدم الوعي قدرة أكثرنا على استهجان التخاذل في رد الحق, فأمسى أكثرنا يرى محاولة ردع الباطل ورد الحق من أسمى أنواع العنترية والمرجلة حتى لو كانت عن طريق الباطل. وتظهر الغوغائية في أكثر صورها قبحا عندما تتجلى في صراع بين أفراد ظن عنهم المجتمع أنهم متعلمون. فعندما ترى طلاب كلية عريقة تمثل عموم الوطن كالكلية الحربية يتجمهرون لتكسير قسم للشرطة لأن فردا منحرفا من ضباط الشرطة "أهان" هذا الطالب, تدرك مدى الغوغائية التي وصل لها أكثر الشعب.

أما البربرة, فهي الحفاوة والتهليل والتطبيل والفخر بالغوغائية. فإن كان طلاب الكلية الحربية غوغائيون, فإن ثلاثة أرباع الشعب الذي هلل لهم لأنه لا يحب الشرطة مصابون بالبربرة. وقد يلتبس معنى البربرة عند الكثير منا, فيظن البعض أنها سائل مخاطي يخرج من الأنف عند السعال أو الإصابة بالبرد. لكن المعنى الحقيقي للبربرة هي التخلف الحضاري. والكلمة مستعارة من اسم قبائل البرر التي تسكن صحراء جنوب الجزائر.

نفاق تفوح منه رائحة عفنة - وصولية الشعب

سأنأى بنفسي عن الخوض في الحديث عن هذه الثقافة. فأنا مصاب بالتهاب الجيوب الأنفية بالفعل.

غاية تبرر كل الوسائل - وقاحة الشعب

كثيرون هم أبناء الوطن الذين يبررون الوسيلة, أي وسيلة, طالما لهم غاية يرنون للوصول إليها. وأغلب هؤلاء يظن أنه طالما الغاية نبيلة فلا اكتراث يستحقه التحقق من الوسيلة التي يريدون الوصول بها لغايتهم. تلك الثقافة بعدما تأصلت في الشعب اصبحت مدخلا خفيا لتعميم الثقافة بغض النظر عن مدى نبل الغاية. فالذي يرى أن إيصال الغذاء والدواء لأهل قطاع غزة هو من أنبل الغايات لا يرى غضاضة في ترك الأنفاق التي ترتص على طول الحدود مع غزة لدعم تلك الغاية النبيلة, غير مبال في ما إذا كانت وسيلة الأنفاق هيا السبيل الأمثل لحماية أهل القطاع قبل وطننا من استخدام أصحاب النوايا المختلفة لهذه الأنفاق التي لا تخضع لعين رقيب عدو كان ام حبيب. فإذا كانت الغاية النبيلة تبرر الوسيلة, فلا ضير إن كانت الغاية ليست الأكثر نبلا أو حتى غاية ذات طبع شخصي, كل الوسائل مباحة, ثقافيا.

يتبع

تم تعديل بواسطة MaYousof
رابط هذا التعليق
شارك

egypeet.jpg

جذور المشكلة

بنات أفكار .. وأمل في غد عظيم

Image2.jpg

Image32.jpg

المخطط السابق محاولة للاقترب من جذور المشكلة.

يوضح المخطط أن ثقل الفساد والتربح المتواجد في الحكومة والذي يئن منه الوطن إنما تنبع جذوره الفعلية من داخل الشعب. وأن خلاص الوطن من هذا الثقل إنما يأتي من استئصال جذور المشكلة بدلا من قص الفروع التي ما تلبث لتنموا من جديد حالة وجود الجذور التي تمدها بالماء والغذاء.

Image33.jpg

المخطط السابق يوضح أن خفضا دراماتيكيا في نسبة الشعب عديم الوعي من 75% إلى 10% قد يكون سببا في انخفاض حاد في نسبة الفساد في الحكومة لتراوح نسبة 12% نزولا من 80% الموضحة في المخطط الأول.

يتبع

تم تعديل بواسطة MaYousof
رابط هذا التعليق
شارك

123151ee0600.jpg

سبل تحقيق الهدف

بالفعل .. لا برد الفعل

في تصوري أن محاربة الفساد في وطننا الغالي لن يتم وكثير من مواطنيه مصابين بداء عدم الوعي المسموم. فمحاربة عدم الوعي يجب ان تكون همّ كل غيور على وطنه محب له. وسبل تحقيق هذا الهدف تأتي بالعمل على كل فرد في المجتمع. وتتلخص جوانب هذا العمل في تلك النقاط:

  • التوعية! (للبالغين).
  • التربية! (للآباء والأمهات).
  • التعليم! (للأطفال والشباب في سن التعليم).
  • القراءة, ثم القراءة, ثم القراءة! (لكل الأعمار).

أولا: الوعي هو مفتاح تقدم الشعوب, والتوعية هي أولى مداخل الوعي, ومسئولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني تجاه الشعب. ومن أمثلة حملات التوعية التي حمل لواءها المجتمع المدني حملة صناع الحياة. وعادة مايكون دور الحكومة من حملات التوعية ذات دور تنظيمي أو صحي مثل حملة تنظيم الأسرة كمثال لأطول حملة توعية من جانب الحكومة, وقد تكون الحملة ذات دور اقتصادي كالحملة القصيرة للتوعية بفوائد المشاريع الاستثماريه من قبل وزارة الاستثمار, أو دور تأهيلي مثل الحملة القصيرة للمحافظة على القطارات من قبل وزارة النقل. وقد تكون حملة التوعية منفرة لبعض فئات الشعب دون عن الآخر. فانا شخصيا كان ينفرني الشعار الذي استخدامته وزارة الداخلية للتوعية بقانون المرور الجديد والذي يتلخص في كلمتين "قانون المرور الجديد .. مابقاش اختيار" بدلا من طرق باب التعاون مع قادة المركبات ليكون مثلا "قانون المرور الجديد .. فايدة لينا كلنا" أو "قانون المرور الجديد .. نبوس اديكوا توقفوا في الإشارة الحمرا مش لازم نركب كاميرات عشان تحترموا نفسكوا".

خلاصة القول أن حملة التوعية من الأهميه بمكان تستحق معه دور أكبر بكثير جدا مما هي عليه, لكن مشكلتها إنها مكلفة سواء على المجتمع المدني أو على الحكومة. فحملة مدتها شهر قد تكلف عدة عشرات من الملايين, واحنا بكل أسف مش هاين علينا ندفع 30 جنيه سنوي على الشقة أم نص مليون. والمجتمع المدني محتاجله حملة توعية موجهة ليه مخصوص عشان تقنعه بزيادة مشاركته في حملات التوعية.

في رأيي إن حملات التوعية مهمة أكثر مما تتصوروا وأثرها أعمق بكتير مما تتخيلوا وحاجة الوطن ليها ملحة لأبعد الحدود. مالا أعرفه حقيقة هو: كيف يمكن زيادة جرعة حملات التوعية المطروحة على الشعب لانتشاله من حالة عدم الوعي الغارق فيها؟

ثانيا: التربية, وأقصد بيها هنا الـ Parenting وهي قصة ليست بالهينة ..

يتبع

تم تعديل بواسطة MaYousof
رابط هذا التعليق
شارك

ثانيا: التربية, وأقصد بيها هنا الـ Parenting أو بالعربي هي التنشئة من قبل أحد الوالدين أو كلاهما للابناء, وتبدأ من سن الرضاعة حتى نهاية فترة المراهقة. والتربية قصة ليست بالهينة, فقد يظن الكثير منا أن نوعية التربية التي يتلقاها النشء في وطننا الحبيب هي من أكثر أنواع التربية مثالية على مستوى العالم. وفي اعتقادي الشخصي أنها من أسوأها على مستوى العالم. ولا ريب عند إذ أن يولدّ هذا النوع من التربية أفراد بثقافة معطوبه وعيون مغلقة غير قادرة على رؤية أساس المشكلة واعتقاد إن مفيش أحسن من تربية الأم المصرية والأب المصري. وقد يظن البعض أن الإبن أو الإبنة من أولادنا عشان يتربى لازم ينضرب, ومايضرش كام قلم تربوي على الوجه عند الحاجة, وأحيانا على أتفه الأسباب, غير قادرين ثقافيا على استيعاب قدر التشديد في كل النصوص الدينية على تحريم ضرب الأبناء بغض النظر عن جدية السبب. وبعيدا عن النصوص الدينية التي لا أحبذ شخصيا استخدامها لحسم المسائل نظرا لتعدد التفاسير المستنبطة منها, فيبدو جليا أن شعوب الأوطان التي لا تتضمن ثقافتها ضرب الأبناء ضمن أساليب تربيتهم هم أقل ظلما وفسادا في تعاملهم مع بعضهم البعض. فنحن نفضل أو في أحسن الأحوال نستسهل ضرب أبنائنا بدلا من مناقشتهم في جوانب الخطأ الذي ارتكبوه مبينين لهم سبب وقوع العقاب عليهم, إما اعتقادا ضمنيا منا أنهم أكيد عارفين هم بينضربوا ليه, أو أكيد مش هيفهموا خطأهم كان إيه فمينفعش نناقشهم عشان دول لسه عيال. فالطفل في الحالة الأولى ليس لديه القدرة على الاستنباط الصحيح للأمور وهو دوما مش عارف هو بينضرب ليه, بعكس ما نعتقده ضمنيا. والطفل في الحالة الثانية أكثر استيعابا للمناقشة المنطقية لتبين جوانب خطأه وإدراك عدل وقوع العقاب عليه. لكننا نتعامل دوما مع الأطفال على أنهم مستنبطون وغير مستوعبون على عكس حقيقة الاطفال والتي هي أنهم مستوعبون وغير مستنبطون. وبذلك يري الإبن المضروب دوما أن ضربه هو رد فعل غير عادل من ناحيتنا تجاهه, على عكس مانظنه نحن بعدلنا في ضرب أبنائنا. ويزرع هذا الظلم المتكرر من وجهة نظر النشء لديهم إيمان في لا وعيهم بأن الظلم هو عملية منهجية مباحة يمكن ان يستخدمها القوي تجاه الضعيف حانما استطاع وعندما يريد. فيخرج النشء إلى المجتمع أفرادا مرحبة بالظلم وممارسته بدون وعي, وتصبح ثقافة أصيلة في الشعب غير قادر على تميزها لأنها تأصلت في اللا وعي, وتنطبع هذه الثقافة الخفية بالتبعية على ممارسات الأفراد المسئولين عن الأجهزة الإدارية في الوطن كونهم أولا وأخيرا أفرادا تربوا على نفس المنهجية التي يتربى عليه أكثر أبنائنا.

تتبلد مشاعرنا عندما نرى الخطأ يتكرر مرة تلو الأخرى فلا نعود قادرين على استهجان هذا الخطأ فيما بعد, ونراه ممارسة طبيعية أو على الأقل مقبولة. وعندما نبتعد قليلا عن رؤية تلك الممارسات لفترة ثم نعود ونراها مجددا نستطيع رؤيتها بكل وحشيتها. فمفهوم ضرب الأبناء مفهوم وحشي للحد الأقصى حتى لو كان ضربا خفيفا للغاية, لكن نمطية هذه الممارسة بلدت مشاعرنا. فمن تجربة شخصية أحكيكم هذه القصة. قضيت ذات مرة تسعة شهور خارج مصر في دولة غير عربية, ثم عدت للزيارة. وبما إني وجدت تذكرة رخيصة للغاية على مطار الغردقة مباشرة قلت لنفسي جميل جدا, فليكن ترانزيتي في الغردقة بدلا من ترانزيت في مدينة خارج مصر مدام السعر تحفة. وصلت بسلامة الله للغردقة وأنهيت إجراءات الوصول سريعا واتجهت لصالة السفر الداخلي الكبيرة نسبيا فكانت خاوية على عروشها مفهاش غيري أنا, وواحدة بنت أجنبية قاعدة بعيد وعائلة مصرية من أم في أوائل التلاتينات, والزوج وطفل رضيع وابنته في حدود الخامسة من العمر, قاعدين أمامي. أنا بقى فرحان إني جيت مصر, هشوف بلدي تاني بعد فراق تسع شهور كاملة. وكانت أول القصيدة كفر, ده أنا لسه موصلتش للقاهرة حتى, يادوب لمست أرض الوطن ولسه مشفتش حاجة لا تفرّح ولا تزعّل, البنت اتشاقت شوية جنب المرأة الأجنبية, أمها اللي شايلة العيل الرضيع ندهت عليها بصوت عالي: "خدي هنا". البنت بطلت شقاوة, دقيقة وككل الأطفال رجعت تتشاقى, أمها ندهت وشخطت وما كان من مفر للفتاه إلا ان تعود لأمها, فانقضت عليها الأم والله كالوحش الكاسر, أو هكذا أحسست, أنا كنت مرعوب جدا والله بشكل لا تتخيلوه, أولا, أنا لا أعلم كيف تمكنت هذه الأم المصرية من تلطيش ابنتها مع إنها شايلة رضيع على حجرها! أنا ما أعرفش! قدرات طبعا. ثانيا, أنا لم أتخيل إن عدم رؤيتي لهذا المشهد الوحشي المتكرر كل يوم في حياتنا اليومية لمدة تسعة شهور ممكن يخليني أصعق بالقدر ده لما استفتح زيارتي لمصر بيه. أنا بجد حسيت إني بلييت البنطلون من الرعب من أهوال هذا المشهد, ولم ينقذ الطفلة الصغيرة إلا تدخل من المرأة الأجنبية التي ترددت كثيرا قبل أن تحزم أمرها بأن تتدخل لإيقاف هذا التعذيب الممنهج للطفلة. أنا كنت عايز أقوم أسجد سجود شكر لربنا إن المرأة الأجنبية لم تكن مصرية وإلا كانت قامت عشان تساعد الأم في تربية هذه الطفلة المسكينة, بس ماكانش ممكن أسجد بعد حادثة البنطلون إللي حسيت بيها دي. الغريب في الأمر إن الاب الذي كان يجلس بالجوار القريب من الأم لم يحرك ساكنا. بس ممكن تفسيره إن مشاعره تجاه الغوغائية في التربية ولدت عنده حالة من البربره. لكني استوعبت يعني إيه ممكن نكون مش شايفين قد إيه في بلاوي في ثقافة شعبنا وهو معمي تماما عنها وجاهل عن حقيقة انها خطأ فادحا يزرع إباحة الظلم داخل الجيل.

ومع إن خطأ واحدا في في إسلوب التربية ممكن أن يكون مدمرا للجيل بأكمله, إلا أن الموضوع عندنا لا يقتصر فقط على خطأ أو اثنين, بل هي سلسلة لا متناهية من الأخطأ التي نرتكبها دون أن نعي, فيولد أفراد مسئولين عن وضعنا الحالي. إننا لا ندرك مدى قابلية الاطفال على الاستيعاب والمحاكاة والتقبل, فلا نكترث إذا ما كانت اللحظات التي نمارس فيها الكذب تحدث أمام أبنائنا مادون سن المراهقة, وهذا خطر لا نستطيع تمييز عواقبه, فما نفتأ أن نمارسه بمنهجية هو أيضا كأننا نحرص أن يرانا أبناؤنا ونحن نكذب فينطبع عندهم في اللا وعي أنه امر مباح للوصول إلى الأهداف. فإذا كان هدفي أن يسكت إبني الزنان عن الزن فلا حرج عندي أن أعده بما أنا على يقين أني لن أوفي به لاحقا, لكني اعده كاذبا وصولا لهدفي في سكوته ولو لبرهة. فيتشرب أبناؤنا وهم في طور التشكيل استهواننا بالصدق ويهون عليهم الكذب والنفاق والتملق ليخرج لنا جيلا مسئولا عن الوطن, يصل منهم من يصل للمناصب الإدارية بالكذب والنفاق ليبدأ بعدها في استمرار الكذب واستمرار النفاق. إنني أشك أحيانا أننا مصابون بقدر من انفصام في الشخصية, فترنا ننكر بكل حزم أننا نكذب ولا نرى مقدار الكذبات الذي يمكن أن يقوم بها الفرد الواحد في اليوم الواحد. أنا لا أطالب شعب وطني العزيز بالتوقف عن الكذب أو ادعاء انه أبيض ونضيف ومابيكزبش ولا كذبة, لا أعزائي, فلنكذب قدر ما نكذب, فقط تجنبوا الكذب أمام الأبناء, أو عليهم. فالكذب هو أسوأ أنواع السرقة على إطلقها, فهو يسرق "الثقة" من الآخر, وهي شئ لا يمكن تعويضه بمال. اننا نستهون الكذب الذي يولد النفاق, ثم نتسأل ليه الوطن فيه فساد.

ليتنا توقفنا عند زرع إباحة الظلم والنفاق في لا وعي ابنائنا, بل زرعنا معها بغض الآخر والنفور من العمل الجماعي والميل للطبقية التي تتحول أحيانا لعنصرية كريهة, والقائمة لا تنتهي. قابلت ذات يوم طبيبا مصريا كان على وشك انتهائه من حصوله على الزمالة البريطانية, ومن حديثي معه عرفت كم ساءه أن في انجلترا تقريبا مفيش فرق في المعاملة بين الممرض والطبيب من ناحية الاحترام ونوع المعيشة وكده. لأن عندنا في مصر تربينا على إن الصح إن الممرض هو ابن البطة السودة, وماينفعش نعامله زي ما بيعاملوا الممرضين في انجلترا من ناحية الاحترام ونوع المعيشة مقارنة بالأطباء. الإنجليز دول رجعيين. يع عليهم.

خلاصة القول أن مشاكل التربية لدينا لا تحدها القدرة المادية, ولا مستوى التعليم, وأن مشاكل التربية لدينا هي أمور تترسب في لا وعي أبنائنا فلا نستطيع لاحقا ان نراها عندما نصبح أفرادا مع اننا نمارسها كل يوم, وعندما نبتعد لفترة ثم نعود يهولنا ماوصل له حالنا.

والحل من وجهة نظري هي ضرورة استيعاب خطورة مشكلة التربية في وطننا والعمل على إنشاء مراكز على نطاق الوطن كله مهمتها تأهيل المتزوجون حديثا وكل الآباء والأمهات ممن أطفالهم في سن التربية من الناحية التربوية. وتكون دورة التأهيل دورة خفيفة مرحة في حدود من 4 إلى 6 اسابيع تكفي لتعليم الاباء والأمهات أسس التربية السليمة والصحية وكيفية إنشاء جيل دون زرع اباحة الظلم والنفاق وبغض الآخر في وعيه الباطن.

ثالثا: التعليم,

يتبع

تم تعديل بواسطة MaYousof
رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 أسابيع...

أحييك يا أخى الفاضل على هذا التحليل الرائع لمشاكلنا فى مصر, وأتفق معك فى كثير مما قلته, فقط أنتظر تحليلك الرائع لدور الحكومات فى حل المشاكل, فليس الشعب وحده المذنب فى كل ما نعانى, أفهم تماماً أنك تقول أن الشعب والحكومة وجهان لعملة واحدة, ولكن إذا لم تكون الحكومة مساندة للشعب فيما تقترح من حلول, فأقل الأضرار أنها سوف تؤجل الإصلاح لفترة أخرى طويلة من الزمن, قد لا يكون لدينا ترف الانتظار لهذه الفترة الطويلة, ولا يخفى عليك ما وصلنا إليه فى كل المجالات.

أتمنى أن يكون لديك القدرة والإرادة على استكمال ما بدأته, ولا تيأس.

شفت أنا متفائل إزاى؟ :roseop:

بدون مبالغة، اللي ناقص عشان نفهم، إن المشير يطلع في بيان على الهوا وفي ايده السلاح ويقول: أيوة يا شعب احنا الطرف التالت، واحنا اللي ورا موقعة الجمل وماسبيرو والعباسية (1) والسفارة الإسرائيلية ومسرح البالون ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد والعباسية (2)، عايزين حاجة يا شعب؟

shawshank

رابط هذا التعليق
شارك

تسجيل متابعة باهتمام بالغ لموضوعك هذا ولموضوعك هذا أيضا :roseop:

نحن فى حالة حرب لم يخض جيشنا مثلها من قبل
فى الحروب السابقة كانت الجبهة الداخلية مصطفة
تساند جيشها
الآن الجيش يحارب الإرهاب وهناك من يطعنه فى ظهره
فى الحروب لا توجد معارضة .. يوجد خونة

تحيا مصر
*********************************
إقرأ فى غير خضـوع
وفكر فى غير غـرور
واقتنع فى غير تعصب
وحين تكون لك كلمة ، واجه الدنيا بكلمتك

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 4 أسابيع...

للرفع

راجع لكم

إن فشلنا في الوصول للحكم ولتغيير البلد .. لا تقلقوا .. نحن فكرة .. الفكرة لا تموت ... تستمر لا تتوقف

البرادعي 15/10/2011

رابط هذا التعليق
شارك

تسجيل متابعة وتحياتى على العرض الرائع، ويارب ألاقى وقت أشارك فالموضوع يحتاج شيئاً من التركيز والتحليل

تم تعديل بواسطة msayed
رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...