اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

هُجاس.


White heart

Recommended Posts

9189-HandWashing.jpg

الهُجاس OBSESSION، وقد يترجمه البعض بالوسواس او الاستحواذ، هو ببساطة استحواذ فكرة معينة، او صورة معينة على عقل الفرد، بحيث لا يرى شيئا غيرها، ولا يرى اي شيء الا من خلالها. والهُجاس يترافق عادة مع نوع من الهوس MANIA، وانواع من الافعال الهوسية، بحيث يمكن ان نقول ان الهوس نوع من الهجاس، او ان الافعال الهوسية هي في جزء كبير منها ذات منشأ هجاسي، والهجاس والهوس يؤديان الى التعصب والتطرف، والسلوك التعصبي المتطرف بمختلف اشكاله. فما التعصب في النهاية الا استحواذ فكرة معينة، لا فكرة غيرها على الذهن، وبالتالي تحديد السلوك على اساسها وفي اطارها. فالمتعصب والمتطرف هو بالضرورة شخصية هجاسية الى هذا الحد او ذاك، وهوسي السلوك الى هذا الدرجة او تلك. والشخصية الهجاسية، اذا سمح لنا اهل علم النفس بمثل هذه الاستخدامات، هي شخصية خائفة، بالرغم من مظاهر القوة والثقة بالنفس التي تبديها، والتي ما هي في حقيقتها الا مجرد قناع تخفي فيه خوفها من كل شيء وأي شيء.

ولذلك، فإن مثل هذه الشخصية تتوقع الشر من كل شيء واي شيء، ولذلك نجدها دائمة القلق بما «يدبر في الخفاء» ضدها من مؤامرات ونحوها. بمعنى من المعانى، فإن مثل هذه الشخصية هي غالبا وفي النهاية شخصية بارانوية Paranoiac. وعلى اختلاف انواع البارانويا التي تزخر بها كتب علم النفس، فالبارانوي قد يتصور العظمة في ذاته، وقد يتصور الاضطهاد، وفي كل الاحوال هو مطارد تحاك المؤامرات ضده، من كل احد ومن اي احد، خلاصة القول هي ان الهجاس والهوس والبارانويا، عبارة عن ثلاثة انماط من الفكر والسلوك تشكل نوعا من متلازمة Syndrome معينة، ما ان يظهر احدها حتى تتداعى البقية بشكل شبه تلقائي.

وعندما نتحدث عن مثل مظاهر الفكر والسلوك تلك، ولا نريد ان نسميها امراضا عصابية او ذهانية، فذاك متروك لأهل النفس من الاطباء والعلماء، فإنها يمكن ان تنطبق على الفرد والجماعة معا. فالشخصية من هذا النوع قد تكون شخصية فرد او جماعة او مجتمعات بأكملها. واذا كانت مثل هذه المتلازمة واضحة كل الوضوح في الافراد، ويستطيع اطباء النفس وعلماؤها تقديم نوع من العلاج لمثل هذه الحالات، فإنها تكاد تكون خافية في حالة الجماعات والمجتمعات، وذلك بسبب ان هذه المتلازمة تأخذ أشكالا سياسية واجتماعية تبدو وكأنها بعيدة عن النفس وانحرافاتها، بينما هي في واقع الحال تقع في صميم ذلك.

مجتمعات بأكملها اليوم يمكن ان تنطبق عليها معالم الشخصية البارانوية، وجماعات بأكملها يمكن ان تنطبق عليها اليوم صفة الهجاس والهوسية. واذا كانوا في الماضي يتحدثون عن متلازمة الجهل والفقر والمرض، فإنني اعتقد انه من الواجب اليوم الحديث عن متلازمات اخرى، لعل متلازمة الهجاس والهوس والبارانويا، وما يتفرع عنها من سلوكيات مختلفة، احداها. فعلل المجتمعات والجماعات لا يمكن اختزالها في عوامل مادية اقتصادية وحسب. ومتلازمة الهجاس، ان صح لنا ان نسميها كذلك، تتخذ اشكالا من الانساق العقيدية والآيديولوجية والسلوكية، لا توحي في ظاهرها بأن هناك علة في الفكر والسلوك، ولكن حفريات معمقة في داخلها تبين ما كان خافيا الى حد بعيد.

obsession.jpg

فاليساري المتحمس الى درجة الهوس مثلا، قد يرى مؤشرات المؤامرة الامبريالية، والمكر الرأسمالي في كل مكان، ويرى اصابع امريكا والمخابرات المركزية في كل زاوية من زوايا هذا العالم. ولعلنا نذكر ايام الثورة الثقافية في الصين 1965 ـ 1966، حين كان «البعبع البرجوازي»، و«الغول الرأسمالي»، يُشتم في كل فكرة وسلوك لا تتوافق من قريب او بعيد مع الحقيقة التي ينطق بها كتاب ماو الاحمر فقط. واليمينى المتحمس الى درجة الهوس مثلا، قد يرى الماركسية ومكر الشيوعية ومؤامراتها في كل زاوية. ولعل من الامثلة البارزة على ذلك، ما سمي بالحقبة المكارثية في الولايات المتحدة في الخمسينات من القرن الماضي، حين كانت الشيوعية ورائحتها تُشتم مع طبق الطعام الذي يتناوله الفرد. والقومي المتحمس، قد يرى العدو القومي في كل فعل او سلوك، حتى وان كان لا علاقة فعلية له به، كما في قضية الصهيونية في الحالة العربية، او الهند في الحالة الباكستانية، او اليهودية في الحقبة النازية.

والديني المتحمس الى درجة الهوس، يرى الاثم والخطيئة، والتحلل والانحلال، والكفر والكفار في كل فكرة وكل سلوك، وكل علاقة لا تتلاءم مع الحقيقة التي لا يعرفها في النهاية الا هو وحده، او الجماعة التي ينتمي اليها. فإذا كان البعبع الامبريالي هو مصدر بارانويا اليساري، والغول الشيوعي هو مصدر بارانويا اليميني، والعدو القومي التاريخي في الحالة القومية، فإن بعبع الكفار وفكرهم وسلوكهم، او من هم يقعون خارج الملة التي ينتمي اليها المتحمس، هو بعبع الديني الهوسي. ولعل افكار بعض الجماعات الدينية المهوسة في الغرب والشرق، وما جرى ايام محاكم التفتيش في اوروبا، وما يجري في افغانستان اليوم هو المثال الحي على ذلك.. المعنى بايجاز هو انه قد تختلف الافكار والتيارات والسلوكيات، ولكن الجوهر واحد في كل الحالات: تبقى المؤامرة وهاجسها، والبارانويا وهواجسها، ويختلف المتآمرون.

ليس معنى هذا الكلام ان كل ما هو، او من هو يساري او يميني او قومي او ديني، او غير ذلك من تيارات واتجاهات، هو بالضرورة هوسي او مصاب بالهجاس والبارانويا، وما يتفرع عن ذلك من افكار ومسلكيات تعصبية متوترة ومتطرفة. بل على العكس من ذلك، فإن تعدد زوايا النظر الى حقائق الحياة، وما وراء حقائق الحياة، مسألة واردة ومطلوبة، فبذلك تزدهر الحياة وتتفتح ازهار ربيعها. فليس كل قومي هو بالضرورة هتلر، وليس كل مجتمع قومي هو المانيا النازية. كما انه ليس بالضرورة ان يكون كل يساري هو ماوتسي تونغ، وان يكون كل مجتمع يساري هو روسيا ستالين، او البانيا انور خوجة. وليس من الضروري ان يكون كل يميني هو بينوشيه ومجتمعه العسكري. وليس كل ديني هو ماري «الدموية»، والثائر عليها جان كنوكس، كما انه ليس كل مجتمع ديني هو اسبانيا العصور الوسطى، او افغانستان العصور الحديثة. المتحدث عنه هنا هو هجاس الفكرة وهوس السلوك وبارانويا الذهن، اما ذات الفكرة فتبقى فكرة قد تصلح وقد تطلح، ولكن ذلك مناط بالواقع ومتغيرات تاريخ البشر، حين نبتعد عن الهجاس ومتلازمته.

بطبيعة الحال هناك اسباب كثيرة، متغيرات عديدة، يمكن ان يعزى اليها السلوك الهوسي، او متلازمة الهجاس كما سميناها، وسواء على مستوى الفرد او مستوى الجماعة. فعلى مستوى الفرد، قد تكون الاسباب والعوامل اشياء عائدة الى ايام الطفولة ومكبوتاتها، او الى ظروف النشأة الاولى، او عوامل التنشئة الاجتماعية، ونحو ذلك. وعلى مستوى الجماعات والمجتمعات، قد يكون مرد ذلك الى عوامل اقتصادية واجتماعية وتاريخية ذاتية وغير ذاتية، او حتى بيئية يبدو ظاهرا ان لا علاقة لها بالأمر. وقد يكون مرده الى انعكاسات نفسية تجد جذورها في الفرد نفسه، وقد يكون كل ذلك معا. ليس المراد هنا حقيقة مناقشة الاسباب، فذاك امر يطول، وربما يكون له مقال آخر. المراد هنا مناقشة ذات الفكرة، وذات السلوك المنبثق عنها: فتمييز السلوك هو مقدمة اولى لمحاولة علاجه، او حتى مجرد التعامل معه، كي لا نقرر ما نحن غير قادرين عليه.........

انا أتفق مع كاتب هذا المقال فى تحليله للهُجاس، و توفيقه فى أختيار الأمثال لتقريب المعنى، هذا المعنى الذى اراة من وجهه نظرى منتشرا نوعا ما فى بلدنا.

... أن واحدة من آساليب النُظم الديكتاتورية هى :

liberte_dexpression-28365515.jpg

وهى بكل أسف كانت ومازالت مٌنتشرة ومُستخدمة في بلدنا الحبيب وعلى كافة المستويات بلا إستثناء !

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...