محمد عبده العباسي بتاريخ: 21 مارس 2010 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 21 مارس 2010 أذكر وأنا أخطو خطواتي الأولي في عالم الكتابة القصصية والأدبية أني كنت من الحالمين بلا حدود بالحياة في العاصمة ، وبأنني طرقت أبوابها بقصة أولي نشرت لي في مجلة الجديد التي كان يترأس تحريرها الدكتور رشاد رشدي .. بلغت سعادتي الآفاق مبلغاً لا حد له وظننت أن الشهرة تقف بإنتظاري وبأنني قاب قوسين أو أدني من أصير كاتباً بشار عليه بالبنان وسأصبح في خلال سنوات قليلة من أساطين الكتابة في مصر ، خاصة وأنني صرت أغزو المنتديات الأدبية والثقافية في العاصمة كلما حللت بها ، وكم لقيت من التعب والكد دون أن أشكو من تلك المدينة التي عشقتها منذ أول يوم زرتها فيه منتصف سنوات الستينيات من خلال رحلة مدرسية .. غرس نجيب محفوظ سهامه في صدري وأربكني وهو الموظف الذي انتهي إلي سن الإحالة للمعاش وراح يجلس في مقهي ريش ليكتب ، في الوقت الذي حفظت فيه خطواتي جهة سور الأزبكية لأشتري من هناك كل ماأقدر علي حمله ، وأعود إلي مدينتي في ـ شمال شرقي الوطن 1ـ وأنا أظن بأنني قد أتيت بما لم يأت به الأوائل .. ورحت أخط الرسائل وأكتب القصص لأجد بعضها ينشر وبعضها الأكثر يذهب إلي المجهول ، وبدأت أشعر بأن الناس في القاهرة غير الناس وخاصة الأدباء ـ محمود تيمود االذي سحرني في نداء المجهول كان من البرنسات ، وإحسان عبد القدوس من صنف القادة المشاهير ويوسف السباعي من الأبطال ومحمد عبد الحليم عبد الله من البسطاء الوادعين ، ويوسف جوهر من الأفذاذ ، وعبد الحميد جودة السحار من النادرين ، وحسن فؤاد من الذين كنت أراهم كالعماليق ، أما عبد الرحمن الشرقاوي فكنت انظر إليه ملياً وأنا ارتعد من الخوف وتحت إبطي روايته الأرض ـ وفتحي غانم دان دائم الإبتسامة بسيطاً يجيب عن أي سؤال بسرعة ، وعلي النقيض تماماً كنت أجد في يوسف إدريس نجماً يليق به أن يكون من أصحاب الياقات المنشأة في السلك الدبلوماسي أو عالم السينما بصوته الآمر ومزاجه السريع الغضب .. رأيت هؤلاء الناس عن قرب وأنا أتحسس أولي خطواتي في العاصمة التي لا أجد لي مقعد فيها سواء في الأتوبيس أو المنتدي الذي أرتاده .. هؤلاء هم علية القوم الذين لا يطاولهم أحد في الكتابة ، ثمة هاجس ألح علي ، إنهم يرون في هذا الوافد الجديد وهو يحمل رائحة البحر بين أردانه وفي قصصه كما قال محمد محمود عبد الرازق هامساً دون أن يسمعه أحد ، كأنهم ينظرون إلي هذا الوافد الجديد إلي عالمهم ضيفاً غير مرغوب فيه ، ربما يضايقهم أو يحتل مقاعدهم .. وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي كان اللقاء مع محمد محمود عبد الرازق ، رجل يبدو كأحد العماليق الذين قدموا من عالم أسطوري ، ناداني بصوته الجهوري الجميل وسألني : ـ انت منين ؟ زلم يسألني عن اسمي ، فظللت صامتاً ولم أجب وقد جف ريقي ، وتفصد العرق من فوق جبيني وأنا في حضرته ، ثم قال : ـ باين عليك من بحري .. رددت : ـ من بورسعيد ، وأكتب القصة القصيرة.. ربت علي كتفي ، وكأنه راح ينادي علي الآخرين ليشهدهم : ـ عال .. عال.. معاك حاجة ؟ ـ أيوه ، ثلاث قصص .. ‘ إشجني .. ورحت أقرأ عليه واحدة منها ، وكمن يتغزل قال : ـ انت مشروع كويس بس حافظ علي مستواك وتزود بالقراءة .. ابتلعت ريقي ورشفت من كوب ماء دعا لي به مغ فنجان من الشاي ـ وراح يسدي لي النصح : ـ اجعل القراءة هدفك ، استوعب كل مايروق لك ، لكن .. وسكت فجعلت أنظر إليه ، قال: ـ الكاتب الصحيح هو الذي يمزق أكبر عدد من الورق ، ويلغي سطوراً بأكملها ليكتب كلمة واحدة ، الكلمة شرف وأمانة حافظ عليها دائماً .. توعدني .. وصافحني وذراعه القوية تهزني هزاً عنيفاً حتي أحسست بذراعي تكاد أن تنخلع، وانصرفت مودعاً ، وبعدها تعددت اللقاءات في القاهرة وبورسعيد والزقازيق وفيرها من المدن .. *** كان ذلك هو اللقاء الأول مع شيخ كتاب القصة المصرية الأستاذ محمد محمود عبد الرازق الذي رحل عن عالمنا يوم الثامن عشر من مارس 2010 بعد أن شغل الدنيا من حوله بعلمه وثقافته الموسوعية وكتاباته غن القصةو القصيرة التي تمثل نبراساً يهتدي به كل راغب في كتابة القصة القصيرة .. ومحمد محمود عبد الرازق هو أحد عشاق الأسكندرية في الصيف ، ثم يرجع إلي حلوان في الشتاء ، شخصية مصرية أصيلة ، وروح وثابة نحو ايقاد شعلة كتابة القصة القصيرة ، مولود بمحافظة الغربية في الخامس من مارس آذار من العام 1934م بمحافظة الغربية ويحمل شهادة الليسانس في الآداب ، وهو محام همام كما ظل يترتقي في وظيفته حتي درجة وكيل الوزارة كما عمل مستشاراً بالمملكة العربية السعودية .. عضو نادي القصة ، انضم لإتحاد كتاب مصر في العام 1975 وحملت عضويته رقم 192 فهو من جيل المؤسسين لهذا الصرح العملاق الذي يضم من بين أعضائه قامات فكرية وأدبية وسياسية واجتماعية ومبدعين من مختلف المناهل والمشارب عبر تاريخه الطويل .. قدم محمد محمد عبد الرازق للمكتبة العربية : 1- فن معايشة القصة القصيرة 2- زمن القصة القصيرة 3- الجرح الغائر 4- أن .. تحبوا 5 - بنات الحور 6- كوبري التاريخ 7- ساحل الذهب 8- ثلاث مجموعات مرهقة 9- جبل الأولياء 10- المنارة 11ـ القصة امرأة .. وغيرها من المؤلفات الأدبيه ومنها كتاب هام " أبناء نادي القصة" ويضم سجلاً شاملاً لأبناء هذا النادي العريق .. حصل محمد محمود عبد الرازق علي العديد من الجوائز منها : ** جائزة التفوق من هيئة قصور الثقافة 2003 ** جائزة الدراسات الأدبية من اتحاد الكتاب عام 2004 ** جائزة الرواية من دار الأدباء 2005 .. وظل الراحل الكبير يخط بيراعه في كافة الدوريات والمجلات والصحف ويشارك في العديد من الأنشطة الثقافية والأدبية ويمارس النقد الأدبي بصورة تليق بمقام فارس نبيل .. ـــــــــــــــــــــــ محمد عبده العباسي بورسعيد مصر. رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان