اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

قراءة في كتاب " ترام القاهرة"


محمد عبده العباسي

Recommended Posts

قراءة في كتاب

اسم الكتاب : ترام القاهرة

اسم المؤلف : محمد سيد كيلاني

الطبعة الثانية 2010م

الهيئة العامة لقصور الثقافة

سلسلة ذاكرة الوطن ـ العدد 6

=-==-=-

أحيي كل من ساعد علي نشر هذا الكتاب الهام الذي يغطي حقبة هامة من تاريخ عاصمة المعز وهي الحقبة التي واكبت تسيير أول قاطرة تعمل بالكهرباء في القاهرة ..

الكتاب الذي بين أيدينا من الضروري أن يقرأه كل عاشق لهذه المدينة أو زارها ليري بعيني رأسه هذا التغير المهول الذي بُعث الزلزال في أوصال القاهرة وحرك الراكد فيها بعد هذا الحدث الهام وكتب المؤلف محمد سيد كيلاني في الصفحة الأولي قصيدة مهداة للدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري وقت صدور الكتاب في طبعته الأولي بتاريخ 20 مايو 1942 م.

أعادت سلسلة ذاكرة الوطن بالهيئة العامة لقصور الثقافة نشر هذا الكتاب الذي كتب مؤلفه محمد سيد كيلاني مقدمة لا تقل روعة عما حملته الصفحات مؤكداً أن يوم الثاني عشر من أغسطس 1896م يعد علامة فاصلة في تاريخ هذه المدينة العريقة حين شقت قاطرة أول ترام شوارع العاصمة بداية من نقطة الإنطلاق في ميدان العتبة الخضراء لينقل الناس من عصر البداوة والتأخر إلي عالم الحضارة والتمدن.

كان الناس في القاهرة يعانون أشد المعاناة من صعوبة التنقل لأسباب كثيرة منها عدم توافر وسائل النقل وبطء حركتها ثم المعاملة السيئة التي يقوم بها أصحاب الحمير والعربات ، كما أن الشوارع كانت في حالة بالغة السوء فلم تمتد لها منذ زمن يد الإصلاح ، كما أن الظلام كان سائداً حيث كانت الشوارع الرئيسية هي التي تحظي بالإضاءة عن طريق استخدام غاز الإستصباح..

وبدخول القاهرة عصر الترام حدثت ثورة هائلة صاحبها انفكاك عري الأسر التي رأت في السهر خارج بيوتها مجالاً ، وأصبح من العسير علي رب الأسرة مراقبة بنيه خاصة بعد الذين شبوا عن الطوق ، ومن ناحية أخري راجت حركة التجارة ونشط البيع والشراء وأنشئت المحال الكبري في ميدان العتبة الخضراء قلب العاصمة وكثرت المسارح وصالات الرقص وحدثت حركة في المدينة تشبه إلي حد ما اللهاث للحاق بركب العصر من نهضة عمرانية وفنية ورياضية كما ظهر علي الساحة ماحمل اسم " الأدب الترامي" ووجد الأدباء أنفسهم في أحاديث لا تنقطع عن هذا العالم الجديد وماصبه العداء فريق وإنحاز إليه آخر وأسبغ عليه البعض بالفضل الكبير..

تحت عنوان " القاهرة قبيل عصر الترام 1892 ـ 1896م " ذكرنا المؤلف بمساحة العاصمة وحالة شوارعها وعدد سكانها وعدد بيوتها وجوامعها كما أوضح كم عدد البيوت والجوامع التي كانت المياه تصلها واعتماد سكان العاصمة علي المياه التي تستخرج من الآبار أو تستعمل مياه الصهاريج التي كانت تمتلئ في أيام الفيضان أو السعي للشراء من السقائين ..

وبين المؤلف في كتابه كيف تألفت لجنة في العام 1892م لوضع " خطة مجاري القاهرة" لإنقاذ المدينة من حالة التردي التي يعيشها الناس من الناحية الصحية و سوء مستوي النظافة التي تعانيها مرافقها ، فقامت بإسناد المشروع لمهندس أقام من قبل مشروعاً مماثلاً في مدينة بومباي الهندية واستمر العمل في مشروع مجاري القاهرة علي مدي خمس سنوات من عام 1909 حتي عام 1914م بتكلفة قيمتها مليوني جنيه مصري ..

في تلك الآونة عاني سكان العاصمة من أوبئة مثل الكوليرا التي البلاد في العام 1896م ، وقدم اللورد كرومر تقريراً في العام 1900 أشار فيه إلي الحالة السيئة التي تعانيها الشوارع من ناحية سوء النظافة أو عدم الكنس .

***

يوم 15 أغسطس 1893م نشرت جريدة المقطم خبر اعتزام الحكومة مد خطوط الترام عبر شوارع العاصمة ومنح مجلس النظار ( مجلس الوزراء) امتياز العمل لشركة بلجيكية ليبدأ العمل علي إنشاء ثمانية خطوط تبدأ جميعها من ميدان العتبة إلي أطراف القاهرة ، وتم تسيير أول عربات الترام في العاشرة من صباح أول أغسطس 1896م علي سبيل التجربة وساد الذهول الحشود من الناس التي تدفقت من كل حدب وصوب ورأت حسين فخري باشا ناظر الأشغال وقتها يركب إحدي عرباته ومعه لفيف من كبار موظفيه ـ وأعجب الناس لأول مرة قاطرة تسير بواسطة الكهرباء وانتابتهم الدهشة وعمهم الذهول مما حدا بالأولاد بأن يركضوا من خلف عرباته مرددين " العفريت .. الغفريت"..

ثم كانت الخطوة التالية في الثاني من أغسطس في نفس العام ، وبعد النجاح المدوي الذي تحقق بدأ العمل علي ردم الخليج المصري لمد خط ترام جديد من السيدة زينب حتي غمرة ، وحدث انفلات في أسعار الأراضي الواقعة بالقرب منه وزادت أسعارها أضعافاً وجني أصحابها من وراء ذلك الأرباح الطائلة ..

وبعد مدت الخطوط الجديدة ورأت الحكومة في العام 1908 ضرورة حصولها علي نسبة 5% من الأرباح يتم تحصيلها شهرياً ..

وقامت الشركة مع الحكومة بوضع شروط يلتزم الناس بها عند استخدام الترام من خلال السلوكيات القويمة والبعد عن الشغب أو سوء إستخدام عربات الترام أو أعمدته .

وعلي الرغم من انتشارعربات الترام وتضييقه السبيل علي عربات الأمنيبوس وظهور السيارات كمنافس جديد إلا أن الترام ظل محتفظاً بمكانته فهو وسيلة الإنتقال الشعبية والرخيصة التي لا تبعث الضوضاء والدخان الصادران عن السيارات ..

كان انتشار الترام كوسيلة للإنتقال له العديد من المثالب والمعايب فقد استغله البعض استغلالاً سيئاً من خلال سلوكيات مشينة حيث أضحت محطاته مكاناً لتلاقي العشاق وانتشار الموبقات ، ولم يقف الفساد الذي استشري عند حدود العاصمة بل تعداها إلي مدن أخري .

***

وبعد الترام دخلت الكهرباء حياة المصريين وولد حي جديد حمل اسم " هليو بوليس " لم يستسغ الناس اسمه فأطلقوا عليه اسم مصر الجديدة وانشئ مسجد كبير افتتحه في العام 1914 الأمير حسين كامل نائباً عن الخديوي عباس حلمي الثاني في احتفال مهيب حضره كبار رجالات الدولة ..

وامتد العمران لكافة أنحاء القاهرة وانتشرت حركة التجارة وزاد الإهتمام بالإعلانات في الصحف والمجلات وتم افتتاح البنك الأهلي في العام 1898م وخولت له الحكومة حق إصدار العملة الورقية ، وساعد الترام علي نشوء حركة رأي عام وتكوين وعي جديد نتج عن اختلاط السكان خاصة بعد نشوب الحرب بين الدولة العثمانية وبين اليونان عام 1897م وسهر الناس يتابعون أنباء القتال علي مدي ليالٍ طويلة ، كما انتشرت لجان لجمع التبرعات للجيش العثماني ولم يقتصر الأمر علي تبرعات الأغنياء فقط بل شارك فيها الفقراء وأفتي القضاة ورجال الأزهر بأن هذا الأمر هو فرض عين .

وصاحبت تلك الفورة التي اجتاحت البلاد الإهتمام بالعديد من الإحتفالات مثل عيد الجلوس السلطاني وغيره من الأمور التي ساعد علي انتشارها زيادة الوعي وتكوين رأي عام وقامت المظاهرات ضد الإحتلال البريطاني ..

وكان للترام فضلاً كبيراً علي الحركة الثقافية فتم تأسيس جمعيات أدبية وعلمية ودينية وأنشئت نوادٍ للموظفين وأخري للعمال ، وحدث إقبال كبير علي الإلتحاق بالتعليم العالي ومدارس الطب والمهندسخانة والحقوق والزراعة وقررت إدارة الأزهر في العام 1897م إدخال بعض المواد الحديثة ضمن مواد الدراسة .

وبحلول العام 1900 م بدأت الأصوات ترتفع لإنشاء الجامعة المصرية وولدت صحف ومجلات كثيرة وألفت الكتب المدرسية والثقافية وتم بناء المعرض الزراعي الصناعي بأرض الجزيرة وإنشاء دار الكتب المصرية ودار الآثار العربية بباب الخلق في نوفمبر 1903م.

وساهم ميلاد الترام في القاهرة علي تطور الحركة الفكرية بما أحدثه من المساعدة علي إلحاق الناس أولادهم بالمدارس وقنع كثيرمن المصريبن بأهمية العلم الحديث وساد بينهم جدلاً كبيراً حول عديد من القضايا الهامة التي استجدت علي الساحة الفكرية وتناولت الصحف بعض هذه القضايا وظهر كتاب قاسم أمين عن تحرير المرأة في العام 1899م .

كما انتشرت حركة عمالية واسعة ، اعتصب فيها عمال السجائر مطالبين بزيادة أجورهم وكذلك الخياطون وأضرب الحلاقون وعمال السكك الحديدية وعمال الترام أنفسهم من أجل تحقيق مطالبهم .

وظهرت فكرة إنشاء أول حزب اشتراكي في العام 1908 م الذي أسسه شبلي شميل ، وبدأ عهد جديد للحركة الوطنية في مصريبزغ وكالعادة كان الطلاب هم عصب هذه الحركة وكتب مصطفي كامل وغيره وبدأ النشاط الطلابي السياسي يزداد يوماً بعد يوم وبدأت الروح الوطنية تنمو نمواً هائلاً بين جموع المواطنين وكثر الحديث عن الوسائل التي تؤدي إلي النهوض بالوطن .

وأسهم هذا التطور الذي اجتاح القاهرة في حدوث حركة فنية كبيرة وعرفت المدينة المسارح علي نطاق واسع حيث قدمت الفرق المسرحية القادمة من سوريا ولبنان عروضها ونشطت حركة نقد مسرحي من خلال الأعمال الفنية قدمتها هذه الفرق ، كما اضحت الرياضة مجالاً خصباً للنشاط وانتشرت أساليب التباري والمنافسة ، وولد ماسمي بـ " الأدب الترامي " في هجاء الترام والنيل منه أو الإعجاب به والسرور منه .

أما عن " شبان العصر الترامي" فقد بالغوا في التأنق والزينة ليسهل عليهم جذب انتباه النسوة في الطريق العام وانتشر في سلوكهم اللهو والعبث والسعي للمجون والسهر ومصاحبة النسوة الخارجات عن حدود الأدب ، وأقام الخديوي عباس حلمي نفسه حفلات راقصة في قصر عابدين صدحت فيها الموسيقي ومُدت الموائد ، وهاجمت صحف هذه الأيام تلك المثالب وخاصة بعد انتشار موجة القمار بين الشباب الذين أضاعوا أموالهم علي موائد الميسر ، وعلي جانب آخر انتشرت النقائض السياسية وانقسم الناس إلي فريقين أحدهما يؤيد السلطان عبد الحميد والأخر يمدح كرومر بصفته نائباًُ لملك الإنجليز وفريق ثالث سعي لمدح الخديوي ذاته ، وزادت أعداد المستغلين للفلاح المصري وخاصة من بعض اليونانيين الذي جاءوا للبلاد وهم لا يملكون إلا النزر القليل فإذ بهم بعد فترة يتملكون الضياع والأجران والأراضي بعد إقراضهم الفلاحين بنظام الربا.

وفي باب حمل عنوان " الأدب الإرشادي" أشار المؤلف محمد سيد كيلاتي إلي أن فريقاً من المهمومين بقضايا الوطن وقفوا وقفة رجل واحد في صلابة ضد كل من نهب ثروات الوطن فدبجوا المقالات وحثوا الناس علي المضي قدماً فس سبيل الإصلاح وبث روح الصمود وعدم اليأس في نفوسهم حلماً بتحقيق المزيد من تحسن الأوضاع وهم يحفزونهم ويرفعون من هممهم وعزائمهم.

وكتب حافظ إبراهيم قصيدة عدت من هذا النهج الإرشادي ، وكذلك أحمد شوقي وغيرهم كثيرين كتبوا موضحين أثر طلب العلم ومزايا المرء المتعلم وأهمية ثقافة الشعب وشغلت قضية التعليم بال الناس وزرعت في نفوسهم نوعاً من الحساسية ورأوا فيها مسألة وطنية من الدرجة الأولي ومن هنا ازدادت الدعوة لإنشاء المدارس وضرورة تعليم الفتيات .

ولعب الترام دوراً كبيراً في الأدب الشعبي وتسابق الأدباء في إبداعاتهم بقصائد كثيرة ، وانتشرت المٍلح الترامية والنكات علي ألسنة الناس في ظل تلك البيئة الترامية ونما الأدب الشعبي أيضاً من خلال مانشرته الصحف من قصص وأشعار وأزجال وحكايات لم تكن تحدث في المجتمع المصري من قبل في زمن ماقبل الترام.

ـــــــــــــــــــــــــ

محمد عبده العباسي

بورسعيد

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...