شارون يبلغ شيخ الانتفاضتين مراده

[أسامة الكباريتي]

لكم تمنى الشيخ الشهادة .. ولكم سأل الله أن يمنحها له ..

من منا لا يحب الحياة .. والشيخ أحبها بكل ما فيها .. ومنحته الحياة الكثير ..

وحرمته الحياة الكثير ..

ككل الأعلام في أمتنا بدءا بالرسول الكريم تعرض الشيخ القعيد لكل صنوف الابتلاء ..

وعلى قدر المحبة يكون الابتلاء ..

وكلما ازداد عطاء الشيخ تعاظم الابتلاء ..

رجل مشلول فقد الإحساس في جسمة كله .. كل ما دون الرقبة ..

فقد بصره إلا قليلا .. عين كاملة ومعظم العين الثانية ..

التهاب مزمن في أذنه ..

مشاكل في الكلى والجهاز التنفسي .. وأشياء أخرى ..

لعلمهم بأن رأسه هي الجزء الوحيد الذي يشعر به .. تركز تعذيب الصهاينة على الرأس حتى كادوا أن يجهزوا عليه ..

الشئ الوحيد الذي عجزت تكنولوجيا العدو في الوصول إليه كان هو روحه المعنوية العالية .. عالية بفعل طاقات إيمانية لا محدودة ..

لم أسمع أنه شكى إلى ربه أوصاب هذه الدنيا .. بل كل ما علمته عنه أنه كان عبدا حامدا شكورا .. كثير التعبد ..

كثير الإلحاح في طلب الشهادة ..

حسبته كانت في السليم ..

فهو رجل ليس من أهل الدنيا .. وإن أحبها وعمل لها بما يرضي الله ..

بصيرته تجاوزت كل الحدود المادية التي كانت تكبله إلى كرسيه المتحرك .. وتغلق عليه أبواب حديدية لزنازين كئيبة .. وهو الذي لم يكن في حالة تسمح له بالهرب حتى ولو وضع في الخلاء ..

كان فكره أوسع من زنازين القمع في المعتقلات التي تواترت على استضافته .. قبل الاحتلال وأثناء الاحتلال ..

تمرد على أوامر الإقامة الجبرية التي حاولت السلطة (الوطنية) أن تفرضها عليه .. فخرج بكرسيه يتحدى زبانية السلطة المدججين بالسلاح .. فخرجت له عشرات الآلاف تحيطب وتعزله عن الزبانية الذين أسقط في أيديهم ووقفوا مشدوهين بهذا التجمع العفوي العارم ..

فلسطين لنا .. من النهر إلى البحر ..

كلمات قلائل جسدت استراتيجية لم يتزحزح عنها قيد أنملة ..

ربى عليها أطفال الحجارة .. فلما شبوا عن الطوق تعلقت أرواحهم بالشهادة من اجل هذه الاستراتيجية التي نهلوها من المنبع العبقري ..

كان جل اهتمامه منصبا على الجيل الجديد ..ودوما كان هناك جيل جديد .. ففلسطين ولادة .. والمسجد هو خير ما يمضون به أوقاتهم .. فهناك دوما الشيخ المعلم ينتظرهم .. يسأل عن كل واحد منهم .. ويسأل كل منهم عن أدق التفاصيل .. فهو الحريص على التنشئة المميزة للقادة المستقبليين ..

فلسطين لم تكن الإطار المغلق على فكره .. ولو أن الجسد النحيل السقيم قد تمترس فيها بملئ إرادته .. ولو أن القيود قد فرضت عليه فلا سبيل له لمغدرتها حتى ولو للعلاج ..

الأمة الإسلامية .. والإنسانية كلها كانت تشكل الإطار الأرحب لفكر الرجل ..

فهموم العراق .. ومن قبلها أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفو وووو كلها كانت تستقطع من قلبه وعقله مساحات تتوازى مع قلب الهموم فلسطين ..

شعر الشيخ بدنو أجله .. فتجهز له بخير ما ما يمكنه ..

ودع أهل بيته .. دون ان يودعهم .. لكنه باح لهم بما يشعر به .. فالشهادة في طريقها إليه ..

قبل عدة أيام من استشهاده سأله ابن أخيه عن سبب عدم إقامته في منزل أو شقة مبنية من الاسمنت فقال له ساخراً "لا تقلق أسست سقف منزلي من نوع الاسبست المصفح إنه مضاد للصواريخ".

نعم لقد أسس للشهادة ما يلزمها ..

أمضى ليلته بين أحبابه في المسجد .. فأطفال الحي لا يفارقونه طالما هو معتكف ..

بعدما اطمأن على الأطفال وقد عادوا إلى منازلهم بعد صلاة الفجر .. انطلق بكرسيه لتلقي هدية شارون التي طالما انتظرها بكل شوق ..