محمد عبده العباسي بتاريخ: 1 أبريل 2010 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 1 أبريل 2010 محمد ابراهيم هلال.. الأديب المصري الذي لا يذكره أحد.. هو واحد من الأدباء المصريين أصحاب الأيادي البيضاء علي كل من حولهم ، عاش حياته بالطول وبالعرض وذاعت شهرته بين معارفه ومحبيه بأنه رجل معطاء يبذل في سبيل الأصدقاء كل مايملك ، ولم يعرف عنه بخل ولا تقتير علي نت عرفهم وعرفوه. محمد إبراهيم هلال هو رجل غوي الأدب فسعي لإحترافه ،مخر عباب بحاره دون أن يخشي أو يبالي ، مضحياً في سبيل تحقيق حلمه كل غالٍ وثمين .. هو أديب فخم ضخم كما وصفه كل من عاصره ، له دراية كبيرة بكل مجريات الأمور من حوله ، تحمل جعبته الكثير من الأسرار ، والقدرات والمواهب التي تفوق كل تصور ، تجلي ذلك كله في قوة البيــان وطلاقة اللسان .. كانت لديه قدرة كبيرة علي معرفة ما تختلج به نفوس كل من حوله حتي قبل أن يفصحوا عنها ، كما يمتلك كماً هائلاً من العلم بأخبار أهل الفكر والأدب ورجالات الدولة في أوائل القرن العشرين .. في بكريات حياته اتخذ من الصحافة مهنة فمارسها ، وراح يدبج المقالات في العديد من الصحف كـ " المؤيد والمقطم ومصباح الشرق " معالجاً في كتاباته الكثير من قضايا الأدب والسياسة والإجتماع ، وحين شعر بأنه قد صار أهلاً وبإكتمال موهبته كتب في مجلة " الكشكول " الفكاهية وأثري صفحاتها بصولاته وجولاته .. وسارت به الحياة يدور في فلكها حتي ألح عليه هاجس كان يؤرقه منذ زمن وراح يداعبه ، وظل هذا حلمه بإصدار مجلة أسبوعية ليكتب فيها ما يشاء .. وبالفعل بدأ أولي خطواته في تحقيق الحلم ، وولدت علي يديه مجلة " النواب " ولكنها لم تعش طويلاً بل ووئدت في مهدها ، وتسببت خسائرها في ضياع جزء كبير من ثروته ، وعلي الرغم من تلك الخسارة فإنه لم يكف عن المساهمة في تحرير جريدة " الكشاف " اليومية التي كان يصدرها المليونير أحمد عبود ، ولم يلبث سوء الحظ أن لاحقها هي أيضاً فلم تستمر.. وعاد محمد إبراهيم هلال لينشر مقالاته وما تجود به قريحته في صحف ومجلات كثيرة كلما دعته حاجة أو مناسبة لذلك .. وفي كتابه الشيق " فلاسفة وصعاليك " يتوغل بنا أستاذنا الأديب الراحل محمد فهمي عبد اللطيف في عالم محمد ابراهيم هلال وهو يحدثنا عن سمات هذه الشخصية الفريدة من نوعها ، شخصية جرفها حب الأدب فسلكت دروبه الوعرة بكل تفانٍ . نشأ محمد ابراهيم هلال شاباً منعماً مرفهاً يرفل في حلل النعيم تحت جناح أسرة ثرية ينتهي نسبها إلي " خيري بك " أحد الذين أولاهم السلطان العثماني سليم الأول عنايته ـ وقربه منه ـ بعد أن غزا مصر واستولي عليها عام 1517م ، وينتهي نسب أمه إلي السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها .. تربي محمد إبراهيم هلال تربية حسنة حيث ألحقه أبوه بمدرسة " الفرير" الفرنسية علي غرارأبناء الطبقة العالية التي ينتمي إليها فأجاد لغتها وتعلم آدابها ، وسلك في حياته سلوكاً قويماً كفل له الظهور في المجتمعات الراقية بشكل لائق . وشغف الشاب الطموح الذي تربي في تلك البيئة الفرنسية وثقافتها باللغة العربية وآدابها فتعلق بها قلبه ، وراح ينهل من معينها ويلج بحارها ويجدف بلا هوادة بين أمواجها حتي استقام لسانه فأخذ يدبج المقالات الرصينة وينشئ الشعر الذي راوده الحلم يوماً بأن يصبح من أربابه أو أحد أقطابه وبذل من أجل هدفه الجهد الكثير والمال الوفير ليصل إلي طموحه ومراده ، في الوقت الذي كان كل أبناء جلدته من الأثرياء لا يأبهون بأمور كهذه ، فمنهم من كان يستأجرمن تزخر قريحته الأدبية ليقدمه له دون تعب أو تفكير . كان محمد إبراهيم هلال كثير الإعتداد بنفسه ، يقدر الأمور من خلال بنظرة صحيحة ولا يرضي إلا بما هو جاد وصادق ، فهو يمتلك بين جوانحه نفس فنان ساخر ، وقلم كاتب متمكن توهجت موهبته في بوتقتها فملك قدرة لا تباري في كتابة الصور الوصفية للأشخاص يكشف عن خصائصهم بقلمه ويميط اللثام عن كثير من مكنونات أنفسهم ، فحفلت صفحات مجلته " النواب " بصور كثيرة منها حملت عنوان " في المرآة" ، وبعد أن أغلقت المجلة أبوابها اتجه للكتابة في مجلة الكشكول التي زودها بحصيلة مما استقته روحه من ثقافة أجنبية في الكتابة ، وتجلت شخصيته الإبداعية واضحة في هذا المجال ، وفتح الطريق أمام الكثير من الكتاب ليقتفوا أثره وساروا علي دربه .. قفز محمد ابراهيم هلال بهذا الفن ـ فن كتابة الصور الوصفيةـ قفزات كبيرة ، ومن جملة هذه الكتابات الساخرة تلك المقالات العديدة التي نشرها في مجلة الكشكول تحت عنوان " مجلس النواب في المنام " وغيرها من المقالات الأخري التي كتبها بعنوان " حزب النفاق" التي صور فيها أعضاء حزب سياسي ألفه مجموعة من الباشوات وقتها ليدافعوا عن الملك فؤاد الأول . واستمرت مقالات محمد إبراهيم هلال الساخرة حتي بلغ بها الذروة الفنية بعبقرية صور فيها الملامح والخصائص للأشخاص من خلال براعة في كتابة الحوار القصير المركز الذي يجري علي طبيعته في سير الحدث دون نفور أوشديد انفعال ، حتي أن المرء ـ حسب قول محمد فهمي عبد اللطيف ـ ليشعر من خلال قراءته لها بأنه يري الشخصية حية تروح وتجئ من تحت بصره وسمعه أو كأنها تتحدث إليه ، كما يجد المرء أيضاً في خلال القراءة عالماً بارعاً من الحبكة الفنية الرائعة التي تملأ النفس بالضحك والسخرية والعجب والطرب.. كان محمد ابراهيم هلال مخلصاً للأدب أشد الإخلاص فجعل من داره في الحلمية الجديدة ملتقي للأدباء من كل حدب وصوب يحضرون الندوات التي يؤمها كبار رجالات الفكر والعلم في ذلك الزمان وعلي رأسهم الإمام الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سليمان وأحمد باشا تيمور وابراهيم ومحمد المويلحي وحافظ ابراهيم وغيرهم من أعلام ذلك العصر . كان محمد ابراهيم هلال فناناً وأديباً مصرياً خالصاً موهوباً مفتوناً بعوالم الفن والأدب التي راقت إليها نفسه وتاقت لها روحه ، حتي قيل لو أن رجلاً مثله وجه اهتمامه وقدراته في الكتابة الحوارية تلك إلي الكتابة في المسرح لكان له شأن آخر في ذلك الزمن الذي كان المسرح المصري يعتمد فيه علي النصوص الأجنبية المترجمة ويصفون من يقومون علي أمر الترجمة ليسوا سوي أدباء من الدرجة الثانية سواء في القصة أوالرواية أوالمسرحية . انطلق شيطان الشعر علي لسان محمد إبراهيم هلال من قمقمه يجلجل في حضرة عمالقة ذلك الزمان ، لكن أني لصاحبه أن يطاول أصحاب هذه القامات من الشعراء وقتها .. وأدرك الرجل بثاقب نظره هذا الأمر فهو ربان ماهر ، فرأي أن عليه الإبحار في لجج وبحار الكتابة النثرية ، وراح يخط بديع المقالات بجميل العبارات في شتي ميادين الأدب والنقد والمجتمع حتي اشتد عوده واستوي وبرع وبرزت مواهبه وبانت ملامح شخصيته فأصبح بين الطليعة من أدباء وكتاب زمانه. وعلي الرغم من ذلك فقد كان محمد ابراهيم هلال لا يري نفسه إلا وهو يحتل القمة ، ويقف شامخاً في أول الصفوف ولا يرضي عن ذلك بديلاً .. وفي تلك الفترة حدثت بعض التطورات الوطنية التي فتحت الأبواب أمام الناس للظهور ، فخاض في بحر السياسة من خاض إلا أن نفس محمد ابراهيم هلال أبت إلا أن يكون له صوته الخاص وأراد أن يحظي بجواز المرور إلي مجلس النواب بناء علي رغبة الجماهير ولكنها أبت أن تمنحه هذا الشرف . علي أن هذا الإخلاص من محمد ابراهيم هلال سرعان ما قابله شبه جحود ممن هم حوله من الأدباء الذين كانوا يرون فيه الدجاجة التي تبيض ذهباً ، فالرجل لا يرد سائل أو يرفض لأحد أي طلب مهما عظم شأنه أو كبر . وربما لا يصدق أحد أن رجلاً مثل محمد إبراهيم هلال حمل علي عاتقه نفقات اصدار الطبعة الأولي من ديوان حافظ ابراهيم ، بل وقام بنفسه علي شرحه وتقديمه بقلمه لجمهور الشعر .. وكان الشاعر أحمد نسيم يلازم محمد ابراهيم هلال كظله ، فهو أكثر المقربين منه ، كما كان يغدق علي الكثير من أصدقائه الشعراء مثلما كان يفعل الخلفاء في زمن سعي الشعراء إلي بلاطهم .. كان محمد ابراهيم هلال قد ورث مئات الأفدنة من أخصب الأراضي والأطيان الزراعية في مصر ، ولكنه بددها جميعاً في سبيل ماتهفو إليه نفسه من تطلع نحو سموات الأدب ، ولم يقف به الأمر عند هذا الحد بل راح يبدد ثروة زوجته في سبيل غاياته ونال منها الشئ الكثير ورهن منها الجزء الأكبر لدي البنوك ، حتي انتهي به الأمر واضطرته ظروف الحياة القاسية لكسب قوت يومه من كتاباته .. علي أن شهادات من عاشوا عن كثب معه عرفوه ( عفيفاً معتصماً بدينه إلي حد التشدد). ويؤكد محمد ابراهيم هلال أن استحسانه لشعر حافظ ابراهيم في الخمر وهو يشرح ديوانه يرجع إلي أنه ـ كما يؤكد ـ لم يكن إلا كلاماً يردده الشعراء وليس له في الواقع من أساس ، ويرينا هذا الموقف في الرجل الذي لم يعاقر الخمر مدي حرصه علي دينه وأخلاقياته . في ذلك الزمان كان المسرح المصري لا تصعد علي خشبته سيدة لتؤدي دوراً من أدوار النساء ، وحدث أن استقدم الشيخ سلامة حجازي فتاة لبنانية اسمها " مليا ديان " قامت بدور في احدي مسرحياته ما أن رأها محمد ابراهيم هلال حتي ملكت عليه فؤاده وشغف بها ، واشتعل الهوي بين جنبيه ، فجمالها الطاغي جعل منها مادة خصبة لأحاديث الناس ، وراح محمد ابراهيم هلال يغدق عليها من ماله وهداياه ، ومن العجب أن سمو أخلاقه ورفعة نفسه أبت أن تشهر بالمحبوبة في شعره أو نثره علي غرار ما كان يفعل القدامي والمحدثين من الشعراء بل وكل الأمر إلي صديقه أحمد نسيم ليخط بيراعه ماتعتلج به نفسه من هيام وعشق بالممثلة التي ملكت كل نفسه . وفي نهاية حياته عكف محمد ابراهيم هلال علي أوراقه يبثها من فيض عطائه فألف كتاباً ضخماً تحت عنوان " عظماء مصر كما أعرفهم لا كما يعرفهم الناس " ورغم ماكان يتمتع به من ثراء إلا أن أحواله المادية وقتها لم تكن لتسمح له بأن يدفع به إلي دور النشر. وحدث أن واجهت مصر في تلك الأونة أزمة سياسية كبيرة أصبح الحاكم فيها يقف إلي جوار المستعمر ضد ارادة الشعب ، كان اسماعيل صدقي علي رأس الوزارة فأراد محمد ابراهيم هلال أن يسترد الدور الذي افتقده بسبب عدم منح الجماهير له الحق في دخول مجلس النواب ، فجمع الحاكم عدداً من أصحاب المصالح من حوله وشكل منهم نواباً وشيوخاً وكان محمد ابراهيم هلال واحداً منهم ظناً منه أنه بذلك يلحق ببعض ما فاته. وبعد حين أدرك الرجل خطأ ما ارتكبه في حق نفسه وبما لا يليق بها فإجتاحه حزن شديد ، زاد من ألمه وعانت روحه من فاعتلت وسامها السقم ، وحين شعر الرجل بقرب منيته والنهاية الحتمية لكل انسان حي ، حمل علي عاتقه حقيبة ضخمة أودع فيها كل آثاره ومنها كتابه المخطوط بالإضافة إلي عصا ذهبية كانت أثيرة إلي نفسه وترك ذلك كله أمانة عند صديقه الأثير أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي وقتها.. ومرت الأيام وانتهي كل مافيها إلي عالم مجهول لا أحد يعلمه سوي الله سبحانه ، وطوت الأيام هذه الأمانى فلم يظهر منها أي شئ .. وفي النهاية انتهي به الأمر إلي عضوية برلمان إسماعيل صدقي وضياع سفر ضخم كان من الممكن أن يثري الحياة الأدبية في مصر ، ورحل صاحبه دون أن يذكره أحد .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد عبده العباسي بورسعيد مصر رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان